قراءات نقدية
محمد المياحي: المؤامرة الكونية وسويوكلوجية الشخصية الرئيسة في الرواية العربية
رواية (العوالم السبع) للأديب (عبد الجبار الحمدي) أنموذجاً
يرى جملة من نقاد الحداثة والكُتّاب أنّ السرد سيما (الرواية) ديوان العرب، وسجل يوثق حاضرها وماضيها بشكل فني؛ فالروية تمتلك طاقة لافتة في رسم أدق التفاصيل، سواء أكان بشكل صريح (واضح) أم غير صريح (ضمني رامز).
من هنا ذهب بعض المختصين إلى أنّ الروائي بما يمتلك من أدوات سردية يمثّل (المؤرخ الحقيقي) للحياة؛ فمنظومة السرد الروائي لها المقدرة واليد الطولة في رسم صور (التحدي، والثورة، والسياسة، والفكر، الآيديولوجيا، والتهميش، والاغتراب..الخ).
ومن الجدير بالذكر، مع تنوع توجهات الحياة وتعدد متبنياتها وتشعب سلوكيات أبنائها؛ ظهر في مجال الأدب ما يواكب هذا التنوع والتعدد، تبعاً لمنظور صاحب النص، وما يحمل من متبنى لنظريات الأدب؛ فمنهم من جسّد نظرية (الفن من أجل الحياة).
الفئة الثانية من الكتّاب كانوا الأقرب إلى ساحة (الوعي المستنير)؛ لأنّهم عدّوا أنفسهم جزءاً من المشكلة المعيشة، وفي الوقت ذاته حملوا راية التصدي والتحدي لمنغصات المجتمع بشتى أنواعها، ولعّل الثيمة السياسية أولها؛ وعليه أفرز لنا المشهد الأدبي السردي عن مظهر لمنجز روائي موسوم بـ(الرواية السياسية)؛ ومن منطلق ما ذهب إليه (جورج لوكاتش) بأنّ بطل النص الروائي كائن (إشكالي وهامشي)، يواجه واقعاً اجتماعياً ينقصه المعنى؛ فتتولد عملية البحث عنه، وقد تفشل هذه المحاولة – أحياناً-؛ فيرى بعض النقاد أنّ بطل الرواية السياسية، بطلاً إشكالياً، وهذا يعني الديناميكية السردية للشخصية وفق مبناها الفني الجمالي تتمحور حول مرتكز (الايديولوجيا)، وعلى ما يبدو في مثل هذا النوع من السرديات يُكشَف لنا مستويين من التمظهر، الأول: رؤيوية (فكرة)الكاتب في توجيه رسائل الاقناع للمتلقي ضمن تسيس الرواية، الثاني: جعل الشخصية شخصية اشكالية عبر مركزيتها في النص؛ بوصفها العمود الفقري لنسيج السرد وعلائقيتها مع عناصر القص بتولي الاضمار والاظهار –أحياناً- وقائمة بمهمة إرسال مبدا الاقناع للقارئ، ومن ثم تصدير فكرة النص تأسيساً على ذلك شهد المسرح الروائي العربي روايات مثّلت (الرواية السياسية) وبشكل صريح، لعّل من أشهرها رواية (بيروت.. بيروت) عام 1984 لصنع الله ابراهيم، ومن الجدير بالذكر هنالك روايات جاءت بالمنحى السياسي ضمن السرد التأريخي مثل (الزيني بركات) عام 1974 لجمال الغيطاني.
ومع ما تمتلك الرواية السياسة من مغامرة متشعبة، لكنّها تبقى المحاولة الأدبية التي تكشف طبيعة كاتبها من حيث التجربة وتفاعله مع الواقع المعيش، وما يتحلى به من هوية وانتماء وتحدي.
من هنا فكاتب هذا النوع من الروايات يشكل الأنموذج الأكمل (للوعي الجمالي المستنير)؛ لأنّه يجعل من نصه ناقداً لواقعه دون وجل، أو أداة تفتح نافذة الضوء المعرفي والادراكي بما يحيط بالمجتمع، كل هذا جسدته رواية (العوالم السبع) للأديب (عبد الجبار الحمدي)، تلك الرواية التي صدرت بطبعتها الأولى عام 2024 عن (إصدارات أحمد المالكي- العراق، بغداد، شارع المتنبي).
