قضايا

عبد الامير الركابي: بيان نهاية عصر"الانسايوان" (3)

ـ الضرورة الوجودية القصوى.. صحوة العراق:

يفصل بين المحطتين والزمنين "الانسايواني" الانتقالي، و "الانسان" الغاية والمقصد الوجودي، فاصل على مستوى الادراكيه والوعي البشري، موضوعه المحوري مكان من المعمورة يحتل موقع الابتداء على مستوى التبلور المجتمعي في ارض سومر جنوب ارض الرافدين حيث مجتمعية الازدواج النهري والمجتمعي، والكينونة اللاارضوية اللاكيانيه الكونيه المتعدية للوطنيات وللدولة، ولمجمل التفارقية البشرية المجتمعية، وهو مايظهركابتداء منطو على وحدة الكائن البشري خارج التباينات الموضعية المحلية الكيانيه، ودولة التمايز، تحول دون تحققه في ساعته، وطاة الانتاجية "اليدوية" الموافقة للارضوية الكيانيه ومجمل بناها، ماديا، يضاف له النقص الادراكي العقلي،  وحدود اعقال الوثبة الاولى  المنطلق غير المكتمل العناصر، بانتظارالتاريخ الارضوي في تفاعليته المديده، وايهاميته الجسدوية الارضوية، الى ان  تتوفر الاسباب الضرورية بناء على الانقلاب الالي/ العقلي.

على مدى الطور اليدوي، يتعذر على العقل البشري الاحاطة بسبب القصور كينونة، باللاارضوية السومرية الرافدينيه،  بما في ذلك ضمن حدودها هي بالذات، وهو مايبقى ساريا على مدى الطور اليدوي الكيانوي، مكرسا الغلبة النموذجية الارضوية بنمطها البدئي النيلي المقابل المتوافق كليا مع اشتراطات الانتاجوية اليدوية، بما هي حال انتكاس موافق للاشتراطات الغالبه ابتداء، واقعا وعقلا، مع مايحايثها من قصور ونقص موضوعي مانع للانتقال الى مابعد ارضوية، ومابعد "انسايويانيه".

وقتها، وعلى مدى تاريخ ارض اللاارضوية يتعذر على المكان منطوى الهدف من المجتمعية ادراك ذاتيته،  وان هو عبر عنها بما متاح له في حينه، وخلال مسارات تاريخه المحكوم للدورات والانقطاعات، باشكال من التعبيرية الاولية الدنيا، من قبيل النبوية الحدسية الاولى الابراهيمه، او الانتظارية والقرمطية وصولا للمهدوية التي ختمت الدورة الثانيه العباسية القرمطية باحالة المطلوب الى دورة قادمه ثالثة،  مع انتهاء الزمن النبوي الحدسي من ساعتها، فالقصورية العقلية الموضوعية حاضرة هنا ايضا، وتفعل فعلها وان باختلاف يضعها بموضع النمطية الاخرى غير الارضوية وبمقابلها، محققا الازدواج مع اختراقه الشامل لبنية الارضوية ومجتمعاتها خارج ارضها، ويبقى الامر محكوما لاشتراطات التعذر والنقص، فلا ارض رافدين واعية بذاتها، الى ان تدخل زمن التحولية العظمى المواكبة، والتي تبدا مع الانتقال من اليدوية الى الالية.

ان ابرز مايرافق الانقلاب الالي، واخطر مايتولد عنه، حال التوهمية الكبرى اليدوية المغلفة بغلاف الالة، وهو مايكون حصة الانقلابيه المستجدة  بناء لوقوعها كابتداء في الكيانيه الارضوية الاعلى ديناميات ضمن صنفها ونمطيتها، اوربا ببنيتها  الازدواجية"الطبقية" مادون المجتمعية، والتي تعرف بمناسبة انتقالها الافتتاحي الى الالة، منظورا وممكنات محدودة حكما وبنيويا بحدود ممكنات الرؤية والادراكية الارضوية، مولدة طبعة اخرى من تلك اليدوية المتقدمه خطوة، والتي تكرر وتؤكد ممكنات وموضوعات واستهدافات اليدوية السابقة، من دون انتباه او مجرد تحسس بالاحتمالية الانقلابيه المستجده  مع الالة مجتمعيا، من الارضوية الى اللاارضوية،  وعمليا من الجسدية، الى العقلية، وهنا تستعاد مرة اخرى وطاة القصورية العقلية والنكوص التاريخي المديد ازاء الظاهرة المجتمعية، طبيعتها ومنطوياتها وسيرورتها التاريخية.

