قضايا
جودت العاني: "صموئيل بيكت" والزمن والتكرار!
يقال أن الزمن مصاب بمرض مزمن، ولكن لا احد يحس بهذا المرض وبأعراضه، وهم كثيرون، أما القلة القليلة فقد أدركوا العلة الكائنة فيه. ولكن، نسي الناس هذه العلة ولم يعد لديهم ما يغوصون من أجله للوقوف على حقيقة الزمن الذي يمضي بخطوات متسارعة ولا احد يحصي خطواته منذ الولادة وحتى انتهاء الأجل .
ورغم أن هذه الخطوات معدودات في عرف الكائن البشري، إلا أنها لا تحصى في عرف الزمن السرمدي اللآنهائي، فهل هناك سرطان يعاني منه الزمن البشري حسب الفيلسوف الإيرلندي المهاجر الى فرنسا "صموئيل بيكت".؟
يقول بيكت أن الزمن مصاب بـ(سرطان العادة والروتين) ولكنه لم يشر إلى أي زمن، هل هو زمن الكائن البشري أم الزمن السرمدي الذي ليس له حدود.. فالعادة والروتين علتان متلازمتان تتعاملان بصورة تراتيبية طاحنة في زمن الكائن البشري، وتختفي ملامحهما تماماً في الزمن اللآنهائي.. فهما ، زمن تحت الإحصاء، وزمن سرمدي من الصعب أن يخضع للحسابات أبداً.
تلآزم العادة والروتين زمن الكائن البشري، ولكنه لا يحس بأنه مقيد، وحين يدرك طبيعة تكرار العادة في مسار الروتين، فإنه قد ينتفض مذعوراً يفتش عن مخرج للإنقاذ نحو التجديد والتحديث أو إعادة صياغة المكرر ولكن سرعان ما يفقد وهجه تحت خيمة التكرار الذي يتحول إلى عادة لا تغير شيئاً.
فالعادة والروتين اللذان يتلبسان الكائن البشري هما إشكاليتان ذهنيتان لا تظهران للجميع في اطار فلسفة التحدي والإستجابة .. فالتحدي يتوجه الى الجهة الكامنه في الذات الانسانية لكي تستيقظ ، كما أن في داخل كل كائن بشري، كما يقول بيكت، جزء لا يحبه فيه ولا يفصح عنه ويتمنى ان يتخلص منه. وهذا يخلق توتراً من شأنه أن يضعف ذلك الجزء ولكن لن يقضي عليه، الأمر الذي يبقي التوتر مستمراً طالما ظل الإدراك هو الآخر يراقب مسرى العادة والتكرار في زمن هذا الكائن.
ويبدو ان الشعور بأزمة العادة والروتين هو علة السلوك الإنساني التي تفصح عن العادة التي تتحول الى روتين قد يثقل وقد يدفع الى التغيير ومن ثم الدوران في حلقة التكرار المفرغة من جديد.
الأكل تكرار فيه والشرب تكرار والنوم تكرار والجنس تكرار والعمل تكرار ولا مفر من التكرار حيث ثقل العادة التي تتحول الى روتين، بعضه ممل وبعضه قاتل ببطأ والبعض الآخر استسلام بحكم الواقع.
التجديد والتغيير هما المعول الذي يهدم اسوار التكرار بطريقة تحديث الأنماط التي تفرضها العادة ،ولكن هل يتخلص الكائن البشري من عودة التكرار بثوب جديد..؟
***
د. جودت صالح
15/ تشرين الثاني 2024