قضايا
انتظار علي جبر: مدرسة المترجمين في طُلَيْطِلَة اتحاد الشرق والغرب
ان شبة الجزيرة شبه الجزيرة الأيبيرية قد غزها العالم العربي وصل العالم الاسلامي الى سلسة جبال كانتابريا ولكن تم استردادها بعد ذلك من قبل الجيش المسيحي ومن الاراضي التي تم استعادتها كانت منطقة طليطة في عام 1085 وبفضل ثقافة التسامح للملوك الكاثوليك عاشت الثقافة الثلاثة (الثقافة العربية الاسلامية والمسيحية واليهودية) بسلام ونشأت مدرسة المترجمين التي تولت مهمة تفسير وترجمة النصوص الكلاسكية واليونانية الى اللاتينية ويمكن القول بان طليطة كانت الارض الخصبة للأتصال الثقافات الثلاثة حيث كان يقصدها المسيح من منطقة الشمال لياخذوا النصوص الاغريقية والعربية المنسية وبعد ذلك شهدت اوربا عصر النهضة بفضل العلوم المعرفية التي وصلت اليها من طليطة حيث ترجمة اعمال ارسطو وترجم القران الكريم وترجم مزامير العهد القديم ويمكن القول ان هؤلاء المترجمين قد انجازوا مهمتم في الترجمة خلال قرن ونص وان مدرسة المترجمين قد مرت بفترتين الاولى اثناء القرن الثاني عشر، فترة حكم الفونسوا العاشر التي خصصت للترجمة التقنية والفلسفية والقرن الثالث عشر خصص للترجمة علم الفلك والطب والعلوم الاخرى.
والان لدينا بعض تسأولات التي سيتم الاجابة عليها من خلال التطرق الى بعض النقاط الرئيسية:
1. من هي وكيف كانت مدينة الثقافات الثلاثة أو مدرسة المترجمين وماهدفها؟
2. من هؤلاء المترجمين وماهو أثرهم بالغ الأهمية
3. لماذا تمت الترجمة في طُلَيْطِلَة على وجه التحديد؟
4. ماهو نظام الترجمة الذي كان تستخدمه؟
5. ماهي المادة المترجمة التي كانت الاسرع انتشار في تلك الحقبة؟
من هي وكيف كانت مدينة الثقافات الثلاثة أو مدرسة المترجمين؟
ظهرت في طُلَيْطِلَة في اثناء القرنين الثاني عشر والثالث عشر حركة ثقافية ذات أهمية كبيرة، وسمي الجزء الكبير من نشاطها المنفذ بمدرسة المترجمين، وبفضل هذه الحركة حصل انتقال كبير في الثقافة الالفية الشرقية اليونانية والعربية إلى الغرب.
جمعت تلك حركة عددا″ من المترجمين، لكن لا يمكن ضمان وجود مدرسة مستقرة.لأن المترجمين لم يركزوا على مؤسسة معينة كانت فيها علاقة مهنية بين أعضائها ، فهي ليست أكثر من مجرد حركة من المستعربين (المسيحيين الذين عاشوا في الأندلس وعرفوا اللغة العربية) واليهود والإسلاميين بل إنهم رواد النهضة الفكرية في القرن الثاني عشر.
كان هدفها نقل جميع النصوص المتعلقة بمجالات المعرفة، والمعرفة التي جلبها العرب إلى إسبانيا المسلمة، ولا سيما العلوم العربية وانتقالها الى اللاتينية والاسبانية والمعرفة التي ظلت مجهولة في أوروبا المسيحية في العصور الوسطى.
أصبحت طُلَيْطِلَة "مدينة الثقافات الثلاث"، وهو الاسم الذي اعتمدته لتوثيق حقيقة المسلمين واليهود والمسيحيين الذين عاشوا مع عاداتهم وتقاليدهم بسلام نسبي في اثناء القرون الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، لذا نشأت مدرسة المترجمين في طُلَيْطِلَة في اثناء القرن الثاني عشر، وحولت هذه المدينة إلى نواة فكرية مهمة على المستوى الأوروبي.
من هؤلاء المترجمين وماهو أثرهم بالغ الأهمية:
تسمية مدرسة المترجمين يجب القول أن اسم مدرسة المترجمين لم يحقق إجماعا بين العلماء والباحثين والدارسين، وعلى سبيل المثال، الإشبيلي من أصل إسباني فرانسيسكو ماركيز فيلانويفا يقول:
(إنه منذ القرن التاسع عشر تم تطبيق هذا المصطلح (مدرسة المترجمين) لكنه يعده غير مناسب على الرغم من ان هذه التسمية معروفة في جميع أنحاء العالم لم تكن مدرسة المترجمين في طُلَيْطِلَة مركزًا تعليميًا ولكنه بالأحرى مكان لقاء أو اجتماع مجموعة من العلماء المسيحيين و اليهود و المسلمين الذين عملوا معًا في طُلَيْطِلَة في البحث وترجمة جميع أعمال الثقافة العربية التي تم العثور عليها ونقلها في وقت لاحق إلى بقية أوروبا في العصور الوسطى، في هذا الخط نفسه اليوم يؤكد المستعرب إدواردو مانزانو أن المدرسة لم تكن موجودة على الإطلاق وإنه يجب عدّها حركة من الناس يطلق عليهم حرفيًا خبراء اللغات ربما تم تكليفهم وتحت حماية بعض الرعاة لهذه الحركة، بأن ينجزوا ترجمة الأعمال الكلاسيكية المكتوبة آنذاك باللغة العربية إلى اللاتينية).
لماذا تمت الترجمة في طُلَيْطِلَة على وجه التحديد؟
طلَيْطِلَة تتمعّ بخصائص جيدة للغاية لأنه بعد أن غزوها من ألفونسو السادس عام 1085 ، أصبحت مركزاً مهماً لترجمة النصوص العلمية أكثر من ترجمة العربية إلى اللاتينية وكان هذا بسبب خصائص عدة: أولها بسبب الموقع الجغرافي لطُلَيْطِلَة فهي أول مدينة كبيرة مسلمة سقطت في أيدي السلطة المسيحية كان يبلغ عدد سكانها حوالي 200 ألف نسمة وهم من المستعربين (كلمة مستعرب هي كلمة مستعارة من العربية الفصحى، بمعنى من يتبنى طرائق العرب) ويعلم الجميع أنهم كانوا المسيحيين الذين عاشوا في طُلَيْطِلَة في وقت كانت هناك حكومة مسلمة فضلاً عن وجود المسلمين واليهود ومن هؤلاء شكّلت مجتمعًا مزدهرًا الى جانب عامل اخر مهم وهو إنه كان هناك سكان مستعربون ويهود احتفظوا باللغة العربية كلغة تعلموها ولتوافر المخطوطات باللغة العربية، ففي طُلَيْطِلَة مصادر غنية للغاية بالكتب العربية التي شكلت جزءًا منها مكتبة الخليفة الحكم الثاني تقدر أكثر أو أقل حوالي 250000 مخطوطة باللغة العربية في طُلَيْطِلَة، بعضها كما يقال جاءت من مكتبة قرطبة والأخرى كانت قادمة مباشرة من الشرق.
* نُقلت بقايا مكتبة الحكم الثاني ، التي تُرجمت مقتنياتها إلى هناك بحلول ذلك الوقت ، لم تتم ترجمتها إلى اللاتينية فحسب بل تمت ترجمتها بشكل نهائي إلى الإسبانية والفرنسية. كمثال واضح هو العمل العربي Libro de la Escala، الذي يتضمن سلسلة من الأساطير المتعلقة برحلة قام بها محمد في الجنة والجنة ترجم ألفونسو العاشر هذا العمل إلى الإسبانية قبل عام 1264، ولاحقًا ترجمته بوينافينتورا دي سيينا إلى الفرنسية واللاتينية. استوحى دانتي من هذه الترجمة الفرنسية تأسيس قاعدة حبكة الكوميديا الإلهية.
* كما كان لطليطلة خاصية مميزة مهمة وهي أنه في هذه المدينة بلاط أو محكمة أرشيبسكوبال أجنبية للتشريع يمكننا القول أن لغتها العامة كانت لاتينية اذا ان بنسبة 90٪ من الثقافة العربية انتقلت في العصور الوسطى إلى الغرب عن طريق مدرسة مترجمي طُلَيْطِلَة في أهم مرحلتين، الأولى: مع رئيس أساقفة دون ريموندو في طُلَيْطِلَة القرن الثاني عشر وعصر آخر مهم خلال حكومة ألفونسو العاشر الحكيم في القرن الثالث عشر الذي كلفه بنفسه لرؤية الأعمال المترجمة التي يعدّها مهمة، ويجب أن تكون مترجمة وقام بنفسه بإدارة الترجمات بدلاً من رئيس الأساقفة، وراجع ترجمتها النهائية.
* سمحت الحركة التي بدأها ريموند بنشر المعرفة الشرقية بشكل عام في أوروبا وهذه هي الطريقة التي أتاحت رعاية غير مسبوقة من الملوك والأساقفة المسيحيين للحركة ثقافية ولهذا كانت طُلَيْطِلَة المركز الرئيس لترجمات العربية واللاتينية لأكثر من قرنين من الزمان، و كانت محط تركيز وانجذاب إلى معرفة عقيدة العرب كانت شهرتها كما كانت قبل قرطبة زارها عدد من العلماء والأجانب من بينهم: رئيس دير كلوني راهب ولاهوتي فرنسيي بطرس المبجل أو المكرم الذي سافر بهدف مزدوج لزيارة أديرة كلونياك وادخال التواصل مع خبراء اللغة العربية من شأنه تسهيل الوصول إلى النص اصل القران الكريم والاعمال مكتوبة عن النبي محمد (ص) وفي عام 1143 ترجم بيدرو دي طليطة أو بطرس المبجل القرآن بعد ان شكّل بطرس فريق ترجمة من الرهبان لنقل الأعمال من العربية إلى اللاتينية، من أهم ما ترجمه هذا الفريق القران الكريم وتعد هذه أول ترجمة غربية للقرآن.الكريم
ماهو نظام الترجمة الذي كان يستخدم؟
ترجم البيزنطيون نصوصاً يونانية باللهجة السيريانية الآرامية، وقام العرب على طوال القرنين السابع والعاشر بترجمة النصوص إلى العربية، أذ إنّ العربية حلّت محل اليونانية والسيريانية والفارسية فكان التحدث بها في جميع أنحاء الإمبراطورية الإسلامية كانت القراءة والكتابة باللغة العربية حتى أعمال علماء الفرس كعالم الرياضيات المشهور وعالم الفلك والمؤرخ والمترجم البيروني والفيلسوف والعالم ابن سينا كانت أعماله مكتوبة باللغة العربية.
كما ترجم المستعربون الأعمال الى اللغة المستعربة( وهي اللغة الروماسية التي خالطتها الكثير من الكلمات العربية)، واذا كان المستعربون يتكلمون الاسبانية والعربية فضلاً عن معرفة اليهود باللغة العربية جيداً.
بعد سنوات،وفي اثناء الثلث الأخير من القرن الثالث عشر، شجّع الملك ألفونسو العاشر الحكيم على النشاط الثقافي للترجمه بشكل مكثّف.و وصلت طُلَيْطِلَة إلى واحدة من أعظم مراحل الابداع، لتصبح عاصمة الثقافة الأوروبية، استغنى ألفونسو العاشر عن النسخة اللاتينية المترجمة وترك الإصدارات المباشرة إلى الأسبانية أثناء حكمه ظهر ما يسمى بمدرسة المترجمون طُلَيْطِلَة وصار لطليطة سمعة كبيرة ووصلت جميع الترجمات العربية المنجزة في الحقبة الملكية الى شهرة في الأدب الغربي في وقت قصير.
ماهي المادة المترجمة التي كانت الاسرع انتشار في تلك الحقبة؟
كانت المادة الاسرع انتشاراً الى مدرسة المترجمين، والتي أعطت دفعة قوية للعلوم التجريبية، وكانت المساهمة مهمة بشكل خاص في علم الفلك، والرياضيات، وعلم التنجيم ومفاهيم الطب وعمليا قابلة للتبديل في ذلك الوقت استمد العرب العلوم من مصدرين من اليونان والهند إذ تطورّ الجبر وعلم الهندسة وحدث في وقت واحد تقريبًا مع وصول علماء الرياضيات العرب اللامعين، فلا يمكننا نسيان الخوارزمي الذي ولد في القرن التاسع في بغداد لكنه كان من أصل فارسي كان شخصية قيادية لعلماء الرياضيات العرب في عصره، كتب الى الخليفة العباسي المأمون كتاباً مشهوراً مثل كتاب الرياضيات فهو من أكبر العقول العلمية المؤثرةً الاسلامية في التفكير الرياضي أكثر من أي كاتب آخر من العصور الوسطى في عمله الحسابي للخوارزمية وهو أولا من استعمل الأرقام في اللغة العربية الارقام الهندية ومازالت موجودة في ترجمته اللاتينيه الى جانب هذه الارقام التسعة استخدم الرقم الصفر وكلمة صفر تاتي من لاتنة اللغة العربية والتي كانت بنفس الوقت ترجمة من الهندية لكلمة شنيا يعني فارغ بتحديد خالي من كل شئ
