قراءة في كتاب
جمال العتّابي: التاريخ السري للمؤامرات

غالباً ما تثير حوادث ـ مثل الحروب الدولية والإقليمية والاغتيالات والانتحارات والتفجيرات وسقوط الطائرات ـ حفيظة الناس واهتمامهم بمعرفة التفاصيل المحيطة بها، خصوصاً عندما يكون ضحايا هذه الأحداث أو المتورطين فيها عدد من المشاهير: كرؤساء دول أو سياسيين أو رجال أعمال أو فنانين أو حتى رجال عصابات.
وتلجأ أجهزة الاستخبارات في دول عدة إلى إخفاء الحقائق عن الصحافة والرأي العام وإضفاء السرية على جزء كبير من تفاصيل هذه الحوادث، لأن نتائجها قد تؤثر على سمعتها في المجتمع الدولي أو قد تترتب عليها عقوبات دولية قاسية. وبسبب شحّة المعلومات يعتمد المتابعون صياغة تفسيرات مختلفة حول هذه الأحداث عندما تنقطع بهم السُبل للوصول إلى الحقيقة، يبدؤون بنسج قصص أغلبها خيالي تستند في معظمها مثلاً، على فكرة وجود قوى ظلامية خفية تتحكم بمصائر الشعوب وتدير الأحداث في الخفاء.
" التاريخ السري للمؤامرات وعمليات إخفاء الحقائق" الكتاب الذي ترجمه مؤيد جمعة، للمؤلفين " تشارلوت كريجمايك و روثس جايلد " الصادر عن دار الكتب العلمية للنشر في بغداد عام 2023، تناول حقيقة وجود مؤامرات تحركها قوى من وراء الستار، مثل الماسونية العالمية أو مجاميع ومنظمات تعمل في الخفاء، تتلاعب بالوقائع أو تلفيقها لخداع الناس خدمة لأغراض ومصالح ذاتية.
يجيب الكتاب عن عشرات الأسئلة التي قد تتبادر إلى الذهن وفي بالنا جميعاً، مثل ملابسات موت الأميرة ديانا، واغتيال الرئيس الأمريكي كندي، وتسريبات ويكيليكس، ويستعرض تاريخ عائلة روتشيلد المصرفية وكيفية كتابة بروتوكولات حكماء صهيون، فاتحاً عدداً كبيراً من الملفّات المغلقة التي تركناها خلفنا مع أسئلتنا الحائرة.
لا ينفي مؤلفا الكتاب وجود مؤامرات حقيقية وتلفيق للمعلومات وتزييفها لصالح متنفذين في السياسة والاقتصاد كأشخاص أو كمؤسسات عل مستوى العالم، ولكنهما يهدفان ببساطة إلى تنقية أذهان القارئ من الشوائب التي علقت بها بخصوص أحداث كثيرة شهدناها، أو قرأنا عنها لنميّز ما هو حقيقي وما هو خيالي، ثم نقرر بأنفسنا إن كانت هنالك مؤامرة أم لا. المؤاخذة التي تسجّل على ترجمة الكتاب أنها لم تقدّم لنا تعريفاً وافياً بمؤلفي الكتاب ـ على الرغم من الجهد المتميز الذي قدمه المترجم في ترجمة الكتاب بعناية كبيرة ـ إذ لم تسعفنا الشبكة الالكترونية في تقديم المزيد من المعلومات عنهما.
مرّت نظرية المؤامرة في عصرها الذهبي بعد الحادي عشر من أيلول، لا يقتصر الأمر في الحاضر على الأشخاص المنعزلين الذين يقضون الكثير من الوقت على الأنترنيت في مناقشة سبب قيام وكالة الأمن القومي بجمع كل تلك المعلومات الرقمية عن كل مواطن أمريكي، أو إذا كان الروس قد ساعدوا دونالد ترامب في الانتخابات، أو يتساءلون لمعرفة ما إذا كانت " الحرب على الإرهاب " هي حقاً من أجل المزيد من النفط!
