قراءات نقدية

طاق الحلفي: حين يتجلى الشاعر فيكتب القصة بلغة الشعر

قراءة وتحليل قراءة وتحليل لقصص قصيرة جدا المجموعة (6)  للشاعر والقاص عادل الحنظل:

كينابيع الطفولة نبتكر شهواتنا غماما من الكلمات.. بغية اعادة صياغة احلامنا قصائدا.. قصصا.. روايات او.. ما يفاجئنا به الشاعر الحنظل عادل...الذي يلملم عبق لهاثنا.. ليقدم لنا رئة نتنفس منها بروق الدهشة والتأمل..

هل لي ان ارتجل دون ان اتخبط متجنبا الإعادة والتكرار فأشير الى ما يبلل كافة النصوص من مياه مشتركة كامنة في قصرها وكثافتها وطرافتها ولغتها القوية وتعبيراتها البلاغية المميزة من تشبيه واستعارة وتورية.. مما يمنحها إيقاعاً خاصاً يشبه الشعر في تكثيفه وتركيزه.. فيضفي عليها طابعاً مميزاً يجعل القارئ يتوقف متأملا في المعاني التي يحملها النص وانزياحاتها التي تجعل منه مرتعا للتأويلات والرسائل التربوية والفكرية والفلسفية والرمزية المهمة..

ساتناول كل نص بما يميزه قراءة وتاويلا ..

001

القصة الأولى:

"والدي ليسَ كسائرِ البَشر، أوحىٰ إليّ أن أقرأ، كالأنبياء، فابتدأَ كلُّ شيء، بعده."

النص الذي بين أيدينا يغزل بفنية عالية قصيدة فكرية تحاكي رحلة الإنسان في دروب المعرفة، حيث يتجلى الأب كنبع للحكمة والإلهام.. يفتح أمام ابنه آفاق القراءة، ويضيء له مسارات العلم كما الأنبياء يهدون برسالتهم. في وصف الأب بأنه "ليس كسائر البشر"، نلمس دفء العلاقة، وأثرها العميق في تشكيل وعي الابن. هذه العلاقة ليست مجرد رباط دم، بل هي جسر يمتد نحو عالم الفكر، حيث تنغرس بذور الثقافة وتنمو لتثمر فهماً عميقاً للحياة.

النص يتألق بجملة ختامية، تُحاكي لحظة التحول: "فابتدأَ كلُّ شيء، بعده"، كإيذان ببداية جديدة تعقبها رحلة بحث دؤوب عن الحقيقة والمعرفة. القراءة هنا لا تقتصر على كونها مجرد عادة، بل هي انفتاح على عوالم رحبة، كالوحي الإلهي الذي يُبصّر الروح ويحرر العقل. في نهاية المطاف، النص يفيض بالرموز، يجعل منه رسالة تربوية وفلسفية تستحق التأمل والتفكر العميق.

002

القصة الثانية:

"عندما كثرَتْ أخطائي، وجدتُني مُضطرّاً أن أُعيدَ الحِساب، ولمَا لم أجدْ ما أقوّمُهُ، ابتدأتُ من جَديد، بالأخطاءِ ذاتها."

تجسيد لرحلة الإنسان في متاهات النفس، حيث تتناوب الأخطاء والندم كظلال متكررة تعكس صعوبة التحرر من دائرة السقوط المتجدد. رغم اعتيادية الفكرة، إلا أن النص يتألق بجاذبية تعبيرية تجعل من مراجعة الذات مشهداً درامياً مفعماً بالتأمل. هنا، يتأرجح الإنسان بين وعيه بأخطائه وعجزه عن اجتيازها، ليظل عالقاً في دوامة الإعادة بلا تحسن يذكر.

