شهادات ومذكرات

غريب دوحي: المرأة والتضحية.. امرأتان امام المقصلة

بعد نجاح الثورة الفرنسية في اسقاط الملكية شكل الثوار محكمة باسم محكمة الثورة وحكمت على الملك لويس السادس عشر بالأعدام ونفذ الحكم في عام 1793م اما الملكة ماري انطوانيت زوجته فقد اودعت السجن واعدمت بعد تسعة اشهر من اعدام زوجها وتم بعدها اعدام كل من مدام رولان واولامب دي غوج.

ماري انطوانيت.. حفلة زفاف الى المقصلة:

في صباح يوم 16/10/1793 استيقظت ماري مبكرة وتناولت عدة ملاعق من الحساء المعد لفطورها كان هذا اليوم يوم موعد تنفيذ حكم الإعدام بها ثم قامت بأبدال ثوب الحداد الأسود ببدلة بيضاء تشبه بدلة زفافها يوم زفت الى زوجها واختارت ....احذيتها ووضعت على رأسها قبعة ثم جاء الجلاد وقص شعر رأسها وربط يديها خلف ظهرها.

  فتحت ابوب السجن واصعدت ماري الى عربة تنقلها الى ساحة الإعدام حيث المقصلة التي اسموها المقصلة المقدسة التي كانت تقع في ساحة كبيرة وكان الناس يحجزون مقاعدهم لمشاهدة حالات الإعدام التي يتسلون بها وكأنهم يشاهدون مباراة للعبة كرة القدم او مسرحية ،كانت الساحة مكتظة بالفرنسيين وهم يتسلون ويتناولون المرطبات وقراءة الجرائد باتظار مشاهدة المنظر الفريد منظر الملكة وهي تتقدم الى المقصلة نزلت ماري من العربة وكانت قد احتفظت برباطة جأشها حتى عندما مرت امام النساء اللواتي تقذفنها بأنواع الشتائم والكلمات البذيئة ثم ساد صمت رهيب عندما شاهد الجمهور الملكة وهي مغلولة الايدي ويبدو عليها الهدوء وقد سارت الى المقصلة ببدلتها البيضاء وكأنها في حفلة زفاف وقد رفضت كل مساعدة من الاخرين وقد صعدت درجات المقصلة بكل شجاعة ونظرت الى تمثال الحرية الذي ينتصب بجوار المقصلة وكأنها تريد ان تقول له شيئاً ثم وضعت رأسها على لوحة المقصلة وبعد لحظات تدحرج الرأس الجميل على الأرض تاركاً بقعة من الدم تدل على همجية الانسان ثم رفع الجلاد الرأس الى الأعلى لكي تراه  الجماهير المحتشدة وعندما شاهدت الجماهير رأس الملكة دوى هتاف في ارجاء الساحة (..تحيا الجمهورية..).

مدام رولان .. اه ايتها الحرية كم من الجرائم ترتكب بأسمك الكريم

مدام رولان 1754_1793م امرأة فرنسية ,اسمها الحقيقي (مانون فليبون) سميت باسم زوجها (مدام رولان) الذي كان موظفاً بسيطاً في بداية الامر ثم اصبح وزيراً للداخلية الفرنسية اثناء تولي الجيرونديين الحكومة عام 1792م وكانت زوجته تساعده في إدارة الوزارة.

بنفس الوقت كانت (مدام رولان) تعمل مستشاراً سياسياً لجماعة الجيرونديين اثناء الثورة الفرنسية ,والجيرونديين هم جناح من حزب اليسار الفرنسي حيث انقسم الى قسمين: الجيرونديين وهم الذين قدموا من إقليم (الجيروند) في جنوب غرب فرنسا وكانوا شباباً فياضين بالحماسة يعتمدون على التأثير الخطابي ويرون في النظام الجمهوري المثل الأعلى وكانت مدام رولان روحهم المحركة,اما القسم الثاني من حزب اليسار فهم (اليعاقبة)وعلى رأسهم:روبسبير و دانتون ومارا. تميزت مدام رولان بالذكاء والطموح وكانت روحها مفعمة بآراء جان جاك روسو وقد تشبعت بالأفكار الثورية الجديدة فكان لها صالون سياسي وادبي يعج بالثوريين من الجيرونديين وغيرهم قالت قبل زواجها.. (لا ادري من هو الرجل الذي سأمنحه نفسي لكنه لن يكون الا ذاك الذي سأستطيع التفاهم معه والذي سيقاسمني ارآئي ومشاعري..).

عندما وقع الخلاف بين الجيرونديين واليعاقبة اودعت مدام رولان السجن لكنها اتخذت من السجن مكتباً لها واخذت تكتب مذكراتها وقد اسمتها (احتكام الى الأجيال القادمة) وهي خير ما كتب داخل السجون وفي احدى مذكراتها كتبت .. (أيها الوطن الى أي المهالك هم بك سائرون) وعرفت وهي داخل السجن انه لا مهرب من الموت على يد الجلادين فلم تجزع من الموت وكانت دائمة التفكير في مصير زوجها.

وبعد محاكمة قصيرة حكم عليها بالاعدام بآلة المقصلة فوضعت داخل عربة سارت بها الى ساحة الإعدام وكان معها رجل وهو سائق العربة وكان مصاباً بمرض الكآبة فأخذت تسلية طيلة الطريق بحكايات طريفة وعندما وصلت جلست تنتظر دورها فطلبت ورقة وقلم لتدون اخر خواطرها فلم يسمح لها بذلك وقبل ان تضع برأسها تحت سكينة المقصلة وقعت عينيها على تمثال الحرية القائم قرب دكة الإعدام فقالت كلمتها الشهيرة (..اه ايتها الحرية كم من الجرائم ترتكب بأسمك الكريم..) بعد لحظات تدحرج رأسها على قارعة الطريق ولم تكن تبلغ الأربعين بعد. اما زوجها فبعد ان علم بأعدامها فقد جن جنوناً وخرج من مخبئه وجاء بورقة كتب عليها: من يوم عرفت انهم قتلوا زوجتي لم تعد لي رغبة في البقاء بدنيا فيها هذا القدر من القذارة والغدر ووضع هذه الورقه على صدره وثبتها عليه بسن سيفه ثم سقط على السيف فأنغمد في قلبه فأنتحر بعدها بيومين. وهكذا اثبتت المرأة للعالم ان الشجاعة ليست حكراً على الرجال فللنساء حظ وافر منها.

***

غريب دوحي

 

في المثقف اليوم