قضايا

وليد كاصد الزيدي: أزمة الثقافة في ظل أمية النخبة المتعلمة

بَادِئَ ذِي بَدْءٍ، لعله من الخطأ أن نصف المتعلمين بالمثقفين، ولو كانوا من "الانتلجنسيا"، حيث تمثل نخبة متعلمي المجتمع. فهناك فارق واضح بين المثقف، الذي يقرأ كثيرًا بحسن اختيار ودراية وتمعن، ثم يكتب لتوعية القراء بما قرأ وحلل واستنبط، وبين المتعلم الذي قد يفتقر إلى هذه السمات. إذ نجد أن أساس التقهقر الثقافي في المجتمع العربي عامة، والعراقي خاصة، يمكن أن يُعزى إلى "أمية المتعلمين". ونقصد بهؤلاء من حصلوا على تعليم عالٍ، وامتلكوا شهادات، ومن بينها شهادات "عليا"، بل وربما أصبحوا أكاديميين.

هنا، لا تعني الأمية عدم معرفة القراءة والكتابة بالمعنى التقليدي، بل تعني غياب الاستمرارية في قراءة الكتب والمجلات والصحف، وحضور الندوات والورش والحلقات النقاشية العلمية، ومن ثم التوجه إلى الكتابة لتنوير المجتمع وتثقيف أبنائه. فلا بد من تفكيك المفاهيم الخاطئة في مجتمعنا؛ فليس كل متعلم مثقفًا، ولكن كل مثقف متعلم.

نُسب إلى وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق "موشى ديّان" قوله: "إن العرب لا يقرأون، وإذا قرأوا لا يفهمون، وإذا فهموا لا يستوعبون، وإذا استوعبوا لا يطبقون". وهنا، أرى أنه لا ضير في أن نستمع إلى عدونا لنفهم نظرته إلينا ونكتشف أخطاءنا، عسى أن نعالجها.

وفي السياق ذاته، ردد دافيد بن غوريون، أوّل رئيس وزراء لإسرائيل، بعد الانتقادات التي وُجهت إليه في أعقاب نشره أسرارًا عن حرب عام 1967: "دعونا نعمل ما نريد. حتى إذا نُشر في وسائل الإعلام عن مبتغانا، فإن العرب لا يقرأون ولا يهتمون بالعلم والثقافة، وإن قرأوا فهم جهلاء ولا يفقهون شيئًا". هكذا هي النظرة إلى أمة "اقرأ"، للأسف الشديد، على لسان أشد أعدائها.

ومن بين أهم مجالات القراءة المطلوبة، المجال التاريخي، حيث يتعين علينا الرجوع إلى عبره وعظاته ودروسه المستنبطة، لنأخذ منها إيجابياتنا ونتجنب سلبياتنا. ومع ذلك، يقول الفيلسوف الألماني فريدريش هيغل: "نتعلم من التاريخ أن أحدًا لا يتعلم من التاريخ".

في ختام هذه المقالة القصيرة، لا بد من توجيه رسالة إلى كل متعلم، مفادها: "عليك أن تقرأ وتكتب وتُفعل عقلك، لتُوصف بالمثقف، وليس بالمتعلم فحسب. فبذلك، تشارك في تنوير المجتمع وتوعيته. وهذا واجب عليك، وليس خيارًا تركن إليه إذا شئت وتهجره إذا أبيت".

***

د. وليد كاصد الزيدي

في المثقف اليوم