تقارير وتحقيقات

تقارير وتحقيقات

أماطت الندوة الاحتفائية، التي نظمتها كلية الحقوق بمدينة قلعة السراغنة، يوم السبت 12 أبريل 2025، بمناسبة صدور كتاب "في سوسيولوجيا الإعلام والرقمنة: قراءات في المحتوى والوسيط" لمؤله الباحث والإعلامي مصطفى غلمان، (أماطت) اللثام عن جوانب وانشغالات هامة واستراتيجية في منظومة الإعلام الرقمي الجديد، وتقاطعاته المتعددة مع الفواعل التكنولوجية المتسارعة، وتأثيراته القيمية والثقافية في المجتمعات الشبكية الراهنة.

وانصبت جل المداخلات التي سلطت الأضواء على قيمة الكتاب المحتفى به، وجديده الأكاديمي والمعرفي، على أسئلة الإعلام والرقمية، في أبعادها السوسيولوجية والثقافية والاجتماعية، والتقائيتها مع الأنماط الثقافية المتاخمة، وحضورها في السرود الفكرية المجاورة.

كلمة عميد كلية الحقوق بالقلعة الدكتور محمد الغالي، الذي أدار الندوة بالتناوب مع نائبه الدكتور سعيد بنخضرة، كانت منشغلة بجديد الحقل المعرفي الذي يلامسه المؤلف، كدافع سوسيوثقافي منبثق عن تجربة الكاتب "الذي كرس جانبا من حياته المهنية والعلمية" لتطوير وتعزيز آفاق الإعلام كرسالة وكنظام قيمي.

وأشار الغالي، وفق هذا المنظور، إلى تكامل الدراسات الأكاديمية في هذا الشأن، مناديا بضرورة التحفيز على مواكبة المستجدات والظواهر الإعلامية، من موقع الاهتمام بالسوسيولوجيا كنسق ثقافي واعي بالراهن السياسي والعولمي المتلاحق، مؤكدا على استكناه الفهوم الثاوية للعلوم المقاربة والمتموضعة في السياق العام للأكاديميا والبحث العلمي.

أما الكلمة التي ألقاها عالم الاجتماع الفلسطيني المفكر الدكتور إياد البرغوتي، الذي يشارك في الندوة قادما من الأٍراضي الفلسطينية المحتلة، فجاءت مؤطرة ومتساوقة مع الكلمة التقديمية التي تصدرت دفة كتاب "في سوسيولوجيا الإعلام والرقمنة" لمصطفى غلمان، مشيدا بالدراسة موضوعا ومنهجا واختيارات.1354 mustafa

وقال البرغوثي، إن الجديد في كتاب الدكتور غلمان، تناوله لموضوعة الإعلام وتأثيره السوسيولوجي والتطورات التي جرت عليه، معتبرا تعويل الكاتب على الوعي وإعادة تشكيله بما يعزز إنسانية الإنسان، اعترافا بدهيا بوظيفة الإعلام خاصة وبشكله الجديد "الرقمنة".

واستطرد السوسيولوجي الفسطيني قائلا:" إن الكتاب المحتفى به يضعنا أمام سياق إعلام يشكل فرصة أمام الشعوب المستضعفة لنقل مظلوميتها أمام العالم، وهو مجال واسع للنضال لكسب الرأي العام الضروري من أجل الانتصار في أي معركة خاصة، خصوصا إذا كانت ذات طابع أخلاقي"، مبرزا النظر السوسيولوجي لنظرية الكاتب، الذي "عمد إلى بلوغ مرام موضوعه الراهني، انطلاقا من خلفيات الحرب على غزة ودور الإعلام الغربي في توجيهها والاستئثار ببروبجنداها".

واعتبر البرغوتي "قيمة الكتاب في عدالة القضية، وأهميتها الاستثنائية "لتسويقها" بشكل جيد، مع ما يشكل في الوقت نفسه، من حرمان الآخر المتحكم والمهيمن من أ، يقوم بتسويق ظلمه على شكل عدل، وإجرامه على شكل ضحية..".

من جهته استقرأ الأكاديمي والباحث الروائي الدكتور جمال بندحمان، سؤال القلق المفهومي لسوسيولوجيا الإعلام والاتصال، مستكنها آفاقه المبتكرة للحقل إياه، في سياق الاهتمام بكتاب صادر "عن مجرب ودارس للأكاديما الإعلامية، في شكلها السيروري والتغييري". وقال بندحمان، إن "الباحث غلمان يستقصي هذه الوضعية الإعلامية، بعين الراصد والمحلل"، مبديا رأيه في اختيار التيمات العلمية للكتاب، وتطوير مسلكية أو منهجية التحليل، التي "تعمد إلى وضع أسئلة الراهن الإعلامي وتكنولوجيا الرقمنة، وفق تراكمات تخوضها الإنسانية لأول مرة، بعد حالة كمون كلاسيكي في المجال".

وأضاف بندحمان، أن الكتاب يبدع شكلا جديدا ضمن تحولات مستعصية، مراهنا على تقديم قضايا متداولة فكريا، لكنها تحتاج لاقترابية أكثر استرفادا لحاجياتنا في سياق المنظومة الإعلامية والتواصلية، مشددا على أن مقاربة المؤلف الدكتور مصطفى غلمان لأنساق العولميات والإبدالات الإعلامية، والحدود المعرفية بين قيم المعرفة الخالصة والتشكلات الإعلامية الحديثة في مجال الرقمنة، ومسألة اللغة والإعلام وتمظهرات الفعل السياسي والديني في الحالات الإعلامية المتشابكة، يراكم ابتعاثا جديدا للفكر الإعلامي الذي يخاطب الوجدان القيمي للمتعاقدين والنشيطين فيه، ويوفر هامشا ديناميكيا من التفاعل مع المعارف المتاخمة، كالتاريخ والعلوم الاجتماعية وعلم النفس التربوي وغيرها.

واعتبر المتدخل نفسه، أسئلة الكتاب راهنية واستراتيجية، كونها تلامس الإشكالات الكبرى للحياة العولمية الجديدة، وانتقالاتها المتسارعة عبر كل هذه الفوضى التي بها تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي.

أما مداخلة الباحث والإعلامي الدكتور عبد الصمد الكباص، فاشتغلت على مستويات الجذب الثقافية والإعلامية لموضوعة الكتاب "في سوسيولوجيا الإعلام والرقمنة"، معتبرا توقيتها حسما سوسيوثقافيا لمظاهر ومظان الاختلالات والعشوائيات التي باتت تبرمج حالات الانهيار القيمي للعالم الرقمي ومفعولاته.

وأكد الكباص على أهمية الدراسة كفكر وكامتحان سوسيولوجي، في تحديد انشغالات عالمنا الكوني الجديد، مشددا على أنه "رغم تسارع انفراط القيمة الأخلاقية والاجتماعية للمعلومات والبيانات، في عالم يضج بمتاهات التجذيف والاختزالية والتواطؤ والانحراف المهني"، حسب المؤلف، فإن أنشطة المجال الرقمي الآن، في حاجة إلى إعادة قراءة وتقصي ، على اعتبار البيئات الجديدة للشبكيات الرقمية، وحمولاتها الأيديولوجية والثقافية المتقاطعة.

وأبرز الدكتور الكباص، أدوار الإعلام السوسيولوجي في تحليل الخطابات وتضمينها ما يتراكم زمنيا وموضوعاتيا، مع مخلفات الشبكات الاجتماعية وتوازياتها ومضمراتها، مشيرا إلى المناطق المعززة في المؤلف، الذي تحاول توتير مفاهيم التأويل والارتدادات القيمية والأخلاقية، في "مواجهة الكمية والنوعية الكثيفة التي تضج بها وسائل التواصل الاجتماعي، لدرجة الإغراق والإسفاف والابتذال".

آخر القراءات، جاءت على لسان السوسيولوجي الدكتور ادريس ايتلحو، الذي التقط رسالات كتاب "في سوسيولوجيا الإعلام والرقمنة" انطلاقا من الأسئلة الحارقة، التي طرحها المؤلف، من خلال قراءاته الاستبطانية لأسباب وخلفيات استنباث الجذور البعيدة، في أفق الإعلام الوسيط واشتغالاته، في مضمار مليء بالغموض والارتدادات المفاهيمية المتداعية .

وتقاطعت المفاهيم الفلسفية والسوسيولوجية، وفق المتحدث عينه، مع ما يعتلق من تبعات لهذه المفاهيم والإشكالات، لأبعاد وعلاقات الإعلام الرقمي ومنصاته العائمة في الأكوان الزرقاء البعيدة، مستنتجا أن قراءة غلمان لواقع الإعلام الآن، هو مغامرة محفوفة المخاطر، حيث يحتاج السوسيولوجي الإعلامي إلى مجرات وأشكال بيداغوجية جديدة لتأطير الخطاب.

وخلص ايتلحو، إلى أن مقاربة غلمان لهذه العوالم المتشاكلة، كان بدافع قيمي أصيل، يروم الدفاع والاستشعار بمدى قابلية المجتمع لتخوم هذه التحولات، وارتباطاتها بالأنماط الاجتماعية والثقافية الجديدة.

كلمة المحتفى به وكتابه الدكتور مصطفى غلمان، قاربت الفورة الكبيرة لعالم جديد يتشكل تحت نيران الحروب والفوضى الاقتصادية والثقافية المتلاطمة، مبديا قلقه الأنطولوجي، من تسارع توحش بروبجندا الإعلام الرقمي وتغوله في الشتات القيمي والأخلاقي. ونبه غلمان من تأثير ذلك على جيل كامل من أبنائنا، مناديا بتصحيح فهومنا لاستعمال الوسائط الاجتماعية ومنصاتها الرجيمة، داعيا إلى تحويل مشتل المدرسة والجامعة إلى ورش لتدبير أسئلة التكنولوجيا الرقمية المتسارعة، وقدرتنا على مواجهة آثارها في الوجدان القومي والإنساني والحضاري.

اللقاء شهد في الأخير نقاشا مفتوحا حول مضامين الكتاب، وثق تكريم المحتفى بها الباحث والإعلامي د مصطفى غلمان مع تنظيم حفل توقيع كتابه موضوع الملتقى، كما جرى أيضا تكريم المفكر الفلسطيني الأستاذ إياد البرغوثي، وسط حضور كثيف من المثقفين والأكاديميين والإعلاميين والطلبة، الذين تلقوا حضور العلم الفلسطيني والمغربي جنبا إلى جنب والتفاعل مع نشيديهما الوطنيين، بكثير من الاستحسان والقابلية.

***

 

بالتعاون مع نادي حبر أبيض نظّم مركز لندن للإبداع العربي أمسية شعرية للدكتور والشاعر المصري هاني شُعيب. وبعد أن قدّمته الشاعرة والباحثة العراقية دلال جويّد، قرأ 11 قصيدة بدأها بـ "قد تاه فكري" التي يقول فيها:
" قد تاهَ فكري فهلّا زِدتني خبرا من أي جوهر حُبٍ صاغكِ اللهُ
سبحانَ من نظَم الدُنيا ولحّنها بيتًا من الشِعر في عينيكِ معناهُ"
وأنهاها بـ "ترنيمة الصمت". كما شارك الدكتور مرتضى محسن بالعزف على العود ونبّه منذ البدء بأنه عازف هاوٍ ويخشى من مواجهة الجمهور لكنه سرعان ما تخلّى عن خشيته وتماهي مع الحاضرين متمترسًا وراء قدرته الغنائية التي انتشلته من خانق الخوف والتردد والإحراج. لا تهدف هذه التغطية المتواضعة إلى دراسة هذه القصائد الأحد عشر أو تحليلها والغوص في أشكالها ومضامينها الشعرية المتنوعة وإنما نسعى للوقوف عند الأجواء العامة التي دفعت الشاعر هاني شُعيب لأن يكتب الشعر العمودي الموزون والمقفّى الذي لا يحتضن الحَوشي والغريب من اللغة المقعّرة والصور الشعرية التي لم تعد تتلاءم مع روح العصر. ثمة انطباعات وملحوظات آنية تولّدت في ذهني وأنا أستمع إلى الشاعر والطبيب النفسي هاني شعيب الذي بدأ بكتابة الشعر قبل أكثر من خمسة عقود على وجه التحديد. وما إن بدأ بقراءة الإضمامة الأولى من قصائده حتى شعرت بأنه يُذكّرني بقصائد الشعراء الرومانسيين الإنكليز الذين يحتفون بعناصر الطبيعة في قصائدهم؛ فمفردات البحر والسماء والغيوم والأنهار والأشجار والأزهار وما سواها من هذا القاموس اللغوي الثري الذي يبعث الحياة في أرض القصيدة ويمنعها من الجفاف. ومن بين هؤلاء الشعراء يمكننا الإشارة إلى كيتس، وشيلي، وبايرون، ووليم ووردزوورث، وتوماس غراي، وكوليرج، ووليم بليك وشعراء آخرين ركزوا على العواطف والمشاعر الإنسانية الجيّاشة، واتخذوا من الخيال الجامح وسيلة لكتابة نصوصهم الشعرية المجنّحة. كما يُذكّرنا هاني شُعيب بأجواء السياب وفضاءات البياتي اللذين تبنّيا شعر التفعيلة وأبدعا فيه. كما يُحلينا إلى مناخات أحمد شوقي وأمل دنقل وصلاح عبد الصبور وحتى نزار قباني في بعض تساؤلاته وصياغاته اللغوية الناعمة.
ما يلفت الانتباه في قصائد شُعيب عذوبة اللغة وعفويتها التي تصل إلى بساطة السهل الممتنع الذي يمكن أن تجاريه ولكنك لا تستطيع أن تأتي بمثله إلّا بشق الأنفس. ركّز الشاعر على ثنائية المرأة والرجل في غالبية القصائد التي قرأها إن لم أقل كلها ونجح فيها إلى الحد الذي لم نشعر فيه بالملل، بل أن غالبية الحضور كانوا يتفاعلون مع كل نص شعري جديد ويصفِّقون له الأمر الذي يكشف عن نجاح هذه القصائد لدى الجمهور الذي ينتمي إلى أعمار وخلفيات ثقافية مختلفة.1210 hany
لا بدّ من الإشارة إلى أنّ قصيدة "يُحكى أنّ" من القصائد الميتاسردية التي تتعالق مع الموروث وتستثمره كما هو الحال مع قصيدة "ليلة عُرس" و"مذكرات العاشق قيس" التي تكشف لنا ولع الشاعر هاني شعيب بمناخات الشعر العربي وفضاءاته التي نحتاج لأن نستذكرها أو نستعيدها بطرق حداثية جديدة. لا بدّ من التنبيه إلى بعض القصائد الجريئة التي يقول فيها الشاعر أشياء كثيرة إذا ما استفاق الجانب الحسّي لديه، ولعل هذه الجرأة تطفح في قصائد أُخر لتقارب "سجع الكهان" أو تتجاوزه قليلًا إلى شكل آخر لا يجرؤ كثيرون على ملامسته أو الاقتراب منه كما هو الحال في قصيدة "سورة العِشق". ثمة سمات وخصال معينة ساهمت في إنجاح هذه الأمسية الشعرية ولعل أبرزها طريقة الإلقاء العفوية المنسابة التي تخلو من التكلف والانفعالات الفائضة عن الحاجة. فعلى مدى ساعة كاملة تقريبًا كنّا نصغي باسترخاء شديد إلى صوت الشاعر الرخيم وهو يموسق صياغاته المُحترفة، وصوره الشعرية الجميلة التي تفاعل معها الجمهور إلى حدّ التماهي والاندغام الكلي بأجواء القصائد الرومانسية المطعّمة بلمسات فكرية تستبطن الذات لدى العاشق والمعشوق وتنقل لنا في خاتمة المطاف هواجسهم الروحية وقلقهم المتواصل الذي لا يتوقف عند حدّ. تساءل أحد الحضور عن الكلمات والتشبيهات والصور الشعرية التي تحيل إلى عالم النفس أو تتسيّد فيه لكن الشاعر اعتبر هذا الموضوع شائكًا وطلب من المتلقي أن يفسر القصيدة بالطريقة التي يفهمها ويراها مناسبة. وفي الختام لا بد من الإشارة إلى أنّ الشاعر هاني شُعيب قد أصدر أربع مجموعات شعرية وهي "وجوه في مرايا الصمت"، و"الحُب بلا أبعاد" و"تراتيل" و"الحُلم مع سبق الإصرار".
***
عدنان حسين أحمد - لندن

مصطفى غلمان: الإعلام والشعر مصيران مشتركان في زمن عربي منقسم

عرفت قاعة الشعر بـ«بلازا 1» ضمن فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ56 ندوة لمناقشة أعمال الشاعر والإعلامي المغربي الدكتور مصطفى غلمان، حيث أدار الجلسة الكاتب والإعلامي هشام محمود، الذي قدم للحضور رؤية شاملة حول تجربة غلمان الإبداعية والإعلامية.

استهل هشام محمود تقديمه بالإشارة إلى أن الدكتور مصطفى غلمان، المزداد بمدينة مراكش، يُعد أحد أبرز الأصوات الشعرية والإعلامية في المغرب. وكان له دور بارز في المشهد الثقافي والإعلامي، إذ تولى رئاسة أول نادٍ إعلامي في مراكش، إلى جانب إسهاماته في عدة هيئات ومنظمات عربية ودولية.

كما أشار محمود إلى المناصب الثقافية والإعلامية التي شغلها غلمان، بدءًا من تأسيسه لمؤسسة الإعلام «حلول تربوية» في أكادير عام 1999، وصولًا إلى تقلده منصب مدير هيئة الإعلام بالمجلس الأعلى للغة العربية بأفريقيا، مارس العمل الإذاعي ما يفوق العشرين سنة، وإشرافه حاليا على موقع كش بريس الإلكتروني، وعضويته لاتحاد كتاب المغرب، والمكتب التنفيذي للائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية بالرباط.

أما على الصعيد الأدبي، فقد أبدع غلمان في كتابة الشعر، حيث أصدر عددًا من الدواوين التي تركت بصمة واضحة في المشهد الشعري المغربي، ومنها: “خاتمة لدبيب الوشي” (1998)، “ما جاء في الرؤية عند ازدحام الأثر” (2000)، “على شفا موت” (2002)، و”قاعدة البطريق” (2006)، و”نمش على مائي الثجاج” 2021).

كما صدر له مؤخرا، في مجال تخصصه الأكاديمي، دراسة في”سوسيولوجيا الإعلام والرقمنة” عن دار أكورا بطنجة العام 2025.1016 galman

وخلال الندوة، تحدث الشاعر والإعلامي مصطفى غلمان عن رؤيته للشعر، مشددًا على أن أسئلته وماهيته لا تنتهي، بل تشبه سماء متحركة تعج بالتعددية في القيم والأدب والفلسفة والمفاهيم. وأوضح أن الشاعر لا يرتبط بموضوعات ثابتة، بل يتعامل مع الكلمات باعتبارها أدوات تعبير عن الأفكار والمشاعر، مما يجعل اللغة قوةً للتجريد والخيال، لا مجرد وسيلة استهلاكية.

وأشار «غلمان» إلى أن الشعر الذي يتعامل فقط مع الحقائق الأرضية، أو الذي يقيد اللغة في إطار استهلاكي جامد، يصبح «شعرًا نافقًا»، حيث تفقد اللغة جوهرها الحيّ. لذلك، يرى أن التجربة الشعرية الحقيقية تستمد قوتها من تساؤلاتها العميقة حول الوجود والجمال والخيال، معتبرًا أن مفرداتنا ليست سوى وسيلة للوصول إلى معاني الحياة.

كما شدد على أن تجربته الشعرية لم تكن نتاج صدفة أو اختيار عشوائي، بل جاءت نتيجة قراءة معمقة وإدراك لتأثير الأدب في تشكيل الذات الإبداعية. فبالنسبة له، تعد القراءة الركيزة الأساسية لكل تجربة إبداعية، سواء في الشعر أو الأدب أو حتى في مختلف العلوم والفكر.

وأكد «غلمان» أن الشعر والإعلام يشتركان في كونهما أدوات للتواصل ونقل المعرفة، مشيرًا إلى أن الإعلام لا يمكن فصله عن الشعر، إذ لطالما كان الشعر العربي منذ العصور القديمة وسيلة للتأثير والتبليغ. فقد كان الشاعر العربي يشغل مكانة بارزة في مجتمعه، حيث كان صوته مؤثرًا في القضايا الاجتماعية والسياسية.

وأوضح أن الإعلام، رغم طابعه الإخباري، يظل أداة لصياغة الوعي الجماعي، تمامًا كما يفعل الشعر، الذي يحمل قدرة خاصة على التأثير العاطفي والفكري. ومن هذا المنطلق، يرى غلمان نفسه قارئًا للشعر، لا مجرد ممارس له، حيث حفزته هذه الرؤية على تجسيد تجربته الإبداعية عبر التفاعل المستمر بين الشعر والإعلام.

وفيما يتعلق بوظيفة الشعر الجمالية، أكد «غلمان» أن تطور شكل القصيدة لا يجب أن يُنتقص من قيمتها، فالقصيدة الحديثة تستمد أهميتها من قدرتها على طرح الأسئلة وإرباك المتلقي، مما يمنحها تأثيرًا أكبر. ويرى أن القصيدة الجيدة هي التي تطرح تساؤلات وجودية، وتعكس القضايا الكبرى المتعلقة بالإنسان ومستقبله، كما أن الشعر يجب أن يكون متفاعلًا مع التحولات الكبرى التي يشهدها الواقع العربي، لا مجرد انعكاس للأزمات العابرة.

وطرح «غلمان» خلال الندوة تساؤلات فلسفية عميقة حول دور الشعر في العصر الحالي، متسائلًا عما إذا كان الشعر لا يزال قادرًا على أن يكون قوة دافعة في الثقافة والمجتمع، في ظل هيمنة المظاهر والسطحية.

ويرى أن هذه الأسئلة تظل بلا إجابة واضحة، لكن يبقى للشعر العربي، الذي شكّل ديوان العرب ومرآة حضارتهم، قدرة كامنة على التأثير والتجدد. ويؤكد أن الماضي لا يمكن أن يُستعاد بنفس صيغته القديمة، لكن يمكن للشعراء المعاصرين أن يجدوا لأنفسهم موقعًا جديدًا في المشهد الثقافي، عبر توظيف إمكانيات فكرية ونفسية تواكب العصر.

ولم يفت الإعلامي غلمان، التأكيد على التقائية قيم الشعر والإعلام، وسيرورتهما في الكينونة البشرية، على نحو يكرس رسالتهما الإبلاغية والبلاغية، مشددا على راهنيتهما معا في تجسير خطابهما الملتحد والمبارز لقضايا المصير الإنساني، في الحياة والأخلاق والجمال.

ودعا غلمان إلى مواجهة التحولات الكبرى التي شهدها العصر الحديث، حيث صارت التحديات التكنولوجية والمعلوماتية أخطر في مدار التأثيرات المجترحة لمعالم نظام سلطوي عالمي جديد، يهيمن على "سيكولوجيا" المتلقين، ويرهن عقولهم وطرق تفكيرهم.

***

القاهرة / خاص 

 

اختتمت مساء الأحد، بالمدرسة العليا للفنون البصرية بمراكش، فعاليات الدورة الأولى من مهرجان السينما والتاريخ بمراكش، والذي نظم هذه السنة تحت شعار "السينما والذاكرة"، حيث توج المهرجان بوقفة استذكارية للفنان الراحل محمد حسن الجندي، وسهرة موسيقية أحياها الفنانون خالد إصباح وخالد بدوي وشكير سروح.

وتخللت فعاليات مهرجان السينما والتاريخ طيلة أربعة أيام، ما بين 23 و 26 من يناير 2025، أنشطة ثقافية وسينمائية متعددة، افتتحت بتنظيم أوراش أربعة ورشات، لفائدة طلبة وتلاميذ المؤسسات التعليمية، بتنسيق مع الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بمراكش، قام بتأطيرها كل من الأستاذ بوبكر الحيحي (ورشة السيناريو)، والأستاذ خالد المعتمد (ورسة الإخراج، والأستاذ احمد الحبيب احمدان (ورشة التشخيص)، والأستاذ أحمد بنسماعيل (ورشة الفوتوغرافيا).

تكريم المخرج سعد الشرايبي:

اختار منظمو مهرجان السينما والتاريخ بمراكش، افتتاح الدورة الأولى بتكريم المخرج والكاتب سعد شرايبي، الذي أعلن عن قناعته بالحاجة إلى مهرجان سينمائي ثقافي بالمعنى السوسيولوجي، مؤكدا على راهنية موضوعة "السينما والتاريخ"، واقتداريتها في بعث روح السينما، فكرا واستراتيجية، وذلك دون تجاهل مسألة "التأصيل" و"الهوية".

إثر ذلك تم عرض الفيلم السينمائي (55) ، بحضور المخرج عبد الحي العراقي، والمنتجة كارولين لوكاردي. الفيلم الذي حضي بمتابعة كثيفة، يعيد من خلال صور ولوحات تشكيل فترة حاسمة من التاريخ الوطني، وهي الكفاح من أجل الاستقلال. يحكي الفيلم قصة كمال (11 عاما)، ابن أحد مهنيي الصناعة التقليدية البسطاء بالمدينة القديمة بفاس، الذي يعيش الأشهر الأخيرة للبلاد تحت الحماية الفرنسية، حيث يقع في حب جارته عائشة البالغة من العمر 18 عاما المنخرطة جنبا إلى جنب مع رفاقها من الطلبة المناضلين من جامعة القرويين، لينخرط كمال بدوره في الكفاح من أجل الاستقلال وعودة السلطان محمد بن يوسف. وأعقب العرض الفيلمي، نقاش مستفيض، أغنى جنباته مهتمون ونقاد وطلبة.966 seminar

المخرج ربيع الجوهري والفنان هشام بهلول: أفكار في السينما

بفضاء مركز الندوات التابع لجامعة القاضي عياض بمراكش، التقى جمهور المهرجان بنجمين متفردين من عالم السينما والدراما. وبإدارة الإعلامي مصطفى غلمان، ألقى المخرج ربيع الجوهري درسا في السينما والذاكرة، قارب فيه إشكالية تعريف جنس الفيلم التاريخي، على مستوى "النصية والأسلوبية والذاتية"، تناول من خلالها موضوعة أوبنهايمر 2023 لمريستوفر نولان، وذاتية هيروشيما، مونامور لألان رونيه .1959

لقاء آخر، كان مع عرض شريط للمخرج ربيع الجوهري "سيكا" بمدرج الشرقاوي إقبال بكلية اللغة العربية بمراكش، أضاء جوانب مهمة من سيرة قضية الصحراء المغربية في بعدها الوطني والثقافي والحضاري.

أما الفنان النجم هشام بهلول، فتفاعل مع أسئلة محاوره الناقد محمد اشويكة، ارتكزت مجملها حول مسار الفنان في عالم التمثيل واختيار الآفاق الفنية في مجالات السينما والتلفزيون والعمل المسرحي، دروب الافتتان والهوس بالسينما والمسرح والتلفزيون، وآثار كل ذلك في مسلكيات التجربة. وأفاض بهلول خلال تجاوبه مع أسئلة اشويكة، في استرفاد حضوره الصيروري والتقائيات النصوص الدرامية القوية.

وتحدث الفنان هشام بهلول، عن الدراما العربية ودورها في صقل شخصيته كفنان، مستعرضا جزءا من تجربته مع كبار المخرجين والفنانين العرب، مشيرا إلى بعض أعماله المغربية، التي لاقت استحسانا لافتا إن على مستوى قابليتها لدى الجمهور المتعطش للغة راقية وصدق في العمل وحرص على لعب أدوار تليق بالمسار.

احتفاء بفناني المدينة الحمراء:

أقام مهرجان السينما والتاريح بمراكش، حفلا باذخا برياض دار الزليج، على شرف فناني المدينة من الذين ساهموا في الأفلام والمسلسلات التاريخية الوطنية والدولية. وألقى الناقد محمد ايت لعميم، بهذه المناسبة كلمة باسم المهرجان، أثار فيها أهمية الاعتراف بطاقات فناني المدينة وإسهاماتهم في الدراما السينمائية والتلفزيونية الوطنية والعربية والدولية.

 ودعا ايت لعميم إلى جعل هذه اللحظة، مقاما عرفانيا لمواكبة الفنانين ودعمهم وإن بشكل رمزي، مؤكدا على توجه المهرجان لتكريم كل المحطات التي تم ترسيخها في الوجدان الوطني، مشددا على انفتاح المهرجان وإنصاته لكل المبادرات في هذا الشأن.

ندوة في "سينما الذاكرة: التجربة المغربية":

الندوة الوطنية "سينما الذاكرة: التجربة المغربية"، التي نظمت في اليوم الأخير من فعاليات المهرجان، بتسيير الباحث محمد ايت لعميم، توشحت بمنطقيات تأويلية مختلفة، لكتاب ونقاد أجادوا في وضع أسئلة راهنية حول مفاهيم "السينما /الذاكرة" و"السينما /التاريخ" و"سينما التاريخ" ..إلخ.

الباحث العربي الواحي استقرأ موضوعة السينما والذاكرة، بمرجعية المؤرخ الفرنسي مارك فيرو، الذي يحدد عدة مداخل لعقد العلاقة الثنائية المذكورة، أولها اعتبار الصورة مثل المصار التاريخية غير التقليدية، كمادة يمكن قراءتها بوصفها وثيقة. مضيفا، أن الدارس المحقق في التفاصيل يستطيع أن يتجاوز الرسائل المباشرة التي يرسها الفيلم، تسجيلا كان أو روائيا.

أما الباحثة سناء الزعيمي، فاستعرضت تجربتها في التقاط لحظات السينما، من منطلق البعد الجندري . بنية تغدو السلطة فيها مختصة بهيمنة وتعريف وموضعية للمركز، بما يضمن علاقات التبادل المنفعي القائم بين أطراف المجتمع، بعوامل مختلفة للعنف.

فيما قارب الناقد السينمائي سمير عزمي، دلالات الحضور التاريخي والثقافي في الفيلم المغربي، متخذا فيلم المخرج ادريس اشويكة منجزا لتقريب وجهة نظره في العمل على ترويض اللغة، وتحقيق حضور مجازي للبنية الاجتماعية والجغرافية والقيمية.

واختتمت الندوة بمداخلة للكاتب والإعلامي عبد الكبير ميناوي، استقصت بالدليل والحجج البائنة، مدارات السينما في المخيال الجمعي، وتأثيرات ذلك على قيمة وجودة النصوص الفيلمية.

واستعرض ميناوي أحداثا سينمائية بالغة التعقيد، ليس فقط في بؤرة تجاوزها للعقل السينمائي، بل لتحويل المجاز إلى حقيقة.

امحمد الخليفة وأحمد المتفكر يتذكرون محمد حسن الجندي:

قال القيادي السياسي والوزير السابق م امحمد خليفة، خلال إلقائه كلمة بمناسبة استذكار الفنان الراحل محمد حسن الجندي، في اختتام الدورة الأولى من مهرجان السينما والتاريخ بمراكش، إن صداقته بالجندي، لم تكن عابرة، بل "شاخصة ومستنيرة"، موثقا بعض تمظهرات هذه الصداقة، التي تجاوزت الزمن إلى قيمة الروح والوجدان، ب"العلاقة" التي تطبعها الأمانة الأخلاقية والنضال السياسي والثقافة الأصيلة.

وأوضح الخليفة، أن موقع الفنان الجندي، في الذاكرة والوجدان الوطنيين، هو موقع لا تعوضه لحظات البوح القليلة، ولا كتابات تستنطق نزرا يسيرا من رحلة حياة طويلة وممتدة بامتداد العمل والكفاح والحب الكبير الذي نكنه لهذا الوطن الغالي، بل برمزية التذكر واعتبارية الإخلاص للزمن الماضي.

وساق القيادي السياسي في هذا الصدد، مجموعة من الأحداث والوقائع التي عاشها مع الفقيد، منها ما هو فني سينمائي أو معيشي يومي، مذكرا بمكانة الجندي الثقافية والفنية والاعتبارية.

ودعا الخليفة، أصدقاء الراحل وأسرته إلى إعادة توجيه بوصلة الإرث الذي تركه الجندي، كتابة وإبداعا، خصوصا مذكرات حياته، الت ياعترها المتحدث "بوحا لم يقل كل شيء"، مهيبا بالمهرجان "أن يضطلع بمسؤوليات إحياء تراث الفنانين والمثقفين وتوثيق ما يصلح للوثيق.

أما المؤرخ والباحث أحمد متفكر، فقد أورد مجموعة من المعطيات حول حياة الفنان الراحل، مستعرضا جوانب هامة من حياته وإسهاماته في مجالات الإبداع المسرحي والتلفزيوني والإذاعي والسينمائي.

وقال متفكر "إن تعددية الثقافة لدى الجندي كانت استثناء"، مبديا إعجابه بعصاميته وطموحه الذي أوصله إلى العالمية. وأضاف أن من شأن إحياء تراث الجندي أن يرد الاعتبار لمكانته ورمزيته، بسبب ما أسماه ب"غبنه" في آخر حياته، مذكرا بما عاناه بعد تقاعده من وزارة الثقافة، ومثيرا سؤال "الاعتراف" بالراحلين من العلماء والمثقفين.

يشار إلى أن الحفل الختامي، شهد حضور نجل الراحل حسن الجندي، الذي تسلم درع التذكار من مهرجان السينما والتاريخ، معلنا نجاح الدورة الأولى وضاربا موعدا للسنة المقبلة.

***

مراكش/ خاص ـ

الفيلم العراقي (آخر السعاة): أفضل ممثل وأفضل سيناريو

اختتمت مؤخرا، في العاصمة الفنلندية، هلسنكي، أعمال النسخة الاولى من مهرجان هلسنكي للأفلام العربية، والذي أستمر للأيام 12 ـ 16 كانون الاول/ ديسمبر الجاري. أقيم الافتتاح على قاعة مقر الاتحاد الأوربي، وسط العاصمة هلسنكي، بحضور سفراء دول المغرب، مصر وفلسطين، وكذلك وزير الخارجية الفنلندي الأسبق إركي توميويا (الحزب الديمقراطي الاجتماعي الفنلندي) وجمهرة من الفنانين والكتاب العرب والفنلنديين منهم الفنانة الفنلندية النجمة بيهلا فيتالا.

في كلمة افتتاح المهرجان، التي رحب بها بالضيوف، أكد رئيس المهرجان، الصحفي والناشط الثقافي ورجل الاعمال عازر سواريز (مصر)، بان فريق العمل بذلك جهودا حثيثة، خلال عام كامل، لاستكمال متطلبات النسخة الأولى، التي ربما يشوبها بعض النواقص، لكنها ستفتح الباب امامنا لأجل نسخ قادمة وأفضل، وحيا جهود فريق العمل ومجموعة الشباب المتطوعين، ومجموعة المنظمات الراعية للمهرجان والمانحة للدعم.

الفنان التشكيلي، أمير الخطيب (العراق)، مدير المهرجان، وعضو لجنة تحكيم المهرجان، بين لنا بان فكرة المهرجان نوقشت طويلا لفترات سابقة لازمة الكورونا مع العديد من المثقفين العرب، المقيمين في فنلندا، مثل السيد احمد متولي، الكاتب يوسف أبو الفوز،  المخرج علي الصفو والسيد فيصل الفارس، وإذ أعتذر البعض بسبب انشغالاته،  وتردد البعض وتحمس لها البعض الاخر، فأن فريق العمل الذي تشكل قبل عام، وضمه الى جانب الاعلامية شيماء البطاط (العراق)، السيد عازر سواريز، عضوة المجلس البلدي السيدة فردوس هلال (سوريا)، وعدد من المتطوعين قد ابلى بلاءا حسنا، في تحقيق خطة العمل، بتوفير قاعات العرض، التواصل مع جهات راعية وداعمة، وامور فنية متعددة.803 carnival

يذكر ان أيام المهرجان، شهدت عرض ثلاثة أفلام طويلة، واثنا عشر فيلما قصيرا، جاءت من العراق، مصر، سوريا، السودان والجزائر. أقيمت اغلب العروض على قاعة مركز الخدمات الثقافية شرق العاصمة، وكان الافتتاح والختام على قاعة مقر الاتحاد الأوربي، وسط العاصمة.

السيدة شيماء البطاط، التي واكبت فكرة المهرجان منذ بدايتها، والمسؤولة الإعلامية للمهرجان، وعضو لجنة التحكيم قالت ان فريق العمل اجتهد بالتواصل مع مؤسسات عربية، لها خبرة سابقة في تنظيم المهرجانات، لأجل الاستفادة من خبرتها، هكذا تم الاستعانة والاسترشاد بمؤسسة مسار المصرية، وأيضا باعتبارها من رعاة المهرجان، إضافة الى جانب جمعية ألف خطوة وخطوة للتبادل الثقافي، جمعية الفنانين    المغتربين في أوربا وجمعية شام للصداقة الفنلندية السورية.

الفنان جان بيطار (لبنان)، عضو لجنة التحكيم، قال ان الإمكانيات المادية المتواضعة للمهرجان، حدت من انجاز تغطية إعلامية كما نريد، خصوصا في الاعلام الفنلندي، وأوضح ان قرارات لجنة التحكيم في منح شهادات التكريم اعتمدت المهنية في ذلك. ومن الجدير بالذكر ان المهرجان منح شهادات تقديرية تكريما لبعض الأفلام والفنانين، فمنحت الفنانة السورية آماني والي شهادة أفضل ممثلة، عن دورها في الفيلم الروائي السوري الطويل (عتمة مؤقته)، الذي نال شهادة أفضل فيلم طويل، ومنحت شهادة تقدير لأفضل ممثل للفنان العراقي رائد محسن، عن دوره في الفيلم العراقي الطويل (آخر السعاة)، الذي نال شهادة أفضل سيناريو، ومنحت شهادة أفضل اخراج للفلم القصير ريموت تلفزيون من مصر، وشهادة أفضل سيناريو فلم قصير لفيلم (حزام العفه) من العراق.

السيدة رند العاني، من العراق، التي واكبت أيام المهرجان، أبدت سرورها بالحدث الذي سيساهم في التعريف بجوانب من الثقافة العربية، وتمنت ان النسخة القادمة من المهرجان، تتجاوز النواقص التي ظهرت، اذ بدى وكأنه مهرجان موجه لسكان العاصمة فقط، بينما يفترض ان يكون أكبر من ذلك، وأيضا غاب الاعلام الفنلندي عن مواكبة المهرجان، لهذا كان الجمهور في اغلبه عربيا، ولمست صعوبة عند البعض في الاستدلال على قاعات العرض الأساسية وتعتقد هذا من الأسباب ان ختام المهرجان جاء متواضعا في الحضور.

***

هلسنكي ـ يوسف أبو الفوز

وانشغالات اللغة العربية في مجتمعات الأنترنيت

اجتمع أكاديميون وخبراء أمس السبت 21 دجنبر 2024 بمدرج الندوات التابع للمدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية جامعة القاضي عيضا مراكش، في ضيافة التنسيقية الجهوية للائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية بجهة مراكش، للتداول في إشكاليات بروز طفرة الذكاء الاصطناعي في حياتنا الاجتماعية وعلاقتها بالهوية والثقافة وتأثيراتها العميقة في منظومة اللغة العربية بخاصة، مشكلين بتنوع اختصاصاتهم وتراكم معارفهم، وحدة تكاملية في التفكير والتداول الخطابي، ونباهة الطروحات التي أحاطت بها مداخلاتهم، إن على مستوى المقاربة أو التحليل ومنهج القراءة.

كانت كلمة اللغة العربية السنوية التي دأبت تنسيقية الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية، على اختيار صوت علمي أكاديمي في المجال لإلقائها بالمناسبة، والتي تم إيلاؤها الدكتور عبد الرحمن بودرع أستاذ لسانيات النص وتحليل الخطاب بجامعة عبد المالك السعدي بتطوان، هو مفتتح الندوة كالعادة، خصها الملقي، بموجهات بيانية وبلاغية عميقة، في دلالة أن نحيا باللغة العربية، والاستجابة لمتطلبات العصر والزمان، دون افتقاد للخصوصية اللغوية والهوياتية والثقافية.

