قراءات نقدية
عصام الشرتح: محركات الرؤية الجمالية ومدخراتها الفنية في قصيدة (وردة العشق) لوهيب عجمي
مقدمة البحث
تهدف الدراسة إلى الكشف عن مثيرات الشعرية ومحركاتها الرؤيوية في بنية القصيدة عند وهيب عجمي، من خلال قصيدته الموسومة ب( وردة العشق)، ولهذا سيسعى البحث إلى الكشف عن مغريات الشعرية ومؤثراتها الفنية في هذه القصيدة على المستويين الإيحائي والجمالي؛ دون الإغراق بالتفاصيل الجزئية ومتابعتها داخل النسق الشعري.
ومن هنا، ستقوم الدراسة بملاحقة الكلمة في تركيبها الجمالي وحياكتها النسقية المميزة، تبعاُ لمؤشرات البنى الدالة ومحركاتها ضمن النسق الشعري الجمالي؛ وهذا يعني أن الدراسة تفصيلية رؤيوية تسعى إلى تحريك الرؤية الجمالية ومثيراتها ضمن النسق الشعري وكشف المثيرات الجمالية التي تتضمنها القصيدة على المستوى الفني الجمالي.
أولاً- نص القصيدة (وردة العشق)
صباحكِ وردة ُ العشقِ الجميلِ
وعينُ الحبِّ في شمسِ الأصيلِ
*
وأشعارٌ تُفتشُ عن رموشٍ
لتسكنَ رقة الرمشِ الكحيل
*
وإشعاعٌ تسللَ في عيونٍ
ليكشفَ سرَّ حسنٍ مستحيل
*
وأنوارٌ تلاقت في جبينٍ
تعانقُ قمة العشقِ الجليلِ
*
وأنغامٌ وألوانٌ ودفءٌ
بأجنحةِ الحمائمِ والهديلِ
*
وقدٌّ ماسَ يهمسُ في نسيم
يميلُ تلاطفاً حتى تميلي
*
وطيرٌ في خمائلهِ تعافى
يدندنُ فوقَ أجراسِ النخيلِ
*
فعيشي في غرامكِ كلَّ حينٍ
ليبقى العشقُ يهدرُ كالسيولِ
*
فدينُ الحب عندك كل دينٍ
يغذي القلبَ في كلِّ الفصول
*
أجافي ذا الهوى لكن قلبي
بدنيا الحب لايخلي سبيلي
*
أتيتُ إليكِ تحملني رياحٌ
وتلقيني على أحلامِ ليلي
*
فأغرقُ في بحارٍ باتْ فيها
شراعٌ غارَ في الجسدِ العليلِ
*
أيا شمسَ الصباحِ وعين حبي
وأفراحي لما بعد الرحيل
*
جنوني في هواكِ يثير ظني
فيصلبني على قلقي الثقيل
*
أغني في هواكِ طوالَ ليلي
وليلي غصَّ في ليلي الطويل
*
ووحي الشعرِ لايأتي ببرقٍ
ووعد ماطرٍ فوق السهولِ
*
بدونِ قصيدةٍ تلتاعُ شوقاً
فشعري في معاناتي دليلي
*
يجيءُ الشعرُ مهراً دونَ وعدٍ
يحييني بحمحمةِ الصهيلِ
*
فأشربُ من يديهِ الكأس مُرَّاً
فأشفي في مرارتهِ غليلي
*
ففي عشقي لمن أهواهُ نارٌ
هي الجناتُ مادامتْ مقيلي"(1).
***
ثانياً- البحث:
قد يظن القارئ أن الشعرية كتلة متحولات ومؤثرات فنية يمكن أن تتواتر عند الكثير من الشعراء بالقيم الجمالية نفسها والحياكة الإبداعية ذاتها؛ وهذا ينافي الحقيقة الإبداعية التي تجعل لكل نص شعري قانونه الجمالي الخاص به، تبعاً للمثيرات الجمالية التي يمتاز بها شاعر عن شاعر آخر؛ وتجربة عن أخرى؛ ومن هذا المنطلق تختلف التجارب الشعرية عن بعضها البعض؛ من خلال الحياكة الجمالية والحنكة التشكيلية الإبداعية في ربط الكلمات واستثارتها الجمالية.
