تقارير وتحقيقات

تقارير وتحقيقات

قال لي طه حسين انتظرك غدا، نلتقي في فيلا رامتان، سيكون يوما ممتعا. كنت اقرأ في كتاب الناقد صبري حافظ " طه حسين ذكريات شخصيه معه "، اتأمل في الصورة التي يقدمها حافظ لفيلا طه حسين التي دخلها للمرة الاولى عام 1971. كان صبري حافظ في الثلاثين من عمره عندما كان يحضر جلسات لجنة تابعة للمجلس الأعلى للآداب والفنون، والتي يرأسها طه حسين، وذلك بوصفه موظفًا في المجلس مهمته تدوين وقائع الجلسات. كانت اللجنة تعقد اجتماعها في بيت طه حسين المعروف باسم "رامتان"؛ لأنّ حالته الصحية كانت تمنعه من الذهاب إلى مقرّ المجلس الأعلى للفنون والآداب. ولاحظ صبري حافظ أنّ لقاء طه حسين مع أعضاء اللجنة ومنهم سهير القلماوي وإبراهيم بيومي مدكور ومهدي علام وحسين مؤنس، يناقشون دور المثقف في المجتمع، يشعرون بالقلق على استقلال ويجدون ان هناك الجامعة اعتداءً على مكانة المثقف واستقلاله". اغلق الكتاب وانا تردد: من الذي يرفض دعوة طه حسين !.

في الصباح وانا احث الخطى إلى فيلا رامتان مع الصديق الروائي خضير فليح الزيدي، كنت أتخيل المكان الذي يحمل بين جدرانه ذكريات عميد الأدب العربي3371 متحف طه حسين

في كتابها "معك" تروي زوجة العميد قصة الانتقال لهذا البيت، مؤكدة أن طه حسين كان يحلم طوال حياته بأن يكون له منزل كبير، وقد استطاع ان يحقق حلمه بعد الانتهاء من بناء فيلته التي اسماها "  "رامتان"، وقد قال لزوجته ان مفردة "رامة" التي تعني الكثبان الرملية التي ترتاح فيها القوافل في البادية.

يتكون المنزل الذي يقع في شارع أطلق عليه اسم شارع طه حسين، من طابقين، يضم الطابق الأول غرفة القراءة، صالة استقبال،التي كنت انظر اليها بدهشه، فهنا جلس توفيق الحكيم ونجيب محفوظ وعبد الرحمن بدوي ومحمود امين العالم وعبد الرحمن الشرقاوي وهنا جلس جان بول سارتر ينظر بإجلال وإعجاب إلى عميد الثقافة العربية، بعدها توجد صالون الطعام، فيما يضم الطابق الثاني غرفة طه حسين، وغرفة زوجته سوزان، غرفة ابنهما مؤنس، غرفة اخرى يستمع فيها طه حسين للموسيقى، وقد كان معجبا بالكلاسيكيات الموسيقية.

في الطابق الارضي تقع مكتبة طه حسين والتي تضم 6859 كتابا بلغات مختلفة،وتتنوع فيها المعارف. وهناك زاوية وضعت فيه الأوسمة التي حصل عليها خلال حياته. وفي مكان مقتنياته الشخصية ومنها نظارته المتميزة الشكل كتب نزار قباني يخاطب العميد:

ارمِ نظارتيكَ ما أنتَ أعمى

إنما نحن جوقةُ العميانِ

أيها الأزهريُّ يا سارقَ النارِ

ويا كاسراً حدودَ الثواني

عُدْ إلينا فإن عصرَك عصرٌ

ذهبيُّ ونحن عصرٌ ثاني3371 متحف طه حسين

في حوار نشرته مجلة صباح الخير عام 1992 مع محمد حسن الزيات، وزير خارجية مصر الأسبق، وزوج "أمينة" ابنة طه حسين، عن متحف طه حسين "رامتان". قال الزيات أن فكرة تحويل الفيلا إلى متحف جاءت بعد تشاور وزير الثقافة فاروق حسني مع عاطف صدقي، رئيس الوزراء، الذي رحب بالفكرة وتمت المقابلة بين مؤنس طه حسين وفاروق حسني، وصدر قرار تحويل الفيلا إلى متحف.

لم يكن صاحبنا الذي أتجول في اركان منزله مجرد اديب، او مؤرخ، بل كان ظاهرة انسانية وثقافية، تركت اعمق الأثر في مسيرة النهضة العربية . في كتابها " اوراق شخصية " تصف لنا الكاتبة لطفية الزيات جنازة طه حسين التي تحولت الى وداع شعبي :" شعرت أنى أشيع عصرا لا رجلاً، عصر العلمانيين الذين جرأوا على مساءلة كل شىء، عصر المفكرين الذين عاشوا ما يقولون وأملوا إرادة الإنسان حرة، على إرادة كل ألوان القهر".

أتفحص كل ركن من اركان البيت واسأل نفسي: كيف استطاع هذا الرجل الذي حرم من البصر ان يضيء حياتا ويمنحنا كل هذه الاعمال التي تعد اليوم جزء من حركة النهضة العربية المعاصرة ن إن لم تكن ابرزها واكثرها عمقا.في كل مرة نعود فيها لكتب طه حسين، نسأل انفسنا: كيف قرأنا اعمال هذا المفكر، وبأية احاسيس ومشاعر تعيش معنا، مثل3370 متحف طه حسين

طه حسين الذي أضاء حياتنا بوصفه مثقفا جمع بين الفكر والممارسة في وحدة متماسكة، قدم لنا المثل لما ينبغي ان يكون عليه المثقف والكاتب في بلدان يسيطر عليها التخلف والتبعية للماضي. وطوال حياته التي بلغت الـ " 84 " عاما – توفي في الثامن والعشرين من تشرين الاول عام 1973 – خاض معاركه قولاً وفعلاً، لم يتعب او يستكين، تنقل من معركة الى معركة، وكل معاركه هدفها اشاعة التعليم وتحرير العقول وتحديث المجتمع، مؤمنا بالدور الحاسم الذي يجب ان تلعبه النخب الثقافية التي عليها ان تتبنى مشروعا تنويرا يسعى الى توسيع قاعدة الناس القادرين على تغيير واقعهم.

كتب محمد مهدي الجواهري:

نهضت بنا جيلاً وأبقيت بعدنا

لأبنائنا ما يحمدون به المسعى

أبا الفكر تستوحي من العقل فذّه

وذا الأدب الغضّ استثرت به الطبعا

3372 متحف طه حسين

علي حسين – رئيس تحرير صحيفة المدى البغدادية

القاهرة

 

تقيم معظم البلدان متاحفا لفنونها وحضارتها، ومتاحف اخرى تحتفظ فيها بكنوز الفن العالمي، لكي تذكر الأجيال القادمة بالذين نثروا ألوانهم وأقاموا النصب المرمرية، لأن الذاكرة البشرية بحاجة ان تتذكر ان التاريخ ليس حروبا وصراعات وفتوحات ومؤامرات، وإنما ألوان وموسيقى وشعر وغناء وتماثيل تروي حكايات الناس. تتباهى القاهرة بمتحف "محمود خليل" المولود عام 1877 وقد اخبرنا المسؤول عن المتحف ان محمود خليل الذي تولى عدة مناصب في الدولة المصرية منها رئاسة المجلس النيابي ، كان مولعا بالفنون، اثناء دراسته للحقوق في السوربون تعرف على فتاة فرنسية تدرس الموسيقى من عائلة بسيطة فتزوجها، وحين عاد بها إلى مصر بنى لها قصرا على النيل عام 1918. في منطقة الدقي بناه على الطراز المعماري الفرنسي وهو مكون من ثلاث طوابق، وتحيط به حديقة كبيرة،. وكانت ابرز هوايات محمود خليل الموسيقى وجمع اللوحات الفنية، حيث تحولت جدران فيلته إلى متحف يضم رسومات فان كوخ وغوغان ومونيه ورينوار وإدغار ديجاس وتوجد أيضاً خمسة أعمال للنحات الفرنسي الشهير أوغست رودان، بينها تمثال للروائي الفرنسي المعروف بلزاك.3360 متحف القاهرة

 محمود خليل، عاش كان من اوائل المشاركين فى تأسيس جمعية محبى الفنون الجميلة عام 1924، و تولى رئاستها عام 1925، وقد أوصى بتحويل قصره إلى متحف وقد عملت الزوجة على تنفيذ الوصية بعد ان نقلت جثمان زوجها من باريس إلى القاهرةً واشرفت على تنفيذ وصيته.

ونجد مجلة الجيل فى عام 1954 خبرا يقول: " تنزل مدام "إيميلين" الزوجة الفرنسية للمرحوم الفنان محمد محمود خليل ضيفة على نادية هانم بركات ابنة شقيقة محمود خليل، وقد حضرت الزوجة إلى مصر مع جثمان زوجها، لتمكث فى القاهرة أسبوعا حتى تشارك فى توزيع التركة الضخمة التى تركها زوجها المليونير، وتشرف على تنفيذ وصيته بإنشاء متحف باسمها واسم زوجها كما نصت الوصية".

وانا أتجول في متحف محمود خليل تذكرت الدور المستنير الذي يلعبه مواطن عراقي اسمه صلاح حيثاني، عاد من هولندا ليفتتح في كربلاء متحف للفنون المعاصرة. من قيمات المعرض لوحات لسلفادور دالي وبيكاسو وشاغال وماتيس، وهناك أعمال من البوب آرت لآندي وارهول وكوستابي وليخنشتاين، ولوحات زيتية لفنانين مستشرقين ومنحوتات برونزية ومصورات نادرة.3361 متحف القاهرة

ومثل محمود خليل كان الحيثاني صاحب ذائقة فنية يؤمن أنه الثقافة والفنون السبيل الوحيد أمام الناس في دولة شحيحة الطموحات، ومثل محمود خليل أتقن الحيثاني فن جمع النوادر وكرّس فكره ورؤيته وجهوده من أجل أن يكون هناك متحفا عالميا في مدينته كربلاء. وقد تساءلت ذات يوم الكاتبة الكبيرة إنعام كجه جي في مقال لها في الشرق الأوسط: لماذا لا يقام متحف شبيه له في بغداد ؟ مما جعلنا نتذكر متحف الرواد وكيف نهبت محتوياته النادرة عام 2003 ومنها غرفة العبقري جواد سليم ولوحات فائق حسن والدروب وكاظم حيدر وعطا صبري. وانا أتجول في متحف محمود خليل اشعر بحسرة لضياع مقتنيات معماري وفنان كبير بحجم محمد مكية الذي تصدر ورفاقه بجدارة حقبة جميلة غنية عاشتها بغداد في الخمسينيات، وعاشها العراق حتى بداية الستينيات. أعذب علاماتها كان صوت ناظم الغزالي، وأبرز ملامحها جدارية جواد سليم، ومعمار مكية والجادرجي، وأرق صفحاتها قصائد نازك والسياب. وعندما قرأت في الأخبار وعلى مواقع التواصل الاجتماعي عن المزاد الذي بيعت فيه مقتنيات اثنين من رواد العمارة العراقية الحديثة وهما محمد مكية وسعيد علي مظلوم تذكرت وصية محمد مكية حين كتب: "أوصيكم ببغداد.. استمعوا اليها.. أصغوا الى صوتها كثيرا.. ستكتشفونه في حركة الشجر والنخيل.. في دفق ماء النهر.. في الضحكات الصافية.. تأملوا لونها.. تجدونه في الطابوق.. في الخشب.. في زرقة الماء.. في سمرة الأهل".3358 متحف القاهرة

آخر عقود مدينة أبو ظبي كان افتتاح اللوفر. ليس النفط وحده، بل الثقافة تبني الأوطان، سيقول البعض: لماذا تمتدح جميع الأمم وانت تعيش فوق بقعة هي مزيج من اجمل الحضارات. نحتاج ايها السادة ان يتركوا لنا شيئاً من البقايا للعراق.

***

علي حسين – رئيس صحيفة المدى البغدادية

القاهرة

لكل عصر ثقافته وأفكاره السائدة، كذلك كانت لعصرنا وسائل تعبيرية عن تلك الثقافة وعن تلك الأفكار. فأصبحت الصورة ولغة الجسد في المسرح هي المعبرة عن الفكر الإنساني المعاصر في عصر العولمة. والحداثة وما بعدها.

كرمت نقابة الفنانين العراقيين/ المركز العام يوم أمس الأحد الموافق 27/1/2024 الفنان المسرحي غالب العميدي، والذي يعد ايقونة المسرح في محافظة بابل، وبحضور نخبة من الاساتذة المسرحيين الذين اثنوا على مسيرته الفنية الحافلة بالعطاء والإبداع، بالعديد من الانجازات المسرحية تمثيلاً وتأليفاً وإخراجاً، والفنان العميدي له الدور الكبير في النشاطات الفنية والمسرحية في المحافظة، وله الدور في احياء النشاط المدرسي عندما كان مديراً لهُ، كما كان لهُ الدور الكبير في نقابة الفنانين/ فرع بابل عندما كان نقيباً. وقد تم تكريمه بحفل بهي من قبل نقيب الفنانين الدكتور جبار جودي، وقدم الجلسة الحوارية الدكتور محمد حسين حبيب. وانتهت الجلسة بتوقيع كتابين مؤلفين في سيرة الفنان العميدي.3335 تكريم غالب العميدي

والأستاذ غالب العميدي هو الفنان والكاتب والمخرج الذي استطيع القول إنه بحق يمكن أن يكون عيَّنة المسرح العراقي بجدارة لما حققه خلال أربعة عقود أو أكثر من الزمن، من حضور وانجاز متواصل وإضافات نوعية سواء من خلال أعماله المسرحية التي وجدت طريقها للجمهور، أو عبر ما كتبه في مجال التأليف، أو ما شارك به من خلال الإخراج الذي كان بمثابة المختبر لتنضج داخلها تلك الأفكار، وتتطور مواهب الممثلين أو تتلاقح فيها خبرات الفنيين، وتتعمق العلاقة بين طرفي الأرسال والاستقبال، ومن خلال الأعمال الكثيرة والتي أصبحت اليوم تشكل رصيداً في مسيرة المسرح العراقي لا يمكن تجاهله.

فهو رجل استثنائي في محيطه المهني والفني والإنساني، استثنائيته المهنية أنه إداري ناجح يجيد مهارة الإدارة في زمن التقلبات السياسية والإدارية، ويستطيع أن يستوعب الجميع بتطبيقه العادل للقوانين، وتغليبه روح القانون على صرامة القوانين وتعسفها أحياناً. واستثنائيته في المجال الفني تكمن في جمعه بين الإدارة والإنتاج الفني، فهو كاتب ومخرج وممثل حاضر في المشهد البابلي بامتياز، ومنذ عقود وبالكفاءة نفسها. وقد وجدت في نجاحة من خلال مواكبتي للعمل معهُ في ثلاث مهرجانات أقيمت بمناسبة تمصير مدينة الحلة، فضلاً عن دوره الكبير في دعم ومواكبة ملتقى العشرة كراسي الذي يقيم في مكتبة ودار الفرات كل خمسة عشر عاماً، فضلاً عن دعمه لمجلة الملتقى.

والعميدي تاريخهُ الفني والمهني حافل بالإبداع، تجد فيه من القيَّم ما يجعلك في مواقف وتساؤلات، ومن خلال شخصيته بحق؛ تقف في مصاف قائمة أولئك الذين خدموا وطنهم وقدموا للبلاد إخلاصهم. وإن حياة هذا الرجل وما مرَّ بتاريخه الفني المسرحي من أحداث ووقائع تضفي عليه لا القيمة التاريخية حسب بل والقيمة الفنية والوطنية والأدبية والاجتماعية أيضاً.3334 تكريم غالب العميدي

فهو أحد الناشطين في الحقل المسرحي البابلي والعراقي، وكونه من المخلصين الصادقين في هذا الحقل من اجل تحقيق المثل الأعلى فيه، لذا تعد حياته صفحة من صفحات العمل الفني والوطني، ونلاحظ هنالك تداخل في تجربته، فهو يجمع بين الإعداد والتأليف والإخراج, وإن هذا التنوع ربما يشتت جهود الفنان، ولكن بالمقابل هو تأكيد لسعة خبراته والمامه بتفاصيل عناصر الفن المسرحي، وتأكيداً على خبرته في هذا المجال، فهو يسعى لرفد أعماله بروحه العراقية، مستفيداً من التقنية في تأطير هذه الروح، ولكن يعتمد على المزاوجة لكي لا يبتعد عن جذوره الاصيلة وروحه الوطنية التي انطلق منها.

ويستغل المبدع غالب العميدي تلك الألفة مع زملاؤه الفنانين، لكي يربط علاقة متواصلة بين العرض المسرحي، بكل تشكيلاته، والمشاهد بكل كيانه، وقد كوًّن طقساً خاصاً مليئاً بالألفة والانسجام والجو الحميمي. ولأن الفنان العميدي في طبيعته ميال إلى التوفيق بين التجريب والتراث والحديث، فهو فنان يعتبر وسيطاً للثقافات لأنه يعتقد في التجريب لا يمكن أن يكونا صورة مستنسخة لماضي راسخ في تراكمية الفنان، وهي الجاهزية في الأسلوب.

***

نبيل عبد الأمير الربيعي

عن ندوة الدكتور ‏عبد الجبار الرفاعي في معرض القاهرة للكتاب مساء السبت 27-1-2024.

د. أحمد سالم، مدير الندوة أستاذ الفلسفة في جامعة طنطا بمصر.

بعد فترة انقطاع طويلة عن المشاركة فى أنشطة معرض القاهرة الدولى للكتاب، أعود لإدارة جلسة المفكر العراقى الكبير عبد الجبار الرفاعي. وهو أحد أبرز الأسماء فى العالم العربى. وهو المفكر الذى إرتقي فى رؤيته للدين من الحدود المذهبية الضيقة إلى الأفق الإنسانى الرحب. وهو المفكر الذى رأى المقدس فى الأفق الإنسانى المتعدد الفهم. وهو يؤمن بأن الدين هو معين القيم الأخلاقية الكبرى كالحرية والرحمة والمحبة. عبر العين العرفانية كانت اجتهادات عبدالجبار الرفاعى فى فلسفة الدين. وأهمية الدين فى حياة الإنسان.3329 مقدمة في علم الكلام الجديد

قبل الندوة التقيت بالمستشار عبد الجواد ياسين وبعض الأصدقاء على كافيه "مقهى" أبو عوف فى معرض الكتاب .. فى الساعة السادسة أدرت حوارا جميلا مع القامة الكبيرة الدكتور عبد الجبار الرفاعى عن رؤيته الإنسانية لتجديد الفكر الدينى. وكان حضور الجمهور ممتازا بالقاعة ..كما شرفت  سفيرة العراق بمصر بحضور الندوة ... وسفير اندونسيا بتونس مع مجموعة من التلامذة الأندونيسيين بجامعة الأزهر. وكان أجمل ماسمعت بالأمس هو كلام سفير اندونسيا للدكتور عبد الجبار الرفاعي عن سعي السفير الدؤوب لنقل كل ما يكتبه باللغة العربية إلى اللغة الاندونسيه، لأنه يدرك بعمق قيم التسامح التى يدعو لها فى مؤلفاته، وأهمية دور القيم الأخلاقية فى مشروعه الفكرى. ولقد حضر جمع من التلامذة الاندونسيين الذين يدرسون بالأزهر بصحبة السفير. وكم تشعر بجمال الدين مع مسلمى جنوب شرق آسيا. أدركت كيف أن المفكر ينكفي على عمله سنوات لكى يخرجه مكتوبا بين دفتى كتاب، ولكنه لايدرك حجم تأثير مايكتبه، الا حينما يرى أفكاره قد طارت عبر المكان والزمان لتصل إلى قراءه...حقيقى كنت فخور جدا برؤيتى لمدى تأثير ما يكتبه عبد الجبار الرفاعى فى أناس يختلفون عنه فى العرق واللغة، ويتوافقون معه  فى الدين بروحه المتسامحة ... كم هى رسالة الكاتب مؤثرة، حين يكتب بصدق يصل صدق ما يكتبه إلى قلوب الآخرين ...نورت مصر دكتور عبد الجبار الرفاعي.
3324 السفير التونسي وعبد الجبار الرفاعي

سفير اندونيسيا في تونس. جاء خصيصا لذلك مع مجموعة من الطلاب الأندونيسيين في جامعة الأزهر، الذين كانوا يحملون نسخا من كتب د. عبد الجبار الرفاعي، وقعها لهم في باب القاعة، وأعلنوا عن استعدادهم لترجمة الكتب.

3328 كتب عبد الجبار الرفاعي

د. أحمد سالم

 

ها قد دارت الأيام وعاد معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الخامسة والخمسين بإطلالته المشرقة المشوقة ماداً يديه على اتساعهما لاستقبال زواره المشتاقين له ولما يحمله معه من مفاجآت وفعاليات..

أسبوعان من المتعة ينتظرهما الشعب المصري من العام للعام، وفى كل مرة يفاجأ بالجديد في كل شيء: الكتب والناشرين والاحتفالات والندوات والفعاليات. ولو أن المعرض اكتفي بالمعتاد وظل على حاله دون تغيير لكان جميلاً بهياً بما فيه من عروض وكتب وفعاليات شاملة تسعد جميع الطبقات والأعمار وتتحول من رحلة ثقافية إلى نزهة يومية يحرص عليها المصريون والعرب والأجانب، ومنهم من يقطع المسافات من محافظات نائية أو حتى دول مجاورة لحضوره والاستمتاع بهذا الحدث اليتيم من أحداث العام..3302 معرض القاهرة للكتاب 24

شخصيات وبوستر مبهر

وقع اختيار اللجنة العليا للمعرض على عالم المصريات الدكتور سليم حسن ليصبح أيقونة المعرض وشخصيته الرئيسية، كما اختارت اللجنة يعقوب الشاروني كشخصية معرض الطفل كاتباً متميزاً وأديباً رائداً في مجال أدب الأطفال..

أما البوستر السهل الممتنع المعبر عن معرض هذا العام فقد كان من تصميم الدكتور أشرف رضا أستاذ الفنون الجميلة؛ مستلهماً روح الفن المصري القديم مع لمسة متميزة من الخط العربي الأصيل. يتصدر التصميم نحت بارز للمعبودة القديمة "سيشات" إلهة الحكمة والمعرفة والكتابة في مصر القديمة، وحافة التصميم مشغولة بزخرفة من تكرارات زهرة اللوتس المصرية، ويتوسط التصميم شعار الدورة الجديدة للمعرض: (نصنع المعرفة..نصون الكلمة).

يحتفي المعرض بدولة النرويج كضيفة شرف له هذا العام. وقد أكدت السفيرة "هيلدا كليمتسدال" سفيرة مملكة النرويج بالقاهرة امتنانها وسعادتها بأن تكون جزءاً من هذا المعرض الكبير.

إن معرض الكتاب من أقدم وأهم معارض الكتاب في العالم.. بدأ في عام 1969 في عهد وزير الثقافة ثروت عكاشة، وتحت إشراف سهير القلماوي. وقد بدأ بعدد متواضع من الناشرين والناشرين لتصل أرقامه اليوم إلى حدود مبهرة تفوق التوقعات..

لقد أصبح المعرض يقام على مساحة 80 ألف متر مربع ليسع زائريه الذين يزيدون عن مليوني زائر! ويضم المعرض خمسة صالات عرض رئيسية كبري، ليصل عدد الناشرين نحو 1200 دار نشر بزيادة 153 ناشراً عن العام الماضي. وقد بلغ عدد الدول المشاركة في معرض هذا العام إلى 70 دولة من جنسيات مختلفة. ليتحول المعرض إلى قلعة ثقافية جامعة لأحدث الإصدارات العلمية والأدبية حول العالم، وليزوره يومياً طوائف من الأجانب والعرب بحثاً عن أحدث الكتب بأسعار أقل من أي وقت من أوقات العام، حيث تحرص كل دور النشر على تخفيض الأسعار وتنشيط المبيعات من خلال خصومات خاصة لا تحدث إلا أثناء المعرض.3303 معرض القاهرة للكتاب 24

أحدث المشروعات الثقافية

في المؤتمر الصحفي الذي أقيم بساحة دار الأوبرا المصرية للإعلان عن افتتاح الدورة 55 من معرض الكتاب، ألقت وزيرة الثقافة الدكتورة نيفين الكيلاني كلمة اختتمتها بوعد مبشر للجماهير فقالت: (أؤكد أن يكون المعرض هذا العام فارقاً في رؤيته، رائداً في مكانته، وأن يكون نقطة بارزة في تاريخ معرض القاهرة والمعارض العالمية).

ثم جاءت كلمة رئيس الهيئة العامة للكتاب الدكتور أحمد بهي الدين ليؤمن على كلمة وزيرة الثقافة وليؤكد أن المعرض هذا العام قد استحدث محوراً ثقافياً جديداً بعنوان: "مؤتمر اليوم الواحد". وتحت هذا العنوان سوف تقام ستة مؤتمرات أهمها: مؤتمر تقنيات الذكاء الاصطناعي، بالتعاون مع جامعة مصر المعلوماتية، ومؤتمر الترجمة عن العربية، بمشاركة وزارتي الثقافة والأوقاف، ومؤتمر الملكية الفكرية لحماية الإبداع، ومؤتمر طه حسين، ومؤتمر نازك الملائكة..