وفي هذا الصدد، قدمت ورقات المسؤولين المنظمين، منسقي الندوة، مدير المدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية الأستاذ حسن عياد، ونائب رئيس جامعة القاضي عياض الأستاذ صلاح القرطبي، ورئيسة تنسيقية الائتلاف الأستاذة فوزية رفيق، ومسير الندوة الإعلامي والشاعر مصطفى غلمان، (قدمت) أرضية استشرافية للمعرفة، ساقت من خلالها مجموعة من الأولويات التي تقوم عليها التأثيرات القادمة من تقنيات الذكاء الاصطناعي، التي أضحت مؤثرة بشكل متصاعد في باراديجم التفكير الإنساني، مؤكدين تكوينه الاستراتيجي في أجهزة الاستشعار الذكية والمحتوى الذي ينشئه الإنسان وأدوات المراقبة وسجلات النظام.771 seminar

وشدد المنظمون على أن تقنيات الذكاء الاصطناعي، والتي تقوم بتحليل البيانات واستخدامها لمساعدة العمليات العلمية والأكاديمية والإبداع والتوثيق بفعالية. على سبيل المثال، يمكن لتقنية الذكاء الاصطناعي الاستجابة لتسويق المنتوج الاستيهامي لهذا الذكاء، وتقديم اقتراحات ذكية للتحليلات والمعلومات المتنوعة، وهو ما يعزز عصر السرعة والتنوير والتثاقف وغير ذلك.

وعرج المتحدثون لمناطق استفراد الذكاء الاصطناعي بالهوية والثقافة الخاصين، داعين إلى إيجاد روافد تأصيلية ونوافذ علمية لاستشعار قدرتنا على المواجهة والنقد والتنويع المعلوماتي.

موضوع "التعليم في زمن الذكاء الاصطناعي" كانت أول مداخلة للأستاذ ادريس لكريني أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق بمراكش، مبرزا أن هذه التكنولوجيات الناشئة، ارتقت لإدارة العقل الجديد لمنظومة التربية والتعليم، مستثمرة تفوقها التكنولوجي الهائل لتشكيل طفرة التأثير والفعالية والجودة المأمولة، ومحققة واجهة قوية في وحدة "أهداف التنمية المستدامة".

ودعا لكريني، في هذا المضمار، إلى وضع خطط دقيقة لتحصين الإجراءات السياسية والتدبيرية على مستوى النظام وكيفية وضع الاستراتيجيات لدعم التعليم المعزز بتقنيات الذكاء الاصطناعي، وذلك عبر إتاحة الأدوات المدعومة بالذكاء الاصطناعي وإمكانية الوصول إلى التعلم للراغبين في ذلك.

وتطرق الدكتور لكريني لعملية تعليم الذكاء الاصطناعي، الذي تفرضه الضرورة في المرحلة الراهنة، وذلك من أجل تحويل المعرفة المتعلقة بالذكاء الاصطناعي من المعامل إلى السوق وعامة الناس. وهو ما سيؤثر في السوق ومتطلباتها البشرية والكفاءاتية، وهو ما أشار إليه من أن الذكاء الاصطناعي اضحى يلامس جميع القطاعات في وقت واحد.

وفي عرض مشترك، ألقاء كل من الأستاذ أنس أبو الكلام خبير السيبرانيات والبرمجة المعلوماتية، والأستاذ نوال اليتيم أستاذة التعليم العالي بآسفي، حول " تأثير الذكاء الاصطناعي على تطوير العلوم وخدمة اللغة العربية"، ارتأى المحاضران، أن التفوق التكنولوجي أمر حاسم في السياق العالم ياليوم. وأن الاختيار بين التكنولوجيا والعوم عكس التيار انتحار كلاسيكي، مذكرين بالسيرورة العلمية الت يتواكب وتستشرف وتحصن أيضا.

وقال أبو الكلام، بهذا الخصوص، إن علم البرمجيات في الحاسوب الآن، يتفوق بمنظار كوسموبوليتي (المواطنة العالمية)، حيث تزدهر التفوقات والنجاحات على أساس معرفي خالص، تستقي معظم شيفراته من الذكاء الاصطناعي. وأورد بهذا الخصوص جملة من النماذج، كترتيب العمل لآلات الإنتاج الخاصة، أو موظفي الإنتاج بأكثر الطرق نجاعة وفعالية، يمكن للذكاء الاصطناعي هنا، فحص بيانات الإنتاج الخاصة، واستخلاص النتائج بناءً على أي ترتيب وعلى أي الآلات من الأفضل إنتاج أي منتج. كما يمكن أن يصنع الذكاء الاصطناعي أيضًا أن يستشعر مجموعة من تنبؤات حول اختراقات الإنتاج وما تعتوره من مضان وهفوات مثلا.

وقال أبو الكلام، إنه في المحصلة، يزدحم العالم بالصناعات الثقافية ويتراكم بالمعارف ويلتقي بمجالات متعددة، غير منتبه لما يحيط كل هذه العلائق والارتهانات بقدرات الإنسان على المواجهة. وهو ما أشار إليه عند حديثه عن الذكاء الاصطناعي (AI) وهو يشحذ آلياته الخارقة لتحديد إجابات الأسئلة بشكل مستقل بناءً على المواد المقدمة إليه.

الباحثة الأستاذة نوال اليتيم، ساقت مجموعة من الارتهانات التي تقوم عليها أبعاد تأثير الذكاء الاصطناعي على العقل الإنساني، مستحضرة ما يغيَّره الذكاء الاصطناعي، في حياتنا العملية، وما تتأثر به علاقاتنا، دون المساس بواجب توفير الكفاءة والابتكار.

وقالت اليتيم إن التطبيقات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي، تلبي مجموعة متنوعة من احتياجاتنا سواء كان ذلك في مهام العمل لتحسين الإنتاجية، أو في التعلُم والمساعدة في الحياة الشخصية. لكنها تضيف المتحدثة، تحتاج لتوجيه واعتبارية بيداغوجية ونفسية، تعالج توجساتنا ومخاوفنا خيفة تقلبات النوعية والأهداف.

ودعت اليتيم من خلال هذه الثنائية المفارقة، إلى تحقيق استقلالية تكنولوجية، تنماز عن كونية "العولمة" وتشعباتها وأنماط حضورها في المشاع العام، لتكون محصنة للناشئة، ومدبرة لجزء هام من معالجاتنا لملفات كبيرة في الاقتصاد والتدبير والاستثمار والتعليم والخدمات الاجتماعية وغيرها.

تدخل آخر حول "الذكاء الاصطناعي والتعلم العميق" للأستاذة سناء الزعيم، الحقوقية والأستاذة بمعهد مهن التمريض بمراكش، تناول مفهوم الذكاء الاصطناعي، بما هو تعلّم عميق، يُعلِّم أجهزة الكمبيوتر معالجة البيانات بطريقة مستوحاة من الدماغ البشري.

وأشارت المتحدثة نفسها، إلى نماذج التعلم العميق، المبنية على أنماط البيانات المعقدة مثل الصور والنصوص والأصوات لإنتاج رؤى وتنبؤات دقيقة، وهو ما يحيل تقول الزعيم، إلى بروز طفرات الشبكة العصبونية، التي هي التكنولوجيا الأساسية في التعلّم العميق.

من خلال ذلك، أبرزت ذات المحاضرة، أن التعلم العميق هو ما يدفع العديد من تقنيات الذكاء الاصطناعي (AI) التي يمكنها تحسين الأتمتة والمهام التحليلية، حيث يواجه المدبرون التعلم العميق كل يوم عند استعراض الإنترنت أو استخدام الهواتف المحمولة. كما يستخدم التعلم العميق لإنشاء التسميات التوضيحية وإجراء التعرّف على الكلام على الهواتف والسماعات الذكية، وتوفير التعرف على الوجه للصور الفوتوغرافية.

ونظرًا لأن علماء البيانات والباحثين يعالجون مشروعات التعلم العميقة الأكثر تعقيدًا - وهي أطر التعلم العميق - فإن هذا النوع من الذكاء الاصطناعي لن يصبح سوى جزء أكبر من حياتنا اليومية.

الأستاذ أحمد الشهبوني، الخبير المؤسس لمركز تنمية تانسيفت، قام بتأطير معالم ظهور الذكاء الاصطناعي كرونولوجيا، مستوحيا تدخله انطلاقا من حاجة القوات العظمى للطفرة الصناعية السياسية والعسكرية، ومسجلا، أن الحاجة في طيها نعمة، خصوصا في عالمنا الثالث.

واستظهر الشهبوني بعضا من إيجابيات وسلبيات الذكاء الاصطناعي، متناولا بالتحليل والقراءة، مظاهر العلاقة بين الذكاء الاصطناعي واللغة العربية، مع التذكير بتفوق التكونولوجيا وعالم الترجمة في هذا الصدد، وتنويع رؤيتنا لهذه التقنيات الجديدة على حياتنا، للتطور والتنمية.

وأكد بهذا الخصوص، أن العالم اليوم يتغير بسرعة، وتغيرنا معه رهين بقابليتنا على نحو لا يتصادى مع جهور أهداف الذكاء الاصطناعي، خصوصا في مجالات تشكل عصب الرهان على الإنماء والنجاح، في مجالات كالتعليم والعلوم والاقتصاد والتدبير والاستثمار..

مجال العدالة والقضاء لم يخرج عن النقاش، فقد أدار دفته الحقوقي والمحامي أحمد أبادرين رئيس لجنة حقوق الإنسان سابقا. قدم مقاربة علائقية مليئة بأسئلة الانتظار والتراكم الزمني. مقتفيا أثر العالم الرقمي وعلاقته بالمحاكم المغربية، نابشا في أولى تجارب روادها عبر مراحل متعددة.

وساق أبادرين، نماذج من حصول تعقيدات ترتبط بالتكوين والتأهيل، واستشراف أفق التدبير بهذا الميكانيزم، الذي اعتبره مرحلة لاشية فيها، وأنها بحاجة إلى ممارسة صيرورية وصبر متواصل.

وطالب أبادرين بإعمال العقل في اختيار البرامج المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، وليس الممارسة السياسية المبنية على المصالح، خصوصا في مجال تتكرس فيها الصفقات مع شركات غايتها المالية التحصيلية أهم من جودة المرفق وأهداف رؤية المدبرين.

نشير إلى أن الندوة شهدت نقاشا عاليا نوعيا عززته تنويعات التدخلات، التي رمزت في اختلافها إلى ملامسة الإشكاليات المطروحة، على جميع المستويات، منبهة إلى أن كونية (أو عولمية) الذكاء الاصطناعي لا تنفي الاهتمام بالهوية والثقافة الوطنيين، وأن الارتماء في أحضان الذكاء الاصطناعي بشكل كامل هو مغامرة وتقاطع مع الخصيصات التاريخية والحضارية والقيمية لبلادنا، داعين إلى الارتباط بالعصر والتطور قدر الارتباط بالأخلاق والمجتمع وأنماط العيش والتاريخ المشترك للجماعة.

***

مراكش/ خاص:

منح رئيس مجموعة الاعلام المستقل الاستاذ سعد البزاز قلادة الابداع للمفكر والباحث العراقي عبد الحسين شعبان، تكريماً لجهده الفكري في خدمة الثقافة العراقية وتأسيس منهج يتسم بالعمق والاعتدال، وتقديرا لمجهوداته البحثية واسهاماته في تنشيط الذاكرة العربية والعراقية، ووصف البزاز، المفكر شعبان بأنه (يستحق التكريم والاشادة لانه صبور وعراقي مخلص ومبدع جدير بالتقدير). واستمر شعبان في انجازه الثقافي قرابة نصف قرن من تاريخ العراق الحديث ليتوج مسيرته بقلادة الابداع، بناء على قرار من هيئة منح القلادة.

وجرت في اربيل مراسم منح القلادة لشعبان، وسط حضور ثقافي واكاديمي واعلامي تشهده قاعة مجلة كردستان كرونيكل باللغة العربية. واناب البزاز، رئيس تحرير جريدة (الزمان) طبعة العراق احمد عبد المجيد في تقليد شعبان، ليكرم من خلاله حملة راية الفكر والثقافة في العراق. ويمنح البزاز قلادة الابداع للمبدعين والمبتكرين في مجالات العلوم والثقافة والصحافة والخدمة العامة والعلوم. وتم سكها للمرة الاولى عام 2011 وتمنح منذ اكثر من 14 عاماً للرواد في مجالات المعرفة والفنون والاداب والعمل التطوعي والثقافة. ومواصفات القلادة هي: الوجه الاول دونت عليه العبارة التالية: (تمنح هذه القلادة لكبار المبدعين والمبدعات في العراق). وعلى الوجه الثاني نقرأ (يقدم سعد البزاز هذه القلادة اعترافا بابداع كبار الادباء والفنانين والعلماء وتخليدا لمكانتهم في المجتمع. وسكت من الذهب الخالص عيار 22 في العام الميلادي 2011 الموافق العام الهجري 1432 واعلن عن تقليدها للمبدعين مع ما يترتب عنها من التزامات مادية ومعنوية. كما اقامت مؤسسة الشاعرة الكويتية سعاد الصباح بالتعاون مع مؤسسة كردستان كرونيــــكل حفلا تكريميا بالمناسبة بحضور حشد من النخب الفكرية والاكاديمية والدبلوماسية العراقية والعربية، تضمن جلسة افــــــــتتاحية تلقى خلالها كلمة الشاعرة الصباح مع عرض فيـــلم بعنــوان عبد الحسين شعبان الرجل الذي لم يفقد بوصلته من سيناريو واعداد الصحفية اللبنانية كوزيت كرم الاندري واخراج رشيد مارون)،  لجلسة شهدت سلسلة كلمات القاها كل من وزير الداخلية الاردني الأسبق أمين عام مجموعة السلام العربي سمير حباشنة، ووزيرة الخارجية السودانية السابقة مريم الصادق المهدي، ووكيل وزارة الثقافة العراقية نوفل ابو رغيف، والخبير الدولي مؤسس المركز العربي لتطوير حكم القانون والنزاهة وسيم الخوري حرب، والمهندس الخبير في الاقتصاد حامد الحمود العجلان، فضلاً عن كلمة رئيس مؤسسة كردستان كرونيكل بوتان تحسين

الدكتور عبد الحسين عبد العزيز شعبان وُلدَ في محلة عكد السلام بمدينة النجف عام 1945ونشأ فيها، ثم تخرّج في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة بغداد، له شهادة دكتوراه في العلوم القانونية، ذو خبرة في مجال حقوق الإنسان والقانون الدولي وكتابة الدساتير، وله أكثر من 60 كتاباً كما له مقالات وأبحاث، وهو أستاذ في جامعتي بغداد وصلاح الدين. أكاديميّ ومفكّر وكاتب، له مساهمات متميّزة في إطار التجديد والتنوير والحداثة والثقافة والنقد. هو نائب رئيس جامعة اللاعنف (أونور). انشغل منذ وقت مبكّر في قضايا المجتمع المدنيّ والأديان، والدساتير والقوانين الدوليّة، بما فيها النزاعات والحروب ومسائل التسامح واللاّعنف، ويعدّ من الجيل الثاني للمجدّدين العراقيّين. حائز على جائزة أبرز مناضل لحقوق الإنسان في العالم العربيّ.

***

تقرير: نهاد الحديثي

احتضن فضاء المقهى الأدبي للجمعية الإسماعيلية الكبرى بالمركب الثقافي سينما الريف سابقا حفلا متميزا تعلق بتوقيع ديوان أغاني الإمامي للشاعر والكاتب المهندس محمد الإمامي وذلك يوم السبت 14 دجنبر 2024 ابتداء من الساعة الثالثة بعد الزوال.

استهل هذا النشاط ـ بعد تلاوة كريمة لآيات بينات من الذكر الحكيم وبعد أداء النشيد الوطني ـ بكلمة شكر وتوجيه لرئيسة جمعية عبق الخريف الشاعرة لطيفة السليماني الغراس وكلمة الشاعر المحتفى به ليسترسل الحفل في تقديم فقراته من خلال برنامج محكم.

 تميز الحفل بثلاث مداخلات تفضل بإلقائها كل من الناقد والباحث الأستاذ محمد بوحاشي الذي كذلك لعب دور المسير بكفاءة بينة والناقد والباحث الأستاذ جمال عبد الدين المرزوقي والكاتبة الناقدة السيدة فاطمة ميراث.

مداخلة الأستاذ محمد بوحاشي:

في قراءته لديوان أغاني الإمامي للأديب الأستاذ محمد الإمامي الموسومة ب «شعر يتغنى بالقيم الجمالية والأخلاقية رؤية تربوية" بدأ الأستاذ محمد بوحاشي بمدخل تعريفي للديوان من حيث الحجم وعدد القصائد والإهداء وغيرها بعدها تحدث عن الرؤية الفنية التي تنبسط في الديوان تحت سؤال ضمني ملحاح ألا وهو تقدم الغير وتخلف الذات ليصل إلى أن الاستسلام و(التشيؤ) لا يتعايشان مع الحرية والكرامة والعدالة وهذا بالضبط ما تعرضت إليه قصائد الشاعر في أغلبها. ترك الأستاذ زاوية خاصة انفردت بالتطرق لأوزان بعض القصائد.959 emami

مداخلة الأستاذ جمال عبد الدين المرزوقي:

عنون الأستاذ جمال مداخلته كالتالي: "الغنائية بين الامتاع اللفظي والغنى الدلالي في ديوان أغاني الإمامي للشاعر المبدع محمد الإمامي"، من خلال هذه المداخلة تعرض الأستاذ الناقد إلى محورين اثنين: المحور الأول تعلق بدراسة العتبات من العنوان إلى صفحة الغلاف الأخيرة مرورا بصفحة الغلاف الأولى أي الواجهة وخصص المحور الثاني لشعرية الوزن ورمزية الثيمات وبلاغة الدلالات وفي هذا الإطار تحدث الأستاذ جمال على عدة ثيمات احتواها الديوان وهي الحب الإلهي، حب الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، حب الأهل، حب المجتمع والغيرة عليه، حب الطبيعة، حب الوطن والعروبة ثم التسامح الديني بين الأديان.

أشار الأستاذ جمال إلى أن إبداع الإمامي في مجمله ينصب على حبه لمدينة مكناس.

 تعرض الأستاذ جمال في مقدمة مداخلته إلى مظهر تجديدي في ديوان الشعر ارتبط بتوظيف التقنية الرقمية بحيث جعل من الممكن للمتلقي أن يلج إلى القصائد من خلال رابط رقمي يرافق كل قصيدة على حدة.

مداخلة الأستاذة فاطمة ميراث:

أما الأستاذة فاطمة ميراث وتحت عنوان "الشعر الغنائي في خدمة القيم الإنسانية ركزت في بداية مداخلتها على العنوان لكونه يحمل أغاني الإمامي وتطرقت لعلاقة الغناء بوحي العصر والايديولوجيا القائمة والممكنة وحاولت مقاربة القصيدة من خلال بعدها الغنائي ومن خلال لغة الهمس بعلاقتها مع الشاعر وطافت بنا حول عالم الصوفية عربيا إسلاميا سنيا وشيعيا لتحط الرحال عند النزعة الصوفية مع الشاعر محمد الإمامي؛ وانتقلت بعد ذلك إلى معالجة علاقة الفن بالمجتمع بشكل عام ولدى شاعرنا بشكل خاص.

تخللت تلك المداخلات قراءات للشاعر المحتفى به من ديوان أغاني الإمامي وما أضفى جمالية منقطعة النظير على تلك القراءات هو أداؤها مغناة من طرف الفنانة المقتدرة سلمى تهنون حيث أتحفت الحضور بقطعتين من تلحين الفنان عبد العزيز بن شقرون نالتا استحسانا كبيرا وتصفيقا من القاعة وما زاد للحفل رونقا المرافقة الموسيقية للفنان العازف حليم غالي.

تجدر الإشارة هنا أن الحفل عرف تقديم شواهد تقديرية مع تبادل الهدايا والورود واختتم بحفلة شاي على شرف الحضور الكريم.

***

في إطار سلسلة الندوات العلمية التفاعلية المتواصلة التي يقدمها مركز اجتهاد للدراسات والتكوين في بلجيكا، نظم المركز ندوته التفاعلية الرابعة؛ تحت عنوان: "الإسلام والمسلمون في السياق الفرنسي: الجذور والامتداد التاريخي" وذلك يوم السبت 07 ديسمبر 2024، على الساعة السادسة 18:00 بتوقيت أوروبا، عبر تقنية التحاضر عن بعد، وبمشاركة مجموعة من الباحثين والخبراء، وهم على التوالي: الدكتور موسى مرغيش، مؤسسة رهانات في ليل-فرنسا، والدكتور يوسف نويوار، المدرسة العليا للأساتذة مرتيل-المغرب، أستاذ وباحث بجامعة بول فاليري مونبيلي-فرنسا سابقا، والدكتور بدران بن لحسن، مركز ابن خلدون للعلوم الإنسانية والاجتماعية-جامعة قطر، وبتسيير الأستاذة صابرين البقالي، مركز اجتهاد للدراسات والتكوين في بلجيكا، بالإضافة إلى كلمة رئيس مركز اجتهاد الدكتور بولعوالي التجاني بخصوص الندوة وما استجد من أنشطة ومبادرات.

افتتحت الندوة بمداخلة الدكتور موسى مرغيش والتي كانت تحت عنوان: "مرتكزات فهم الحضور الإسلامي في فرنسا" عالج فيها مجموعة من المداخل التي تفيد في تحديد نسق دراسة الإسلام والمسلمين وحضورهم في فرنسا، وقبل الحديث عن تلك المداخل أكد على أن دراسة المسلمين في فرنسا تحتاج إلى الجدية والإلمام والإحاطة والصرامة، وأيضا إلى فهم واستيعاب السياقات التاريخية المزامنة لها.

وقد أجمل الدكتور مرغيش مداخلته في ثلاثة مداخل أساسية: الأول: معضلة الدين في التاريخ الفرنسي؛ الثاني: جهود فرنسا في التعرف على الإسلام والمجتمعات الإسلامية، مؤكدا على أن لقاء فرنسا بالإسلام ليس جديدا وإنما هو موغل في القدم، بدءا بلقاء شارلمان مع هارون الرشيد، وعبر مراحل عديدة إلى يومنا الحاضر، مرورا بالتجربة الاستعمارية للبلدان الإسلامية؛ ثم المدخل الثالث: المسلمون في فرنسا عوائق القبول والاستساغة؛ مسلطا الضوء على عدم وجود قانون للأقليات الدينية والإثنية في فرنسا أو ما يسمى بحق الأقليات الدينية، ومعتبرا نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين زمن النهضة الإسلامية في فرنسا. ثم ختم مداخلته بالإشارة إلى وجود ثلاثة تيارات كبرى ساهمت في تكوين صورة الإسلام في فرنسا: التيار الرومنسي، وتيار الإسلاموفيل في مقابل تيار الإسلاموفوبيا.

وفي المداخلة الثانية والتي تحمل عنوان: "مأسسة الإسلام في فرنسا" بدأ الدكتور يوسف نويوار بسرد السياق التاريخي القريب لوجود الإسلام والمسلمين في فرنسا منذ السبعينات إلى يومنا هذا، وقد طرح مجموعة من الأسئلة التي حاول الإجابة عنها من خلال مداخلته ومن أهمها: من هم مسلمو فرنسا؟ وهل يمكن الحديث عن أقلية مسلمة منسجمة؟ كيف استطاع المسلمون إثبات حضورهم في فرنسا؟ كيف تفاعلت الحكومة المركزية بباريس مع هذا الحضور؟ ما هي الهيئات والمنظمات التي تمثل المسلمين أمام إدارات الدولة في فرنسا؟ وقد أجمل إجاباته في قوله: "من الهجرة الذكورية إلى التجمع العائلي"، حيث كانت المطالب أول الأمر تنحصر في إنشاء المساجد، وتعليم الدين الإسلامي للأجيال الجديدة، ولكنها تطورت فيما بعد إلى فرض للوجود الإسلامي في المجتمع الفرنسي.

واختتم الدكتور نويوار مداخلته بالحديث عن أن الحضور الإسلامي في فرنسا كان عن طريق ديناميتين: أفقية تتعلق بالحاجيات والمطالب الدينية والثقافة التي طالبوا بها منذ السبعينات، وعمودية تتعلق بالتدبير السياسي للحضور الإسلامي من طرف الحكومة الفرنسية والمنتخبين والمجتمع المدني وكذا دولهم الأصلية.

وجاءت مداخلة الدكتور بدران بن لحسن تحت عنوان: "نقد مالك بن نبي للظاهرة الاستعمارية مع التركيز على مسار الاستعمار الفرنسي في الجزائر وآثاره على الثقافة والمجتمع" حيث قارب الموضوع من منظور مالك بن نبي وآرائه في تناوله للاستعمار الفرنسي، مقدما بذلك قراءة مهمة لفهم اللقاء الحضاري الذي تم بين المسلمين والأوروبيين عموما والفرنسيين على وجه الخصوص وهو الاستعمار، مستعينا بنظرية القابلية للاستعمار عند ابن نبي أو تبعية الغالب للمغلوب عند ابن خلدون.

كما أشار إلى الشعارات التي استخدمها الغرب لشرعنة استعمار الشعوب، مثل ما يسمى بـــ"عبء الرجل الأبيض" أي عبء تنوير الهمج والبيدائيين من شعوب المستعمرات الخاصة بهم الذي يقع على عاتق الرجل الأبيض المتفوق على بقية أعراق العالم بزعمهم، وإلى أن للاستعمار آليات خاصة تعامل بها مع المستعمرات، منها ما يتعلق بالنظام الاقتصادي، وفرض المعايير الغربية على الآخرين، وخلق الانقسامات بين الشعوب، وأنه عند تنزيل هذه الآليات على الحالة الجزائرية بالذات أدت إلى ظهور أربع نتائج جلية، وهي التنصير، والفرنسة، والتجهيل، والإفقار. 

وختم الدكتور التجاني بولعوالي، رئيس مركز اجتهاد ورئيس تحرير مجلة اجتهاد للدراسات الإسلامية والعربية في أوروبا، اللقاء بالتأكيد على أن هذه الندوات تدخل ضمن مشروع كبير رغم شح الإمكانيات، وهي ندوات تأسيسية لما سيأتي بعدها من الندوات والمحاضرات، وستليها ندوة خامسة هذا الشهر -بإذن الله- حول السياق الفرنسي كذلك، وفي بداية العام الجديد ندوة أخرى حول سياق أوروبي آخر، وقد يتم بعد ذلك الانتقال إلى سياقات أخرى خارج السياق الأوروبي كالسياق الأمريكي والكندي وغيرهما، ثم إلى مناقشة قضايا عامة تهم المسلمين في الغرب، وقد عبر عن تطلعه لجمع هذه السياقات المختلفة في كراسات خاصة تنشر لاحقا. ثم أشاد بمجلة "اجتهاد" باعتبارها المجلة الدورية العلمية الأوروبية الأولى ذات المرجعية الإسلامية المتخصصة في دراسة الإسلام في أوروبا من منظور إسلامي داخلي.

وفي الختام، تم فتح باب النقاش للمتابعين من طلبة وباحثين وخبراء ومهتمين، والذين أثروا الندوة بجملة من الأسئلة والمداخلات، تناولت أهم جوانب جذور الوجود الإسلامي في فرنسا وامتداه التاريخي.

***

تقرير: أشرف لعروصي

 

لا يسعني إلا أن أسجل إعجابي واندهاشي من النشاط المكثف لوزير الثقافة الدكتور أحمد فؤاد هنو منذ تولَّي مسئولية تلك الوزارة المثقلة بالأعباء، والتي ورثَت عهوداً من الركود والتيبس فإذا به قد جاء وفي نيته أن يحيي مواتها، ويعيد جريان ما جف من نهرها..

 فكم من معارض للكتاب خارج الحدود شرفها بالحضور، وكم من فعاليات داخل الحدود أجراها وافتتحها، وكم من ضيوف أجانب استقبلهم، فى إطار العمل الثقافي المشترك مع مختلف دول العالم.

 غير أنه لم ينسَ الصعيد وسط انشغالاته المتعددة. هذه المرة يفتتح (المؤتمر العام لأدباء مصر) فى دورته السادسة والثلاثين بعروس الصعيد محافظة المنيا فى جامعة المنيا.

 عندما دُعيت لحضور هذا المؤتمر، على الفور تذكرت مشاركتي فيه بدورات سابقة بالتسعينيات؛ بصحبة صبري موسي وعبد الله الطوخي وسمير عبدالباقي وعبد الرحمن أبو  عوف، وكثير من أدباء مصر الرائعين. وكم أسعدني أن تقام دورة هذا العام بالمحافظة التي شهدت مولدي ونشأتي الأولي، هكذا تسنح الفرصة لاستعادة ذكرياتي الخاصة والعامة فى ملتقي أدبي واحد يضم أحبائي وأصدقائي القدامَي، مع شهود فعاليات الثقافة فى ثوبها الجديد، برعاية وزارة الثقافة وعلى رأسها الوزير النشيط الرائع د. أحمد فؤاد هنو..

 (مؤتمر الأدباء السادس والثلاثون) تنظمه الهيئة العامة لقصور الثقافة، بإشراف الكاتب محمد ناصف، نائب رئيس الهيئة، تحت عنوان: (أدب الانتصار والأمن الثقافي. خمسون عاماً من العبور)، وينعقد برئاسة الفنان الدكتور أحمد نوار، ومعه الشاعر ياسر خليل أميناً عاماً للمؤتمر.

 اليوم الأول شهد عرضاً فنياً افتتاحياً بعنوان: (منيا الخصيب. عروس النيل)، ثم فيلم وثائقي عن المؤتمر العام لأدباء مصر. وألقي كلمة الافتتاح الدكتور أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة، ثم  محافظ المنيا: اللواء عماد كدواني. فكلمة رئيس جامعة المنيا الدكتور عصام فرحات. ثم تتابعت كلمات رعاة المؤتمر من هيئة قصور الثقافة: الكاتب محمد ناصف، والدكتور أحمد نوار، والشاعر ياسر خليل. كما شهد حفل الافتتاح عرضاً فنياً لفرقة ملوي للفنون الشعبية، من تقديم الكاتبة الدكتورة صفاء النجار، ومن إخراج أسامة عبد الرؤوف.

 يوم الإثنين هو اليوم الثاني للمؤتمر، حيث بدأت فعالياته منذ العاشرة صباحاً؛ مع انعقاد الجلسة البحثية الأولي بعنوان: (الأمن الثقافي ومكتسبات أكتوبر). والتي تم خلالها بحث عدة قضايا: كقضية الأمن الثقافي بين الوطنية الواقعية والافتراضية، والفكاهة الشعبية السياسية خلال فترة حرب أكتوبر وعلاقتها بالأمن الثقافي، وأثر الثقافة فى هوية الحدود وأمنها من خلال قراءة لسيميائية الثقافة.

 بالتوازي مع الجلسة البحثية، انعقدت المائدة المستديرة الأولي بعنوان: (طه حسين، العبور بالبصيرة). بمشاركة لفيف من الأدباء والمفكرين، وبحضور عدد من المراسلين والصحفيين لنقل فعاليات المؤتمر فى يومه الثاني.

 اليوم الثالث للمؤتمر، يوم الثلاثاء، الموافق 26 نوفمبر. فقد شهد جلسات بحثية مكثفة حول حرب أكتوبر، وناقشت "كتابات من واقع حرب 73". والتي ضمت طائفة من الرسائل والشهادات الواقعية والسير الذاتية لعدد ممن شاركوا فى حرب أكتوبر المجيدة. بحثاً عن مخرجات قيمية من واقع روايات المعركة.

 وجاء ختام المؤتمر صبيحة يوم الأربعاء 27 نوفمبر. حيث بدأت فعاليات الحفل الختامي فى التاسعة والنصف صباحاً، وتضمنت الجلسة الختامية للمؤتمر، وإعلان التوصيات. هذا ويجدر الذكر أن مؤتمر هذا العام صدر عنه عدداً من المطبوعات المتعلقة بموضوعه وفعالياته، وهي تشمل:

- كتاب أبحاث المؤتمر

- المكرمون من الأدباء

- كتاب بحثي عن المنيا، البلد المضيف

- كتاب عن إبداعات أبناء محافظة المنيا

- كتاب عن ذاكرة النشر الإقليمي.

كم يشرفني أن أكون جزءاً فاعلاً فى هذا المؤتمر العريق ذي الرسالة الممتدة عبر تاريخه مؤكدةً أن مصر لا تعدم المبدعين والأدباء والمؤثرين والمفكرين فى كل عصورها، وأن حركة الثقافة جزء لا يتجزأ من نشاطها الإبداعي الراقي الباقي عبر الأزمان. أحب أن أشير إلي أن فعاليات المؤتمر في عروس الصعيد، شهدت تنظيما وحضورا على أفضل ما يكون، كما هو دأب محافظة المنيا، ممثلةً فى محافظها اللواء عماد كدواني، ورئيس جامعتها الدكتور عصام فرحات. وإني أدعو كل مشارك من الحاضرين والمدعوين للمؤتمر ألا يألوا جهداً لزيارة المعالم السياحية فى المنيا، وأؤكد لهم أنهم سيستمتعون بتلك الجولة أيما استمتاع..

 فمحافظة المنيا زاخرة بمعالمها السياحية التي يأتي إليها الأجانب خصيصاً من كل حدب وصوب. تكفي زيارة لتل العمارنة مكمن مملكة الشمس على عهد إخناتون وزوجته نفرتيتي. ولو واتتهم الفرصة فليزوروا آثار البهنسا وجبل الطير ومقابر بني حسن المنحوتة فى الصخر. ناهيك عن الآثار اليونانية والرومانية وآثار تونة الجبل، سراديب تحوت، ولوحة الحدود، والساقية الرومانية.

 ليس من المستحيل، وإن كان الأمر به بعض مشقة، أن يزوروا آثار الأشمونين، أو بني مزار. فهناك قصور من العهد المملوكي والعثمانلي لا تزال محتفظة برونقها البهي: كقصر فورتنييه، وقصر الشريعي، والقصر الذي عاش فيه الشيخ مصطفي عبد الرازق ابن محافظة المنيا.

 تلك فرصة لا تتكرر لمثقفي مصر أن يشاهدوا فى محافظة المنيا ما لم يشاهدوه، ويتعرفوا على بقعة من بقاع مصر، تكاد تكون كتاباً حياً لتاريخها العريق.

***

د. عبد السلام فاروق

 

العراق في القلوب محفوظ وفي الدم يسري مهما بعدتنا المسافات وعبرنا محيطات لا تفصلنا عنه، ويبقى شامخا عبر العصور وتاريخه ينبض بكل مكوناته واطيافه يجتمعون بمحبة، والاخوة تجمعهم في بلدان المهجر ليظهروا للعالم عمق حضاراتهم واصالتهم وان العراق يجمعهم من الشمال الى الجنوب.577 carnivalفي يوم الاحد المصادف 10/11/2024 تجمع العراقيون بمختلف طوائفهم ومذاهبهم في مهرجان كبير اقيم بمدينه ليفربول بسدني، حضر المهرجان عدد من الوزراء واعضاء البرلمان ومؤسسات حكومية ومدنيه والقنصل العراقي وجمع غفير من ابناء الجالية العراقية، العربية واسترالية، اثنوا بكلماتهم التي القوها عن الجالية العراقية واندماجها في المجتمع الاسترالي.578 carnivalومن ضمن فعاليات المهرجان سوق مصغر لاصحاب الاعمال الحرة وعرض للكتب ولوحات فنية لرسامين شباب وشركات للترويج عن بضاعتهم المختلفة.
شاركت رابطة المرأة المندائية مشاركة فعالة في التنسيق والاعداد من قبل السيدة صبا الخميسي رئيسة الرابطة والسيدة نضال عامر مسؤولة العلاقات والاعلام وكانت المشاركة بعرض تراثي للجنوب العراقي والمشاركة بدبكة مندائية تم شرحها ومدلولها للحاضرين كما تم توزيع حلوى التمر مع السمسم (الفل) لاهميتها في الدين المندائي للمسؤولين والحاضرين مما نالت اعجابهم.كما تم عرض عربة من الحضارة الاكدية، ودبكة كلدانية، وعرض ازياء ايزيدية.
تمتع الجميع بهذا المهرجان الرائع والمميز وقد تمت تغطيته من قبل قناة العراقية الفضائية، قناة SBS العربية، قناة سواقي كروب للاعلام وصحيفة العهد.579 carnival
الف شكرا للاستاذ ليث العبودي المنظم والداعم للمهرجان، ومن الجمعيات التي شاركت غرفة التجارة والصناعة العراقية في سدني، رابطة المرأة المندائية في استراليا، صحيفة العهد، البيت المندائي في استراليا، البيت العراقي الاسترالي، جمعية بلاد مابين النهرين الاجتماعية، الجمعية العراقية الاسلامية في استراليا، جمعية ربان هرمز القوشية والمجلس الاعلى الايزيدي
مزيدا من التقدم والنجاح مستقبلا بجهود الخيرين من ابناء العراق

***
الاعلامية: نضال عامر - سدني

 

مركز اجتهاد يقارب في ندوته العلمية الثالثة الإسلام في منظور الدراسات الاستشراقية الألمانية
تقرير: صابرين البقالي
***

في إطار فعالياته العلمية المتواصلة، نظم مركز اجتهاد للدراسات والتكوين في بلجيكا ندوته العلمية التفاعلية الثالثة، تحت عنوان: "الإسلام في منظور الدراسات الاستشراقية الألمانية"، وذلك يوم السبت 9 نوفمبر 2024م. شارك فيها مجموعة من الباحثين والخبراء الذين أثروا النقاش وأغنوه، وهم: الدكتور عبد الملك هيباوي رئيس قسم الحوار الحضاري بالمعهد الألماني للحوار والتفاهم -مواطنة- بألمانيا، الدكتور رضوان ضاوي أستاذ بجامعة الرباط الدولية بالمغرب، الدكتور التجاني بولعوالي أستاذ بكلية اللاهوت والدراسات الدينية بجامعة لوفان بلجيكا، وتسيير الدكتور عبد الله عسيري.
استهل الدكتور عبد الله عسيري أشغال الندوة العلمية بكلمة ترحيبية، مقدما نبذة مختصرة عن المتحدثين ومساهماتهم العلمية وموضوعات مداخلاتهم.
وبعد ذلك قدم الدكتور عبد الملك هيباوي مداخلة بعنوان "مراحل تطور الدراسات العربية والإسلامية في ألمانيا" و أصل هذه المحاضرة هو كتابه "الاستشراق الألماني دراسة في النشأة والتطور ومجالات البحث" الذي أصدرته منظمة الإيسيسكو بالرباط، حيث ركزت المداخلة على إشكالية مهمة وهي: كيف نشأت الدراسات العربية والإسلامية في ألمانيا وما المراحل التي مرت بها؟ إذ بدأ بسرد حجم العناية التي أولاها المستشرقين عموما والألمان خصوصا بحضارة الإسلام، وأنه يستوجب على كل باحث عربي مسلم دراسة هذا الانتاج لأنه يعكس نحن الحضاري من خلال أبحاث متنوعة. وركز بعدها على المراحل التاريخية التي مرت بها هذه الدراسات، وهي خمسة مراحل: المرحلة الأولى: مرحلة ارتباط الدراسات العربية بعلم اللاهوت، المرحلة الثانية: المرحلة العلمية؛ أي مرحلة فقه اللغة أو مرحلة الاهتمام باللغة العربية كلغة قائمة بذاتها، المرحلة الثالثة: مرحلة الدراسات التاريخية، المرحلة الرابعة: مرحلة استقلال علم الإسلام بصفته تخصصا، المرحلة الخامسة: مرحلة الاشتغال بالمواضيع الحديثة. وأبرز بعد ذلك أهمية الدراسات الاستشراقية الألمانية وتفردها عن غيرها من المدارس الاستشراقية.
وفي المداخلة الثانية تناول الدكتور التجاني بولعوالي مسألة إنصاف الاستشراق الألماني للإسلام، مستندا إلى تخصصه في الدراسات القرآنية. وقد قدم تحليلا نقديا للمزاعم التي تشكك في نزاهة الدراسات الاستشراقية الألمانية، مؤكدا ضرورة التعامل مع هذه الدراسات بمنطقية وعقلانية.حيث سلط الضوء على التيارات المختلفة التي تقول بأن الاستشراق الألماني قد أنصف الإسلام مقارنة مع الاستشراقات الأخرى، في مقابل الرؤية التي رسخها إدوارد سعيد بأنه استشراق سلبي ولم يقدم شيئا للإسلام والمسلمين، وأكد فضيلته على ضرورة الحديث عن إنصاف المستشرقين أو ثلة منهم للإسلام لا الاستشراق كمنظومة عامة، مؤكدا أنه لا ينبغي علينا أن ننتظر من مستشرق أن يكتب عن الإسلام كما نريد نحن.
وجاءت مداخلة الدكتور رضوان ضاوي للإجابة عن قضية تصحيح المفاهيم خلال العصر الوسيط الإسلامي، انطلاقا من دراسة توماس باور في كتابه "لماذا لم توجد عصور وسطى إسلامية؟ الشرق وتراث العصور العتيقة" الذي ينتقد حضور هذا المصطلح من طرف مستشرقين غربيين، وأيضا استنبات هذا المفهوم لدى الباحثين العرب، إذ بين جدة موضوع هذا الكتاب من خلال أطروحته في أن الآدب العربي في العصر العثماني والمملوكي لم يدرس بصورة جدية، ودراسة سيباستيان غونتر "المدرسة بوصفها مؤسسة للتعليم في العصر الاسلامي الوسيط"، الذي اتخذ شعارا يقول: "وحدها المعرفة تبقى حية بالتعلم وتؤمن السبل إلى الجنة"، وذكر أن سيباستيان في كتاب "المعرفة والتعليم في الإسلام الكلاسيكي" حرر بداية تأسيس المدارس والمصادر العربية. وأكد الدكتور رضوان ضاوي في ختامه أن هناك توجه لانصاف الثقافة الإسلامية والعربية من المستشرقين الألمان، وأن إعادة النظر في مفهوم العصر الوسيط ونقده يتيح إمكانيات كبيرة في إعادة النظر في التراث الإسلامي المخفي في العصر العثماني والفترة المملوكية.
وفي الختام، تم فتح باب النقاش للمتابعين من طلبة وباحثين وخبراء الذين أثروا الندوة بجملة من الأسئلة والمداخلات، تناولت مختلف جوانب الدراسات الاستشراقية الألمانية وآثارها على الدراسات الإسلامية.

