قراءة في كتاب

ثامر الحاج امين: قراءة في كتاب "الحداثة والتنوير"

عن دار لندن للطباعة والنشر صدر مؤخرا كتاب (الحداثة والتنوير) للباحث والمحقق "صادق جعفر الروزاق" وهو الكتاب العشرون في سلسلة اصدارته في البحث والتحقيق، يستعرض الروازق في القسم الأول من كتابه الجديد قراءاته في مصادر عدد من رواد الفكر التنويري متوقفا عند ابرز محطاتهم الفكرية من خلال قراءة كتبهم حيث يستهل كتابه بقراءة مسألة الحرية في مدونة الشيخ محمد الطاهر بن عاشور المتوفى سنة 1973 الذي تولى اعلى المناصب العلمية والدينية والقضائية في تونس وله مؤلفات ناهزت العشرة كتب تناولت مسألة الحرية في الفكر الاسلامي القديم وكذلك في الفكر الحديث المعاصر، ثم يعرّج على مؤرخ العراق (ابن الفوطي 642 هـ ــ 723 هـ) الذي عُرف عنه محدّثاً ومؤرخا واخباريا وفيلسوفا وعالما في الانساب ومن أبرز مؤلفاته كتاب (درر الأصداف في غرر الاوصاف) وهو كتاب كبير جمعه ابن الفوطي من الف مصنف من التوريخ والدواوين وكتب الانساب كما كتب ابن الفوطي تاريخ دولة التتر ــ المغول وتميزت كتاباته حسب وصف الشيخ محمد رضا الشبيبي (باسلوب خاص، اسلوبا ساحرا، دقيقا في سرد لأحداث ووصف الاشخاص) وهو اول من أرّخ تاريخ العراق في الفترة المظلمة على يد المغول، ومثلما عُرف عنه مؤرخا كبيرا عرف كذلك بالتصوف حيث درس التصوف عند عدة من مشايخه، ثم يتناول الروازق بالعرض والتعليق كتاب (تطور الفكر الديني الغربي) للدكتور حسن حنفي لما يمتلكه من علوم المعرفة الكلامية وتخصصه في المجال الفلسفي الذي مكنه ان ينجز نتاجه بطريقة علمية ممنهجة حيث يبحث كتاب حنفي بالتطبيق مراحل تطور الفكر الديني الغربي عند الفلاسفة الغربيين ويختار اربعة من مفكريه وهم كانط، هيجل، فيورباخ، هوسرل  وفي فصل اخر من كتاب الروزاق نجد قراءة قي اقكار الشيخ (محمد الغزالي 1917 ــ 1996 م) باعتباره من الدعاة المعادين بشدة للتشدد والغلو في الاسلام حيث يؤكد على أهمية وقيمة العقل عند الانسان في قوله (العقول الذكية وحدها هي التي تميز الحق من الباطل) ويلقي باللوم على ما اصابنا من نكسات في تاريخنا الطويل على فساد عقول العامة وعلى فساد ضمائر القلة الحاكمة ولكن الغزالي يتطرف في رأيه حين يهاجم اصحاب الرؤية العلمانية من امثال سلامة موسى وصادق جلال العظم ويتهم موقفهم من حرية المرأة كانت (بدافع شهواتهم الغريزية المكبوتة) وان دعواتهم فيها من الاباحة والتحرر المطلق فالغزالي يلخص رؤيته عن المرأة في قوله (لا نريد ان تنتقل المرأة من عهد الحريم الى عهد الحرام) . كما يجد الباحث الروزاق في قضية الحوار في العمق من اجل التقريب الحقيقي في الجانب العقائدي لموروث المسلمين الذي نادى به الدكتور صائب عبد الحميد (ثقافة ونهضة وتطوير فكر وحركة اصلاح تبتغي تغير حقيقي امام تراكمات خطيرة من فكر ظلامي سعى بكل قوة للنيل من وحدة المسلمين)  فعبد الحميد قرأ في كتابه الخلاف التاريخي ضمن استعراضه لنتاجات الأولين والمفسرين مستهلا في تمهيده للكتاب اهمية الحوار عند الانسان الواعي الذي يمتلك عقلا باحثا عن الحقيقة، كما يعرّج الباحث على كتاب (التسامح ومنابع اللاتسامح .. فرص التعايش بين الأديان والثقافات) للكاتب ماجد الغرباوي فالكتاب ــ وحسب قول الباحث ــ بمجمل عناويته يبحث عن سبل العلاج لما مر بالعراق من واقع مأساوي طغت فيه ثقافة العنف مدعمة بثقافة تكفيرية وفق اجتهادات دينية مبتسرة، وفي النهاية يقدم الكتاب خارطة للعيش في وطن واحد متحاب متآخي  بين جميع مكونات افراده في اطار قيم عراقية اصيلة وطبيعة العلاقة مع الاخر المختلف دينيا . كما تضمن كتاب الروازق الحداثة والتنوير قراءة لكتاب د. ماجد موريس ابراهيم (الارهاب ... الظاهرة وأبعادها النفسية) حيث يرى الروزاق ضرورة ان تخضع ظاهرة الارهاب لقراءة موضوعية بل وتلزم الباحث بتحديد المرجعية الاخلاقية وتقييم المبرر للفعل الارهابي، حيث يتناول الكتاب وبشكل مفصل أثر الارهاب على النساء والاطفال والعدوان على الهوية الثقافية والعرقية وكذلك على المستوى الخدمي وعلى المؤسسات الأمنية والى خلق مشكلة نزوح كبير في عدد اللاجئين في الداخل والى دول الخارج، وتحظى المرأة في قراءات الروازق بالاهتمام حيث يلجأ الى عرض كتاب (المرأة .. أزمة الهوية وتحديات المستقبل) للكاتب احسان الأمين الذي يسلط فيه الضوء على واقع المرأة في عالم الشرق وعالم الغرب مستعرضا صور اضطهادها في هذين المجتمعين، ثم يدرس الامين مستقبل الاسرة في العالم واثر الحداثة الغربية في تهديد استقرارها ويضع مجموعة نقاط لوقاية الاسرة من ما يسميه بخطر الحداثة الغربية . ومن رواد النهضة الاصلاحية يختار الروازق الشيخ محمد عبده الذي يعده واحدا من ابرز رجالات النهضة والاصلاح وسعى في مقتبل عمره الى مقاومة الاستعمار الخارجي والاستبداد الداخلي والاستعمار الديني ويقرأ سيرته ومنهجه الاصلاحي في كتاب د. عبد الرزاق عيد (محمد عبدة امام الحداثة والدستور) الذي يخلص فيه الى ان حياة عبده اتسمت بمعالم التصوف، كما تتناول قراءة الروزاق مفهوم الموضوعية في كتابات مير بصري ــ مؤرخ وشاعر عراقي زعيم الطائفة الموسوية اليهودية في العراق ــ الذي يجد انه ليس من اليسر والسهولة ان يكون الكاتب موضوعيا في ظروف العراق التي لم تحظ بالاستقرار طوال قرن من الزمان تعرضت فيه الطائفة اليهودية الى صنوف من الاضطهاد والاقصاء رغم تشبثها بحب العراق ورفض زعيمها مير بصري الهجرة الى اسرائيل واختار بلدا اخر مبررا ذلك بقوله (انني يهودي الدين، عراقي الوطن، عربي الثقافة، ويستعرض مير بصري في كتابه " الموضوعية " بعض مظاهر الحرية التي رافقت العهد الملكي في العراق مستذكرا عددا من مواقف التحدي للشعراء والصحفيين الذين واجهوا بها سياسة ذلك العهد.