لقد آثرت هيئة الكتاب هذا العام إضافة شخصيتين هما: "طه حسين" و"نازك الملائكة" لما لهما من تأثير على الفكر والثقافة في مصر والعالم. وقد أعادت هيئة الكتاب نشر عدد من أهم كتب ومؤلفات طه حسين، لاسيما النادرة منها تأكيداً على الاحتفاء بعميد الأدب العربي.

يقول رئيس هيئة الكتاب مصرحاً بنذر من مفاجآت المعرض: (.. يحتفي معرض الكتاب هذا العام بمشروعات ثقافية جديدة أهمها: "ديوان الشعر المصري" ومشروع "استعادة طه حسين" ومشروع "حكايات النصر" ومشروع "عقول".. وهي مشروعات استحدثتها هيئة الكتاب لترسيخ الفكر المصري في علاقته بالعالم أجمع.)

وأكد رئيس الهيئة أن المعرض يدعم الناشرين الجدد؛ حيث تم تخصيص جناح لدور النشر الناشئة المتقدمة للمشاركة بالدورة الحالية ولم تستطع الوفاء بشروط الاشتراك من حيث عدد الإصدارات. وسوف يضم الجناح عدداً كبيراً من دور النشر الصغيرة. ولعل تلك الخطوة تكون من أهم خطوات التوسعة وإتاحة الفرص في مجال النشر هذا العام.3304 معرض القاهرة للكتاب 24

للزائرين والضيوف الجدد

في العادة يكون سكان القاهرة والجيزة على علم بكل تفاصيل معرض الكتاب، ليس فقط لأنهم يتابعونه وينتظرونه من العام للعام، وإنما لأن التغطية الإعلامية والصحفية تزودهم بكل المعلومات حول المعرض.. لكن ماذا عمن لم يزر المعرض من قبل من النشء والفتيان والأجانب والعرب؟!

المعرض قد أتاح حجز التذاكر أونلاين من خلال تطبيق "احجز تذكرتك"، وهي الطريقة التي تساعد الزائر على تفادي الزحام على شباك التذاكر. والتذكرة لها سعر موحد رمزي لا يتجاوز خمسة جنيهات.

المعرض هذا العام يبدأ فتح أبوابه يوم 25 يناير ويستمر حتى السادس من فبراير القادم. وقد أتاحت وزارة النقل والمواصلات عدداً من خطوط الأتوبيس بلغ عددها 11 خطاً بواقع 115 سيارة بمتوسط انتظار لا يزيد عن 20 دقيقة، وهي تنطلق من أهم محاور وميادين القاهرة والجيزة. بخلاف خطوط النقل الفرعية والخاصة.

بشرى اتحاد الناشرين العرب

أعرب رئيس اتحاد الناشرين العرب محمد رشاد عن امتنانه وتقديره للخطوة التي اتخذتها الحكومة المصرية هذا العام بضم اتحاد الناشرين العرب إلى اللجنة الإدارية العليا لتنظيم المعرض، مع تخصيص جناح مجاني للاتحاد في صالة العرض. وكنتيجة لهذه الخطوة زف رئيس الاتحاد بشري لزائري المعرض بمنح خصومات تصل إلى 50% لمعروضات الجناح.

يستقبل المعرض زواره يومياً من العاشرة صباحاً حتى الثامنة مساءً، ما عدا يومي الخميس والجمعة من العاشرة حتى التاسعة. وقد أقرت لجنة تنظيم المعرض حزمة من إجراءات الدعم اللوجستي من خلال غرفة عمليات دائمة بالمعرض، وخدمة دعم فني، وخدمة عملاء أونلاين على المنصة الرسمية للمعرض.

حقاً هي متعة منتظرة، واحتفالية سنوية رائعة ينتظرها الصغار قبل الكبار. وإذا كان الزوار يحرصون على القدوم استمتاعاً بالفعاليات والأجواء، واستفادة من الخصومات والتخفيضات. إلا أن دور النشر ذاتها تكون أحرص على إرضاء الجمهور الهائل الرائع المحب للقراءة وللأجواء الثقافية والفعاليات الفنية المصاحبة للمعرض.

***

عبد السلام فاروق

تسعى اللجنة التحضيرية لمهرجان بغداد السينمائي الأول أن تكون هذه الفعالية الفنية والثقافية لائقة باسم العراق وعمقه الحضاري المعروف. وقد أعلن رئيس المهرجان الدكتور جبار جودي خلال الأشهر القليلة الماضية عن الأفلام المشاركة في مسابقات الأفلام الوثائقية والروائية القصيرة وأفلام التحريك، كما انتهت اللجنة من اختيار الأفلام الروائية الطويلة التي بلغ عددها 12 فيلمًا عراقيًا وعربيًا وهي من الأفلام المهمة بثيماتها ومقارباتها الفنية إضافة إلى حصولها على جوائز مرموقة في مهرجانات عربية ودولية ذائعة الصيت وتشارك فيها نخبة من الأسماء الفنية المعروفة على صعيد التأليف والتمثيل والإخراج والتقنيات السمعية والبصرية.3213 مهرجان بغداد السينمائي

تضم الأفلام المشاركة ثلاثة أفلام روائية عراقية، وتسعة أفلام عربية تمثل كلاً من مصر والسودان وسوريا والأردن وفلسطين والكويت واليمن وتونس والمغرب. وأوضح د. جبار جودي أنّ الأفلام العراقية الروائية الطويلة هي: فيلم (آخر السعاة) للمخرج سعد العصامي، وفيلم (ميسي بغداد) للمخرج سهيم عمر خليفة، وفيلم (عروس المطر) للمخرج حسين حسن. في حين ضمّت قائمة الأفلام العربية  الفيلم اليماني (المُرهَقون) للمخرج عمر جمال، والفيلم السوري (رحلة يوسف) للمخرج جود سعيد، والفيلم المصري (طرف الخيط) للمخرج شريف شعبان، والفيلم الفلسطيني (حمّى البحر المتوسط) للمخرجة مها الحاج، والفيلم المغربي (مُطلّقات الدار البيضاء) للمخرج محمد عهد بن سودة، والفيلم الكويتي ( الشرنقة) للمخرج أحمد التركيت، والفيلم السوداني (وداعًا جوليا) للمخرج محمد كوردفاني، والفيلم الأردني (إن شاء الله ولد) للمخرج أمجد الرشيد، والفيلم التونسي (بنات ألفة) للمخرجة  كوثر بن هنية وسوف تُعرض هذه الأفلام الروائية خلال أيام المهرجان الذي تنطلق فعالياته للمدة من 10 ولغاية 14من شهر شباط (فبراير) 2024م. ولكي نحيط القارئ الكريم علمًا بطبيعة هذه الأفلام وثيماتها الرئيسة والفرعية نقول إنها تتمحور على الحرب، والإعاقة البدنية، وموت بعض الوظائق التقليدية، ومقاتلة داعش، والإجهاض، والصداقة، وظاهرة الطلاق، والميراث في مجتمع ذكوري متشدد، والانضمام إلى قبضة الإرهاب، وانقسام السودان وتمزق نسيجه الاجتماعي والقومي.

انعتق بعض الأفلام الروائية العراقية الطويلة من ثيمة الحرب المكررة مثل فيلم "آخر السُعاة" المُقتيَس عن قصة "ساعي البريد الفرنسي" لجوزيف فردينان شوفال وقد أستطاع كاتبا السيناريو سعد العصامي وولاء المانع أن يُكيّفا هذه القصة بما يتناسب مع البيئة العراقية، فثمة ساعي بريد يُفصل من مهنته بعد الثورة التكنولوجية وتطور وسائل الاتصال الحديثة ولم تعُد هناك حاجة لسُعاة البريد، ثم تؤخذ أرضه من قبل جاره الإقطاعي كديّة على جريمة لم يرتكبها، فيبدأ برحلة البحث عن صديقه الذي انتقل إلى إحدى المدن العراقية بعد إحالته على التقاعد. اشترك في تمثيل هذا الفيلم رائد محسن، أيار عزيز خيون، مقداد عبدالرضا، اياد الطائي ومهدي صلاح.3214 مهرجان بغداد السينمائيلم ينجُ فيلم "ميسي بغداد" للمخرج الكوردي العراقي سهيم عمر خليفة من فكرة العنف كليًا وأنا أتحدث عن فيلمه الروائي القصير الذي يحمل الاسم ذاته ومدته 17 دقيقة وأنجزه سنة 2013م، ثم طوّر هذا الفيلم ليصبح روائيًا طويلاً مدته 88 دقيقة. يتناول هذا الفيلم قصة طفل عراقي بساق واحدة مولع بنجم كرة القدم الأرجنتيني ليونيل ميسي لكن أصدقائه يمنعونه من اللعب بسبب إعاقته البدنية التي تحول دون حراسة مرماهم ويستعيضون عنه بفتاة. علاقة ميسي بغداد بالتلفاز قوية لأنه يتابع المباريات الدولية لكن هذا الجهاز يعطل فيذهب مع والده إلى بغداد لإصلاحه غير أنّ رصاصة طائشه تصيب الأب وهو يمشي مع ابنه في شوارع العاصمة العراقية.

أما الفيلم العراقي الطويل الثالث فهو "عروس المطر" لحسين حسن الذي عُرض في الدورة التاسعة لمهرجان دهوك السينمائي فهو  يتناول موضوع الدمار والخراب الذي خلفته الحرب ضد داعش من زاوية إنسانية. ولابد من الإشارة إلى أنّ الدورة الأولى من مهرجان بغداد السينمائي قد استقطبت العديد من الأفلام الكوردية العراقية ونتمنى على المهرجانات الكوردية في الإقليم أن تكون حاضنة للأفلام العراقية المنجزة في وسط وجنوب العراق.

يتناول الفيلم اليماني "المُرهَقون" للمخرج عمر جمال النتائج السلبية للحرب على اليمن وتأثيرها على الأوضاع المعيشية للسكان، كما يركز من جانب آخر على عائلة تفكر بإجهاض الطفل الرابع بسبب تدهور الوضع الاقتصادي لهما بعد أن فقدا الوظيفة وبقيا بلا مصدر رزق.

تتشعّب قصة فيلم "رحلة يوسف" للمخرج السوري جود سعيد إلى أحداث ووقائع كثيرة من بينها الحرب والمليشيات المسلّحة التي سيطرت على قريته ومع ذلك فقد ظل مرابطًا في منزله لكن خوفه على حفيده زياد، يتيم الأب والأم، مع حبيبته هاجر وخالتها هو الذي دفعه إلى الفرار نحو الحدود اللبنانية بعدما حاول أحد زعماء المليشيات الاستيلاء على الفتاة ذات الستة عشر عامًا.3216 مهرجان بغداد السينمائي

يسرد فيلم "حمّى البحر المتوسط" للمخرجة الفلسطينية مها الحاج قصة صديقين متناقضين من الداخل لكنهما يتشابهان بالألم واليأس. فالأول وليد يبحث عن حبكة لرواياته وحياته بعد أن هجره الإلهام، والثاني جلال الذي يبحث عن صديق يساعده في حل مشاكله.

يتمحور الفيلم المغربي "مُطلّقات الدار البيضاء" للمخرج محمد عهد بن سودة على ظاهرة الطلاق في المغرب ويناقش حضانة الأطفال وهفوات القانون فيما يخص مدوّنة الأسرة.

تدور أحداث "وداعًا جوليا" للمخرج محمد كُردفاني حول فترة ما قبل انفصال جنوب السودان بقليل، حيث تسعى مغنية سابقة من سكّان الشمال إلى التخلص من الإحساس بالذنب بعد تسببها في وفاة رجل من الجنوب، عن طريق تعيين زوجته خادمة لها. والفيلم ينذر ويحذّر من تشظيات أخرى في البيت السوداني إن لم تنظر الحكومات بعدالة إلى كل المكوِّنات العرقية والدينية والمذهبية في هذا البلد المترامي الأطراف.

يتناول فيلم "إن شاء الله ولد" للمخرج الأردني أمجد الرشيد قصة كفاح امرأة تضطر لمواجهة الهاجس الذكوري في عائلتها إثر وفاة زوجها بجلطة دماغية في مجتمع قد يسلب النساء حقوقهن إذا لم ينجبنَ ذكرًا.

تثير المخرجة التونسية كوثر بن هنية في فيلما الموسوم "بنات ألفة" نقاشًا حول قضية العنف وخلاياه النائمة من خلال أم تونسية لديها أربع بنات (رحمة وغفران وتيسير وآية) اللواتي يعشن حياة عادية تبدو مستقرة لكن ثمة تحوِّل دراماتيكي يحدث حينما تقع الشقيقتان الكبيرتان في قبضة الإرهاب وتنضمّان إلى إحدى الخلايا المسلّحة على الحدود الليبية. يمزج هذا الفيلم الذي ذاع صيته في المهرجانات العربية والعالمية وهو يمزج بين تقنية الفيلم الوثائقي والروائي في آنٍ معًا.3215 مهرجان بغداد السينمائي

لابد من الإشارة إلى أنني لم أجد أية معلومة تُذكر عن فيلم "طرف الخيط" للمخرج المصري شريف شعبان وفيلم "الشرنقة" للمخرج الكويتي أحمد الكرتيت. وجدير ذكره أن الدكتور جبار جودي قد أعلن أيضًا عن مسابقة (فضاءات سينمائية جديدة) التي تشمل أكثر من عشرة أفلام روائية قصيرة أنتجتها نقابة الفنانين العراقيين.  من جانبه صرّح مدير المهرجان الدكتور حكمت البيضاني قائلاً بأنّ المهرجان سيشهد تكريم ثلاث شخصيات سينمائية عراقية مهمة لها حضورها الإبداعي الكبير في المشهد السينمائي، وفي مقدمتهم المخرج الكبير محمد شكري جميل الذي تحْمل هذه الدورة اسمه حيث سيمنح جائزة إنجاز العمر لما قدّمه من منجزات سينمائية خالدة على مدى عقود طويلة وذلك في حفل الافتتاح الذي سيتضمن عرض نسخة مرممة من فيلمه الروائي الطويل (الظامئون) الذي أخرجه عام 1972م، إضافة الى تكريم الفنان القدير قاسم الملاك، نجم الكوميديا في السينما العراقية، والفنان المتألق سامي قفطان الذي يعد أكثر الفنانين العراقيين تمثيلاً حيث بلغت مشاركاته أكثر من 25 فيلماً، فضلاً عن دليل شامل عن فعاليات وبرامج المهرجان .

وأشار البيضاني الى أن المهرجان سيصدر كتابًا مهمًا عن مسيرة وتجارب هؤلاء السينمائيين الكبار من تأليف الإعلامي عبد العليم البناء يحمل عنوان (جواهر سينمائية) الذي يجيء ضمن إصدارات المهرجان التي تشمل كتاب (فيلموغرافيا السينما العربية) للناقد والمؤرخ السينمائي مهدي عباس، وكتاب (ضياء البياتي مذكرات مدير إنتاج سينمائي)، وإصدار عدد خاص من مجلة السينمائي .

وأضاف أن المهرجان سيشهد حضور ومشاركة كوكبة لامعة من نجوم وصناع السينما العربية والعراقية، فضلاً عن عدد من النقاد والإعلاميين العراقيين والعرب المعنيين بالسينما. وهناك عدد من الندوات من بينها ندوة (سبل تعزيز الإنتاج السينمائي العربي المشترك) بمشاركة عدد من صناع ومنتجي السينما العربية.

***

عدنان حسين أحمد

أحيت جمهرة من المثقفين والفنانين والإعلاميين مساء أمس الجمعة بدار الثقافة بمراكش، أمسية تأبينية لروح الفنان الملهم الراحل فؤاد بنلقايد، بمشاركة فرق فنية إبداعية وشعراء وكتاب من مراكش ومدن أخرى. وانداحت الكلمات الملقاة بالمناسبة، لتصيخ ذكرى العبور إلى روح الفقيد، كاشفة عن جلال لحظات الاعتراف بمكرماته وأخلاقه وتواصله مع المجتمع الثقافي والجامعي.

واتفقت الكلمات، التي اندلقت من قلوب معبريها، على المبادرة الجليلة التي نظمتها فرقة “رواق” التي كان ينتمي إليها بنلقايد، بتعاون مع المديرية الجهوية لوزارة الثقافة بالجهة، تأسيسا على مبدأ الوفاء والإخلاص للراحل، وامتدادا لأفق العطاء الذي ما فتئ يرسخه في دواخلهم.

لهذا لم تخل كلمة “رواق” التي ألقاها بالنيابة الفنان الأستاذ مولاي الحسن الوفا، من إصغاء بليغ للتاريخ والعلاقة المثالية التي كانت تجمع الفنان الأخلاقي الراحل فؤاد بنلقايد بالعمل الفني عموما والثقافي خاصة. وأورد الوفا بهذه المناسبة، نماذج من أخلاق الرجل ومحبته للعلم والفن، مؤسسا قوله على اقتدارية ونباهة الراحل ودقة اخياراته وتعدده المعرفي .2193 فؤاد بنلقايد

وقال الدكتور المصطفى لعريصة، بهذا الخصوص، إن علاقته بالفنان فؤاد بنلقايد تتجاوز حدود الأستاذ مع طالبه، “لأنها ترسخ جمال الصداقة الفلسفية، وامتدادها في الوجدان والذاكرة”. واستعرض لعريصة، استاذ الفلسفة بجامعة القاضي عياض ورئيس اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بجهة مراكش، صروح هذه الصداقة، التي توطدت بالتقائية ثنائية “الفلسفة والموسيقى”، مؤكدا على انصهارها في الإحساس لنفس الانتماء والبحث عن السعادة، ومشددا على ترسيخها على جميع المستويات، الجمالية والكونية.

وكشف الدكتور لعريصة، عن سر عودته للدرس الأكاديمي بالجامعة، مزيحا الستار عن القلق الذي كان ينتاب الراحل بنلقايد وهو يبحث عن ملاذاته الهاربة، في الإستمرار باحثا فلسفيا، مبديا سعادته بالتصافي والتوشح بتجربة أستاذه في الفكر الفلسفي، وحلمه الذي لم يكتب له أن ينفعل على الأرض.

ووعد لعريصة عائلة الراحل، بإهداء عمله الأكاديمي حول “الفلسفة الأفريقية” التي كان يود أن تكون بؤرة بنلقايد لتحقيق حلمه في التعليم العالي، مؤكدا في الآن نفسه، أنه سيهدي عمله المقبل لروحه المحبة والتواقة إلى العلياء.

في السياق ذاته، عبر الشاعر والإعلامي الدكتور مصطفى غلمان، عن حزنه الشديد على فراق الراحل، وانقطاع أمده، مبرزا صدمة أصدقائه المثقفين والكتاب والفنانين، من نزول الفجيعة ووقعها الشديد على المحيط وعموم المجتمع. وقال إن إسهامات بنلقايد في إنجاح العديد من المحطات الثقافية والفنية بالمدينة والوطن، لا يمكن إلا أن يرسخ قيمة ما سيصبح علامة في أوار الذاكرة والتراث، داعيا إلى توطين ذلك وإضفاء الطابع العرفاني والقيمي له.

وأكد غلمان على ضرورة تحسين علاقاتنا بالفاعلين الثقافيين والفنانين الراحلين، مؤملا أن تجد مثل هذه النداءات آذانا صاغية، للمسؤولين ومدبري الشأن العمومي والثقافي بخاصة، حتى لا تكون مقافر النسيان وآجالها القصيرة، نياطا للتواري والتخلف عن أداء واجب العرفان والصدقية والاقتداء.

وخلفت فقرات الأمسية التأبينية، التي أحيى فقراتها كل من فرقة “رواق” وفرقة النغم لآلة العود، والفنان القدير محمد شروق، والفنانين : الحسين ايلان واسماعيل الساكوني وعبد الهادي الحيداوي، وأنس الخرشي، والمصطفى الريحاني، وعثمان الخمليشي. علاوة على الشاعرتين فوزية رفيق ومالكة العلوي والشاعر صلاح الدين بشر، والفنان التشكيلي والكاليجرافي الحسين، (خلفت) قابلية وتجاوبا ملفتا. وهو ما ختم اللقاء بتقديم لوحة فنية عبارة عن بورتريه للراحل المؤبن فؤاد بنلقايد، على وقع احتضان جماعي للفكرة والقيمة، ترجمتها كلمة والدة الراحل التي كانت منسابة كماء الجود الأمومي الدافق.

***

د. مصطفى غلمان

 

..وكانت لنا أيام فى بلاد العم سام

بدعوة كريمة من وزارة الثقافة صاحبْت الوفد الإعلامى المرافق لفرقة الحرية للفنون الشعبية فى مهرجان ثقافى بولاية إيداهو حيث توفى الأديب الأشهر إرنست هيمنجواى.. إنه موسم "بيرلى/ ركسبيرج" السنوى لتكريم الروائى العظيم.. موسم ينعقد منذ عام 1985 يجمع الفنانين والموسيقيين والراقصين بصحبة رجال الصحافة والإعلام فى ملتقى فنى ثقافى ومهرجان رائع يمثل بوتقة لالتقاء مختلف ثقافات العالم معاً.. وكانت لنا فى هذه الولاية الجميلة أيام لا تمحى من سجل الذكريات..

مدينة الفنون وجنة البطاطس!

أخذتنا المشاهد الخلابة فى تلك المدينة الرائعة حتى كدنا ننسي ما جئنا لأجله.. فالراقصون والفنانون يتلاشون أمام المدينة الجبلية الخضراء.. مدينة عجيبة رغم جمالها الخلاب لم تمنع هيمنجواى من قتل نفسه ببندقيته تحت تأثير حالة الاكتئاب المزمن فى أواخر أيامه.. فما حكايتها؟

إنها مدينة ركسبيرج بولاية إيداهو الممتدة بلون أخضر يكسو أرضها الخصبة، ومشهد الغروب بها مشهد فريد يسحر الألباب. إنها بحق مدينة الفن؛ فن خالص غير مصبوغ بأى لون من ألوان السياسة، بل هو حر مجرد من أى هوى سياسي أو اجتماعى، فقط جداريات من وحى المكان الساحر البديع.. ولأنها تجمع بين الفن الراقى وخصوبة الأرض الزراعية والحدائق سميت "مدينة الفنون وجنة البطاطس"! فالبطاطس والقمح من أهم حاصلاتها الزراعية، وهى ملأى بقطعان الماشية والخيول؛ فتجمع بذلك بين سحر الريف ومدنية الفنون وروعة الطبيعة البرية فى مزيج قلما وجدته فى مكان واحد.

جئنا لأجمل قطعة من ولاية إيداهو البهية2181 ايداهو

الغريب أن أهم مزاراتها السياحية ليست إلا مناظرها الطبيعية الفريدة الخلابة وفى مقدمتها مجموعة فوهات البراكين والمحمية الطبيعية والمتحف فى مدينة بويز.. ولعل أجمل ما بها مجموعة البحيرات والأنهار العذبة صافية المياه ومنها نهر سالمون وسيلواى وبحيرات كوردوإيلين وبند أوريل، ولعل أجمل وأغرب تلك المسطحات المائية جميعاً نهر الأفاعى snake river ..كلها تقع على سفوح الجبال المنتشرة بأطراف الولاية..

عاصمة إيداهو مدينة بويزBoise أكبر مدن الولاية وأهمها.. بينما أقام هيمنجواى منزله بعد عودته من كوبا منتقلاً منها إلى مدينة كيتشام بمقاطعة بلاينى بإيداهو على ضفاف نهر بيج وود.. وبينما ولد الروائى الكبير ونشأ بوسط أمريكا فى أوك بارك بولاية إلينوى، انتهى به المطاف فى الشمال الغربي بإيداهو بعد أن هجر بيته المشهور بكوبا المسمى "فينكا فيخيا" ليصبح مزاراً للسياح والمعجبين..

فى صحبة دونا بن فيلد!

مصر كانت ضيفة شرف المهرجان الأمريكى فى هذا العام.. وسمعنا كلمات الثناء تحفها عاطفة واضحة من رئيسة المهرجان دونا بن فيلد وقد أعجبها أداء فرقة الفنون الشعبية المصرية وبخاصة رقصة التنورة التى تحظى بإعجاب الأجانب كما هو الحال فى مصر والشرق. لسنا بحاجة للتماهى مع الفنون الغربية لنبهرهم بما برعوا هم فيه، بل باستطاعتنا إبهارهم ونيل إعجابهم بما نبرع نحن فيه.. مثل هذا الاحتكاك والتفاعل الإنسانى والثقافى والفنى جعلنا مقتنعين أن الخروج من شرنقة التبعية والتأثر يأتى من ثقتنا بأنفسنا وبقدرتنا على التأثير حتى فى البلاد المتقدمة لو أننا تمسكنا بتراثنا الفنى وأتقنا الأداء فيما نحسنه.2182 ايداهو

لم يكن مهرجانا كبيراً ضخماً، بل هو مهرجان محلى بسيط؛ لهذا أقيمت الفعاليات فى مدارس المدينةـ والملاحَظ فى أسماء الشوارع والحدائق أنها ذات أسماء انطباعية لها وقع ملفت على المسامع كحديقة الأقدام السوداء.. كأن لكل ركن حكاية ولكل شارع قصة لا يمكن التحقق من أصلها إلا أن تكون من سكان تلك المدينة.. سرنا (أنا ورفيق الرحلة أمير نبيه وكيل وزارة الثقافة ) بصحبة دونا بن فيلد من قاعة المهرجان إلى ستاد ركسبيرج الرياضى فإذا بها لا تستنكف أن تقطع حديثها معنا لتلتقط نفايات من الطريق لتنحيها جانباً، أو تقف قليلاً مع متشرد تنصحه بشئ ما، حتى ظننا أنها ربما راهبة فى دير أو مصلحة اجتماعية تنتمى لمنظمة محلية ما!