 

تقرير: عبده حقي
في عالم الجوائز الأدبية، تعد جائزة بوكر واحدة من أكثر الجوائز المرموقة، ولا يمثل فوز رواية سامانثا هارفي "أوربيتال" لعام 2024 انتصارًا للخيال فحسب، بل إنه أيضًا تأكيد على الأهمية الحيوية لتحفيز حدود الخيال في العالم الحديث. رواية هارفي، التي تتعمق في حياة رواد الفضاء على متن محطة الفضاء الدولية (ISS)، ليست مجرد سرد عن استكشاف الفضاء ولكنها تأمل عميق في الصراعات العاطفية والوجودية للبشرية. لقد تم الترحيب بفوز الرواية، الذي تم الإعلان عنه بموافقة إجماعية من قبل اللجنة، باعتباره تحفة فنية - طموحة وجميلة.
"أوربيتال" أكثر من مجرد مغامرة فضائية بسيطة. قد يبدو للوهلة الأولى أنها رحلة استكشافية لحياة بشرية تطفو في الفضاء الشاسع، لكن تحت هذا تكمن صورة معقدة للعزلة والهوية والنفسية البشرية عندما تكون غير مرتبطة بالأرض. إن قدرة هارفي على صياغة مثل هذه القصة داخل حدود مركبة فضائية تدور حول الأرض هي ما يميز هذه الرواية. إنها قصة مكثفة تستكشف هشاشة الحالة البشرية والتوتر الوجودي بين طبيعتنا الأرضية والاتساع الكوني الذي نحاول التغلب عليه.
وقد انجذبت لجنة تحكيم جائزة بوكر لعام 2024، بقيادة الفنان البارز إدموند دي وال، إلى الفرضية المقنعة للرواية وعمقها العاطفي الغني. وفي تعليقه الذي أعقب الإعلان، أشار دي وال إلى أن رواية أوربيتال هي كتاب سيتردد صداه بعمق في لحظتنا الحالية. وأكد على أهميتها في وقت تواجه فيه البشرية أزمات متعددة على الأرض، من التدهور البيئي إلى الاضطرابات الاجتماعية والسياسية. وتعمل رواية هارفي، بتركيزها على رواد الفضاء المنعزلين عن العالم أدناه، كاستعارة للعزلة والانفصال الذي يشعر به الناس على الأرض. وتُؤطر الحياة اليومية لرواد الفضاء على متن محطة الفضاء الدولية باعتبارها نموذجًا مصغرًا لصراعاتنا الحديثة مع الصحة العقلية والعزلة والبحث عن المعنى في عالم يزداد فوضوية.
تدور أحداث الرواية حول حياة العديد من رواد الفضاء المتمركزين على متن محطة الفضاء الدولية، التي تدور بعيدًا فوق الكوكب. يجد هؤلاء الرواد، الذين يعملون كأفراد وممثلين للبشرية، أنفسهم في مواجهة مفارقة كونهم بعيدين جسديًا عن الأرض بينما يرتبطون بها عاطفيًا. تعمل تجاربهم على متن محطة الفضاء الدولية كمهرب وسجن في نفس الوقت. إن هارفي تبتكر سردًا حيث يصبح الفضاء انعكاسًا عميقًا للمساحات الداخلية لعقول شخصياتها. تتردد هذه الفكرة المتمثلة في الفراغ الخارجي الشاسع الذي يعكس شعورًا داخليًا بالفراغ بعمق لدى القراء في عالم يشعر فيه الكثيرون بالغربة، والإرهاق من الحياة الحديثة، والانفصال عن أسس وجودهم.
إن ما يميز رواية أوربيتال حقاً هو قدرة هارفي على المزج بين العناصر الفنية لاستكشاف الفضاء والعواطف الخام والمؤلمة التي تتسم بها شخصياتها. إن صراعات رواد الفضاء لا تقتصر على التحديات الجسدية التي يفرضها العيش في الفضاء ـ مثل انعدام الجاذبية، والاحتجاز، والغياب الدائم لسماء الليل الصافية ـ بل إنها تشمل أيضاً الأعباء النفسية والعاطفية التي تصاحب البعد الشديد عن وسائل الراحة المألوفة على الأرض. إن رواد الفضاء هؤلاء، من نواح كثيرة، أسرى لعقولهم بقدر ما هم أسرى للمركبة الفضائية التي يسكنونها.
إن الشخصيات الرئيسية في الرواية عميقة التفكير. وتتسم تفاعلاتهم، أو عدم تفاعلهم، بتيار خفي من التوتر والحزن والصدمات التي لم تُحَل. ولا تمثل هذه الشخصيات أفرادًا في الفضاء فحسب، بل تعمل أيضًا كاستعارات للتجربة الإنسانية الواسعة. وتكافح شخصيات هارفي مع أسئلة تتعلق بالغرض والهوية والخسارة - وهي أسئلة تتردد صداها في عالم يشعر فيه الكثيرون بالضياع، ويبحثون عن المعنى في مجتمع متزايد الانفصال والعولمة. وتصبح المساحة الضيقة التي يعيشون فيها على متن محطة الفضاء الدولية رمزًا للمساحات العاطفية والوجودية التي يشغلها الناس في حياتهم الخاصة.
إن البيئة الفريدة لمحطة الفضاء الدولية توفر خلفية مثالية لاستكشاف هذه الموضوعات. فمحطة الفضاء هي مكان مليء بالتناقضات - حيث تتعايش التكنولوجيا المتقدمة والبراعة العلمية مع شعور عميق بالعزلة. تستخدم هارفي هذا المكان لاستكشاف كيف يمكن للتكنولوجيا، التي غالبًا ما يُنظر إليها على أنها حل للمشاكل البشرية، أن تؤدي أيضًا إلى تفاقم مشاعر الوحدة والاغتراب. في عالم حيث أصبحنا أكثر ارتباطًا من أي وقت مضى من خلال الوسائل الرقمية، تطرح أوربيتال سؤالاً حيويًا: هل يمكن للتكنولوجيا أن تقربنا من بعضنا البعض، أم أنها ببساطة تزيد من عمق المسافة بيننا؟ هذا السؤال هو جوهر فحص الرواية للحالة الإنسانية في القرن الحادي والعشرين.
وقد لاحظ النقاد أن أسلوب هارفي في رواية "أوربيتال" أنيق ودقيق، إذ يعكس البيئة السريرية لمحطة الفضاء الدولية، في حين يلتقط في الوقت نفسه التيارات العاطفية العميقة التي تسكن رواد الفضاء. وتعكس كتابتها، التي تتسم في بعض الأحيان بالبساطة والانفصال، عزلة الفضاء، في حين تقدم في الوقت نفسه لحظات من الجمال الغنائي. وهذا التوازن بين الدقة التقنية والعمق العاطفي يمنح الرواية قوتها الفريدة. فهي تتحدى القراء للتفكير بشكل نقدي في كل من الحقائق المادية والعاطفية للوجود البشري، وتطلب منهم أن يفكروا في معنى أن تكون إنسانًا عندما تجرد من كل العلامات المألوفة للحياة على الأرض.
لقد أشادت سارة كولينز، أحد أعضاء لجنة التحكيم في جائزة بوكر، برواية "أوربيتال " ووصفتها بأنها "كتاب نحن في حاجة إليه الآن". ففي عصر يتسم بعدم اليقين والاضطرابات، تقدم رواية "أوربيتال " تأملاً في الوقت المناسب حول أهمية الاتصال البشري، والسعي إلى المعنى، والصراعات الداخلية التي تشكل هوياتنا. إن قدرة الرواية على التأمل في النفس الجماعية مع الخوض في تجارب شخصية عميقة تجعلها عملاً أدبياً مهماً. وهي بمثابة تذكير قوي بالطرق التي يمكن بها للفضاء - سواء الحرفي أو المجازي - أن يشكل فهمنا لمن نحن وإلى أين نتجه.
في الختام، تتحدى رواية سامانثا هارفي " أوربيتال" الأعراف التقليدية للنوع الأدبي. إنها تأمل في الحالة الإنسانية على خلفية الكون اللانهائي. إن قدرة الرواية على التشابك بين العجائب التكنولوجية الهائلة لاستكشاف الفضاء والنضالات الإنسانية العميقة الحميمة جعلتها تستحق الفوز بجائزة بوكر لعام 2024. من خلال عمقها العاطفي وصرامتها الفكرية، تقدم "أوربيتال" للقراء مساحة للتأمل في هشاشة الروح البشرية في مواجهة كون متوسع باستمرار.
***

 

بعيدها الثاني والثلاثين، فاز الدكتور العراقي عدنان الظاهر بجائزة شربل بعيني لعام 2024. ولكي تتعرّفوا على هذا المبدع العظيم نترككم مع هذه النبذة التي تسلط الضوء على بعض نشاطاته وأعماله:
***
الإسم: عدنان عبد الكريم الظاهر [دكتوراه كيمياء وبروفسور مشارك]
الإقامة: ميونيخ / ألمانيا
تأريخ ومحل الولادة: 17 / 12 / 1935 (محاويل ــــ الحلّة ـ بابل ـ عراق)
أكملتُ الدراستين المتوسطة والثانوية {خامس علمي} في مدينة الحلة [محافظة بابل] في الأعوام: 1949 ــ 1954546 adnan aldaher الدراسات الجامعية والأبحاث:
1954 ــــ 1955: طالب في كلية الطب العراقية. إنذار لي من قبل مديرية التحقيقات الجنائية لمساهمتي في الإضراب عن الدوام إحتجاجاً على دخول العراق في حلف بغداد.
1- 1955 ـ 1959 / بكالوريوس علوم ـ كيمياء / دار المعلمين العالية ـــ كلية التربية / جامعة بغداد ، العراق.
2- 1962 ـ 1968 / دكتوراه كيمياء الذرّة الساخنة ــ كيمياء التحولات النووية ــ كيمياء تفعلات ذرة التريتيوم الساخنة / جامعة موسكو / روسيا (متمتعاً بإحدى زمالات الوكالة الدولية للطاقة الذرية).
3- 1968 ـ 1969 / أبحاث في حقل كيمياء التحولات النووية ــ كيمياء تفاعلات ذرة التريتيوم والفلور 18 المشع / جامعة كالفورنيا في إرفاين / الولايات المتحدة الأمريكية.
4- 1988 ـ 1990 / أبحاث في حقل الكيمياء غير العضوية / أكاديمي زائر في قسم الكيمياء في جامعة ويلز / مدينة كاردف البريطانية.
5- 1990 ـ 1993 / أبحاث في حقل كيمياء المعادن العضوية (الفيروسين) / باحث علمي مشارك / جامعة شفيلد / مدينة شفيلد البريطانية.
نشرتُ سبعة أبحاث في حقل كيمياء التحولات النووية والكيمياء غير العضوية في مجلات إختصاص عالمية باللغة الإنكليزية والروسيّة .كما صدر لي كتاب باللغة العربية بعنوان { العرب وكيمياء الذهب } في عام 2017 عن دار النور في ألمانيا / مدينة دوسلدورف .
الوظائف التي شغلتُ في حياتي:
1- 1959 ـ 1962: مدرس تعليم ثانوي في مدينتي الكفل والحلة / بابل / العراق
2- 1970 ـ 1978: مدرِّس كيمياء في كلية علوم جامعة بغداد. تدريس الكيمياء لطلبة الدراسات الأولية والعليا (الماجستير) وعضو لجنة الدراسات العليا في قسم الكيمياء ورئيس اللجان الإمتحانية في قسم الكيمياء لمرّات عدّة.
1972ـ 1973: مقرر قسم الكيمياء في كلية العلوم / جامعة بغداد.
1973 ــــ 1974: مُدرّس ثم عميد كلية العلوم في جامعة السليمانية ومدير المعهد الطبي الفني في مدينة السليمانية.
(1974 ـ 1978: عضو الهيئة الإدارية لنقابة الكيميائيين العراقية) . أحد محرري صفحة " التعليم والمعلّم " في صحيفة [طريق الشعب].
3- 1978 ـ 1984: أستاذ مشارك في قسم الكيمياء في كلية علوم جامعة الفاتح في العاصمة الليبية طرابلس. تدريس الكيمياء غير العضوية والنووية لطلبة الدراسات الأولية والعليا (الماجستير) ... مُقرر القسم ورئيس لجنة الدراسات العليا فيه.
الكتب المنشورة:
1- 1960 / ديوان شعر بعنوان (إحساسي يًصيب الهدف). صدر في بغداد / الناشر: خالد العاني.
2- 1998 / ديوان شعر باللغة الإنجليزية بعنوان (سورنكاث). صدر في لندن عن دار " منيرفا ". تُرجِمت بعض قصائده إلى اللغة الألمانية ونُشِرتْ في مجلة دورية تصدر في مدينة ميونيخ. كما قرأتُ منه الكثير في بعض المحافل والأمسيات الأدبية في ميونيخ ومدن ألمانية أخرى.
3- 2000 / ديوان شعر بإسم (رملٌ وبحر). صدر في دمشق عن دار الحصاد.
4- 2000 / كتاب في الشعر باللغات العربية والإنجليزية والألمانية. صدر في مدينة ميونيخ عن دار " فُلك نوح ".
5- 2002 / كتاب بعنوان (نقد وشعر وقص). صدر في القاهرة عن مركز الحضارة العربية يضم دراسات عن المتنبي والمعرّي والجواهري والسياب ومحمود درويش ونزار قباني ومصطفى غلمان وعبد الهادي سعدون وحيدر حيدر وفاتح عبد السلام. وفيه نقاشات مع طه حسين ولقاءات مُتخيَّلة مع الشاعر أبي الطيّب المتنبي في حلقات سبع. نُشِرتْ محتويات هذا الكتاب كلها تقريباً في جريدة الزمان التي تصدر في لندن.
6- كتاب [العرب وكيمياء الذهب] / الناشر NOOR BUBLISHING
2017 Printed in Berlin , Schaltungsdienst Lange O.H.G, Berlin
ـ7 ـــــ كتاب [حواريات مع المتنبي] صدر عن دار الفرات للنشر والإعلام في مدينة الحلة / محافظة بابل عام 2019 .
8ــــ كتاب [كفاح الظاهر] صدر عن دار الفرات للنشر والإعلام في مدينة الحلة / محافظة بابل عام 2020 .
الكتب الجاهزة للنشر:
1- دراسات نقدية كثيرة للعديد من دواوين الشعر والروايات المعاصرة
2- أبحاث علمية حول البيئة والتلوّث. نشرت مجلة العربي الكويتية بعض هذه الأبحاث. كما نشرت البعض الآخر منها مجلة الزمان الجديد الصادرة في لندن خلال الأعوام 2000 ـ 2002 .
3- ديوان شعر وربما ديوانين.
4- سياحات خيالية مع المتنبي
فعاليات أدبية:
نشرتُ الكثير من أشعاري ودراساتي في الصحف والمجلات الأدبية الصادرة في معظم الأقطار العربية وفي العديد من الأقطار الأوربية. وقرأتُ أشعاري سنوات الدراسة في موسكو، كما قرأتُ بعضاً منها في إذاعة (صوت الجماهير العربية) في العاصمة الليبية طرابلس عامي 1982 ـ 1983 . وألقيتُ أشعاري شهر آب 1998 في لندن بدعوة من (المنتدى العراقي) وفي هيئة الإذاعة البريطانية بي. بي. سي. وفي راديو (سبكتروم) في لندن. في مساء 18/5/2000 قرأتُ أشعاري بالعربية والإنجليزية والألمانية في حفل خاص أُقيمَ في مكتبة (موناسنزيا Monacensia ) الحكومية للأرشيف في مدينة ميونيخ. وقرأتُ مساء 6/9/ 2000 أشعاري في لندن بدعوة من (ديوان الكوفة) لمناسبة صدور ديواني الشعري (رملُ وبحر). ثم نظّمَ لي راديو سبكتروم Spectrum في لندن مقابلة مطوَّلة أُذيعت بثّاً مباشراً قرأتُ خلالها بعض أشعاري. مقابلة أخرى جرت في نفس اليوم مع فضائية (المستقلة) التلفزيونية في لندن. نظّمَ مساء 26 / 9 / 2000 ناشر كتابي باللغات الثلاث حفلاً خاصاً بي لمناسبة صدور هذا الكتاب قرأتُ فيه أشعاري بالعربية والإنجليزية وقرأ ترجماتها إلى الألمانية مترجمٌ ومترجمة. أُقيم هذا الحفل في مكتبة (موناسنزيا) في مدينة ميونيخ. مساء 17/12/2001 ألقيت محاضرة بعنوان (لغة الشعر وقصيدة النثر) أمام الملتقى الثقافي العراقي في ميونيخ. في 22/3/2001 قرأتُ بعض أشعاري بالعربية والألمانية في مدينة (لايبزج) الألمانية على هامش معرض الكتاب الدولي الذي أُقيمَ في تلك المدينة. في مساء يوم 30/4/2001 ألقيت محاضرة في مدينة برلين بدعوة من (نادي الرافدين الثقافي العراقي) تعرّضتُ فيها لشرح طبيعة وأهم خصائص قصيدة النثر ثم آليات الإبداع في الشعر العربي القديم. وساهمتُ في فعاليات مهرجان أسبوع الثقافة العراقية الذي نُظِمَ للفترة 29 مايس ـ 3 حزيران في العاصمة السويدية ستوكهولم حيث ألقيتُ البعض من أشعاري ثم قرأتُ محاضرةً بعنوان (سوريالية المتنبي وقصيدة النثر). وبدعوة من (الملتقى الثقافي العراقي) في ميونيخ ألقيتُ مساء 12/10/2002 محاضرة بعنوان (ناقد أم حاقد ؟) ناقشتُ فيها آراء ومواقف خاطئة لثلاثة من نقّاد المتنبي وهم: الحاتمي وطه حسين وفوزي كريم. وبدعوة من (البيت العراقي) في العاصمة النمساوية فيينا ألقيت مساء العاشر من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 2002 محاضرة بعنوان (فِكرٌ وشعر) شرحتُ فيها أهم خصائص شعر النثر المعاصر والحرية المطلقة التي يمارسها كل من القاريء والشاعر بعيداً عن القيود المزدوجة الصارمة التي يعاني منها شاعر قصيدة التفعيلة والتي تجعله عبداً لتأثيرات الماضي (شعراء الماضي الكبار) وعبداً للحاضر (السعي لإرضاء القاريء من جهة وللإستحواذ عليه من جهة أخرى. أي أنَّ العبدَ يستعبد غيره). ثم قرأتُ الكثير من أشعاري المنشورة وغير المنشورة.
ظهرت أبحاثي في السنوات الأخيرة ودراساتي في مجلة (ألواح) الصادرة في مدريد وفي مجلة (المدى) الصادرة في دمشق. كما نشرت صحيفة (ثقافة 11) الصادرة في لاهاي / هولندا بعض قصائدي الشعرية. وظهرت إحدى قصائدي على صفحات مجلة (شعر) القاهرية، كما نشرت أشعاري مجلة (الصدى) المندائية في ستوكهولم ومجلّة (المنار) مجلّة نادي 14 تموز الثقافي الديمقراطي العراقي في ستوكهولم. كما ظهرت أشعاري وكتاباتي في بعض الصحف المغربية كجريدة (الصحراء المغربية) وجريدة (الجمهور) وسواهما. كذلك نشرتُ بعض أبحاثي في مجلة (كلمات) الفصلية التي تصدر في أستراليا. ثم نشرت لي جريدة (الزمان) اللندنية الكثير من أبحاثي ودراساتي النقدية حول الشعر والرواية. آخر أعمالي هو مسلسل (المتنبي في أوربا)… لقاءات وحوارات خيالية ـ واقعية مع الشاعر المتنبي. نشرت جريدة الزمان أغلب حلقات هذا المسلسل البالغة تسعاً وعشرين حلقةً. كما ظهرت لي دراسات نقدية مطوَّلة حول الشعر وبعض الروايات المعاصرة إعتباراً من أواخر عام 2002 وحتى تأريخ اليوم {نيسان 2023 } على صفحات الإنترنت للكثير من المواقع أذكر منها (إيلاف في باريس والحوار المتمدن وكيكا في لندن ونصوص عراقية في الدنمارك وأوراق عراقية في هولندا والرافدين وموقع صوت العراق والبيت العراقي في مانجستر البريطانية وعراق الغد في فيينا وفضاءات وأفق ونسابا وعراقيون والمهاجر في أمريكا وميزوبوتاميا في سويسرا ومارماريتا في سوريا وموقع الهدف الثقافي وموقع الناس وفوانيس وشارع المتنبي وبنت الرافدين وموقع الغربة والمثقف والنور وموقع أخبار للسيد نوري علي وثقافة الجزائري والمناهل وتمارين وشُرفات وجلجامش وبعض المواقع الليبية والمندائية فضلاً عن مواقع أخرى متفرقة آخرها موقع جريدة صوت الصعاليك البرلينية).
***
يذكر أن الأستاذ الدكتور عدنان الظاهر قد فاز بجائزة المثقف عام 2012م
https://www.almothaqaf.org/awards/64912-64912

بِتفاعلٍ وَتَناغمٍ وتناسق هرموني بين الفَنِ وَالشِعرِ حلقنا بعيداً برحلة عبر نوافذ الإبداع في فضاءات ثقافة بلاد الرافدين، مهد الحضارات (سومر)، استمتعنا بلذة انتشاء عبر تلك الرحلة التي احتضنتها في صالة (كاليري أور) مساء السبت (2024.11.2) بافتتاح معرض الفنان التشكيلي المبدع (جعفر طاعون).
حيث تبهرك محتويات جداريته الكبيرة الشاسعة المساحة التي غطت معظم جدران القاعة الرئيسة لصالة العرض، والتي ابدعتها ريشة الفنان (طاعون)والتي نتجت عن تمازجِ أفكار وهواجس وتفاعلات وعواطف وأحلام وآمال الفنان عبر رحلة سنين عديدة يختزنها بالذاكرة.
عند بدأ افتتاح المعرض تحدث الفنان (جعفر طاعون) عن المعرض وفكرة اختياره لهذا الشكل من العرض جدارية كبيرة للوحات متسلسلة لتكوين لوحة واحدة؛ وبعدها قدم ضيف الأمسية الذي يشاركه المعرض بقراءات لنصوص شعرية، الشاعر (د. خزعل الماجدي).
سريعاً وبترتيل مُتقن لقصيدةٍ رائعةٍ معبرة، بعثتْ الروح باللوحاتِ المعروضة، بكلمات تستنطق الصور والمكونات المتنوعة التي تختزنها تلك الجدارية واللوحات المكملة لها التي تنوعت بأشكالها واحجامها ومضامينها، أنه صوت الشاعر والأديب والباحث الجهبذ (د.خزعل الماجدي) شد الحضور له وهو يتلو بصوت جميل قصيدته المؤثرة الموسومة (مهاجرون) التي أستوحاها من هذا العمل الفني الإبداعي، والتي جاءت متناغمة ومنسجمة مع الصور الفنية التي تزخر بها لوحات المعرض.
وقبل البدء بقراءة قصيده (مهاجرون) تحدث (د. الماجدي) عن المعرض والقصيدة، التي كتبها بعد مشاهدته للمعرض قبل افتتاح العرض بعدة أيام، وقد عبر عن لوحات المعرض بقوله (أنها تمثل رحلة الإنسان الرافديني/ السومري) والتي لم تتوقف لغاية اليوم.
أدناه مقطع من (قصيدة مهاجرون) والتي كتبها (د. الماجدي) بخط يده، والتي أخذت حيز في (مكانين) منفصلين من جدار المعرض، لتكون مع اللوحات (بانوراما) متناسقة متكاملة مع فكرة لوحات المعرض.


{مهاجرون
مهاجرون في المكان
لا بيت لنا لا ضلَّ، ولا أمان
يسوطنا الظلام
نرحلُ في قوافلِ الموتِ
وفي المراكب المحطمة،
لعمقِ بحرِ الظلمةِ السحيقة
يتبعنا أنيننا وَذُلّنا
المدنُ الزاهيةُ اختفت وجاء حتفنا
يحصدنا الواحدُ بعد آخرٍ
لا أسم لنا، لا سطرَ، لا عنوان
مهاجرون في قيودنا
في صمتنا الشاسع في سلاسل الطِعان
التِيهُ بعضُ سجننا.. والبحرُ بعضُ مائنا
والمدنُ الدخان.
ماذا فعلناهُ لكي نغرقَ في النسيان؟
أكان ذنباً أنّنا كتبنا!
وأننا سطرنا الحروفَ وابتكرنا جنة الجِنان!
أكان ذنباً أننا، من دمنا وطيننا،
ومن غناءٍ عانقَ السماء والقيعان
شقشقَ فجرُ الأرضِ
ثم ازدهرت حضارة الإنسان.531 alamiri

كنت قد أخبرت أبنتي الفنانة التشكيلة (ريام الأميري) والتي جاءتنا ضيف قادمة من (ستوكهولم) أخبرتها عن موعد المعرض، وكذلك سترافق المعرض، مشاركة للشاعر للفنان والكاتب والباحث (د. خزعل الماجدي)، بقراءات شعرية، تحمست كثيراً للحضور، وقبل الذهاب لقاعة المعرض، ذهبت مبكراً لإحدى متاجر بيع الزهور لشراء (باقتان) من الورد، لإهدائها للفنان (جعفر طاعون) والأخرى للشاعر الضيف (د. خزعل الماجدي)
{وعندما سألت أبنتي الفنانة (ريام) بعد مشاهدتها جدارية ولوحات المعرض، وسماعها القراءة الشعرية، عن انطباعها ومشاعرها؟
- كان جوابها:
- في لوحات المعرض تبرز الدهشة لصور كثيرة من بلادنا وأبرزها العيون السومرية الواسعة، وفي اللوحات والقصيدة فيها الكثير من الحنين لبلدنا الحبيب العراق وهواجس قلق وخوف من الاغتراب.
- تم أضافت: لقد شاهدت اليوم عملاً جميلاً متكاملاً جمع بين الفن والشعر.}
فعلاً، كان لمشاركة الدكتور (خزعل الماجدي)، بهذه القصيدة وبقية القصائد التي قرئها بعدها، قد أعطت بعداً عميقاً للوحات والصور الفنية من خلال كلمات القصيدة. فقد عملا معاً بتناغم كبير لجمع الثقافة (العراقية الرافدينية) الأصيلة ببودقة واحدة واخراجها بهذا الشكل الرائع، فقد جسد كل واحد منهما أفكاراً ومشاعراً عميقة، مكملة بعضها لبعض، فجاءت النتيجة أكثر تأثراً وجمالاً.
هذه إحدى ابداعات أبناء بلاد الرافدين في الغربة، نعم انها الحقيقة التي نحملها معنا أينما نذهب ونقيم، فلن تتوقف أو تخبو أو تغيب أو تخمد أو تنطفئ جذوة الحب والاحتجاج والكفاح والإنتاج والإبداع من نفوس وعقول أبناء بلاد بين النهرين وعبر ألاف السنين.
حضر حفل الافتتاح جمهور متنوع الجنسيات من الفنانين والكتاب والمهتمين بالفن والأدب، وقد شرفت المعرض بزيارتها مديرة متحف الفنون التشكيلية في مدينة لوند.
***
يَحيَى غَازِي الأَمِيرِيِّ
مالمو في 2024.11.04

اختتمت الدورة السابعة لمهرجان الفيلم القصير جدا أعمالها اليوم السبت المصادف الثاني من نوفمبر لعام 2024، ذلك المهرجان الذي استغرق أربعة أيام مشحونة بالفعل الثقافي وحميمية التلاقح في مجالات الخبرات. أيام قصيرة زمنيا، لكنها ذات حمولة معرفية وازنة، وقد جاءت ثمرةً لتحضيرات مكثفة من قبل جنود مجهولين، وفروا بجهود مضنية كل مستلزمات النجاح، وبذلوا كل ما وسعهم لإظهاره بما يليق به، ابتداءً من حفل الافتتاح الذي أقيم على مسرح المركز الثقافي في منطقة الداووديات/ مراكش، واُختُتِمَ على خشبة ذلك المسرح الذي أصبح علامة بارزة في المدينة، من خلال احتضانه لأنشطة مختلفة،ولذا غصت القاعة برواد المهرجان الذين هرعوا لمشاهدة رؤى متنوعة لبلدان مختلفة، قدّمت عصارات أفكارها كي تتبارى وتحتك، وتتبادل الخبرات، لذلك فالمراكشيون تابعوا بشغف مجريات هذا الافتتاح البهي في دورته السابعة.
قد مُنحت الرئاسة الشرفية لهذه الدورة للمخرج المغربي جمال بلمجدوب، اعترافا من الإدارة المُنظّمة بعطائه الفني في الساحة السينمائية،فإضافة إلى كونه مخرجا فهو كاتب سيناريو وناقد ومن أفلامه المعروفة (ياقوت، والحلم المغربي) والذي بدوره ألقى كلمة مؤثرة عن السينما ودورها في حمل رسالة إنسانية، ثم أعطى أشارة انطلاق الدورة السابعة للمهرجان.533 Moroccoوخلال ثلاثة أيام تم عرض الأفلام المشاركة بالتتابع في الفترات المسائية، والتي تنوعت في أساليبها وتقنياتها، فمنها أفلام روائية، ومنها أفلام تحريكية.
وقد شاركت في هذا العرس السينمائي العديد من دول العالم، ومن ضمنها العراق الذي تقدم بستة أفلام لمخرجين شباب، وفرنسا لفيلم واحد، وإيران لفيلمين، وسلطنة عمان لفلم واحد، والمغرب البلد المضيف لثلاثة أفلام، ومصر التي شاركت بعدد مماثل، إضافة إلى إيران ودولة الإمارات وسورية وفلسطين. ومع كثرة الأفلام المشاركة التي تجاوزت المائة فيلم، فإن إدارة المهرجان اختارت 16 فيلما فقط لدخول المسابقة الرسمية، إضافة إلى عرض أفلام أخرى خارج المسابقة.
وبعد تمحيص للأفلام وتشخيص لجوانبها الفنية، ومناقشة مضامينها، تمخض ذلك عن إعلان النتائج في ختام المهرجان في يومه الأخير،كما جرت العادة، والذي أظهر فوز فيلم (العكازة) للمخرج الفلسطيني أحمد طارق حمد،وهو مخرج شاب جعل من الفيلم السينمائي وسيلة للدفاع عن قضايا شعبه، وهو القائل: "كل فيلم أنجزه يزيل شيئا من الوجع في صدري "
حيث أتحف المهرجان بهذا الفيلم القصير في دقائقه، والكبير في معانيه ورموزه، والفيلم يُظهر طفلة تحاول أن تواري لعبتها في بقايا ركام بيتها الذي دمرته آلة الحرب الوحشية، وفي نفس الوقت تتلمس حذاء أبيها الذي فقد إحدى ساقيه،وتحاول أن ترتدي فردة من هذا الحذاء، وتذهب إلى أبيها وهي تسند ساقه التي التهمتها الحرب، لقد أصبحت تلك الطفلة الصغيرة عكازة وسندا لأبيها،يتكئ عليها حتى يقف شامخا. وقد أثار الفيلم مزيجا من الإعجاب وعاصفة من التصفيق بين جمهور المشاهدين، الذين أثنوا على قرار لجنة التحكيم في منحه الجائزة الكبرى ، لأن فيلم العكازة قد حفل برموز حتمية الانتصار ورفض الاستسلام. لقد انتصر الأمل رغم الخراب ، مادام أطفال الغد قد تحولوا إلى عكازة لأكمال مسيرة التحرر من الاحتلال.
المخرج الإيراني رحمن برهاني حصل على جائزة أفضل إخراج، عن فيلمه الفيلم (21 سبتمبر). وأما جائزة أفضل تصوير فقد ذهبت للفرنسي باتريك عن فيلمه (هذا المساء)
أما عن أفلام التحريك فقد فاز بها الفيلم العماني (تاء) والذي يتصدى لجريمة التحرش الجنسي، الذي رمز للمجتمع الذي لا يكافح هذه الجريمة بأنه تفاحة تسقط من شجرتها وتتعفن. ورغم بساطة الرسوم، وارتباك انتقالاتها، ولكن فوز الفيلم عبّر عن عمق فكرته.
ورغم أن العراق شارك في ستة أفلام روائية وتحريكية، ولكنها لم ترتق إلى حصولها على إية جائزة، وكذلك الأفلام القصيرة من سوريا ومصر والإمارات. ولكنّ مشاركة هذه الأفلام بحد ذاته فوزٌ لها كما ذكرت إدارة المهرجان وهي منهمكة بتوزيع الجوائز وشهادات التقدير.534 Moroccoومن ناحية أخرى فقد انعقدت ورشات التكوين في مجال كتابة السيناريو والتي قدمها المخرج والفنان التونسي المتميز عماد الوسلاتي، كما قدمت بدوري أنا كاتب هذه السطور محاضرة لطلبة المعهد السينمائي في عين المكان بعنوان (تحليل الفيلم السينمائي). وفي ذات الإطار وفي اليوم الثاني من المهرجان قُدمتْ محاضرات متنوعة في (مؤسسة أكسل) قدمها كلّ من الأساتذة الدكتور الحسين آيت مبارك بعنوان(الفيلم القصير في المغرب: إكراهات وتحديات) وقدم المخرج السينمائي عماد الوسلاتي مداخلته بعنوان (السينما بين الهوية والاحتراف). أما الكاتب والناقد السينمائي الأستاذ سليمان الحقيوي فقد قدم موضوع (الفيلم القصير: الوسيط الثائر على القيود). ثم قدمتُ مداخلتي المعنونة (الفيلم القصير بين الهوية والاحتراف).
ولكي يكون هناك تفاعلٌ إيجابي بين تلاميذ المدارس، وبين العاملين في السينما فقد تم توقيع كتاب (أسئلة السينما المعلقة) من تأليف الدكتور سليمان الحقيوي في مؤسسة العراقي الدولية التي احتضنت هذا اللقاء، وتم لقاء المؤلف بطلبة متعطشين للعلم والمعرفة والثقافة، وقد استطاع المؤلف أن يقدم ورقة عن كتابه، ليضيء من خلالها الكثير من الأسئلة عن السينما كأداة معرفية لتحرير الإنسان من التلوّث المحيط به، وانتشاله من قاع الكراهية، والرفع به إلى فضاء المحبة بين البشر، لقد كان التفاعل جميلا بين الأستاذ والطلبة والذي انتهى بتوقيع كتابه على الكثير منهم.
ولعل البلاغ الختامي للدورة السابعة لهذا المهرجان الذي ألقاه مدير المهرجان الأستاذ عبد المجيد الدهبي يوجز لنا طبيعته، فقد قال:
" دعوني أقول لكم، إن مجرد المشاركة في فعاليات هذه الدورة يعتبر فوزا، يكفي هذا الجمع الطيب الذي يجمع بين المغربي واليمني والفرنسي والتونسي والاماراتي والمصري و العماني و العراقي و الفلسطيني و غير ذلك من الأمم الشقيقة والصديقة، هذه اللقاءات التي تدل على الحب بين الشعوب والتسامح والتعاون في كل ما يخدم أوطاننا بالخير والرقي والتطور.
قد تكون فعاليات الدورة السابعة على مرمى من النهاية لكن أثرها سيبقى مستمرا، ونأمل أن نكون قد أحدثنا استفزازا ثقافيا وفنيا في نفوس المتلقين الشغوفين بالسينما والإبداع ولعلنا نلتقي في الدورة المقبلة برؤى أخرى وإنجازات أكثر عمقا وأكثر إبداعا، لأننا نحن في الحياة عبارة عن تراكمات نأمل أن تكون إيجابية حتى نرقى بأنفسنا نحو الأفضل وبالتالي يرقى وطننا المغرب الحبيب وكل الأوطان العربية الشقيقة باعتبارنا جميعا سفراء لأوطاننا. وقد كنتم جميعا خير سفراء"
***
رحمن خضير عباس