غالباً ما تكون نظرية مؤامرة الأمس هي تاريخاً معاصراً يقبله الناس، إذا كنتَ قد قلت في ذلك الوقت إن هتلر قد بدأ حريق الرايخشتاغ بنفسه لتشويه معارضته للشيوعية، لتَمّ وصفك بجنون الارتياب، ولكن هي الآن حقيقة مقبولة، وكم من الناس يعتقد اليوم حقاً أن "لي هارفي أوزوالد " اغتال الرئيس الأمريكي من دون مساعدة أحد؟
بالطبع ليست كل نظريات المؤامرة لها أساس في الواقع، فبعضها غريب، مثل النظرية القائلة بأن قادة العالم هم كائنات فضائية متخفية، أو مثل فكرة أن الحكومة تتكتم على زيارات كائنات فضائية للأرض هنا وهناك، ومع ذلك حتى الأحداث الأكثر غرابة تبدو وكأنها شبيهة بتلك التي ظهرت في أحداث مسلسل" الأكس فايل"، أو تلك التي تشير إلى حاجاتنا النفسية لإيجاد سبب لكل ما يحدث في عالمنا.
ثم هناك نظريات المؤامرة التي تبدو ترفيهية: على سبيل المثال، فكرة هبوط الإنسان على القمر تم تزويرها في استوديو لإنتاج الأفلام، وبالطبع لا تمرّ وفاة لأحد المشاهير من دون نظرية المؤامرة المصاحبة لها، هل قُتلت ديانا؟ هل كان مكتب التحقيقات الفدرالي حقاً وراء مقتل جون كندي؟ بالنسبة للبعض، تظهر هذه النظريات ببساطة ميلنا البشري لإنكار الموت والخسارة، استطاع الكتاب أن يرصد أكثر من خمسين " مؤامرة " بدءاً من تلك التي تستند على مصداقية حقيقية إلى نظريات المؤامرة غير المعقولة، من ويكيليكس، إلى انتحار مارلين مونرو، قد لا تتوفر لدى المؤلفين الإجابات، لكن لديهم بعض النظريات الجيدة.
تقدمت نظريات المؤامرة في المائة عام الماضية أو نحو ذلك بشكل لافت، ربما بسبب تناقص الاعتقاد بدور الدين، حيث كان الناس في الماضي يميلون إلى رؤية الأحداث التي لا يمكن تفسيرها على أنها من عمل الرب، بينما يتّجه الناس في أوقاتنا الأكثر علمانية إلى البحث عن اليد الآثمة للإنسان بعيداً عن التفسيرات الدينية.
وشهدت السنوات الأخيرة اهتماماً كبيراً بنظريات المؤامرة، إثر فقدان الإيمان بالدين، وفقدان الثقة بالسياسيين، وبوسائل الإعلام التي تبحث عن الإثارة في موادها، وتأثر الأفلام والروايات التي تتبنى المؤامرات، وتدخل الانترنيت كوسيلة مثالية لنشر نظريات المؤامرة. انها ليست جديدة بالطبع، لكنها تثير أسئلة عديدة عن أحداث كبيرة شهدها العالم، منها على سبيل المثال: هل كان بإمكان هتلر الهروب حقاً من مخبئه عبر نفق سري إلى القارة القطبية الجنوبية؟ ما الأسباب الحقيقية التي تقف وراء مقتل الزعيم الأمريكي الأسود " مالكولم أكس" ؟ لأن العديد من نظريات المؤامرة ترتبط في أذهاننا بوجود جمعيات سرية تقف وراء تلك الأحداث.
إن أكثر التفسيرات تطرفاً تلك الشبيهة بسرديات الخيال العلمي، لقد ظهر العديد من هذه النظريات بالفعل في روايات مشهورة كرواية " شفرة دافنشي" الشهيرة جداً لـلكاتب الأمريكي " دان براون " التي تستمد موضوعها الرئيس من تقليد كامل لمؤامرات الكأس المقدسة التي يعود تاريخها إلى أكثر من ألف عام. الرواية سلسلة من الألغاز الشيقة والمثيرة التي تستدعي مراجعة التاريخ لفك ألغازه وسط مطاردة شرسة من أعضاء منظمة كاثوليكية تسعى للحصول على السر، وهي تتناول علاقة المسيح بمريم المجدلية بطريقة منافية لما ورد في الكتب المقدّسة إلى حد منعها من الدخول إلى الفاتيكان ودول أوربية أخرى.