كان أكثر الحديث يدور حول هيمنجواى وروايته الشهيرة "العجوز والبحر"، بينما ذاكرتهم عن الأديب الكبير تقتصر على العامين الأخيرين من حياته عندما ترك كوبا مضطراً ليقيم فى إيداهو.. ولهذا قصة..

هو وزوجاته الأربعة!

من الطبيعى أن يكون أغلب كلامنا هناك حوله.. لأنه أيقونة المهرجان، وبيته فى كوبا يمثل مزاراً سياحياً للقصاد.. والحق أن أهم سمة فى حياة الروائى إرنست هيمنجواى هى سمة المغامرة وكثرة التنقل؛ إذ عاش حياته الأولى مراسلاً صحفياً وجندياً شارك فى أحداث الحرب العالمية الأولى، وخرج منها ليكتب روايته الأولى "وداعاً للسلاح"، ثم انتقل لإيطاليا ومنها إلى باريس ثم لأسبانيا..وخلال تلك السنوات كتب عدداً من رواياته الهامة "ثم تشرق الشمس"، و" لمن تقرع الأجراس".. ليضع نفسه فى مصاف الروائيين العظام كأحد أهم رواد الأدب الكلاسيكى الأمريكي المعاصر..

وخلال تلك الرحلة الطويلة التى استغرقت 45 عاماً من حياته تزوج ثلاث نساء ثم انفصل عنهن تباعاً ..حتى التقى أخيراً بزوجته الصحفية مارى ولاش فى لندن ليقضى معها الفترة الباقية من حياته التى امتدت لما يربو قليلا عن الستين عاما..ولعل أهم وأخصب فترات حياته تلك التى قضاها فى كوبا فى بيته المسمى فينكا فيخيا..وخلالها نشر أهم أعماله "العجوز والبحر"..2183 ايداهو

اضطر لترك كوبا منتقلاً منها إلى إيداهو لأسباب كثيرة، أهمها تدهور حالته الصحية.. لكنه لم يكن السبب الوحيد.. ففى أوائل الخمسينيات انطلق هيمنجواى إلى الكونغو فى إفريقيا كما تعود أن يذهب فى رحلات صيد سنوية ، وهناك تعرض لحادثتين منفصلتين سقطت فى أولاهما طائرة وانفجرت به طائرة أخرى ونجا من الحادثتين بأعجوبة، لكنه خرج منهما مصاباً بتهتكات وعاهات وآلام دائمة زادت من معاقرته للخمر.. وفى أكتوبر 1954 حصل على جائزة نوبل فى الأدب ، لكنه بات طريح الفراش خلال العامين التاليين ونصحه الأطباء بالتوقف عن معاقرة الخمر فلم يستجب..

قالت دونا بن فيلد: إن إرنست عانى في السنتين الأخيرتين من حياته من تدهور جسدي وعقلي بسبب الإحباط والاكتئاب النفسي والآلام الجسدية التى تركتها حادثتى الكونغو..وعندما قامت الثورة الكوبية بقيادة كاسترو وجيفارا، عام 1956،  وتوترت العلاقات الأمريكية من جهة والكوبية الروسية من جهة أخري، صار من المتعذر علي هيمنجواي الإقامة خارج بلاده. ولكن علاقته مع زوجته ماري كانت قد ساءت كما كان يحدث مع زوجاته السابقات.. لهذا قرر مغادرة كوبا عام 1958 بشكل نهائي إلي ولاية ايداهو بمدينة كيتشام، واستأجر بيتا ليخرج من أزماته، ولكنه شعر هناك بعزلة شديدة وعدم قدرة علي التصرف، فاكتأب لخروجه من كوبا، وترك حياة المغامرة والتنقل والترحال والصيد إلى حياة الدعة والخمول .

هكذا استقر في (كيتشام) يتلقى العلاج بمستشفي (مايو كلينيك)، وللخروج من حالة الاكتئاب المزمن وصف له الطبيب العلاج بالصدمات الكهربائية واستمر يصدمه بها حتى ضعفت ذاكرته وقل تركيزه وصار لا يستطيع القراءة ولا الكتابة، وأصيب بارتفاع ضغط الدم وانخفض وزنه سريعاً ليكتشف فى عام 1961 أنه قد أصيب بالسرطان، وكان قد حاول الانتحار أكثر من مرة ولم يفلح.. حتى قرر فى ليلة مظلمة في بيته المعزول بكتشام أن يطلق على نفسه الرصاص من بندقية الصيد التى رافقته فى كل رحلاته..

في وصيته الأخيرة خصص منزل مزرعة فيخيا للشعب الكوبي ليحولوه إلى متحف يضم كتبه وأثاثه ولوحاته وأدوات صيده البحري وآلة كتابته وسريره ويخته بيلار. وطلب ألا يتم لمس شيء وان يبقى المكان ليزوره الكوبيون عندما يحلو لهم، حيث أعلن في يناير 1959 على الملأ أنه نصير للثورة الكوبية.

كان اللقب الذى اشتهر به إرنست هو لقب البابا.. لأنه كان أستاذاً ورائداً من رواد الأدب الأمريكى.. وما زالت رواياته تتمتع بنفس القيمة والأهمية رغم مرور كل هذه السنوات، ورغم تعاقب أجيال كثيرة من كبار الروائيين فى أمريكا وغيرها..

هكذا كانت رحلتى فى إيداهو بصحبة دونا بن فيلد وفى ذكرى هيمنجواى وعلى ضفاف نهر الأفاعى بإيداهو.

***

د. عبد السلام فاروق

* المؤرخ أحمد المنزلاوي: طوفان الأقصى أثبت أن خطاب التسوية السلمية، والسلام، والتطبيع مع الكيان الصهيوني لم يستطع أن يؤثر على الأجيال الشابة.

* الكاتب والإعلامي حاتم سلامة: لم أكن أتخيل أن تأتي"الملحمة الفلسطينية"بهذا الزخم الكبير والتنوع المدهش رغم أننا لم نخطط أو نخصص لكل كاتب ما يتوجب عليه كتابته .

* الباحث الطبيب منير لطفي: نظرة سريعة على فهرس الكتاب تكفي للتدليل على أن المحاولات الصهيونية البائسة لطمس الهوية الفلسطينية قد استعصت على الطمس .

تحقيق: أحمد الحاج

***

عندما نخوض في غمار "الملحمة الفلسطينية"، فهذا يعني بأننا نتحدث عن ملاحم وبطولات ومآثر شعب أبي صامد صابر محتسب عاش عقودا مريرة من النزوح والشتات واللجوء في المنافي والخيام خارج أرضه، مقابل التهميش، والاقصاء، والابادة الجماعية، والاعتقال التعسفي، والاخفاء القسري داخل أرضه، مشفوعا بتزوير الحقائق إعلاميا، وحرف الوقائع دوليا، وتعتيم المظالم قانونيا، وغض الطرف عن الجرائم التي لاتسقط بالتقادم حقوقيا، والصمت المطبق عن المجازر أمميا، مع النأي عن تصحيح ما حُرِفَ، وتعديل ما أعوج، وكشف ما أخفي، واظهار ما طُمِسَ، بل وهناك من لايزال مصرا على استنساخ الاكاذيب الصهيونية وإلقائها جزافا على رؤوس الأشهاد لتُكذِب الصادق وتُصَدق الكاذب، تُخون الأمين وتأتمن الخائن، مع الترويج لحلول ترقيعية مفترضة لإحلال سلام مزعوم لايعدو أن يكون مجرد حديث خرافة لايسمن ولايغني من جوع أقل ما يقال عنها بأنها " زوبعة في فنجان "و" هواء في شبك " ليس أولها "صفقة القرن " ولا آخرها " حل الدولتين " مرورا باتفاقيات أوسلو، وكامب ديفيد، واتفاقات ابراهام، و"حل الدولة الواحدة " فيما يذهل كثيرون عن أن "كيانا غاصبا لايفتأ يرفع ومنذ الاتفاق على تأسيسه بوعد بلفور المشؤوم عام 1917م والى يومنا هذا شعار(اسرائيل من النيل الى الفرات) لن يكف يوما عن ابتلاع الارض، ولا عن انتهاك العرض، ولا تهجير الفلسطينيين وترويعهم وقتلهم واذلالهم ضاربا بعرض الحائط كل الاتفاقات والعهود والمواثيق ولاسيما بوجود الفيتو الامريكي المؤيد له في السر والعلن، ولن يقف بوجه ذلكم الشعار الاستيطاني المقيت سوى شعار تحرري نضالي مناهض هو (فلسطين من النهر الى البحر) وتأسيسا على ما تقدم فقد ولدت (الملحمة الفلسطينية) من رحم تلكم الأحداث الساخنة بأقلام كتابها ومحرريها لتصحح بعض المفاهيم التي اعتراها الخلل، وضع السبابة والابهام على مكامن العلل، تبصير الاذهان بمواضع الزلل، فضلا على اضاءة جانب معتم مما تروج له الآلة الإعلامية الصهيونية المضللة من أكاذيب وأباطيل وحيل على مدار 75 عاما من دون كلل ولا ملل، ولا حياء أو خجل، لنبدأ تحقيقنا الصحفي بأسئلة وضعناها بين يدي المؤرخ أحمد المنزلاوي، ليجيبنا عنها مشكورا:

* بداية كيف اختمرت فكرة اصدار"الملحمة الفلسطينية" ليناط كتابتها بـ 35 كاتبًا من الكُتاب والأدباء والمفكرين من أرجاء الوطن العربي ممن صالوا وجالوا، ممتشقين أقلامهم وهم يمتطون صهوة الاحداث، لينافحوا عن القضية المركزية الأم في عصر التصحر المعرفي، والجفاف الوجداني، والجدب الثقافي، والأمية التاريخية التي قلبت عالي الحقائق سافلها بفعل الإعلام الغربي المخادع الذي خلط الاوراق، ولسان حالهم يردد رائعة أبو الفتح البستي:

ولضربة من كاتب ببنانه

أمضى وأقطع من رقيق حسام

*

قوم اذا عزموا عداوة حاسد

سفكوا الدما بأسنة الأقلام

- لا أظن أن هناك كاتبًا حرًا أبيًا مسلمًا عربيًا لم تختلج نفسه مشاعر المقاومة مؤازرة للمقاومين في فلسطين ولاسيما عقب أحداث طوفان الأقصى، فكلنا يتألم نحو ما يحدث في فلسطين.. وهذا الكتاب صنع بعين الله، وليس لنا فيه إلا السعي.. بداية من الفكرة التي أشعلها د. منير لطفي، فإذا به يحدثني يوم ٥/ ١١/ ٢٠٢٣ ويعرض علي الأمر.. وكانت الفكرة أن نعد كتابًا يجمع طيفًا من المؤلفين والكُتّاب ليدلي كل واحد منهم بدلوه نحو القضية الفلسطينية.. كنت في ذلك الوقت في أخط آخر سطور كتابي (حكاية فلسطين) الذي صدر منذ وقت قريب، والحقيقة لم يكن نشره سهلا فخشيت أن لا نتمكن من نشر الكتاب الآخر، لكنني تحمست للمسألة وكذلك تحمس الأستاذ حاتم سلامة، وتواصلنا ثلاثتنا الى أن نستكتب بعض الكُتاب وفي أضيق الأحوال سننشر الكتاب إلكترونيًا معذرة إلى الله..

لكن أبى الله تعالى إلا أن يمدنا بمدده ويذلل لنا الصعاب، بل لم تكن هناك صعاب، المؤلفون انهمروا من كل حدب وصوب وأرسلوا مقالاتهم التي بلغت ٣٥ مقالًا، فتواصلتُ مع الإستاذ أحمد الشريف، صاحب (منشورات الفنار) أعرض عليه الفكرة على استحياء على أن يكلف الكتاب ويستغني عن الربح تبرعًا لفلسطين، فإذا به يرحب بالفكرة ويعزم على النشر بل ويجعل ثمن الكتاب كله تبرعًا خالصًا مستغنيًا عن التكلفة والربح معًا، وهكذا سارت الأمور من تنسيق وتصحيح وتصميم، وتوج الكتاب بمقدمة أستاذين جليلين كان لهما عظيم الأثر في الساحة الفكرية، وقد أضفيا على الكتاب رونقًا بديعًا.

* كيف تنظر الى "طوفان الاقصى"بوصفه انعطافة تاريخية ليست كبقية الانعطافات كل ما سيأتي بعدها لن يكون كما قبلها قطعا وبما ستحتفظ به الذاكرة البشرية طويلا ولاسيما بعد نجاحها أيما نجاح في اعادة ألق القضية الفلسطينية الى الواجهة غضة طرية كما هو عهدنا بها طيلة عقود، وإشعال جذوتها مجددا بعد أن خبت أو كادت أن تخبو ناهضة بها كطائر فينيق من تحت الرماد، لتحلق بها عاليا الى أفق أرحب، تحليقا أعقب يأسا ونكوصا وإحباطا دب بكثير من شيب الأمة فضلا على شبابها؟

- كنت عبرت عن معركة طوفان الأقصى بأنها الروح التي سرت في جسد الأمة الخامد الهزيل، بعد أن عاش المسلمون سنينًا في جوٍ من الإحباط واليأس فكان مستحيلًا أن يفكر المسلمون -خصوصًا الجيل الجديد- في قضية فلسطين فضلًا عن أن يسهموا في حلها.

إن أهم انعطافة تاريخية أحدثتها معركة طوفان الأقصى هي أنها هزّت صورة الكيان الصهيوني العسكرية في ظل عدم امتلاك المقاومة الفلسطينية جيشًا نظاميًا، بل عناصر أو كتائب صغيرة بتسليح لا يرقى إلى ما بأيدي إسرائيل، فتمكنت صواريخهم من شل المطارات والقبة الحديدية، وعطّلت عمل مساند المراقبات الإلكترونية، وتسببت العملية في سقوط أكبر عدد من القتلى في صفوفهم كذلك أظهرت صورتهم الوحشية التي كانوا يتنكرون لها تحت قناع التمدين والحرية، فظهر أمام العالم أن إسرائيل تبيد المدنيين الآمنين، وتستهدف المستشفيات، والأطباء، وتقطع عن المحاصرين الوقود والأدوية، والمستلزمات الطبية، والكهرباء، والماء لتكون النتيجة الموت المحقق للمرضى، إما عطشًا، أو حرقًا، أو نقصًا للدواء، أو قصفًا بالأسلحة الفتاكة من قبل الاحتلال الإسرائيلي.

لقد أسفرت المعركة عن تنشيط الذاكرات الجماعية العربية، خاصة الأجيال الشابة وصغيرة السن، ممن لم يعايشوا الصراع العربي/ الإسرائيلي، والحروب التي نشبت بين الدول العربية وإسرائيل في الأعوام 1948، 1956، 1967، 1973، ومن ثم لم تحمل ذاكرتهم شبه الجماعية آثار هذه الحروب، وربما أقصى ما يعرفونه هي بعض المعلومات العامة من خلال السرديات السياسية والعسكرية الرسمية، والسينما والأغاني الحماسية إلا أن ثقافة الاعتياد عليها لا تستنفر المشاعر والأحاسيس إزاءها إلا قليلًا، خاصة وأن الأجيال الجديدة الشابة والأصغر سنا هي جزء من سياقات مأزومة، وسياسات وشعارات تركز على أن هذا البلد أو ذاك ومصالحه قبل كل شيء، لقد انقلب كل ذلك في لحظة، وأدى إلى حالة من إيقاظ الوعي شبه الجماعي في غالب البلدان العربية، أدى إلى انفجار التظاهرات في تونس والمغرب والجزائر ومصر والعراق والاردن ضد السياسة الإسرائيلية وعملياتها العسكرية لتدمير المقاومة الفلسطينية وقطاع غزة، ودفعها للسكان في شمال القطاع للنزوح قسريا إلى جنوب القطاع المكتظ بالسكان.

وهذا يعني أن خطاب التسوية السلمية، والسلام، والتطبيع مع إسرائيل لم يستطع أن يؤثر على الأجيال الشابة، ومن ثم شكلت ردًا شعبيًا عليها، وقد أسهمت عملية طوفان الأقصى فى إعاقة جزئية لهذه العلاقات الدبلوماسية.

* لقد كان للمسجد الاقصى المبارك، أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين مساحة معتبرة في صفحات الملحمة الفلسطينية وبين دفتيها، حدثنا قليلا عن أهمية المسجد الاقصى في الصراع العربي - الصهيوني ماضيا وحاضرا ومستقبلا، ولماذا يصر الصهاينة على اقتحام باحاته الشريفة، ولماذا يخططون لهدمه؟

- الصراع على المسجد الأقصى هو الصراع نفسه على الأرض، صراع بين الحقيقة والخرافة، بين الحق والباطل، الحقيقة التي يعلمها القاصي والداني، أن فلسطين إسلامية، وأنها أرض الشعب الفلسطيني الذي لم يفرط في شبر واحد منها وضحى من أجلها بالغالي والنفيس، وأن بيت المقدس حَرمُ كل مسلم، وأن القدس في قلوب أمة تزيد على المليارين، واليهود يلهثون وراء خيالهم الديني، وخيالهم الديني هو طرد الحقيقة المسلمة، خيالهم في أرض الميعاد، وبناء الهيكل المزعوم، على أنقاض المسجد الأقصى، المسجد الذي تفتحت زهرة الإسلام على تعظيمه وإجلاله، فهو أولى قبلة اتجه إليها ﷺ، لقد عرفه قبل أن يعرف المدينة، ودخل مسجده قبل أن يبني مسجده، لقد أمَّ في قبلته بالأنبياء جميعًا قبل أن يأتم به المسلمون في صلاتهم علانية، هؤلاء الأنبياء هم تاريخ بيت المقدس، وقد ختم الله بنبينا فأورثه أرضهم، وفتحها عمر الفاروق من بعده، وكان لفلسطين أهميتها في تاريخ أمة الإسلام، فهي جزء من عاصمة الدولة الأموية، ودرة في الدولة العباسية، وما رضي المسلمون أبدًا أن يفرطوا في شبر منها مهما طال الاحتلال لها ومهما ضعفوا في وقت، كان يبعث الله عباده المخلصين ليحرروها، وهي الآن تحت الاحتلال.. ولن نرضى بضياعها.

* مجزرة كفر قاسم، بحر البقر، الطنطورة، دير ياسين، مذبحة اللد، قانا، مجزرة خان يونس، جنين، صبرا وشاتيلا، مذبحة الأقصى الأولى والثانية وغيرها الكثير، سلسلة طويلة ومروعة من المجازر البشعة التي يندى لها جبين الانسانية جمعاء كان وما يزال الكيان الصهيوني يرتكب أشباهها ونظائرها وعلى مدار 75 عاما من دون حسيب ولا رقيب، فهل برأيكم ستترك هذه "الملحمة الفلسطينية بما تناولته من مواضع شتى بدأت بالقضية الفلسطينية وانتهت اليها، بصمة يشار لها بالبنان لشحذ همم المحبطين أولا، وللرد على المثبطين والمخذلين والمرجفين ثانيا، ولتبصرة الذاهلين والغافلين ثالثا؟

- المجازر لم تتوقف، ولا تنحصر، وهي مستمرة، لأن هذا عهد اليهود، كيف نتوقع من قوم قتلوا أنبياءهم وحرفوا كتابهم؟ وشعب فلسطين وطن نفسه على بيع الدنيا وشراء الآخرة، هم في رباط كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، وهم طائفة الحق، لا يضرهم من خذلهم، لكن هذا كله إلى زوال، والمآل للإسلام، والنصر قريب وإن استطاله البعض، فيكفي أن نستبشر بموعود النبي صلى الله عليه وسلم بأنه ستكون خلافة إسلامية في بيت المقدس في آخر الزمان، كما قال للصحابي عبد الله بن حَوالة رضي الله عنه وقد وضع يده الشريفة على رأسه: «يَا ابْنَ حَوَالَةَ، إِذَا رَأَيْتَ الْخِلَافَةَ قَدْ نَزَلَتْ الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ فَقَدْ دَنَتِ الزَّلَازِلُ وَالْبَلَابِلُ وَالْأُمُورُ الْعِظَامُ، وَالسَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنَ النَّاسِ مِنْ يَدِي هَذِهِ مِنْ رَأْسِكَ»[ رواه أحمد وأبو داود والحاكم وصححه الألباني]. وهذا يُبشر بزوال دولة إسرائيل، فصلى الله على مَن لا ينطق عن الهوى.2148 الملحمة الفلسطينية

انتقلنا الى الكاتب والإعلامي حاتم سلامة، وبادرناه بالسؤال الاول:

* عندما زف القائمون على طباعة وتحرير ونشر "الملحمة الفلسطينية بشرى صدورها طالعتنا الأخبار المؤسفة باستشهاد (86) صحفيا قبل أن ترتفع اعدادهم لاحقا الى " 106 "صحفيين يعملون في العديد من وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة الفلسطينية والعربية وهم يواصلون الليل بالنهار للعمل في قطاع غزة برغم شدة القصف وبشاعته بغية نقل الحقائق والوقائع على الأرض كما هي ومن غير تحريف ولا تزويق ولا تزييف، حقائق يسعى الكيان الصهيوني جاهدا لحجبها عن الرأي العام العالمي لينفرد بالمقابل بتسويق أكاذيبه وتخرصاته فحسب، وأسأل جنابك الكريم بصفتك أحد فرسان الإعلام الهادف، وواحد من كتاب الملحمة البارزين وعضو هيئة تحريرها، ترى ما هو دور الإعلام لكشف الحقائق، وتوسيع المدارك، وتبصير الأفهام، ولا سيما لأولئك الذين نجح الإعلام الصهيوني بغسل أدمغتهم، وحرف بوصلتهم، وتعمية أبصارهم؟

- هذا سؤال مهم ومحوري ودقيق وهو الرهان الذي ظلت إسرائيل تراهن عليه طوال هذه العقود الطويلة وظلت تحشد كل طاقاتها وإمكاناتها حتى تروج لنفسها إعلاميا وتشيع حقها الزائف عبر وسائل الاعلام الضخمة التي يمتلكها ما يسمى باللوبي الصهيوني، الذي استطاع أن يكون قاعدة رهيبة يصعب هدمها في وجدان وعقول الشعوب الغربية حتى كنا نسمع وندهش أن بعض الغربيين يعتقد أن الفلسطينيين هم المغتصبون للحق.. وظللنا على هذا الإجحاف الإعلامي إلى أن جاءت عملية طوفان الاقصى وما تبعها من العدوان الصهيوني على أهل غزة الابرياء وتسبب هذا العدوان الغاشم في هدم الهالة الاعلامية التي ظلت إسرائيل تقيمها لعقود طويلة وتخدع الشعوب والأمم، وصارت الآية اليوم مقلوبة، فالجميع يلعن الكيان ويسخط عليه، ويعلن تضامنه مع الفلسطينيين ويؤازرهم في محنتهم.. ومن هنا كانت المحنة سببا في خدمة القضية الفلسطينية خير خدمة إذ وضعت اسرائيل في موضع مخزي هي وحلفائها الذين تسخط عليهم الان كل الشعوب... كما يبدو من الأثر الاعلامي ما نشهده من ضغط الشعوب على حكوماتها لرفض العدوان وعدم تأييده، وكل هذا بأثر الاعلام.. وهو ما يدعوني اليوم أن أجيب على سؤالك مباشرة بأن الذين ضحك عليهم الاحتلال وغسل أدمغتهم إذا كانوا لا يرون ولا يستطيعون التقويم ومعرفة من الظالم والمظلوم، فهؤلاء عميان خرجوا من وصف الانسان الذي يتسم بالعقل والفهم، ولا الاعلام ولا غير الاعلام يستطيع أن يؤثر عليهم في شيء فقد ضرب الله على عقولهم وقلوبهم.

* لكل فعل رد فعل يساويه في القوة، ويعاكسه في الاتجاه، وبما أن الآلة الإعلامية الصهيونية الضخمة تسيطر على كبريات الصحف والمجلات والاذاعات والفضائيات، وبما أنها لطالما سعت وبكل ما أوتيت من قوة لحجب المحتوى المؤيد للقضية الفلسطينية في معظم المواقع الالكترونية والمنصات بهذه الذريعة أو بتلك، ليس أولها الفيس بوك وانستغرام ويوتيوب وتيك وتوك، ولا آخرها منصة اكس " تويتر سابقا " وقد حظرت آلاف الحسابات وحجبتها وقيدتها، فلابد للإعلاميين العرب من ردة فعل مضادة بالمتاح من القدرات، وبما تيسر من الإمكانات فهل تعد "الملحمة الفلسطينية" برأيكم واحدة من تلكم الردود الجادة والمثمرة التي جاءت في الوقت المناسب لتكون بمثابة حجر كبير ألقي في زمن الدعة والاستكانة والصمت المطبق وسط البركة الراكدة لإحداث العصف الذهني المأمول؟

- الحقيقة أن الرد الإعلامي يجب أن يكون على مستوى الحكومات والدول والهيئات الكبرى التي يمكن أن تشكل الرأي العام العالمي، وللأسف نجد أن الاعلام العالمي قد خدم القضية أكثر بكثير من إعلام كثير من الدول العربية والمسلمة، أما بالنسبة للملحمة الفلسطينية فقد بدأ بمجرد شعور دب في أنفسنا حين نظرنا حوالينا وخاطب كل منا نفسه: ماذا عساي أن أفعل وماذا أقدم؟ ارتأينا أن يكون هذا التحرك في حيز ما نستطيعه وما نقدر عليه، وفي الميدان الذي نطيقه لنشعر أننا قد قمنا بواجبنا ومسؤوليتنا نحو القضية الفلسطينية، والحمد لله تعد هذه هي التجربة الوحيدة التي صدحت بها هذه الزمرة من الكتاب وإن كنا نتمنى أن تتكرر مع كتاب آخرين.