تلاقح العمود وقصيدة النثر في أمسية شعرية

ضيّف "مركز لندن للإبداع العربي" الشاعرة العراقية دلال الصباغ والشاعر العربستاني جمال النصّاري بأمسية شعرية قرأ فيها الشاعران عددًا من قصائدهما التي توزعت بين الشعر العمودي الذي تبنّتهُ الشاعرة دلال الصبّاغ وبين قصيدة النثر الحديثة التي اعتمدها الشاعر جمال النصّاري. وقد أضفى هذا التضّاد الأسلوبي جمالًا على الأمسية التي كان يتنقّل فيها الشاعران من الشعر (الموزون والمقفّى) إلى قصيدة النثر وتجلياتها في الشعر الحرّ والمُرسل وقصيدة الومضة وما إلى ذلك. كما تخلّلت الأمسية مقطوعات موسيقية قدّمها عازف العود المُرهف سيف النفاخ من بينها "بعيونك عتاب" و "عمّة يا عمّة" و "تحبّون الله ولا تقولون"وختمها بالنشيد الوطني العراقي الجميل "موطني".
قدّمت الشاعرة والباحثة دلال جويّد الشاعرين بطريقة احترافية وتوقفت عند السيرة الذاتية والإبداعية لكل منهما على انفراد. فالشاعرة دلال الصباغ من مواليد بغداد وخرّيجة معهد المعلّمات بالمنصور. أصدرت مجموعتها الشعرية الأولى التي انضوت تحت عنوان "وجهٌ غريب" وتتهيأ لإصدار مجموعتها الشعرية الثانية التي تحمل عنوان " سلامٌ للورد". أمّا الشاعر العربستاني جمال النصّاري فقد أصدر مجموعتين شعريتين وهما "عندما أموت" و "الجريمة"، ولديه عشرة كتب أخرى تأليفًا وترجمة باللغتين العربية والفارسية.523 dalal alsabagقرأت دلال الصبّاغ ست عشرة قصيدة استهلتها بنصٍ تعريفي يقول مطلعه:"هنا حرفٌ وصوتٌ تائهٌ يهذي بلا عنوان" وختمتها بقصيدة "سلامًا يا سنين العمر مُرّي" وقرأت بينهما 14 قصيدة عمودية نُظمت غالبيتها على بحر "الكامل" وبعضها على بحر "الوافر" والبعض الآخر على بحريّ "الرجز" و "الهزج" وما سواهما من الأبحر الموسيقة الصافية التي أثارت إعجاب الحاضرين ودفعتهم للتصفيق غير مرة في إشارة واضحة إلى تفاعلهم الوجداني مع النصوص الشعرية الموزونة والمقفاة رغم أنها قرأت هذه القصائد بنبرة خافتة دفعت الجمهور أكثر من مرة إلى المطالبة برفع صوتها "الرقيق الناعم" على حد وصف المُقدِّمة دلال جويّد التي لم تنحسر ابتسامتها المضيئة على مدار الأمسية التي جاوزت الستين دقيقة بقليل ولم يتسرّب فيها الملل إلى الحاضرين. من بين القصائد التي قرأتها دلال "لستُ بشاعرة" حيث لعبت على المعنى مرتين: الأولى التي تجرِّد نفسها من صفة الشاعرة مع أنها كذلك، والثانية تنفي شعورها به أو تستبعده في أضعف الأحوال "من غابَ هجراً لستُ فيهِ بشاعرة". نظّمت دلال هذه القصيدة على بحر "الكامل" ومفتاحه:(كمل الجمال من البحور الكامل * * * مُتَفاعِلُنْ / مُتَفاعِلُنْ / مُتَفاعِلُنْ). كما قرأت قصيدتين أُخريين مكتوبتين في البحر ذاته وهما (مكسوةٌ بالحزنِ بعض ملامحي / ومنعّمٌ بالعزّ كُحل المُقلتين) و (يرتابُ صبرٌ للحليم ويَسْلمُ / ما التاعَ قلبٌ بالإشارة يفهمُ). ودبّجت القصيدة الرابعة بمجزوء الكامل: (وأنا أتمتم دمعةً / بالكاد يسمعها البكاء). كان بحر الوافر حاضرًا أيضًا في أكثر من قصيدة مثل: (سلامُ الزهر لا يُخفيك شوقًا / ويُقرنكَ الندى وجدًا سخيّا). ومفتاح هذا البحر (بحور الشعر وافرها جميلُ / مفاعلتن مفاعلتن فعولُ).524 dalal alsabag جادت قريحة الشاعرة دلال الصباغ بقصيدة مكتوبة على بحر (الرجز) استهلتها بهذه الصيغة الاستفهامية الجميلة: (قال: هل لي بسؤال / قلتُ بالطبعِ أجلْ) ومفتاح هذا البحر هو: (في أبْحُر ِالأرجازِ بحرٌ يَسْهُلُ / مستفعلن / مستفعلن / مستفعلُ). أمّا البحر الرابع فهو (الهزج) الذي كتبت فيه "حروف ملء أزمنتي / تخطّى صمتها عدّا) ومفتاح هذا البحر (على الأهزاج تسهيل / مفاعيلن / مفاعيلُ).
مع أنني لم أطلّع على مجموعتها الشعرية الأولى لكنّ هذه القصائد الست عشرة كفيلة بأن تُعطي صورة وافية عن موهبة الشاعرة دلال الصباغ فهي تجترح الصور الشعرية وكأنها "تغرف من بحر"، كما أنّ لغتها عفوية، سلسة، ومنسابة ولا تحتفي بوعورة الكلام، بل أنّ بعض القصائد القصار تبدو وكأنها سبيكة من ذهب، فهي، اعتمادًا على سمعنا في أثناء هذه القراءة، لا تميل إلى المطوّلات الشعرية وإنما تكتفي (بما قلّ ودلّ).
قرأ الشاعر العربستاني جمال النصّاري عشر قصائد متفاوتة الطول، ومتنوعة في الأشكال والمضامين الشعرية من بينها "امرأة ثرثارة" و "محض مصادفة"، و "قلبي الذي تركتهُ في مطار الأحواز" وما سواها من القصائد النثرية التي منحته حرية كبيرة في التعبير عمّا يجول في نفسه وذاكرته الملتاعة التي تتوهج كلما تقادمت الأعوام.دعونا نعترف بأنّ جمال النصّاري هو شاعر جريء تعتمد قصيدته على البنية المتضادة للصورة الشعرية التي يمكن أن تهزّ القناعات الدينية للكثير من المتلقين، ففي قصيدة "غياب" التي قرأها في مهرجان المربد الشعري الثالث عشر لعام 2017 وأعاد قراءتها في هذه الأمسية حيث يقول: "امرأة ثرثارة / أفضلُ من دين ثرثار/ هي تؤمن بنهديها / هو يؤمن بالنكاح". يندرج هذا النص الشعري ضمن قصائد (اللمحة) أو (الومضة) أو (القصيدة التنويرية) التي تشبه إلى حدٍ بعيد قصائد (الهايكو) اليابانية التي تعتمد كثيرًا على اللغة المتقشفة، والصياغة المقتصدة، والصورة الشعرية المعبِّرة، والنهاية الصادمة التي لا تغادر ذاكرة المتلقي في الأعمّ الأغلب.525 dalal alsabagكثيرة هي قصائد جمال النصاري التي تستغور الكتب المقدسة، وتحاور الله (جلّ في علاه)، ولعل البعض منها يقسو على رجل الدين الذي هو، بشر في خاتمة المطاف، يخطأ ويصيب، ويرتكب مثلنا المعاصي والذنوب. وقصيدة (محض مصادفة) تستجيب لبعض هذه الأسئلة التي نقتبس منها: ( . . .أيها الغرباء لذنوبي كبرياء / وللماء سيدة ترشُّ عطرها في الكنيسة حُبًا بشهوتها الأخيرة. / سأسألُ الله هل يمنحني وقتًا لأرتكب ما لم ترتكبه الآلهة / أيقظَني منبّه الساعة / وبقيَ حواري ناقصًا مع الربّ / كل شيء محض مصادفة). وفي قصيدة (لها نهدٌ) يقول في مقطعها الأخير: (... لا تفتحي أزرار القميص / أخاف عليكِ من آخر نبيّ نسيَ سجّادته قرب النهر قبل أن يغتسل / أرجوك استيقظي / فما زال النهر يعشقكِ / كما تعشق الرذيلةُ الفقيهَ الذي خانَ زوجتهُ في الجنّة). قصيدة (صمت) تتحرّش بالتابو الديني أيضًا وقالت ما لم يقله الكثيرون من المنقطعين للهمّ الشعري حيث يقول باقتصاد شديد أيضًا: (نُولد من الماء / ونموت في الماء / لماذا جعلت من الماء / كل شيء حيّ؟).
تتنوّع أمسيات "مركز لندن للإبداع العربي" بين القراءات الشعرية، والندوات الأدبية والفكرية، والأماسي الموسيقية والفنية وأتمنى على الشاعرة دلال جويد أن تحوّل الندوات القصصية والروائية إلى مختبر سردي ثابت يُنظِّم ندوة واحدة في الشهر على مدار السنة ويُرسي عُرفًا نقديًا لم نألفه في السنوات الماضية وبهذا يكون لها قصب السبق بين الجمعيات والمقاهي والأندية الثقافية المبثوثة في عاصمة الضباب.
***
لندن: عدنان حسين أحمد

شعبان: تدجين المثقف وترويضه يكرس اتساع نفوذ السلطة وأجهزتها الأيديولوجية

في ندوة فكرية نظمتها مؤسسة كش بريس الإعلامية بمراكش، يوم الخميس 31 أكتوبر 2024، على شرف المفكر العربي والأكاديمي العراقي الدكتور عبد الحسين شعبان، بحضور نخبة من علماء ومثقفي المدينة الحمراء، تسابقت أسئلة الراهن وتداعياته السوسيولوجية والتاريخية، لتعيد صياغة مجمل النظريات والآثار الفكرية التي وسمت رحلة الأكاديمي الموسوعي عبد الحسين شعبان، منهمرة على أنواء الفضاء الجمالي الذي التأمت فيه الندوة، بحديقة اوريكة للنباتات العطرية، مستزيدة من قابلية تفكيكها وتحليلها، على نحو يضاهي قيمة الرجل وعطاءاته في الفكر العربي الحديث والمعاصر.
ذاك ما جاء في تقديم الشاعر والإعلامي د مصطفى غلمان، وهو يوثق مسيرة الضيف ويبرز من خلالها، معالم الصيرورة والانتقالات المتواشجة مع أزمنة وأمكنة، تباهي خطواته الحثيثة، للإمساك بنظام حياة، مليئا بالتحديات والرهانات العصية.
وحيثما أضحى هذا المفكر العربي اللوذعي، يضيف غلمان، يتوقد عطاء ومثابرة ودينامية فكرية وثقافية لا تبلى ولا تركن إلى الخمول، حتى مع ارتداد سنوت العمر وتوالي نبضاته السريعة.507 shabanوأكد ذات المتحدث، على أن الدكتور عبد الحسين شعبان، الوجه المشع في سماء اليسار الأخلاقي، المكافح ضد "اللاعنف" و"اللاحرية" و"اللامساواة"، يفر بسنا النهار إلى العلياء، قابضا على جمر التحولات، قارئا عميقا لآثارها وتداعياتها على العقل والوجدان العربي. مشددا على أن سؤال الهوية عند شعبان، لازال صوته الثائر متوجسا، أفق ممكناته الواعية بأسئلة الراهن، مصمما على الإيغال العقلاني والمنطقي في مسامه دون كلل أو ملل.
وأبرز الإعلامي غلمان، أن المفكر عبد الحسن شعبان، بات يشارك شرقا وغربا، في تفكيك بؤر انغلاقاته وتشتته، مؤمنا كعادته الأبدية في الإخلاص لفكره وطريقه وقناعاته، وهو ما يكرس حاجة العقل العربي إلى جغرافياته المفتوحة وإمكاناته الفكرية والعلمية المجربة.508 shabanوعلى نحو يضع الموضوع في السياق ذاته، سرت كلمة الدكتور امحمد مالكي الفقيه الدستوري والعميد السابق لكلية العلوم القانونية بسلطنة عمان. حيث أحاط بمسار حياة الضيف، متنقلا بين نشأته في النجف، وتأثره بالقرآن الكريم، كرافد روحي قيمي، واطلاعه الواسع على المذاهب الفقهية وعلوم الفقه ومقارنة الأديان. ثم انبهاره باليسار الماركسي الإشكالي، والانتماء للحزب الشيوعي العراقي المحظور، ونقد التيار الاشتراكي واليساري.
هذا الاصطلاء المدلهم، في نيران كل هذه القوى الفكرية والسياسية المعقدة، أكسبت عبد الحسين شعبان، تجربة حوارية تقدمية غير مسبوقة، أنتجت شخصية كارزمية نقدانية متنورة، أبدعت في شتى العلوم والفكر، والاهتمامات المتنوعة، من علوم السياسة إلى حقوق الإنسان، ومن الآداب والفنون إلى النقد والتحليل الخطابي. ومن مقارنة الأديان إلى العقلانية المنطقية وفلسفاتها المتشعبة.
وقال مالكي، إن الدكتور عبد الحسين شعبان، يعد أحد أهم رواد الفكر العربي الجدري، الذي يلامس القومية في أبعد حقولها المرجعية، ماركسي يعيد لتحولاتها الفكرية المتجددة ثوريتها وإشعاعها الإنساني والكوني الخالص.509 shabanالكلمة التي ألقاها ضيف المجلس الفكري، الدكتور عبد الحسين شعبان، كانت عبارة عن ردود لصدى ما تم تقييمه في كلمات التقدميين الأولين، محاولا التفاعل مع الأفكار الواردة في كليهما، حيث أكد انتماءه للفكر الماركسي الإشكالي، كمثقف عضوي ومتعدّد، تماهى مع الفكر الماركسي- من الكتب التأسيسيّة عند ماركس، وانجلز، وبليخانوف، وانتقاده لنسختي "الستالينيّة"، و"الجدانوفيّة"، شديدتي القمع والعدوانية والتقوقع.
أشار شعبان إلى نفوق التجربة الديمقراطية في العالم العربي، بسبب سوء تدبير وفهم "السلطة"، التي تتأبد في يد الحاكم وأذياله، وتسحب كل عناصر الفعل الثقافي والفكري للنخب إلى قاع الاستسلام والخنوع والبهرجة.
وأكد المحاضر على أن ضعف مردودية المثقف ناتجة عن قابليته للمسخ والإيغال في تحويله عن أهدافه، ثم تشكيله كما يراد، وبتره عن مهامه ومسؤولياته المجتمعية. موجها انتقاداته تجاه ما اعتبره "رؤية ما بعد الحداثة للثقافة"، التي يرى بالحسم في أبعادها ومراميها، كوعي وكقيمة، متحدثا عن كون الجذر اللغوي للثقافة يعطي الأولوية للبعد العملي، مع ما يربطها بالحياة العملية والممارسة.
وأسقط شعبان بذلك، نظرية التعالي الثقافي، في شكله النافر والمبتور عن أسس بنائه وصيرورته، مردفا، أن مهمة المثقف هو التمرد على السؤال البدهي، وتعميق الرؤية للماوراء، للمغايرة وخلق الطفرة. مبديا رأيه في مفهومية الهوية المتقاطعة والمتجاوزة للحدود الثقافية والزوايا الفكرية الكلاسيكية.
وأكد شعبان، في هذا السياق، على أهمية إعادة قراءة الهوية، والجنسية، والمواطنة. معتبرا، كما ورد في العديد من آرائه التي ضمتها مؤلفاته، ك"تحطيم المرايا - في الماركسيّة والاختلاف" و"دين العقل وفقه الواقع."، و"جدل الهويات في العراق: الدولة والمواطنة" و "الهوية والمواطنة: البدائل الملتبسة والحداثة"، مشيرا إلى انبثاقات متوالية حول استحضار أسئلة الهويات المتعددة، هل هي هوية ثابتة أو متكاملة دون تغيير، باعتبارها معطى ساكنا وسرمديا، حتى وإن كانت بعض عناصرها قابلة للثبات مثل الدين واللغة؟
ووضع شعبان في هذا النطاق الجدلي، ثلاثة مستويات لتشكيل الهوية : الفردي، الجماعي، والمستوى الوطني والقومي. مؤطرا ذلك بالفهم المقارباتي الذي يذهب إلى تحصينها بالوعي والإحساس بالذات والانتماء إلى الجماعة، كانت قومية أو دينية.
وشكل الدين والتدين والعلمانية محاور مهمة في مداخلة الدكتور شعبان، حيث أكد على أن أي أيدولوجية دينية أو علمانية ، هي بحاجة ماسة إلى إعادة تقييم وإعادة فهم عبر الزمن، فالحاضر كفيل بأن يكشف ما لا يستطيع الماضي أن يكشفه. وقال "أن الدين مقدس وعلوي وإلهي. لكن التدين منتج بشري لا قداسة له، والمشكلة ليست مع الدين وإنما مع التدين، معترفا أن إثارة الفكر الديني أو أي فكر لا يهم إلا قلة من الناس، غير هذه القلة هي القادرة على إحداث التغيير. وهذا لا يخص العرب أو المسلمين فقط، وإنما ظاهرة إنسانية يشترك بها كل البشر، مستدلا برأي لكانط، الذي يقول، "إن معظم الناس يعيشون حياتهم برتابة عادية، وليس لهم أدنى حاجة إلى الفكر".
***
(مراكش/خاص)

مركز اجتهاد يدشن موسمه الجديد بندوة علمية حول راهن المسلمين في أوروبا والحاجة إلى اعتماد مقاربة إسلامية داخلية

دشن مركز اجتهاد للدراسات والتكوين في بلجيكا الموسم الأكاديمي الجديد بالندوة العلمية التفاعلية الأولى، التي خصصها لموضوع: "راهن المسلمين في أوروبا والغرب والحاجة إلى اعتماد مقاربة إسلامية داخلية"، وذلك يوم السبت 21 سبتمبر 2024، على الساعة السادسة 18:00 حسب توقيت أوروبا، عبر تقنية التحاضر عن بعد، وبمشاركة مجموعة من الباحثين والخبراء، وهم على التوالي: الدكتور محمد ظهيري من جامعة كومبلوتنسي مدريد في إسبانيا، الدكتور مصطفى عطية جمعة من الجامعة الإسلامية في تركيا، الدكتور محمد حصحاص من جامعة روما تور فيرغاتا في إيطاليا، الدكتور ميمون الداودي من جامعة سيدي محمد بن عبد الله فاس في المغرب، ثم الدكتور التجاني بولعوالي من جامعة لوفان في بلجيكا.

استهل الدكتور التجاني بولعوالي، وهو أيضا رئيس مركز اجتهاد ورئيس تحرير مجلة اجتهاد للدراسات الإسلامية والعربية في أوروبا، اشغال الندوة العلمية بالترجيب بجميع المتدخلين والحاضرين، ثم ألقى كلمة مختصرة باسم المركز والمجلة لوضع المتابعين في إطار الصورة؛ حيث اقترح إلقاء نظرة على العدد الأول من المجلةن والذي صدر قبل مدة قصيرة، وشكل حدثا فكريا وأكاديميا مهما لكون المجلة أول دورية علمية أوروبية ذات مرجعية إسلامية متخصصة في دراسة الإسلام في أوروبا من منظور إسلامي داخلي.

كما أكد الدكتور التجاني بولعوالي على أن هذه الندوة تندرج ضمن سلسلة ندوات أخرى ستنظم مستقبلا تتعلق بواقع المسلمين في أوروبا والغرب، بالإضافة إلى الانفتاح على قضايا أخرى تتقاطع مع رؤية المركز وأهدافه.

تسلم الكلمة بعد ذلك مباشرة الدكتور محمد ظهيري ليناقش أهم التحولات المتعلقة براهن المسلمين في السياق الإسباني وكيفية صياغة استراتيجية لمستقبل المسلمين في هذا السياق. وقد قدم للإجابة عن ذلك المسار الزمني لدخول الإسلام إلى إسبانيا بعد السقوط الأندلسي إلى ما هو عليه اليوم؛ فذكر آخر إحصائية تم التوافق عليها، والتي تقول إن عدد المسلمين في إسبانيا بلغ مليونين وأربعمائة وثلاثة عشر ألف نسمة، أي 413، 4% من إجمالي السكان، منهم 45% اسبان؛ و55% ممن ولد في الخارج، وأغلبهم من المسلمين المغاربة. ثم تطرق لذكر عدد المقابر الإسلامية وكذا الجمعيات التي تؤطر حياة المسلمين هناك، وأشار أيضا إلى أن تحليل هذه الأرقام موجودة بالتفصيل في كتاباته في هذا المجال.

وفي المداخلة الثانية تفضل الدكتور ميمون الداودي بالإجابة عن السؤال: ما هي الكيفية التي يقدم بها الإسلام في أوروبا والغرب في النقاش الإعلامي العربي والإسلامي؟ فقدم المتحدث للمداخلة بملاحظات ثلاث تتلخص في الفرق بين التناول العربي والغربي لقضايا الهجرة؛ والتطبع الذي تطبع الخطاب العربي والغربي؛ ثم عدم تقديم الإعلام العربي القضية بالصورة الصحيحة. ثم تحدث عن القضايا التي نوقشت في الإعلام العربي بعد جرده لها، وأهمها ثلاث قضايا: قضية الإسلاموفوبيا، والحجاب، والعنصرية. ليخلص من هذا إلى أن تغطية الإعلام العربي لهذه القضايا يغلب عليها توجهان اثنان: توجه موال وآخر معاد، وأن الإعلام العربي تناول واقع المهاجرين تناولا شموليا يتميز بالعاطفة، ومن ثم القى اللوم على المهاجرين المسلمين، مؤكدا ضرورة تغيير هذه المقاربة والاتسام بالمسؤولية تجاه المهاجرين.

وجاءت مداخلة الدكتور محمد حصحاص انتقالا من تلك السياقات إلى السياق الإيطالي، الذي يقدم مقاربة تختلف نوعا ما عن باقي دول أوروبا والغرب، مشبها الحالة الإيطالية بالحالة الإسبانية مع وجود اختلاف بينهما، وأكد وجود فجوة تاريخية للإسلام في إيطاليا. ثم قدم أرقاما للمسلمين في إيطاليا حسب الإحصائية الأخيرة؛ والذي بلغ عددهم مليونين ونصف إلى مليونين وسبعمائة ألف نسمة، حوالي مليون منهم من الجنسية الإيطالية، 400 ألف من الجالية المغربية كأكبر جالية، وعشرون ألفا من الغينيين كأصغر جالية مسلمة في إيطاليا، وعدد المساجد والمنضمات الإسلامية كذلك. إلا أن الإشكال كما يرى الدكتور حصحاص هو أن الجالية الإسلامية هناك لا تتوفر على اعتراف رسمي، وأن الاتفاق على هذا الاعتراف بعيد المنال ولا يوجد ما يوحي إليه أصلا.

أما مداخلة الدكتور مصطفى عطية جمعة، فقد تناولت الموضوع انطلاقا من الضفة المشرقية الأخرى، حيث ناقش واقع المسلمين في أوروبا والغرب في الخطاب الفكري العربي والإسلامي، مؤكدا مجموعة من الأمور المعينة على ذلك؛ وأهمها: حفاظ المسلمين في الغرب على هويتهم، والارتباط بالوطن الأم. بالإضافة إلى أن هذه الجالية تجشمت هم الوطن الأم، إلا أنها في الوقت نفسه حملت صراعات الأوطان الأصلية. كما تحدث عن الدراسات الاستشرافية وأنها مبشرة بالخير. ثم أثار سؤالا عبر فيه عن إمكانية تغريب الإسلام، وكذا أسلمة الغرب؟

وفي الختام، حاول الدكتور التجاني بولعوالي تسليط الضوء على المقصود من مفهوم المقاربة الإسلامية الداخلية، والذي يشكل جوهر الرؤية التي طرحها مركز اجتهاد للدراسات والتكوين في بلجيكا منذ تاسيسه قبل بضع سنوات، ويحاول جاهدا التأسيس والتنظير لها سواء عبر مجلة اجتهاد أو عبر البرنامج التعليمي الذي يشرف عليه المركز أو عبر مختلف الفعاليات الفكرية والتفاعلية. وقد جاءت هذه المقاربة الداخلية لدراسة الإسلام في أوروبا والغرب كرد فعل على المقاربة الاستشراقية الخارجية المهيمنة في حقول الدراسات العربية والإسلامية، حيث الإسلام يقدم كما يفهمه الباحثون والدارسون غير المسلمين، لا كما هو مقدم في المصادر الإسلامية الأصيلة، ولا كما يمارسه أتباعه المسلمين ويدينون به في الواقع. وفي المقابل، فإن للمسيحي واليهودي والبوذي والهندوسي الحق في أن يقدموا عقائدهم من الداخل، بينما يتهم المسلمون بأنهم منغلقون ورجعيون عندما يقومون بذلك. وقد لاحظ الدكتور التجاني بولعوالي أنه توجد بوادر هذه القراءة الداخلية للإسلام، سواء في الفكر التعددي المعاصر أو في بعض التجارب التعليمية الرسمية على مستوى الأراضي المنخفظة (هولندا والفلاندرز، إسبانيا، ألمانيا)، حيث الإسلام يدرس في المرحلتين الإبتدائية والثانوية في بلجيكا أين يستفيد أكثر من 80 ألف تلميذ مسلم أسبوعيا من ساعتين حول الدين الإسلامي يشرف عليهم حوالي 2000 مدرس مسلم،  وفي هولندا توجد حوالي 60 مدرسة إسلامية رسمية. هذا بالإضافة إلى تجربة جامعة لوفان الكاثوليكية التي أطلقت منذ أكثر من عقد من الزمن ماستر الأديان الكونية والدراسات الإسلامية، حيث كافة العلوم الإسلامية تدرس من منظور داخلي سواء للطلبة المسلمين أو غير المسلمين.

وفي الأخير، تم فتح باب النقاش للمتابعين من طلبة وباحثين ومهتمين، والذين أثروا الندوة بجملة من الأسئلة والمداخلات.

***

تقرير أشرف لعروصي

الأول يمتلك الحقيقة المُطلقة والثاني يسعى لاكتشافها

نظّم المقهى الثقافي بلندن ندوة علمية وفكرية للدكتور جواد بشارة  انضوت تحت عنوان "الصراع بين العقل العلمي والعقل الخرافي واللاهوتي" وقد قدّمه الكاتب صادق الطائي. استهل الباحث محاضرته بالقول إنّ هذا الصراع موجود في كل زمان ومكان وقد انطلق وتشظّى منذ بداية الوعي الإنساني ومحوره  هو الصراع بين الدين الذي يُجيب على كل الأسئلة التي تخطر في بال الكائن البشري وبين العلم الذي لا يدّعي امتلاكه للحقيقة المطلقة وإنما يؤمن بالحقيقة النسبية التي توصّل إليها إلى أن تظهر حقيقة جديدة قد تنسفها أو تغيّر مسارها كليًا. ويرى بشارة أنّ الدين هو الذي يولّد العقل الخرافي بينما يُنتج العلم العقل العلمي الذي لا ترتقي إليه الأكاذيب والشكوك والخزعبلات. إنّ الصراع بين "العلم والدين" هو جوهر وأساس السعي المعرفي للباحث بشارة الذي كرّس له قسمًا كبيرًا من حياته، فهو باحث ومفكر وناقد سينمائي متمكن من أدواته النقدية وقد أصدر العديد من الكتب والأبحاث التي تؤكد صحة ما نذهب إليه على مدى خمسة عقود تقريبًا في الكتابة العلمية والفكرية والسينمائية. وأشار الباحث إلى أنّ من يريد الاستزادة في الجانب العلمي عليه أن يقرأ كتابه الأول الذي يحمل عنوان "الكون أصله ومصيره" الذي صدر بثلاث طبعات بلندن وعمّان وبغداد وآخرها "من الكون المرئي إلى الكون اللانهائي" الذي صدر عن دار "ميزر" بمدينة مالمو السويدية. ويعيد الباحث تأكيده على أنّ الصراع الأزلي كان موجودًا منذ آلاف السنين وسوف يستمر إلى أبد الآبدين. وهو موجود في كل مكان ولا يقتصر على العالَمين العربي والإسلامي اللذَين شهدا عودة للدين وهيمنتهُ من جديد على الحياة الاجتماعية والثقافية منذ نهاية ستينات القرن الماضي بأشكال متعددة وخطيرة جدًا.

توقف الباحث عند كتاب "نقد الفكر الديني" للمفكر صادق جلال العظم الذي صدر سنة 1969م. وأشار إلى أنّ الصراع قد بدأ أولًا بين الدين والفلسفة قبل أن يلج العِلم هذا المضمار بقوة منذ القرن السابع عشر حيث شنّ رجال الكنيسة هجمة شرسة على الفلاسفة والعلماء إبّان حقبة محاكم التفتيش وقمع المفكرين واضطهادهم حيث أقدموا على حرق جيوردانو برونو حيًّا في الساحة العامة بروما سنة 1600م بتهمة الهرطقة والإلحاد لجرأته في طرح أفكاره الفلسفية والعلمية "إلى حدٍ ما" ومخالفته لأطروحة الكنيسة الكاثوليكية.229 jawad bashara

لمحات من السيرة الذاتية

تأتي أهمية هذا المحاضرة العلمية والفكرية والثقافية أنها تنطوي على لمحات من السيرة الذاتية للكاتب جواد بشارة سنأتي عليها كلما استدعت الضرورة إلى ذلك ومن بينها قراءاته ومواقفه الأولى التي انتشلتهُ من قيود عائلته الدينية المتشبثة بالتراث الإسلامي المنغلق على نفسه والمتقوقع على طقوسه وعاداته وتقاليده القديمة التي تجاوزها التقدّم العلمي الذي نعيش تجلياته كل يوم في عصرنا الراهن. فلقد قرأ الباحث كتاب "نقد الفكر الديني" لصادق جلال العظم وهو في سن المراهقة وقد غيّر هذا الكتاب نظرته إلى العالم، وقد لَعِب تخصصه العلمي لاحقًا في تغيير قناعاته كلها ولم يعد مُقتنعًا بقصة الخلق كما روتها الأديان خاصة ونحن نعيش في القرن الحادي والعشرين حيث الاختراعات والاكتشافات العلمية تترى وتتلاحق في كل يوم ويصعب متابعتها في بعض الأحيان. ويشير في هذا الصدد إلى العقدين الأولين من القرن العشرين الذي شاعت فيه نظرية "البغ بانغ" أو "الانفجار العظيم" التي أحدثت زلزالًا من الناحيتين العلمية والفكرية وقدّمت تصورات جديدة لم يألفها الإنسان من قبل.

يعتقد الباحث أنّ الصراع قد بدأ بين الفلسفة والدين أولًا قبل أن يلج العِلم في هذا المضمار وكان كل طرف من أطراف الصراع يدلو بدلوه ولا يجد حرجًا في القول بامتلاك الحقيقة وإعطاء الأجوبة.

يُعرّف د. بشارة العقل الخرافي بأنه "العقل الذي يتقبّل ويصدّق ويؤمن بالأساطير والخرافات والشعوذات والخزعبلات حيال كل شيء في الحياة والواقع والموت، والآخرة والقيامة، والجنة والنار، والعقاب والثواب ، وعملية الخلق الرباني بطريقة كن فيكون، وبما جاء في النصوص الدينية التي يعتبرها مقدّسة". أمّا العقل العلمي "فهو الذي يستند للعلم فقط في إيجاد الأجوبة على التساؤلات الوجودية والظواهر الطبيعية المتعلقة بالحياة والكون والوعي والتطور، ولا يقبل أو يرفض التصديق بما جاء في الكتب التي يقال إنها سماوية منزّلة ومقدّسة". يقصد الباحث بالعقل الخرافي أيضًا  كل ما ينافي العقل والوعي العلمي سواء كان ذلك موجودًا في الإيديولوجيات والنظريات والأفكار الوضعية  والدنيوية أو في النصوص والروايات الدينية على حد سواء، وهو لا يقصد دينًا بعينه سواء كان هذا الدين وضعيًا دنيويًا كالبوذية أو الهندوسية أو اليانية أو السيخية أو سماويًا مُنزلًا كالدين اليهودي أو المسيحي أو الإسلامي. كما يقصد بالعقل العلمي طريقة التفكير والتأمل، والشك والتساؤل، والبحث والتجريب، والطعن بالمسلّمات الأسطورية أو الخرافية وذلك مذ نشأ الوعي عند الإنسان قبل ملايين السنين إلى يومنا هذا. ويضيف بأنّ العقل الخرافي يصدّق من دون أي نقاش أو اعتراض وأنّ ما يسمعه من روايات دينية هي حقيقة مُطلقة لا يرقى إليها الشك. بينما يخوض العقل العلمي حوارات ونقاشات علمية رصينة قائمة على الأدلة والبراهين القوية لا سيما بعد ظهور النظريات العلمية الحديثة مثل "النشوء والارتقاء" لداروين و "التحليل النفسي" لفرويد، وما قدّمه ماركس في الاقتصاد والاجتماع والفلسفة الماركسية حيث أحدثوا مع علماء ومفكرين آخرين زلزالًا معرفيًا غيّر أذهان الناس وفتح عقولهم على آفاق جديدة.232 jawad bashara

كُتب مُزلزلة تفتح الشهية لمعرفة الآخر

أشار الباحث إلى لقاء كبير حاخامات اليهود بآينشتاين وطلب منه أن يؤمن بالله لأنه يحرجهم في المحافل العلمية والاجتماعية والدينية فقال له أنا أومن بالله ولكن ليس الإله الذي تؤمنون به ... أنا أؤمن بسبينوزا "الذي طُرد من الفضاء الكنسي وانعزل عنهم" وذكر الباحث بأنّ أول كتاب قرأه لسبينوزا هو "رسالة في اللاهوت والسياسة" ترجمة المفكر المصري حسن حنفي الذي فتح شهيته هو الآخر على كتب فكرية وفلسفية كثيرة. واستمر هذا الصراع عبر التاريخ حتى أواسط القرن العشرين حيث ظهرت نظريات علمية دقيقة جدًا سواء في التكنولوجيا أو نظرية الكوانتوم "الكموم" التي جعلت العلماء يتقدمون في طروحاتهم العلمية الرصينة من دون أي خوف أو تردد. فقد ظهرت في أمريكا محاولات لمنع تدريس نظرية التطور في المدارس لكن العلماء والمفكرين تصدّوا لهذا الموضوع وقبروه قبل أن يولد. والأمر نفسه ينطبق على كتاب "وهم الإله" للبريطاني ريتشارد دوكينز وعدد كبير من الكُتّاب والفلاسفة والعلماء الذين حاولوا أن يخلقوا وعيًا جديدًا لدى القرّاء. أمّا في العالم العربي فلا يمكنك أن تقرأ مثل هذه الكتب الإشكالية ولكنك تستطيع شراءها سرًا بطريقة مستنسخة كما هو الحال في مكتبات "المتنبي" ببغداد.

يؤكد د. بشارة بأنّ الكُتّاب في العالَمين العربي والإسلامي نادرًا ما يتجرأون في إعلان آرائهم بصراحة أمام الملأ لأنهم سوف يُتهمون بالإلحاد وقد يتعرضون إلى الاغتيال كما حصل مع أدباء ومفكرين عديدين. وكان المحاضر نفسه يتوخى الحيطة والحذر حينما يذهب إلى العراق ويقدّم محاضرة هنا أو هناك حيث ينصحه بعض الأصدقاء بأن يتجنب المفردات الصريحة المباشرة التي تهزّ المتدينيين والأديان السماوية قاطبة. وفي لمحة أخرى من سيرته الذاتية أورد د. بشارة قصة أستاذ من أساتذة الحوزة العلمية الذي يدرِّس مادة "السطوح" أو "الدرس الخارجي" بالنجف الذي حضر واحدة من محاضرات د. بشارة "واستمع إليه بتأنٍ شديد وحينما انتهت المحاضرة قال بشكل صريح بأنه يسمع هذا الكلام أول مرة، وأنّ ما تعلّمه خلال نصف ساعة يعادل ما تعلّمه خلال 35 سنة الأمر الذي دفعه إلى نزع العمامة، وترك الحوزة، والانخراط في عالم التجارة".

يركِّز الباحث على استعادة المعرفة القديمة التي بلغت ذروتها في نشر كتاب "المبادئ" لإسحق آنشتاين سنة 1687م الذي صاغ قوانين الحركة والجاذبية وبدأ تشيّيد علم الكونيات الجديد الذي مهّد الطريق لعصر التنوير اللاحق وتمّ التعبير عن مفهوم الثورة العلمية من قِبل مفكرين في القرن الثامن عشر مثل جان سيلفان بيلي الذي وصفها بأنها عملية لتفكيك القديم وتأسيس الجديد. يُشيد الباحث بيتر هاريسون بدور المسيحية في ظهور الثورة العلمية الأمر الذي يمثل تحولًا كبيرًا في فهم الظواهر الطبيعية وإدارتها. فالعقل العلمي يعتمد على الملاحظة المنهجية والعقلانية بينما يعتمد العقل الخرافي واللاهوتي على التفسيرات الإلهية والخارقة للظواهر الطبيعية.

يشير الباحث إلى دخول مصطلح "التجريبية البريطانية" حيز الاستعمال لوصف الاختلافات الفلسفية الملحوظة بين اثنين من مؤسسيها وهما فرانسيس بيكون الذي وُصف بأنه تجريبي، ورينيه ديكارت الذي وُصف بأنه عقلاني. وكان توماس هوبز وجورج بيركلي وديفيد هيوم من أبرز روّاد الفلسفة الذين طوروا تقليدًا تجريبيًا كأساس للمعرفة البشرية من أجل الحصول على المعرفة والسيطرة على الطبيعة. وأكد بيكون أنّ الفيلسوف يجب أن ينتقل بواسطة الاستدلال الاستقرائي من الحقيقة إلى البديهة ثم إلى القانون الفيزيائي ويجب على السائل أن يحرر عقله من بعض المفاهيم أو الاتجاهات الخاطئة التي تشوّه الحقيقة. وثمة علاقة معقدة بين الملاحظة التجريبية والاستدلال العقلاني. يمتد هذا التناقض الفلسفي إلى المناقشات اللاهوتية حيث وصف البابا يوحنا بولس الثاني "الإيمان والعقل" كجناحين متكاملين يرفعان الروح البشرية نحو التأمل في الحقيقة" كما رأينا هذا التوليف في كتابات توما الأكويني ومحاولة ربط الفكر الكاثوليكي بالأسس الفكرية للعلم الحديث.230 jawad bashara

الاختبار والتجربة والتعلّم من الخطأ

توقف الباحث عند بعض المنظورات التاريخية والأسس الفلسفية والتأثيرات الاجتماعية والثقافية مؤكدًا بأن عصر النهضة والتنوير لم ينسف كليًا الآراء والفلسفات القديمة وخاصة الفلسفة الصوفية حيث تؤكد هذه الأخيرة على وحدة الوجود التي ذكرها ابن عربي التي تقول باختصار أنّ كل شيء في هذا الوجود مرتبط مع بعضه بعضًا ولا يوجد شيء خارج هذا الوجود، وهو الله في نظر المتصوفين. أمّا العلماء المعاصرون فيقولون إن الوجود هو الكون الكلي اللامتناهي وأنّ العلم يعني، من وجهة نظرهم، هو الاختبار والتجربة والتعلّم من الخطأ، وليس هناك عالِم من العلماء يدّعي امتلاكه للحقيقة بينما يؤمن رجل الدين بالحقيقة المُطلقة الأبدية التي هبطت عليه من السماء.

يعرّج المحاضر على السؤال الجوهري الذي ورد في نظرية الخلق الإلهي التي تقول إن هناك كينونة عليا وحيدة، كلية العلم والقدرة هي التي خلقت كل شيء لكنك عندما تسأل منْ خلق هذه الكينونة؟ تتعسّر الإجابة وتستحيل! أمّا الأديان فتقتنع بأنّ الإجابة هي الله من دون شك أو تردّد ولا يحق لنا، نحن البشر، أن نطرح عليه هذا السؤال المحيّر منذ الأزل وسيبقى كذلك إلى الأبد. فالعلم يسمّيه الكون الكلي أو الكون المطلق اللانهائي الذي ليس له بداية ولم يخلقه أحد، وهو موجود كما هو، ونحن جزء منه. يضم رصيد الباحث بشارة أكثر من كتاب في هذا المضمار الأول:"الكون الجُسيم والكون المتسامي"، والثاني:"من الكون المرئي إلى الكون اللامتناهي" وقد وضع في هذا الكتاب الأخير كل النظريات الفيزيائية، إضافة إلى كتاب ثالث بعنوان "سفر التكوين العلمي". يقف العلماء حائرين أيضًا أمام مسألة الموت، وماذا يحصل بعد الموت؟ والكل يحاول أن يجد إجابة مُقنعة في أقل تقدير. وثمة أسئلة محايثة من قبيل:هل هناك روح أم أنّ الإنسان مجرد هيكل جسدي مادي سوف يفنى بعد الموت؟ يتكرر مثل هذا السؤال عندما يطرح العلماء:ماذا كان هناك قبل البغ بانغ فهم يعتقدون أنّ الانفجار الكبير هو بداية الكون المرئي الذي نعيش فيه لكن ماذا كان يوجد قبل البغ بانغ؟ لم يجد الإجابة سوى بعض الأشخاص الذين درسوا هذه العملية وخاصة الشقيقين التوأمين إيغور وكريشكا بوغدانوف حيث قدّم أحدهما أطروحة جميلة عن البغ بانغ وصفه بأنه DNA لهذا الكون، أي مجرد معلومة تشبه الدسك الذي لا نعرف محتواه إلّا إذا وضعناه في جهاز الكومبيوتر، وهذه المعلومة هي التي تختزن ذاكرة الكون الأسمى، أي أنّ هناك حركة دورية أسماها أحد العلماء البريطانيين بـ "الكون التعاقبي"، أي أنّ الكون الموجود يحدث انفجار أو عدة انفجارات ويوّلد كونًا أو عدة أكوان لها قوانينها الخاصة بها أحدهم هو هذا الكون المرئي الذي نعيش فيه وسوف يصل في مرحلة معينة إمّا إلى الانسحاق الكبير أو الانكماش الكبير أو التمزّق الكبير أو التجلّد الكبير، وحسب نظرية البغ بانغ فإنّ الكون ينهار على نفسه ويصل إلى الفرادة السابقة لكن الفرق أنّ ذاكرة هذا الكون وما فيه من قوانين يشبه المعلومة الحاسوبية التي تبقى مخزونة وتنفجر مرة أخرى وبالتالي فليس هناك بداية ولا نهاية، وسوف يستمر الكون بهذه الطريقة إلى الأبد كما يذهب روجر بنروز الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء.