أمر الخليفة العباسي المأمون بترجمة الأعمال الرئيسية الفرسية والهندية واليونانية إلى اللغة العربية في بيت حكمة بغداد في القرن التاسع ، فيما يتعلق بطُلَيْطِلَة علينا أن نتذكر الزرقالي الشهير سمي بذلك لأن أصل اسمه اللاتيني «أرزاشيل» من الكلمة العربية الزرقالي أي النقّاش، كان azarquiel واحدًا من أكثر علماء الفلك العرب المشهورين عاش في مدينة طُلَيْطِلَة تقريبًا من عام 1061 إلى 1080 وفي هذه المدينة طور جزءًا كبيرًا من عمله من بين أمور أخرى يتم تذكرها، أذ اخترع الأسطرلاب الذي يسمح بإجراء الحساب والملاحظات الفلكية من أي خط عرض ترجم جيراردو الكريموني أعماله إلى اللاتينية في القرن الثاني عشر، وأشار إلى الزرقالي بوصفه عالم فلك وساحراً.تُرجمت هذه الأعمال إلى اللغة الإسبانية في القرن الثالث عشر بأمر من الملك ألفونسو العاشر في قسم من سلسلة كتب معرفة علم الفلك بعنوان «كتب صفائح الكواكب السبعة». اخترع أيضًا نوعًا مثاليًا من الأسطرلابات المعروفة باسم لوح الزرقالي (الصفيحة الزرقالية)، والذي اشتهر في أوروبا تحت اسم صفيحة الاسطرلابات هذا ولا يمكننا نسيانه كما لاينسى ذكر مجال الطب، لأن نصوصاً عدة ترجمت في طُلَيْطِلَة، وكان ذلك بمثابة كتباً تعليمية التي تعلّم بها و درب الأطباء الأوروبيون في اثناء العصور الوسطى على سبيل المثال في القرن الثالث عشر أعمال الطبيب والجراح والفيلسوف الاغريقي الى الإمبراطورية الرومانية جالينوس هيمنت آراؤه على الطب
الأوروبي طوال ألف سنة في مجال علم التشريح وعلم وظائف الأعضاء وعلم الأدوية وعلم الأعصاب، أيضًا في الأدب كان هناك دعم كبير، لا أعتقد أنه في الجزء العلمي الذي أشرنا إليه باختصار ، لكن لا يسعنا إلا أن نتذكر أنه من مدرسة المترجمين في طُلَيْطِلَة، نقلت الفلسفة العربية إلى أوروبا ، ولاسيما أعمال هؤلاء الفلاسفة المشهورين في القرن الحادي عشر أرسطو والذي يعرفه الجميع بلا شك أنه كان له تأثير كبير على ألبيرتوس، ماغنوس والقديس توماس في المجال الادبي كانت ترجمة القصص القصيرة والخرافة الاخلاقية الشرقية لها تأثير كبير على السرد الأوروبي نتذكر ترجمة كليلة ودمنة وهي مجموعة من القصص ذات طابع تعليمي ذي أصل هندوسي أمر الملك ألفونسو العاشر بترجمة نسخته العربية الى اكثر من 40 لغة آسيوية وأوروبية، وشارك في الترجمة كبار العلماء والمترجمين الرئيسين لمدرسة مترجمين طُلَيْطِلَة
أما من بين أهم المترجمين المتميزين في مدرسة طُلَيْطِلَة التي الذين مارسوا أنشطتهم في الترجمة بدعم من رئيس أساقفة طُلَيْطِلَة دون ريموندو الذي شكل الصوت العربي
دومينجو جونديسالبو من مدينة طُلَيْطِلَة ومعاونه يوحنا الإشبيلي ولا يمكننا أن ننسى جيرمان الألماني الذي توفي كأسقف أستورجا عام 1272، وأيضاً اللاسكتلندي ميغيل إسكوتو كان في أوائل القرن الثالث عشر شخصية بارزة وخبير اً في السحر الأسود ومنجمًا رسميًا في محكمة باليرمو مع الإمبراطور فريدريك الثاني وعدداً مهماً من المتعاونين اليهود الذين اعتمدهم ألفونسو ديسيمو في ترجماته
أود أن أقول بإيجاز أن اللغة العربية، فضلاً عن أنها وسيلة للتعبير عن الثقافة الإسلامية ونقلها كان بطريقة خاصة من القرن التاسع إلى القرن الثالث عشر ، إذ استمر الجسر الثقافي بين الشرق والغرب في طُلَيْطِلَة لأغراض علمية وطلَيْطِلَة كمدينة شرقية صحيح كانت مسيحية، فنحن نتحدث بالفعل عن طليطة يحكمها ملوك مسيحيون ولكن طُلَيْطِلَة مسيحية مستشرقة كما قال اسحاق نيوتن، فقد قطعنا مسافة بعيدة لأننا كنا نركب على الأكتاف "العمالقة" عبارة مهمة للغاية وذات عمق كبير وأعتقد أن مدرسة طُلَيْطِلَة للمترجمين أسهمت بشكل كبير في ذلك فالوقوف على أكتاف العمالقة هو استعارة تعني "استخدام الفهم الذي اكتسبه كبار المفكرين الذين أتوا من قبل لإحراز تقدم فكري".
***
أ.م.د. انتظار علي جبر
قسم اللغة الاسبانية