* هل في النية إصدار ملاحم فكرية وإعلامية وثقافية مستقبلا تتظافر فيها جهود الكتاب والمثقفين والإعلاميين لتشكيل الوعي الجمعي للأمة في زمن تتسارع فيه خطى بعضهم لتشويه الحقائق، ولاسيما ما يتعلق منها بالقضية الفلسطينية تمهيدا لركوب قطار التطبيع، والدخول في صفقة القرن، وتعزيز اتفاقات ابراهام، وحجب التاريخ الإجرامي الطويل للكيان الصهيوني وبما لا يسقط بالتقادم؟

- لا شك أن ما ذكرته يستدعي حشدا أكبر، وجهدا أكثر من كل الكتاب والمثقفين الواعين بحجم ومشكلة القضية الفلسطينية لأن عملية طوفان الأقصى في نظر البعض تعد بداية النظر وفي نظر آخرين بداية العمل على إيجاد العقبات وتحقيق المخططات ووضع الفخاخ العالمية التي تنصب لفلسطين.. أي أن المسؤولية تزيد أكثر وأكثر على عاتق المثقفين، وربما يكون هناك نداء بالتضامن في كثير من الميادين لنصرة القضية هو ما ندعو إليه دائما.

* ماهي أهم القضايا والمضامين، وما هي أبرز الموضوعات والعناوين التي تناولتها "الملحمة الفلسطينية" لتضيء عتمة، وتداوي جرحا، وتسبر غورا، وتفصل مجملا، وتوضح مشكلا، بأقلام ثلة من الكتاب الجادين المثابرين ومن شتى أقطار الوطن العربي بعد أن جمعتهم الملحمة على صعيد واحد لتشرب أقلامهم المشرعة ظلمة -حبرا- من أدواتها ولتلفظ ما جادت به قرائحهم نورا ينير دروب السائرين، وطرق السالكين، وبالاخص المتطلعين منهم الى تحرير فلسطين من أيدي الصهاينة الغاصبين ونحن على أعتاب "عقدة العقد الثامن التي يخشونها "؟

- الحقيقة أن الكتاب وما يضمه من مقالات لم أكن أتخيل أن تأتي بهذا الزخم الكبير والتنوع المدهش رغم أننا لم نخطط أو نخصص لكل كاتب أن يكتب في موضوع معين تحاشيا لتشابه المقالات وإنما تركنا كل كاتب منهم على سجيته وبما تجود به قريحته والحمد لله جاءت كل المقالات نوعية ومهمة وفي جوانب مختلفة من مفاصل القضية الفلسطينية وقد أسهب الكتاب في الشرح والإبداع مما جعل هذا الكتاب شعلة تنير الوعي بقضية فلسطين وما تواجهه من مخاطر وعقبات، كما أن فيها سطورا أعملت في تباشير النصر وأبانت علاماته، ومن قرأ هذا الكتاب لا شك أنه سيخرج بما يفيده ويبصره بكثير من الأمور التي كانت خافية عليه، ولا أحب ذكر العناوين كنوع من التشويق للقراء علهم يقبلون على اقتنائه وقراءته.

انتقلنا الى الكاتب الطبيب منير لطفي، وأحد أعضاء هيئة تحرير"الملحمة الفلسطينية "وسألناه:

* بما أن المساجد هي طب القلوب ورياض الجنان، وبما أن الجامعات والمدارس هي غذاء العقول والاذهان، وبما أن المستشفيات هي طب النفوس والأبدان، فقد شرع الكيان الصهيوني بتدميرها كليا عن سبق إصرار وترصد حيث شن حملة شعواء شرسة على المساجد دمر خلالها (83) مسجداً تدميرا كليا، فيما تعرض (166) مسجدا لأضرار جزئية، في ذات الوقت الذي صب فيه جام غضبه على المدارس ليدمر (239)مدرسة حكومية في قطاع غزة بشكل كلي أو جزئي، كذلك فعل بالمستشفيات حيث قتل أكثر من (332) عنصرا من الطواقم الطبية وفرق الدفاع المدني، فيما أخرج (32) مستشفى عن الخدمة كليا او جزئيا، فكيف عبرت الملحمة الفلسطينية عن الهم العربي المشترك وعن المظلومية الفلسطينية من جهة، وعن الجرائم الصهيونية النكراء من جهة أخرى؟

- كتاب الملحمة الفلسطينية من ألفه إلى يائه لا يخرج في مجمل تناوله عن هذين العنصرين:

الجرائم الصهيونية التي مثلت الامتداد التاريخي لإفساد بني إسرائيل حسبما أشارت سورة الإسراء: "وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين"، ومثلت أيضا روح الحملات الصليبية الغابرة التي توالت عبر البحر كالموج، وذراع الاستعمار القديم الذي عاث في بلادنا ظلما وعدوانا لعقود.

كذلك الحال مع المظلومية الفلسطينية، من جهة إزهاق الأرواح، والاقتلاع من الأرض والديار، والتشريد في المنافي الداخلية والخارجية، فضلا عن المحاولات البائسة لطمس الهوية الفلسطينية التي استعصت على الطمس رغم مرور العقود تلو العقود.

ولعل نظرة سريعة على فهرس الكتاب تكفي للتدليل على ذلك؛ لا سيما عناوين مثل: التغريبة الفلسطينية، فاجعة فلسطين، نكبة سايكس بيكو، العنصرية الصهيونية، وغيرها.

* أعلنت دار الفنار للنشر، أن “ريع الكتاب وعائده سيكون كاملًا تبرعًا لصالح فلسطين إسهاما من الجميع في دعم القضية الفلسطينية” حدثنا عن هذه الخطوة المباركة قليلا .

- لا يخفى على الجميع أن الناشر تاجر ثقافي، فصحيح أنه ينشر المعرفة التي تدونها الأقلام بين الدفاف، ولكن تبقى عينه دوما على المال. ومع أن هذا لا يعيب طالما أن تلك التجارة مؤطرة بالحد الأدنى من معايير الشرف والخلق، إلا أن بعضا من الدور-وهم قلة- ارتقت فوق المادة واختارت أن تكون رسالية حتى النخاع، إذ تنشر لأجل القيمة والفضيلة لا غير، بل وهي على استعداد للذهاب الى أبعد من ذلك حين تتحمس لقضية عادلة وتتبناها كأنها ابنتها وربيبتها وتنفق عليها من حر مالها، كما حدث في استجابة منشورات الفنار للدفع بكتاب الملحمة الفلسطينية إلى النور، متحملة التكلفة بكاملها، بل ومستغنية عن تحصيلها لاحقا، وهو ما يستدعي التحية ويستدعي التطلع إلى مثل هذه المبادرات من دور أخريات خاصة تجاه القضية الفلسطينية تحديدا.

* من المؤمل مشاركة كتاب "الملحمة الفلسطينية" في معرض الكتاب 2024 في دار منشورات الفنار، فهل ستكون هناك فقرة مخصصة لتوقيع نسخ من الكتاب مشفوعة بسلسلة من المحاضرات القيمة فضلا على الاصبوحات والأمسيات الثقافية يلقيها نخبة من الكتاب والمثقفين العرب للتحدث عن كل ما يتعلق بالشأن الفلسطيني ولا سيما عن التغريبة الفلسطينية، النضال والصمود والكفاح الفلسطيني، جرائم ومجازر دويلة الاحتلال الصهيوني على مدار 75 بحق الشعب الفلسطيني؟

- جرت العادة أن تكون معارض الكتب أعراسا ثقافيا، ترفع شعارا معرفيا، وتختار دولة ما كضيفة شرف، وتنتقي شخصية ما للاحتفاء والتكريم، ثم تضع برنامجا ثريا تتقاطر فيه المحاضرات والندوات أفواجا تلو أفواج، ومن المؤكد أن معرض القاهرة كأبرز معارض العرب، وثاني معارض العالم بعد معرض فرانكفورت لن يخرج هذا العام عن ذلك الإطار، وأتوقع أن يكون الشغل الشاغل في أروقته هو ما يجري من إبادة لأشقائنا على أطراف الأرض المصرية، لتتصدر كتب القضية الفلسطينية الرفوف وتلقي بظلالها الكثيفة على عناوين الفعاليات أيا كان سمتها.

والواقع أن كتاب الملحمة الفلسطينية ملك لكل كاتب شارك فيه، وباستطاعته أن ينسق لإقامة ما يعرف بحفلات التوقيع، ولا أشك أن الدار ستتوانى عن الترحيب بذلك والإعداد له.

* كلمة أخيرة عن ملحمة فلسطينية خالدة لم ولن تكون الأخيرة .

- ستظل الملحمة الفلسطينية محتدمة حتى تعود الأيدي إلى مزارعها والمفاتيح إلى أبوابها والذكريات إلى موطنها والحقوق الكاملة لأصحابها، ولن يكون ذلك إلا برحيل الاحتلال مذموما مدحورا تحت رحى المقاومة التي عرفت طريقها ولن تتخلى عنه يوما، فمن عرف لزم ومن لزم وصل.

تجدر الاشارة الى كتاب "الملحمة الفلسطينية " هو كتاب جديد يقع في 254 صفحة من القطع الكبير صادر عن "دار منشورات الفنار" في جمهورية مصر العربية، اجتمع فيه خمسة وثلاثون كاتبا من أرجاء الوطن العربي، حيث تعرضوا للقضية الفلسطينية من جوانب شتى، والكتاب الجديد من تقديم المفكر فهمي هويدي، والمؤرخ عماد الدين خليل، وقد أشرف على تحرير مقالاته ومواضيعه كل من الكاتب والمؤرخ أحمد المنزلاوي، والكاتب الصحفي حاتم سلامة، والكاتب الطبيب منير لطفي وكانت دار الفنار للنشر قد أعلنت أن "ريع الكتاب وعائده سيكون كاملًا تبرعًا لصالح فلسطين إسهاما من الجميع في دعم القضية الفلسطينية".

 

منذ فجر البشرية، حدقنا في الفضاء المرصع بالنجوم، وتوقنا إلى إصلاح ما كُسر، وحلمنا بفهم نسيج الواقع ذاته. وهذا السعي الدؤوب، وتعطشنا الذي لا يشبع للمعرفة والإبداع، يغذي محرك التقدم العلمي والتكنولوجي. وفي نسيج الزمن الدائم، يبرز عام 2023 باعتباره عاما تتخلله إنجازات مبهرة، كل منها شهادة على براعة الروح العلمية ومثابرتها عند الانسان.

لكن اختيار "الأفضل" من بين هذه العجائب يشبه اختيار نجم واحد من كوكبة سماوية. يكشف كل اكتشاف عن وجه جديد للكون، وكل اختراع يحمل القدرة على تغيير حياة الناس، وكل ابتكار يتحدث عن الإمكانات اللامحدودة للعقل البشري.

لذلك، دعونا لا نبحث عن بَطَل واحد، بل نشرع في رحلة نابضة بالحياة عبر مختلف المناظر الطبيعية للمساعي الإنسانية. من حدود الطب، حيث يتم خلق الأعضاء إلى الوجود، إلى الباليه السماوي الذي كشف عنه تلسكوب جيمس ويب، سوف نتعجب من جرأة الاستكشاف العلمي. سوف نتعمق في عالم الذكاء الاصطناعي، حيث تتراقص الكلمات نفسها على أنغام الخوارزميات، ونستكشف عالم الطاقة الاندماجية المزدهر، واعدا بمستقبل تنيره شمس لا حدود لها.

هذا ليس مجرد كتالوج للإنجازات، ولكنه احتفال بسعي الروح الإنسانية الذي لا يتزعزع لدفع حدود ما هو ممكن. إنها شهادة على قوة التعاون، وجرأة الخيال، والتعطش الذي لا يرتوي للمعرفة الذي يدفعنا إلى الأمام. لذا، انضم إلي، عزيزي القارئ، ونحن ننسج نسيج الانتصارات العلمية والتكنولوجية لعام 2023، ودعونا معا نتعجب من شرارات التألق التي تنير طريقنا إلى المستقبل الدائم التطور.2130 انجازات علمية عام 2023

علوم: أعضاء حسب الطلب.. أمل جديد لفشل الأعضاء

في المستقبل، قد لا يكون فشل الأعضاء حكما بالإعدام. حيث تُطور تقنيات جديدة، مثل زراعة الأعضاء الحيوانية المعدلة وراثياً والطباعة الحيوية ثلاثية الأبعاد، أعضاءً مزروعة حسب الطلب للجميع.

تتمثل إحدى الطرق الرئيسية لتطوير الأعضاء حسب الطلب في زراعة الأعضاء الحيوانية المعدلة وراثياً. حيث يقوم العلماء بإزالة عدم التوافق بين الأعضاء الحيوانية والبشرية، مما يسمح بزراعة هذه الأعضاء في البشر دون خوف من الرفض.

طريقة أخرى لتطوير الأعضاء حسب الطلب هي الطباعة الحيوية ثلاثية الأبعاد. حيث يستخدم العلماء الاحبار (المواد والخلايا) المتوافقة حيويا وتقنيات الطباعة الدقيقة لبناء أنسجة وظيفية. يمكن استخدام هذه التقنية لطباعة أعضاء كاملة أو أجزاء من أعضاء.

بالإضافة إلى استبدال الأعضاء الفاشلة، يمكن استخدام الأعضاء حسب الطلب أيضا لاختبار الأدوية وتطوير علاجات جديدة.

على الرغم من هذه التطورات الواعدة، لا يزال هناك بعض التحديات التي يجب التغلب عليها قبل أن تصبح الأعضاء حسب الطلب قابلة للتطبيق على نطاق واسع. تتمثل إحدى هذه التحديات في ضمان السلامة والفعالية.

تحدي آخر هو ضمان الوصول العادل بدون تمييز.  حيث قد تكون التكنولوجيات الجديدة باهظة الثمن، مما قد يؤدي إلى تفاقم التفاوتات الصحية.

على الرغم من هذه التحديات، فإن الوعد بتوفير الأعضاء حسب الطلب هو أمل جديد للملايين الذين يعانون من فشل الأعضاء.2131 انجازات علمية عام 2023

الأجنة الاصطناعية: ثورة في فهم الحياة وعلاج العقم

في عام 2023، تمكن العلماء من إنشاء أجنة بشرية اصطناعية باستخدام الخلايا الجذعية فقط. هذا الإنجاز التاريخي يفتح آفاقا جديدة في فهمنا للتطور البشري المبكر، ويحمل وعدا هائلاً لأولئك الذين يعانون من العقم.

من خلال دراسة نمو وتطور الأجنة الاصطناعية، يمكن للعلماء معرفة المزيد عن كيفية تمايز الخلايا، وتكوين الأعضاء، وتنظيم الجينات. هذه المعلومات يمكن أن تساعدنا في تطوير علاجات جديدة للأمراض الخلقية وتحسين فهمنا للحمل البشري.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن استخدام الأجنة الاصطناعية لعلاج العقم. يمكن للأزواج الذين يعانون من مشاكل في الخصوبة استخدام خلاياهم الجذعية لإنشاء أجنتهم الخاصة، مما قد يتغلب على التحديات المرتبطة بالطرق التقليدية للإنجاب.

ومع ذلك، فإن تطوير واستخدام الأجنة الاصطناعية يثير أيضا مخاوف أخلاقية. من المهم إجراء مناقشة مدروسة حول الحدود الأخلاقية لهذه البحوث، وسوء الاستخدام المحتمل لهذه التكنولوجيا، ورفاهية الأجنة الاصطناعية.

على الرغم من التحديات، فإن إمكانات الأجنة الاصطناعية لا تزال آسرة. إنها فرصة لفهم أسرار الحياة نفسها، وعلاج العقم، وخلق مستقبل أكثر إنصافا للجميع.2132 انجازات علمية عام 2023

إزالة الغموض عن العقل

في عام 2023، أحرز العلم تقدما كبيرا في فهم الوعي. أظهرت تقنيات مثل تخطيط الدماغ المغناطيسي (MEG) وتخطيط كهربية القشرة (ECoG) أن النشاط الكهربائي في الدماغ يرتبط بحالات الوعي المختلفة.

يمكن أن يؤدي هذا الفهم الجديد إلى تحسين تشخيص وعلاج الاضطرابات العصبية التي تؤثر على الوعي، مثل الغيبوبة والصرع ومرض باركنسون. كما يمكن أن يفتح آفاقا جديدة في مجال الذكاء الاصطناعي، مما يساعدنا على تطوير آلات أكثر ذكاءً وفهما للكائنات الواعية الأخرى.

ومع ذلك، فإن دراسة الوعي تثير أيضا تحديات أخلاقية. يجب أن نضمن احترام الكرامة الإنسانية وضمان سلامة المشاركين في البحث.

إزالة الغموض عن العقل هو رحلة جماعية ذات آثار بعيدة المدى. يمكن أن يساعدنا على فهم أنفسنا والعالم من حولنا بشكل أفضل.2133 انجازات علمية عام 2023

أزمة المناخ: من الأفكار إلى العمل

في عام 2023، أكدت البيانات العلمية الواضحة أن تغير المناخ هو حقيقة، وليس مجرد احتمال. أظهر تقرير التقييم السادس الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) أن النشاط البشري هو السبب الرئيسي لتغير المناخ، وأن الآثار الكارثية للتغير المناخ أصبحت أكثر وضوحا.

الحاجة الملحة للعمل

كشف تقرير IPCC عن الحاجة الملحة إلى العمل، حيث لا يزال هناك وقت لمحاصرة أسوأ آثار تغير المناخ. هناك مسارات مختلفة متاحة لنا، ونحن مسؤولون عن اختيار المسار الذي نسلكه.

من الأفكار إلى العمل

الرؤى، مهما كانت عميقة، تظل خاملة ما لم تترجم إلى أفعال. يجب على الحكومات والشركات والأفراد اتخاذ إجراءات فورية لمعالجة أزمة المناخ.

الخطوات التي يمكننا اتخاذها

فيما يلي بعض الخطوات التي يمكننا اتخاذها لنسج مستقبل مختلف:

تغيير عاداتنا الاستهلاكية: يمكننا البدء باستهلاك أقل، وشراء منتجات أكثر استدامة، وإعادة تدوير النفايات.

تبني مصادر الطاقة المتجددة: يمكننا تثبيت ألواح شمسية على منازلنا أو أعمالنا، أو شراء طاقة من موردين معتمدين.

محاسبة حكوماتنا: يجب علينا الضغط على الحكومات والشركات لاتخاذ إجراءات بشأن تغير المناخ.2134 انجازات علمية عام 2023

الكشف عن النسيج الكوني

في عام 2023، حققت البشرية تقدما كبيرا في فهمها للكون. فقد ألقى تلسكوب جيمس ويب الفضائي لمحات تحبس الأنفاس عن سنوات نشأة الكون، وأثبتت مهمة DART قدرة البشرية على حماية كوكبها من التهديدات الفضائية

كشف تلسكوب جيمس ويب عن مجرات أقدم وأكثر ضخامة مما كان يُعتقد سابقا، وهي مجرات ولدت بعد بضع مئات الملايين من السنين من الانفجار الكبير. كما كشف عن الرقص الدقيق للكواكب التي تدور حول النجوم البعيدة، وكشف عن التركيبة المعقدة للمشاتل النجمية حيث تولد شموس المستقبل.

نجحت مهمة DART في دفع مسار الكويكب ديمورفوس الصغير، مما أثبت قدرتنا على حماية كوكبنا من الكويكبات التي قد تهدد الحياة على الأرض.

هذه الإنجازات هي علامة على التقدم العلمي الهائل الذي حققته البشرية. ومع ذلك، يجب علينا أن ندرك المسؤولية التي تأتي مع هذه القوة الجديدة. يجب أن نستخدم معرفتنا وقدراتنا لفهم الكون بشكل أفضل وحماية كوكبنا، وليس لإلحاق الضرر به.2135 انجازات علمية عام 2023

تكنولوجيا: نسج الكلمات باستخدام الذكاء الاصطناعي

في عام 2023، شهد الذكاء الاصطناعي التوليدي تقدما كبيرا، مما أدى إلى ظهور مستقبل جديد للغة. يمكن لهذه النماذج، التي تم تدريبها على كميات هائلة من البيانات، إنشاء نصوص واقعية ومبتكرة، مما يفتح آفاقا جديدة للتواصل والتعليم والترفيه.

على سبيل المثال، يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي لترجمة اللغات بشكل أكثر دقة وكفاءة، أو لإنشاء دروس متخصصة تلبي احتياجات كل طالب، أو لكتابة قصص وشعر وموسيقى أصيلة.

ومع ذلك، فإن الذكاء الاصطناعي التوليدي يأتي أيضا مع تحديات أخلاقية، مثل التحيز والقدرة على إنشاء محتوى مضلل. من المهم أن نستخدم هذه التكنولوجيا بمسؤولية وأن نسعى إلى الحد من الآثار السلبية المحتملة.

يتطلب تطوير الذكاء الاصطناعي التوليدي بشكل مسؤول تعاونا من الباحثين وعلماء الأخلاق والمستخدمين. معا، يمكننا ضمان أن تصبح هذه التكنولوجيا قوة للخير في العالم.

الاندماج النووي: إنجاز علمي يبشر بمستقبل أكثر إشراقا

في عام 2023، حققت أبحاث الاندماج النووي تقدما كبيرا، مما يشير إلى إمكانية تحقيق طاقة اندماجية مستدامة في المستقبل القريب.

حقق الباحثون في مشروع JET في المملكة المتحدة نبضا قياسيا من قوة الاندماج المستدامة، مما يدل على زيادة بمقدار عشرة أضعاف مقارنة بالمحاولات السابقة.

هذا التقدم يثبت أن الاندماج المستدام ليس مجرد إمكانية نظرية، بل هو هدف عملي في متناول اليد.

يفتح الاندماج النووي إمكانية الحصول على مصدر نظيف وغير محدود للطاقة، قادر على تلبية احتياجات الطاقة المتزايدة للعالم دون انبعاثات الكربون.

يمتلك الاندماج النووي القدرة على إحداث ثورة في الصناعات، وتقليل اعتمادنا على الوقود الأحفوري، ومكافحة تغير المناخ.

: Apple Vision Pro ثورة في إمكانية الوصول للمكفوفين

في عام 2023، أطلقت ايبل نظارة الواقع المعزز   Vision Pro ، والتي تعيد تشكيل العالم لضعاف البصر. تعمل تقنيتها المتقدمة على تراكب المعلومات الرقمية على العالم المادي، مما يسمح للمستخدمين برؤية الأشياء غير المرئية أو غير الواضحة.

يمكن لـ Vision Pro القيام بأشياء مثل:

تكبير الأشياء القريبة

توضيح النصوص المشوشة

تحديد العوائق

توفير أوصاف صوتية للعالم المحيط

تجعل هذه الميزات من الممكن لضعاف البصر القيام بأشياء لم يكونوا قادرين عليها من قبل، مثل:

التنقل بأمان في الأماكن العامة

القراءة

التعرف على الأشخاص

الاستمتاع بالتجارب الترفيهية

Vision Pro  ليست مجرد إنجاز تكنولوجي، إنه رمز للأمل والتغيير. إنه يمثل خطوة نحو عالم أكثر شمولاً، حيث يمكن للجميع المشاركة والمساهمة في المجتمع.

ومع ذلك، هناك أيضا بعض المخاوف الأخلاقية المتعلقة بـ   Vision Pro ، مثل الخصوصية وإمكانية سوء الاستخدام. من المهم أن يتم تطوير واستخدام هذه التكنولوجيا بمسؤولية.

على الرغم من هذه التحديات، فإن Vision Pro تظل إنجازا مهما. إنها تفتح آفاقا جديدة للأشخاص ذوي الإعاقة البصرية، وتلهمنا بإمكانية التكنولوجيا في الارتقاء والتمكين.2136 انجازات علمية عام 2023

التصنيع الحيوي: نسج أمل جديد في الطب

شهد عام 2023 تقدمًا كبيرًا في مجال التصنيع الحيوي، مما يفتح آفاقا جديدة للطب التجديدي.

تقوم هذه التكنولوجيا بطباعة الأنسجة والأعضاء باستخدام "الأحبار الحيوية" التي تحتوي على الخلايا والمواد المتوافقة حيويا.

يمكن استخدام التصنيع الحيوي لإصلاح أو استبدال الأنسجة التالفة، أو لزراعة أعضاء جديدة.

تشمل التطبيقات المحتملة للتصنيع الحيوي زراعة الأعضاء، واختبار الأدوية، وعلاج الأمراض المزمنة.

على الرغم من التحديات التي تواجهها هذه التكنولوجيا، فإنها تحمل وعدا كبيرا بالمستقبل.

حلول المناخ: خيوط أمل في عام 2023

شهد عام 2023 تقدما كبيرا في مجال حلول المناخ، مما يوفر أملا في مستقبل أكثر اخضرارا.

وتشمل هذه الحلول:

تخزين الطاقة المتجددة: تعمل تقنيات التخزين الجديدة على ضمان أن تكون الطاقة الشمسية وطاقة الرياح متاحة في أي وقت.

احتجاز الكربون:  يتم تطوير تقنيات جديدة لامتصاص ثاني أكسيد الكربون من الهواء وتخزينه بأمان.

الزراعة المستدامة:  تركز الأبحاث على تطوير طرق زراعية تقلل من انبعاثات الغازات الدفيئة.

على الرغم من هذا التقدم، لا يزال هناك تحديات كبيرة أمامنا. يجب أن نضمن أن تكون حلول المناخ قابلة للتحمل وقابلة للتوسع. كما يجب أن نعالج الاعتبارات الجيوسياسية والمخاوف المتعلقة بالعدالة الاجتماعية.

ومع ذلك، فإن التقدم المحرز حتى الآن يبعث على الأمل. يمكننا أن نجعل مستقبلنا أكثر اخضرارا من خلال العمل معًا لبناء نسيج من الحلول.

نسج مستقبل أكثر إشراقا: ما وراء خيوط عام 2023

وفي حين ترسم هذه الإنجازات الرائدة صورة مبهرة لعام 2023، فإنها مجرد خيوط متلألئة في نسيج التقدم العلمي الواسع. من الحوسبة الكمومية التي تكشف أسرار الكون إلى الطب الشخصي الذي يجمع حياة أكثر صحة، كان العام مليئا بالابتكارات التي تتحدى فهمنا للعالم وتقدم حلولاً لتحديات تبدو مستعصية على الحل.

كان عام 2023 عاما للتقارب، حيث أظهر لنا أن الاختلافات يمكن أن تكون قوة. تخيل الأنماط المعقدة المنسوجة عندما ترقص الأجنة الاصطناعية مع تحرير الجينات بتقنية كريسبر، أو عندما تتضافر حلول تكنولوجيا المناخ مثل احتجاز الكربون مع ابتكارات الطاقة المتجددة لصياغة مستقبل مستدام. إن المستقبل لا يكمن في الإنجازات الفردية فحسب، بل في أوجه التآزر الجميلة التي تنشأ عندما تتشابك التخصصات، مما يؤدي إلى نسج نسيج أكثر مرونة وازدهارا للجميع.

ومع ذلك، وفي خضم الاحتفال، يجب أن نتذكر خيوط المسؤولية المنسوجة في نسيج التقدم. ولا بد من النظر بعناية في الاعتبارات الأخلاقية، والتأثير البيئي، والوصول العادل لضمان أن هذه الابتكارات لا تخدم فقط قلة مميزة، بل تخدم الصالح الجماعي للبشرية. ويجب علينا أن ندرك العقد الأخلاقية التي قد تكمن في التطورات مثل الأجنة الاصطناعية أو الذكاء الاصطناعي، وأن نضمن أن التكنولوجيا تعمل على التمكين، وليس الاستغلال.

بينما ننظر إلى هذا النسيج لعام 2023، دعونا لا نتعجب من الخيوط الفردية فحسب، بل نقدر أيضا الأنماط المعقدة التي تخلقها معا. دعونا نستلهم السعي الحثيث للمعرفة والابتكار، ونتقبل التحديات التي تنتظرنا. لأن إمكانات الإبداع البشري هائلة، ونسيج المستقبل ينتظر نسجنا الجماعي. ومعا، يمكننا أن نضمن أن الخيوط الرائعة لعام 2023 ليست مجرد هوامش في التاريخ، بل هي حجر الزاوية لعالم أكثر إشراقا وصحة واستدامة للأجيال القادمة.

لذا، دعونا نحي العلماء والمبتكرين وأصحاب الرؤى الذين تجرأوا على تجاوز الحدود ونسج مستقبل أكثر إضاءة. دعونا نتعهد بأن نكون مهندسين مسؤولين للتقدم، واعين للخيوط الأخلاقية التي توجه إبداعاتنا. وبينما نتنقل عبر الأنماط المعقدة للسنوات القادمة، دعونا لا نغفل أبدا عن الإمكانات المذهلة للإبداع البشري، ونستمر في نسج نسيج المستقبل حيث يلمع كل خيط بوعد بغد أكثر إشراقا.

***

محمد الربيعي

اعتبر الفنان المخرج المسرحي فؤاد عوض، ابن مدينة الناصرة، ومدير مركزها الثقافي البلدي على اسم الشاعر محمود درويش، اعتبر هذا العام الوقف على نهاياته، عامَ خير وبركة، موضّحًا انه بلغ فيه إحدى قمم عطائه في مجال تخصّصه ومهوى قلبه.. المسرح، مضيفًا انه شهد حدثًا غير عادي في حياته، تمثّل في ولادة حفيدته الأولى ليلى بكر نجله الأكبر طارق.

في حديث معه قال عوض، إن العام الجاري شهد ولادة ثلاثة أعمال مسرحية، قام بإخراجها وساهم بإعداد الديكور فيها حينًا وبالإعداد المسرحي حينًا آخر. هذه العمال هي:2123 مسرح

- صغير الفيل العنيد:

مسرحية ممثلين وشخوص حيوانات: مِن انتاج "مركز يللا للثقافة الفنون، بإدارة الفنّان أحمد دخان، وتتناول في محورها المركزي فكرة التمرّد على نصائح الاهل وتوجيهاتهم، نشوءًا بالتمرد على ما يقدّمه هؤلاء للأبناء من اطعمة، تسلسلا إلى تمرد الأبناء على كلّ ما يتعلّق بأواصر علاقتهم مع اهاليهم. أما الفيل الصغير فإنه يبالغ في تمرّده هذا، فيتمرد على ذاته أيضًا، وذلك عندما يخرج من بيته للبحث عمّا يود أن يكون عليه.2124 مسرحية

ويلتقي خلال رحلته هذه بالعديد من الكائنات، منها قرد وسعدان، إلا أنه لا يستطيع أن يخرج مِن جلده، كما خُيّل له، ليكون غير ذاته، ما يولّد مواقف حافلة بالتخبّطات والمخاطر المتفتّقة عن أفعاله غير المدروسة وغير المنطيقة.. الامر الذي يُسفرُ عن مواقفَ كوميدية مضحكة. المسرحية من تأليف الكاتب العربي المصري وليد كمال، سينوغرافيا وإخراج مسرحي: فؤاد عوض. تمثيل: سلام هيبي، نور حريري، وتونا أبو شحادة. الحان وموسيقى: معين دانيال، تصميم وتنفيذ ملابس: توفيق سعيد، تصميم وتنفيذ أقنعة حيوانات: ساشا تشرنر، تقنيّات، اضاءة وصوت: نزار خمرة. مساعدة العرض: اريج عمر.2125 مسرحية

-عِلّية ستي:

وهي مسرحية موجّهة بالأساس للأطفال: من إنتاج "مسرح الخَيال"، بإدارة الفنان محمد عودة الله- مناذرة، وتدور أحداثها حول العلاقة الطيّبة الدافئة بين الجدة وحفيدها، هذا الأخير يجد نفسه، بشكل يوميّ، في حالة انكشاف على قصص، حكايات ومغامرات مدهشة، ويعجب الحفيد بمعطف مغامرات جدته أيام كانت طفلة، وذلك حين تقوم جدته بروح الخيال وقوة المرح التي تختزنها، فتأخذه في رحلة خيالية لاكتشاف ذاته وانتمائه الفولكلوري والثقافي الدفين هناك عميقًا في نفس الجدة. المسرحية معدّة عن قصة الكاتب الأمريكي سيمز تباك، وقامت بأداء شخصية الجدّة وتفعيل دُمية الحفيد بإبداع واقتدار الفنانة الممثّلة سُعاد زعبي. إخراج: فؤاد عوض، مساعد مخرج: نجدة مناذرة، موسيقى والحان: معين دانيال، وبناء الدمى: ليزا شور.

في حديثه الدافئ عن هذه المسرحية، عقّب مخرجها عوض قائلًا، إنها جاءت تأكيدًا وتعبيرًا عن فرحته الغامرة بولادة حفيدته ليلى، لابنه طارق وزوجته جوان، في الرابع من أيلول الفائت. منوّهًا أن ولادة هذه الحفيدة انارت في حياته.2126 مسرحية1

-ع الحلوة والمرّة:

من إنتاج "مسرح إنسمبل فرينج- الناصرة"، بإدارة فنّية من الفنانة المُمثلة خولة الحاج دبسي، إدارة الفنان المخرج السينمائي قاسم شعبان. تستعرض المسرحية تجربةً متشعّبةَ الاحداث والفعائل، وتدور بين زوجين، من شرائح مجتمعية عنيفة ومعنّفة. هذان الزوجان يواجهان مشاكل وعقبات متنوّعة ومتعدّدة، تنعكس سلبًا على حياتهما الزوجية المشتركة الطريّة. وهي تفتح باب الحوار راجية تجاوز الماضي المُعنّف لكلا طرفي الزواج، ورانية إلى نوع من المُصالحة القائمة على المحبّة والتضحية، من أجل مواصلة العيش بأمن وسلام. وهي كما يقول مُخرجُها تحفر وتنبش في أرض الخلافات الزوجية المتفشّية في مجتمعنا، وتحاول، بقوة وإصرار، إثارة موضوع هذه الخلافات، والتفكير الجديّ فيه، تمهيدًا لإيجاد الحلول الملائمة. المسرحية كتابة الدكتورة: كرمة زعبي. تمثيل الفنانين: أمجد بدر وربيكا تلحمي.

مُخرج هذه الاعمال المسرحية خلال السنة الجارية الفنان فؤاد عوض، يعزو بلوغه إحدى قممه العالية في العمل والحياة أيضًا، إلى أمرين أحدهما إخراجه ثلاث مسرحيات في سنة واحدة، والآخر ولادة حفيدته الغالية  ليلى، كما سلفت الإشارة.2127 1مسرحية

يتحدّث الفنان عوض عن الأجواء المسرحية السائدة في البلاد، معبّرًا عن عتبه على معظم إدارات المسارح العربية المحلية، قائلا إنه لا يجوز أن يقتصر عمل هذه المسارح، كما هو حاصل، على تقديم العروض النهارية لطلاب المدارس فقط، منوها أن وظيفة المسرح، كانت وما زالت وستبقى، كامنةً في اثارة القضايا المُجتمعية الساخنة- الاجتماعية منها والسياسية بالطبع، فإنه لا يصحّ أن يضحي همّنا كأصحاب ومديري مسارح، هو كمّ عرضًا قدّمنا خلال العام الواحد للحصول على المزيد من الميزانيات، على حساب المستوى الفني النوعي المركب.

إجابة عن سؤال يقول المخرج فؤاد عوض، إن الحرب الجارية على غزة، انتجت وضعًا جديدًا غير مريح بالمرة للمسارح العربية تحديدًا، تمثل برسائل التهديد والوعيد الرسميّة، لكلّ مَن يُعبّر عن رأيه أو موقفه من هذه الحرب، وذلك بقطع الميزانيات عنه، وقارن هذه التوجيهات بمواقف ارتبطت بوزارات ليبرالية سابقة، (فترة الوزيرة شولميت الوني مثلًا)، اكّدت حرية المسرح في تقديم ما يراه من مضامين، وانتقد عوض ما تبديه العديد من إدارات المسارح، من خضوع وخنوع للسياسة المجحفة المذكورة، موضّحًا أن هذه الميزانيات حقّ لنا ويقف وراءها دفعُنا للضرائب، وكلّ ما يُطلب منّا من التزامات ضريبية، وليس منةً مِن أحد بأي حال من الأحوال. " إن طأطأة الرأس من قبل المسارح المُلمح إليها ليس في مصلحتها وليس في مصلحة تطوّر مجتمعنا العربي وتقدّمه.2128 مسرح1

فؤاد عوض يعمل حاليًا على إعداد مسرحية عن أحداث غزة، في جانبها الإنساني القهري تحديدًا، وتدور أحداثها حول طفلة تبحث عن دُميتها المدفونة الغائرة في ركام بيتها الذي هدمته الطائرات المُغيرة." إذا لم يقبل أو يرضى أي مسرح إنتاج هذه المسرحية، فإنني أفكر في إنتاجها بصورة شخصية.. على المسرح ألا يقف مكتوف اليدين في حالات الحرب وما يواجهه المجتمع، أيًا كان، من آثار الحرب المُدمّرة.. للإنسانية والانسان.

مِن هذا المنطلق المسؤول والمُدرك لرسالة المسرح التوعوية، يقول فؤاد عوض، إنه عندما يفكّر بإخراج مسرحية كلاسيكية مثل "عُطيل" لوليم شكسبير، أو مسرحية، يرجو التمكّن منذ سنوات، من إعدادها وإخراجها للمسرح، مؤسسة على رواية "الشيخ والبحر" للكاتب الأمريكي المُبدع ارنست همنجواي، فإنه إنما يريد ويرمي لأن يُسقط على هاته النصوص المسرحية إشكاليات الواقع اليومي المعيش للمواطنين العرب في هذه البلاد.

يعتبر المخرج المسرحي فؤاد عوض ر جل مسرح حرا ومستقلا وغير تابع لأي من المؤسسات الثقافية الرسمية الإسرائيلية، لذا فانه يختار اعماله المسرحية بدقة متناهية، وان كانت لا تتوافق والإملآت السياسية التي تفرضها السلطة الحاكمة. إجابة عن سؤال.. يردّ قائلًا، إنه راضٍ كلَّ الرضا عن حياته مع المسرح وعن عطائه فيه، فهو موجود مع إخوانه من أهل المسرح والفنّ في العديد من البُلدان العربية المجاورة، وحتى في بلدان أوروبية أخرى، فهو يستقبل بين الحين والآخر دعوة للمشاركة في لجنة تحكيم مهرجان كبير في هذه الدولة أو تلك، ناهيك عما يحظى به من تكريمات، تؤكّد وجوده وحضوره المسرحي الفعال، وعالي المقام.

***

تقرير: ناجي ظاهر

نجحت ندوة تكريم الباحث الروائي المغربي سعيد بنسعيد العلوي، التي نظمت، أخيراً، ضمن فعاليات منتدى أصيلة الـ44، في إبراز مختلف جوانب التميز التي يتمتع بها المحتفى به، الذي بدا في غاية التأثر وهو يتوجه بالشكر للمنظمين والباحثين المشاركين والحضور، في ختام فعاليات تكريمه، فقال إن المشاعر تتداخل في نفسه بغير ترتيب أو نظام، وأن تكريمه يمثل شهادة على مسار ومرحلة.

وقال محمد بن عيسى، أمين عام مؤسسة منتدى أصيلة، في كلمة بالمناسبة، إن الأمر يتعلق بـ«اسم على مسمى: رجل سعيد بعلمه وانصهاره في البحث، وبتعدد مواهبه».

وشدد على أن الاحتفاء ببنسعيد العلوي يأتي تقديراً لما راكمه من أعمال رصينة ساهمت في إغناء الثقافة المغربية والعربية، على حد سواء.

وقال بن عيسى إن الأمر يتعلق بمفكر وباحث ومؤطر ودارس ومحلل ومبدع روائي، جمع بين صفات قل ما اجتمعت في شخصية بعينها.

وأَضاف أن مؤسسة منتدى أصيلة، ورغبة منها في صون ذاكرة الاحتفاء وتوثيق فعالية التكريم، عملت على إصدار كتاب جماعي يضم مداخلات وشهادات المشاركين في أشغال الندوة، الذين وجَّه لهم التحية على تناولهم لأعمال المحتفى به، سواء في انشغاله الفكري والفلسفي والتراثي والسياسي، وما أثاره من إشكالات تمس الراهن العربي، ومن قضايا ذات صلة بالحضارة والنهضة والحداثة وغيرها، أو في انجذابه الأدبي إلى عالم الرواية، وما تستدعيه من آفاق فنية وتخيلية، أو من خلال تقديم شهادات حية على مساره الوجداني والإنساني الثري بالمحبة ونشدان الأمل وكرامة الإنسان. من جهته، قدم عبد الإله التهاني، الكاتب والإعلامي المغربي، والمشرف على الندوة، ومضات من شخصية بنسعيد العلوي، الوازنة، المرموقة والمتميزة، وبعض المعالم البارزة في سيرة عالم فذ ومفكر ظل مرتبطاً بإشكالات الفكر العربي الإسلامي، وقضايا الفكر العربي المعاصر. وقال عنه إنه يستند إلى تكوين متين، واطلاع واسع على نفائس التراث العربي، وما أنتجته الثقافات الإنسانية من معارف، لذلك ظل عقله يجول في عدة حقول، وقلمه يعبر أزمنة المعرفة بأبعادها المتنوعة، إضافة إلى عطائه في المجال الفسيح للإبداع الروائي، مستلهماً عشقه للتاريخ وأحداثه وأبطاله وشخوصه باحثاً في حقل العلوم الإنسانية، حيث اهتم بالإشكاليات والقضايا التي تناولها الفكر العربي بمستوياته الفلسفية والدينية والسياسية منذ نشأته في ماضي الإسلام، وصولاً إلى امتداداته في الحاضر.

وأضاف التهاني أن بنسعيد العلوي عرف كيف يوفر لمساره البحثي مسلكاً ناظماً لكل اجتهاداته، وهو يغوص في دراسة الأطروحات البارزة في التراث، ولا سيما ما اتصل منه بالجانب الفقهي والتاريخي والسياسي. لكنه، بالتوازي، سيظل حاضراً بفكره، في تناول تحديات الحاضر وقضايا النهضة، والخوض في مشكلات التقدم والتنمية، والديمقراطية، والبناء الحضاري الجديد.

وشدد التهاني على أن الذاكرة الثقافية المغربية ستحتفظ لبنسعيد العلوي بآرائه وتوصيفاته التي تعكس فهمه للتراث العربي الإسلامي، لا يضاهيه إلا استيعابه العميق لمفاهيم الفكر الغربي، وهو ما أهله لأن يدرك وينفذ إلى طبيعة البنية التي تؤطر عقل كل منهما، من حيث المرجعيات والمحددات المعرفية.

وشهدت ندوة التكريم، ضمن فقرة «خيمة الإبداع»، برمجة أربع جلسات، قدمت خلالها مساهمات علمية رصينة، أحاطت بمنجز المحتفى به في مختلف تجلياته. كما توقفت عند بعض الجوانب الإنسانية من شخصيته، ومن ذلك مداخلة كمال عبد اللطيف، المفكر والباحث في الفلسفة والفكر المعاصر، الذي تحدث، في كلمة ألقاها بالنيابة عنه الشاعر والناقد أحمد زنيبر، عن معرفته بالمحتفى به ووشائج القربي بينهما، وذلك في ورقة حملت عنوان «سعيد بنسعيد العلوي... خمسة عقود من العطاء بسخاء». وقال إن اختلافهما المعلن في كثير من القضايا عزز وشائج القربى ودوائر الوصل بينهما، حيث «يرى الواحد منا في الآخر نفسه، وهو ليس كذلك».

وأضاف أن بنسعيد العلوي يمتلك فضيلة نادرة تتجلى في «العفة وأخواتها»، قبل أن يشيد بعدد من مناقبه، كباحث، التزم بمقومات البحث العلمي، فضلاً عن شغفه بالرواية، المعبرة عن حساسيته الفنية الجمالية، كاشفة صورة عن سخائه وعطائه الثقافي المتجدد والمتنوع. ورأى أنه يحمل في كثير من صور حضوره الجميل جوانب من شخصية البطل الروائي، فهو يفاجئك أحياناً بمواقف وسلوكيات، بل خيارات لا تخطر ببال أقرب المقربين منه.

وجاءت بقية المداخلات غنية في مضامينها، رصينة في تناولها لإسهامات المحتفى به في تعددها وغزارتها. فتناول عبد السلام بنعبد العالي، المفكر والباحث في الفلسفة والفكر المعاصر، بالقراءة والتحليل كتاب «صورة الآخر في أدب الرحلة المغربية»، وتحدثت حورية الخمليشي، الناقدة ودارسة الأدب، عن «تراكم الفنون في رواية (حبس قارة)»، بينما انصرف أحمد المديني، الأديب والروائي، إلى «تأويل التاريخ ومحتمل الرواية» في أعمال بنسعيد العلوي، مركزاً على رواية «سبع ليال وثمانية أيام».

وتطرق سعيد بنكراد، الناقد والمترجم والباحث في سيمائيات الأنساق الثقافية، إلى «وهم التاريخ وحقيقة التاريخ في (حبس قارة)». وقدم عياد أبلال، الباحث في السوسيولوجيا وأنتروبولوجيا المعرفة، خطوطاً عريضة لمشروع بنسعيد العلوي.

وتحدث الروائي مبارك ربيع عن «الوعي الروائي والتخييل المجتمعي في تجربة العلوي». واستعرض الروائي والباحث شعيب حليفي ملاحظات حول مجموع الأعمال الروائية للمحتفى به، تحت عنوان «الذاكرة والمعرفة في روايات العلوي».

وقدم فؤاد بن أحمد، الباحث في علم المنطق والإلهيات والفلسفة وعلم الكلام، دراسة نظرية في جانب من أعمال بنسعيد العلوي، في سبيل وضعها في سياقها الدولي، فيما طرح الكاتب والناقد نور الدين صدوق، في معرض مداخلته، سؤال «هل الروائي يكتب رواية واحدة؟». وتناول الباحث الأدبي والناقد المسرحي عبد الرحمن بن زيدان رواية «حبس قارة»، وقال إنها من الروايات التاريخية التي عملت على إعادة النظر في التاريخ لكتابة متخيلها.

أما الناقد والدارس الأدبي عبد المالك أشهبون فتناول استراتيجية التناص من زاوية رهانات تعدد الأصوات في رواية «سبع ليال وثمانية أيام»، بينما تحدث الباحث والمترجم العربي وافي عن إعادة التفكير في الحداثة لدى العلوي، من خلال ثلاثة من أعماله، وهي «الوطنية والتحديثية - دراسات في الفكر الوطني وسيرورة التحديث في المغرب المعاصر» و«الاجتهاد والتحديث - دراسة في أصول الفكر السلفي في المغرب» و«الآيديولوجيا والحداثة - قراءات في الفكر العربي المعاصر». فيما تطرق الناقد والدارس والمترجم أحمد بوحسن إلى «عالم سعيد بنسعيد العلوي الروائي من خلال رواياته الست»، وقدم الناقد والشاعر أحمد زنيبر مداخلة تحت عنوان «عين على الفكر وأخرى على الأدب»، كما قدم الناقد والمترجم والباحث محمد آيت العميم ورقة تحت عنوان «ثورة المريدين - في البحث عن المنقذ والمخطوط المفقود». فيما تناول عبد العزيز بومسهولي، الباحث في الفكر الفلسفي وتاريخ المعرفة، سؤال «لماذا ينشغل الفيلسوف بالرواية؟»، وقدم عبد الرحيم البيدق، الباحث في فلسفة المنطق والرياضيات، قراءة في كتاب «الخطاب الأشعري - مساهمة في دراسة العقل العربي الإسلامي».

***

أصيلة: «الشرق الأوسط»

نُشر: 16:39-30 أكتوبر 2023 م ـ 15 ربيع الثاني

بحضور عدد من كتاب والأدباء والاعلاميين وجمهور الشعر انتظمت بمدينة الثقافة بتوني وضمن أنشطة ومنتديات منتدى الفكر التنويري التونسي بادارة الكاتب محمد المي وباشراف المؤسسة الوطنية لتنمية المهرجانات والتظاهرات الثقافية والفنية لوزارة الشؤون الثقافية فعاليات الندوة التي كانت بمثابة التكريم للشاعر والروائي والاعلامي يوسف رزوقة وهي ندوة سبقتها ندوات وستليها أخرى حيث  بعثت لتترسخ تباعا لتكريم أعلام الثقافة التونسية..

في هذه الندوة تم تكريم الشاعر يوسف تحت عنوان لافت هو:  (يوسف رزوقة، بهلوان اللغة) وذلك من خلال عدد من المداخلات التي أتت على مسيرته لتشكل البورتريه من قبل شعراء مرحلته والنقاد ومن أحتضن تداربهم وبداياتهم بمرحه وضحكته العارمة وخصوصا لقاءاته بهم ومعهم لنذكر المنابر الاعلامية التي فتحها لهم ومنها بالصحافة والأيام ونادي الاربعاء الأدبي بالنادي الثقافي الطاهر الحداد وملتقى الأدباء الشبان بسيدي علوان بالمهدية وغير ذلك كثير... في الجلسة الفكرية، الأولى: سالم بو خداجة ( رئيسا)، كانت مداخلات كل من البشير المشرقي، حاتم النقاطي، آمال مختار، والحبيب المبروك

و في الجلسة الفكرة الثانية: بدر الدين بن هندة (رئيسا)، قدمت مداخلات لكل من سوف عبيد، خالد الماجري، هيام الفرشيشي وشمس الدين العوني. وكانت الجلستان مشفوعتين  بنقاش.  وفي الافتتاح تحدث محمد المي مدير المنتدى عن فلسفة النشاط والمضامين والكتب الصادرة عنه وفق اهتمام بالرموز والفاعلين قي الادب والثقافة والفكر ما يعززو جانبا مهما من تدوين الذاكرة الثقافية وذلك فضلا عن الجانب الاحتفائي والتثميني للتجارب .