لم تكن المجتمعات بعيدة عن تأثير الدين الذي يغزو العقول من خلال السيطرة على المجتمع ولا يسمح له أن يفلت من قبضته لأنه صراع على السلطة والنفوذ ورجال الدين يستشعرون أي خطر قبل حدوثه ويحاولون القضاء عليه. يشير د. بشارة إلى أنّ تقاطع التقدّم العلمي والمعايير المجتمعية قد أدّى إلى تغييرات عميقة في كيفية إدراك الأفراد والمجتمعات لأنفسهم وعلاقتهم مع الآخرين، أي أننا كنّا نتصرف سابقًا مثلما يُملى علينا لكن هذا الصراع أفضى بالمجتمعات لأن تتحرر من خلال بعض النظريات والأنشطة المجتمعية وصاروا يتجرأون على طرح الأسئلة التي خرجت من إطار الأشخاص المحدودين إلى الفضاء المجتمعي. وأشاد الباحث بدور عدد من الكُتّاب الذين أدّوا دورًا مجتمعيًا كبيرًا في تقديم بعض الكتب المبسطة أمثال سلامة موسى أو إسماعيل مظهر الذي أكد على ضرورة إطلاع المجتمعات على الأبحاث والدراسات والنظريات الحديثة.231 jawad bashara

انتقاد النظرية الماركسية

عودًا على السيرة الذاتية التي تجلت في هذه المحاضرة تحديدًا فقد أشار د. بشارة إلى جرأته الواضحة حينما كان عمره 16 سنة حيث طلب من الصديق عبدالله القريشي أن يأخذه للقاء السيد محمد باقر الصدر بمدينة النجف، وكان بشارة هيبيًا في ذلك الوقت، شعره طويل جدًا، ويرتدي بنطال التشارلستون؛ أي أنّ مظهره الخارجي لا يتناسب مع أجواء وتقاليد الحوزة النجفية. وحينما تمّ اللقاء الانفرادي بالسيد الصدر سأله سؤالًا جريئًا واحدًا عزّزه بأسئله جانبية تدور في فلك السؤال الأول وتتمحور عليه مفاده:" كتبتَ كتابًا اسمه "فلسفتنا" تنتقد فيه النظرية الماركسية، هل تعرف أنتَ لغة أجنبية؟ وحينما نفى الصدر معرفته بأية لغة أجنبية ردّ عليه الشاب بشارة:"كيف تسمح لنفسك أن تنتقد نظرية لم تقرأها بلغتها الأصلية؟" فردّ عليه ثانية:"أنا انتقد النظرية الماركسية كما وصلت إلينا عبر الترجمة!" فسأله ثالثة:" من هو الشخص الذي أوصلها إليك . . . إلياس فرح؟ وهل تعتبر إلياس فرح هو المصدر الأساسي للماركسية؟" عندها اقتنع السيد الصدر وقال بتواضع شديد "لو أنّ لدينا عشرة أشخاص مثلك لعرفت كيف أدع الإنسان ينتصر على هذه الأفكار". أشار الباحث إلى أنه كتب هذه الواقعة في مقال يحمل عنوان "البحث عن عراقيتي" وتُرجم ونُشر في مجلة فرنسية. ما يقصده بشارة من هذه السردية بأن الشخص الذي يمتلك قدرًا من الجرأة إمّا أن يمنعوه أو يحاولون احتواءه بطرقٍ شتّى كأن يحرضوا الأهل أو عامة الناس عليه علمًا بأن غالبية أصدقائه وأترابه قد انخرطوا في التيار الديني ومارسوا طقوسة المعروفة في العراق. ويعزو بشارة سبب خروجه عن هذه الدائرة الدينية إلى فضوله المعرفي وجرأته في طرح الأسئلة العويصة والشائكة مثل قصة الخلق والخالق وسوف تتلوها حكاية الانفجار العظيم وما قبله من نظريات. جدير ذكره في هذا الصدد إلى أن لغة بشارة الإنكليزية كانت جيدة إلى حدٍ ما بحيث تتيح له قراءة بعض الكتب والمجلات الأجنبية التي تُعينه على معرفة ما يدور خارج البلاد حينما كان العراق مُغلقًا في أواخر الستينات فعانى من الحصار الثقافي مثلما كان يعاني غالبية العراقيين في تلك الحقبة. وبمرور الزمن تراكمت هذه المعلومات العلمية التي عززت تفكيره العلمي وكان بإمكانه أن يوصلها باللغة الإنكليزية أو الفرنسية التي أتقنها على مدى 50 عامًا من وجوده في باريس لكن الغرب لا يحتاج إلى هذه المعلومات لأن لديهم عشرات الكُتّاب والمؤلفين الذين يبسِّطون المعلومات العلمية وينشرونها للملأ الأعظم من الناس. فعندما يقدّم ستيفن هوكينغ محاضرة لمجموعة من العلماء أو الطلبة المتخصصين يتكلم بلغة العلم والمعادلات الرياضية التي لا يستوعبها عامة الناس ولكن حينما يخاطب السواد الأعظم يتحدث باللغة التبسيطة vulgarization المُشار إليها سلفًا. وبما أنّ العالم العربي يفتقر إلى هذه الكتب التبسيطية ويتفادونها أو يخشون من ردّة الفعل فقد أخذ د. بشارة على عاتقه محاربة العقل الخرافي الذي حعلنا نعيش هذا التخلف المقيت. ويرى الباحث أنّ من واجب العلماء والمفكرين والمثقفين خلخلة قناعات المجتمع وثوابته الفكرية، وقد نجح هو حينما نشر العديد من مقالاته العلمية في التأثير على الشباب تحديدًا الذين يقرأون مقالاته ويسعون لحضور ندواته العلمية والفكرية والتنويرية التي يجيب فيها على أسئلتهم المؤرقة في ظل غياب الكتب النوعية المزلزلة للفكر الإنساني.

طرفان يمتلكان الحقيقة وثالث يسعى لاكتشافها

يعرّح د. بشارة في نهاية المحاضرة على كتابه الموسوم "الثالوث المحيّر، الله، الدين، العلم" بأجزائه الثلاثة الذي يثير الخوف والخشية ففيه طرفان يدعيان امتلاك الحقيقة المطلقة بينما يعمل الطرف الثالث على اكتشاف الحقيقة النسبية القابلة للتغيير والتطور كلما تقدمت التكنولوجيا والنظريات العلمية. أمّا الدين فقصته أكثر غموضًا وخطورة فقد حكم وسيّر سلوك البشر وما يزال منذ آلاف السنين وأوجد مؤسسات دينية أفرزت كافة أنواع الشرور والعنف  والبطش والقتل الوحشي والتفكير والحروب  والسيطرة على عقول البشر. أمّا الطرف الثالث فما يزال يحبو ويجرّب، وينجح هنا ويفشل هناك على نحو نسبي ويسعى إلى تحسين الوعي البشري والبحث عن أجوبة للأسئلة الكبرى التي تطرحها الإنسانية على نفسها عن الأصل والمصير والمآل الذي ينتظر البشرية ويبقى صعبًا على الإدراك والفهم العام باستثناء نخبة قليلة من العلماء ويواجه جملة من التحديات والظواهر التي يعجز عن فهمها وتفسيرها ومنها أصل الحياة وسرّها ومعناها؟ ويبدو هذا السؤال من طبيعة فحواه أنه ينتمي إلى حقل الفلسفة والدين والفكر المجرد ولا علاقة له بالعلم لكن كثيرًا من موضوعات الفلسفة والدين صارت تقع الآن تحت طائلة العلم وخاصة علم الفيزياء.

يتذكر د. بشارة طُرفتين ينهي بها محاضرته، الأولى، عندما سأل أحدهم القديس أوغسطين: ماذا كان يفعل الله قبل خلقه للكون والإنسان؟ فردّ عليه: كان يُحضّر نار جهنم لمن سيسألون هذا السؤال مثلك. والثاني هي عندما التقى ستيفن هوكينغ بالبابا يوحنا فقال العالم البريطاني للحبر الأعظم: ألا تسلّمون أخيرًا بصحة نظرية الانفجار العظيم؟ فردّ عليه البابا: بشرط أن تسلّمون أنتم بصحة أطروحتنا فدعو لنا ما قبل البغ بانغ ونترك لكم يا معشر علماء الفيزياء الكونية ما بعد البغ بانغ.

***

عدنان حسين أحمد

منح اتّحاد كتّاب أفريقيا وآسيا وأمريكا اللّاتينية الكاتب والمفكّر العراقي الدكتور عبد الحسين شعبان "وسام التميّز"، وقام الأستاذ أحمد المسلّماني، أمين عام الاتحاد والمستشار السابق لرئيس الجمهورية، بتوسيمه وبمشاركة من رئيس منظمة تضامن الشعوب الأفرو آسيوية ووزير الصحة الأسبق د. حلمي الحديدي والسفير العراقي في القاهرة د. قحطان طه خلف الجنابي.

وذلك بحضور مجموعة متميّزة من الشخصيات الثقافية والفكرية والسياسية، بينهم الوزير عمرو حلمي والمحامي عصام شيحة القيادي في حزب الوفد المصري ورئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان ود. عاطف مغاوري نائب رئيس حزب التجمّع وعضو مجلس الشعب المصري (البرلمان) ود. محمد عفيفي البروفيسور في معهد البحوث والدراسات العربية والدكتور حيدر طارق الجبوري الديبلوماسي في جامعة الدول العربية، وعدد من الصحافيات والصحفيين، إضافة إلى بعض أعضاء منظمة تضامن شعوب آسيا وأفريقيا، وجمهور مصري وعراقي ويمني وسوري ولبناني، وعدد من الطلبة الإندونيسيين الذين يدرسون في جامعة القاهرة.186 hosan shaban

وكان شعبان قد ألقى محاضرةً بمناسبة صدور كتابه الموسوعي "جواهر الجواهري" احتفاءً باستقبال الذكرى اﻟ 125 لميلاد الجواهري (دار سعاد الصباح، الكويت، 2024)، تناول فيها علاقة الجواهري بطه حسين، الذي خاطبه قائلًا: "أنت أشعر العرب"، بعد أن استمع إلى قصيدته: "قف بالمعرة وامسح خدها التربا... واستوح من طوّق الدنيا بما وهبا". الجدير بالذكر أن القصيدة التي ألقاها الجواهري في دمشق كانت بمناسبة  مرور 1000 عام على رحيل الشاعر والفيلسوف الكبير أبا العلاء المعرّي. أما الجواهري فقال عن طه حسين الذي ارتبط به بصداقة منذ العام 1944، "أنت معريّ عصرنا".

وتناول شعبان محطات من حياة الجواهري وشعره وشاعريته المتميّزة وعلاقته به وما أنجزه عنه ابتداءً من "الجواهري في العيون من أشعاره"، دمشق، 1986، و"جدل الشعر والحياة"، بيروت، 1997، وصولًا إلى "جواهر الجواهري".

وقال أنه سبق أن تحدّث عن الجواهري في القاهرة بشكل خاص ومصر بشكل عام منذ عدّة عقود، وتوقف عند محاضرته في "أتيليه القاهرة" قبل نحو عقدين من الزمن، وقدّمه فيها الدكتور مدحت الجيار، ومحاضرته في دار الأوبرا "الشعر في حضرة الجواهري"، وقدمه فيها محمد السلماوي رئيس اتحاد كتاب مصر، والأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب.188 hosan shaban

وقال شعبان أن الاحتفال به وتكريمه بمناسبة صدور كتابه "جواهر الجواهري" هو احتفاء بالعراق ومصر في الآن للعلاقة التي تربطهما، وأشار إلى أهمية المكان الذي تنعقد فيه هذه الأمسية "قاعة يوسف السباعي"، وقد سبق له أن تعرّف على ثلاثة من رؤساء الاتحاد بعد السباعي وهم عبد الرحمن الشرقاوي ومراد غالب وأحمد حمروش، الذين غادرونا إلى دار الحق، أما رابعهم فهو إلى جانبي على المنصّة، الدكتور الحديدي، أطال الله بعمره.

واستذكر صديقه ورفيقه الراحل الكبير نوري عبد الرزّاق، الذي شغل منصب الأمين العام لمنظمة تضامن شعوب آسيا وأفريقيا (توفي في 25 آذار / مارس 2024)، وشكر اتحاد كتاب أفريقيا وآسيا وأمريكا اللّاتينية على منحه وسام التميّز، كما أثنى على  الأستاذ أحمد المسلّماني (أمين عام الاتحاد) وحسن ضيافته وكرم أخلاقه، مشيدًا بالدور المتميّز الذي يقوم به على الصعيدين الإعلامي والثقافي.

***

القاهرة - وكالات

 

- مدينة المحرس تعيش ألوان وأجواء مهرجانها الدولي للفنون التشكيلية..بانوراما من الفنون والابداعات وورشات للأطفال ..

- مشاركات عديدة من فلسطين والجزائر والمغرب والسودان وليبيا وسوريا والعراق والأردن والكويت  و بريطانيا وفرنسا والكوت ديفوار واليابان..

وسط أجواء احتفالية كبرى هي من تقاليد الفعاليات وبدعم من المندوبية الجهوية للشؤون الثقافية بصفاقس مرة أخرى وضمن اطارها الثقافي والفني الذي تعوده أهلها وأحباء الفنون التشكيلية تونسيا وعربيا ودوليا شهدت مدينة المحرس الجميلة مساء الأمس  يوم الاثنين 02 سبتمبر الجاري الافتتاح الرسمي للدورة (36) لمهرجانها الشهير ونعني مهرجان المحرس الدولي للفنون التشكيلية وذلك تحت شعار "مستمرون... بين المحرس وغزة"، حيث  انطلقت الأنشطة الأولية يوم الجمعة 30 أوت 2024 في سياق الفعاليات للدورة الجديدة والتي تضم كعادة المهرجان المنبعث مع نهايات الثمانينات عددا من البرامج الفنية والثقافية والفكرية والموسيقية والشعرية وذلك جريا على عادات الفعالية العريقة التي شهدت منذ تأسيسها مشاركات واسعة لفنانين ونقاد في مجالات الفنون الجميلة من تونس والوطن العربي والعالم ..و شهدت الانطلاقة نشاط ورشات الفنون التشكيلية للأطفال ..هي دورة على ايقاع المقاومة لأجل الحقوق الفلسطينية تحت شعار "مستمرون... بين المحرس وغزة " في اشارات عميقة لدور الفن في الانتصار للشعوب ونضالاتها لا سيما بتاريخها وراهنها النضاليين.و عبرت الدورة عن ذلك من خلال أفيش المهرجان لهذا المأخوذ عن عمل فني فوتوغرافي للفنان الصامد  بغزة فادي ثابت وفق معالجة غرافيكية مع تصميم من قبل الفنانة والمنسقة العامة بهيئة المهرجان ريم عطية.

في البرنامج  معارض وفعاليات تنشيطية منها عرض المايسترو كمال الجريبي طبال قرقنة  وعرض نضال اليحياوي.و هناك معرض فني فلسطيني للفنانين  فادي ثابت ورائد عيسى  ورائد القطناني حيث كانوا قد عملوا على نشر جرائم الكيان الصهيوني بغزة وهذا المعرض يفتتح يوم الخميس 05 سبتمبر الجاري...برنامج عام لفعاليات هذه الدورة لمهرجان المحرس  الدولي للفنون التشكيلية .فخلال  12 يوما يشهد المعرض الكبير أعمالا فنية لفنانين من تونس والدول المشاركة على غرار فلسطين والجزائر والمغرب والسودان وليبيا وسوريا والعراق وبريطانيا وفرنسا والكوت ديفوار والأردن والكويت واليابان.182 Gallery

في الدورة كذلك يتواصل يوميا نشاط  الورشات المعنية بابداعات الأطفال واليافعين والفنانين مع  ورشة هي من تقاليد المهرجان وتخص الترميم وصيانة الأعمال المنتصبة بحديقة الفنون قبالة مقر جمعية المهرجان فضلا عن الوورشات المخصصة للرسم والنحت والحفر والجداريات.و في الجانب الفكري والابداعي للفعاليات يتابع ضيوف الدورة ورواد نشاط المهرجان مجالس ولقاءات متعددة ضمن ال "منابر" لتطارح قضايا وأسئلة بشأن  الفنون ومجالاتها الشاسعة حيث ينتظم لقاء عن "تجربة الفنان مراد الحرباوي" ضمن المنبر الأول يوم 04 سبتمبر وضمن  المنبر الثاني يكون الموعد يوم 05 سبتمبر مع تقديم كتاب "السوق الفنية المعاصرة والثقافة الربحية نماذج من الفن المعاصر " للفنان والدكتورمحمد الرقيق.و في جانب الابداع الشعري وضمن سهرة الحميس 05 سبتمبر موعد مع الشاعر الهادي القمري والناقد الدكتور خالد الغريبي يلي ذلك حصة تقديم وتوقيع الديوان الشعري " من سيرة البستاني...و قصائد أخرى " جديد اصدارات الشاعر شمس الدين العوني.

هذا وتتواصل طيلة أيام المهرجان الورشات والمعارض حيث تكون مناسبة الاختتام الرسمي للمهرجان يوم الجمعة 06 سبتمبر في فقرة احتائية يتم خلالها توزيع الجوائز والتكريم لمشاركين مع فسحة موسيقية للفنان فرحات بن حميدة. وبالتوازي مع ذلك يتابع أحباء المهرجان والفن التشكيلي زيارة المعارض الى غاية يوم 10 سبتمبر في قاعات المعارض قرب مقر جمعية هذا المهرجان الفني العريق الذي يمثل حالة ثقافية تنشيطية لأهالي المحرس مدينة الفنون التي تتطلب ومثلما أكدت على ذلك توصيات الدورات السابقة بعث متحف فني يحفظ تراث المهرجان ويحمي اللوحات كما يشير المهرجان الى أهمية الدعم المالي الذي يجب أن يكون في وقته المناسب كي تنتظم الفعاليات في توقيتها العادي خلال شهر أوت تلاؤما مع خصوصية مدينة المحرس الحاضنة لحيز كبير من عمالنا بالخارج والذين يغادرون مع نهايات شهر أوت وبالتالي فان انتظام المهرجان في شهر سبتمبر يكون أمام جهور اقل ويفتقد بالتالي لدوره التنشيطي الفاعل في ذروة الفترة الصيفية والسياحية بالمحرس..دورة ويد ملونة بالفن تمتد لتصافح أختها اليد الفلسطينية المعانقة للبندقية في دعم وتضامن ومساندة لفلسطين وأرضها..و أهلها الطيبين .

***

شمس الدين العوني

لقد قام اتحاد الفلاسفة العرب برئاسة دكتور محمد عرفات حجازى رئيس الاتحاد وعدد من الاساتذة والباحثين في المجال الفلسفى بعقد اجتماع طارئ يوم الخميس الماضي الموافق 22/5/2024 لمناقشة التدابير والاجراءات الواجب اتخاذها نتيجة قرار وزارة التربية والتعليم في مصر المتعلق بدمج بعض المواد فى الثانوية العامة والغاء تدريسها في بعض السنوات على رأسها الفلسفة، الأمر الذي أثار ضجة في الاوساط العلمية نتيجة هذا القرار الصادم الذى تم اتخاذه دون دراسة نتيجة هذا القرار على أرض الواقع وما يحملة من سلبيات سوف تعاني منها الاجيال القادمة.

بينما تسعي الدول المتقدمة الى تطبيق دراسة الفلسفة على الاطفال من أجل انشاء جيل ذات فكر حر، سعت وزارة التربية والتعليم المصرية إلى الغاء دراسة مادة الفلسفة في ضوء تطوير نظام الدراسة في الثانوية العامة . هذا القرار الذي نزل كصاعقة علي الباحثين في المجال الفلسفي . إن الفلسفة ليست مادة نظرية عقيمة دون جدوي لتهميشها أو التقليل من دورها في بناء الفكر الإنساني الحر، أنها البذرة التي خرجت منها كل العلوم الذي نشهدها اليوم باختلاف أشكاها أو مسمياتها ، إن قرار الغاء الفلسفة سوف تعانى منه الاجيال مستقبلاُ . لذلك وجه الاتحاد دعوة للكثير من أساتذة الجامعات المصرية للحضور، وكذلك للعديد من أساتذة الفلسفة في المرحلة الثانوية بالإضافة إلى الباحثين والمهتمين بالمجال الفلسفي من مختلف البلدان العربية.

وقد افتتح رئيس الاتحاد اللقاء – الذي عقد عبر خاصية الحضور الافتراضي مرحباً بالحضور، وموضحاً الخطوط العامة لما انجزه اتحاد الفلاسفة العرب من لقاءات وملتقيات عربية، كان مما بينها الملتقي العربي الأول الذي ناقش فيه منزلة الفلسفة في مرحلة التعليم الثانوي العربي مع أساتذة الفلسفة في مختلف ربوع الوطن العربي. والملتقي العربي الثاني الذي تناقش فيه مع تلاميذ المرحلة الثانوية، وجاء الملتقي العربي الثالث حيث اللقاء ببعض أساتذة الفلسفة في الجامعات العربية .

هذا بالإضافة إلى مؤتمر الاتحاد الأول عن " الفلسفة للأطفال" والذي شاركت فيه نخبة عريضة من ربوع الوطن العربي . ومؤتمر الفلسفة الثاني عن " السينما والفلسفة " والذي شاركت فيه شخصيات عربية بارزة مثل أحمد عبد الحليم عطية من مصر والفنان أحمد بغالية من الجزائر، وكان ضيف شرف المؤتمر مدير التصوير المصري كمال عبد العزيز .

وقد استهل الحضور اللقاء باستنكار قلة حضور أساتذة الجامعات الذي وجه لهم الاتحاد دعوة لحضور المؤتمر فلم يحضر منهم إلا عدد قليل جدا منهم دكتور ياسر قنصوه، لكن دون جدوى او اكتراث منهم لأزمة الفلسفة في مصر لذلك سلط الاتحاد الضوء على الحزبية والشللية بين أساتذة الجامعات في مصر، مؤكدين على ضرورة التكاتف لأجل النهضة بالفلسفة والعودة بها إلى مكانها الصحيح، ودار حديث مطول عن جدوى وأهمية الفلسفة خصوصاً في وقتنا الراهن لما تعانيه الدول العربية من الإرهاب والتطرف الفكري .

بالإضافة إلى الحديث عن تبعات قرار وزير التربية والتعليم في مصر، ومدى إقبال الطلاب على دراسة الفلسفة في المرحلة الجامعية، وموقف مجلس النواب من القرار وغيرها من التفاصيل فيما خلص اللقاء إلى العديد من التوصيات التي من بينها: ضرورة وجود قناة على يوتيوب ببرنامج فلسفي متكامل، واكد حجازي بوجود القناة وعشرات الحلقات ولكنها غير كافية والتقدم عليها ليس على المستوي المأمول بسبب قلة التفاعل وندرة الامكانات حيث يقوم الاتحاد بمجهود ذاتي خالص، وأيضا فتح دورات تدريبيه في مجال التفكير الناقد وفي مسائل الفلسفة، بالإضافة إلى فتح دورات في مجال الذكاء الاصطناعي وعلاقته بالفلسفة، وهذا ما أكده رئيس الاتحاد على ان البرنامج موجود على جدول أعمال الاتحاد لكن نظراً لعدة أسباب فقد تأخر في طرح هذه الدورات. وتتوج اللقاء بالاجماع على ضرورة طرح مؤتمر أو ملتقي عربي يدعو فيه الاتحاد العرب كافة الجمعيات الفلسفية العربية وكافة مخابر الفلسفة والمراكز البحثية لطرح مؤتمر بالشراكة عن أهمية الفلسفة، وأبدي دكتور حجازي عن استعداده للتواصل مع الجهات المذكورة رغم يقينه المسبق بعد الاستجابة مثلما حدث مع بعض أساتذة الجامعات المصرية سابقاً، لكن ايماناً منة بقيمة وأهمية الفلسفة وتأكيده على ضرورة الوحدة، فقد وعد بشروعه في التواصل مع هذه الجهات في أقرب اجل بعد انتهاء اللقاء . ليبقي الأمل في ان تعود الفلسفة ويعود الفكر المنطقي إلى مكان الريادة في قيادة وتنوير المجتمع أمام ما اصابة من انتكاسات بفضل انتشار التفاهة والرجعية، والتعصب والانغلاق ...

***

آية محي الدين - مصر

في أمسية ثقافيّة بهيجة، احتفى نادي حيفا الثّقافيّ بالأديبة والنّاقدة صباح بشير، وذلك مساء يوم الخميس، الموافق 8 أغسطس 2024.

شهدت الأمسية إشهار كتابها الجديد "شذرات نقديّة"، وسط حضور نخبّة من المثقّفين والأدباء، وقد أدار الحفل ببراعة واقتدار الكاتب والإعلاميّ القدير نايف خوري، مدير جمعيّة نادي حيفا الثّقافيّ، الّذي رحّب بالحضور، وهنّأ النّاقدة بشير على هذا الإنجاز الأدبيّ.

افتتح الأمسية مدير النّادي ومؤسّسه، الأستاذ المحامي فؤاد مفيد نقّارة، بكلمة معبّرة رحّب فيها بالحضور الكريم، وأعرب عن امتنانه للمجلس الملّيّ الأرثوذكسيّ على رعايته لأمسيات النّادي، كما وجّه التّهنئة القلبيّة للأديبة المحتفى بها. وممّا جاء في كلمته: لقد سَعِدنا بالتّعاون مع دار الشّامل للنّشر والتّوزيع؛ لإصدار كتاب الأستاذة صباح بشير "شذرات نقديّة"، وهو كتاب يستحقّ القراءة لما فيه من رؤى نقديّة، وأسلوب أدبيّ راقٍ.

هذا الكتاب هو تجسيد حيّ للنّقد الأدبيّ دون تعقيد، تتميّز لغته بالسّلاسة والوضوح، ما يجعله في متناول القرّاء من مختلف الخلفيّات الثّقافيّة، وهو مرآة تعكس جماليّات النّصوص المتناولة في البحث والتّحليل، وهو بوصلة توجّه القارئ نحو فهمٍ أعمق لتلك الأعمال، وتقدير فنّيّاتها وأسرارها.

تخلّل الحفل كلمات ومداخلات قيمّة، سلّطت الضّوء على أهميّة الكتاب، كما أشادت بمسيرة الأديبّة والنّاقدة بشير، وجهودها المتميّزة في إثراء الحركة الأدبيّة والثّقافيّة.36 sabah basheer

في مستهلّ المداخلات، افتتح الأستاذ كميل مويس بكلمته قائلا: إنّ كتاب "شذرات نقديّة" للأديبة صباح بشير، هو باكورة الأعمال الّتي تصدر بالتّعاون مع نادي حيفا الثّقافيّ، وهذا دليل ساطع على انخراط الأديبة بشير في الحراك الثّقافيّ النّابض في النّادي. لقد اطّلعتُ على الكتاب، واستمتعتُ أيّما استمتاع بالتّحليلات النّقديّة الثريّة، والأسلوب الأدبيّ الأنيق الّذي اعتمدته بشير في صياغته. ثمّ أردف: لقد استوقفني الإهداء الجميل الّذي صاغته بشير بلغة أدبيّة راقية، حيث أهدت كتابها إلى روح والدها رحمه الله، عرفانا بالجميل وتقديرا لما قدّمه لها من رعاية وتشجيع في حياته، وإلى والدتها حفظها الله، الّتي كانت لها خير سند وداعم في مسيرتها العلميّة والمعرفيّة.

في مداخلة للدّكتور منير توما قال: تتّصف كتابات النّاقدة صباح بشير بالمتانة اللّغويّة والانسيابيّة والأسلوبيّة، الّتي دفعتنا إلى أن نتناول كتابها "شذرات نقديّة" بالدّراسة والتّحليل، من منطلق أنّها أضافت في هذا الكتاب أبوابا متعدّدة ومتنوعة، تمثّلت في فصول تمحورت حول مقالات وحوارات وأعمال روائيّة وقصصيّة، بالإضافة إلى كتب من قراءة مختصرة، وأدب أطفال ونصوص وأشعار، وفي مقالتها "ما بين الكاتب والنّاقد والنّص"، أتّفق مع ما جاء في قولها هناك من أنّه يتعيّن على النّاقد أن يكون منفتحا على آرائه، مستعدّا لتقويمها وتنقيحها من وقت لآخر، وأن لا يطلق أحكاما متسرّعة، دون الأخذ بالموازين الأدبيّة الصحيحة.

في مداخلته، تناول د. أليف فرانش عنوان الكتاب "شذرات نقديّة"، موضّحا أنّ العنوان يجسّد فكرة تقديم الموضوعات النّقديّة بأسلوب مكثّف، حيث تتناول الكاتبة أفكارا متنوّعة، وتحليلات نقديّة حول موضوعات مختلفة بطرق موجزة ومباشرة، ممّا يحفّز المتلقّي على قراءة الكتاب.

كما أضاف د. فرانش أنّ مقالات الكتاب تتضمّن تحليلا واستعراضا لأعمال أدبيّة من منظور النّاقد، حيث تتعمّق الكاتبة في تقييم الأعمال ومناقشة جوانبها المختلفة، سواء كانت إيجابيّة أم سلبيّة.37 sabah basheer

من جانبه، افتتح د. سمير حاج مداخلته بهذا الاقتباس من الكتاب حول العلاقة بين الكاتب والنّاقد والنّص: "طبيعة النّقد للنّص تعكس ثقافة المجتمع، انطلاقا من أنساقِه الثقافيّة الكامِنة فيه، إنتاجا وتأويلا، فَبَيّن الكاتب والنّاقد والنّصّ، علاقة حميميّة وثيقة، عميقة الغور والقرار، لعلّها ترجع إلى الوقت الّذي نشأ فيه الأدب، ورصد مراحل تطوّره عبر التّاريخ".

ثمّ اختتم د. حاج مداخلته بالإشارة إلى أنّ النّاقدة بشير تناولت في كتابها مجموعة متنوّعة من الأجناس الأدبيّة، مثل القصّة والرّواية والحوار والشّعر، مع اهتمام واضح بجانب الرّواية، وشبّه عملها بالنّحلة الثّقافيّة الّتي تمتصّ رحيق الأزهار والنّباتات، وتسكبه في قوارير شهد لتكون وجبة شهيّة للقارئ الّذي يقرأ أعمالا متنوّعة من خلال هذا الكتاب.

في الختام، تمّ تقديم درع النّادي التّكريميّ للأديبة صباح بشير، الّتي أعربت عن بالغ شكرها وامتنانها للنّادي وإدارته على هذا التّكريم، كما شكرت الحضور والضّيوف الكرام على منصّة الحفل، على كلماتهم القيّمة، ثمّ تحدّثت بإيجاز عن كتابها مستعرضةً أسلوبها في قراءة النّصوص الأدبيّة وتحليلها.

تطرّقت بشير في كلمتها إلى أهميّة النّقد الأدبيّ ودوره في إثراء المشهد الثّقافيّ، وإلى أهميّة القراءة بشكل عامّ في تنمية الوعيّ والفكر، واختتمت حديثها بالإشارة إلى الكتابة وما تمثّله لها من شغف وحاجة للتّعبير عن الذّات والتّواصل مع الآخرين.

هذا وقد أقيمت هذه الأمسية في قاعة كنيسة يوحنّا المعمدان الأرثوذكسيّة، برعاية المجلس الملّيّ الأرثوذكسيّ.

***

أعمال فنية متعددة وحضور فنانين أبرزهم الدكتور ريهام عمران أمين عام نقابة الفنانين التشكيليين

ضمن النشاط الفني التشكيلي والثقافي في تونس وخارجها تواصل الفنانة التشكيلية التونسية نسيبة العيادي حضورها من خلال المعرض الشخصي بعنوان " عشق خالد " المنتظم  بأتيلييه القاهرة بجمهورية مصر العربية حيث افتتح الدكتور ريهام عمران أمين عام نقابة الفنانين التشكيليين يوم الأحد 28 جويلية 2024 معرضا شخصيا للفنانة والذي ضم عددا من أعمالها الفنية وذلك وقد حضر حفل الافتتاح لهذا المعرض الخاص  الفنان أحمد الجناينى  رئيس مجلس إدارة الاتيليه وكوكبة من الفنانين التشكيليين والأدباء ومنهم الفنان الدكتور د . زكريا القاضى أستاذ التصوير بفنون المنيا  والفنانة العراقية نجلاء على حسن والفنانة نجلاء السنارى  والفنانة عايدة خليل والفنان مدحت الحناوى والفنان السودانى منعم حمزة والاستاذ عادل فريد المثمن والمقيم للأعمال الفنية العالمى والمخرج المسرحى نتعى محجوب ووالكاتب الصحفى ارمنيوس المنياوى نائب رئيس تحرير صحيفة الجمهورية والفنان فتحي إدريس وعدد من عشاق الفنون الجميلة وأصدقاء الفنانة من مصر ..و قد تواصل هذا المعرض الى غاية يوم  02 أوت الجاري 2024 بفضاءات أتيليه القاهرة.

هذا المعرض هو في سياق نشاط الفنانة نسيبة ومشاركاتها المتعددة والتي منها سابقا مشاركتها في المعرض الجماعي مع الفنانين المصريين جورج ماهر وفتحي ادريس  حيث تتنوع الأعمال بين التصوير الضوئي والرسم والرسم الزيتي وذلك تحت عنوان: " ابداعات عربية " وفق برنامج ثقافي متنوع  . هذا المعرض المشترك (تونسي مصري) في الفن التشكيلي وبخصوص هذه التظاهرة قالت منظمتها الفنانة نسيبة "...حفل الاختتام تم فيه تكريم عدد من الفنانين منهم  محمد بن الهادي الشريف..عمر حرزالله عبادة..زكريا طرفة فنان مصري ...16 nasyba

و الفنانة التشكيلية  نسيبة العيادي العروسي استاذة وفنانة تشكيلية وشاعرة بعديد المعاهد بتونس بصفاقس. شاركت في العديد من المعارض المحلية والدولية اسطنبول .القاهرة .فرنسا. نسيبة العيادي العروسي ناشطة فاعلة في جمعيات ثقافية فنية ودولية فهي نائب رئيس الجمعية التونسية للتربية الفنية. عضوة بنقابة مهن الفنون التشكيلية. عضوة بالرابطة التونسية للفنون التشكيلية. سفيرة الفن التشكيلي لجمعية نجم الدولية الفلسطينية. عضو بملتقى رواد الفن التشكيلي العراقي باسطنبول. عضو بجمعية مبدعون المصرية. مستشار فنية بمبادرة الأمل للثقافة والفنون. عضو ومن مؤسسي جمعية عشتار للثقافة والفن التشكيلي العراقي . عضوة باتحاد المرأة العربية المتخصصة فرع تونس مسؤولة على الثقافة. عضوة بجمعية نوارس للثقافة والفنون بتونس. مديرة فرع فرنسا لمنتدى مسعود الدولي للفنون والثقافة. حازت نسيبة العيادي العروسي على العديد من الجوائز وشهادات التقدير والميداليات والكريمات إضافة إلى العديد من الدروع ومن الشهادات وشاركت في مؤتمر دعم وطن بالقاهرة . تمارس فن البوتراي والفن التشكيلي الواقعي . كما تمارس الفن التجريدي . اقتنت وزارة الثقافة العديد من أعمالها والعديد من الشخصيات المعروفة . تكتب الشعر ولها ديوان " إكسير الكلمة واللون " وقع توقيعه في اتيليه القاهرة مع نخبة من الأساتذة الجامعيين والفنانين التشكيليين...هي ابنة المناضل بالقلم وعميد الصحفيين المرحوم زهير العيادي صاحب جريدة تونس الجديدة الناطقة باللغة الفرنسية زمن الاستعمار الفرنسي وهو مؤسس النادي التونسي سنة1928 قبل أن يصبح النادي الرياضي الصفاقسي . لما توفي كتب عنه الإعلامي توفيق الحبيب مقالة بعنوان: Zouhair Ayedi :Un sang d'encre...".

و قد تحدثت الفنانة التشكيلية نسيبة العيادي عديد المرات عن مسيرة والدها زهير العيادي الذي تعددت أنشطته لتقول " .. أنا ابنة المناضل بالقلم وعميد الصحفيين المرحوم زهير العيادي صاحب جريدة تونس الجديدة الناطقة باللغة الفرنسية زمن الاستعمار الفرنسي وهو مؤسس النادي التونسي سنة1928 قبل أن يصبح النادي الرياضي الصفاقسي . لما توفي كتب عنه الإعلامي التوفيق الحبيب مقالة بعنوان: Zouhair Ayedi :Un sang d'encre..ان صدور هذا الكتاب هام جدا اظهر له حقه ورفع عنه المظلمة..".17 nasyba

و قد صدر هذا الكتاب مؤخرا  بعنوان " زهير العيادي ذاكرة نضال في السياسة والصحافة والرياضة " للدكتور كمال الحكيم  الأستاذ والباحث في التاريخ الاجتماعي والثقافي وذلك عن منشورات " ليدرز" وفي أكثر من مائة صفحة منتهيا الى جملة خلاصة هي ".. ولعلّ الغاية الرّئيسيّة من التّعرّض لهكذا نموذج من مسيرة نضاليّة حافلة، هو التّعريف بها، وصونها من النّسيان وإنصافها..". وفي هذا الصدد "..نقرأ في هذا الكتاب مسيرة زهير العيادي أحد عناصر النّخب التونسية الفاعلين في الحراك الوطني سياسيا وصحفيا وجمعويّا في ريادة تُحسب له . فقد تفرّد بزخم تضحويّ غير محدود ، وقدرة لافتة على استدماج حداثة من خارج سياق مجتمعه التّقليدي .إذ واكب نشأة العمل الحزبي سواء اليساري أو الدستوري أو النّقابي بتونس العاصمة ومسقط رأسه مدينة صفاقس تأسيسا وانخراطا ونضالا ، وفي هذا الخصوص وبفضاءات أتيليه القاهرة انتظم لقاء يوم 26 جويلية لقاء حول كتاب صدر مؤخرا عن والد الفنانة المرحوم زهير العيادي حيث كانت هناك قراءات ونقاش ومن ضيوف هذه الأمسية نذكر الكاتب والمترجم اسماعيل بهاء الدين والفنان فتحي ادريس و والكاتب الصحفى ارمنيوس المنياوى نائب رئيس تحرير صحيفة الجمهورية..

معرض ولقاءات ثقافية بالقاهرة وفي هذا السياق تواصل الفنانة نسيبة العيادي نشاطها ضمن الاعداد لمشاركات فنية بداية من الموسم الثقافي الجديد.

***

شمس الدين العوني

أقيمت في دمشق وضمن صالة الشعب التابعة للاتحاد العام للفنانين التشكيليين في سوريا احتفالية تشكيلية ندوة وحفل توقيع كتاب سبر الأغوار في النقد التشكيلي للفنان والناقد التشكيلي السوري الفينيق حسين صقور في23-7-2024. وترافقت الفعالية مع معرض من مقتنيات وزارة الثقافة للفنانين الذين تضمنهم الكتاب.

وقد أوضح الفينيق للفنانين والحضور المتابعين لسيرورة عمله تفاصيل ما تقدم حول مضمون الكتاب وأجاب على استفساراتهم المرتبطة في الغالب بالأسس المعتمدة في اختيار مواضيعه النقدية وتسلسل ترتيبها مؤكداً أن ترتيب الأسماء ارتبط باعتبارات متداخلة أهمها العمر ثم مستوى الحضور محلياً وعالمياً.. وهنا تكمن قيمة هذا التسلسل؛ والمعلومات الرئيسة للشخصيات المذكورة والمتعلقة بالسيرة الذاتية أدرجت مستقلة ضمن الباب الأخير كي لا تشوش القارئ أو تؤثر على سلاسة النص والقيم الفنية والجمالية الكفيلة بأخذ القارئ لمتعة المتابعة والقراءة.4314 الفينيق

ثم استهل الندوة بحديث ودي يتجلى من خلاله عمق المعاني والكلمات: 

وفي لقائي هذا معكم تتقاذفني الحيرة.. حول ماذا أتحدث.. إن كنت سأتحدث.. حول مضمون الكتاب والفن فها هو الكتاب بين أيديكم قد تجدون فيه بعضا مما كنت أود أن أقوله على أمل أن أستكمل بعضه الآخر لاحقاً...

إن كان الحديث عن الذات فأنا لا أحسن الحديث هنا فكل ما يصدر علنا عن الذات وحول الذات.. لن يكون لوقعه في الذات الأخرى أي أثر سوى أنه محض افتراء.. ودعاماته مبنية على الأنانية والغرور.

فحديث الذات عن نفسها حتى وإن كانت دوافعه الحاجة الملحة للبوح هو كالوقوف عراة أمام أنفسنا أولا ثم أمام الآخر ثانيا...وهذا يفسر يبرر لنا ما يمكن أن يعترينا من خجل حين نوضع في اختبار كهذا

أما في قراءة اللوحة فلا يمكننا تلخيص أي تجربة إنسانية واستخلاص الخلاصة منها دون استدعاء الذات صاحبة التجربة وتجريدها من كل ما يغطيها من مخاوف وعقد (هل هنالك من هو قادر على التحليل والتأويل والتفسير أكثر من ذات كلية يقودها إحساس عال بالمسؤولية هي ذات بكل الحب تنتمي للجميع ).