اللغة تحمل بساطة مباشرة تعكس اضطراباً داخلياً، وتجسد رغبة مُلحة في التصحيح، وإن بدا التغيير بعيد المنال. التكرار في الأفعال، مثل "أُعيدَ الحِساب" و"ابتدأتُ من جَديد"، يصور محاولات متكررة للخلاص، محاولات تحكمها الجدية والجدلية مع الذات. في النهاية، يتجلى النص كقطعة أدبية مكثفة، حيث تتسارع الأحداث كنبض قلق، تعبيراً عن استعجال في مواجهة النفس. إنها قصة عن النقد الذاتي، تنبئ بصعوبة التغيير، ورغبة مستمرة في كسر القيود والارتقاء.

003

القصة الثالثة:

"استطاعَ كتمانَ علاقاتِهِ المُنحرِفة، بجدارة، ولما ثقُلَ حِملُها، قرّرَ التوبةَ، فانفضَح."

القصة تتألق بقوة تعبيرية وعمق فلسفي، وتصور رحلة الإنسان في مواجهة ذاته المثقلة بالأسرار والذنوب. تبدأ بهدوء مخادع، حيث تستعرض ثقل الكتمان وما يترتب عليه من ضغوط نفسية خانقة، لتنتهي بانكشاف مدوٍ يزلزل النفس. عبر لغة مكثفة ومفردات قوية مثل "كتمان" و"ثقُلَ حِملُها"، تتجلى الدراما الداخلية فيها، وتُبرز الصراع بين الرغبة في التوبة والخوف من الفضيحة.

بنية النص متماسكة، تبدأ بالكتمان ثم تتصاعد تدريجياً نحو لحظة الكشف، حيث تتحول التوبة من فكرة خفية إلى حقيقة تتطلب مواجهة شجاعة. الصور البلاغية مثل "ثقُلَ حِملُها" تعكس عمق المعاناة النفسية، بينما الإيقاع المتغير يترجم تصاعد التوتر الداخلي.

في جوهره، يعالج النص صعوبة التحرر من الذنوب، ويدعو إلى التوبة الصادقة رغم المخاطر. إنه تأمل في طبيعة الكتمان، والعبء الثقيل الذي لا يمكن التخلص منه إلا بالصدق مع الذات والمواجهة الحقيقية.

004

القصة الرابعة:

"كانَ دائما في الأمام، لم يقُلْ ذلك، عرَفتُ هذا، من توالي الطعنِ، في ظهرِه."

النص يتجلى في بساطة مكثفة، لكنه يعصف بالقارئ بصور شعرية مؤثرة تعكس مرارة الخيانة وعبء النجاح. في كلمات قليلة، يعري النص حقيقة العلاقات الإنسانية المتقلبة، حيث يصبح النجاح نفسه سبباً للطعنات الخفية. التشبيه بالطعن في الظهر يجسد قسوة الغدر، ويصور كيف أن الشخص المتقدم، الذي يتصدر الصفوف، يتحمل وحده خناجر الحسد والخيانة.

الأسلوب السردي يختزل في بساطته عالماً من التوترات الداخلية، حيث تتوالى الطعنات في صمت، معلنة عن صراع خفي بين التفوق والعداء. النص يتلاعب برمزية "الأمام" و"الظهر"، ليبرز الفجوة بين الظاهر والباطن، بين القيادة والثقة المهدورة.

إنه نص يستحضر تعقيدات النفس البشرية، ويُبرز كيف أن النجاح لا يأتي بلا ثمن، حيث يكون الشخص الناجح عرضة لسهام الخيانة المتخفية، في تجربة لا تزداد إلا عمقاً وتأملاً مع كل قراءة

005

القصة الخامسة:

"أنا أفكرّ، أنا أكتُب، أنا أُحبّ، أنا ...، إذن أنا موجود، لماذا نحنُ في الوجود؟ أصلاً."