ومن هنا يمكن القول: إن لكل نص شعري مثيراته النصية، ومحمولاته الإبداعية ومحفزاته النصية، لأن الشعرية – بالأساس- كتلة متحولات ومتغيرات ومحمولات جمالية تبثها القصيدة على مستوى الكلمة والكلمة، والجملة والجملة، ناهيك عن إيقاعها التآلفي الترابطي الذي يدلل على أن البنية النصية الشعرية بنية متكاملة إحساساً وفاعلية رؤيوية تحفيزية نصية ترتقي درجات من الاستثارة والتحفيز النصي.
وتختلف شعرية المحمولات الجمالية من شاعر إلى شاعر، ومن نص شعري إلى نص شعري آخر، تبعاً لفاعلية المحمولات الجمالية، ومؤثرات النسق الشعري؛ وهذا يعني أن فاعلية المحولات الجمالية متغيرة في حد ذاتها ومختلفة من نص إلى آخر، ومن رؤية نصية إلى أخرى تبعاً لمثيرات التوابع النصية التي ترتبط بالأثر الجمالي الذي تخلفه المحمولات النصية فيما بينها، وبما أن المحمولات الجمالية كتل متغيرات ومؤثرات مختلفة فيما بينها، فإن ما يثيرها على المستوى الجمالي تفاعل هذه المحولات فيما بينها لتحقق قيمة جمالية تملك مؤشرها الجمالي البليغ، وخصوصيتها الإبداعية الخلاقة. ومن هنا يمكن القول:
تختلف مجالات البحث في علم الجمال الشعري اختلاف التجارب الشعرية التي تتنوع في دلالاتها ورؤاها ومؤثراتها النصية، ومحفزاتها الجمالية وقيمها الفنية، وهذا يعني أن لكل تجربة شعرية مقتضياتها الفنية التي تجعل البحث في علم الجمال الشعري يعني البحث عن الآلية الجمالية التي جسدت مغامرتها اللغوية الجمالية لخلق بؤرة تأثيرها في المتلقي، وكما هو معروف فإن لكل نص شعري إبداعي سطوته الفنية؛ هذه السطوة تختلف من نص لآخر اختلاف التجارب الشعرية نفسها في ارتقاء أسهمها الجمالية أو انحدار المستوى الجمالي لقيمها وأسهمها الجمالية.
ومن هنا تختلف فاعلية الدراسات الجمالية بمقدار اقتناص النصوص الجمالية التي تتضمن الكثير من القيم الجمالية التي تشكل ممانعتها النصية، وبتصورنا: إن القيم الجمالية في نص من النصوص تزداد بالقناة البلاغية الأولى، وهي الصورة المتحركة التي تشتق معانيها المحفزة للشعرية من خلال براعة الشاعر في نقل الأفكار والدلالات والمشاعر بالصورة المبتكرة والمعاني الخلاقة، والمحفزات اللغوية الأخرى كالتكرار والتوازي والتفاعل والتماسك والمناورات التشكيلية والدلالية وغيرها من المؤثرات التي تخدم شعرية الجملة في انفتاحها النصي؛ وما إلى ذلك من المؤثرات التي تجعل النص الشعري غابة من المؤثرات الجمالية في الصورة والرمز والإيقاع والمتجانسات الصوتية، ومحركاتها الضمنية ضمن النسق الشعري.