كتاب سبر الأغوار هو قراءات حسية ونقدية وجمالية تميزت بفرادتها وقدرتها على سبر أغوار العمل التشكيلي عبر سرد لغوي سلس كشلال عذب وهو ه يحمل من الفرادة والخصوصية ما يصيره ليكون بحد ذاتها لتكون نصاً ابداعيا موازياً مترابطاً ومستقلاً عن اللوحة في آن. هو كتاب لا ينتمي للعمل التوثيقي الذي تعنيه الحوادث التواريخ والانشطة والجوائز كأرقام أنما ينتمي للنقد التشكيلي كعمل يتطلب الموهبة والحدس لسبر أغوار الفنان والعمل والكشف عن القيم الإبداعية والجمالية ولتحقيق ذلك الترابط والتواصل ما بين اللوحة والفنان والمتلقي.4315 الفينيق

ويرى صقور أن الناقد التشكيلي المؤهل هو فنان ومجرب من الطراز الأول وهو يمتلك قلبا طيبا ومحبا يمنحه القدرة على التعامل مع محيطه بعين ثاقبة قادرة على التحليل والتأويل والكشف عما هو أبعد من الظاهر المرئي كما أكد أن الناقد يجب أن يمتلك ناصية اللغة إضافة لثقافته العامة في كافة المجالات الخادمة هو صلة الوصل بين الفنان واللوحة والمتلقي هو الجسر وحين يكون الجسر فريداً ستكون فرصة العبور من خلاله أكبر وأكثر متعة

وحول مضمون الكتاب أجاب الفينيق الكتاب تحصيلٌ لنتاجي السابق في النقد التشكيلي، ومختاراتٌ مما يتكدس في أدراجي من نصوصٍ عن بعض الفنانين الرواد

رغم أن لكتابي مبررات حضوره من نقاط كثيرة منها قدرته على الاختلاف في اسلوب التعاطي مع اللوحة والفنان وخصوصية السرد اللغوي فيه ورغم فرادته إلا أن المخاوف مما قد يحدثه خلط الاجيال من أثر وانعكاسات كانت أكبر لذلك آثرت أن أنشر مواضيعي في كتابين مترابطين أو أكثر وقد يعاد نشرهما ضمن موسوعة لها مبرراتها مستقبلاً

وأقول أن كل ما أقوم به من أعمال في حياتي مرتبط بقدر ما تحققه لي من متعة الطريق فأنا أنظر لعالمي المحيط بعين الدهشة والإعجاب وهما المحرك الأساسي للإبداع وللبحث عن الأسرار خلفه

وما كنت أرنو إليه في رحلة عبوري هذه أن أهيئ لروحي الهائمة جناحين عظيمين يغطيان السماء ثم يمضيان بها الى جنان الخلد وأن أهيئ لجسدي المنهك لحدا مريحا في ثرى وطني أرض المحبة والعطاء

وحقيقة أنا أجد أن هناك ظلم يلحق دائما بالأجيال الجديدة من الفنانين رغم ما يقدمونه من ابداعات فتصير مهمتهم في اثبات ذاتهم على الساحة التشكيلية أكثر صعوبة في ظل ازدحام الساحة بالفنانين.. وفي ظل الظروف الصعبة الراهنة التي يمر بها الوطن.

هناك أمور تحكمها طبيعة العلاقات بين الأجيال.. وسلاسة المعتمدين في الشأن الثقافي من قبل الوزارة.. ومدى ايمانهم بضرورة هدم وردم تلك الهوة ما بين الأجيال

وختم صقور بنداء من القلب

زملائي الفنانين

الإنسان كائن قابل للنمو مع الحفاظ على طباعه الجميلة والأصيلة أنت اليوم لست كما البارحة.. وفي مضمار العلاقات الانسانية الجماعات والمجتمعات الأكثر تخلفاً لا تستطيع استيعاب هذا.. فيمارسون شكلاً من أشكال المقاطعة والقطيعة وحربا غير معلنة ضد بعضهم ويكيلون الشرفاء والعصاميين بالاتهامات

لسبب ما قد نتفق ونتوافق أو لا نتفق ولا نتوافق مع الآخر هذا شأننا وخيارنا... ولكن حين يصير همنا ازاحة الآخر وعزله من خلال تنشيط الشللية للتأثير على الرأي العام.. تلك هي الجريمة التي لا تمت لأخلاق الفنان الحقيقي بأية صلة...أرجو أن تغمر المحبة قلوبنا ونحن على الطريق نحو مستقبل مشرق

***

 

عقدت الجمعية الطبية العراقية في المملكة المتحدة وأوروبا/فرع ويلز أول مؤتمر علمي لها وذلك في رحاب مركز الدراسات العليا والتعليم المستمر في مستشفى كوينت الملكي في مدينة نيوبورت في جنوب مقاطعة ويلز البريطانية. وقد رحب الدكتور عامر هشام الصفار رئيس فرع الجمعية في ويلز بضيوف المؤتمر، وتمنى أن يبقى التواصل قائما بين الأطباء العراقيين في مختلف درجاتهم الوظيفية وتخصصاتهم. ثم تطرق الى أهمية التبادل المعلوماتي والمهني من خلال الندوات الطبية، ودعا الى الأهتمام بجيل الشباب من الأطباء العراقيين، وخاصة منهم من هم في مراحل التدريب النهائية، وعلى أعتاب تسلم مهامهم الجديدة في أن يكونوا أطباء أستشاريين ضمن النظام الصحي البريطاني.

الدعوة لتأسيس ردهة رعاية مرضى السكتة الدماغية في بغداد

وفي أولى محاضرات المؤتمر تطرق الدكتور الصفار وهو طبيب أستشاري ومحاضر في جامعة كارديف واستاذ زائر لكلية الطب بجامعة البصرة العراقية..تطرق الى أحدث علاجات السكتة الدماغية من خلال أحدث دليل للأطباء في بريطانيا حول الموضوع، والذي كان قد نشر من قبل كلية الأطباء الملكية لندن خلال العام الماضي 2023. وأشار الدكتور المحاضر الى أهمية توعية المواطن بأعراض وعلامات مرض السكتة الدماغية الذي يحصل في 85% من حالاته نتيجة خثرة تتكون في الشرايين الدماغية، مما يؤدي الى فقدان الخلايا العصبية لوظيفتها، وبالتالي ظهور أعراض معينة وحسب منطقة الدماغ التي تأثرت عند المريض.

كما أشار الدكتور الصفار الى أن العلاج بالأدوية المذيبة للخثرة يعتبر أمينا وفعالا أن جرى خلال الأربع ساعات والنصف من ظهور أعراض المرض على المريض. كما ذكر المحاضر العلاج بشفط خثرة الدم من خلال مسبار خاص أو دعامة مستخرجة للخثرة الدموية، مما يمكن أن يدخل داخل الشرايين الدماغية الرئيسة والتي تكونت داخلها الخثرة، لتخليص جدار الشريان منها، وفتح الطريق سالكا أمام مجرى الدم مما يقلل من تلف الخلايا العصبية..

وفي معرض ذكر عوامل الخطورة المسببة للسكتة الدماغية أشار الدكتور الصفار الى أهمية الأنتباه لمرض أرتفاع ضغط الدم والحرص على علاجه بشكل دقيق.. هذا أضافة الى عوامل الخطورة المتعلقة بعدم أنتظام نبضات القلب، وبتكون الخثرة في الشرايين السباتية على جانبي الرقبة عند الأنسان مما يمكن كشفه بواسطة فحص الأمواج فوق الصوتية..أضافة الى عوامل خطورة أخرى تتعلق بطبيعة حياة المريض، وفيما اذا كان مدخنا مثلا أو مدمنا على المشروبات الكحولية والتي تسبب زيادة حالات الأصابة بالسكتة الدماغية. وقد دعا الدكتور عامر الصفار في ختام محاضرته الى أنشاء ردهة خاصة في المستشفيات العراقية لتشخيص وعلاج حالات السكتة الدماغية والتعامل معها بالسرعة المناسبة كحالات طارئة..موضحا الى أن الأحصائيات الدولية تشير الى أحتمال أصابة ما يقرب من 18 ألف مواطن في بغداد بالسكتة الدماغية كل عام، مما يدعو الى الأسراع بتوفير ما يلزم من ردهات رعاية طبية خاصة بالمرض، اضافة الى توعية المواطن بعوامل الخطورة المسببة للسكتة الدماغية بغية الوقاية منها أصلا.

فقر الدم والفحص المطلوب

وقد ألقى بعد ذلك الدكتور الأستشاري بأمراض الدم علي مهدي محاضرة عن أهم حالات أمراض الدم والتي يمكن تشخيصها والتعامل معها من خلال عيادات الأطباء العامة وليس بالضرورة من خلال عيادات لأطباء أستشاريين بأمراض الدم. وقد أشار الدكتور مهدي الى أهمية التاريخ المرضي لكل حالة مرضية والتأكد من عمل شريحة (سلايد فيلم) للدم بخلاياه المختلفة للتأكد من تشخيص المرض وخاصة في حالات المعاناة من فقر الدم.

طب الأطفال وخبرة نصف قرن

وقد أستضاف البرنامج العلمي للمؤتمر الطبي العراقي في ويلز طبيب الأطفال المعروف الدكتور مازن الفحام ليتحدث عن أختصاصه وخبرته في خدمة صحة الطفل على مدة نصف قرن من الزمان. وقد أشار د الفحام الى دوره في طب الأطفال الخدّج، ثم عرض لحالة أمهات يعانين من نقص فيتامين دي ونقص في مستوى الكالسيوم في الدم. وهنا أشار الدكتور الفحام الى دراسة 144 حالة أمرأة حامل من مجموعة النساء من الأقليات العرقية في بريطانيا حيث عانى 88 سيدة منهن من نقص فيتامين دي... اي بنسبة 61% وهي نسبة كبيرة فعلا...

اما عن خبرته في تأسيس مركز علاج حالات الحساسية للأطفال في جنوب ويلز فقد أسهب الدكتور الفحام في الحديث عن الموضوع الذي يعتبر من مجالات الخدمات الصحية الحيوية في المجتمع.

العوامل البشرية ودورها في الخدمات الصحية

وقد تحدث في المؤتمر أيضا الدكتور منوّر المظفر أستشاري طب الطواريء في المستشفى الجامعي في مدينة كارديف، عاصمة ويلز، موضحا ومفصلا في موضوع العوامل البشرية ودورها في الخدمات الصحية... حيث يساعدنا فهم العوامل البشرية في بناء دفاعات أفضل في أنظمتنا من أجل منع أو تقليل احتمالية حدوث خطأ خطير يؤدي إلى إلحاق الضرر بالمريض من خلال:

* السماح لنا بفهم سبب أرتكابنا للأخطاء

* تحسين ثقافة السلامة لدينا داخل الفرق والمنظمة الصحية

* تعزيز العمل الجماعي والتواصل

* تحديد "ما حدث خطأ"

* مساعدتنا في التنبؤ "بما قد يحدث خطأ" في المستقبل

* تحسين تصميم النظام/العمليات التي نعمل بها

سرطان الثدي والمسح الصحي

وقد أستضافت الجمعية الطبية العراقية كذلك الدكتورة أستشارية طب الأشعة في الأمارات العربية د يسر جعفر، حيث تناولت في محاضرتها مرض سرطان الثدي وكيف يمكن تشخيصه مبكرا والأستفادة من العلاجات الحديثة المتوفرة بعد التشخيص.

وقد فصلّت الدكتورة جعفر في المسح الصحي لتشخيص سرطان الثدي مبكرا حيث تجرى مثل هذه المسوح الطبية بعد أعمار الأربعين عاما في دولة الأمارات العربية...

السمنة وعلاجاتها

وقد شارك الصيدلي عضو الجمعية محمد جعفر في برنامج المحاضرات فألقى محاضرة حول العلاجات الحديثة لزيادة وزن الجسم والسمنة...موضحا الأختلافات الطفيفة بين الأدوية المتوفرة في الأسواق العالمية اليوم بما يخص علاجات السمنة والتخفيف من وطأتها على صحة الأنسان عامة.

جراحة الوجه والفكين

وفي مجال طب الأسنان وجراحة الوجه ألقت الدكتورة طبيبة الأسنان نادية عريقات محاضرة عن الجديد في جراحة الفكين والتحديات التي يمكن أن يواجهها الجراح المعالج، مشيرة ألى أن الدافع للعلاج يعتمد على عوامل تخص تحويل المريض من قبل طبيب الأسنان الى الجراح المختص، وتسهيل أداء وظيفة الفكين، أضافة الى الأنتباه الى الجانب الجمالي للشخص الذي يجرى له التداخل الجراحي. وأشارت د نادية عريقات الى أن صعوبة التنفس اثناء النوم نتيجة تضيق المجرى التنفسي تعتبر واحدة من أهم الأسباب الداعية لأجراء تداخلات جراحية في الوجه والفكين على المرضى البالغين.

الحروق..وعلاجاتها الحديثة

ومن مدينة سوانزي في جنوب ويلز ومركز علاج الحروق فيها شارك د علي جواد/جراح تجميل، في أعمال المؤتمر، حيث ألقى محاضرة مهمة عن العلاجات الحديثة للحروق وسبل الرعاية التي توفرها مراكز العلاج الخاصة.. مفصلا فيما تتركه الحروق من آثار في جسم الأنسان وطبيعة العلاج المقدمة في مراحل التداخل الطبي الطارئة المستعجلة والحادة والمزمنة، وذلك أعتمادا على حالة الحروق نفسها ومرور الزمن على حصولها، ومعاناة المريض المصاب من آثارها.

 وأشار الدكتور جواد الى أهمية الأنتباه أولا للمجرى التنفسي عند المصابين بالحروق، خاصة في حالات المعاناة من تغيرات في الصوت ومن الجروح الأستنشاقية جراء الحريق. كما نبه الى أهمية فحص التنفس عند المصاب بالحروق والتأكد من عدم معاناته من قلة الأوكسجين، هذا أضافة الى تأثيرات الحروق على الدورة الدموية في جسم الأنسان. وقد فصّل الجراح علي جواد في التعامل الجراحي مع حالات الحريق الشديدة، وكيفية أستعمال زرع الجلد الذاتي (الجلد المأخوذ من الشخص المصاب نفسه) في علاج المنطقة الجسمية المصابة بالحريق..دون أن ينسى التنبيه الى أن علاج الحروق الحديث يستوجب أن يتم في وحدات طبية متخصصة بل عالية التخصص ومن قبل فريق عمل متكامل.

***

د عامر هشام الصفار

  

تساؤل يطرحه د. محمد عطوان باتحاد أدباء البصرة

تساؤل قد يبدو صادما تكفل المحاضر د. محمد عطوان بطرحه في حضرة جمهور احتشد بقاعة اتحاد أدباء البصرة. هذا النوع من التساؤلات يتطلب قدرا كبيرا من الشجاعة والصراحة والموضوعية وهي خصال لا نشك في مقدرة المحاضر على توفيرها من واقع معرفتنا بوعي المحاضر وثقافته:

في مطلع محاضرته أشار الى ان ما تعانيه الشعوب هو الإنكار مضيفا: " بقدر تعلق الأمر بالورقة التي اقرؤها الان جاء عنوانها بصيغة سؤال افضى الى مزيج من الاختبار والتحدي. شعرت ان المطلوب هو الاشتغال على منهجية تختلف عن المنهجية السائدة لقراءة واقعنا البصري. فمنذ امد بعيد لم اسمع وصفا للبصريين سوى القول بانهم طيبون ما جعلني اشكك في ماهية الطيبة المقصودة نفسها هل هي سمة ذات جانب تطويبي ام تبخيسي؟! هذه التساؤلات قادتني الى البحث عن جينولوجيا الظاهرة ببعديها الفردي والمجتمعي. هل ان هذا التوصيف ذو صلة بالاختزال ام هو نوع من أنواع المديح؟ اذن نحن في صدد التوصيف الذي اشار اليه ميشال فوكو في كتابه (تاريخ الجنون) قاصدا ان مديح الجنون يتعلق بالكرم الغامض للمجانين الذي لا يعرضهم في واقع الحال الى النبذ انما الى ما هو ابعد.. الى الرفض !ومن الواضح ان تشخيص فوكو كان ذا طابع مرضي. بينما ننطلق من مفاهيم لا تتقاطع مع وجهة نظر فوكو لنجد انفسنا ملزمين بطرح اشكالية (المركز والأطراف) الشائكة.فالى أي حد كانت البصرة طيبة في ازمنة طغيان المركز: الاستانة، وبغداد؟ اشكالية معظم الدراسات التقليدية ان عنصر الطيبة لدى منظريها يراد به ان يكون وصفا نهائيا بعيدا عن الاسباب الطبقية والتاريخانية التي ينبغي توظيفها ضمن منهجية تحليلية موضوعية تسبر كوامن الحدث وتبحث في اصول الظواهر.4227 محمد عطوان

فلو فحصنا المجتمع البصري لانجد صفات تعميمية تنطبق على جميع جهاته الأربع. اين التماثل بين عشائر ابي الخصيب جنوبا والمعدان شمالا وبدو نجد غربا؟ ! لايمكن لمدينة متنوعة الشرائح والأمزجة ان تعرف بلون واحد. ومن غير الممكن اسباغ النظرة الرومانسية على البصرة وكأنها خالية من الميليشيات والبعثيين والقوميين والشيوعيين والسراق وتجار الحروب وتجار المخدرات وأرباب الفساد بشتى اصنافه.

وهي النماذج التي تتوفر في اية مدينة من مدن العالم مع ادراكنا لارتفاع وانخفاض الأعداد بين مدينة ومدينة. كيف أذن يمكن تطبيق شكل من اشكال الدراسات المؤمثلة التي تحمل جرعات عالية من الطوباوية؟ ! ان قول البعض بأن البصرة للبصريين يذكرنا بمقولة طه حسين الذي يذهب الى ان مصر للمصريين الفراعنة. ان التوصيفات التي تشير الى سمو شريحة او ابناء مدينة ما ينطوي على ممايزة طبقية توحي بأن النخب البصرية الموصوفة بالطيبة هي اسمي من عامة اهلها ! هذه الطروحات التحليلية ستجد طريقها في كتاب قادم لي عنونته بـ (تأويل الطيبة عند البصريين).4228 محمد عطوان

وبعد ان اختتم المحاضر جلسته السوسيوـ فلسفية على حد تعبير المقدم الاستاذ حازم رعد، فتح مقدم الجلسة الاستاذ حازم رعد الباب للنقاش والتحاور وقد اسهم في الحوار والتعقيب كل من محمد سهيل احمد، باسم القطراني، خالد خضير، ناصر لعيبي، احمد طه حاجو، طالب هاشم بدن، خولة الناهي، رافع بندر، حسين الركابي وآخرون.

تميزت الجلسة بالمغايرة في الطرح والمقدرة التحليلية للمحاضر وبراعة المقدم بانتظار كتاب المحاضر الذي سيصدرمستقبلا والذي سيتناول اشكالية الطيبة واشكالها.. الطيبة الحقيقية، الطيبة المفبركة من لدن عنصر خارجي، ضمن منظور سايكولوجي وفلسفي وتاريخي.

***

محمد سهيل احمد

..................

اشارة

نص المداخلة التي ألقاها كاتب المادة محمد سهيل احمد والذي لم يسعف وقت الجلسة طرحها كاملة:

تعمدت ان ادون هذه الأصداء قبل يوم من انعقاد المحاضرة. هذه الأصداء ادرجها على النحو التالي:

هل ان البصريون طيبون؟ وتتوالى الأسئلة تباعا.. من هم البصريون وفي أي زمان وأي مكان؟ نحن لا نختلف في كونهم طيبين ولكن بمنأى عن المنظور التقليدي الذي دأبنا على التماس معه. في روايتي (ثقوب في الشاشة) قدمت لأحد اقسامها تضمينا مقتبسا فيما يلي نصه: " تقول أسطورة اغريقية ان زيوس رب الأرباب جمع الفضائل في كف والرذائل في كف فنثر الأولى على البشر وعمد الى الرذائل فأمطر بها البشر وبالطريقة نفسها. وبمشيئة زيوس تلك لم يعد للفضائل ولا للرذائل وطن. ولم تعد الفضائل حكرا على قوم دون قوم ولا الرذائل حكرا على شعب دون شعب. وبتلك الطريقة حقق رب الأرباب العدالة على الأرض "4229 محمد عطوان

ان معظمنا مغرق بالذاتية منذ بدء الخليقة وليس من المعتقد ان تنجو فئة من هذه السجية او تلك الرذيلة. لقد جبل الانسان وبالأخص انسان المجتمعات التي ــ بحكم وقوعها ضحية لقلة الوعي ــ على استمراء الوهم واتخاذه أسلوبا من أساليب العيش. نحن مثلا بحاجة لتوظيف آلية اسميتها (ميكانيزم تجزئة المعايير).. فمثلا (س) من الناس طيب. لابأس ولكن طيب في أي مسلك او في أي ملمح؟ متى يكون طيبا ومتى يصبح شريرا؟

منذ زمن بعيد عرف المجتمع البصري بكونه مجتمعا ثلاثي العقلية فهو يمتلك روحية البدوي والفلاح القروي والكومبرادوري (التجاري) في آن معا. ولديه خصيصة قد تصب او لا تصب في صالحه هي انه ــ قياسا بمجتمعات المدن العراقية البعيدة او المجاورة ــ لاينجب قادة سياسيين لعبوا ادوارا محورية في صنع تاريخ البلد او هدمه نستذكر في هذا المضمار امثلة كنوري السعيد وصالح جبر ومزاحم الباججي وعبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف وصدام حسين ومصطفى البرزاني وفاضل الجمالي ومحسن السعدون والشيخ ضاري وجعفر ابو التمن وعبد الحسن الحكيم وفؤاد الركابي والقائمة تطول. في الوقت الذي عرفت البصرة بانجاب رموز كبرى في مجالات الشعر والنحو والفلسفة والفقه. لا تنفي هذه الظاهرة ان البصريين عرفوا بالشجاعة في المعارك التي خاضوها على مر الأزمان. هذه الظاهرة شأنها شأن الطيبة بحاجة الى دراسات تحليلية تتميز بالموضوعية متمنيا على الدكتور محمد عطوان تسليط الضوء عليها ضمن اهتماماته التحليلية بالواقع الجينولوجي للمدينة.

حفل توقيع كتاب "إغراء الشعبوية.." لحسن أوريد بمراكش: العالم العربي تمنطق بالشعبوية فغرق في السلطوية والاستبداد..

نظم موقع كش بريس الذي يديره الإعلامي والشاعر مصطفى غَلمان حفل توقيع الإصدار الأخير للمفكر والأكاديمي المغربي حسن أوريد المعنون ب" إغراء الشعبوية في العالم العربي: الاستعباد الطوعي الجديد"، في مكتبة شاطر التاريخية بمراكش يوم السبت 29 يونيو 2024. وقد كان اللقاء مناسبة كما عبَّرت عن ذلك افتتاحية الكاتب والإعلامي مصطفى غَلمان لفتح الأقواس الكبيرة التي تشتبك مع القضايا الكبرى التي تعتمل في راهن العالم العربي من خلال ما يمكن اقتراح تسميته بالعِلَّة الشعبوية أو "الشعبوية". يتعلق الأمر، بمنحى وليس ظاهرة إذا جاز أن نُدقق اختيار التوصيف. منحى تردد صداه في التجربة الإيطالية مع حزب "فورتزا الإيطالية" Forza Italia، وفي التجربة الأمريكية مع دونالد ترامب، وفي التجربة البرازيلية مع جاير بولسونارو، وفي تشكلات مشابهة في كل من الهند والسويد والمجر...وهي في الأساس، مُمارسة وأسلوب، وليست سردية يمكن تتبع انتظامها في متن مكتمل. وإذا أردنا أن نُدقق أكثر، يمكن القول بأنها "سردية هجينة" ترسم أحلاما طوباوبة، وتتوجه نحو دغدغة الغرائز وبعث الاستيهامات القومية، وقد يكون التوصيف دقيقا إذا ما استعرنا العبارة الآتية: "سردية نحيلة تُقوض سرديات دسمة" من المفكر الهندي كاس ماد . Cas Mudde4172 حفل توقيع كتاب الشعبوية

قرأ الكاتب مصطفى غلمان المتن الجديد للمفكر أوريد من منطلق كونه وثيقة تاريخية، أو كآلية فكرية وأكاديمية تحليلية ، لا يمكن التعاطي معها من زاوية مفردة أو مبتسرة، بل يتعين على المتتبع المنصف أن يعكس قوتها العلمية ورؤيتها المنفتحة على كل واجهات القول والتأويل، في السياقات الثاوية المضطربة والمأهولة بكل أوثاق الشك والخوف وعدم الأمل.

وأكد غلمان، على أن موضوعة "إغراء الشعبوية"، كوثيقة تاريخية، واعية بفعال الزمان واعتمالاته الثقافية والاقتصادية والسياسية، والتي عمل حسن اوريد منذ بدايتها إلى نهايتها على التمكين من ضبط ورصد وإحلال النظرية إياها، كمنطلق سوسيولوجي ومفهومي غير مسبوق، فإن واحدة من أدق المتون التخصصية في البحث والتحليل النقدي السياسي والفكرية، واقتراباته على مستوى الفهم النظري للعمليات السياسية، يضيف ذات المتحدث، ظلت تقتسم قراءتنا المندسة في سلاسة ماء وتدفق حياة، في أجمل التفاصيل التي تراوج تطوير المعرفة القائمة على التجربة وتفسير النتائج والحدس الأكاديمي الخلاق..".

والكتاب في مبناه كما يؤكد المفكر حسن أوريد جرس إنذار مُبكر يستشعر احتمالية حدوث هزات ارتدادية عنيفة، وتسرب خطابات سياسية مسمومة تتهدد سرديات الاجتماع البشري. يُدافع أوريد في معرض حديثه عن الكتاب عن كون الشعبوية هي ممارسة ومنظومة عمل وِفق التعبير اللاتيني Modus Operandi للدلالة على أزمة متعددة الرؤوس، وحالة من حالات الارتباك السياسي التي تنتعش في اللحظات التي يتسع فيها الانفصام الاجتماعي ويتردى الوضع الاقتصادي لترسم بذلك "عالم الكآبة الوجودية"، والاستعارة هنا من ايفان كراستيف Ivan Krastev الباحث الأمريكي ذي الأصول البلغارية. لكن الخطر الذي يصاحب انتعاش خطابات الشعبوية ينصرف نحو تضخيم خطابات الهوية والعِرق والتاريخ...وحتى تتلبس الشعبوية بلبوس علمي، يقترح المفكر حسن أوريد -في معرض تقديمه للكتاب- أننا يتوجب أن ننتبه إلى تفصيل مجهري في التحليل، يقتضي أن نقوم بفحص اكلنيكي لجسم معتل، لحالة يُمكن أن توسم ب"القحط السياسي" كما اقترح السوسيولوجي الجزائري ناصر جابي. وأن نعتبر الشعبوية جوهرا وليست عَرضا، ليست قوسا صغيرا ضمن مسار يمكن أن يُغلق، بله قوس طويل وممتد يستوجب ترسيخ كفايات المتابعة النقدية. كان المنطلق، يقول أوريد، التفكير في حاضر العالم العربي، وانطلاقا من مقولة للرئيس الأمريكي باراك أوباما التي اعتبرت العالم العربي عالما مُنغلقا وعصيا عن التغيير. لكن، هو أيضا، حلبة تنافس دولي شرس، وجسم حي تعتمل داخله ديناميات متحركة.4173 حفل توقيع كتاب الشعبوية

وقد يُفيد الإقرار أيضا، القول، أننا إزاء عالم بكيمياء سياسية خاصة، عالم وحيد لا تختار فيها شعوبه حكامها، وبالمقتضى نفسه، يُجري أوريد تحليلا موازيا، حين يشير إلى أن الغرب أيضا لم يواكب المطلب الديموقراطي في العالم العربي، على النحو الذي واكبت فيه الولايات المتحدة الأمريكية أوربا الغربية ودول شرق آسيا بعد الحرب العالمية الثانية في سياق ما يُعرف عند الجميع بمشروع مارشال الاقتصادي. يعتقد الغرب، أنه لا يجب أن نستثمر في شيء قد يؤول إلى نتائج درامية، لكن الغرب، يلتصق بهذا العالم من خلال مصالحه، ومن ضمنها ضمان أمن إسرائيل وتدفق البترول والغاز، كما يستدعي الأمر، يقول أوريد، أن نُجري مسحا تحليليا للديناميات الداخلية التي تعوق حدوث التحول، ومن بينها مؤسسة الجيش كما في حالة مصر والجزائر والسودان، والوضع الطائفي كما في حالة لبنان والعراق، والتحول الدراماتيكي الذي تسير عليه المملكة العربية السعودية من مرجعية التقليد إلى مرجعية التحديث. وقد يظهر أيضا، أننا إزاء دول غير قابلة للحياة، وأخرى فاشلة مهددة في وجودها في هذا العالم.

ينتصر المفكر حسن أوريد إلى الرؤية التي تعتبر أن الشعبوية إن هي إلا متحور عن السلطوية، تدعو إلى تمجيد الذات واللغة والعِرق وازدراء الآخر، إلى توسيع مساحات التاناتوس Thanatos على حساب مساحات الإيروس Eros كما نجده في تحليلات النفساني سيغموند فروود. تنتهي الشعبوية إلى سُلطوية في يد قائد يُعطل المؤسسات، يُقصي النخب، ينقض الديموقراطية...ذلك ما أفصحت عنه التجربة التونسية التي يمكن اعتبارها مختبر للقياس والتأمل، لقد كانت لحظة 2011 مفصلية في تونس، واعدة جدا، لكن وقع اجهاض مسار، فتمَّ الانتقال من شبه ديموقراطية إلى شعبوية إلى سلطوية. أو كما يصفها ناصف بيات ب"ثورة بلا ثوار"، أو ما يمكن أن نستعيده من مقولة الأكاديمي مروان معشر: كانت لحظة 1967 ثورة نخب بلا جماهير، ولحظة 2011 ثورة جماهير بلا نخب". ثمة حاجة إلى لحظة ثالثة.

اللقاء شهد نقاشا مستفيضا حول الظاهرة الشعبوية في المجتمع السياسي المغربي، وتداعياتها على الثقافة والقابلية الجماهيرية، واصطدام النموذج التنموي بمآلاتها وأنساقها الخاصة. وأدلى ضيف اللقاء، بهذا الخصوص بوجهات نظر استثنائية، في موضوعات ذات أهمية قصوى، كالحوكمة، والتعليم، والبحث العلمي والجامعة، والتجارب الحكومية ما بعد الربيع العربي، ومشكلات العقل المغربي، والانتظارات السياسية المرتقبة، في ظل التقلبات السياسية الدولية والإقليمية، وتضعضع الأنساق الثقافية في المجتمع، وتيهان وجنوح التفكير والرؤى التنموية المبتسرة .. وهو مالاقى تفاعلا مع الحضور النوعي للنخبة الثقافية والفكرية بالمدينة الحمراء. قبل أن يقدم أوريد في نهاية اللقاء على توقيع كتابه موضوع الندوة.

***

تقرير تركيبي: مولاي عبد الحكيم الزاوي ولالة مالكة العلوي

 

حرصَ مهرجانُ بابلَ للثقافات العالمية في دورته الحادية عشرة، كما في دوراتٍ سابقةٍ على استدعاء فنانينَ تشكيليين، حققتْ تجاربُهم تحليقاتٍ موفقةً أشادَ بها الإعلام والنقد في أوروبا والعالم، ومنها على سبيل المثال التجربةُ النَّابهة النابضة بحسِّ التجريب والعفوية التعبيرية التي بوَّأت الفنان التشكيلي العراقي العالمي فائق العبودي مبوَّأ الشهرة والتدويل والعالمية، بعدَ أن غادر العراق عاتباً على وطنه عتابَ العاشقين الخلَّص، إذ ضاقَ صدره ــ في مرحلةٍ تاريخيةـــ عن احتواءِ رؤى واندفاقاتِ خيالِ عاشقِ الألوانِ والرِّيش وتعتيقِ اللوحاتِ وإكسابها بُعداً رمزياً ضارباً في الزمن، وآخذاً من اغبرارهِ مزيةَ التكثيفِ التعبيريِّ والبَوحي العميق.

حضرَ الندوة جمهورُ بابلَ المحبُّ للثقافة، والمتعمِّد الأزليّ بماءِ حوارِ الحضارات المستحدثة والسالفة، في الفكر والأدب والفنون عامة.

حاورَ الفنانَ التشكيليَّ المُستضاف الناقدُ والفنان العراقي (زهير الجبوري)، وبُدِئَ على التوّ بعرضِ فيلم قصير استعرضَ بعضَ لوحات الفنان العبودي، ورصدَ حالتهُ وهو منكبٌّ على عمله. فأبرزت الشاشة لوحاتٍ مختلفةً يسودُها حيناً طابعٌ بيئيٌّ كلوحةِ الأصايص النباتية المثلثة، ومقطَّعات حمراء اللون مطعَّمة باللون الأسود غالباً، حيثُ لوحظَ كثرةُ اشتغال الفنان العبودي بإحياء التآلفيَّة والتوافقيَّة بين اللونين الأحمر والأسود. وأظهرتْ لوحاتٌ أخرى الحارة البغدادية من الخلف، وبعضَ الكتاباتِ المسمارية ربما.

وجَّهَ الفنان العالمي فائق العبودي بطاقةَ شكره إلى مدير المهرجان الشاعر الدكتور علي الشلاه، الوفي لأصدقائهِ المبدعين، والمُواكب على الدوام لأنشطتهم الثقافية، وهو يُعدُّ مهرجانَ بابل للثقافات والفنون فرصةً هامة جداً في حياتهِ وفي مسارِ تجربته، وشكرَ مُحاورَهُ الناقد (الجبوري) الذي سبقَ له الكتابة في تجربة العبودي الفنية غيرَ مرةٍ. وكانت قراءتهُ لأعمالهِ تشخيصيةً جميلةً ومؤثرة.

بدأ العبُّودي شهادتهُ بإفادتهِ أنَّه قد حقَّق نقلةً نوعيةً هامة في حياته من خلال المشاركة في مهرجان بابل للثقافات في محور (تجربتي)، ويعودُ بنا إلى البدايات حيثُ كان العبودي يحيا حالاتٍ من الألم فرضَها الواقع العام المحيط بالعراقيين. واستشهدَ على بعضِ الأحداثِ الواقعية بوجودِ الدكتور الناقد (مزهر الخفَّاجي) أستاذ التاريخ والحضارات الذي عاينَ ولازمَ التجربةَ الفنية للعبودي منذ انطلاقتها.4087 فائق العبودي

الفنُّ بوَّابةُ عبورٍ إلى العالميَّة

وتابعَ العبودي قائلاً إنَّ الفنَّ قد فتحَ له أضواءً كثيرة وتعرَّفَ معهُ على ثقافات عديدة، شعرَ مع الأسف بالغربة فقط في بلده وهو إحساسٌ صعبٌ جداً، وقدَّمَ معارضَ عديدةً في مدن سويسرية مختلفة. وفي فرنسا وإيطاليا قدَّم ورشات عمل بعنوان أكاديمية الفنون الإيطالية، وكانَ يرافقهُ في هذا المشروع ثلاثُ فنانين في إحدى مدنِ إيطاليا، وتوسَّعت آفاقُ مشاركته في المعارض ورصيدهُ منها اليوم اثنان وثلاثون معرضاً، أقامَها في فرنسا وإيطاليا ونيويورك واليابان والصين وكوريا الجنوبية أكثر من مرة، وكان للعراق حصَّة من تلك المعارض في بدايةِ مشوار فائق الفني، كما قدَّمَ لوحاته في الإمارات، والمعرضُ القادم سيكون في دار الأوبرا المصرية.

لوحاتٌ بنكهةِ الأزمنةِ الغابرة

الموضوعُ الذي يشتغلُ عليه الفنان العبودي بشكلٍ رئيسي هو الرمز القديم، وهو ليس بالموضوعِ الجديد؛ فقد اشتغلَ كثيرون من الفنانين عليه، والفرق بينه وبينهم أنَّ فائقاً بحثَ في الرمز عن خصوصيةٍ تعبِّرُ عنه وعن لوحاتهِ، وهذا هو السبب الحقيقي في نجاحهِ كفنان تشكيلي.

إنَّ اللوحاتِ التي يرسمُها لوحاتٌ مُنجزةٌ من عدةِ طبقاتٍ لونيَّة، وقد عملَ كثيراً على إبرازِ مفهوم الزمن، وكان لزاماً عليهِ أن يرسمَ هذا المفهوم ويُحسنَ تدبُّرَهُ، وقد عرفَ فعلاً كيف يُبرزُ الزمنَ وتقادُمَهُ. وهنا كشفَ العبودي سرَّاً من أسرار المهنة، فهوَ يبدأ عادةً برسمِ اللوحةِ بعدَّةِ طبقات لونيَّة، ثم يُزيلُ منَ الطبقاتِ بحيثُ تظهر الألوان متداخلةً، وهو عندما يرسمُ لوحةً ما لا يعرفُ كيف ستكونُ نهايتها! هل سيطغَى اللونُ الأصفر أم الأحمر أم الأخضر؟

فثمَّةَ حوارٌ دائمٌ بينهُ وبين اللوحة، كأنَّ اللوحة تقولُ له: أعطني المزيدَ من اللون، ثم تصل به إلى مرحلةٍ تقولُ فيها: اكتفيت.

بعدَ اكتمالِ الرسم، يدخلُ فنَّانُنا المُرهفُ المُلهمُ في مرحلةِ تعتيقِ اللوحة، وهذا يستحوذُ على الكثير من وقتهِ، ويتمُّ التعتيقُ بمواد كيماوية حتى تعطي اللوحةُ لونَ الأثر والقِدَم. وبخصوصِ تعتيقِ اللوحة (أي إكسابِها سمةَ القِدَم) كتبَ أحدُ النقَّاد يوماً قائلاً في تجربةِ العبودي: لوحاتُ الفنان فائق العبودي نكادُ نشمُّ منها رائحةَ القِدَم والعتاقة.4088 فائق العبودي

شهادةُ البروفسور مُزهر الخفَّاجي

وفي شهادةٍ جميلةٍ وفيَّةٍ للإبداعِ الجميلِ ولأهلهِ، قال البروفسور مزهر الخفاجي أستاذ الحضارة والتاريخ عن التجربةِ التشكيلية لفائق العبودي:

شهادتي في فائق مجروحةٌ، وقد ذهبَ في لوحاتهِ إلى المنطقةِ المبحوثِ والمرسومِ فيها وعاندَها، يعني في الوقت الذي أشبعَ فيه روَّادُ الفن التشكيلي البغداديات وتمظهُراتها في رسوماتهم، العبودي أعادَ إنتاجَها. وما فاجأَ الخفاجي في لوحاتِ فائق أنَّ قرويَّاً يرسمُ بغداد، وقد كانَ حجمُ الانبهار وحجمُ الصدق في هذه التجربة كبيريْن، وكنتُ (والكلام للخفاجي) في بعضِ الأحيان أرافقُ فائقاً فيصوِّرُ الأمكنةَ كي لا يخونهُ بصرهُ ولا مخيِّلتهُ ولا ذائقتهُ. هذه المحطة الأولى في حديثي عن تجربته. المحطة الثانية أعتبرُها هامَّةً تعودُ إلى سبعةٍ وأربعينَ عاماً لم أعهدْ أبداً خلالها فائقاً متأثراً بما حولهُ، لم يكن ليهزُّه رغيفُ الخبز ولا يهزُّه المشهد المحيط، ولا يسيلُ لعابهُ كفنَّانٍ أمامَ الأموالِ ومغرياتِ الحياة، لقد كان مُنحازاً إلى فنِّه، ولقد حيَّرتني فيهِ هذه العفَّة!

الأمرُ الثالثُ يرتبطُ باختصاصي الذي يصبُّ في هذا الجانبِ، فأجدُ فائقاً في تجربتهِ الأخيرةِ كأنَّه يُجاورُ أو يُباري أو يُنافس أو يَبزُّ فنَّاناً سومريَّاً أو أكدياً أو بابلياً أو آشورياً أو كلدانياً، وفي بعضِ الأحيانِ يتركُ لمخيالهِ أن ينطلقَ إلى فضاءٍ آخرَ.

