نصوص أدبية

كوثر بلعابي: سِيرَةٌ ذَاتِيّةٌ

أنَا .. إسمِي الكَوثرُ

بِلَوْنِ القَمحِ بَشَرتِي السَّمرَاءُ

عَينَايَ تَنافُرٌ مُنسَجِمٌ

بَيْنَ صَفَاءِ الثّلجِ وحُزنِ الكُستُنَاءِ

لَستُ مِن ذَواتِ المَالِ والجَمَالِ

و لا مِن رَبّاتِ الحِجَالِ..

لا أملِكُ سِوَى حُضْنٍ وَاسِعٍ

و بَعضِ كِبرِيَاءِ..

*

قَدَمَايَ مِن رُخَامِ بَلدَةِ الحَجَرِ

دَومًا تَركُضَانِ بِاندِفَاعٍ نَحْوَ الآتِي

تُراقِصَانِ دَورَةَ الفُصُولِ فِي خَفَرٍ

تَقفُوَانِ بِي هَودَجَ  العَليَاءِ..

أومِنُ بِالحرِّيّاتِ.. كُلِّ الخرّيَّاتِ

التي لا أفْهمُهَا:

كَحُرّيّةِ المَرأةِ.. وحُرّيّةِ الضّمِيرِ

والحُرّيّةِ الشّخصيّةِ...

والتي أفهَمُهَا طبعا :

كحُرّيةِ التّفكِيرِ والتّعبِيرِ

وحرّيةِ التّقديرِ والتْدبِيرِ

وحُرّيّةِ الإنسَانِ في الحقِّ فِي البَقَاءِ ..

*

رُبّما كُنتُ سَأولَدُ بِجَناحَيْنِ

لكّن لِسَبَبٍ أجْهَلُهُ

أنجَبَتْنِي امِّي فِي زَمَنِ الهَزَائِمِ

بِجسمٍ لِلمَتَاعِبِ..

برَأسٍ للنَّوائِبِ

بأجْنِحَةٍ فِي قَلبِي تُجاوِزُ الأمدَاءَ..

فَلَمْ أُولَدٰ  مَلاكًا

ولم أُجَرّبْ يَومًا التّحلِيقَ

بِجَنَاحٍ لَيسَ مِلْكِي

و لا أحِبُّ السّفَرَ في أرضٍ لا تقبَلُنِي

و دائمًا تفتِننِي مُغَامَرَاتُ

اِختِراقِ الأرضِ وغَزوِ الفَضاءِ ..

*

كَانَ أبِي يَحمِلُنِي إلى المدرسَةِ

بِفَخرٍ واعتِزازٍ

كان يَقولُ لِي :

إنّ كُلْ درسٍ احفَظُهُ هُنَاكَ

يُضَاهِى عُشبَ الأرضِ وأنجُمَ السّمَاءِ

اِحتَضنَتٰنِي الكُتُبُ بِرِفْقٍ

عَشَقْتُ سِحْرَ الصّمتِ في حَديثِهَا

عَرَفتُ فِيهَا  الفَرقَ

بَيْنَ الواقِعِ والخَيَالِ

بَينَ المُمكِنِ والمُحَالِ

عَرفتُ فِيها الفَرقَ بَينَ القُبحِ والجَمَالِ

و أنّ مَا لا يُفِيدُ النّاسَ يذهبُ جُفَاءً

قَرأتُ فيها عَن خُبزِ الجَائِعينَ

يُغَمِّسونَهُ بالقَهرِ والضّنَى..

عن كِذبةِ الأبطال الغابرينَ

عن خدعَةِ اِنتِصارِ الحَقِّ ودحرِ الظّالمِينَ

فأرهَقتْنِي حَيرَتِي في مَنطِقِ الأشيَاءِ ..

*

ها انّنِي اجُولُ فِي زِحَامِ العَابِرِينَ..

اعْلَقُ في شِرَاكِ البَعضِ كُلَّ حِينٍ

في وَرطةٍ مِن حُبٍّ .. أو فرحةٍ بِجُبٍّ

و أستفيقُ بعدَها أُحاذِرُ أقنِعَةَ الرّياءِ  ..

لا هَمَّ لي في هَذهِ الحياةِ

غيرَ سعادةٍ بسيطةٍ تنبثِقُ في داخِلي

و شَيءٍ من حقيقةٍ أكتُبُها

بغُصّةِ الدّموعِ في حلقِ الأشقِياءِ ..

لذلك.. قضّيتُ العمرَ ركضًا

و رقصًا.. كطائرٍ ذبيحٍ..

تقتُلُنِي مَخاوِفِي.. مِن حِقدّ مُغلَّفّ بِوِدٍّ

مِن شِعرٍ وَطنيّ مُحمَّلٍ بِشَرٍّ..

تُثقِلُني أحلامٌ إنسانيّةٌ

بتركِ كلِّ الحُجُبِ السّاترةِ

بالعَودةِ مِن جديدٍ إلى حياتِنا العاريةِ

إلى نقاءِ الطّينِ.. إلى صَفَاءِ الماء..

***

كوثر بلعابي (تونس)

 

في نصوص اليوم