قراءات نقدية

طارق الحلفي: من خيانة المبادئ إلى تسليع القيم

قراءة في مقالة الكاتب والروائي يحيى علوان المعنونة: ("سلمان رشدي.. المورسيكي الذي خلع "قفطان" اليسار)*

1. مقدمة: التغيرات الفكرية بين الواقعية وخيانة المبادئ

في هذه المقالة، يستعرض الكاتب بمرارة كيف يتحول المثقف من حارس للقيم والمبادئ إلى أداة تخدم السلطة، سواء كانت سلطة المال أو النفوذ السياسي. هذا التحول، الذي يشبه الانقلاب على الذات، يُعتبره خيانة لكل ما دافع عنه المثقف في مسيرته الفكرية.. لذا نجد ان الكاتب يستشهد بأمثلة معاصرة وتاريخية ليبرز هذا التناقض.. التناقض الذي يعكسه بعبارات قوية مثل "يبصقُ في البئر الذي شربَ ويشربُ الآخرون منه".

2. استعادة الروح البرجوازية: خيانة المثقف لذاته

يشير الكاتب إلى أن التحول الذي شهده سلمان رشدي ليس حادثة فريدة وفردية.. بل هو جزء من نمط متكرر في التاريخ الثقافي. ولم يُقدم رشدي الا كمثال حي للمثقف الذي تخلى عن قضاياه الأولى والمبدأية وانحاز إلى السلطة.. متناسياً وقوف المثقفين والأحرار إلى جانبه عندما كان محاصراً بالفتاوى والتهميش والقتل.. ويرى الكاتب أن رشدي لم يتحول هكذا وفجأة.. بل لان روحه البرجوازية المختبئة خلف كم من التراكمات الملتاثة والقلقة.. ظهرت عندما وجد نفسه في حاجة للحماية الشخصية. هذا الانقلاب ليس مجرد تحول في الفكر، بل هو سقوط في الخطيئة، كما يصفه الكاتب.

3. المقارنة بين الأعداء والمقاومين: من طالبان إلى غزة

في نقاش عميق حول المقاومة، يتساءل الكاتب عن المقارنة بين حركات المقاومة الشرعية والمجموعات الإرهابية مثل القاعدة وداعش.. ويرفض بشدة أي محاولة لمساواة المقاومين الفلسطينيين في غزة بتلك الجماعات، ويعتبر أن من يقوم بذلك، مثل رشدي، قد وقع في فخ السطحية والانحياز للسلطة. هذا النوع من الخطاب يعكس، كما يؤكد الكاتب فقدان البوصلة الأخلاقية والانصياع الأعمى للتيارات المتذلة والسائدة.

4. ثمن التحول: الانعزال والانكشاف

يلمس الكاتب موضوع الانعزال الذي يعاني منه المثقف بعد تحوله، حيث يجد نفسه مكروهاً وعارياً بلا محبة او تضامن أو دعم حقيقي، إلا من السلطات الدكتاتورية والإعلام الموالي للصهيونية. ويستمر الكاتب في تأمل هذا المشهد البائس، مستخدماً لغة مليئة بالاستعارات الشعرية، ليصف حالة المثقف الذي تخلّى عن مبادئه في مقابل "المال والسلطة والنجومية". هذا الانحدار، كما يراه الكاتب، يقود إلى فقدان الذات والاحترام.

5. أمثلة تاريخية: خيانة الأمهات والأصول

من هنا يروي الكاتب قصة رالف غوردانو، الذي تحول من مدافع عن الشيوعية إلى ناقد لها بعد هروبه إلى ألمانيا الغربية.. ويتوج القصة بمشهد مؤثر لوالدته التي تتبرأ منه علناً في إحدى المحافل، مما يعكس فكرة الخيانة ليس فقط للأفكار، بل للأصول العائلية والإنسانية. هذا التناقض بين ماضيه النضالي وواقعه الجديد يعكس بدقة الصراع الداخلي الذي يعيشه المثقف عندما يخون ذاته.. كما يفضح في هذا السياق" الزواج الكاثوليكي بين المؤسسات الاعلامية والسلطات الحاكمة".. بما فيها القضائية وممارساتها القمعية لمنتقديها وفاضحي توجهاتها الليبرالية الجدية

6. خيبة الوعود وثمن الفردانية

ينتهي الكاتب بتأمل في مصير "الوعود الكبرى" التي لن تتحقق في زمننا هذا. فحتى الحرية، التي اعتبرها بعض الشعراء والمثقفين قيمة عليا، أصبحت مسألة نسبية في مواجهة التبريرات السياسية والاجتماعية. الكاتب ينقد بشدة مفهوم "الفردانية" الذي رفعته الليبرالية الجديدة إلى مستوى القيمة العليا، مؤكدًا على أن هذا أدى إلى "تسطيح وتسليع كل شيء"، بما في ذلك الفنون والآداب.

7. المقالة مكتوبة بلغة أدبية مكثفة، مليئة بالاستعارات

والتلميحات التاريخية. هذا الأسلوب، رغم جاذبيته، يمكن أن يُصعب على القارئ غير المعتاد على هذا النوع من الكتابة فهم الفكرة الأساسية.. كما واستخدام الرموز التاريخية والثقافية لإبراز الانقلاب الفكري يعزز من قوة الحجة...

8. الخلاصة: سقوط المثقف بين المبادئ والواقع

الكاتب يعبر عن خيبة أمله من المثقفين الذين تخلوا عن مبادئهم وانحازوا للسلطة، ويرى في ذلك تجسيدًا للسقوط الأخلاقي. النقد الذي يقدمه للمشهد الثقافي العالمي هو نقد لاذع، يعكس تشاؤماً عميقاً تجاه إمكانية الحفاظ على المبادئ في وجه إغراءات السلطة والنفوذ.

مقالة جديرة بالقراءة..

***

طارق الحلفي - شاعر وناقد

...........................

* أخر ما كتبه الفقيد في صحيفة المثقف في// 122024-06-

https://www.almothaqaf.org/opinions/976033

في المثقف اليوم