قضايا

علي حافظ حميش: ازلية الصراع بين العلم والدين

في الغرب التقيت بأستاذة جامعية متعلمة بشكل جيد وكانت ملحدة تعتقد انه لا حياة بعد الموت والتقيت ايضا برجل عجوز متوسط التعليم غير مهتم بالقراءة كان يعمل (چايچي - بائع شاي) في بغداد قبل ان يهاجر لاورپا وهو الاخر كان يعتقد ان الانسان آله تتوقف عن العمل بمجرد الموت. وبيني وبين نفسي لم اتوقف عن التسائل (اذا كانت الاستاذة تستمد نظريتها من الكتب وادمان النظرية التجريبية فمن اين يستمد (الچايچي) نظريته وما هو مصدر اعتقاده ويقينه؟
يسأل المذيع العالم البايولوجي الشهير واستاذ جامعة اوكسفود هل هناك حياة بعد الموت؟ ويجيب الاستاذ بيقين مطلق لايشوبه اي تردد بانه لا يوجد اي حياة بعد الموت ! بل ويستهجن المذيع قائلا كيف تصدق ان الدماغ البشري الذي سوف يتآكل ويتعفن وتنتهي وظائفه البايولوجية ممكن ان يعود للحياة مرة اخرى؟
خزعل الماجدي عالم بتاريخ الاديان والاثار وهو يعتقد ويصدق فقط بالحكايات التي تترك اثارا. بمعنى انه لولا الاعلام فان هتلر مجرد اسطورة لا وجود لها طالما انه لم يترك اثارا.
المثير في الموضوع ان هذا السؤال قد طرح قبل الف واربعمائة سنة وحتى قبل ذلك. اي ان مئات السنين وحقبة طويلة من عصر التنوير والفلسفة وثورة صناعية وثورة رقمية وثورة ذكاء صناعي والى الآن ومازال الانسان يطرح نفس السؤال. (وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي انشأها اول مرة- يس) والسؤال الذي يطرح علامات استفهام كثيرة لماذا لا يستطيع العقل البشري استيعاب وجود حياة بعد الموت لكنه يستوعب ظهور الحياة فجأة على الكوكب؟
وربما ان مثالا بسيطا يمكن ان يوضح هذه الجدلية. لو قدر لنا ان نتكلم مع جنين في بطن امه والجنين انسان ولديه حياة خاصه به ومفردات حياته لا تختلف في أساسياتها كثيرا فهو يحصل على الطعام ايضا ويتحرك ايضا لكنه يعيش وسط ظلام قد تعود عليه. ولو قدر لنا ان نحكي له عن حياة اخرى بعد خروجه من الرحم فيها ما لذ وطاب من شراب مختلف الوانه ونساء بأشكال متنوعه ولحوم مشوية وغير مشوية ولبن اربيل وكباب عراقي وسمك مسكوف وآلات تطير بنا من مكان لآخر ومكائن اخرى تنتقل بنا بسرعه هائلة بمجرد الضغط على دواسة هل ياترى سوف يصدق بما نقول؟ هل سوف يتيقن ويؤمن وهو الذي لايعرف من مفردات حياته غير الظلام والتحرك البسيط والحصول على طعام من لون واحد؟
الفيلسوف ديكارت آمن بوجود خالق وحاول اثباته والفيلسوف پاسكال قال ان فرص وجود حياة بعد الموت تتفوق على فرص عدم وجودها والفيلسوف كانت قال ان العقل المحض والاستدلال المنطقي وحده غير كافي لإثبات وجود الله واضاف عناصر اخرى مثل الشعور والحدس والاخلاق انا الفيلسوف سورين كيركاگارت فقال ان الاعتقاد بالله (قفزة ايمانية) وفعل من افعال الثقة وولع يفوق الدليل العقلاني وخصص الكثير من كتاباته لاهميه الشعور الداخلي للفرد في الارتباط بالله اما سقراط الملقب ابو المنطق فقد كان مبتسما وهو يشرب السم بعد حكمه بالاعدام لان تلاميذه كما يقول يتصورون انه حياته ستنتهي بالموت وهو كان متيقنا بوجود حياة اخرى لدرجة انه لم يكن يبالي بالموت
الحقيقة ان الادمان على القوانين الطبيعية من حولنا يحول بيننا وبين القدرة على تصور وجود حياة اخرى غير ما تعودنا عليه لان الحياة الاخرى تخضع لقوانين تحتاج لدراسة خواصها من جديد (يوم تبدل الارض غير الارض والسموات -ابراهيم) فهل من المنطقي ان نطبق قوانين ومنطق هذا الكون على كون اخر تختلف فيه الخصائص جذريا؟.
لذلك سيقى التخبط لا نهايه له ولا فرق في ذلك بين بائع الشاي وبين استاذ الجامعة فالايمان بالله ليس مجرد استدلالات منطقية بل ان هناك بعدا اخر ولهذا فان اية (الذين يؤمنون بالغيب - البقرة) ستبقى مصداقا لما ذكر اعلاه ودليلا يريد فيه الله فيه ان يساوي بين من سنحت له الفرصة ليتعلم جيدا ويصبح فيلسوفا وبين الانسان البسيط وسيبقى ذلك قائما حتى نهاية الزمان.
***
د. علي حافظ حميش - جامعة واسط

 

في المثقف اليوم