وبتصورنا: إن البحث عن جمالية الشعرية في قصائد وهيب عجمي يعني البحث عن الأصالة الإيقاعية والموسيقا الداخلية التي تغني جماليات قصائده في جرسها الصوتي وبلاغة الصورة المعبرة عن عاطفة مشبوبة بالمشاعر المفعمة بالإحساس والحساسية الجمالية؛ فالشاعر وهيب عجمي يمتلك مخيلة شعرية وهاجة في صورها خلاقة في معانيها ورؤاها الجمالية، إذ يعيش الحالة الشعورية بإحساس جمالي يجعل كلماته عذبة تسير بإيقاعها المزركش بالألوان والدلالات والمعاني التي تفيض استثارة وحساسية جمالية مرهفة بالمعاني والدلالات الوهاجة، فهو يمتلك الرؤية الشعرية والحساسية الجمالية في رصف الكلمات وتشكيل الصور بإيقاع رومانسي غزلي ليصوغ من لغته الشعرية لغة خاصة لا يقلد فيه أحداً سوى العجمي، أي ترى في قصائده نكهة الحداثة ونكهة المعاني القديمة التي تسبح في تجليات الفكر والتصوف والغزل الجاهلي باختيار الجمل والتراكيب الفياضة التي تشبه الشعر الغزلي القديم بموجات حداثوية يقارع فيها الزمن ويدق ناقوس الجمال الشعري المتوحد بالحالة الشعورية والإيقاع الروحي الذي يتغور أعماق التصوف بالحدث وحالة الوجد القصوى، وما قصيدة وردة العشق إلا صورة من صور التجسد والتفاعل على مستوى الكلمات وإيقاع التراكيب التي تشبه في مدها وحراكها الشعوري قصائد بدوي الجبل هذا العملاق السوري، أي يعيد العجمي بناء قصيدته الحداثوية بإيقاع رومانسي لا يبتعد عن إيقاع بحور الخليل بن أحمد الفراهيدي، ليبنني الصورة الجمالية التي تخلق معانيها بجلال وجمال بارعين.
ومن يعتقد أن البنية التركيبية أو الهيكلية النصية لقصائد وهيب عجمي متشابهة فقد أخطأ الحكم النقدي الجمالي على الآلية البنائية أو الهيكلية البنائية لقصائد العجمي؛ إذ إن العجمي ينوع في نسيج خلايا قصائده، تبعاً لمسار الحركة الشعورية أو الموقف الشعري؛ فالعجمي يبني النص الآني، أو نص اللحظة الشعورية الحالية، يعيش الواقع الشعري بمسبباته الشعورية فهو لايعيش اللحظة الماضوية إلا باللحظة الحضورية الطازجة، ولهذا تسبح قصائده بفيض دلالاتها وإيحاءاتها الشعرية المتوترة؛ فهو يتنفس الجمال الشعري دون أن يتغيب عن إيقاع العاطفة المتقد ونبع الثراء الوجداني الذي يغلف قصائده بالغنائية الشفافة التي يستقي وهجها من حرارة الموقف العاطفي أو اللحظة الشعورية التي يعيشها في واقعها الحالي ولو استرجع لحظة ماضوية أو حدثاً ماضوياً أو رؤية ماضوية أراد أن يحياها في واقعه الراهن؛ إنه يبني النص الجمالي الخلاق بكل مستجدات اللحظة الشعورية الراهنة والواقع الراهن.