انه تأمل في أعماق الذات والوجود، مستلهماً من الفكرة الديكارتية "أنا أفكر إذن أنا موجود"، ليعيد صياغتها بعبارات تجمع بين الفكر والفعل، ويضيف إليها أبعاداً جديدة من الحب والكتابة. بتكرار "أنا"، يُبرز النص الوجود الذاتي كجوهر لا ينفصل عن الأنشطة الإنسانية التي تشكل هوية الفرد. هنا، يتردد صدى الفلسفة في جمل بسيطة لكنها محملة بالمعاني العميقة، حيث التصاعد من التفكير إلى الحب يعكس رحلة الإنسان في البحث عن ذاته.

انه تصاعد بطيء، يبلغ ذروته بسؤال وجودي مفتوح: "لماذا نحنُ في الوجود؟ أصلاً."، سؤال يحمل في طياته القلق الوجودي والرغبة في فهم معنى الحياة. التكرار يُضفي على القصه إيقاعاً داخلياً، يُكسره السؤال الختامي ليبقى معلقاً في ذهن القارئ. إنها قطعة أدبية تتجاوز بساطتها الظاهرية لتغوص في جوهر الفلسفة، وتحفز القارئ على تأمل أعمق في ماهية الوجود والذات.

006

القصة السادسة:

"تابَ، أبدلَ الكأسَ بالعِمامَة، لا أدري، في أي جانبٍ، تكمُنُ الذُنوب."

حياكة تجسد رحلة التوبة والتحول الروحي، متسائلاً بعمق عن جوهر الذنوب ومعنى التغيير. باستخدام لغة بسيطة لكنها مشحونة بالدلالات، تصور التحول من حياة المعصية إلى التدين من خلال استبدال "الكأس" بـ"العِمامَة"، في صورة بلاغية تعبر عن الانتقال من الضياع إلى الصلاح. لكن النص لا يكتفي بهذا التحول الظاهري، بل ينتهي بتساؤل فلسفي ينبض بالشك: هل التوبة الخارجية كافية لمحو الذنوب، أم أن هذه الذنوب تختبئ في أعماق النفس، بعيدة عن متناول التغيير الظاهري؟

الأسلوب السردي التأملي للنص يخلق تناغماً بين وصف التحول وإثارة التساؤلات، مما يمنح القصة قوة فكرية وفنية. الجملة الأخيرة، بتأملها المفتوح، تعكس قلق الإنسان المستمر حول طبيعة الذنب ومعناه الحقيقي. في النهاية،  انها تعبير عن تعقيدات التوبة، حيث لا يكتفي بالتغير الظاهري بل يبحث في أعماق الروح عن الصفاء المفقود.

007

القصة السابعة:

"رمَتْ ورَقةً بين قدَمَيْ، عُنوانُها، لعلّها مُخطئة، أجهَلُ جُغرافيا النساء."

النص ينسج ببساطته وعمقه لوحة شعرية تختزل الحيرة الإنسانية أمام غموض النساء. بأسلوب سردي مختصر وتعبير بلاغي دقيق، يتناول النص تعقيد العلاقات الإنسانية ويجسد محاولة فهم "جغرافيا النساء" كاستكشاف لخريطة مجهولة. مشهد إلقاء الورقة بين القدمين يعبر عن محاولة التواصل العاجزة، في رمزية تشير إلى عمق التباعد والصعوبة في فهم المرأة.

تعبير "أجهل جغرافيا النساء" يخلق صورة بلاغية مؤثرة تعكس الفجوة بين الظاهر والباطن، ويعزز النص عبر هذا التشبيه جمالاً لغوياً وبُعداً فلسفياً يتساءل عن مدى قدرة الإنسان على فك طلاسم الآخر. رغم قصره، يفتح النص أفقاً للتأمل في تعقيدات النفس البشرية وغموض العلاقات، تاركاً القارئ أمام تساؤل دائم حول إمكانية فهم العالم الداخلي للنساء، ومثيراً تساؤلات أعمق حول الفروق النفسية والتعقيدات التي تشكل جوهر العلاقات بين الجنسين.