ومن خلال كتاب الدكتور هشام غصيب (تجديد العقل النهضوي) يخوض الروازق في قراءة هذا الموضوع الذي يؤكد فيه غصيب على مهمة تجديد العقل النهضوي من خلال استعراضه لمفهوم العولمة والهوية القومية ومؤكدا ان الرأسمالية مشروعا قديما من اساسيات مشروع العولمة، كما يسلط الروازق الضوء على كتاب الدكتور علي فياض الموسوم (نظريات السلطة في الفكر السياسي الشيعي) الذي يستعرض فياض فيه النظريات الشيعية الثلاث وهي : نظرية ولاية الفقيه / الامام الخميني، نظرية ولاية الأمة على نفسها / الفقيه الشيخ محمد مهدي شمس الدين، نظرية السلطة / محمد باقر الصدر حيث يخوض في تفاصيل كل نظرية من هذه النظريات الثلاث والفارق في نظرة اصحابها الى شكل السلطة وفي الاحكام والقوانين الاسلامية التي يجب ان تراعى وتنفذ .

يخصص الروازق في القسم الثاني من كتابه (الحداثة والتنوير) وضمن سياق الموضوع أهم الشهادات التي قيلت في كتابه (علي الوردي .. مقاربات اصلاحية في فهم الدين والذات) الصادر عام 2014 فيدرج في هذا القسم قراءات وشهادات عدد من الباحثين الذين كانت لهم وقفة مع الكتاب المذكور ومن بينهم : الباحث نبيل عبد الامير الربيعي، الشاعر قاسم شاتي، الدكتور صلاح كاظم جابر، الدكتور عدنان يوسف، الدكتور محمد عيسى الخاقاني، الأديب ثامر الحاج امين، القاص نعيم شريف، وجميعهم اجمعوا على ان صادق جعفر الروزاق باحثا مجتهدا ومهتما في شؤون التراث الاسلامي وكتابه المذكور يعد اضافة نوعية للمكتبة العراقية والعربية .

***

ثامر الحاج امين

في المثقف اليوم