قراءات نقدية

كريم عبد الله: قراءة نقدية في قصيدة "مَطَرٌ.. فِي عَيْنَيّ!! للشاعرة هنده السميراني

القصيدة /مطرٌ في عينيّ/ للشاعرة هنده السميراني هي نص شعري يعكس عمق الحزن والقلق الذي يعيشه الشاعر في مواجهة الحياة، بتمثيل استبصاري للواقع الداخلي للذات التي تعيش لحظة من الأسا والضياع. من خلال دراسة نقدية أسلوبية لهذه القصيدة، يمكن تحليلها عبر مجموعة من الأبعاد الجمالية واللغوية والفكرية التي تقدمها.

1. البنية اللغوية والتعبير المجازي:

القصيدة تميزت باستخدام العديد من الصور البلاغية والاستعارات التي تتسلسل في نسقٍ مؤثر لتعكس الألم الداخلي، مثل /تتسَلَّلُ فِي جُنْحِ الْأَسَى/ و/تتَكَاثَفُ سُحُبُ الْأَحْزَانِ/. هذه الاستعارات تستخدم سحب الحزن والضوء والتأمل الداخلي لخلق حالة درامية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالحالة النفسية للشاعرة. السحب هنا ليست فقط صورًا بصرية ولكنها تعبير عن تراكمات الألم، بينما الظلام الذي يحيط بالشاعرة يعد استعارة للحالة النفسية المظلمة التي تحيط بها.

المفارقة:

تظهر المفارقة في تضاد الكلمات مثل /تَتَمَنَّعُ وَتَفِرُّ مِنْ ظَلاَمٍ/ حيث تتقاطع الرغبة في الضوء (الحروف المضيئة) مع الهروب من الظلام الداخلي. هذا التنافر بين الأمل والواقع الحزين يُظهر الصراع الدائم بين الذات الداخلية وتحديات الحياة.

2. الرمزية:

المطر: المطر في العنوان والعناصر الأخرى من النص يُمكن تفسيره كرمزية للعاطفة الجياشة أو الندم والحزن. المطر هو نوع من /الانسكاب/ الداخلي الذي يعكس غزارة المشاعر التي تتراكم في النفس، سواء أكانت أحزانًا أم أملاً ضائعًا.

الظلام والنور: كذلك، يظهر التوتر بين الظلام والنور كرمزية لصراع النفس بين الإحباط والإرادة. الظلام يرمز إلى اليأس أو عدم الفهم، بينما النور يرمز إلى المحاولات المستمرة للبحث عن إجابات أو طريق للخروج.

الأسئلة الوجودية: /أَيَّ السُّبُلِ تَقْتَفِيهَا؟/ و/أَيَّ الدُّرُوبِ تَسْلُكُ؟/ تشير إلى تائهة الشاعرة في بحثها عن معنى لحياتها أو لمشروعها الإبداعي. هذا التردد في اتخاذ القرار والضياع يبرزان الحالة الوجودية التي تعيشها الذات في حالة حيرة وتوهان.

3. الإيقاع والتنقل بين الأزمنة:

الشاعرة تنتقل بين الزمن الحاضر والماضي من خلال ذكر السنوات والتجارب: /عِجَافِ السِّنِينِ/، مما يعكس مرور الزمن المؤلم. كما يظهر التنقل بين الأمل واليأس في تتابع سريع، ما يعزز شعور المتلقي بالتحولات السريعة والمفاجئة التي تعيشها الشاعرة.

4. الأسلوب الشعري والانسياب:

استخدام الشاعرة للأسلوب الشعري المنساب والمتتابع بين الجمل الطويلة والعبارات المتقطعة يعكس تذبذب المشاعر بين الفقد والأمل. تميزت الجمل بجزالة الكلمات وثراء الأسلوب، إلا أنها تواكب شعور بالشتات والتعب العقلي. هذا الأسلوب يعكس كثافة الشعور الحزين والإحساس بالانفصال الداخلي.

5. التأثير العاطفي والفكري:

القصيدة تعكس حالة من الانكسار النفسي، لكن على الرغم من هذا، فإن هناك بحثًا مستمرًا عن المعنى والتعبير. الشاعرة تستمر في استخدام البحث عن الكلمات المعبرة عبر الألم: /تُضِيئُنِي فَتَتَمَنَّعُ/، ما يجعل القصيدة تمتلك تأثيرًا عاطفيًا قويًا على المتلقي.

الخاتمة:

هذه القصيدة تقدم صورة متكاملة عن المعاناة الداخلية، تجمع بين الفلسفة الوجودية والشاعرية العالية. تتشابك الصور الرمزية مع الأسلوب المتقن، مما يعكس قدرة الشاعرة هنده السميراني على التعبير عن تضاعف الألم مع فترات من البحث عن الذات والأمل. هذه القصيدة تجعل القارئ يتأمل في أسئلة الحياة الكبرى: ماذا نفعل عندما يتلاشى الفرح؟ وكيف نواجه ظلامنا الداخلي؟

***

بقلم: كريم عبد الله - العراق

.......................

مَطَرٌ.. فِي عَيْنَيّ!!

عِنْدَ مَغِيبِ الْفَرَحِ وَالشَّجَنُ يَتَسَلَّلُ فِي جُنْحِ الْأَسَى إِلَيّ، تَتَكَاثَفُ سُحُبُ الْأَحْزَانِ فِي سَمَاءِ وُجُودِي، تَتَهَاوَى أَعْمِدَةُ الضِّيَاءِ وَ يُرْخِي عَلَيّ سَوَادٌ مُقِيمٌ! أُنَاجِي حُرُوفًا تُضِيئُنِي فَتَتَمَنَّعُ وَتَفِرُّ مِنْ ظَلاَمٍ يَسْكُنُ فُؤَادِي! تَرْتَعِدُ فَرَائِصُ الْكَلِمَاتِ مِنْ لَسْعِ الْجَفَاءِ وَتَأْوِي إِلَى كَهْفِ الظُّنُونِ! أَنُوءُ بِحِمْلِ عِجَافِ السِّنِينِ قَصَّتْ جَنَاحَ أَحْلاَمِي! أَقِفُ عَلَى شَفَا الْأُمْنِيَاتِ وَأَنْسِجُ مِنْ خُيُوطِ الصَّبْرِ لِبَاسًا يَعْصِمُنِي مِنْ صَقِيعِ الْجُحُودِ! تَتَزَاحَمُ عَلَى جَلَدِي جُيُوشُ الْأَذَى، فَأُقْبِلُ بِقَلْبٍ قُدَّ مِنْ نُورٍ وَأُدْبِرُ.. وَالْخَيْبَة!! أَتَبَعْثَرُ وَالرُّوحُ تَتَلَجْلَجُ فِي شِبَاكِ الْحَيْرَةِ : أَيَّ السُّبُلِ تَقْتَفِيهَا لِتُلَمْلِمَ شَتَاتَ قَصِيدَةٍ تَرْثِي فِيهَا عُيُونًا مَا فَتِئَتْ تُمْطِرُ وَجَعًا وَلاَ يَرْتَوِي جَسَدٌ مَلَّ الْأَنِينَ ؟! أَيَّ الدُّرُوبِ تَسْلُكُ لِتُعَانِقَ ظِلاَلَ الْمَعْنَى دُونَ خَوْفٍ مِنْ بَرَاثِنِ الصَّمْتِ الرَّجِيمِ؟!

وَتَضِيعُ أَنَاي وَالرُّوحُ فِي شِعَابِ رِحْلَةِ السُّؤَالِ لاَ يَظْفَرُ بِالْجَوَابِ الْمُبِينِ..!!

***

هنده السميراني - -تونس- فيفري 2025-

في المثقف اليوم