ومن وجهة نظري المتواضعة؛ وبوصفي ناقداً أكاديمياً في فن الرواية، أظنّ بأنّ هذه الرواية شقت عُباب الرواية الذيقارية (ذي قار بلدة الروائي)؛ فزاحمت جُلها؛ لما تمتلك من مزايا، لعلّ أولها البناء الفني ورد متكاملاً لا خلل فيه البتة، وثانيها جراءة البناء الموضوعي (فكرة النص)، الذي أدخلها في منطقة عدّها كثير من المختصين منطقة تتسم بالحساسية والعتمة، ألا وهي (حركة الحركات السرية التي تُدير أصابعها الخفية كافة النظم العالمية منظمة البنائين -الماسونية-)، وهذا لا يعني بأنّ النص هذا انحسر تقيماً بمنجز روائي محلياً (ذي قار)، بل أعتقد إدخالها كمنجزٍ عربياً باستحقاق لا مناص منه؛ لأنّها رواية وطنية (عربية) تتجاوز المحلية، وهذا ما يكشفه النسيج النصي بجدارة.
قبل الخوض في الدراسة النقدية لهذه الرواية السياسية بامتياز، لابدّ أن نعترف بأنّ تسيس النص الأدبي هو آيديولوجيا؛ والسبب في ذلك لأنّها بالنتيجة معتقدات مطروحة وأفكار يُحاول صاحب النص تصديرها للآخرين.
ما ذُكر سيتجلى بشكل أوضح عندما نقف على ما طرحه الحمدي في روايته محل الدراسة (العوالم السبع).
فكرة الرواية تسليط الضوء على جانب مظلم ينسج تحت الكواليس لمؤامرة كونية بدأ أصحابها أصحاب المجلس السداسي (الماسوني) بالإفصاح عنها في السنوات الأخيرة، فتناولتها العديد من المؤلفات، وأنا قرأت كثير منها، ولعلّ قسم منها في ذاكرتي (أحجار على رقعة الشطرنج، وإسرائيل بين اليهودية والصهيونية، وحكومة العالم الخفية، والصهيونية وخيوط العنكبوت، والضباب الأحمر فوق أمريكا..الخ)، اللافت في الموضوع فهم الحمدي لمستوى تعقيد هذا المنحى السياسي ودقته (المؤامرة الكونية الماسونية)، وصعوبة الاحاطة بها عند كثير من الناس، وعدم استيعاب خيوطها حتّمت على صاحب الرواية أن يدخل هذه الثيمة (الموضوع) في نص جمالي فني؛ يُسهّل الفهم لما يحصل بشكل يجذب ويجعل المتلقي في انشداد لقراءة ما يُريد ايصاله.
من هنا جاءت فكرة النص متكأ ومنذ استهلال الرواية على البنية المكانية (ملجأ اللقطاء)، ذلك المكان الذي حمل بعداً سويوكلوجيا في المجتمع (النظرة السلبية)؛ بوصف النزلاء من الأشخاص الذين تُجهل ولادتهم، وأنّهم أولاد غير شرعيين، سيما من وجدوا وهم أطفال على قوارع الطريق، جعل الروائي بداية الحدث في ملجأ بين بلدتي (مليلة وسبتة التي يسيطر عليها الاسبان وهي جزء من المغرب).
ومن ثم ومنذ الصفحة الأولى للرواية طرح تلازمية (سيكولوجية الشخصية) وعقدها لاسيما (عقدة الدونية) التي لا تنفك عن الحدث وتشعبه، وهذا ما سنجده عبر التحليل؛ من هنا يقول الراوي الممسرح، وهو الشخصية الرئيسة حنظل العسل: (لا أدري كيف؟ ولِمَ !!أو لماذا جئنا إلى الحياة بملفات رغبة مضاجعة محرمة، اقتاد الشيطان امرأة على فراشه ثم استهلك رغبة مرات ومرات.. ما مررنا نحن به، ثلة من لقطاء أو ما يدعوننا به مجهولي النسب كأننا وباء، تقيء بذور شياطين حتى يزرعها في مجتمع أغلبه أبالسة..).
من الجدير بالذكر قامت فكرة الرواية على أنّ لقطاء الملجأ يتم اعدادهم ليكونوا قياديين في مفاصل مؤامرة كونية لإفساد لشرق الأوسط، خاصة الدول العربية، ومن ثم تركيز المجلس الأعلى (المحفل الماسوني) على هذه المؤسسة؛ ليكون أشخاصها فئة مستهدفة، وهم (حنظل العسل، ومحفوظ، ومظلوم..الخ)، لكن انتخاب الشخصية الأساس التي عولت عليها التنظيمات هي (حنظل العسل)، ذلك الشخص الأسمر، وترى الدراسة هنالك عقدتين ذاتا بُعد (سويوكلوجي) هي من تحكمت بسلوكيات الشخصية الرئيسة (حنظل)، وجعلت منه أداة ناقمة على المجتمع والقانون والدين برمته:
العقدة الأولى: إنّه ابن غير شرعي ولد من مضاجعة محرمة، وأمسى من الفئات التي ينبذها المجتمع، وهذه العقدة لازمت الشخصية إلى نهاية الرواية، جعلت منه شخصية انتقامية، ففي نص عندما ألقى كلمة التخرج بحضور اللقطاء قال: (.. قدر رمى بي على أعتاب ىملجأ لا أدري لِمَ؟!! لكني أعلم جيداً من أكون، فأنا لست ذلك المخلوق الذي جاء من العتمة إلى النور المزيف.. فأنا لست الجاني ولست المذنب ولست الضحية، لكني بالتأكيد سأكون الجلاد.. إنّه زمن المخالب والأنياب بين قوسي الافتراس.. الافتراس يعني أن تكسر الأضلع العصية.. فكاليغولا كان لقيطاً، لكنّه عاش كما يريد إمبراطورا حتى وإن عُدت أيام حكمه على الأصابع، فكل واحد منا عليه أن يكون كالغيولا لكن بمعايير الموقف ومقاييس الحاجة)، ففي النص يصف حنظل عالمه المعيش على أنّه عالم (مزيف) وأنّ الكون لا يستحق الايجابية؛ من هنا تعهد لنفسه أن يكون (جلادا) وهذا ما يُعرف في السرد الروائي من حيث فضاء الزمان (بالاستشراف)، وضمن هذا الطرح يرسم صاحب النص صورة لشخصية (حنظل العسل) متكأ بذلك على البنية الواصفة التي تكشف لنا أدق متبنياته السلبية التي تصل حد الانحطاط، قاصداً بذلك المناسبة مع ما سيكشف عنه السرد بتوليه منصب عالٍ في المؤامرة التي يقودها المجلس الأعلى، يقول السارد: (يخفي حنظل كثيراً عندما يتحدث من أي منبر يتخذه موقع حديث ليقود مسألة ما يصور نفسه مثل رب دنيوي تؤول إليه كل الأمور فيطيح بالقيم التي لا يجعلها ترقب خطواته، يُسقط المعايير التي لا تعمل على المُعَرج من الخطوط.. فهو لا يؤمن بالطرق المستقيمة.. فالحياة كما يصورها لنا من وجهة نظره عاهرة، ومن يتكفل بها قوادها الذي يجعلها حبلى بالكثير من اللقطاء أمثالنا وحتى غير اللقطاء.. فعالمنا سادي، سحاقي، مثلي..).
الصراع النفسي عند شخصية (حنظل) وتربعها على عرش الحقد ومحاولة النيل من الجميع كان محوراً لافتاً في الرواية، فثيمة الانتقام من المجتمع نازع سويوكلوجي يتماهى مع بناء هذه الشخصية كلما تتطور الحدث؛ ولكون هذه الجزئية فاعلة السرد؛ نجد هذا الوصف يرد في الرواية، تارة بحوار الشخصية المباشر، وتارة على لسان الراوي غير المشارك، ففي مشهد يقول السارد غير الممسرح (لم يعهد حنظل نفسه مسالماً ويريد الخير لأحد؛ فقد كرس كل عصاراته الهضمية لتقيء كل من يريد أن يعيش في سلام، سمح للرغبة في الانتقام من مجتمع سمح لنفسه أن يعامله كخرقة مسح لفرج ملوث بدم نتن بعد مضاجعة زنا، بعدها يلف ويطوى بنفس الخرقة ثم يلقى على بباب الملجأ).
هذه العقد لازمت حنظل، وجعلت منه شخصاً يفقد معايير الجنبة الانسانية، وهذا نجده عبر تتبع المسار السردي.