و في كلمته تحدث الشاعر المحتفى به يوسف رزوقة عن قيمة الفكرة للمنتدى شاكرا المحاضرين والجمهور ومن جاء للمشاركة في هذا الحفل الأدبي اللافت..و تم بالمناسبة توزيع كتاب: الندوة وعنوانه "يوسف رزوقة، بهلوان العبارة " على الحضور، ومثل وثيقة انطوت على مداخلات المتدخلين.3829 yousef

و قرأ الشاعر موضوع الندوة شعرا ومن قصائده:

الأرض في متناول المنقار

هل كان يمكن أن أراك بجانبي

بمواصفات فراشة

لم تؤذ في يوم جناحيها

بجعلهما طعاما للحريق؟

كأن خارطة الطريق

تهم قطاع الطريق

ولا تهمك

أو كأنك أنت نفسك في عراك دائم

مع نفسك

التفتي تري

ماذا رأيت؟

الشيء غير الشيء

والرجل الذي في حالتيه ترينه رجلا

يفكر في الوصول إليك

عبر ثناء ثعلبه عليك

وأنت حواء الجديدة

كالتي سترينها و.. رأيتها

في دولة الدستوبيا

امرأة إلى مرآتها

الرجل الذي سترينه و.. رأيته

هو نفسه الرجل الذي يثني عليك

بثعلب ما، فيه محتال

إلى حد التحلي بالثقافة والتجلي:

نسخة عذراء

من بطل سيأتي ذات وهم..

والفراشة فيك

لا تحيا بمنأى عنك

فهي صنيعة الإهليلج الخفاق فيك

وما الفراشة فيك

إلا تلك أو تلك التي سيغرها شكل الثناء

فلا ترى إلاه شيئا

يجعل الشيء الذي فيها

يحلق أو يزقزق أو يحيد عن الطريق إلى الحريق

- ولي هنا، والليل ليل [ أن أوضح ما يلي ]:

لا ضد مجتمع الرجال أنا

ولا ضد النساء -

لكل مخلوق من الجنسين شكل حياته

في حالتيه:

نجاته وهلاكه

فقط السياق هنا

اقتضى ما يوجب الإيغال

في ما يجعل الإنسان إنسانا إلى شباكه

مع أن هذا الأمر

لا يعني هنا أحدا بشكل أو بآخر مطلقا

لا جاك دريدا ولا ميلان كونديرا

ولا حتى ابن جِنِّيّ

بفائض نحوه

أو سيبويه

يهمهم شكل العلاقة

بين مخلوقين من لحم ودمدمة كدمدمة الرعود

لكائن من كان أن يشقى كثيرا أو قليلا

تلك سكته

وللأنثى كما الذكر العلُوّ أو الغُلُوّ

توغلا في الجاذبية تلك أو تلك:

السماء بعيدة

والأرض في متناول المنقار..

هذا ما أرى..

أما أنا

فقد استطعت

بحيث لا امرأة هنا تحتك بي

برداءة امرأة بمفردها

قناعا وهي شتى

إلى رجل يمثلني

إذا لم يقتنع بيد على يده

بكى… ».

و من بين ماقدم نجد مداخلة ضمن تجربة الشاعر يوسف رزوقة وعنوانها " الشاعر يعلن حالة الطوارء " وهي قراءة في عمل شعري له تفاعلا بعد أخداث 11 سبتمبر 2001  وفيها " ... تعددت اصدارات الشاعر والروائي والكاتب يوسف رزوقة منذ ديوانه الأول " أمتاز عليك بأحزاني " سنة 1978 وفق نظرته المخصوصة لفعل الكتابة الابداعية حيث الشعر لديه والسرد كذالك مجال قول بالذات واعتمالاته تجاه الأنا والآخر في كون مربك يحتاج فيما يحتاج ارسال الذئب في العبارة وهي عبارته الشهيرة اذ الكتابة عنده ضرب من نظر الانا الثاقب وهي تجترح لحبرها عوالم تصلح لكائنات هشة بالشعر تبرأ وبالكلمات تسلم ...و لكن ..هل يسلم هذا العالم اذ تطير البرتقالة ويعوي الذئب... وتنتظم الحفلة الكونية على آخر أنعوقة للغراب...هو الشاعر يرى الامور هكذا على نحو يجعله منهمكا في رقصه الباذخ..." سأراقصني في الظلام...".

تجربة ثرية في الشعر والكتابة من عناوينها "حاء لسيدة الحلال.. حاء لسيدة الحرام.." ذات مربد ثمانيني ما جعل الشاعر جوالا في الكلمات يدعو لها ملامحه وجنونه وخروجه الدؤوب عن السائد والمعتاد.. صوته يشبهه وقصيدته كذالك يذهب بالحروف شعرا وسردا الى مناطق غير مطمئنة و آمنة ليكتب وكأنه " يستل خنجرا ليغمده في قفاه..".

في حوار مهم مع اسماعيل الفقيه ببيروت بتاريخ 03فيفري من سنة 2018 في مجلة " لها "

و حوابا عن سؤال فحواه " تكتب الحزن والفرح، لكنّ الحزن يبدو أقوى في نصّك، لماذا؟.." يقول يوسف رزوقة مجيبا كالتالي "..أوّل ديوان لي مهرته بـ»أمتاز عليك بأحزاني» عام 1978... نظرت فيه الى الحزن ومشتقّاته، ثمّ تلته مرحلة «الكتابة المبتهجة»، ففي إزاء انفجار المسافات، المفاهيم والمصطلحات واتساع رقعة الحريق في الذاكرة (قلق، ضغط، إحساس فاجع بانقراض السلالة أو بانتفاء الدور، إلى غير ذلك)، فإن المرحلة اقتضت مني التنظير لتحقيق مناعة الحضور لمواجهة شتى الضغوط الحافّة بالنص أو بصاحبه، عبر التسلح الدائم، ولو في أشد المواقف خسراناً أو انكساراً، بالروح الانتصارية، العالية والتزام الكتابة المبتهجة مع الوعي الاستثنائي بشائكية الواقع الحضيضي، المتقلّب والمنفجر: قطعاً مع خطابات النكسة وأيديولوجيا البكاء. لكن مع فقدان الزوجة والبنت وشيء من قداسة الوطن، عدت إلى ما كنت عليه من همّ عظيم، أكتبه ويكتبني كمتنفّس لي في عالم متدهور، ملتاث وضنين...".

في هذه السياقات من التجربة في الكتابة والحياة كانت صدمة العالم ذات سبتمبر ونعني سبتمبر 2001 حيث سقوط البرجين وما تبع ذلك من تداعيات .. وهنا صدر ديوانه الشعري الجديد وعنوانه  " إعلان حالة الطوارئ  " وذلك بعد عدد من المؤلفات الشعرية والأدبية الأخرى ومنها الكتاب الشعري بعنوان " أزهار ثاني أوكسيد التاريخ" عن دار تبْر الزمان.

هذا الكتاب الشعري خرج فيه الشاعر الى طور ابداعي آخر وهو مساءلة اللحظة الراهنة بتبدّلاتها الغريبة والمربكة وكذلك ما خلّفته من حالات درامية انخطف أثناءها هذا الكائن الانسان بشيء من الذهول والدهشة وبذلك سعى الشاعر الى ارباك الزمن الحضاري الذي يعيشه خروجا عن المألوف والعادي الذي جعل الناس ينهمرون في هذا السقوط المريع.. سقوط القيم سقوط الحالة (الأوريجنالية) الأصلية.

غلاف الكتاب الأمامي به لوحة من أمتع ما أبدع الفنان محمد العايب حيث سهول شمال غرب تونس بحر من الاخضرار، إنه الأمل والخصب وتوق الانسان للحياة.. ثم لوحة أخرى لرومان أوبالكا حيث الأرقام المفتوحة والمنثورة الى اللانهاية وصولا الى النفاذة المقحمة في الفضاء نفسه وهي صورة كما يقول الشاعر مع حصاد هذا الزمان، كائن مثل كائنات أخرى يسقط من علوّه.. بل يلوذ بأرض في هالة من الرعب المفتوح مخلفا فوقه كنز ونجوم السماء.. إنه الانتهاء المريع والسقوط الملغم.

ملغمة قرية الطائرين نياما / أفكك شفرة ما يحدث الآن/ أعلن حالة الطوارئ..

هذا هو إذن كتاب الشاعر.. بحدسه العيني على كائنات الكون وهي ترقص بفعل الكلمات.. قد تكون للأخ الأكبر الذي اعتلى سرة الوقت باسم العراء لكن الشاعر في هذه القصائد الممتدة على سنة كاملة هي سنة ما بعد أحداث 11 سبتمبر سعى إلى تمثل مختلف الصور ودلالاتها الجمالية بشيء من فداحة الاحساس واللذة أيضا.. الاحساس بأهمية الانتباه للسقوط وما سيحدث واللذة المتأتية من سذاجة الكائن الذي تحول الى رقم بل الى صورة من أسمى درجات الذل..

"...أيها الناجون من الآتي: فكّروا في المستقبل وهي لابن النفيس ويراقبك الأخ الأكبر.. تخيّل صورة الآتي، حذاء وهو مطبوع على وجه الى الأبد.

أرض الحقيقة والقناع/ رسالة أخرى بعنوان جديد.

أتهجى الأرض ومعجمها هذه الأرض المشقوقة أرملة حبلى بغد الغازي المتفرعن، حاميها وحراميها.. لا غرب ولا شرق، انفجر المضروب على يده وانهال على غده.. وعلى الشفتين تيبست الكلمة.. للأخ الأكبر عين.. همّها الأكبر: فرض اليد والنّار..

رقصة للتلاشي هي خاتمة الكتاب المفتوحة أبدا كعين الشاعر السعيد بحزنه حيث نخاع الخرائط والشمس المشرقة في صحراء العينين.."

إن لغة الشاعر يوسف رزوقة مرهفة في تركيبها وكذلك مربكة في ما تحدثه من بناء درامي يدخلنا إليه الشاعر بل يقحمنا فيها طوعا وكرها على نحو يدعو للتلاشي والضحك والعود الى أصل الأشياء.. الطارئة مثلا هناك في أرض الروح الطفولة حيث كان العالم رتيبا في إيقاعه بعيدا عن تدنيس العين والوجه وليس بهذا الشكل على الأقل.

رقصة الشاعر المنتشي بآلام يصفها الانسان.. هناك أصوات منبعثة تسمعها وأنت تغوص في إعلان.. هناك عالم آخر تتخيله بل تعيشه بمجرد الانصهار.

إن لحظة السقوط المريع من أمرّ اللحظات وهي في الحقيقة حالة وحقبة عنوانها الانهيار حيث عمد الكائن الى العمل على تحويل الكون الى قرية أزرار ومتحف مهجور في الآن نفسه من أجل أسر الكائن الآخر وجلبه إلى أرض القناع حتى تبقى أرض الحقيقة يبابا..

ما معنى أن يتفرعن الكائن ويفرض اليد والنار ثم لا يلبث أن يسقط بفعل خياله الخصب هكذا من علو شاهق ليس تسلية أو استعراضا بل هروبا.. هروب من ماذا.. من سقوط آخر.. كل هذا بسرعة فائقة وساخرة أيضا حيث يسقط الانسان أمام أرقامه التي سطر وهو يضعها ويحصيها.. الارتطام.. وهكذا أيضا يعمل الشاعر يوسف رزوقة على أن يرتطم الجميع بأرض الحقيقة ليعود الانسان الى جسده الناعم وألوانه الخضراء ويسقط بالتالي الحالمون بالنار.. بشفافية شعرية عالية وانسياب درامي مؤلم وبحث مسترسل عن معان قد يفضي إليها كل نص في هذا الاعلان.. يمجّد الشاعر يوسف رزوقة في سخرية أخرى غير ملفتة أحيانا "فرعنة " الكائن الانساني الخاوية التي لن تفضي إلا الى متاهة موحشة غير منتهية مثل أرقام رومان أوبالكا.. لحظة حاسمة يلتقي خلالها الشاعر بعصره وقراءة وشهادة وكذلك استباق لترميم ما يمكن ترميمه في معمار العقل البشري الذي صنع الأخ الأكبر.. في غفلة من أبراج البهجة والتاريخ...".

ندوة وكتاب واحتفاء قتلا للذاكرة المثقوبة وانتصارا لفعل الكتابة حيث التجربة بدلالاتها الانسانية والوجدانية والجمالية  ال.....باذخة.

***

شمس الدين العوني

كل شيء يدور حول شغف مشترك كبير ألا وهو الأدب

على مدى أحد عشر يوما، من 6 ولغاية 16 أيلول/ سبتمبر 2023، أقيم مؤخرا في العاصمة الألمانية برلين، مهرجان برلين الدولي الثالث والعشرون للأدب internationalen literaturfestival berlin ilb)) في كلمتها أثناء حفل الافتتاح وسط حضور ثقافي وفني وسياسي أشارت وزيرة الدولة للثقافة والإعلام وراعية المهرجان "كلوديا روث" إلى العلاقة بين الحرية والأدب بالقول: «إن مهرجان برلين الدولي للأدب هو المنتدى المثالي، لذلك، أشدد على أن حرية التعبير هي حق من حقوق الإنسان، مثلها مثل الحرية الفنية. ولا يمكن التفكير في أي من هاتين الحريتين دون الأخرى. فإذا مات أحدهما، انتهى الآخر أيضا».. "جو تشيللو" سيناتور الثقافة والشؤون الاجتماعية عن حزب الخضر ببرلين، تحدث، "في الوقت الذي تهتز فيه العديد من المؤسسات، من الضروري أن نقرأ من بعضنا البعض، وأن نعرف بعضنا البعض، وأن نتحاور ونتبادل الحرية". يجب الاستماع إلى الأصوات المكبوتة".. كاتبة السيناريو والروائية الإيطالية "فرانشيسكا ميلاندري" ألقت خطاب المهرجان الثالث والعشرين الموسوم "الموجات فوق الصوتية للصمت" وقد تميز بنظرة ثاقبة حول مواضيع الثقافة ومواجهتها أحداث العالم المجتمعية والإنسانية والبيئية والسياسية. «دراسة ثقافة التذكر والتاريخ المنسي. بيانات مفقودة عن الآثار. الكلمات المحذوفة في الدساتير الوطنية. الأخبار التي لا تصبح في الصفحة الأولى. الإغفالات، والحذف، والمحو، والمراوغات المهذبة». التي غالبا ما تكون أقوى تعبيرا عن التاريخ والسياسة - وربما عن العلاقات الإنسانية بشكل عام - أو ما يكمن في ما يظل غير معلن. أو كما تقول : "فيفيان بيركوفيتش" الصمت وعدم التحدث وأنعدام حرية التعبير في ثقافة اليوم.. كانت الأمسية بداية ناجحة لتظاهرة ثقافية جمعت بين الفكر والأدب والموسيقى بمرافقة أوركسترا تريكستر.

في حفل إفتتاح المهرجان الذي اكتسب خلال 23 عاما شهرة عالمية ومشاركة أهم الكتاب والشعراء والفنانين العالميين من مختلف الأجناس والأعمار من أكثر من أربعين دولة، تناول الكاتب من أصول إيرانية "نافيد كرماني" الحاصل على جائزة السلام لتجارة الكتب الألمانية، في جلسة نقاشية بينه وبين مانجيت مان وفرانشيسكا ميلاندري، أدارتها فيفيان بيركوفيتش، الإجابة عن الأسئلة الأساسية حول الوجود والجنس والحرب والزوال، من خلال روايته الأخيرة التي تدور حول قصة كاتبة تعاني، في ذروة نجاحها المهني، من الفشل في حياتها الخاصة وتعريفها لذاتها. بشكل أدبي فريد من نوعه، يمزج بين الرواية واليوميات والمقال والتأمل. الممثلة ألألمانية النمساوية "إيفا ماتيس"، التي سجلت الكتاب بالصوت وتعتبر منذ السبعينيات واحدة من أهم الممثلات في الفيلم الألماني الجديد وكممثلة مسرحية على المسارح الرئيسية الناطقة بالألمانية، قرأت مقتطفات من الرواية .

على مدى أحد عشر يوما، كان مهرجان برلين الدولي الثالث والعشرين للأدب، بالإضافة إلى كونه واحة للاكتشافات الثقافية الجديدة، ملتقى عددا كبيرا من نجوم العالم، معظمهم من كتاب الكتب. وحتى في ظل رئيسته الجديدة مديرة المسرح والممثلة الدرامية "لافينيا فراي" ، التي تولت مهامها خلفا لمؤسس المهرجان عام 2001 "أولريش شرايبر" منذ بداية شهر مايو 2023، فإن تهجية المهرجان بالأحرف الصغيرة ستظل قائمة كما قالت في كلمتها الإفتتاحية التي جعلت الجمهور في مزاج جيد. وللإعتراف بالجميل، فقد أقيمت له ضمن البرنامج أمسية وداع "تكريم" بعنوان "النظر إلى الوراء" في 9 سبتمبر، في مكتبة (أونتر دن ليندن) الشهيرة (صالة هومبولدت Humboldt) مع مجموعة من الرفاق من الدرجة الأولى: المغنية باميلا بيرمان والموسيقار وكاتب الأغاني الألماني الحاصل على العديد من الجوائز الأدبية، وتعد مجموعاته الشعرية من بين أكثر الأدب الألماني مبيعا بعد الحرب "كارل وولف بيرمان". وكما كان متوقع فـ "التكريم" كان عاطفيا للغاية، حيث عرج المشاركون، ديتر باخمان، كريستين إيشيل، مونيكا جروترز، يواكيم هيلفر، فرانزيسكا هيرمان وغيرهم للحديث بشكل لا يخلو من الفكاهة والعجب، عن تعرفهم عليه في مناسبات وازمنة مختلفة احاطتها مواقف اختلط فيها الايجابي والسلبي معا.

مهرجان الأدب الدولي برلين ilb هو مهرجان أدبي يقام في برلين في سبتمبر من كل عام ولم يتوقف حتى في فترة انتشار وباء (الكورونا) حيث تم استعراضه عبر وسائل الإنترنت عالميا. ومنذ تأسيسه عام 2001، يقدم المهرجان التنوع الأدبي للشعر المعاصر والنثر والواقعية والروايات المصورة وأدب الأطفال والشباب من جميع أنحاء العالم. يظهر المؤلفون المشهورون جنبا إلى جنب الاكتشافات الدولية الجديدة في برنامج واسع النطاق. الراعي الرئيسي للمهرجان هو صندوق العاصمة الثقافي ووزارة الخارجية، ومؤسسة هاينريش بل، ومؤسسة جان ميشالسكي، تحت مظلة مؤسسة بيتر فايس للفن والسياسة، تقام عروضه في مواقع مختلفة أهمها "بيت مهرجانات برلين" Haus der Berliner Festspiele. وهدفه التواصل بين الكتاب في جميع أنحاء العالم وتحقيق المشاريع (الأدبية) الدولية. يتوزع برنامجه إلى عدة أقسام: أدب العالم، الأدب العالمي للأطفال والشباب، التأملات، العلوم والعلوم الإنسانية، العروض الخاصة والذاكرة. وينظم سنويا كجزء من المهرجان يوم الرواية المصورة وسلسلة "أصوات ألمانية جديدة". أيضا سلسلة "الأدب خلف القضبان" حيث يشارك كتاب المهرجان في زيارة سجون برلين. وهناك تعاون مع دائرة العلوم التابعة للوزارة الاتحادية للتعليم والبحث. ومنذ 2019 توجه المهرجان للاحتكاك بالتساؤلات المثيرة التي تواجهها المنظومة الثقافية، مجتمعيا وسياسيا، على مستوى العالم منها على سبيل المثال "المجتمعات الزمنية" أو "الأدب من منظور عالمي".

إلتقى آلاف الزوار المحبين للأدب من جميع الأعمار والجنس بمؤلفيهم المفضلين، في مواقع مختلفة في برلين. في المسارح والمتاحف وقاعات الحفلات الموسيقية، وحتى في السجن. وسيطر المشهد الأدبي الدولي على الحياة الثقافية في برلين. في القراءات والأحاديث وورش العمل واللقاءات. وكان كل شيء يدور حول شغف مشترك كبير ألا وهو الأدب. فمهرجان برلين الدولي للأدب يعد أحد أهم الأحداث الأدبية في العالم. نطاقه الأسلوبي والموضوعي الواسع فريد من نوعه، يجلب الثروة الأدبية المعاصرة إلى برلين- سواء كان نثرا أو شعرا أو واقعيا أو رواية مصورة أو أدب الأطفال والشباب. أو من خلال برنامج موائد مستديرة مع الفائزين بجائزة نوبل في الأدب وعروض تشجيع القراءة والأدب. أيضا مناقشة موضوعات سياسية وخطابات علمية عالية الأهمية بالإضافة إلى اتجاهات سوق الأدب بجميع أشكاله وأمزجته وأساليبه، من التيار العام إلى المتخصصة. الهدف هو مخاطبة أكبر عدد ممكن من الجمهور وإشراكهم بعدة طرق. باختصار، يقدم المهرجان للناس في برلين والمنطقة فرصة استثنائية لاكتساب نظرة ثاقبة إلى عالم الأدب الرائع مع الالتزام بحقوق الإنسان والعالمية وتعدد وجهات النظر والحوار. وسيتعرف الجمهور بالإضافة لمشاهدة توقيع الكتاب ومناقشات مثيرة، على أسماء كبيرة في الساحة الأدبية ونجوم الغد في أجواء مميزة للغاية.

كل شيء كان مختلفا، خلال أحد عشر يوما و 150 حدثا، وأكثر من 200 من الكتاب والمؤلفين من 41 دولة من بينهم: فرانشيسكا ميلاندري، سلمان رشدي، مشتاري هلال، تشيون ميونغ كوان، دينسر جوتشيتر، جيفري أوجينيدس، لويزا نيوباور، مكسيم بيلر، نافيد كرماني، فولف بيرمان، كاتيا هوير، ريكاردو روميرو جيلدا. والمشهور عالميا كمخرج لأكثر من 40 فيلماً روائياً ووثائقياً تعد من معالم الفن السينمائي، ومؤلف روايات ومقالات والعديد من الإشارات إلى الأدب في أعماله – سواء كان ذلك تعليقا صوتيا أو مرئيا أو مراجع أدبية مهمة "فيرنر هيرتسوغ" Werner Herzog الذي تحدث في اليوم الثامن للمهرجان 14 سبتمبر في صالة بيت المهرجانات الكبيرة أمام جمهور غفيرعن أهمية الكتابة والأدب لعمله الفني مع الكاتب جان براندت. وقرأ نصوصا من مؤلفاته: أحداث "المناظر الطبيعية في نشوة".  «في المشي على الجليد» عن رحلة من ميونيخ إلى باريس في شتاء عام 1974، والتي لها سحرها الخاص كالتأمل في الحياة والموت، إلى المذكرات الأسطورية عن تصوير فيلم «فيتزكارالدو» مع كلاوس كينسكي وذكرياته » كل إنسان لنفسه والله ضد الجميع».

أخيرا وليس آخرا، ما هو أكثر وضوحا. فإن مهرجان برلين الدولي للأدب في دورته الثالثة والعشرين، سلط الضوء على الآفاق والتواصل عبر الحدود مع حوالي 150 حدثا، 50 منها في برنامج الأطفال والشباب، 148 مؤلفا من 41 دولة في 8 أماكن بها 12 مسرحا. من جانب آخر وهو المهم، فأنه، ومن خلال دائرة نقاشات شارك فيها مجموعة من الكتاب تناول تحت عنوان " أحداث خاصة" جملة من المواضيع التي كان لها آثار خطيرة على الانسانية. كان من بينها موضوعة الأدب والحرب تحت عنوان، (طالما كانت هناك كتب.. كان حرق الكتب علامة وحشية على السلطة الاجتماعية والسياسية). في عام 1933، زمن النازية آنذاك، فرض الاشتراكيون الوطنيون (القوميون) في ألمانيا الرقابة والحظر على الأدب تحت شعار « ضد العناصر غير الألمانية!» أدت إلى محارق مشتعلة.. يصادف عام 2023 الذكرى التسعين لحرق الكتب في ألمانيا بطريقة بشعة.