دخل العالم مع الاله وحضورها الاستثنائي، ليس عصر التحول من اليدوية وتكرارها نوعا مع تغير الوسائل،  بل لحظة وعصر الانتقال من "الانسايوان" الى "الانسان"، وحكما من المجتمعية الارضوية الغالبة، الى اللاارضوية السماوية الوطن/ كونية، وهو مالم يكن واردا التحول اليه بين ليلة وضحاها، ومن دون حضور لاجمالي التراكمات المترسبة والمتراكمه من النقص والقصور التاريخي، يكرسها نوع المجتمعية التي تنبجس  بين ظهرانيها الالة   بمايتيح  لوطاة الماضي الطويل ان تحضر بصيغة بداية ايهامية، ومفتتح يعززه مستوى القصور طويل الامد وفعله  التاريخي والراهن.

تحضر الاله مع القرن السابع عشر بينما يكون الطور اللاارضوي الازدواجي الثالت بدا قبلها  ومع طلائعها بالانبعاث في ارض سومر التاريخيه، بعد بضعة قرون من الانقطاع، تستمر من الثالث عشر 1258 مع انهيار الدورة الثانيه العباسية القرمطية المهدوية بسقوط عاصمة الامبراطورية الازدواجية الثانيه بعد بابل، مع دخول هولاكو بغداد المركز الكوني ضمن الازدواج المجتمعي بدورته الثانيه بعد الاولى السومرية البابلية الابراهيمه المنتهية، وهكذا  تتهيأ عمليا وابتداء خارج الملاحظة والمعلوم، اسباب التوافقية الالية بصيغيتها التكنولوجية العليا مع اللاارضوية العقلية، كهدف ومنتهى للانقلاب الالي، بينما تبدا العملية المذكورة ابتداء وبحكم الواقع المعاش، ودعم القصورية العقلية، حالة كبرى من التوهميه تعززها الممكنات التي تتيحها الاله وتمنحها كمصدر قوة هائلة للبنى الارضوية الطبقية الاوربية، فلايرد على الاطلاق بحكم الكينونة  القصورية العقلية الموروثة في البال، لاداخل ارض الوطن/ كونية نفسها، ولا بالطبع ضمن موضع انبجاس الاله، اي اعتبار لممكنات واحتمالات ومستوى اثر وفعالية الاله الفعلي وليس المباشر الاني، وهكذا يفعل القصور الموروث فعله، ويتسبب باحتدامات كبرى وتناقض واقعي ادراكي هائل الاثار على المجتمعات والعالم وصولا لمنتهيات تفاقم الخطر التفارقي العقلي الواقعي الحاصل اليوم ومن هنا فصاعدا.

وليس ماتقدم بالاحرى خارج الديناميات والسياقات التحولية التاريخيه الاصطراعية الكبرى الارضوية اللاارضوية، فالغلبة النموذجية والتصورية الغربية، وماتتمتع به بفعل الالة من تسارع استثنائي في الديناميات المجتمعية ومايواكبها من تعد للكيانيه "الوطنيه" الى  الامبراطوريات، وحكم راس المال وبنيويته الاستغلالية التسلطية  المكرسه للتبعية كخاصية ملازمه، ليست بدون اثر، او هي  غير منطوية على اسباب تحريك محفز للانقلابيه العقلية الملائمه للعصر، تلك  الالية الفعلية والانتهائية، وليس الافتتاحية التوهمية الغربية ومبالغاتها الارضوية ومنها ادعاءات العلمية والعقلية، فالغرب اذ يشمل ارض الرافدين المتشكله منذ القرن السادس عشر مع ظهور "اتحاد قبائل المنتفك" مترسمه قانون تشكلها التاريخي، ويمارس مهمة الافناء والسحق النموذجي عليها بالفبركة الاكراهية ل" الدولة" الكيانيه الوطنيه على النموذج والنمطية الغربية المكرسة، فانه انما يؤجج الاسباب الضرورية للانتقال الى التعبيرية الكونية الثانيه العظمى المنتظرة، بعد تلك الحدسية الاولى الابراهيمه والتوسطية المهدوية، حيث فك الازدواج المجتمعي، وبداية تبلور  المنظور اللاارضوي العلّي السببي،  الذاهب بالكائن البشري من "الانسايوان" الى " الانسان"، المنتظر منذ الوثبة العقلية الاولى الى اليوم.

يتبع: الغرب التوهمي والصحوة  اللاارضوية العظمى.

***

عبد الامير الركابي

 

في المثقف اليوم