إحدى الأحداث المثيرة التي ما تزال تشكل لغزاً في الرحلات الجوية، والتي تعرف برحلة " الاختفاء الكبير" لطائرة تعود إلى الخطوط الجوية الماليزية " رحلة 370 في 8 آذار 2014، أثار تحطمها أسئلة كثيرة ما تزال الإجابات عنها غائبة. واختفاؤها أحد أعظم الألغاز في تاريخ الطيران.
في إحدى المحاور يتصدى المؤلفان إلى مصطلح " الدولة العميقة" وحكومات الظل سرعان ما تم تطبيقه في عدد من البلدان حيث يتم التحكم في حكومة يفترض أنها ديمقراطية من قبل تحالف غامض لأحزاب وقوى وكيانات سياسية ومنظمات وميليشيات وإعلام، جميعاً تعمل لمصالح غير وطنية، وتتعارض مع مؤسسات الدولة، هذا النموذج نجد له أمثلة عديدة في دول الشرق الأوسط.
في اغتيال جون كندي عام 1963 ظلت التحقيقات جارية على مدار السنوات حتى عام 1976، عندما تم إعادة فحص الأدلة، واتضح ان هناك مسلحين وليس واحداً، وان أربع رصاصات أطلقت في آن واحد، ثلاثة من القاتل "أوزوالد" وواحدة من مسلح مجهول مختبئ في منطقة قريبة. نظرية أخرى تقول: إن قتلة كندي هم عصابات المافيا. بينما تآمر العديد من كبار رجال المافيا بمساعدة وكالة المخابرات الأمريكية لاغتيال كاسترو، وكان كندي معارضاً لهذا النهج.
كانت الاشاعات تلاحق الممثلة العالمية مارلين مونرو، وفقاً لروايات تقول إنها كانت على علاقة غرامية بكندي، تزعم بعض النظريات ان روبرت كندي شقيق جون وراء مقتلها نيابة عن أخيه خشية الفضيحة التي تهدد مستقبل الرئيس. ومن المحتمل ان تكون وفاتها نتيجة لجرعة زائدة من الأدوية المهدئة، بعد حالة انهيار اصابتها عندما قطع كندي العلاقة بها، وانتحرت كردّ فعل.
هناك الكثير من الحقائق والأسئلة التي ما تزال بحاجة إلى إجابة: حادث موت الأميرة ديانا، تشير التقارير أن جميع الأضواء انطفأت في النفق وتعطّلت الكاميرات، وأن السلطات الفرنسية رتبت عمداً لتحطيم السيارة، وما يزال الكثيرون غير مقتنعين بكل إجراءات السلطة الفرنسية في حينها. وحتى يومنا هذا، هناك من يشير إلى احتمال انضمام كبار الرتب في المؤسسة البريطانية إلى مؤامرة قتل ديانا.
استعرض الكتاب عشرات الأمثلة والأحداث المتشابكة والمعقدة، يصبح من المتعذر على مقالة محدودة الكلمات الإحاطة بها كاملة، إلا ان الإشارة إلى أهميته بالنسبة للقارئ العربي، نعتقد انها ستكون مدخلاً أولياً لقراءته بتأمل وعناية، وربما تكون المحاولة دافعاً للباحثين في دراسة وتقصي الحقائق للكثير من الأحداث، فهناك محاور وقضايا عديدة لم يكشف عنها بيقينيات ثابتة، كالصحون الطائرة والكائنات الفضائية، وتاريخ عائلة روتشيلد، ومتلازمة حرب الخليج: حقيقة أم خيال، الحرب النووية، العلاقة بين الرئيس بوش وابن لادن، الإيدز ووكالة المخابرات الأمريكية، وغيرها.
***
د. جمال العتّابي