وفي آخر تجربةٍ طباعيةٍ للكتب مع الإخوة المصريين، كان لي خيارُ تصميمِ أغلفةٍ لثلاثةِ كتبٍ مع إحدى دور النشر الراقية، قال لي صاحبُ الدار عندما أرسلتُ غلافَ آخرِ كتاب: هذا الختمُ الطينيُّ (ويقصدُ لوحةَ الغلاف) أين أجدُه؟ في أيِّ معرض؟ في أيِّ سنة؟ حتى نكتبَ على الغلاف إنَّ هذا الختمَ/اللوحة يعودُ إلى العصر الفلاني؟

قلتُ له: إنَّها أعمالُ الفنان العراقي الكبير فائق العبودي.

منَ الخطِّ العربي إلى التشكيلِ بالألوان

إحدى المختصَّات الحاضرات الدكتورة (وصال الدّليمي) ثمَّنتْ تجربةَ فائق العبودي وقالت: استمتعتُ برحلتكَ الجميلة من بغداد إلى عمان إلى فرنسا، قلتَ بأنَّكَ مهتمٌّ برسمِ الأثرِ الإسلامي، فهل كان للأثرِ الأندلسيِّ مساحةٌ في فنِّكَ التشكيلي؟ خاصة بأنَّ إسبانيا مليئةٌ بالآثار العربية وبالتَّرف الإسلامي؟ أجابَ العبودي بأنَّ الأثرَ الإسلاميَّ شكَّلَ بداياتِ الفنان التي اشتغلَ عليها، وجلُّ اهتمامهِ كان بالحرفِ العربي كونهُ خطَّاطاً وعضوَ جمعية الخطَّاطين العراقيين، لذلكَ لم يذهب إلى أبعد من ذلك في الحقيقة. فقط اهتمَّ بالحرفِ وبتشكُّلاته. وأضافَ بأنَّ ثيمةَ (ألف ليلة وليلة) قد برزتْ لديهِ بشكلٍ جليٍّ.

لوحاتٌ قادمةٌ من زمنٍ بعيد

وخلالَ استعراضِ بعضِ اللوحاتِ المُنتقاة للفنان فائق العبودي في فيلم قصير، علَّقَ الفنانُ القديرُ شارحاً مزايا بعضِ اللوحاتِ، قائلاً إنَّ أكثرَ ما يُعجبهُ هو الشغلُ على الخشب، ويُحسُّ أنَّهُ عندما يرسمُ شجرة بأنه لا يريدُها أن تموت، والرسمُ على الخشب لهُ تكنيكٌ خاصٌّ جداً. وقد قالت إحدى النَّاقدات عن لوحاته: إنَّ لوحاتِ فائق العبودي قادمةٌ من زمنٍ بعيد.

دُعيَ الحضورُ إلى استعراضِ لوحاتِ الفنان فائق العبودي في الجناحِ المخصَّصِ لها في إطارِ فعَّالياتِ مهرجانِ بابلَ للثقافاتِ والفنونِ الحادي عشر.

***

الأديبة: ميرفت أحمد علي

 

التأمت أمس بمدينة مراكش، فعاليات المجلس الفكري لمركز عناية وتنسيقية الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية بمراكش في نسخته الثامنة، وذلك باستضافة عميد الدراسات الشرقية وعضو أكاديمية المملكة المغربية الدكتور أحمد شحلان، بمناسبة صدور الجزء الأول من سيرته الذاتية "سن الذهب.. مسيرة وسيرة"، بمشاركة نخبة من الأكاديميين والباحثين والشعراء.

وفي افتتاح المجلس الفكري ذاك، أثار الدكتور مصطفى غلمان رئيس مركز عناية، وبخلفية ثقافية لحظة الوعي بالذاكرة وإعادة إحيائها وترسيم مباهجها، معتبرا أن الحضارة في أجلى صورها، وأعلى مراتبها، تنضبط لمياسم تأريخ أبنائها لها، وتجسيرها لرؤى التمدد والسيرورة والملاحقة.

وأضاف غلمان، الذي كان يتحدث أمام حضور نوعي باذخ من المثقفين والعلماء والإعلاميين، والمهتمين، أن الوجود الثقافي يحتاج منا الإنصات لذوات المجربين أوراد المجد والمدينة، وصانعي الأحداث والشواهد النابضة بالنجاحات والدوافع، مبرزا في الشأن ذاته، أن قراءة المنجز السيرذاتي لكبار المفكرين والعلماء، هو بالضرورة تأسيس لقراءات متجددة للمجتمع وتوثيق لاحتياجاتها وآثارها على البناء والاعتداد.3982 المجلس الثقافي

وقال الشاعر غلمان إن مركز عناية وتنسيقية الائتلاف ومؤسسات أخرى، معنية بهذا النوع من المنجز الأدبي والفكري، دعيا إلى الحفاظ عليه واستمراريته، والالتزام بتحقق أهدافه، لأنه ـ يؤكد غلمان ـ يبرهن على حكمة التاريخ وثقافة الإنسان واقتداريته على الاختيار وإفراز الجهود والفوز بسعادة الهوية.

في السياق عينه، جددت الشاعرة فوزية رفيق رئيسة تنسيقية الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية بمراكش، استشراف الفاعلين في التنسيقية لقضايا اللغة ومداراتها، وحضورها الرمزي والثقافي والهوياتي في النسيج الوطني. ودعت إلى توطين هذه الزاوية من الفعل الثقافي، معتبرة لحظة الاحتفاء بتجربة المفكر الدكتور أحمد شحلان، فارقة ومؤسسة لتلكم الدينامية التي ما فتئ الجميع ينهض بها، في ظل هجوم فظاعات الرداءة وتحولات الأقنوم الرقمي وإفرازاته الوبائية الجسيمة.

إلى ذلك أجاد الدكتور حسن المازوني، أستاذ التعليم العالي، في توتير العلاقة بين كائن الزمان والمكان المبثوثين على طول نص "سن الذهب"، المليء بالتوثبات والامتدادات والبحث عن التخوم في أوتار السيرة وميازيبها.

ولفت الدكتور المازوني الانتباه، وهو يرصد هذه الأبعاد الثاوية نصوص السيرة الفاخرة، إلى احتدام مفهوم المجال الاجتماعي وفعله في سيرورة الأحداث وقابلياتها المعرفية والحسية، مسطرا جملة من الاختيارات القائمة على إبراز الخصائص وأشكال الحضور وتناغمهما على ضوء التقيد بحسن التصنيف وإبداعه وتوتره.

وأكد المازوني، على أن "سن الذهب" يحيل إلى قائمة الحلم/ الكرامة، الشكل الإيتيقي لاستعادة التوهج والانبثاق، في لحظة إيثار مليء بدفء العالم والكينونة.

وأثار المتحدث، آثار وعمران تشكل هذا الوعي بتحويل الأمكنة وأزمنة الوقائع إلى علامات فارقة في الوعي والإنسان. كاستذكار حالات الأماسيد (الكتاب) في حي منبت الطفولة، وترسيم أضواء ومفازات شخوصها وأدوارها وطلائعها، كما هو الحال في ذكر مساعدي الفقيه، وما يكتنزه هذا الأخير من سلط رمزية في الوجدان الشعبي والاجتماعي، ثم إتحاف القارئ بأيام المسيد ولياليه ...3983 المجلس الثقافي

واستزاد الناقد الدكتور عبد العزيز لحويدق، إزاء هذا المنجز الأدبي والتاريخي، جملة من الحقائق، ضبطا لمفاهيم تؤسس الخلفيات المعرفية والأدبية والبلاغية للمتن المقروء "سن الذهب"، وهي علامات تقيم باستقامة الوعي وتوهجه، لدى الرائين المتمحصين للتاريخ والطفولة والأسرة والمدرسة والشارع العام وغيره، سرعان ما تتوتر فيه ومن خلاله، أبنية متاخمة للمعنى والمآلات الموازية، يقول لحويدق.

وأفاض الباحث المحاضر، في توسيع وإبراز مرجعيات النص المقروء، سوسيولوجيا ولغويا، مؤكدا على إذكاء الرغبة في اكتشاف العوالم الأخرى، الخفيو والخلفية، ما يستشعرنا بإذكاء نزعة التبليغ عن استنادات الرائي وهو يتفحص السيرة المسيرة، مشددا على أن التعدد في السرديات، بوصفها أنماط متجافية ومتمنعة، هو في الأصل بحث ناجز للهوية والفهم الحقيقي للغة والثقافة والانتماء.

وذكر لحويدق بمدلول الكتابة السيرذاتية، كوعي وكتخييل، كتدويرات بانية، لا تطاوع المؤلف ولا تستنفره، بقدر ما تستدرجه إلى تقمص عمليات الإبصار والتجلي، بما يقوم على أساس المعرفة والتواضع والصدق، والاتساق الزمني.

أما المداخلة الأخيرة، والتي ألقاها الأكاديمي الدكتور مولاي المامون لمريني، فقد كشفت عن استحقاق الكتاب المحتفى به، التصنيف السوسيولوجي الضابط لتوجهه والتقائيته. حيث يندمج التاريخ بالمرويات، والأحداث بالخلفيات الثقافية والهوياتية، والأنساق المطعمة بإزائها لما تحبل به التواريخ بما يصفه "وثائق" تروم إعادة تصحيح الفهوم والأنساق المحايثة.

وأكد لمريني، انطلاقا من العلاقة التي تجمعه بالكاتب، أستاذا وأكاديميا وصديقا، على أهمية استحضار المعرفة، خلال صياغة الكتابة السيرذاتية، متحدثا عن لغة شحلان ومتانة رصده للمعطيات والحقائق المبثوثة في النص.

ويرى المتدخل نفسه، أن الضرورة هنا تقتضي التماس توتير المتن من الداخل، وتأمين بروزه ككيان حاضر وشفيف في علاقته بالمجتمع والخلفيات الزمنية والإنسانية، معددا درجات هذا الارتهان، على أساس أن يتشكل التفكير فيه ومنه، انطلاقا من تأطيره كبنية نصية توثيقية لا يمكن اختالها فقط، في القراءة السطحية.

وألقى الشاعر الكبير الأستاذ إسماعيل زويريق، قصيدة عصماء مهداة لأحمد شحلان، مستذكرا زمانا ناهز الستين حولا، كانا فيه معا يتربصان بالحياة، ويستطعمانها كأنها فورة في خيال جامح.

وفي انفتاح المجلس الفكري، على النخبة المشاركة والحاضرة، جاءت كلمات كل من النقيب الأستاذ عمر أبو الزهور والباحثة الأستاذة سعاد الكتبية، والإعلامي مولا يعبد الواحد الطالبي، والشاعر والإعلامي محمد الصقلي وآخرين، (جاءت) متسقة مع فضيلة الاعتراف بمنجز المحتفى به الدكتور أحمد شحلان، مناشدين الجهات المعنية بالثقافة والفنون إلى تطوير آليات المعرفة بالثقافة الوطنية ورموزها، وتأثير ذلك على أبنائنا في المدرسة والجامعة.

***

د. مصطفى غلمان

مراكش/ خاص

 

حيفا، 16 مايو 2024 - احتفى نادي حيفا الثقافيّ بالأديبة هيام قبَلان في أمسية أدبيّة تكريميّة، وذلك لإشهار مجموعتها القصصيّة الجديدة "بعد أن كبر الموج".

افتتح الأمسية مدير النّادي ومؤسّسه الأستاذ فؤاد مفيد نقّارة، مرحّبا بالحضور مُثنيًا على مسيرة المحتفى بها، داعيًا إيّاها لمواصلة إبداعها وتقديم المزيد من الأعمال الأدبيّة المتميّزة. كما توجّه نقّارة بالشّكر الجزيل للمجلس الملّي الأرثوذكسيّ لرعايته الدّائمة لأمسيات النّادي، مؤكّدًا على أهميّة هذه الفعاليّات في تعزيز الحراك الثقافيّ.

تولّى رئيس جمعيّة نادي حيفا الثقافيّ الكاتب والإعلامي نايف خوري، مهمّة تقديم الأمسية، مُضفياً على أجوائها لمسة من الإبداع، فمع خبرته وأسلوبه المميّز، أدار خوري دفّة الحفل بمهنيّة، مرحّبًا بالحضور بأجمل العبارات، ومقدّمًا الضّيفة المحتفى بها بكلمات راقية. كما قدّم بقيّة الضّيوف المشاركين باحترافيّة تليق بمكانتهم ومكانة هذه الفعاليّة الثّقافيّة.3950 تكريم هيام قبلان

قدّمت الأديبة صباح بشير مداخلة نقديّة ثريّة تناولت فيها مختلف جوانب المجموعة القصصيّة. أشارت إلى قدرة قبلان على التقاط مشاعر إنسانيّة عميقة، وترجمتها ببراعة من خلال لغة غنيّة وصور شعريّة مؤثّرة، مؤكّدة على أنّ المجموعة تُعدّ إضافة نوعيّة للمكتبة العربيّة، وممّا جاء في مداخلتها: تتميّز هذه المجموعة بالدّمج المبدع بين السرد والنّثر والشّعر والصّور القلميّة. هذا المزج الفريد يضفي عليها لمسة خاصّة، ويجعلها أكثر تشويقًا وجذبًا، فالسرد يحاكي الواقع ويدخل القارئ في أجواء القصّة، ويضفي النّثر سلاسة ووضوحًا، أمّا الصّور القلميّة فتثير المشاعر وتحفّز الخيال، واللّغة الشعريّة تحيط العمل بالجمال والرومانسيّة.

تلتها الدكتورة رباب سرحان التي أشادت بقدرة قبلان على الابتكار والتّجديد في أسلوبها الكتابيّ، مؤكّدة على أنّ مجموعتها تعدّ نموذجًا يجسّد فنّ القصّة القصيرة. وممّا جاء في مداخلتها: تطلّ علينا الشّاعرة هيام مصطفى قبلان، في مجموعتها القصصيّة "بعد أن كبر الموج"، وتأتينا فيها كاتبة مبدعة عميقة، متمكّنة من أدواتها الإبداعيّة، قابضة على ناصية اللّغة، ولست أقول هذا محاباة أو مجاملة، بل أقوله بكلّ صدق وبكلّ موضوعيّة، ومنذ بداية المداخلة؛ ذلك لأنّ قصص المجموعة بصفة عامّة، أعادتني إلى القصّة القصيرة التي نريد، وإلى فنيّة القصّة التي نفتقدها، وأصبحنا نشتاق إليها ونتوق لقراءتها.KODAK Digital Still Camera

اختتمت الأمسية بتقديم درع النّادي التكريميّ للأديبة هيام قبلان من قبل الأستاذ فؤاد نقّارة والسيّد جريس خوري، تقديرًا لمسيرتها الأدبيّة وإنجازاتها. وقد عبّرت قبلان عن شكرها العميق للحضور وللمشاركين على المنصّة، ولنادي حيفا الثقافيّ على هذا التكريم، مؤكّدة على التزامها بمواصلة الكتابة والإبداع.

هذا وقد أقيمت هذه الأمسية في قاعة كنيسة القدّيس يوحنّا المعمدان الأرثوذكسيّة، برعاية المجلس الملّي الأرثوذكسيّ الوطنيّ.

أقيم زوال أمس الأحد برواق دار النشر اكورا، في المعرض الدولي للكتاب والنشر في دورته 29 بالرباط، حفل توقيع الإصدار الجديد للكاتب والمؤرخ المراكشي مولاي عبد الله العلوي (ابن بطوطة في الصين)، قدم من خلاله صاحب مؤلفات ("العالم الآسيوي والاسلام" و"المسلمون في الهند" و"ابن بطوطة في سلطنة دلهي الاسلامية" ..إلخ)، عصارة تجربته في الكتابة الرحلية عن رائدها العبقري الطنجي ابن بطوطة

وقال العلوي في كلمته التقديمية الخاصة بالمعرض، إن المؤلف الجديد، "هو امتداد لبحثنا المتواصل في حيوات ابن بطوطة، عبر قطائع زمنية ناهزت 29 حولا، خلال القرن الثالث عشر الميلادي". مؤكدا على أن "ولعي باكتشاف إضاءات في ثخوم هذه الحيوات، يمنحني الطاقة الكبرى لإعادة تدوير خرائط الرحالة الشهير، تجسيرا لرؤيته المؤرخة "تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار"، وإتقانا للغة القراءة ونشرها واسعا ووعيا حضاريا..".3907 العلوي

وأثار الكاتب في شق هام من الكتاب، مسألة انتقاد الرحالة، ومدى استيعاب قارئيه لرحلاته الأرضية الأسطورية، كالتي أوردها عن الصين، أو الهند والمالديف. وبهذا الخصوص، يتحدث المؤرخ العلوي، عن أن "أكثر النقد وجه لرحلات ابن بطوطة الصينية والهندية"، حيث إن "بعد المسافة والاختلاف الثقافي أدى إلى سوء فهم كبير بين الرحالة وقرائه، أو مستمعيه قبل ذلك، حتى إنه اضطر للقسم ليؤكد أن ما يقوله وما يكتبه صحيح وأنه عاينه".

وأثار العلوي أيضا، مسألة مواجهة ابن بطوطة لشيخ الإسلام ابن تيمية، خلال ضربه من طرف الجمهور بالجامع الأموي بدمشق، مؤكدا على أن "الأمر لم يحدث إطلاقا، ولم يكتبه ابن بطوطة أصلا. والبعض كتب أن الرحالة أقام في المالديف شهرين فقط، في حين أنه أقام عامين وزيادة، وتولى منصب قاضي البلاد، والأخرون كتبوا أن ابن بطوطة، كان سفير السلام"، مشددا في هذا الصدد، على أن ابن بطوطة كان "سفير زمانه ومرحلته، فقد حارب وقاتل وعلق الرؤوس على أبواب المدن، وكتب عن نفسه عقدا بالإقامة الدائمة في الهند ..".

في السياق ذاته، أورد الإعلامي والباحث د مصطفى غلمان، خلال كلمة ألقاها بالمناسبة، أن الكتابة عن ابن بطوطة، مغامرة معرفية لا متناهية، وأن إعادة قراءة الذاكرة الرحلية لمدارة ملخص شفيف عن أبعاد مهماته ومغامراته في الصين، يثير أسئلة نقدية جديدة، تتفاعل ودور المؤرخ وآليات خطابه في تثوير سياقات ضافية وعناوين أخرى في خاصرة رحلة قيل عنها الأشياء الكثيرة وظلت مثار خلاف في العديد من تقاطعاتها وأثارها في الكتابات والمراجع.

وأبرز غلمان أهمية، استخلاص الرحلة البطوطية، في الواحة الأثيرة لتقديمات العلوي ومنذوراته. مؤسسا هذا المفهوم، على إسباغ منظومة التاريخ كعلم ومنهاج وسلوك اجتماعي وحضاري، لما يتضمنه من وظائف وقيم تربوية من شأنها أن تسهم في تأصيل واستثمار جوانب متعددة معرفية، وبلورة مواقف وقيم أخلاقية.

ومن هذا المنطلق، يضيف المتحدث، جاء اختيار الكاتب لهذه الأقنومة المختصرة لأدب الرحلة، كمحاولة لرصد واستكشاف وظائف التاريخ واحتواء عناصر جديدة داخل بنية  نسقية تحتاج لإعادة تدوير واعتبار.

وشهد حفل توقيع الكتاب حضور مثقفين وكتاب وطلبة، من بينهم المفكر المغربي د حسن اوريد والحقوقي والباحث عبد الرحمان دحو ومسؤول الثقافة في السفارة الهندية وفريق عمله..

***

مصطفى غلمان

 

ثلاث ساعات لا أكثر حتى كنت في أبو ظبي.. لم أشعر بالوقت، وكيف أشعر به وحولي كوكبة رائعة قلما تجتمع في مكان واحد إلا في مناسبة كهذه. التقيت الدكتور ممدوح الدماطي وزير الآثار الأسبق، والنائبة الأديبة ضحي عاصي والكاتب الكبير يوسف القعيد. سرعان ما تجاوزنا منطقة المجاملات الكلامية لتدور بيننا أحاديث في موضوعات شتي. وصلنا واسترحنا ثم جاء وقت الملتقَي المنتظَر، هناك في معرض أبو ظبي الثالث والثلاثين للكتاب. حيث يلتقي المثقفون من شتي أنحاء العالَم، يحفني الشوق أن ألتقي هناك ببعض أحبابٍ قدامى وأصدقاء جدد ممَن لا ألتقيهم في حياتي إلا التقاء الطيف اللطيف.. كأنه لقاء أرواح وعقول تعبر الحدود لا لشيء إلا لتجتمع اجتماعاً خاطفاً كالحلم قبل أن تجذبهم طاحونة الحياة من جديد.3861 معرض ابوظبي

ملتقي الثقافة في "أبو ظبي"

جناح ضيف الشرف جناح مميز ورائع في تصميمه وإطلالته البهية. من نافلة القول إن مصر هي ضيف الشرف لهذه الدورة الفريدة من دورات معرض أبو ظبي. وأن نجيب محفوظ أديب نوبل هو شخصية المعرض لهذا العام.

في كلمتها بالجلسة الافتتاحية بالمعرض تحدثت وزيرة الثقافة المصرية نيفين الكيلاني فقالت: (أن اختيار مصر كأول دولة عربية "ضيف شرف" معرض أبو ظبي الدولي للكتاب، يدل على عمق الروابط والعلاقات بين مصر والإمارات في المجالات كافة، ومن بينها العلاقات الثقافية التي تتميز بالمتانة والقوة)

ثم أردفت: (ازدادت سعادتي باختيار الأديب العالمي "نجيب محفوظ "شخصية محورية للمعرض، ولقد عملنا معًا من أجل أن نُظهر للعالم من خلال منصة معرض أبو ظبي الدولي للكتاب، قوة الثقافة العربية وثرائه)

وحول التطلع لاستمرار التعاون المستقبلي ثقافياً بين البلدين أضافت: (هذه الدورة سوف تكون فارقة فيما ستقدمه من إصدارات وبرامج ثقافية ومهنية، وستشهد مزيدًا من التعاون في قادم الأيام، لنطور ونبدع ونفكر، لأن أهدافنا واحدة، وطموحاتنا كبيرة، والعمل الثقافي المشترك قادر على تلبية هذه الطموحات). واختتمت وزيرة الثقافة كلمتها، بتوجيه التهنئة لـمعرض أبو ظبي على هذه الدورة، وتمنت أن تكون هذه المشاركة، خطوة كبيرة في مسار العمل الثقافي المشترك لخدمة الثقافة العربية.

تم تصميم جناح مصر في المعرض على الطراز الفرعوني بلمسة حديثة بارعة المظهر. وزُين التصميم بالكتابة الهيروغليفية، وكُتب شعار " نصنع المعرفة. نصون الكلمة" ببنط عريض بارز. وفي هذا الجناح الأنيق انعقدت جلساتنا وندواتنا التي تنوعت وتفاعل معها جمهور المثقفين والحضور بشكل رائع.3862 معرض ابوظبي

نقاش جاد حول المسرح الشعري

كتابي الجديد: (المسرح الشعري/ نحو نظرية جديدة) كان موضوعاً للمناقشة في حفل التوقيع الذي أقيم ضمن فعاليات عديدة نظمها وفد الثقافة المصرية في معرض أبو ظبي.

الحفل أقيم بحضور وزير الآثار المصري الأسبق الدكتور ممدوح الدماطي والدكتور أحمد بهي الدين رئيس هيئة الكتاب ونخبة من الكتاب والمبدعين والنقاد. تحدثت عن الكتاب وقدمت إطلالة قصيرة عن أبرز فصوله وأفكاره، كما توقفت أمام الاجتهادات الجديدة التي يضمها هذآ السِفر النقدي، كل هذا مرَّ مروراً اعتيادياً، حتى ندَّ فمي عن الكلام حول أزمة المسرح، هذا الحديث ذو الشجون. وهنا كنت كمن ضغط على زر سحري في مكان ما لتسري في الأجواء طاقة دفعت الحوار كله نحو تلك الدفة، دفة الأزمة..

الجميع يعلم أن هناك أزمة. لا أقول في المسرح فقط، وإنما في سائر مجالات الإبداع الفكري والأدبي والمسرحي بل وحتى في السينما والدراما. أما أزمة المسرح بصفة عامة، والمسرح الشعري بصفة خاصة، فحدث ولا حرج..

اشتعل النقاش حول المسألة بأبعادها، وكنت أعلم أن مثل هذا الحديث لن ينقطع حبله إذا اتصل. الجميع في مجالات النقد يتحدث عن الأزمة، أزمة في الشعر وأزمة في الرواية وأزمة في القصة، فلا تكاد تخلو ساحة من مصطلح الأزمة، كل الكتاب الذين يكتبون من جيل إلى جيل يظنون أنهم وصلوا إلى الحقيقة الكلية في هذا المجال، ثم يأتي جيل ثاني وينقض ما غزلوه جميعًا، هذه بالنسبة لي مهمة أساسية لكل جيل.

كتابي تحدثت فيه عن جيل الأوائل من كتاب المسرح الشعري أمثال أحمد شوقي وصولاً إلى صلاح عبد الصبور كمرحلة نضج قبل أخيرة، مروراً بمراحل التطوير في كتابات عزيز أباظة وعلى أحمد باكثير وعبد الرحمن الشرقاوي. لكني أكدت على وجود مرحلة تالية هي مرحلة ترسيخ فن المسرح الشعري، وهي مرحلة قلما تتناولها الدراسات النقدية. تلك المرحلة استهلها فاروق جويدة بإبداعاته المسرحية كالوزير العاشق ودماء على أستار الكعبة، لكنها لم تتوقف عنده بل تلاه عدد كبير من مؤلفي المسرح الشعري لم يتمكنوا من عرض مسرحياتهم.

لقد رصدت في كتابي أصل المشكلة بالنسبة للمسرح الشعري، هل هو التلقي أم التأليف أم الإنتاج؟ وأرى أن الأزمة أزمة تلقي، لأن لدينا آلاف النصوص، وآلاف الفنانين، في حين أن المغامرة بالإنتاج الخاص أو العام غير موجودة، فلبقاء هذا النوع من الإبداع يجب أن نضع له مَخرجًا ونرسم له مساراً يستعيد رونقه وبهاؤه، ويقدم بعضاً من مسرحيات شعرية كثيرة طُبعت ونُشرت ولم تجد أحداً يقدمها ويعرضها على المسرح دماً ولحماً.

كان هذا بعض ما أجبت به على أسئلة ندوة أدارها باقتدار وتمكن صديقي الكاتب مروان حماد مدير المشروعات الثقافية بهيئة الكتاب.

تلك الأحاديث والنقاشات امتدت لتعرج قليلاً نحو موضوعات شتي، لعل أهمها مسألة تأثير التحولات الإعلامية الجديدة والنوافذ التي أفرزها التقدم التقني، وهو حديث آخر ذو شجون لم تكن ندوتنا البسيطة تسع الولوج في موجه الخضم.3863 معرض ابوظبي

ندوة التواصل الحضاري

هي ندوة للدكتور ممدوح الدماطي أستاذ علم الآثار ووزير الآثار الأسبق. شرفني حضور تلك الندوة وأسعدتني صحبة عالم الآثار الكبير، فبدأت بتقديمه للجمهور وهو العَلَم المعروف. وقلت إن عنوانها الموحى يشير إلى ديمومة التأثير، وإلى التواصل في المكان والزمان. فمصر حضارتها مستمرة منذ آلاف السنين، ومنجزاتها متصلة مكاناً وعبر الأحقاب المتعاقبة. ثم إنها تتواصل مع كل ما حولها تأثيراً وتأثراً، عطاءً وتلقياً. بدأ الدكتور الدماطي الحديث فإذا أنت أمام موسوعة مسموعة ذات حضور طاغٍ.

كان واضحاً أن الحضور جميعهم تفاعلوا واستمتعوا لا بالكلام فقط، بل وبالصورة. إذ صاحبَت حديثه الممتع الدسم مادة علمية مصورة سابقة الإعداد. وهي مادة جديدة في تناولها، إذ أراد لها د. الدماطي أن تصف مرحلة الدولة الفرعونية على شكل صفحات تبدأ من جغرافية المكان القديمة وتنتقل عبر سمات الدولة القديمة سياسياً وثقافياً وطبياً وحتى رياضياً، وأن حضارتنا المتصلة كانت ذات أبعاد متكاملة متعددة الزوايا ممتدة التأثير.

برنامج مصري حافل

برنامج الندوات والجلسات والمناقشات اليومية حافل ومكدس.. أكثرها حول أديب نوبل نجيب محفوظ، وحل الكاتب الكبير محمد سلماوي ضيفاً على إحداها. صادفت جلسة بعنوان: (نجيب محفوظ في عيون العالم)، شملت استعراضاً لنجيب محفوظ في ذاكرة معرض القاهرة الدولي.

ندوة أخرى مهمة للغاية في موضوعها وضيوفها، عنوانها: (إسهام الأصوات النسائية المصرية في الرواية العربية). شاركَت فيها الروائية ضحي عاصي، والروائية صفاء النجار، وأدار النقاش معهما الدكتور سامي سليمان. وكان مما قيل في الندوة أن حركة الكتابة الأدبية في العالم العربي في العقود الثلاثة أو الأربعة الأخيرة – على وجه التحديد- يكشف عن التطور الكبير الذي حققته حركة الكتابة النسائية في العالم العربي. وأن الأصوات النسائية المصرية والعربية واضحة في الفترة الأخيرة، وهو طبيعي لأن المجتمع يتغير، بإعطائه مساحة للمرأة أكبر، فقد شاركت في العمل العام منذ فترة طويلة، وأصبح لها القدرة على خوض الكتابة الروائية، ولذلك نجد بصمات وأسماء مصريات شهيرات على اختلاف الأجيال، مثل: قوت القلوب الدمرداشية، ولطيفة الزيات، وفتحية العسال.. وغيرهن.

على هامش المعرض التقيت نخبة من أبرز المبدعين العرب منهم طالب الرفاعي وميسون القاسمي ويوسف القعيد ومحمد سلماوي والباحث السياسي محمد جمعة والدكتور احمد منيسي  والشاعر نوري الجراح وأصدقاء كثيرين آخرين.. كانت رحلة ثقافية قصيرة لكنها أبعد غوراً وأعمق أثراً من زمنها المحدود.

***

د. عبد السلام فاروق

تحت إشراف السيد معز بربورة كاهية مدير المؤسسات والتظاهرات الثقافية بالمندوبية الجهوية للشؤون الثقافية ببن عروس والسيدة نزيهة الصولي مديرة رواق الفنون ببن عروس بمناسبة شهر التراث الدورة 33 تحت عنوان (تراثنا، رؤية تتطور...تشريعات تواكب) .3816 الهادي بن نصيرة

تم افتتاح فعاليات المعرض الشخصي للفنان التشكيلي الهادي بن نصيرة " حكايات بحر" وذلك يوم الجمعة 26 افريل 2024 بحضور وسائل الإعلام المكتوبة ونخبة من الفنانين التشكيليين من داخل بن عروس وخارجها وثلة من مثقفي الجهة والفاعلين من المجتمع المدني.للرجل مسيرة حافلة بالمعارض الشخصية والجماعية والتي إفتتحها سنة 1971 بمعرض نابل لتكون الشرارة الأولى في مسار طويل وعسير بوصلته المركزية عشق اللوحة والفرشاة والألوان لخلق إضافة نوعية للحركة التشكيلية التونسية. إحتوى المعرض على 28 لوحة اغلبها وقع الإشتغال عليها فنيا عبر تقنية اكريليك على قماش والبعض الآخر عبر تقنيات مختلفة مثل التجريدية والسريالية (التونة، الكلام، البحار، الغطاس، الصياد، النوارس، انعكاس).3817 الهادي بن نصيرة

اللافت في مسيرة الفنان التشكيلي التونسي ا. الهادي بن نصيرة هو إلمامه بتقنيات المدارس الرئيسية في الفنون التشكيلية والتنويع والنهل من هذه المدرسة أو تلك...هذا ما لاحظته بوضوح وأنا أتأمل اللوحات منبهرا بالإتقان والحرفية والإبحار في عالم الجماليات ودهشة الفن وعلاقته بالفلسفة والوجود والإنسان .

إن المعرض الشخصي للفنان التشكيلي القدير الهادي بن نصيرة المقام الآن في رواق الفنون بين عروس لا تستطيع العقول المنتصرة للإبداع والفكر والمعرفة ان تنساه بل الأكيد انً رسوخه في ذاكرة المشهد التشكيلي نظرا للقيمة الفنية للوحات وعراقة مسيرة الرجل الضاربة في التاريخ. مسيرة تجاوزت نصف قرن من الرسم وعشق اللوحة الإستثنائية المتمحورة حول البحر وطقوسه ومناخاته والصيد البحري وعوالم البحًارة وطيور الحبارة والنوارس والعادات والتقاليد التي عرفت بها مدينة الهوارية الفاتنة وكلً مدن واقاليم محافظة نابل الجميلة.3818 الهادي بن نصيرة

في ختام مقالتنا . للأبد من التأكيد على جدارة الإشعاع العربي لمسيرة الرجل والعمل من طرف الهياكل المختصًة بوزارة الثقافة التونسية لإقامة معارض شخصية أو تشريكه في معارض تشكيلية جماعية في عواصم عربية، شرقا وغربا، من اجل دعم وإشعاع الثقافة التونسية في محيطها العربي والكوني

***

البشير عبيد / تونس

صالة سيتي فيو لاكمبا

تضفر الشعر بالثقافة بالفن سبائك ذهبا ترفد بها زرقة السماء والماء في سيدني

***

النّهر أنت يا حبيبي وأنا الأفعُوَان

الدّيوان الشّعريّ للأديبة الأستاذة أمان السيد     

هو ضيفنا الليلة، وسنحتفي به معكم.3760 امان السيد

 بذاك قدمت السيدة سو بدر الدين باقتدار وتمكّن لاحتفال توقيع ديوان الأديبة الأستاذة أمان السيد ليلة السابع عشر من إبريل، سبقها السيد فادي الصديق بكلمات تضمنت ترحيبا خاصا منه بالإنكليزية التي عكست قوة حضوره الأكاديمي وتقديره للأديبة، لتتابع السيدة سو بدر الدين التقديم باللغة العربية، ولتستقبل حضورا نوعيا اجتهد فيه أساتذة كبار ليقدموا قراءاتهم وتحليلاتهم لمضامين الديوان، وفنانون مبدعون عزفوا بأناملهم أوتار محبة شعّت وتلألأت لتمنح صالة سيتي فيو/كانتبري رود/ لاكمبا في سيدني دفئا وحميمية نادرين، واختال الفن يرافق الثقافة والأدب ليهب طقسا يليق بحضور الأديبة الأستاذة أمان السيد ذات المسيرة الحافلة بالإبداع وبالإنجازات الأدبية المرموقة.

 وقد استهلّ الاحتفال بالوقوف دقيقة صمت حدادا على المدينة الفلسطينية الصامدة غزة أردف بتحية شعرية آثرتها الأديبة بصمتها التي تطوي حزنها وعجزها أمام المصاب الجلل الذي يحيق بأبناء غزة وسط تخاذل من العالم الإنساني، إلا من قبل شرفائه، وأحراره، وقدم القصيدة التي حملت العنوان" غزّة أستميحك عذرا" الفنان الأصيل المبدع قحطان حدارة، بتلحينه وبأدائه الجليل الذي خطف به قلوب المدعوين، وخضّب فيهم الحزن، ومشاعر الاستلاب، وكانت الكلمة الأولى للأديب أنطوان القزي رئيس تحرير جريدة التلغراف الأسترالية، انثالت بواكيرها شاعرية على واحد من بحور الشعر الكلاسيكي، ناقش فيها عنوان الديوان، واللاذقية مدينة الأديبة، ليأتي الخطاب المباشر باسم الأديبة محرضا جميلا على الغوص والتطواف في درر حروفها وخيالها الوثاب، كما استعار سطورا من القصائد التي حملها الديوان المحتفى به لينسج شبكة ثريت باللؤلؤ وبالنوارس البحرية وبالانغمار الجميل في بهاء، وأنسنة، وتجليات، وهزائم، وآمال ومشاعر شجي بها ديوانها الجميل.

 ومما جاء في كلمة الأديب القزي قوله:

غافلي الأحلام قومي يا أمان

لملمي الأقمار قد آن الأوان

في ضفاف الشعر أنزلت حبيبا

أنت فيه نهره والأفعوان3764 امان السيد

ومما ورد في كلمته أيضا:" أمان، شاعرة تجيد الرقص مع الطقوس، فهي إن حلقت فأجنحة تسرّ في آذان الغيم ما سها عنه الناس، وإن سبرت فللأعماق في شباكها ما لم يدركه صيادو اللؤلؤ.. شاعرة مفتونة، تغزل فساتين الوقت، وتفكّ أزرار المكان لتنطلق إلى المدى الأوسع تفرد موائد السطور بنضارة نتاجها المشرع على النباهة والدلالات العميقة..".

أما الأستاذ نزار حنا الديراني، وهو أديبٌ وشاعرٌ وباحثٌ أدبيّ عراقيّ، فقد ركّز في كلمته على" الأنوية الفاعلة ودلالاتها في انعكاسات المرايا المتكسرة في ديوان " النهر أنت يا حبيبي وأنا الأفعوان"، ومما جاء في ورقته النقدية تعقيبا على القصيدة التي حملت عنوان الكتاب:

"ذاك النهر هو حبيبي تتريا فروعه وصدره،

وصدره وعنقه بالشهوات والحكمة،

هو أنا......

حين استدعي العالم المثالي إلى بساتيني

لا أجد مكانا لي

إلا في أحلام البائسين".3762 امان السيد

 يقول الأستاذ الناقد:" من هنا يتبين مدى التصاق أناها بالآخر وكأنهما وجهان لصورة واحدة، لذا تقمطت أناها الأنا الكلية لتتحول نصوصها من الغنائية الأنوية إلى النص المفتوح، وتتمرد حتى على الشاعرية لتقدم لنا نصا يتقمط الحكاية والتساؤل، وهو قادر على التأويل إلى حيث يصب نهرها، ويتوقف أفعوانها عن الجريان. نص يجرف معه ما يتلقاه من صور مبعثرة صنعتها مخيلتها النشطة، وتعكسها لها مراياها المهشمة.....".

أما الطبيب الجراح العراقي "مصطفى علي" المُكرَّم بقلادة الإبداع، والجائزة الأولى من منتدى الجامعيين العراقي الأسترالي في مهرجان الجواهري التاسع، فقد ارتأى أن يقرأ قصيدة "تين الأنثى" من ديوان الأديبة انتقاها معقبا:

" إنها تحمل من الجرأة والتمرد والمزج بين مشاعر الأنوثة، وقهر الوطن ما يبعث على الدهشة والتساؤل، ويدفع إلى التوهان في أغوار المعاني ودلالاتها، رغم أن الأديبة السيد بطبعها محافظة.." وقد استطاع الطبيب المبدع بإلقائه المعبر أن يجذب أسماع الحاضرين ويشوقهم على قراءتها.. أقتطف من "تين الانثى":

"  الوطن

الانسحاق، الطغيان، السلاسل، السجان،

وشهوات الرقاد.

أحلام كوابيس مقيتة،

كيف لي ألا أشهق

حين يمر بي نسيم الياسمين، وعندلات العندليب؟

أيها الذكر الكثيف الشهوات/ لا تتقهقر مهزوما بالسخط

ستكون وليمتي المشتهاة......"3765 امان السيد

أما الورقة النقدية الأخيرة حول الديوان الشعري، فقد قدمها الشاعر المبدع "شوقي مسلماني" رئيس تحرير مجلات / الرابطة/ الدّبور/ أميرة/ والذي له إصدارات وترجمات متنوعة نذكر منها " أوراق العزلة/ حيث الذئب/ أنطولوجيا الشعر الأسترالي بعنوان  "عندما ينظر الله في المِرآة"، وقد جاء فيها:

"أمان السيد في إصدارها الشعري الجديد مسكونة بالتمرد والدعوة إلى الحرية وإلى الانعتاق المطلق من كل ما يعيق تقدم الإنسان عامة والمرأة خاصة، وهي هنا تشع زهورا في سفح قرية منسية لا تعيقها ألوانها الرقيقة، بل هي التي توغل في الأصل والأبد.. تقول الشاعرة:

"أنا من أهب الموسيقى بهاءها/ أنا من يهب الرقص حياته/"

 فهي الأنثى الساحرة وهي الفراشة التي تتدافع إليها الأحلام...

