نصوص أدبية
عبد الله سرمد الجميل: أغنياتُ العائدينَ لأرضِ غزّةَ

عندما عادوا إلى أرضِ الوطنْ،
لم يروا إلا دماءً،
لم يروا إلا الكفنْ،
*
هم لم يعودوا للبيوتِ وإنّما
قد أبدلوا الخيماتِ بالخيماتِ
أمّا المَتاعُ فلا مَتاعَ لهم هنا
إلّا بقايا أعظمٍ ورُفاتِ
*
يقولُ مواطِنٌ غَزِّيْ:
لمّا عدتُ إلى بيتي وطرقتُ البابْ،
مَثَلَ أمامي شخصٌ يشبهني جدّاً،
قلتُ لهُ: من أنتَ؟!
فردَّ عليَّ: ومنْ أنتْ؟!
فكِلانا يملِكُ نفسَ الوجهِ ونفسَ الصوتْ،
هل أنتَ أنا؟!
لكنّي غادرتُ وأنتَ مقيمٌ لم تبرحْ،
هل نلعبُ دوراً مشترَكاً في هذا المسرحْ؟!
هل تسمحُ لي أن أدخلَ داري / دارَكَ؟!
ودلفتُ إلى غرفةِ نومي،
أغلقتُ البابَ ورائي،
واستلقيتُ لأبكي فوقَ سريري،
حرقوا مكتبتي،
ورمادُ الكلماتِ تساقطَ غيثاً فوقَ رمادِ الأجسادِ المحترقةْ،
قلنا نعمُرُ هذي الأرضَ،
فرُحْنا نحفِرُها نقلبُ تربتَها،
مِترينِ ثلاثةَ أمتارٍ خمسةَ أمتارٍ نحفِرُها،
لكن تبقى تُخرجُ جثثاً جثثاً،
قالوا: النسيانُ دواءٌ،
حسناً كيفَ سأقنعُ رجلاً فقدَ الزوجةَ والأولادْ،
كيفَ سأقنعهُ ببياضِ الصفحةِ والدمعُ سوادْ،
نبَضاتُ القلبِ تُذكِّرُهُ
جسرٌ والحزنُ سيَعبُرُهُ
قد غرّدَ طيرٌ يُخبرُهُ
أنُّ السُّلْوانَ سيَجبُرُهُ
*
أينَ بيتي؟
قالَ شيخٌ كانَ أعمى،
ضحِكَ الجندُ وقالوا: إنّهُ هذي الحجارةْ،
مرّرَ الكفّينِ فوقَ الحجرِ الرطبِ،
وأصغى لعروقِ الماءِ في تلكَ الحجارةْ،
ليسَ بيتي،
واثقاً قد قالَها تلكَ العبارةْ،
فأنا أعرفُ بيتي،
وأنا أقدمُ من دولتِكم يا أيُّها الآتونَ من جذرِ الدَّعارةْ،
*
عادوا يُظلِّلُهم غيمٌ تَخُبُّ بهم
أرضٌ ويختصُّهم بالصيِّبِ المطرُ
ساروا معَ البحرِ والأمواجُ من لهَفٍ
تكادُ تتبعُهم والبحرُ ينشطِرُ
لو عزَّ مُتَّكأٌ بعدَ السُّرى لسعى
من كلِّ حقلٍ إليهم ذلكَ الشجرُ
كأنَّما تُربُ هذي الأرضِ أقسمَ أنْ
من غيرِ خطواتِهم لن يَنْبُتَ الزهَرُ
لمّا رأوا غزّةً من بعدِ فُرقتِها
ظلالُهم سبقَتْهم عندما انتشروا
لا تحزنوا قالت الأطيارُ نحنُ هنا
جئنا لِنُفرحَكم يا أيُّها البشرُ
أبٌ وطفلتُهُ تحتَ الركامِ وقد
دارَ الحديثُ وأصغى العشبُ والقمرُ
يا طفلتي لا تخافي واسمعي قصصي
وظلَّ يحكي ويحكي ليسَ يختصِرُ
وعمَّ صمتٌ تُرى نامَتْ تُرى…وغفا
كلُّ المكانِ ولم يُسمعْ هنا أثرُ
وفي الصباحِ نمَتْ في البيتِ سُنبلةٌ
وظلَّ يسقطُ في صمتِ الضحى المطرُ
***
عبد الله سرمد الجميل شاعر وطبيب عراقي