العقدة الثانية: عقدة اللون الأسمر التي لازمت السرد، وقد وردت هذه العقد ضمن ما يُعرف (السرد السويوكلوجي)؛ إذ يرى النقاد بأنّ هذا النوع من السرد – غالباً- ما يكون سرداً غير معقد، ينماز بشكل واضح بالمرونة، وكثيراً ما يكشف عن عواطف الشخصية وارهاصاتها من مخاوف او دونية أو نقص، ولا يُشترط تمظهر العقد ضمن أسلوب حواري واحد (محكي نفسي، مونولوج، حوار غير مباشر، أو الحوار المباشر..الخ)، ففي هذا النص وردت تمثلات (عقدة اللون الأسود عبر (الحوار المباشر)، إذ يقول حنظل العسل، في حوار مع (فتنة) التي يكشف اسمهما فيما بعد بأنّها جزء من المؤامرة، وانّ اسمها الحقيقي (مارغريت)، وأنّ والدها الذي التقى حنظل ليس (فكرت)، بل (صموئيل)، وفي حوار داخل القصر يقول: (على مهلك يا فتنة قد أكون أسمر البشرة، لكنّي لست أسود النفس إلى هذه الدرجة، حتى وإن كنت فلا أسمح لك بمناداتي بذلك، إنّ اسمي وهو حنظل العسل، أمّا الأسود لقبت به لدكنة بشرتي، لعلي اكتسبتها من أحد الذين مارسوا الرذيلة مع العاهرة التي انجبتني أو هو لونها الذي اكتسبته عنها)الرواية: 49.، وفي نص آخر (.. سأواجه صعوبات جمة بسبب لون بشرتي بالإضافة إلى كوني لست ابن شرعي..).
ولم يقف السرد عند هذه الجزئية، بل حاول الغوص في سويوكلوجية الشخصية الرئيسة عبر تقنية الحوار، بما ينسجم مع فكرة مبدأ المؤامرة الكونية، من هنا ورد تشكل شخصية حنظل العسل نفسياً، ضمن تنوع من صاحب الحوار ممن يرتبطون بحنظل ولما تمتلك، وهذا ما نجده في مشاهد الحوارية مع الشخصية الثانوية(مظلوم)، فبعد عرضه للزواج من رؤى ابنت صاحبة المزارع، يقول له:
- لاتكن ساذجاً فأنت لا تستطيع مجاراتي، فأنا شخص شذّ عن القاعدة في تفكيري ورؤياي للأمور صدقني، وهذه المرة الأولى التي أسمح لك بها لتطلع على سري.. فالقانون غير الطبيعي يجرني نحو الالحاد والكفر؛ فأنا لا أؤمن بوجود أي شيء يمكن أن يغير من تأريخي أو يعيدني الى سيرتي الأولى قبل أن أخلق.. فأنا أريد أن أثأر من المجتمع، الناس، الدين، القانون، العدالة العبودية، الربوبية البشرية..).
وهنا تتضح النزعة المضطربة لحنظل، فعقدة الشعور بالنقص تخترق ذاته، كان يتمنى أن يرجع إلى ما قبل ولاته عسى أن يكون ابنا شرعياً؛ فبوصفه ابن حرام مجهول النسب زرعة في ذاته براكين الحقد على الدين، والقانون، والمجتمع..الخ.
هذا النوع من الشخصيات والتي صورها لنا الروائي تسير بخط متواز مع ثيمة مبدأ المؤامرة؛ لأنّها تتكأ على شخصيات ذات عقد يمكنها أن تحقق الأهداف، هذه المؤامرة يكشف عنها السرد بين الحين وآخر، ففي حاور (مظلوم) مع (رؤى) احدى صنائع (الماسونية) المتمثل بالمجلس الأعلى، يقول لها:
-.. بعدما كشف عن أسرار والدك ومدى تأثيره على أصحاب الملجأ وأعضاء مجلسهم السري تحت عنوان ملجأ..فكانت خطة رؤساء المجلس بخصوصنا دقيقة).
وفقي نص آخر ضمن مستوى الحوار بين فتنة (مارغريت)، وحنظل يقول:
-.. جهاز يزع تحت الجلد أو بداخل رأسه ليسيطروا على من يشاءون، إنّهم بشكلهم الجديد، عزيزتي فتنة تحولوا إلى مبرمجين بعقول غيرهم، أداة فاعلة لأن تغير مصائر عالم بكامله..).