أما الأديبة أمان السيد، فقد خصت بإهدائها ديوانها مدينة سيدني التي تقول إنها "جرأتها على الانطراح في العالم الإنساني معرّاة إلا من الروح" ومما جاء في كلمة الأديبة:

" ولطالما سئلتُ لماذا تأخرت في نشر الشعر وأنت التي تحتفين به في المناسبات، وعلى المنصات الأدبية، ليأتي جوابي، أني لم أؤخره، بل هو الذي اختار موعده للتدوين وللتوقيع الليلة وفي سيدني بالذات، شأنه شأن قرار نتخذه حين نشعر أن مخاضه لم يعد يحتمل بنا انتظارا أطول، وقد حُفّ قبلها بالإشارات والرسائل خفية، وظاهرة، وها هو كتابي الشعري السادس ترتيبا بين إصداراتي، يأتي وقد استنار الطريق، واختار قصائده، ونسقها وأودع غيرها طيات خزانة ما تزال تثرى به إلى موعد آمل أن يأذن له قدر آخر في حياتي".3768 امان

ووصّفت الشعر بأنه" ليس مساحة ضيقة تسكب فيها كلمات منمقة ورؤى تظنها عملاقة. الشعر أكبر منك ومن الآخرين، إنه روحك، وأناك، روحي، وأناي التي تخصني، وأنا الآخرين، وأنا ذرات الكون وكائناتها الخفية.. أنا الهياكل المحسوسة والمنظورة، وغير المحسوسة وغير المنظورة، وما يختال ويسري بينهما، إنه حكمة القدرة، وهو منابع النور، والاجتهاد، وهو سعادة المحروم، ونقرُ الأعماق على باب الأبدية المشرع لمتلقّف شغف الالتقاط، وثري الهطول.." ثم إنها ربطت تاريخ السابع عشر من إبريل بذكرى بغيضة قطّعت أوصال وطنها الذي ابتليت بعشقه، وعشق إنسانه، وأملت لوطنها بالخلاص الذي يليق به، وتقمصت وصية الشاعر الداغستاني" حمزاتوف" الذي أوصى أن يحمل كل إنسان أغنيته/ وطنه/ أينما ذهب لترى نفسها قد حبيت بذاك الولاء والوفاء باكرا قبل أن يأتي بدافع من تربية، أو إرشاد، ليصبح هم الإنسان المقهور رديفها للحياة، ثم إنها تدع عنوان الديوان الذي بلبل تساؤلات الحضور لغزا أرادت له نهاية مفتوحة سوى من إشارات روحية ردت الفضل فيها لفطرتها التي ترافقها في مدارج تنقلاتها.

وقد طاب للأديبة أمان السيد أن تنتقي بعض قصائد الديوان لتشدو بها أمام حضورها الكريم، وخصت قصيدة " سيدني" بترجمة إنكليزية، وقرأتها بالمشاركة مع مقدم الحفل بالإنكليزية السيد "فادي الصديق".3763 امان السيد

 وإذ تتوجه الأديبة بتقديرها وامتنانها إلى الحضور المتناغم، وإلى الأساتذة الأدباء، وإلى الفنان قحطان حدارة، وإلى مقدميْ برنامج الاحتفال، ومن شاركها توقيع ديوانها "النهر أنت يا حبيبي وأنا الأفعوان"، فإنها لا تغفل أن تثمّن جهدا قديرا قام به الدكتور المترجم والباحث السوري "أسامة منير إبراهيم" في ترجمة قصيدتها "سيدني"، وتتوجه بالشكر أيضا إلى العازفين الفنانين "فؤاد عزو"، و"خالد الأمير" وإلى المصورالسوري المبدع "أبو جورج" الذي لم يأل جهدا في تقديم فنه، وخبرته في تصوير الحفل، وخروجه بأبهى صورة.

أما تحية العرفان الخاصة جدا، فهي لصالة سيتي فيو كانتبري رود/ لاكمبا ممثلة برجل الأعمال السيد طوني بو ملحم.

فيما يلي عناوين القصائد التي قرأتها الأديبة في احتفال التوقيع، مصحوبة ببعض من سطورها الشعرية:

" ويبحثون عن الخرافة"

/الخزامى.. اللافندر.. الأقحوان..أوز البحر.. الريحان.. السوسن.. الفل.. القطن.. عباد الشمس/ نجوم الدب الأكبر/ ياسمين الصيف/ شقائق النعمان/ الخرز الملون/ عيون الأطفال/ عيون الأطفال/ رحم تتشكل من نطفة ماء.

"في حضور المَغربي"

المغربي الذي أنكروه/وأرجّح أنه مات جوعا/يعيد تشكيل الأقدام القارعة/يكثر من السخرية والضحك والبكاء/ الموتى يتحدثون بلغات وشؤون شتى/ يتشاجرون، يتمازحون/ ويسأل بعضهم" هل سمع أحدكم، أو رأى مرة واحدة، الحياة؟".

" من الذي يقرع نافذتي"

في هذا الليل الغريق/ من الذي يقرع نافذتي؟/ هل نَدف/ أم مطر يعزف وينبه الغريب؟/ لم أجد رجلا يليق بحضوري/ بصدري العاري كمقدّم سفينة/بخصري/ بمشيي النهري كخبب الفرس اليعبوب/ بحزني/ شبيه مطر ينهمر حاملا الأسرار.

"سيدني"

تحت برج ويستفيلد يطيب التسرب/ والمُطاف/فيتوهج بي الشعر/ ويباغتني الحنين/ في تاون هول أتمشى وأهرول وأركض وأكتب/ لا أخشى من قامع أو مؤول/ أو قيد يجرف معصمي إلى سجن فريد/.

" على أصابع العازف الإسباني في تاون هول"

على أنامل العازف الإسباني/ دمي الخوخ يتناثر/ أيا شقي ألا تخجل؟/ قلبي.. لوركا/ نغاشتان حمراوان/ على أنامل العازف الإسباني/ دمي الخوخ يتناثر.

*النهر أنت يا حبيبي وأنا الأفعوان

سادس إصدارات الأديبة أمان السيد

إصدار دار البيان العربي بيروت عام 2021

 

بقلم: أروى ديمون

ترجمة: د. محمد عبدالحليم غنيم

***

بعد ستة أشهر، سُمح لأروى ديمون أخيرًا بالدخول لتكتشف أن الحرب تُشن بشكل أساسي ضد الأطفال.3715 إرجوحة

فتاة تجلس على أرجوحة أثناء الاحتفال في أول أيام عيد الفطر في دير البلح وسط غزة (وكالة الصحافة الفرنسية عبر غيتي إيماجز).

نخرج من ازدحام البؤس الإنساني في رفح، في جنوب غزة، إلى شارع واسع خالٍ.

- لماذا لا يوجد أحد هنا؟

أسأل محمد الزبدة وابن عمه عادل الذي يقودنا.

يجيب الزبدة:

- آه، هذا الطريق يمكن أن يكون خطيراً . انظر، هل ترى تلك السيارة المنفجرة؟ لقد ضربها الإسرائيليون. قالوا إنها كانت تقل رجلا من حماس.

مررنا بهيكل تلك السيارة المحترق، وانكمشت في مقعدي، كما لو أن هذا سيحميني بطريقة ما. لقد مرت أيام قليلة على الغارة التي استهدفت قافلة المطبخ المركزي العالمي. أنا معتادة على التواجد في مناطق الحرب. معتادة على عنصر عدم القدرة على التنبؤ. ولكنني لم أتمكن من التخلص من التوتر منذ أن وصلت إلى غزة قبل بضعة أيام.

يأتي صبي صغير يركب زلاجة وردية اللون مسرعًا عبر أحد ممرات حديقة المستشفى، متهربًا من النازحين. يمر بجانبي مسرعًا وهو ينادي:

- مرحبًا، ما اسمك؟

أجيبه:

- أروى.

مبتسمًة دائمًا للعذوبة غير المتوقعة لهذه اللحظة القصيرة التي تصرف انتباهي عن رائحة المجاري النتنة التي تجري على طول الخيام في جميع أنحاء أرض المستشفى وعن أفكاري المعقدة التي يستحيل فكها.

يقول الزبدة:

- هذا كله مصدر للعدوى. عدد النازحين في المخيمات في كل مكان أكبر من عدد المرضى والطاقم الطبي .

وكانت هناك مشاهد مماثلة في جميع مستشفيات غزة، والتي تم تدمير الغالبية العظمى منها. ويعتبر هذا المستشفى الأوروبي أحد المرافق القليلة التي لا تزال شبه عاملة.

لقد مرت ستة أشهر على الحرب التي شنتها إسرائيل على غزة، وهي الحرب التي دمرت البنية التحتية الطبية، وتركت سكان غزة البالغ عددهم حوالي 2.2 مليون نسمة دون إمكانية الوصول بشكل مناسب إلى الطاقة أو الماء أو الغذاء أو الدواء، ودمرت منازل الناس وسبل عيشهم، وشردت أكثر من 1.5 مليون شخص. إلى جنوب قطاع غزة. إنها أيضًا حرب تسببت في مقتل عدد أكبر من الأشخاص، بما في ذلك عدد أكبر من الأطفال، في فترة زمنية قصيرة جدًا مقارنة بأي منطقة حرب أخرى كنت فيها خلال العشرين عامًا الماضية.

أنا هنا في مهمة إنسانية مع مؤسستي الخيرية: إنارا/ INARA، التي أنشأتها في عام 2015 عندما كنت أعمل مراسلة كبرى لشبكة CNN. ينصب تركيزنا الرئيسي على ضمان الرعاية الصحية الطبية والعقلية طويلة الأمد للأطفال المصابين بسبب الحرب والكوارث الطبيعية. وفي غزة، وفي هذه "الطوارئ" المروعة، عملنا مع الملاجئ التي تقدم مجموعة من الخدمات بدءًا من الوجبات الساخنة وحتى الملابس الداخلية الصحية القابلة للغسل إلى الأنشطة المخصصة للأطفال. نحن أيضًا بصدد إنشاء وحدات طبية.

يأخذني الزبدة لرؤية بعض الأطفال المصابين ويعمل على إخراجهم. وتساعد المنظمة التي شارك في تأسيسها، "أطفال لا أرقام"، الجرحى في إجراءات أوراقهم وطلبات نقلهم خارج غزة. تقوم إنارة، بالإضافة إلى عملنا داخل غزة، بدعم أيضًا الأطفال المصابين وأسرهم بالاحتياجات الطبية والعقلية والاحتياجات العامة بمجرد نقلهم إلى خارج غزة.3716 إرجوحة

تركز جلسات الصحة النفسية للأطفال خلال "حالة الطوارئ" على توفير تسلية لهم ووسيلة لإطلاق طاقتهم. (المصدر: أروى ديمون)

العملية برمتها أبعد ما تكون عن الوضوح. وقائمة طالبي الإخلاء طويلة وشاقة ومليئة بالتحديات.

دخلنا أحد مباني المستشفى، وشقنا طريقنا عبر الملاجئ المؤقتة التي تصطف على طول الممرات، حيث خيمت العائلات على السلالم. الجو حار جدًا، ومن المستحيل تقريبًا المرور دون التعثر بشيء أو بشخص ما. النساء يطبخن على الأرض، وأطفال يتجولون، وأطفال يبكون، والجرحى يتأوهون في أسرتهم.

من الناحية الفنية، الزبدة ليست طبيبا بعد. إنه في سنته الأخيرة، يدرس الجراحة التجميلية والترميمية، لكن الجميع يطلقون عليه اسم الطبيب بالفعل. مثل العديد من طلاب التعليم العالي في غزة، وخاصة أولئك الذين يعملون في المجال الطبي، يريد الخروج وإنهاء دراسته والعودة كمحترف لمساعدة شعبه. إنه أحد جوانب هذه الحرب التي لا تتم مناقشتها كثيرًا، كيف تم تجميد التعليم للتو.

قال لي في وقت سابق:

- رأيت صبياً يموت من الألم. كان عمره 10 سنوات، وتم بتره، وقطع ساقه دون تخدير. لقد مات للتو. كان ذلك في مستشفى ناصر. لقد كان في الواقع ابن طبيب آخر.

نتتبع طفلًا صغيرًا يصرخ ورأسه مغطى بالضمادات وتحتضنه والدته في أحد الأقسام. يسحب الزبدة بطانية بمثابة فاصل وتقدمني إلى أدهم. أحاول ألا أحدق. جمجمته لديها انبعاج هائل، أكبر من قبضتي. يمتع بجميع وظائفه المعرفية بأعجوبة لكنه غير قادر على تحريك جانبه الأيسر. أخبرنا والده أنه كان من المفترض أن يتم نقله، لكن تم إبعاده هو ووالدته على الحدود لأنها لا تملك جواز سفر.3717 إرجوحة

لا توجد "غرف" هنا، مجرد سرير تلو الآخر محاط بالبطانيات. ألقي لمحات من الحب تدفئ قلبي - أخت تقبل شقيقها الأصغر الذي لديه ضمادة في ساقه، وأب يطبع قبلة على جبين ابنه. عقلي يعيد ترتيب ما يراه في الحياة التي كانت. أستطيع أن أتخيل هذه العائلات في منازلها – الأطفال ينطلقون إلى المدرسة، يضحكون حول وجبات الطعام.

أرى آثارًا لشخصياتهم الصغيرة الوقحة. أولئك الذين يلوحون لي بخجل، الأجنبية. أولئك الذين يطاردوننا ويصرخون في الممر قبل أن يتمكن الزبدة من التخلص منهم بلطف.

تقول رئيسة الممرضات في وحدة العناية المركزة، وهي تشير إلى الرسم البياني الخاص بمصطفى: "هذا طفل يبلغ من العمر 10 سنوات، مصاب بطلق ناري في الرأس".

- طلق ناري؟

- نعم، داخلى وخارجى.

يرتفع صدر مصطفى مع كل نفس شاق تجبره الآلات على جسده غير المستجيب.

يقول والد مصطفى:

- لقد أصيب بالرصاص في مواسي عندما كان بالخارج مع عمه . لا أفهم. نزحنا مرتين؛ لقد فعلنا ما قالوا. هذا غير منطقي. كان من المفترض أن تكون مواسي آمنة.

يريني صور نباتات مصطفى. كان يحب الحديقة. وكان الأول على فصله.

- أقسم أنه إذا لم ينجح، فسوف يقتل جميع أفراد الأسرة.

إطلالة على إحدى الخيم في المواسي جنوب قطاع غزة. (المصدر: أروى ديمون)

أمشي بجوار أسرة أطفال يرتدون الضمادات، وأطفال بقضبان معدنية تبرز من أرجلهم وأذرعهم الصغيرة، وأطفال يعانون من حروق، وأطفال يعانون من أنسجة نخرية. مثل كثيرين آخرين، شاهدت الرعب في غزة يتكشف على شاشات التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي، ولم أتمكن من الكلمات للتعبير عنه. أنا هنا؛ أنا أرى ذلك بنفسي. أفهم أكثر من ذلك بكثير، ومع ذلك أجد نفسي أكثر عجزًا عن التعبير عن مدى ما أشهده.

تلوح رفيف من سريرها، وقد انبهرت على الفور. أتأمل في عظام وجنتيها البارزتين، والقضبان المعدنية التي تربط ساقها معًا، وقدمها المبتورة، لكن كل ما أستطيع رؤيته هو ابتسامتها. يبدو الأمر ساطعًا بشكل غير طبيعي تقريبًا في مكان مثل هذا.

تقول:

- عمري 15 عامًا، وهذا أخي. عمره 16 عامًا. رفيق، قل جبن!

رفيق بالكاد يتأوه. أرى كل عظمة في عموده الفقري، كل ضلع. إنه يعاني من سوء تغذية حاد، مجرد جلد وعظام، موصول عبر الوريد.

وكان الأشقاء في أحد المستشفيات في الشمال وتمكنوا من إجلائهم إلى الجنوب منذ حوالي أسبوع.

تقول رفيف وابتسامتها بالكاد ترتعش:

- وقعت الغارة في 29 يناير/كانون الثاني. كانت الساعة السادسة صباحاً. ضربوا الطابق العلوي. مات أحد عشر شخصا. وأنا صرت هكذا.

انقطع التيار الكهربائي في منتصف قصتها، وفي الظلام صرخت قائلة:

- أنا أحب ملابسك. شكلك رائع.

لقد تأثرت كثيرًا بهذا التعليق العادي للمراهقة لدرجة أنني انفجرت من الضحك. أريد أن أعدها بأنني سأصطحبها للتسوق يومًا ما، لكنني أخشى حتى التعبير عن هذه الرغبة، خشية أن يكون هذا وعدًا لا أستطيع الوفاء به.

يتحطم القلب إلى مليون قطعة، وينقطع الدماغ وهو يحاول إيجاد الحلول حتى لو لأصغر الأشياء. المجهول يلوح في الأفق فوق كل شيء، والموسيقى التصويرية الخاصة به هي الطنين المستمر للطائرات بدون طيار، والانفجارات، وصرخات الأطفال، وطلبات المساعدة.

في تلك الليلة، عندما عدت إلى المنزل الذي كنت أقتحمه، كنت أجلس في الظلام، محاولًا توفير طاقة البطارية. أستطيع سماع القرآن يتلى على الهواء من المنزل المجاور، وهو يندفع عبر النوافذ التي تهتز وترتعش مع كل ضربة. أنا في الظلام، وفي ذلك الظلام كل ما أرى هو وجوه أطفال غزة وآلامهم وحاضرهم البائس ومستقبلهم المسروق.

(انتهى)

***

...............................

المؤلفة: أروى ديمون / Arwa Damon مراسلة دولية سابقة لشبكة CNN ومؤسسة ورئيسة جمعية إنارا الخيرية. وهي تقوم حاليًا بإخراج فيلم وثائقي مستقل.

ان انتاج ومضات لامعة في المؤسسات الحكومية يُشعر الجمهور ببارقة امل وتعزيز الثقة بين المؤسسة وعامة الناس، لتاتي كلية الفنون الجميلة جامعة بغداد مؤكدة لتلك الحلقة عبر عديد الفعاليات التي اقامتها داخل صروحها المنتجة للمعرفة والجمال، وفي طليعة هذه الفعاليات بينالي قسم التصميم الذي أُقيم بتأريخ 2 نيسان-2024 في فضاءات كلية الفنون الجميلة، للملصق بوصفة الرسالة البصرية المقروءة والمختزلة، وجاءت هذه الفعالية استمراراً للنسخة الاولى التي أُقيمت العام الماضي، وتأتي طروحات هذه النسخة مواكبة للمخاطر التي تتعرض لها المجتمعات عبر اعادة قراءة خطورة المخدرات وما يترتب عليها من مخاطر جسيمة تُفتك بالافراد والمجتمعات، فلم يدخر القائمون في قسم التصميم جهداً لمواكبة المجسات التي تطرأ في المجتمع عبر توظيف نتاجات المشاركين وتوجيه بوصلة افكارهم وابداعاتهم صوب المشاكل المعاصرة، ومحاولة تحقيق الهجنة بين نتاجاتهم وحركة الملصق عالمياً عبر مشاركة عديد الدول في هذا البينالي، اذ تنوعت بين الدول الاوربية والعربية كـمصر، فلسطين، لبنان، ايران، تركيا، جمهورية الصين الشعبية، اليابان، الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، كوريا الجنوبية، ايطاليا، اسبانيا، فرنسا، روسيا، اوكرانيا، المانيا، رومانيا، كندا، المكسيك، و الهند، فضلا عن العراق متمثلا بنتاجات اساتذة وطلبة الكلية، عبر التجسير بين اجتراحات المصممين العراقيين، ونتاجات الدول الاخرى، وهذا ما يلقي بضلالة على الفعل الجمالي للنتاجات، ومواكبة الحركة العالمية للملصق، وقد امتازت نتاجات المشاركين في البينالي بتعدد الرؤى والافكار عبر انتاج اشكال متعددة، تنم عن قدرات محترفة في انتاج الخطاب البصري،

على صعيد الاخراج العام للبينالي انمازت هذه الدورة بطريقة عرض تقترب من فكرة الجشطالت، عبر اعتماد الصورة الكلية المنظمة التي تنضوي تحتها كل نتاجات المشاركين، ولهذه الطريقة من العرض مأخذين الاول : هو تأثيث فضاء الكلية بصورة بصرية طاغية اضفت بجمال انساقها على الشكل العام/ الكلي للبينالي، وهذا ما يحسب لصناع العرض .3686 بينلي قسم التصميم

فيما جاء المأخذ الثاني معاكساً للأول كون هذا النوع من طرق العرض يمكن ان يضعف من مركزية الاعمال الفردية داخل فضاء العرض، وقد يعزى ذلك لاسباب تنظيمية وادارية اضطرت القائمين على البينالي ان يتخذوا هذه المسارات، الا ان هذه التفصيلة لا تحط من قيمة البينالي وجهد المنظمين، كونهم عملوا على التقاط قضايا حساسة وخطيرة شاعت في الاونة الاخيرة، كما امتازت هذه الدورة بغزارة الاعمال التي رصفتها الجودة في صناعة المحتوى عبر مشاركة 125 مصمم من جميع انحاء العالم، وقد جاء هذا البينالي منذ التأسيس حتى الان بثمار ملموسة عبر زج عديد من المصممين العراقيين في بيناليات قُدمت مؤخراً في الصين، وإندونيسيا وياتي ذلك عبر تسليط الضوء على القيمة العليا التي تلعبها نتاجات كلية الفنون الجميلة بشكل عام وقسم التصميم على وجهة الخصوص، عبر الانفتاح على سوق العمل والحاجة الفعلية للمؤسسات الحكومية والقطاع الخاص، فضلاً عن التواصل لمواكبة حركة تطور الملصق عالمياُ.

وما ينشط هذا الحراك هو التفعيل الحقيقي لمكاتب الانتاج عبر التنسيق بين مكتب انتاج الكلية ومكاتب المؤسسات الاخرى، كون كلية الفنون الجميلة واقسامها بإداراتها الفاعلة والمنفتحة على الجميع، يدفعنا الامل ان يتم تسويق هذه الاعمال بالطريقة التي تليق بالمؤسسات، لتؤثث فضائها باعمال فيها من الجمالي والوظيفي ما يزيح فوضى التلوث البصري، الذي يشاع في المؤسسات والساحات العامة نتيجة لضعف فاعلية مكاتب الانتاج .

ختاماً يمكن القول ان مخرجات الفنون الجميلة بفروعها المختلفة تسجل حضوراً لافتاً في المحافل العربية والدولية عبر عديد من الفعاليات التي تقام في أماكن مختلفة من العالم، ويشار لها بالبنان، كونها تعكس الوجهة المشرق للمؤسسات العلمية والأكاديمية التي تنتج شرائط جمالية، الاماني كبيرة بأن يبذل أصحاب القرار عناية اكبر بهذه المؤسسة لما تمتلكه من مقومات لا يمكن ان تتحقق في غيرها من المؤسسات.

***

د. وسام عبد العظيم عباس- بغداد

برعاية السيد عميد كلية الآداب الأستاذ الدكتور علي عبد الأمير ساجت المحترم وتحت شعار (المسرح والطلبة: أبجدية التحدي) . نظم قسمي علم النفس واللغة الانكليزية وبالتعاون مع وحدة الشؤون العلمية وفريق تعليم اللغة الانكليزية التواصلي -CETT-مهرجانا علميا وأدبيا فنيا في يوم الأحد 3\3\2024في قاعة الإدريسي . بدأ المهرجان بعزف النشيد الوطني وقراءة سورة الفاتحة على أرواح شهدائنا الأبرار وبعد ذلك القى السيد عميد كلية الاداب كلمة أكد فيها على العلاقة الوثيقة بين النشاطات الفنية والعملية التعليمة. وكانت الأعمال المسرحية بأشراف م. فوزية موسى غانم وبمتابعة وتنسيق د. ياسمين جرجيس يونس. وعريف التقديم الشاعر الطالب محمد احمد محمود.3535 مسرح جامعة بغداد

تضمن النشاط فعاليات عديدة وقسمت إلى ثلاثة محاور. تضمن المحور الأول عرض ثلاثة مشاهد لثلاثة أعمال مسرحية المشهد الأخير من مسرحية (هاملت) للكاتب وليم شكسبير والمشهد الأخير من مسرحية (هاملت بلا هاملت) للكاتب المسرحي العراقي الدكتور خزعل الماجدي ومشهد من مسرحية (جرغد) لمؤلفها ومخرجها الطالب محمد احمد محمود وفريق التمثيل مكون من مجموعة من طلبة قسم علم النفس واللغة الانكليزية. ويشمل المحور الثاني تقديم مجموعة من الطلبة الشعراء بعض من أعمالهم الأدبية باللغة العربية الفصحى والشعبية. ويعرض المحور الثالث مجموعة من الأفلام القصيرة التي قام بانجازها بعض من طلبة قسم علم النفس بالمشاركة مع طلبة اللغة الانكليزية مثل (فلم الرحلة-The Journey) سيناريو الطالبة نسرين فؤاد حميد وإخراج الطالبة دانية محمد منير وبأشراف م. فوزية موسى غانم و م . وفاء خلف موسى . وأفلام أخرى تسلط الضوء على العديد من القضايا النفسية والاجتماعية والعالمية والتعليمية فضلا عن تقديم مقاطع موسيقية وغنائية يقدمها الطالب مؤمل عبد المجيد شاكر قسم علم النفس وعباس سعدون عودة قسم اللغة العبرية كلية اللغات وهشام عبد فرحان قسم علم النفس . يهدف النشاط إلى تقوية آليات التواصل المجتمعي بين طلبة القسم الواحد والأقسام الأخرى ويشجع الطلبة على تقديم أفضل ما يملكون من إمكانيات ومواهب وقدرات علمية وأدبية ومسرحية وفنية. ويعد من النشاطات التي تبث روح الأمل والمحبة والسلام والأخوة والصداقة في المجتمع الجامعي بما تعرضه من مشاركات وفعاليات هادفة وتربوية وتنموية وتوعوية.3534 مسرح جامعة بغداد

فريق مسرحية هاملت

1. نسرين فؤاد حميد (مخرجة وممثلة في العمل)

2. مصطفى محمد غازي

3. حسين غالب كاظم

4. مصطفى مازن علي

5. أحمد جمال حمزة

6. عطيه فراس دبيس

7. زهراء جهاد عباس

8. نور المأمون علي

9. عباس سعدون عودة(عازف الكمان)

10. مؤمل مجيد شاكر (عازف العود)3536 مسرح جامعة بغداد

فريق مسرحية هاملت بلا هاملت

1. محمد علاء حسين (مخرج وممثل)

2. كرار نصير سالم

3. إيلاف ليث عبد القادر

4. حوراء عبد الرحمن محمد

5. مصطفى هيثم غيلان

6. زهراء جهاد عباس

7. نسرين فؤاد حميد

فريق مسرحية مشهد من جرغد

1. فاطمة عادل

2. كرار نصيرسالم

3. محمد علاء حسين

فريق المعزوفات الفنية

1. هشام عبد فرحان

2. مؤمل مجيد شاكر

3. عباس سعدون عودة

فريق الفلم القصير (الرحلة باللغة الانكليزية : كان مناصفة بين طلبة اللغة الانكليزية وعلم النفس)

1. نسرين فؤاد حميد (فكرة وتأليف )

2. دانية محمد منير(ا مونتاج واخراج)

3. زهراء جهاد عباس

4. علي فراس صبري

5. سيف عادل عبد الله

فلم قصير للطالبة بتول حيدر

***

بقلم: فوزية موسى غانم

مقدمة: السياحة الجنسية هي إحدى أنواع السياحة ومن الظواهر الاجتماعية الموجودة في معظم الدول وتعتبر من المشاكل التي تحظرها القوانين والأنظمة في العديد من الدول.. ومع ذلك، هناك العديد من الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي قد تدفع بعض الأشخاص إلى ممارستها بشكل خفي كوسيلة لكسب العيش، بما في ذلك الحصار الاقتصادي وانخفاض قيمة العملة، مما قد يساهم في زيادة حالات الدعارة في بعض البلدان، وهذا يحدث حاليا في إيران.

1- مفهوم السياحة الجنسية والعوامل الدافعة إليها:

السياحة الجنسية: هي تبادل الخدمات الجنسية مقابل المال أو الهدايا، يمكن أن يكون لها أسباب عديدة، لكن أهمها هو الفقر وعدم وجود مصدر دخل ثابت، قد تكون الظروف الاقتصادية الصعبة وضعف قيم العملة من العوامل أيضًا، ولهذا السبب يلجأ بعض الناس إلى اليها كوسيلة لكسب العيش، تحت مسميات مختلفة] مرشدات سياحه، مترجمات أطباء، مكاتب زواج (دفتر ازدواج) ... الخ.

فالدعارة بمختلف مسمياتها كالسرطان، خاصة في مجتمع مثل إيران، الذي يعاني من بعض الأسر المفككة، وارتفاع معدلات الطلاق، والفقر، وملايين الأرامل والأيتام، وانتشار المخدرات، واهتمام الطبقة الحاكمة الإيرانية بقضايا المنطقة، ومنها حرب غزة، والحرب في سوريا ولبنان، وتعرضها للضغوط الدولية، فأصبحت منتشرة على نطاق واسع.

2- الحصار الاقتصادي المفروض:

تتعرض إيران حاليا لحصار اقتصادي شديد من بعض الدول الأوربية وأمريكا والمنظمات الدولية بسبب برنامجها النووي المثير للجدل، وانخفاض قيمة العملة بشكل كبير، مما زاد من معاناة الناس والصعوبات المعيشية.

ديانا: هذا لقبها، وليس اسمها الحقيقي، هي شابة في الثلاثينيات من عمرها تدير متاجر متعددة للجنس في المدينة (س). تصحبك عند المعبر الحدودي بسيارة بيجو (صنع في إيران) وتأخذك إلى موقعها السري، وهناك سيأخذك أبو سعيد زوج أختها وتبقى معه لفترة.

وتقوم هي بدورها من خلال دفع ثمن الإقامة لليلة واحدة (800 تومان إيراني) ودعوة الشابات الجميلات لممارسة الجنس مع السياح (الشباب أو كبار السن) مقابل 1000 تومان إيراني في المرة الواحدة، وبذلك تكسب تلك المرأة 4000) تومان) في 2-3 ساعات.. ولا نعرف كم تعطي مبالغ لضحاياها من النساء الفاتنات .

وهكذا فإن هذا السيناريو يتكرر كل يوم، وعندما ينفد مالهم أو يصلون إلى المتعة الجنسية، يتم إرسالهم عبر الحدود مرة أخرى ليعودوا إلى وطنهم حاملين خطايا أكبر.

أبو فاضل: مدير مدرسة سابق يسافر إلى إيران شهريًا لممارسة الجنس مع الشابات، يطلب من المرشدة أن تحضر له فتاة صغيرة رغم أن عمره يزيد عن 70 عامًا.

سألته ذات مرة: هل تستفيد إلى أقصى حد من إمكاناتك الجنسية ؟ رد: " لا أرى سوى جمال جسدها ولا شيء غيره " لأنه ميت سريرياً، والمضحك المبكي أنه يوهم عائلته بأنه مسافر لزيارة العتبات المقدسة في مدينة كربلاء.. "إنه يخدع أهله".

أبو ماجد: محامٍ يعمل في محكمة الأحوال الشخصية، ورغم أن عمره يزيد عن 70 عاما، إلا أنه يجمع " أتعاب المحاماة " كل شهر وينفقها على الجميلات.

أبو أنور: متقاعد يحب شرب الويسكي أكثر من حبه للجنس، تشتري له قائدة الحملة زجاجة من الويسكي الاسكتلندي العابر للحدود بـ 1200 تومان، ويحتسيه خلال ثلاثة أيام، وأحيانا يصاب بالصداع والتقيؤ لأنه مغشوش وغير أصلي.

أبو علي: رجل متزوج يسافر إلى إيران أسبوعيًا للحصول على الرومانسية التي لا توفرها له زوجته الأمية، ويخدعها بالقول إنه يذهب إلى العتبات المقدسة في مدن الكاظمية وكربلاء والنجف وسامراء. لأنه سائق سيارة أجرة.

3- الدعارة في إيران:

نتيجة للحصار الاقتصادي وانخفاض قيمة العملة في إيران، زادت حالات الدعارة في البلاد، أذ  يلجأ بعض الناس إلى الدعارة كوسيلة لكسب العيش وتلبية احتياجاتهم الأساسية، ويمكن أن يكون للبغاء أيضًا تأثير سلبي على النساء في البلاد، مما يجعلهن عرضة للعنف والاستغلال.

مرجانة: شابة في العشرينيات من عمرها ولديها طفل واحد، قالت إنها طلقت زوجها منذ عام لأنه محتام (وهو مصطلح ينطبق على متعاطي المخدرات) ليس لديها وسيلة لإعالة نفسها، وتعيش في نفس المنزل مع والدتها.

ليلى: شابة جميلة جداً، بيضاء اللون، نحيلة، لو رأيتها سوف تُّعجب بها، وهي مطلقة ولديها أطفال، تكسب عيشها من خلال ممارسة الجنس مع الآخرين، الأمر الذي كانت عائلتها تصدقها، حين تقول لهم بأنها تعمل في صالون تجميل للسيدات.

أم يوسف: متزوجة وتسكن مع زوجها في بيت مستأجر، إنها تكسب عيشها من خلال جلب النساء، مقابل العمولات التي تتلقاها من العملاء للمساعدة في تغطية نفقاتهم.

أم حسين: هي من العراق، من جيل الثمانينيات، وعائلتها هربت من ظلم الدكتاتور / صدام حسين المجيد، تعيش مع زوجها في منزل مكون من طابقين، الطابق الأول ملك لها، والطابق الثاني مؤجر للعراقيين للاسترخاء.

4- القيود الاجتماعية في العراق:

معظم الشعب اليوم يعيش نوعاً من الانحراف الجنسي الذي اخذ يزداد في المجتمع نتيجة القيود الاجتماعية والقبلية، وضعف الوعي الديني، ومحاولة الفصل بين الجنسين نتيجة انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، وظهور صرعة العصر (الموبايل)، واكتشاف وباء الانترنت الذي لا يقل خطورة في جانبه المظلم عن وباء كورونا .

في محافظة بابل (100كم جنوب بغداد) ألقت مفارز الأمن الوطني القبض على أحد السحرة المشعوذين، وبعد التحقيق معه وتدوين أقواله اعترف انه مارس الجنس مع أكثر من 400 امرأة، ومارس اللواط مع 90 شاباً لغرض إكمال السحر، ووُجد في هاتفه مقاطع فيديو وتصوير لبعض النساء والشباب المغرر بهم .

هذا الوباء لا يمكن التخلص منه بسهولة، لأنه دخل في كل بيت وشركة ومعمل وجامع وكنيسة، وخلق خصوصية لكل رجل وامرأة وطفل، من الصعب التدخل فيها أو فض الاشتباك بسهولة وبالطرق السلمية، لان هناك مواقع عدوانية لدول تريد غزو الدول الأخرى عن طريق الدس الطائفي والعرقي والديني والعطش الجنسي الذي تعيشه شعوبنا العربية والإسلامية نتيجة سيطرة بعض رجال الدين على مقاليد السياسة والثقافة المجتمعية أو ممن يعملون كوعاظ للسلاطين الحاكمين في هذا البلد المسلم أو ذاك.

لذلك كثرت في تلك المجتمعات شبه المتدينة السرقة والقتل والزنا بالمحارم، عكس المجتمعات الأوربية التي يكثر فيها النوادي وأماكن ممارسة الجنس المصرح بها من قبل الدولة والتي تخضع للعناية الطبية المستمرة .

5- الاستنتاجات:

تعرفت على إيران وتعايشت مع الإيرانيين، منذ سقوط نظام البعث في العراق/ 2003 حتى الآن،  وقد تبين أن بعض النساء الجميلات من الجنسية الإيرانية يرغبن في إقامة علاقات صداقة مع العراقيين، ويرفضن إقامة تلك العلاقات مع الإيرانيين.

الأسباب التي قدمتها هؤلاء النساء الإيرانيات هي:

1- العراقي يدفع للإيرانية مائة دولار أمريكي (6000  تومان إيراني) تقريباً أي ما يعادل 150 ألف دينار عراقي على مبيت ليلة واحدة  لعدة عراقيين ..يجتمعون معها بمكان محدد مسبقاً كأن يكون بيت مؤجر أو شقة يرتبها شخص إيراني مقابل مبلغ من المال قد يصل إيجارها اليومي (ألف تومان إيراني أي ما يعادل 30 ألف دينار عراقي) لليلة الواحدة،ويتناوبون عليها، وهي راضية بما يحصل لها .

2- ادعاء تلك الإيرانيات بأن الإيراني لا يعطيهن ما يتفقن معهن، و(يضربوهن بوري)، كما يقول المثل العراقي .

3 - العراقي لا يعمل مشاكل معهن عكس الإيراني الذي يجلب أصدقائه،ويغصبوهن بعنف، ولا يعطوهن أي مبلغ كاف، كما يدعين.

4- كثير منهن لا يريدون إن يفضحن أنفسهن، فيمارسن مع العراقي مقابل مبلغ ألف تومان لمرة واحدة أو دون ذلك قليلا.

الطامة الكبرى: إن تلك الشريحة من (النسوة) كثير منهن لديهن حساب على مواقع التواصل الاجتماعي (الأنستكرام والواتساب)، ويتواصلن مع العراقي، ويغلقن أي حساب إيراني يتصل بهن، واروني هؤلاء العراقيين صور لتلك الإيرانيات، وأحزنني ما شاهدته، أكثرهن شابات جميلات (أرامل ومطلقات) والمضحك المبكي... عندما قلت لعراقي لماذا لا تجلب زوجتك معك أثناء السفر... فكان الرد (لا، لا العراقية، مريضة، ونريد التغيير مع فتيات صغيرات بالعمر).

وعليه يجب اتخاذ إجراءات رادعة من قبل الطرفين العراقي والإيراني ومنها:

- سجن وترحيل أي أجنبي في إيران... يمارس علاقات محرمة مع إيرانيات…للحفاظ على سمعة إيران على الأقل أمام العالم والأجانب.

- تطبيق قوانين صارمة ضد البغاء، فليس من المعقول بلد مثل إيران يدعي القيم الإسلامية الحميدة، نجد فيه فتيات ونساء يسئن لسمعته.

- إلغاء فكرة السفر المفتوح بين الطرفين والسماح للمواطن بالسفر مرة واحدة خلال السنة باستثناء الحالات الطبية والعلاجية والإنسانية.

- يكون تبادل الزيارات عن طريق المجموعات السياحية، وتقليص السفر الفردي قدر الإمكان.

- سحب جوازات السفر من الأشخاص المسيئين، وعدم السماح لهم بالسفر خارج العراق لمدة خمس سنوات، وفي حالة تكرار الظاهرة يمنعون من السفر بشكل كلي.

- يكون السكن للأجانب في الفنادق حصرا ومن يخالف ذلك من الجانبين يعرض نفسه للمساءلة القانونية.

- على علماء النفس والاجتماع والطب الحديث دراسة حالة العراقي الجنسية وأسباب نزوعه للجنس مع الآخرين رغم كونه متزوج ولديه أبناء وبنات، ورغم تجاوز سنه الستين عاما.

- ضرورة محاسبة الأشخاص الذين يدخلون إيران ويعودون بنفس اليوم إلى العراق، وإخضاعهم للمساءلة القانونية، وأسباب الدخول والخروج.

وأخيرا: من عمل خير فليحمد الله على ما وفقه إليه، ومن عمل شر فليتخفف من حمل وزر سيجده يوم القيامة ثقيلا عليه.. لنطمئن إلى رحمة الله وعدله في كل ما افترضه علينا، فلولا أنها في طاقتنا لما ألزمنا بها، فلا يحسن أن نتبرم بتكاليفه، ولا أن نستثقل أوامره.

ما أكرمه سبحانه وأوسع رحمته، يثيب عبده على أعماله الصالحة سواء عملها بسعيه أم وقعت له بغير اختياره، ولا يعاقبه إلا على ما سعى إليه وقصد إلى فعله!.

دين الله يسر لا مشقة فيه، فلا يطلب الله من عباده ما لا يطيقونه، فمن فعل خيرا نال خيرا، ومن فعل شر نال شرا.

**

شاكر عبد موسى/ العراق

كاتب وأعلامي

الصفحة 1 من 5

في المثقف اليوم