وما قصيدة (وردة عشق) إلا استرجاعاً حقيقياً لعالم غزلي أراد أن يجسد لحظاته في واقعه الشعري الراهن؛ ولعل أبرز ما يجسده في هذا العالم أنه يعيش الواقع الشعري باستثارة وجمالية وحراك شعوري ظهر شعرياً من خلال الفاتحة الاستهلالية التي يقول فيها:
صباحكِ وردة ُ العشقِ الجميلِ
وعينُ الحبِّ في شمسِ الأصيلِ
*
وأشعارٌ تُفتشُ عن رموشٍ
لتسكنَ رقة الرمشِ الكحيل
*
وإشعاعٌ تسللَ في عيونٍ
ليكشفَ سرَّ حسنٍ مستحيل
*
وأنوارٌ تلاقت في جبينٍ
تعانقُ قمة العشقِ الجليلِ
*
وأنغامٌ وألوانٌ ودفءٌ
بأجنحةِ الحمائمِ والهديلِ
*
وقدٌّ ماسَ يهمسُ في نسيم
يميلُ تلاطفاً حتى تميلي
*
وطيرٌ في خمائلهِ تعافى
يدندنُ فوقَ أجراسِ النخيلِ
لاشك في أن أية قيمة جمالية مكتسبة في قصائد العجمي تتبدى في دفقتها الاستهلالية أو فاتحتها الاستهلالية الموفقة التي غالباً ما يجعلها جملاً اسمية راسخة، ومن طبيعة الجمل الاسمية أنها تحمل الديمومة والثبات في الحدث والموقف الشعوري، وهو يريد أن يكون غزله تأسيسياً وحبه راسخاً كرسوخ الجبال أو ثابتاً صامداً كما راسيات الجبال، فابتدأ الفاتحة الاستهلالية بأوصاف راسخة تدلل على جمال المحبوبة، ورقي أوصافها، وحيازتها على أكبر كم من الصور الاسمية الراسخة في تبيان أوصاف الحبيبة، ومصدر جمالها؛ فصباحها ورود حب، وقصائد وأشعار، وجمالها الوديع إشراقات ملائكية تسكن رقة الرمش الكحيل، وهي ينابيع حسن، وأنوار ولآلئ وأنغام وهديل حمام، تتسامى في الخمائل لتقرع أجراس النخيل، إنه يبني الصور المشتقة من جمال الطبيعة بكل أنسها وخصوبتها ومصدر ائتلافها المشهدي على مستوى وحدة الرؤيا وشاعرية الموضوع.
وهنا نتساءل: هل العجمي كان مدركاً أن شعريته متنوعة في مشاربها الفنية كما تنوع الهيكلية النصية لقصائده؟ هل يؤمن أن الغنائية التي بنى عليها قصائده متنوعة في إيقاعها من الشكوى وبث النجوى والحنين، هل كان يدرك أن لقصائده جرسها الصوتي الخاص وإيقاعها المختلف؟ هل كان يدرك أن شعريته متماوجة متناغمة كتناغم الإيقاعات الدافئة في خميلة غناء؛ إن قصائده تسبح في ملكوتها الشعري الخاص وفضائها الصوفي المؤثر.
هل استطاع العجمي أن يبني القصيدة الجوهرة أو قصيدة الحياة بكل ما تتضمنه هذه الكلمة من معانٍ ورؤى ودلالات؟ وكيف يستطيع الشاعر وهيب العجمي أن يحرك القارئ بهذا الكم من الصور، لابد قبل الإجابة عن هذه التساؤلات المتتابعة من الوقوف على حقيقة صرح بها العجمي قائلاً:" الغنائية في قصائدي لحنها الواقع المعيش والحياة التي أتنفسها في صباحي الريفي المنتعش برائحة الأشجار والحقول وأنسام الطيور المهاجرة والطيور المغردة على أشجار النخيل، لقصائدي حرارتها الواقعية التي تعيش في داخلي في يومي والحدث اليومي"(2).
وهذا القول يدلنا على أن العجمي يعيش يومه شعرياً وهو في أحضان الطبيعة، يتنقل كالبلابل بين الخمائل والورود، يعانق صباحه الريفي بلذة، وانتشاء جمالي، يظهر من خلال إيقاع القصيدة، ليجمع الحس والحركة والرؤية والشعور؛ وما ألذ هذه الصور الموحية بدلالاتها ورؤاها الماثلة في قوله:
فعيشي في غرامكِ كلَّ حينٍ
ليبقى العشقُ يهدرُ كالسيولِ
*
فدينُ الحب عندك كل دينٍ
يغذي القلبَ في كلِّ الفصول
*
أجافي ذا الهوى لكن قلبي
بدنيا الحب لايخلي سبيلي
*
أتيتُ إليكِ تحملني رياحٌ
وتلقيني على أحلامِ ليلي
*
فأغرقُ في بحارٍ باتْ فيها
شراعٌ غارَ في الجسدِ العليلِ
*
أيا شمسَ الصباحِ وعين حبي
وأفراحي لما بعد الرحيل
هنا يعيش الشاعر اللحظة الشعورية بجماليتها ورؤاها مخاطباً محبوبته أن تبادله هذه المشاعر لتعيش الحب، وتدين بدين الحب أنى توجهت، حتى بعد رحيله ليبقى حبها خالداً كخلود الحياة لتعيش اللحظة السرمدية بالحب، وهنا جاءت الصورة (أيا شمسَ الصباحِ وعين حبي وأفراحي لما بعد الرحيل) دالة بقوة عن مقصودها وإحساسها الجمالي ليؤكد العجمي أن الشاعر ليس فقط ديدانه اللغة والصورة فحسب؛ وإنما ديدانه الهيكلية الجمالية التي تخوله الانتقال من مثير جمالي إلى آخر، لاسيما إذا كان شاعراً رؤيوياً يتنفس الشعر إيقاعاً روحياً يخرج من الصميم.
والملاحظ أن الشاعر وهيب عجمي يشكل القصيدة اللحمة أو القصيدة المتآلفة في نسيجها من بابها إلى محرابها، يتنفس الشعر بوحي فني وبلاغة شاعرية آسرة، ومن هنا تتسامى الرؤى والصور الشعرية وتتآلف لتحقق هذا التألق والارتقاء بها من نسق شعري إلى آخر؛ وهذا يدلنا على أن الوعي الجمالي في التشكيل والحرص على تكثيف اللحظة المشهدية من محفزات الرؤية الشعرية في قصائد وهيب عجمي.
2- المناورة الأسلوبية:
لاشك في أن الشاعر المبدع يمتلك أساليبه الشعرية وطرائقه في التشكيل الإبداعي، ولا يمكن للشاعر الحقيقي أن يعيش اللحظة الشعرية دون مناورة في طريقة التشكيل وحرفنة في تشعير النسق الشعري وخلق متغيره الجمالي، والشاعر وهيب عجمي يمتلك مناوراته التشكيلية البراقة التي يشكلها تبعاً لحساسيته الجمالية وطريقته في الانتقال من نسق شعري إلى آخر؛ ومن هنا نلحظ أن الحنكة المشهدية أو المناورات الأسلوبية ذات قيمة بالغة في إبراز فنية الرؤى الشعرية التي يمتلكها العجمي؛ وهذه المناورات ليست وليدة المصادفة، وإنما وليدة الإحساس الجمالي، والبراعة في التقاط الصور الجديدة وترسيمها بدقة للقارئ كما في قوله:
جنوني في هواكِ يثير ظني
فيصلبني على قلقي الثقيل
*
أغني في هواكِ طوالَ ليلي
وليلي غصَّ في ليلي الطويل
*
ووحي الشعرِ لايأتي ببرقٍ
ووعد ماطرٍ فوق السهولِ
*
بدونِ قصيدةٍ تلتاعُ شوقاً
فشعري في معاناتي دليلي
إن الدهشة الجمالية تطالعنا في هذه الأسطر من مناوراته الأسلوبية الخلاقة؛ فالشاعر يبني الجمل بناءً فنياً موحياً يشير الشاعر من خلالها إلى أعلى مستويات وقيم الجمال في التشكيل، فينقلنا من زاوية إلى زاوية ومن رؤية جمالية إلى رؤية أكثر استثارة وجمالية، محققاً ارتقاءً جمالياً في هذا التوليف المناور جمالياً لخلق الصورة الجمالية والإحساس الجمالي بها:(ووحي الشعر لا يأتي ببرقٍ ووعدٍ ماطرٍ فوق السهول)؛وهذا البيت اقتضى بمناورته الأسلوبية البيت التالي وشكل لحمة جمالية معه:"بدون قصيدة تلتاعُ شوقاً فشعري في معاناتي دليلي)؛ وهكذا استطاع الشاعر أن يخلق مناوراته التشكيلية بإيقاع جملي مؤسس على الحراك الدلالي والرؤيوي الكاشف عن دلالات ومعانٍ جديدة لا يمكن أن يسمو الشعر ويرتقي الشاعر إلا بها لاسيما في القفلة النصية الختامية للقصيدة:
يجيءُ الشعرُ مهراً دونَ وعدٍ
يحييني بحمحمةِ الصهيلِ
*
فأشربُ من يديهِ الكأس مُرَّاً
فأشفي في مرارتهِ غليلي
*
ففي عشقي لمن أهواهُ نارٌ
هي الجناتُ مادامتْ مقيلي
هنا تأتي القفلة الختامية قمة في الاستثارة والمناورة الجمالية التي تدلل على شعرية بليغة في إشراقاتها ومناوراتها التشكيلية، كما في قوله: (ففي عشقي لمن أهواه نارٌ هي الجناتُ مادامت مقيلي)، وهكذا، يؤسس الشاعر وهيب عجمي قفلاته النصية على المناورات التشكيلية الأسلوبية التي تبين براعته في صوغ جمله الشعرية لترتكز على الجملة المحور التي تزيد فاعلية الحراك الرؤيوي والدلالي، وتكون القصيدة قوية في إيقاعاته الدلالية ومناوراتها التشكيلية الخلاقة بمعانيها ورؤاها.
نتائج أخيرة:
1- إن الشعرية ومتحولاتها في بنية قصيدة (وردة العشق) تتأتى من ثراء القيم الجمالية التي تضمرها بالانتقال من صورة إلى صورة، ومن كلمة إلى أخرى ضمن النسق الشعري الواحد؛ أي ثمة هندسة جمالية تلاحمية في ربط الكلمات وإثارة إيقاعها الجمالي والترسيمي الخلاق؛ على مستوى النسق التكاملي المفرداتي الذي يربط الكلمات فيما بينها؛ وانتقالا الى سياق الجمل ووظائفها التركيبية وغنى محمولاتها الشعرية والرؤيوية الخلاقة.
2- إن الشعرية ومحمولاتها الجمالية – في بنية قصيدة (وردة العشق) شاملة للكثير من القضايا والرؤى الجمالية؛ وهذا يعني أن ارتقاء الشعرية في هذه القصيدة يعود إلى ممكناتها الإبداعية وحراك الرؤى الشعر ية التي تجعل القارئ يسبح في فضائها الجمالي وحياكتها النسقية البليغة.
3- إن المهارة الإبداعية التي تمتاز بها قصيدة( وردة العشق) تعود إلى الحياكة النسقية وقوة الرابط الجمالي الذي يربط العبارات فيما بينها وجمالية الرؤية الشعرية؛ التي ترتقي بالنسق الشعري الجمالي إلى أقصى درجات الفاعلية والتأثير؛ وكأن العجمي يعيدنا إلى زمن الرومانسية البراقة والمتخيلات الجمالية التي تسمو وترتقي بالنص الشعري إلى آفاق السحر وألإدهاش والإمتاع الجمالي.
وصفوة القول:
إن شعرية العجمي تختلف من قصيدة لقصيدة في توثباتها الشعرية، لتدلل على أن الحداثوية -لديه- تطال قصائده جميعها في فضائها الرؤيوي التخييلي؛، لتؤكد أن الحداثوية لديه ليست حداثوية صياغة فحسب؛ وإنما حداثوية رؤيا جمالية خلاقة مبدعة في الروح والمعاني والدلالات والمضمون الجمالي؛ وهذا ما يجعل القصيدة –لديه- تتنفس إبداعها بجمال وحساسية فنية عالية المستوى على الفضاء النصي الدلالي ؛ وهذا إن دل على شيء فيدل على فاعلية الرؤيا الشعرية- لدى العجمي- وبلاغة ما تصيبه قصائده من صور ومعانٍ ودلالات جديدة تجعل نصه الشعري قابلاً للكشف والتنقيب الإبداعي أكثر من مرة ؛وهذه سمة النصوص الإبداعية التي تحرك القارئ وتثير حساسيته الجمالية بامتياز. فالنص المثير يبقى دائما مغرياً لكشفه ومحاورته من العمق.
***
د.عصام الشرتح
................
الحواشي:
(1) العجمي، وهيب، 2020-وردة العشق، دارالبنان، بيروت، ص44-45.
(2) شرتح، عصام، 2020- حوار مع وهيب عجمي، الفيس بوك.