تسفر المؤامرة بتوظيف هذه الشخصية للتحكم بالشرق الأوسط؛ لما تملك من صفات نفسية صنعتها ايدي خفية، تسعى لتحقيق الأهداف، فميزات ما تمتلك جعلتها المستهدف الأول من بين نزلاء الملجأ، وعليه تكفلت البنية الحوارية بين هذه الشخصية ومن تحت أمرته بما ينسجم وتطلعات المجلس السداسي وقادة الحركة الماسونية، من ضمنهم (كريس)، ومن الجدير بالذكر كشف مستوى انفتاح أعضاء المجلس على شخصية حنظل لدرجة كشفت حواراتهم عن مضامين سرية يصعب الافصاح عنها، ففي حوار موجه للشخصية الرئيسة(حنظل)، يقول أحد أعضاء المنظمة:
- سيد حنظل أنا احد أعضاء المجلس السداسي الذي يدير عملية الشرق الأوسط بعد حادثة مبنى التجارة العالمي، كنا قبل ذلك نعمل على ترويج وتسويق الدعايات والمعلومات والاخبار المفبركة على دول الشرق الأوسط.. لابد للمشروع الصهيوني أن يدخل حيز التنفيذ، فمنذ قيام دولة اسرائيل على يد هرتزل واصحاب السيادة يدرسون كيفية تقسيم العالم العربي بثروته..).
ومن ثم يتطور السرد في الرواية الملازم لبناء الشخصية، وبشكل يتوافق وعمق رؤيوية (فكرة) صاحب الرواية؛ وعليه بدأ الحدث بالتطور؛ فأخذت المنظمة تكسف أسرارها للشخصية؛ لأنّها استشعرت قمة الولاء من قبل حنظل، من هنا حاول الروائي عبد الجبار الحمدي أن يطرح متبنيات هذه الحركة ذات المؤامرة المتواشجة مع فلسفلة الشخصية السلبية، والتي رسمها صاحب النص على أنّها أمست جزء لا يتجزأ من المجلس السداسي الساعي لتدمير الشرق الاوسط، وهذا الطرح ورد ضمن مفصلين:
الأول: تحويل حنظل العسل المنتقم الملحد والناقم على الدين إلى قديس، ولُقب بـ(القديس الأول)، فيتضح ذلك عدد من المشاهد: (سيدي القديس الاول لي الشرف العظيم بأن يسند لي بمثل هذه المهمة)، وفي نص (سيدي القديس الاول يمكنك ان تمنح للسيد جرجيس هذا الامر..)،
الثاني: منح حنظل صلاحيات من قبل المحفل الماسوني (البناؤون)، وامسى هو من يخطط ويصدر القرارات التي من شأنها أن تدمر البلدان العربية تاريخها، عقدة الدونية كانت الحافز الأول الذي ينجم عنه اصدار أوامر الافساد، ففي نص مع مرافقه (كريس) يقول: (سيد كريس عليك منذ الان ان تنظم حملة واسعة كبيرة لدعم ظاهرة المثلية في العالم، خلال تظاهرات أو ندوات مستخدما الوسائل الاعلامية.. هنالك ميزانية مفتوحة بعدما تتصل بالسيد المثلي جورج فلايرون الداعم لهذه الظاهرة في تسخير شركة نتيفلكس ووالت ديزني.. في الترويج للظاهرة من خلال الافلام الكارتونية للأطفال والافلام..).
تأسيساً على ما ذُكر تتضح المهارة السردية عند الروائي الكبير (عبد الجبار الحمدي) في المقدرة الابداعية بوساطة التوليف ما بين فكرة النص القائم على تناول أهم قضية معاصرة وتداعياتها العالمية (المخطط الصهيوني للمحفل الماسوني)، وما بين الوظيفة المناطة بالشخصية الرئيسة، فأطرها بمبنى سويوكلوجي (نفسي)، لتكتمل الصورة المراد ايصالها للمتلقي؛ ومن هنا يحق لنا القوم أنّ هذه الرواية، مثلت بكل جدارة الوعي الأدبي المستنير، الذي يخرج النص من بودقة الجمال والفنية إلى المعرفية واستقراء الواقع المعيش بما يحيط به مخططات، رواية أنا شخصياً أعدّها من عيون الروايات العربية بجدارة؛ لأنّها نُسجت سردياً باحتراف منقطع النظير، وهذا بلا شك يُحيلنا إلى رؤية مفادها أن الروائي عبد الجبار الحمدي قلم سرديّ يستحق أن نطلق عليه بكل ثقة (روائياً من الطراز العالمي) دون أي مبالغة، فالحكم النقدي يُحتم عليّ القول بذلك بضرس قاطع.
***
بقلم: الناقد الأكاديمي د. محمد كتوب المياحي – العراق /ذي قار