008

القصة الثامنة:

"انتصَرتُ في الحَرب، على نفسي، بخَسائرَ فادِحة، أدركُ أني سأبحَثُ عن تعويض، لاحقاً"

بصور بلاغية عميقة ينسج القاص حكاية الصراع الداخلي الذي يخوضه الإنسان في معركة مع ذاته. في هذا الصراع، يظهر الانتصار على النفس بوصفه نجاحاً مريراً، إذ لا يأتي دون خسائر فادحة تترك أثرها العميق في الروح. بعبارات مختصرة وقوية، يعبر النص عن رحلة النمو الشخصي التي تبدأ بالتغلب على العيوب الذاتية، لكنها تترك وراءها جراحاً تحتاج إلى التئام، وتثير تساؤلات عن كيفية التعويض والتوازن.

الحرب الداخلية التي ينتصر فيها المرء على نفسه تحمل في طياتها التضحيات الضرورية للنمو والتغيير، لكنها تفتح باباً للتفكير في كلفة هذا الانتصار. بذلك، يلامس النص جوهر النضال الشخصي، ويطرح تساؤلات فلسفية حول الثمن الذي ندفعه مقابل التقدم والتحول. إنه تأمل في رحلة الإنسان نحو ذاته، حيث يكمن الانتصار الحقيقي في التوازن الذي يسعى لتحقيقه بعد أن يخفت ضجيج المعركة.

009

القصة التاسعة:

"لم أدركْ جَدّي، لم أعرفْه، رحَلَ قبلَ أن أفطَن، ورغمَ ذلك، أكيلُ لهُ المديحَ، دائماً."

يتجلى النص في بساطته وعمقه، في نسجه خيوط حنين وتقدير للأجداد الذين لم يعرفهم الكاتب شخصياً، لكنه يشعر نحوهم بإجلال متوارث عبر الأجيال. يعبر النص عن تلك الصلة الخفية التي تربطنا بأسلافنا، حتى في غياب المعرفة المباشرة. فبالرغم من عدم إدراكه لشخص الجد، إلا أن الحنين يلامس قلبه، ويعكس احتراماً راسخاً في وجدان العائلة.

بلغة بسيطة يعبر الكاتب عن مشاعر عميقة، فالتكرار في "لم أدركْ"، "لم أعرفْه" يثري النص بإيقاع هادئ، يحمل نغمات الاحترام المستمر. الجد هنا ليس مجرد فرد، بل رمزٌ لكل الأجداد، لتلك الجذور العميقة التي تغذي شجرة العائلة بالقيم والتقاليد.

هذا النص هو وقفة تأمل في استمرارية التراث والاحترام عبر الزمن، دعوة لتقدير ما ورثناه من أسلافنا، وما نحمله للأجيال القادمة من حب واعتزاز.

010

القصة العاشرة:

"تعوّدَتِ الابتسسام، تلكَ ايماءةٌ بلا مشاعِر، كلَ ما تتمّنىٰ، أن تنجَلي المعرَكة، بالكثيرِ من الغَنائم، على جَسدٍ بلا حياة."

النص يعبر برقة وعمق عن التناقض بين المظهر والجوهر، حيث تختبئ المشاعر خلف ابتسامة معتادة، في مشهد يعكس اضطراباً داخلياً عميقاً. يتناول النص صراع الإنسان مع ذاته، محاولاً تحقيق نجاحات خارجية رغم الألم الداخلي المستتر.

اللغة في النص قوية، تختزل في بساطتها معاناة معقدة، وتُظهر صراعاً مريراً بين ما يُبديه المرء للعالم وما يعيشه داخلياً. الصور البلاغية، كـ"ابتسامة بلا مشاعر" و"جسد بلا حياة"، تُبرز الفراغ الداخلي وتعمّق من وقع الصراع النفسي.

النص يتدفق بإيقاع هادئ ومتماسك، يعكس السكينة الظاهرية المحفوفة بالعواصف النفسية. يُعري النص واقع التعايش مع التناقضات الداخلية، ويثير التأمل في مدى توازن الإنسان بين النجاح الخارجي وسلامه النفسي..

في النهاية، يلتقط النص ببراعة تلك المعركة الخفية، مُبيناً كيف تتلاشى السعادة الحقيقية تحت وطأة الابتسامات المزيفة.

011

القصة الحادية عشر:

"نظَرَ إليّ بغَيْظ، كانَ في عَينَيهِ شيئٌ مُخيف، أردتُ أن أغادر، نظرتُ حولي، لا أحَد."

يحبك القاص  مشهداً يغمره التوتر والرعب، حيث تتجلى الوحدة في أعمق معانيها. العينان اللتان تحملان شيئاً مخيفاً، تشكلان نافذة إلى تهديد خفي، فتوقظ في النفس رغبة ملحة للهرب. لكن ما يعمق الرهبة هو تلك العزلة المطلقة؛ حيث لا ملاذ، لا أحد يُبدد الوحشة.

اللغة بسيطة لكنها نافذة، تختزل في كلمات قليلة شعوراً بالاضطراب النفسي والانغلاق، وتخلق جواً من الخوف الملموس. الجمل القصيرة المتلاحقة تعكس إيقاعاً متسارعاً، يواكب دقات قلب يعتصره الهلع.

الأسلوب السردي المباشر يُقحم القارئ في حالة من الترقب، لتتحول النظرة المريبة إلى كابوس يقظ. يبرز النص التناقض بين الحضور المخيف والغياب البارد، مجسداً العزلة الموحشة والخوف الكامن في أعماق النفس.

بهذا، يغدو النص مرآة تعكس هشاشة الروح أمام تهديد مجهول، محاطة بفراغ قاتل.

012

القصة الثانية عشر:

"قفزتُ على الحَبل، لابدّ أن أصِلَ الى الطرفِ الآخَر، بحَذر، لا يحكمُ خُطواتي قانونُ الجاذبية، بل قانونُ الهِجرة."

يتأمل النص في رحلة الإنسان لتحقيق أهدافه وسط تحديات الحياة، مستخدماً لغة رمزية تعبّر عن المخاطرة والتوازن. يشبّه السعي لتحقيق الغايات بالقفز على حبل، حيث لا تسود قوانين الجاذبية بل قوانين الهجرة، مما يرمز إلى التحديات الاجتماعية والسياسية التي تؤثر على قرارات الإنسان ومساراته. ان الجمل القصيرة والتعبير المكثف تكشف صراعاً داخلياً مستمراً، حيث يتطلب الوصول إلى الهدف حذراً دقيقاً وسط ظروف معقدة. الصور البلاغية في النص تعبر عن التوازن بين الرغبة في التقدم والخوف من السقوط، مما يعزز الإيقاع المتزن ويكشف عن عمق فلسفي في التفكير حول القوانين التي تحكم حياتنا. يعبر النص في مجمله عن رحلة الإنسان الحذرة لتحقيق النجاح، محاطاً بقوانين تحدّ من حريته، مما يجعله قطعة أدبية تأملية تستحق الغوص في دلالاتها.

013

القصة الثالثة عشر:

"أينَ اختَفَتْ أوراقُ التوت، سُؤالٌ بريء."

النص يتجاوز بساطته الظاهرةوسهولة فهمه، ليكشف لنا عن عمق معنوي وفلسفي. ببضع كلمات، يطرح تساؤلاً بريئاً لكنه يحمل في طياته معاني ودلالات عميقة . "أوراق التوت" التي لطالما ارتبطت بالحماية والستر، تختفي، مما يفتح باب التأمل في حقيقة ما كان مخفياً. السؤال البريء يكشف عن توتر بين البراءة وكشف المستور، متسائلاً عن مغزى الحقيقة بعد زوال القناع. النص يمتاز بلغة مكثفة  وإيقاع هادئ وبسيط، يؤكد دلالات براءة السؤال وعمق المعاني المخفية وراءه وتأثيره . كما يمكن ان  ينير الدرب الى الكيفية التي تطرح بها الأسئلة البسيطة.. تلك التي تحمل في طياتها عمقاً فكرياً.

