قضايا
قاسم حسين صالح: ترامب.. تحليل سيكولوجي لشخصية رئيس الدولة الأقوى في العالم (1)
ظاهرة فوز ترامب في العام 2016 على منافسته الديمقراطية (هيلاري كلينتون) هزّت العالم وصدمته في حينها.. بل ان بعضهم وصفها بالزلزال. وظاهرة فوزه على منافسته الديمقراطية الثانية (كمالا هاريس) في 2024 كان زلزالا اعنف، والسبب الرئيس يعود الى قدرته على مواجهة التحديات والانطباع الذي احدثته شخصية ترامب حدّ وصفه بالمجنون، وتوقعهم لخطر قد يوازي خطر النازية بصفته سيكون رئيس أقوى دولة في العالم.
وللتوثيق، فاننا كتبنا في 6 /11/ 2016 مقالة بعنوان من سيفوز (هيلاري ام ترامب.. تحليل سيكولوجي) فاجأت المحللين السياسيين الأمريكان والأطباء النفسيين الذين وصفوا فوز ترامب بالمستحيل.. فيما خالفناهم توقعهم مستندين في تحليلنا على قراءة سيكولوجية للمناظرات بين الديمقراطية هيلاري كلينتون والجمهوري دونالد ترامب.. وقد وضع غوغل صورتنا بين صورتين لترامب، وعلّق كاتب عربي في الحوار المتمدن بقوله:
(لو ان الدراستين العلميتين اللتين توقعتا فوز اوباما وفوز ترامب كتبهما سيكولوجست امريكي او بريطاني، لظهر مانشيت في الصحف والمواقع يقول: سيكولوجست اميركي/بريطاني يتفوق على المحللين السياسيين في تحليله السكولوجي بفوز ترامب كما تفوق عليهم قبلها في تحليله السيكولوجي بفوز اوباما!.. فلماذا لا يحصل هذا لعراقي حقق ذلك؟!)
لم يكن توقعنا بفوز ترامب (2016) حدسا، بل كان متابعة لادائه وأداء منافسته هيلاري في حملاتهم الانتخابية.. وكتبنا بالنص:
(ان احد العوامل الاساسية في نجاح المرشح في انتخابات الرئاسة الأمريكية هو تمتعه بـ(كاريزما) تدغدغ مشاعر الناخب الأمريكي التي لعبت هوليود والثقافة الامريكية وانتخابات اربعة واربعين رئيسا على ترسيخها في اللاوعي الجمعي الامريكي.وتقوم هذه الكاريزما على صفات الابهار والذكاء والنباهة والمظهر وقوة الشخصية والحذلقة الفكرية واللغة التجديفية Profanity).. ) والاتيان بافكار مدهشة تقوم على فكرة (التغيير) التي عزف عليها اوباما وجاءت به الى البيت الأبيض، ويميل هذا المؤشر الى ان يكون لصالح ترامب.فبرغم ان الرجل بدا في ايام حملته الانتخابية الأولى (سخيفا) ملفّق اكاذيب، عنصريا، مريبا، محرّضا على العنف وداعية حرب، مثيرا لانتقاد حتى حزبه، وغامضا لا يعرف من يستمع اليه ما الذي يريده بالضبط.. وبرغم تعرّضه الى حملة تشهير لفضائح جنسية جعلت الفارق بينه وهيلاري كبيرا، الا انه استطاع ببراعة ان يقصي اولا خصومه الجمهوريين من حلبة المنافسة على الانتخابات الرئاسية في السباق الرئاسي، وأن يتقدم ثانيا على هيلاري في الاسابيع الأخيرة.. ما يعني ان ترامب ضمن أهم عامل سيكولوجي في الفوز هو (كاريزما) شخصيته.. التي بها ايضا فاز على منافسته الجديدة كمالا هاريس.
أخطر ما في شخصية ترامب
مع ان ترامب يعد متطرفا، وانه " يعتنق صورة سلبية عن الأسلام والمسلمين" وفقا لصحيفة نيويورك تايمز، فأن أخطر ما فيه انه مصاب بـ( تضخم الأنا) للأسباب الآتية:
يعني (الأنا).. الفكرة او الصورة التي يحملها الفرد عن نفسه، وتكون على ثلاثة انماط: موضوعية، تكون فيها احكام الفرد عن نفسه وقدراته مطابقة لما يمتلكه فعلا.. وهذا ما يتصف به الأفراد الذين يتمتعون بالصحة النفسية. وتبخيسية، يتم فيها الحط من قيمة الفرد وقدراته ويصل فيها الحال الى ان يصف نفسه بأنه (تافه) في الأكتئاب الحاد.وتضخيمية، يحصل فيها ان الفرد ينظر الى نفسه بانه يمتلك قدرات استثنائية، ويعتبر نفسه بأنه (فلتة زمانه) ان وصل مرحلة النرجسية المرضية.
