قضايا
بتول فاروق: العِرض والهيمنة.. كيف صيغت هوية المرأة داخل خطاب الشرف؟

كثيرة هي المفاهيم الأبوية التي شيّأت المرأة وجعلتها بلا هوية إنسانية مستقلة، وتعاملت معها بطريقة تحافظ على امتيازات الرجل المهيمن، حتى وأن أهدرت كرامتها.
كان لمصطلح أو لمفهوم العِرض الدور الأكبر في تحويل الأنثى الى مفهوم رمزي يُتملك ويدافع عنه، بدل أن تُعامل كإنسانٍ له كيان وكرامة مستقلة. عندما يقال العِرض يختزل الإنسان الى جسده، والى منطقة الخطر الأخلاقي، وهنا تصادر كرامة الإنسان ككائن حر مسؤول عن ذاته .
كلمة العِرض في الأصل كانت تُطلق على السمعة والشرف، سواء للرجل أو للمرأة.
لكن مع مرور الزمن، تم تضييق المفهوم حتى صار يُقصر على جسد المرأة تحديدًا، أي على “عفتها الجنسية”، وكأنّ شرف العائلة أو القبيلة كلّه معلق بجسدها وحدها. هذا التحوّل جعل المرأة رمزًا يُدافع عنه، لا ذاتًا تُحترم.
فصارت العلاقة بها علاقة "ملكية" لا "شراكة"، والرجل صار "حارس العرض" لا شريك الحياة، وصارت الغيرة على العرض كأداة سيطرة، فتحولت من معناها الوجداني الطبيعي إلى أداة ضبط وسلطة .
من خلالها يُبرَّر:
تقييد حركة المرأة. منعها من التعليم أو العمل،
فرض العزلة الاجتماعية عليها .
وفرض قيود على حرية الرأي والتعبير، ومراقبة جسدها وكلامها وسلوكها، حتى طريقة ضحكها أو نظراتها.
في المجتمعات المنقسمة أو التي تعيش حروبًا وصراعات، تُستخدم قضية الشرف والعِرض لتعبئة الرجال وشحنهم بالعنف، وكأنّ الدفاع عن النساء يعني بالضرورة حمل السلاح. فبأسم العرض صارت ترتكب الجرائم وتشن الحروب، وفي النهاية، المرأة نفسها تُقتل أو تُسجن باسم حمايتها.
بهذا الشكل، تتحول المرأة إلى رمزٍ مجرد، لا صوت له، رمزٍ يُرفع في الخطابات، ويُضحّى به في الواقع.
ومن الغريب أن هولاء الذين يتاجرون بالعرض هم أول من يهمشونها ويبتزونها ويحمّلونها ذنب العلاقات أو "الفتنة" ويستبيحون جسدها تحت مسميات شرعية أو اجتماعية.
ومن منظور أنثروبولوجي، يمكن القول إنّ مفهوم العرض اشتغل كـ أداة رمزية للضبط الاجتماعي، توازي في تأثيرها السلطة السياسية أو الدينية. إذ تمّ من خلاله تشكيل وعي جمعي يرى في المرأة حدًّا للهوية الجماعية، وفي جسدها حدودًا للشرف يجب حمايتها بالقوة. ومن هنا نشأت "الغيرة" كمفهوم قيمي مضاد للحرية، أي بوصفها ممارسة سلطوية تُعيد إنتاج البنية الأبوية، وتُعيد الرجل إلى موقع الحارس والمالك، والمرأة إلى موقع المحروسة والمملوكة.
وها نحن ندور في مفاهيم تعيد النساء الى تصور أحادي، وهو أن المرأة ينحصر وجودها في الجسد، يُضيق عليه ليحمى ويكون تحت طوع " الحامي "، حتى وأن أهدرت كرامته!.
***
ا. د. بتول فاروق - بغداد
٦/ ١٠ / ٢٠٢٥