النص  يتناول  ايضا المعنى الفلسفي للبراءة ومخاطرها في كشف الحقائق، اما في الجانب الرمزي، فانه يعبر عن التحولات التي تحدث عندما تُرفع الحجب. انها دعوة للتفكير النقدي، مؤكداً أن البراءة ليست مجرد جهل، بل قد تكون بداية لوعي نوعي وشجاعة في مواجهة ما خفي. او انه البحث البريء والصادق عن الحقيقة دون تلاعب أو تحايل. باختصار، إنه نص قصير ، مركب من جملتين قصيرتين، تمنحانه تماسكاً وبنية واضحة..لكنه غني بالمعاني، يثير الفكر ويستدعي التأمل.

014

القصة الرابعة عشر:

"أسمَعَها أجملَ الشِعْر، أعذبَ الكلام، طافَ بها الدُنيا، كانَ فمُها الهدَف، ولم يُفتَحْ."

يعبّر النص بلغة رقيقة وشاعرية عن الجهد المبذول في الحب، متسائلاً عن جدواه رغم المحاولات المستمرة. يتناول النص بأسلوب بسيط وعفوي تساؤلاً يحمل في طياته إحباطاً واستفساراً بريئاً عن الحقيقة المختبئة خلف الحجاب. الكلمات المختارة بعناية تجسد هذا التساؤل البريء، بينما تكشف الصور البلاغية مثل "أوراق التوت" عن رمزية الحماية والأسرار المكنونة. النص ينساب بإيقاع هادئ، يعكس عمقاً فكرياً وفلسفياً في البحث عن الحقائق المخفية وراء الأسئلة البسيطة. في نهايته، يترك النص القارئ أمام تأملات حول قوة الاستفسار العفوي في كشف الغموض، وإزالة الحجاب عن الحقائق المدفونة. هذه الكلمات القليلة تحمل بداخلها صراعاً بين السعي والخيبة، مظهرة كيف يمكن للبساطة أن تكون مدخلاً للغوص في أعماق الأمور، حيث تتلاقى الرومانسية بالتأمل الفلسفي.

015

القصة الخامسة عشر:

"السنينُ التي عبَرَتني، كثيرة، كسَرتُها، أعدتُ بناءَها، لأصنعَ منها قَفَصاً، لا يسعُ غيري."

النص ينسج بحرفية أدبية عالية رحلة الحياة في صورة مجازية مؤثرة، حيث يتحدث عن التجارب التي تصوغ الذات رغم قسوتها، ليمتد إلى بناء استقلال داخلي يفضي إلى عزلة ذاتية. بأسلوب شعري غني بالصور البلاغية، يصور النص عملية كسر الذات وإعادة بنائها، ليخلق قفصاً لا يسع سوى صاحبه، وكأنه يسجن نفسه داخل تجاربه. النص متماسك، يتدرج من استذكار السنوات والتجارب، مروراً بالتحولات الداخلية، وصولاً إلى لحظة السجن الذاتي. كل جملة تحكي مرحلة، وكل صورة تحمل عمقاً يعكس الصراع الداخلي. لغة النص هادئة لكنها تحمل تأملات عميقة في كيفية تحويل الألم إلى قوة، وتجعل القارئ يغوص في فلسفة التعامل مع الحياة وتحدياتها. في النهاية، النص يعبر عن كيفية تحول التجارب إلى قيود ذاتية، حيث يصبح الإنسان أسير رحلته الخاصة، مفكراً في كيفية التحرر منها.

***

طارق الحلفي

...............................

رابط قصص قصيرة جدا

https://www.almothaqaf.com/nesos/976664-%D8%B9%D8%A7%D8%AF%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%86%D8%B8%D9%84-%D9%82%D8%B5%D8%B5-%D9%82%D8%B5%D9%8A%D8%B1%D8%A9-%D8%AC%D8%AF%D8%A7-6

في المثقف اليوم