***

عصام الياسري

يُعيد قاطرة السينما العراقية إلى مَسارها الصحيح ويحتفي بالأفلام العربية

تتواصل الاجتماعات والمؤتمرات التي تتعلق بانطلاق فعاليات الدورة الأولى لمهرجان بغداد للفيلم العربي في 12 كانون الأول / ديسمبر 2023م وتستمر لغاية السابع عشر منه. ونتمنى، نحن المعنيين بالشأن الثقافي والفني، أن يُتوّج هذا المهرجان بالنجاح خاصة وأنّ القائمين عليه هم نخبة من الأكاديميين والفنانين، والنقاد السينمائيين إضافة إلى فريق إعلامي محترف يتابع هذه المؤتمرات والأنشطة الفنية ويحيطنا علمًا بكل جديد. ففي المؤتمر الذي عقده د. جبّار جودي العبودي، نقيب الفنانين العراقيين، ورئيس المهرجان في قاعة النقابة يوم السبت المصادف 26 آب / أغسطس 2023م قال بأنّ الدورة الأولى تحمل اسم المخرج الكبير محمد شكري جميل (1937م) الذي عرف بأفلامه النوعية مثل "الظامئون"، و "الأسوار"، و"المسألة الكبرى"، و "الفارس والجبل"، و "اللعبة"، و "الملك غازي". وأضاف د. جودي أنّ جميع القائمين على المهرجان حريصون على أن يكون هذا المهرجان متكاملاً لا تشوبه النواقص والعثرات اللوجستيه "وأن يليق بسمعة العراق ومثقفيه وفنانيه وسينمائييه". ولعلنا نراهن على خبرات المنظِّمين للمهرجان وقابلياتهم الأكاديمية والفنية في آنٍ معًا. فالدكتور جبار جودي، رئيس المهرجان، هو مصمم، وسينوغراف، وممثل، ومخرج مسرحي، وحاصل على دبلوم وبكالوريوس في الإخراج المسرحي، وماجستير ودكتوراه في جماليات وتقنيات المسرح. أخرج أربع مسرحيات من بينها "محنة" و "خيانة"، كما أخرج فيلمًا يحمل عنوان "فيلم" سنة 2017م، وشارك في العديد من المسلسلات التلفازية ونال عنها بعض الجوائز المهمة كان آخرها جائزة مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي عن إخراجه لمسرحية "حصان الدم" المأخوذة عن مسرحية "مكبث" لشكسبير. أمّا مدير المهرجان فهو الدكتور حكمت البيضاني، رئيس قسم السينما والتلفزيون في كلية الفنون الجميلة في بغداد. ولو وضعنا مؤلفاته الخمسة وأطاريح الماجستير والدكتوراه التي ناقشها جانبًا واكتفينا بمهرجانه الجميل الذي ينضوي تحت عنوان "3 دقائق في 3 أيام" الذي انطلقت دورته الأولى في3 آذار 2013م، فهو وحده يكفي لتأهيله لإدارة المهرجان. والمُلاحظ أنّ الرقم "3" هو القاسم المشترك لكل فعاليات مهرجانه النوعي، فلجان المشاهدة والتحكيم والجلسات النقدية تتحدّد بثلاثة أشخاص، ومدة الفيلم لا تزيد عن ثلاث دقائق، وجوائز المهرجان ثلاث فقط. كما أنّ المهرجان يبدأ في الساعة الثالثة من الشهر الثالث من كل عام. هذا إضافة إلى متابعة الدكتور حكمت البيضاني لبعض المهرجانات العربية والأوروبية مثل القاهرة و "كان" وبرلين وفينيسيا ومحاولة نقله بعض التجارب السينمائية العالمية إلى العراق. فحينما يتحمّل شخص مثل البيضاني مسؤولية إدارة المهرجان فلا نتوقع منه إلاّ النجاح والتألق وقد وصفه الدكتور جودي "بالشخصية الأكاديمية والمهنية في وقت واحد". وحسنًا فعل القائمون على المهرجان حينما اختاروا الفنانة الدؤوبة آسيا كمال نائبة لرئيس المهرجان ومديره في آنٍ معًا فهي تتوفر على خبرة جيدة في العمل الإداري مثلما تمتلك شغفًا كبيرًا في التمثيل التلفازي والسينمائي وقد اشتركت في عشرة أفلام أبرزها "في ليلة سفر" للمخرج بسّام الوردي و "مطاوع وبهية"، و "يوم آخر" لصاحب حدّاد، كما اشتركت في عشرات المسلسلات التي تبدأ بـ "عزيزة يمّه" وتنتهي بـ "الماروت". ونالت جائزة أفضل ممثلة عراقية لعاميّ 2010م و 2011م على التوالي. كما أن اختيار الإعلامية المثابرة عائشة الدوري كمساعدة لمدير المهرجان هو دليل آخر على دقة انتقاء في الجانب الإعلامي لبعض الشخصيات النسوية التي تتحدث اللغة الإنگليزية بطلاقة وتستطيع أن تتحاور بها في حال وجود ضيوف وإعلاميين أجانب. كما أنّ هاتين السيدتين ونساء أخريات سوف يُضفين لمسات أنثوية رقيقة على المهرجان برمته.3641 مهرجان بغداد

يشتمل المهرجان على عدد من الأنشطة الفنية والثقافية الموازية للعروض السينمائية مثل ورشة "كتابة السيناريو" التي يحاضر فيها السينارست ناصر طه، وورشة "الإخراج السينمائي" التي يتحدث فيها مخرج عربي معروف سيُعلن عن اسمه لاحقًا، وهناك ندوة فكرية بعنوان"تعزيز سبل الإنتاج السينمائي العربي المشترك" تسهم فيها أسماء معروفة في هذا الصدد. وإضافة إلى هذه الأنشطة هناك توقيع لخمسة كتب سينمائية وهي "مذكّرات مدير إنتاج سينمائي" للراحل ضياء البياتي و"الفيلموغرافيا العربية 1927 – 2023" للناقد مهدي عباس و"مواثيق السينما العربية" للدكتور علي الربيعي وحفل توقيع كتاب الفنان عبد الحسين ماهود "13 سيناريو فيلم روائي قصير" وعدد جديد من "مجلة السينمائي" التي يرأس تحريرها الإعلامي المواظب عبدالعليم البنّاء. أمّا ضيوف المهرجان فقد أكد الدكتور جودي بأنّ 60 ضيفًا سوف يحضرون من الوطن العربي وبقية بلدان العالم، و 60 شخصية فنية من المحافظات العراقية المساهمة في أعمال المهرجان، بالإضافة إلى النحات أحمد البحراني الذي صمم وأنجز تروفي المهرجان.

أكدّ البيضاني أنّ تنظيم مهرجان سينمائي عربي ليس حدثًا جديدًا على العراقيين فلقد سبق لهم أنّ رسخوا تجارب مهمة في هذا المضمار ولكن المعنيين في المهرجان سيركزون قليلاً على الأفلام العراقية من دون أن يغفلوا الأفلام العربية التي تجتاز مرحلة الفحص والاختيار على وفق الشروط الفنية المرسومة سلفًا للأفلام الروائية والوثائقية الطويلة والقصيرة وأفلام الأنيميشن وقد تسلمت لجان المهرجان 130 فيلمًا حتى الآن كانت مُشاركة العراق هي الأعلى بواقع 40 فيلمًا، تلتها مصر بـ 36 فيلمًا، فيما قدِمت الأفلام الأخرى من سورية وتونس والمغرب والسودان وفلسطين والسعودية واليمن. وفيما يتعلّق بمسابقة السيناريو فقد تقدم للمسابقة 117 سيناريو ستختار منها اللجنة سبعة سيناريوهات لإنتاجها من قِبل المهرجان على أن تُسند لها الميزانيات المناسبة على وفق متطلبات الفيلم.3642 مهرجان بغداد

لم ينطلق هذا المهرجان من فراغ فبينما كان السينمائيون العراقيون بمختلف اختصاصاتهم يحاولون تحريك المياه في البحيرة السينمائية الساكنة قدّم المخرج سعد نعمة والإعلامي عبدالعليم البنّاء طلبًا بإقامة مهرجان أفلام الخليج اقتداءً ببطولة "كأس الخليج العربي 25" وأوصلت الجهات المعنية المقترحَ إلى رئيس مجلس الوزراء لكنه ارتأى ألا تُحصر التجربة بالخليج العربي فقط وإنما تنفتح على العرب فوافق مجلس الوزراء على الصيغة المعدّلة بميزانية مضاعفة بلغت ملياريّ دينار يتم استحصالها عن طريق وزارة المالية.

ثمة عوامل كثيرة تساعد على إنجاح المهرجانات السينمائية كما أنها تعطي فكرة جيدة عن مهرجان دون آخر نذكر منها حقيبة المهرجان التي يجب تُصمم بشكل جيد ولافت للنظر ويوضع بداخلها، تمثيلاً لا حصرًا، كتالوغ المهرجان بنسختيه العربية والإنگليزية، والكتالوغات الموجزة لكل مسابقة على انفراد، والكتب السينمائية التي يطبعها المهرجان، وباجات الضيوف والمدعوين من داخل العراق وخارجه، ونشرة المهرجان اليومية، وبقية المستلزمات الأخرى التي يوفرها المهرجان لضيوفه. تبذل المهرجانات الحِرفية جهدًا كبيرًا لتوفير وسائل النقل الحديثة التي تحمل اسم المهرجان وشعاره وتتحرك بانسيابية من الفنادق إلى صالات السينما وقاعات المحاضرات والأنشطة الفنية الموازية وبالعكس. كما يتم التركيز على حُسن استقبال الضيوف وتوديعهم بحرفية وحميمية وإتقان يتذكره الضيف لمدة طويلة من الزمن. وفي الختام أتمنى على الأخوة القائمين على المهرجان أن يأخذوا بهذه الملحوظات التي استقيناها وتعلمناها من مهرجانات عربية وعالمية ناجحة لا يمكن أن تغادر ذاكرة الضيف بسهولة، وأعتقد أن نُخبنا الثقافية والفنية في العراق قادرة على أن تكون أنموذجًا يُحتذى به في عالمنا العربي في أقل تقدير.

***

عدنان حسين أحمد

أقام اتحاد أدباء وكتّاب صلاح الدين أمسية ثقافية عن النقد اﻷدبي في 24/6/2023، وكانت بعنوان ”فيصل عبد الوهاب ناقدا“، تحدث فيها اﻷساتذة؛ د. سامي الزهو أستاذ الاستشراق في جامعة تكريت والناقد الدكتور باسل التكريتي والشاعر الدكتور ذر الشاوي عن الكتابين النقديين لكاتب السطور "بلورات من الحكمة" 2014 و"قراءات أدبية" 2019 الصادرين عن مؤسسة شمس للنشر والإعلام في القاهرة. كما تحدث اﻷستاذ إسلام شمس الدين مدير مؤسسة النشر عن تجربته في النشر بشكل عام ومع اﻷدباء العراقيين على نحو خاص. وتحدث د. سامي الزهو عن غنى التجربة اﻷدبية لكاتب السطور، وأشار إلى مقالة ”في الاستشراق اﻷمريكي“ التي نشرت في أحد مواقع النت؛ ومن ثم في كتاب “بلورات من الحكمة” وهي عن مناقشة رسالة الماجستير للمتحدث نفسه. وقال إن هذه المقالة كان لها اﻷثر الكبير في انتشار رسالته. ثم أعقبه الناقد د. باسل التكريتي الذي أشار إلى كتاب هو أحد مؤلفيه ”نجوم زاهرة في سماء تكريت في العصر الحديث“ والذي يضم السيرة العلمية واﻷدبية لكاتب السطور، وأورد مقتطفات عن هذين الكتابين وعن أهم مميزات الكتابة لدى الناقد حيث يقول إن كتاباته تتميز بجمال الشكل والمضمون إضافة إلى جمال الروح، وأنه أثّر في جيله، وتعلم منه وعرف كيف يبدع على المستويين الأكاديمي والثقافي. كما أضاف أن منهج كاتب السطور يتصف بالذوق وهي صفة مكملة للموهبة، ويتمثل ذلك في حسن اختيار النصوص والتمييز الدقيق في المعاني والصور والألفاظ وأصواتها وإدراك التناسق والتنافر في ترتيب الكلمات في الجملة. وهذه الموهبة في التذوق النقدي قد ساعدته في تذوق الأعمال الأدبية ونقل ذلك للقراء. وهذا ناتج من إلمامه بأصول النقد وطرقه وبالتراث النقدي العربي والحركات النقدية المعاصرة واتجاهاتها. وأضاف بالقول إن الناقد يتصف بالإنصاف في نقده حيث يقدّر ثمرات الكتّاب، أو يوصي بالتعديل والتصحيح. وختم كلمته بالقول إن هذه العجالة لا تكفي للإحاطة بالموضوع قيد الدراسة.3473 امسية تكريت الادبية

ثم استخلص الشاعر د. ذر الشاوي ملاحظاته عن الكتابين النقديين بجمل قصيرة، وقال إن تلك المقالات التي قرأها تتصف بالتكثيف وتشذيب القول وبلوغ الهدف بجلاء. وأنها تتصف بالمرونة في تداول الأفكار المختلفة والانفتاح على الثقافات وطرح وجهة النظر دون استبدادية الفكرة. وأكد الشاعر الشاوي على أن هذه المقالات لها امتداد أفقي في دراسة الأجناس الأدبية والاهتمام بالجماليات وامتداد عمودي تاريخي في دراسة تشكيل وتطور الآداب والفنون ودراسة السياقات المتتابعة والمترابطة في الوصول إلى النتاج الأدبي حتى العصر الحالي. كما أنها تراعي شروط التحليل المنهجي مع الرؤية الانطباعية بتوازن تجاه تحليل ونقد النصوص الأدبية. كما أكد على أن هذه المقالات تُعنى بدراسة العوامل الأساسية لإنتاج النص الأدبي أو العمل الفني وتحليل مسببات وبواعث النص ومراعاة أخذ الكاتب على محمل السياق الاجتماعي والأدبي والسياسي والتاريخي، وعلى أرضية الموهبة والفرادة في تكوين نص أدبي أو فني مميز. وأضاف أنها تستلهم الفكر الإنساني بأسلوب الفهم المعمق لا النقل المباشر، وتنتخب موضوعات محورية وحساسة لسبر أغوارها والإحاطة بها. وأشار الشاعر الشاوي أن تلك النقود تتسم بأنها نقد حيادي لا يوجد فيه تحامل على الكاتب بقدر ما هو وضوح وصراحة منطقية تشير إلى موضع الملاحظة، وتمتاز بالتخصيص دون التعميم. وقال إنها تواكب التنوع الأجناسي والأسلوبي وعدم اعتماد لون واحد في الكتابة، بل وشمول السينما والمسرح وبقية الفنون. كما أنها توثق المؤتمرات، وتسهم في تقويم نتائجها وتعيين السلبيات وطرح المقترحات. وختم الشاوي ملاحظاته بالقول إن تلك المقالات تركز على أهمية الثقافة ودور المثقف في المجتمع بطروحاته ومواقفه وتأثيراته الإيجابية والسلبية.3474 امسية تكريت الادبية

ثم شرح الأستاذ إسلام شمس الدين مدير مؤسسة شمس للنشر المصاعب المادية والمعنوية التي تواجه مهنته حيث التكاليف الباهظة لمعارض الكتب وارتفاع تكاليف الطباعة ومستلزماتها، ولكنه أشار إلى جانب مضيء في الثقافة العراقية وإقبال الكتّاب في العراق على النشر في مؤسسته حيث نشر ما يزيد على 200 عنوان لهؤلاء الكتّاب. ومن الجدير بالقول أن مؤسسة شمس تساهم إلى حد بعيد في انتشار الكتّاب بعلاقاتها الإعلامية الواسعة مع وسائل الإعلام العربية ومنصات الترويج الإلكترونية، حيث تجد الكتاب معلنا عنه على نطاق واسع فيها، وهذا ما يشكل عامل جذب قوي لهؤلاء الكتاب للنشر فيها.

وفي ختام الأمسية تحدث كاتب السطور عن تجربته في النقد الأدبي، وتناول بداياته في نشر مقالاته في الصحافة العراقية والمواقع الأدبية الإلكترونية العربية وخاصة منتدى القصة العربية برعاية القاص السعودي جبير المليحان، إضافة إلى المواقع الأخرى مثلاً؛ من المحيط إلى الخليج والفينيق ومرافئ الوجدان ولغتي الخالدة وسواها. كما تحدث عن إشكاليات الكتابة النقدية، وأشار إلى معضلة إيجاد النص المميز الذي يجذب الناقد، ويغويه للكتابة عنه. وختم كلمته بالقول إنه لم يكن يهتم بشهرة الكاتب، وإنما جودة النص لذلك كانت مقالاته تهتم بالمشاهير من الكتّاب والمغمورين منهم على السواء.

***

فيصل عبدالوهاب

نظم مركز عناية ندوة علمية، يوم السبت الثامن من شهر يوليوز 2023، بمجمع الابتكار التابع لجامعة القاضي عياض بمراكش وذلك احتفاء بأحد العلامات البارزة للدرس الفكري والبلاغي بالمغرب والوطن العربي العلامة الدكتور عباس أرحيلة.

ولما يزيد عن ثلاث ساعات، تدارس خيرة من الباحثين والمتخصصين، آخر إصدارات الدكتور عباس أرحيلة: "تراثنا في مسار التحديات" و "مدن مغربية من الاحتلال إلى التحرير"، إذ أبرزوا جميعهم المرجعيات الفكرية التراثية لهذين الكتابين والتي لا تبتعد في مجملها عن التصور العام وعن الهم الفكري الأكبر الذي حمله الدكتور أرحيلة لأزيد من أربعة عقود وما زال، منافحا عن الهوية الإسلامية ومدافعا عن التراث الإسلامي من خلال ما يتيحه الدرس الأكاديمي والتأليف النقدي، بلورة لمفهوم التجديد والحركية المتلازمين لهذا الموروث.

وألقى رئيس مركز عناية بالمغرب الدكتور مصطفى غلمان، كلمة بالمناسبة ذكر من خلالها بانخراط المركز غير المشروط وبمختلف أطيافه، في هذه الحركية العلمية الكبرى داخل مراكش وخارجها معتبرا أن لقاء الثامن من يوليوز سنة 2023 هو استمرار للتوجه العلمي للمركز، مشيرا إلى انتصار قيم الثقافة وبناء الإنسان في مواجهة الكم الهائل للغوارب الغاصبة للهوية والوجدان الثقافي الوطني.

ودعا غلمان إلى استعادة جذوة هذه الأخلاقية التي تشهد راهنا مقاومة تعكس خطورة المحتوى المنقول عبر الأشكال الجديدة للترويج الثقافي، وأثر ذلك على الأجيال والعمران.

وجاءت المداخلات المؤطرة من قبل، الدكتور عبد الجليل هنوش، الذي استدعى من خلال قراءته لكتاب "تراثنا في مسار التحديات"، إمكانات مؤلفه الأكاديمية والبيداغوجية، واستحضاره من خلال طفرات علمية بالجامعة، مراحل تاريخية هامة، كان فيها بناء العلم لبنة أساسية من لبنات تمتين علاقة التراث وسيرورته بالتكوين والتربية.

أما الدكتور عبد الرزاق مرزوك، فقد أجاب من خلال قراءته العميقة التي عنونها ب"مشهد التحدي في كتاب تراثنا في مسار التحديات دلالات وتجليات"، عن أسئلة المفهوم والمصطلح، وتقييماته النظرية والاعتبارية للعديد من منجزات المحتفى به، مستحضرا هو الآخر، نصوصا ثاوية من معين "الكتاب، الذي يستأثر ـ يقول مرزوك ـ بالنصيب الأوفر من روح مشروع ارحيلة ومناطاته السامية، "في تحقيق الفضيلة والأخلاق".

وأبرز الباحث مرزوك معالم تشكيل هذه الشخصية العرفانية، في مثارة المؤلف، حيث لا يمكن التقعيد لها، دون المرور من سلطانها الكبير على المعرفة وصناعتها". 

3467 حفل كتاب مراكش

بيد أن مداخلة الدكتور عبد الوهاب الأزدي، تزاوج بين العام والخاص، فقد قارب قراءته الإشكالية الموسومة ب"التراث الاسلامي بين ضميرين للاتصال والانفصال (تراثنا) و"معنى التراث"، انطلاقا من مرجعية العلامة ارحيلة، البلاغية والموسوعية. واضعا أسس التراث الإسلامي على مفرقي "الاتصال" و"الانفصال"، حيث يتكامل السياقان في محمل واحد ، ينفرد بهما فكر مجيب عن كل أشكال الضميرين المذكورين.

وفي ذات السياق، أفاض الدكتور عبد العزيز لحويدق، في تجسيد هذه الرؤية السابحة في ذرى "التراث الإسلامي" ماهية ومنهج. وهو ما يثير أكثر من تساؤل حول اشتغال العلامة الرحيلة، ضمن مشروعه الفارق، والذي يؤسس لمنهج بياني فائق الدقة والمرجعية.

وأشار لحويدق بهذا الخصوص، إلى تسلسل المشروع وارتقائه لمصاف العلم النافع، ووجوده كعلامة مشعة في الدرس الجامعي والأكاديمي، داعيا إلى إعادة قراءته وتجويد أساليب توجيهه وتقديمه للأكاديما والجامعة.

أما الأستاذ عبد العزيز أيتبن صالح فقد عرج على كتاب "مدن مغربية من الاحتلال الى التحرير" معنونا مداخلته ب: "كتاب باحث بنصوص وقيم باستقامة وناظر بنظر"، حيث تساءل عن هذا النمط الجديد في كتابات المفكر الدكتور عباس أرحيلة والذي وظف التأريخ لضبط إيقاع الهوية من زوايا غير معتادة.

وأجاد الباحث ايت بنصالح في القراءة التأصيلية لمشروع الكتابة لدى ارحيلة، مرتبطا بمدلولات التأريخ للحظات حاسمة من تاريخ مدن اختارها المكرم بعناية فائقة.

وقال ايت بنصالح إن الكتاب هو جزء من مشروع ارحيلة، حيث يسكن الهوس البلاغي لاكتشاف أسرار الفضاءات المتحلقة في أعماق وجدان الكاتب.

مساهمات علمية دقيقة جاءت مقاربة بشكل محفز للمفهوم والمنهج والتصور، استحضرت من خلالها كل وفق تصوره ومرجعياته الأبعاد الهوياتية والفكرية التي نحتثها الدكتور أرحيلة وطورها في مختلف مواطن إنتاجه الفكري والنقدي، سواء كان تأليفا أم تدريسا.

مخلصين إلى إن الإيمان بهذه المرجعيات، ظل وسيظل إلى ما شاء الله، المحفز الأكمل لإنتاج المزيد من الأفكار والأبحاث حول تراث أمة غارقة في عدم المبالاة، تركن لطمس ملامحها وكينونتها، ولا تبدل إلا القليل من أجل استرداد بعض مجدها الفكري والعقدي.3468 حفل كتاب مراكش

وكان من أهم محطات اللقاء، عرض شريط سجل أهم المراحل الحياتية والعلمية للدكتور عباس أرحيلة مع عرض لمختلف التآليف والأبحاث التي أنجزها المحتفى به، وكانت بعدها لحظة بث كلمة / شهادة الدكتور المصري سعد مصلوح، أستاذ اللسانيات، المتخصص في الأسلوبية، اللحظة الفارقة الفارهة والتي حرصت اللجنة التنظيمية على جعلها مفاجأة في هذا اللقاء الوازن، لما للرجل من مكانة خاصة لدى المحتفى به، فما بينهما من مشتركات علمية وانسانية أمر لا يغفله متخصص ولا متابع.

كانت لحظة بث كلمة/شهادة الدكتور المصري سعد مصلوح، أستاذ اللسانيات، المتخصص في الأسلوبية، اللحظة الفارقة الفارهة والتي حرصت اللجنة التنظيمية على جعلها مفاجأة في هذا اللقاء الوازن، لما للرجل من مكانة خاصة لدى المحتفى به، فما بينهما من مشتركات علمية وانسانية أمر لا يغفله متخصص ولا متابع.

وختم اللقاء بعد مناقشة استشرافية على أمل اللقاء في ندوات فكرية أخر، تطويرا للنقاش وتفعيلا لقناعات راسخة في أن الهدف من مثل هذه الأعمال والندوات هو مد الجسور بين من لهم الفضل من الأساتذة، والشيوخ من رواد البحث العلمي في الجامعة المغربية وبين أجيال متحمسة تواقة من أبناء هذا البلد .

***

مراكش / خاص

نظم الدكتور محمد الفحلي، مساء يوم السبت 08 يوليوز 2023 بمقر سكناه الفاخر بمراكش، حفل تقديم كتاب أبيه الشاعر والوطني الراحل أحمد شوقي الدكالي الفحلي الموسوم بـ "من شعر أحمد شوقي الدكالي (الفحلي)"، تأليف الباحث أحمد متفكر، والصادر، مؤخرا في طبعته الثانية، عن المطبعة والوراقة الوطنية بذات المدينة.

وقد حضر فعاليات هذا الصالون الأدبي، إضافة إلى عدد من أفراد أسرة الشاعر والمناضل الراحل، مجموعة من رجالات الفكر والثقافة والأدب والإعلام والفن بالمدينة الحمراء.

في مستهل هذا الحفل، الذي أدار فعالياته الباحث الدكتور مولاي المامون المريني، ألقى ابن المحتفى به  ومنظم الحفل كلمة ترحيبية، باسم العائلة وباسمه الخاص، شكر من خلالها الحضور الكريم، مؤكدا أن ذكرى أبيه ستبقى منقوشة وخالدة في قلبه، مشيرا أنه كان، بالنسبة له، السند الذي لا ينهار، والمثل الأسمى الذي يستمد منه طاقته وقوته، والقدوة التي أنارت مشواره الدراسي، ومبرزا أنه لن ينسى غيرته المشتعلة على الوطن وهو يحثه على الإيمان بقدسيته، وكان يصغي إليه، بكل اهتمام، وهو يحكي عن مسيرته التعليمية، رفقة أستاذه الكبير والهرم الشامخ المختار السوسي، كما كان يستمتع بقصصه ومغامراته المشوقة ضد المستعمر، التي كانت عبارة عن مضايقات واعتقالات تعسفية عاشها، بمعية رفاقه عبد الله إبراهيم وعلال الفاسي، وابن عمه أبي شعيب الدكالي، إضافة إلى مناضلين آخرين، الذين شكلوا نخبة من خيرة رجال البلد، الذين كان هدفهم المنشود هو الحفاظ على كرامة الفرد، وانتمائه لوطنه، بكل شرف وصدق.3458 القاروني

وعن الباحث متفكر، قال الدكتور الفحلي إنه يبعث الروح في التاريخ المنسي لمراكش، هذا التاريخ الذي كاد أن يضيع ويتلاشى ويتبخر في غياهب النسيان، لكن، بصبر واجتهاد هذا الباحث الجليل، أصبحت دروب البحث الوعرة بساطا من حرير، قضى فيها الباحث عشرات السنين، ليكتب عشرات الكتب القيمة، التي ستبقى نبراسا مضيئا لكل الأجيال المراكشية والمغربية والعربية.