والغريب في شخصية " الأنا المتضخم " إنها تجمع صفات في " توليفة " من ثلاث شخصيات مختلفة هي: النرجسية والتسلطية والاحتوائية . فهي تأخذ من الشخصية النرجسية حاجتها القسرية إلى الإعجاب.. أي إنها تريد من الآخرين أن يعجبوا بها بالصورة التي هي تريدها، وأن لا يتوقفوا عن المديح والإطراء، فحالها في الإعجاب كحال جهنم، يسألونها: هل امتلئت ؟ تقول: هل من مزيد !. وتأخذ أيضا منها شعار النرجسي: " أنا مميز "، وخاصيتها الأساسية المتمثلة في الإحساس بتفخيم أهمية الذات، والتظاهر بامتلاك قدرات فريدة، وان على الآخرين أن يتعاملوا معه على أساس أنه مميز. وتأخذ من الشخصية التسلطية، انفعالاتها الغاضبة واندفاعيتها، وتصنيفها الناس بثنائيات، في مقدمتها ثنائية الأصدقاء مقابل الأعداء، أي من كان معي فهو صديقي وما عداه فهو عدّوي. وتأخذ من الشخصية الاحتوائية السعي إلى السيطرة على الآخرين واحتواء وجودهم المعنوي وأفكارهم، سواء بالإبهار أو بأساليب درامية أو التوائية.
وواضح لدينا نحن المهتمين بدراسة الشخصية ان ترامب لديه تضخم أنا عال، ولكنه ليس من النوع المرضي او الذي يدّعيه الفرد بل ناجم عن انجازات استثنائية في ميدان المال والشركات والعقارات وناطحات السحاب.. اوصلته الى ان يكون مليارديرا مميزا واستثنائيا فعلا.وبالتعبير العراقي فان الرجل حقق ما عجز عنه آخرون (بزوده) وليس ادعاءا او هبة من آخرين.فضلا عن ذلك فأنه يمتلك جسما رياضيا بمواصفات (البطل) الأمريكي في السينما الأمريكية، ويتصرف بطريقة البطل الخارق الهوليودي!
والخطر في المصاب بتضخم الأنا يتعلق بـ(المعتقد) الذي يعني الفكرة التي يكّونها بخصوص شيء او موضوع ما اذا كانت عقلانية ام غير عقلانية، واقعية ام وهما.ولأنه يتصف بالعناد فانه يرى في معتقداته غير العقلانية وافكاره غير الواقعية بأنها حقائق مطلقة.ومن هنا كان خوف العالم.. ان يتخذ ترامب قرارات غير عقلانية ويجبر الآخرين على تنفيذها.ومثل هذه الأوهام لها سوابق.. فقد اعتقد صدام حسين بامكانية توحيد الدول العربية في دولة واحدة يكون هو رئيسها، واعتقد هتلر بأنه يمكن السيطرة على العالم، ومن هنا خشي الناس ان العالم سيدفع اضعاف ما دفعه في حرب الخليج والحرب العالمية الثانية، ان عمد ترامب الى تنفيذ أخطر اوهامه!
والأشكالية، ان القائد المصاب بتضخم الآنا يكون مستبدا برأيه، وستثبت الأيام القادمة ما سيفعله بخصوص وعده بانه سيوقف الحروب في العالم (فلسطين وأوكرانيا) تحديدا .واذا ما اضفنا لها أن مزاج النرجسي لا يراهن عليه، وان من يحاول عقلنة ترامب لم تلده أمه بعد!، وانه لن يكترث حتى بالمؤسسة الأمريكية، وانه يريد تحقيق شعاره (America Great Again Make)فأننا سنكون بين خيارين: اما ان يطيح تضخم الأنا والنرجسية بصاحبهما.. ترامب، او ان يطيحا بعالم ما كان في حساباته ان يحكمه (مجنون)!.
***
أ. د. قاسم حسين صالح
مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية