قضايا

عدي البلداوي: دور الشباب العربي في قيام نهضة ثقافية معاصرة (1)

الشباب لفظ يُراد منه بالمفهوم البيولوجي، العمر الزمني، ويقصد به عدد سنوات العمر التي يبلغها الشخص. فيقال عن فلان انه شاب في العشرين من العمر، والرقم صفة عامة يشترك بها كل من يبلغ عدداً معيناً من سنوات العمر من الجنس البشري، ذكوراً واناثاً، بغض النظر عن محتوى الشخص ومؤهلاته وملكاته وقدراته ومهاراته وشخصيته وميوله وثقافته.

هناك تعريف آخر، اوسع مدى من التعريف البيولوجي. انه التعريف السيكولوجي، يطلق عليه العمر النفسي، وهو اصطلاح يستخدمه علم النفس للإشارة الى الحالة المعنوية التي عليها الشخص، فعلم النفس لا يشترط عدداً معيناً من سنوات العمر لوصف الشاب بقدر ما يشترط الحالة المعنوية، مثل استعداد الشاب للتطور، وحبّه للحياة، ومقدار حماسته ورغبته في تكوين ذاته واثبات ذاته وبناء شخصيته وطاقة الخير التي لديه.

إذا أضفنا التحصيل التعليمي والمؤهل العلمي الى رصيد عمر الشخص، سنقف عند رصيد حياتي مهم يمتلكه اليوم عدد كبير جداً من الشباب العربي بحكم السياق العام لحياة كثيرين متمثلاً باتمام الدراسة الجامعية.

إذا قارنّا هذا الرصيد الحياتي الشامل للعمر والتحصيل التعليمي والمعرفي، بين جيل اليوم والأجيال السابقة في القرن العشرين مثلاً، سنجد ان هذا الرصيد كان كافياً لمتطلبات حياة تلك المرحلة، لكنه اليوم لم يعد كافياً لمتطلبات حياة المرحلة الحالية التي يعيشها جيل الشباب العربي في ظل عصر التقنية المتطورة، مع ان القرن العشرين كان عصر تطور علمي، كما هو عصرنا اليوم، لكن الفارق بين الاثنين، هو ان التطور العلمي اليوم اخذ يسير بسرعات كبيرة قياساً الى ما كان في السابق.. هذا التطور المتسارع يقتضي تطوراً في ثقافة المجتمع لكي يستطيع افراد المجتمع ان يستوعبوا هذا التطور الحاصل في العالم، ولأن هذا التطور الثقافي لم يحصل في مجتمعاتنا العربية بموازاة التطور العلمي في الغرب، فقد ظهرت الآثار السلبية للتطور التقني، حيث ازدادت متطلبات الحياة، وكثرت المشاكل الاجتماعية، والمشاكل الأسرية، والمشاكل الشخصية.. مما اقتضى من المفكرين والباحثين الوقوف على امكانية معالجة هذا الحال، فرأيتُ ان أضيف الى رصيد عمر الشباب الزمني والنفسي والتعليمي الذي تطرقت اليه، رصيداً جديداً اطلقت عليه العمر الثقافي، ولا اقصد بالثقافي هنا ما هو متداول من ان المثقف هو ذلك الشخص الذي يتمتع باطلاع واسع ومعرفة متنوعة، وهو الذي يعرف شيئاً عن كـل شـيئ، فـهـذا الـفـهـم الاجـتـمـــاعـي لاصـــطلاح الـثـــقـــافــة مــتــداول،

ولعله أوسع تداولاً اليوم في ظل التطور العلمي والتقني، حين صار لدينا مطابع حديثة، واصدارات كثيرة ومتنوعة من كتب ومجلات ونشرات. وصار بمقدور كل شخص ان يحمّل بواسطة جهاز موبايله الخاص عشرات ومئات الكتب والمعلومات، وصار بمقدوره ان يقرأ عشرات الكتب، وعندما دخلت التقنية على خط منافسة الانسان في قدرة الذاكرة على حفظ المعلومات والبيانات والارقام إذ صار بمقدور الحاسوب الشخصي ان يحفظ في ذاكرته الرقمية ما يفوق قدرة ذاكرة الانسان الحية بأضعاف المرات، لذا صار من الضروري البحث عن مفهوم أوسع للثقافة، وارى ان هذا الأمر يتحقق من خلال علم الانسان – الانثروبولوجيا – لاهتمامه واشتغاله بكل ما له علاقة بطبيعة وثقافة الانسان، فهو يتناول تأثير اللغة في الفرد، ويتناول تأثير الدين في حياة الفرد والمجتمع، ويأخذ بنظر الاعتبار كل من العادات والتقاليد والتراث الشعبي، حيث يقوم الباحث الانثروبولوجي بتدوين الحدث الحياتي بتفاصيله كما وقعت ثم يخضعها للتحليل والتأمل والتفكير من اجل التحسين والتطوير والمعالجة.

***

د. عدي عدنان البلداوي

في المثقف اليوم