إثر ذلك، ألقت منال الفحلي، حفيدة الشاعر، قصيدة في حق جدها تشيد بمناقبه، خصوصا وطنيته ونضاله، من أجل تحرير الوطن من ربقة الاستعمار الفرنسي.

وبدوره، قدم الناقد عبد الرحمان الخرشي قراءة في الكتاب، موضحا أن الكاتب والبحاثة متفكر قد ضاعف الجهد لإخراجه مادة لا يستغني عنها باحث رصين، في مجال الدراسة، بالرغم مما وقف في وجهه من صعوبة في الجمع، وتدقيق استدعاه التقديم، وسداد اقتضاه التعليق، ومبرزا أن الباحث قد جمع خيوط وسدى هذا الكتاب، كما حبك مادته من صميم تجربته البحثية الطويلة، ومن فائق عنايته وصفاء ذوقه المتسق، وحسه المترجم مع حس فني شفاف وأسلوب أثيل، وعمق نقدي رصين ومنهج واضح المعالم.

ومن جهته، بسط الناقد محمد إكرام السباعي قراءة في الكتاب معنونة بـ "الشاعر أحمد شوقي الدكالي الفحلي وتجليات النبوغ"، ملقبا الباحث متفكر بمؤرخ الحضرة المراكشية، لكونه قد جعل من هذه المدينة قطب الرحى ومركز الثقل، حيث كتب عن أعلامها ومعالمها، ونفض الغبار عن كثير من زواياها، ليغوص، بعد ذلك، في قاموسها مستخرجا الدرر والنفائس، التي لولاه لطواها النسيان، ولما حظي بحسنها وجمالها إنسان، من بينها كوكبة من شعراء مراكش، التي أخرجها من الكمون إلى الظهور.3459 القاروني

وبخصوص هذا الكتاب، موضوع اللقاء، لقد كان لي شرف مواكبته إعلاميا، فور صدوره، من خلال قراءة تناقلتها مجموعة من المنابر الإعلامية الدولية والوطنية.

وفي شهادتي، أثناء مناقشة أعمال ومجريات هذا الملتقى، أكدت أن الشاعر الدكالي الفحلي كان مخلصا للقبه، فحلا ومتميزا في قرض الشعر، ما جعل الشيخ المختار السوسي يلقبه بشوقي المغرب، كما كان وطنيا كبيرا من الرعيل الأول، إضافة إلى أنه لم يحظ بالمواكبة الإعلامية التي تليق بقدره وعطائه الأدبي والشعري. وبخصوص الباحث متفكر، أوضحت أنه من أساتذتي الأجلاء، الذين تتلمذت عليهم بسلك الثانوي التأهيلي، خلال بداية ثمانينيات القرن الماضي، وكانت لي فرص عدة لمواكبته إعلاميا، باللغتين العربية والفرنسية، في مجموعة من محطاته الفكرية والبحثية، بدءا بجريدة "لوبينيون" (الرأي)، الناطقة باللغة الفرنسية، سنة 1997، بمناسبة مساهمته القيمة في برنامج "ذاكرة المدن" للإعلامي الراحل عبد الحفيظ الرفاعي، ومرورا بمقالات ترصد وتعرف بمسار حياته وفكره بالنشرة الإخبارية للأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين مراكش- آسفي، ومجموعة من المنابر الإعلامية الدولية والوطنية، مع بداية العقد الثاني من القرن الحالي، وانتهاء بتقديم قراءة لعدد من إصداراته الرصينة حول ثلة من الوجوه البارزة، في ميدان العلم والشعر المغربيين، عبر أعمدة الصحافة الوطنية والدولية، خلال السنوات القليلة الماضية، داعيا إلى مأسسة المشروع البحثي لمتفكر، حتى يشمل المزيد من الوجوه الثقافية المغربية، التي يطالها النسيان،  وحتى نضمن له الاستمرارية والمزيد من التوهج والإشعاع.

وفي الختام، تناول الباحث متفكر الكلمة ليشكر منظم هذا الحفل، الذي له الفضل في إخراج هذا المؤلف إلى النور، وفاء لما قدمه المرحوم والده من خدمات جليلة، في مجال الشعر والأدب والحركة الوطنية المغربية، وكذا كل المتدخلين والحضور في هذا اللقاء، متمنيا عقد لقاءات أخرى، من هذا الصنف، فيما يستقدم من أيام.

***

عبد الرزاق  القاروني - المغرب

 

ندوة أدبيّة للكاتب ناجي ظاهر في مركز محمود درويش في الناصرة

أقام مركز محمود درويش الثقافي البلدي في الناصرة مساء الخميس 2023/6/8 ندوة تكريمية للأديب ناجي ظاهر احتفاءً بصدور كتابه الجديد «أجنحة الذّاكرة مجالس نصراوية منوّرة وشخصيات مؤثّرة»، بمشاركة د. رافع يحيى، الكاتبة حوا بطواش والباحث خالد عوض وبإدارة رنا أبو حنا. 

وافتتحت الندوة مركّزة البرامج الثقافية في مركز محمود درويش، عُريب زعبي، التي رحّبت بالحضور وأشادت بالكتاب المحتفى به قائلة إنّ أجنحة الذّاكرة تحليق فوق محطات لنبش الذّاكرة وتسليط الضوء على الماضي بهدف معرفة الحاضر وتسديد الخطى نحو المستقبل المنشود، في عمق الحنين إلى أيام مضت وفي ميلٍ متأصّل للمشاركة في الرّأي  والرؤية. كما أشادت بالكاتب ناجي ظاهر  قائلة إنّه أثرى نشاطه الأدبيّ بعطاءٍ لا يمكن تجاهله وفي جعبته المزيد. بحسّه المرهف وموهبته أخذ يغترف من أعماق روحه ووجدانه وينسج من نور الشمس خيوطًا ذهبيّة، فيحيكُ منها تارةً قصيدة وأخرى قصّة حزينة تنبع من أعماقها معاني الإنسانيّة.3337 ناجي ظاهر

ثم تولّت إدارة الندوة رنا أبو حنا التي تحدّثت عن الكاتب ناجي ظاهر، عن حبّه لمدينته الناصرة وتحدّثت عن الكتاب قائلة إن ناجي ظاهر يعرّفنا فيه على شخصيات مؤثّرة في حياته، دفعت به إلى الأمام وبقي يذكرها على الدّوام، وربما خلقت منه شخصًا أكثر نضجًا وإدراكا بأنّ الوطن عنده هو وطن ذكرياتٍ وأناس عظماء تخطّو حدود النمطيّة في حياتهم وحقّقوا النجاحات الكبيرة وهم موجودون في الماضي وفي صفحات التاريخ ووجدان من أحبّوهم، نسمع ونقرأ عنهم وقد لا نعرف الكثير منهم.

واستعرضت بعض المجالس التي يتحدّث عنها الكتاب وأكّدت على أهميّة الصالونات الثقافيّة التي تُعتبر من أفضل أنواع التغذية العقليّة في كل المجالات ولها تأثيرٌ علينا حيث أنّ القراءة هي التعامل الذّاتي مع ما نقرأ. وتحدّثت عن مجلس تذكاريات طه للأديب الراحل طه محمد علي الذي كان يستقطب كبار الكتاب والأدباء في البلاد وذكرت أن الشاعر الكبير محمود درويش في زيارته التاريخية للناصرة عام 2008 أبى إلا أن يزور تذكاريات طه تأكيدًا على أهميّة هذا المجلس الأدبيّ واحترامًا وتبجيلًا للأديب الكبير طه محمد علي.

ثم تحدّث د. رافع يحيى في مداخلته عن بعض المجالس النصراوية التي ذكرها الكاتب في كتابه، مثل: مجلس السّيدة قادرية، مجلس طه محمد علي، مجلس جمال قعوار، مجلس المطعم الشّعبيّ، وقال إن لمجلس محمود أبو رجب في صحيفة الأخبار أثرٌ في قلب الكاتب ناجي ظاهر ويشرح في كتابه كيف شكّل مكتب الأخبار مجلسًا يوميًّا لكلّ زائر وينقل لنا وقائع لنقاشات بين أدباء مختلفي الميول والمشارب.

كما تحدّث عن تميّز الكتاب بذاكرة خصبة ارتأى الكاتب أن ينشرها كمذكّرات شخصيّة رقيقة وعميقة وأنّه أحبّ الصّدق الذي في الكتاب. وأضاف: إن ناجي ظاهر يقدّم لنا صورةً حضاريّة خصبة عن الناصرة وهي سجل اجتماعي ثقافيّ، سياسيّ لكثير من المشاهد الثقافيّة في بلادنا، فكلّ مجلس وكلّ شخصيّة عالم قائم بحدّ ذاته وللأسف سيطرت وسائل التّواصل على حياتنا، وتكاد بلادنا تفتقر لهذه المجالس الثريّة والغزيرة بالعطاء وحبّ الوطن والثّقافة. وفي النّهاية تساءل: هل ما زالت الناصرة هي الناصرة؟!3338 ناجي ظاهر

ثم قدّمت الكاتبة حوا بطواش مداخلة عن لحظات الانكشاف والاكتشاف التي عاشها الكاتب ناجي ظاهر في تلك المجالس والصالونات الأدبية التي شهد فيها مناقشاتٍ وحواراتٍ عميقةً في القضايا الأدبيّة والثقافية كلّ القضايا المُلحّة في المجتمع، حيث أحدثت عصفًا فكريًّا واحتكاكًا لا بدّ منه لإشعال موقد الكتابة والإبداع. وتساءلت: لماذا نعود إلى الماضي؟ هل هو الحنين إلى الماضي؟ وهل من المهمّ أن نعود إلى الماضي؟ وقالت إن الكاتب ناجي ظاهر يعود في كتابه هذا إلى الماضي بهدف فهم الحاضر وتسديد الخطى نحو المستقبل المنشود ويرى أنّ التّجربة هي ما يبقى بعد مضيّ الأزمان وأنّ عمقها هو ما يشفع لها في الإطلال بقوة على الحاضر من سماء الماضي. واعتبرت إن الطريقة التي اتّبعها ناجي ظاهر في كتابه هذا هي كتابة من إدراك النهاية، أي من إدراك تحوّل ذلك الصّبيّ الذي تحدّث عنه ناجي ظاهر في المجلس الأول، مجلس السيّدة قادرية، إلى كاتب. هذه كتابة لا تنشغل برصد اهتزازات الواقع نفسها، انما تلك التي ترصد من الواقع لحظات الاكتشاف والإدراك، التعرّف والاختيار.

ثمّ قدّم الباحث خالد عوض مداخلة عن المجالس النصراوية ونوستالجيا الزّمكانية، وتحدّث عن المجلس الأول في الكتاب للسيدة قادرية، وقال إن في اعتقاده أن ناجي ظاهر اكتسب فيه المضامين الأولى لكتابة القصّة، حيث فتحت له خزّانة الأدب والفن وأرشدته إلى «ما في الحياة من ثراء قصصيّ»، وفيه فُتح أمام الكاتب صاحب الحسّ المرهف البابُ على مصراعيه ليحلّق بعيدًا في عالم الكتابة والأدب. وقال إنّ مجالسه الأخرى كثيرة ومتنوّعة ومرتبطة بأسماء وشخصيّات نصراويّة غادرت الحياة الدنيا في غالبيتها، لكنّها لم تغادر مخيّلة كاتبنا ولم تغادر رونق حياته الشخصيّة، جعلته يعيش في حالة من الحنين المستمر، وهي حالة مرتبطة بنوستالجيا الزّمان والمكان. وقال إنّه مهما تحدّثنا عن كتاب «أجنحة الذّاكرة» وحاولنا سبر أغواره ومجالسه المتنوّعة والذكريات لشخصيات مؤثرة كانت قد مرّت في حياة الكاتب، إلا أن الذكريات تبقى كالطيور، ذلك أن الفكر والإبداع والشخصيات الأدبية والفكرية كأجنحة الطّيور التي تحلّق في سماء لا تموت مع موت أصحابها وانما تسبح وتطير في الفضاء الواسع.

بعد ذلك أجرت رنا أبو حنا حوارًا قصيرًا مع الكاتب تحدّث فيه عن ملابسات تأليفه للكتاب وعن هدفه الواسع من تأليفه له، منوّهًا إلى ميله الفطريّ لمشاركة الآخرين بما يحسّ ويشعر به ويعيشه من التجارب. كما تحدّث ضمن إجاباته عن شخصيّاتٍ كان لها أثرٌ عظيمٌ في حياته، مثل: جمال قعوار، فوزي عبد الله، محمود غنايم وحسين فاعو الساعدي... وألمح إلى إمكانيّة اعتبار الكتاب استمرارًا لكتاب سابق صدر له قبل سنوات حمل عنوان «حياض غثيم». وشكر كل من شارك في الأمسية، سواءً بالتّحدّث أو بالحضور والإصغاء.

وفي الختام بارك الحضور للكاتب ناجي ظاهر على كتابه الجديد والتُقطت الصّور التذكارية معه.

فألف مبروك للكاتب ناجي ظاهر على هذا الإصدار الجديد وإلى المزيد من التقدّم والتألّق في سماء الأدب.

***

بقلم: حوا بطواش

إحتضن مسرح مركز الفنون الأرثوذوكسية بغداد/ حي الكرادة الحفل الأول لخريجي الدفعة الأولى من بيت العود/ بغداد لهذهِ السنة بإشراف الموسيقار سفير اليونسكو للسلام (نصير شمه) وبالتعاون مع الفنان بسمان عتيشا يوم الجمعة المصادف 26/5/2023 وقد إفتتح الحفل الفنان آندي خالد أحد تلاميذ الفنان عتيشا الحفل بالموسيقى الكلاسيكية حيث عزف مقطوعتين الأولى موسيقى رومانس من التراث الكلاسيكي وهي مجهولة المؤلف رغم إنتشارها الكبير بين الناس والمقطوعة الثانية هي مقطوعة روما لمؤلفها بوتينتي أميگو وقد شاركه عزف المقطوعة الثانية عازف العود الفنان كرم ثامر وعازفي الآلات الإيقاعية محمد عمار على آلة الرق والفنان خليل درامز على آلة الكاخون.

بعدها قدّم الأساتيذ الفنانين خريجي بيت العود المتألقين (كرم ثامر ، رحمن الماجد ورعد رياض) مع أستاذهم المباشر الفنان محمد العطار مدير بيت العود العربي في بغداد برنامجهم الموسيقي بعد كلمة تعريفية مختصرة من الفنان بسمان عتيشا عن بيت العود وقد قدموا ضمن منهاجهم للأمسية الموسيقية مقطوعة گارسيا لوركا للدكتور نصير شمه.3264 مسرح بغداد

عزفوا أغنية أول مرة تحب يا قلبي للعندليب الراحل عبدالحليم حافظ. بعدها سولو بعيد عنك للفنان كرم ثامر وهي على مقام البيات ومن ثَـمَّ إستقبلوا أصغر عازف في بيت العود الموهوب جداً محمد دريد ذي الـ (10-11) عاماً والذي عزف مقطوعة رقصة الفرس للموسيقار نصير شمه وهي مقطوعة مصنّـفة من أصعب القطع كمؤلَّـف موسيقي استطاع الطفل محمد بحرصه وإجتهاده أنْ يقدمها بصورة رائعة.

كما وعزفوا أغنيتي غني لي شوية شوي والف ليلة وليلة لكوكب الشرق السيدة أم كلثوم كقطعة واحدة بتعشيق موسيقي مدروس. ومقطوعة الطريق إلى شقلاوة و شكت للموسيقار نصير شمه بمشاركة الفنان بسمان عتيشا- على آلة الگيتار.

بعدها وخارج المنهج أيضاً قدم الفنان رحمن الماجد مقطوعة حب العصافير للفنان نصير شمة كذلك والتي حسب ما وصفها العطار بأنها من أصعب القطع الموسيقية وحتى تدوينها في النوتة صعب جداً، كما أضاف الأستاذ بسمان بأنَّ الفنان نصير شمه قد دون هذهِ المقطوعة بعد رؤيته للعصافير تلعب وتلاحق بعضها البعض مما أوحى له بترجمة ذلك إلى عمل موسيقي مما يدعو المستمع أو المُـتلقي إلى سماع الموسيقى أبعد من الأذن متغلغلةً إلى الروح.3265 مسرح بغداد

كما قدم الفنان رعد رياض خارج المنهج أيضاً عزف قدود حلبية على العود من بلاد الشام متضمناً عزف أغنيتي يا مال الشام وآه يا حلو للفنان الكبير صباح فخري، وقد أشار العطار أن خريجي بيت العود في بغداد هم إمتداد للمدرسة العراقية الحديثة للعود التي أسسها الشريف محي الدين حيدر وتلاميذه جميل بشير، سلمان شكر، غانم حداد، منير بشير وسالم عبدالكريم.

وقبل ختام الحفل قدم الفنان بسمان عتيشا برفقة تلميذه آندي خالد ثلاث قطع متداخلة عن طريق عمل مكس: القطعة الأولى أوستوريوس والقطعة الثانية كونشيرتو آرانخوير لخواكين رودريغو المعروفة خطأً بكونشيرتو مونامور والتي ألفها رودريغو هدية لزوجته المتوفاة والعمل الثالث إنتر دوس زاگوس للموسيقار پاكو دي لوسيا وزاگوس معناه بينَ شيئين ويعني كسر خط التلاشي الذي يربط بداية البحر المتوسط.

ثم أُختُـمم الحفل الموسيقي بعزف مقطوعة إشراق للموسيقار نصير شمه عزف مشترك بين عازفي بيت العود وبسمان وآندي مع عزف تقاسيم كرد للفنان كرم ثامر.

وقد إختتم نهاية الحفل التي الأب يونان ألفريد بكلمته التي إبتدأت بالثناء على جهود العازفين جميعاً لما قدموه من موسيقى أمتعت الحضور الذينَ شكرهم بدوره كونهم مساندين وداعمين من خلال حضورهم للأمسيات المقامة في مركز الفنون الأرثوذكسي وأضافَ أنَّ أحد طرق مقاومة ظروف الحياة هو وجود شباب من أمثال العازفين البارعين الذينَ أحيوا الحفل كما أكد الأب ألفريد على وجود المزيد من الفعاليات والأنشطة الفنية والثقافية القادمة، وأضاف الفنان عتيشا أنَّ الأب ألفريد هو صاحب فكرة إنشاء مركز الفنون الأرثوذكسي في كنيسة الروم الأرثوذكس ليكون منبراً ثقافياً يحتضن العديد من الفعاليات الثقافية والفنية والندوات في مختلف المجالات والإختصاصات.

ومما تجدر الإشارة إليه أنَّ خريجي بيت العود الثلاث قد تخرجوا أساتيذ على آلة العود بدرجة صوليست في العاشر من الشهر الجاري بعدَ أنْ إجتازوا إختبار اللجنة المشرفة في قاعة الرباط بحضور نخبة من الفنانيين والموسيقيين.

***

هبة الزبيدي - بغداد

(بورك من جمع بين همة الشباب وحكمة الشيوخ) طه حُسين

مِنْ حَافظةِ الذاكرةِ المُتوقِّدةِ المُتوهِّجة وَبصوتٍ وَاثقٍ خَفيضٍ يَستلُّ سَيلَ كلماته المُتَّزنة، وَهو يَروِي للحضورِ الذِي حَضَرَ لقاعةِ الأمسيَّةِ، كانَ حديثهُ المُسترسِل السَّلِس بالضَّبطِ متطابقٍ كما جاء في وصفِ الإعلان التعريفي بالأمسية (لقاء مع البرفسور د. يوسف سلامة في حوارٍ من القلبِ، حديث وجداني عَنْ الإنسان الداخلي وبعض من ذاكرة وحنين وحكايا نسمعها أول مرة)

بكلماتٍ شَفيفةٍ رَقيقةٍ رَشِيقةٍ رَحبتْ، مديرة أدارة الجلسة وَالحوار الأستاذة (ندى العلي) بالحضور الكريم وبالمحتفى به البرفسور الدكتور (يُوسف سَلامة) معلنة عن بدأ الأمسية ومحاورها، معرفة بالضيف المحتفى به: كاتب فلسطيني/ سوري / أستاذ الفلسفة الغربية المعاصرة في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة دمشق من عام (1998 حتى 2011). رئيس تحرير مجلة (قلمون)المحكمة، له عدد كبير من الدراسات والبحوث والمؤلفات والمحاضرات المنشورة.

ثم تم عرض فيلم وثائقي عن حياته، تخللته شهادات حية لبعض من طلابه به وبأسلوبه في طريقة التدريس، وأخر محطات حياته حيث يحط فيه الرحال والترحال لاجئ في (مملكة السويد) مقيم في (مدينة مالمو) مع زوجته الكاتبة والناشطة الست (وفاء أحمد سليمان) وعائلته.

بودٍ طلبَ منها الدكتور (يُوسف سَلامة) الحديث للتوضيح أن حديثه هذه الأمسية سيكون بعيداً عن الفلسفة ومحاضراتها، سيكون حديثاً أخوياً عفوياً عَنْ بعضٍ مِنْ مَراحلِ حياته.

كانَ السؤالُ الأول الذي طلبت مديرة الجلسة الست (ندى العلي) أن يحدثنا عنه ضيف الأمسية، الولادة والنشأة ...3262 يوسف سلامة

من مواليد (فلسطين / قرية أم الزينات/حيفا/ التي تقع على سفح جبل الكرمل) بعمر حوالي (3) سنوات بدأت رحلة حياته مع عائلته في مخيمات للاجئين في سوريا.... حدثنا بألمٍ وأسى عَنْ حياةِ المخيماتِ معرفاً اياهُ (المُخيمُ لا وجود) وَ (المُخيمُ بؤس عظيم) أو واصفاً المُخيم كما يقولُ المفكر الأستاذ (إدورد سعيد 1935- ت 2003م): (جرحٌ فِي القلبِ، جرحٌ فِي الذاكرةِ).

ثمَ استطرد يحدثنا بألمٍ من لغةِ الذاكرة البعيدة: (لَمْ أذهبْ مع الأولاد الذين بعمري للمدرسة عندما كبرت وأصبحت بعمر المدرسة، كنت أشعر بالعذاب والألم جميع الأطفال في المدرسة وأنا قعيد الدار أعمى) ...حدثنا كيف كان يلعب أحياناً مع الأطفال الذين بعمره بالشارع.

وفي البيت كنت استيقظ مع (والدي) مبكراً من الصباح وأسمعه وهو يقرأ (القرآن) وكذلك أسمعه عند عودته من العمل وهو يقرأ (القرآن)في المساء من خلال هذه الفترة حفظت أجزاء كبيرة من (القرآن)...

عندما أدخلوا طريقة (برايل) لتعليم المكفوفين في سوريا، دخلت مدرسة المكفوفين للتعلم وأنا بعمر حوالي (14/15) عاماً... خلال فترة قصيرة جداً تعلمت؛ خلال سنتين أكملت الصف (التاسع) وأدركت زملائي والتحقت بالثانوية!

  أخذت البكلوريا بشكل نظامي، (أمي) كانت تشجعني وتدعمني على إتمام دراستي الجامعية، فيما كان أبي يفضل أن أصبح (شيخاً) أو أذهب للتعلم بالأزهر، سمعت كلام (أمي) وتشجيعها!

وسألته مرة أخرى الست (ندى العلي) عن المرحلة الأخرى من مراحل حياته الدراسة الجامعية، فحدثنا عن كثيرٍ من المواقفِ والمحطات فيها ... ومنها:

(بليتُ بلاءً حسناً في الجامعةِ وحصلتُ عَلَى المرتبةِ الأولى ... وحصلتُ عَلَى بعثةٍ دراسيةٍ للدكتوراه!

حَدثنا عن طريقةِ تعلمه في الجامعة والصعوبات الكبيرة والكثيرة التي كانتْ تقفُ امامه، لكن صبره وطموحه وإيجابية تفكيره ابتكر لنفسه عدة طرق ليتعلم.

كان خيار الدراسة العليا أما الموسيقى أو الفلسفة.

(أبليتُ بلاءً حسناً في دراسةِ الموسيقى... دَرستُ ما استطعت عن الموسيقى، درستُ الموسيقى الشرقية والغربية، وأطلعت على تاريخ الموسيقى، فحصلت في (السبعينات) على منحة دراسية لدراسة الفلسفة في (القاهرة / جمهورية مصر العربية) فتركت الموسيقى وذهبت لدراسة الفلسفة، والتي تتطلب ضمن دراستها دراسة اللغات الأجنبية فدرستُ اللغة الفرنسية والإنكليزية والألمانية ...)

خلالَ حديثه الشيق والمتميز، سَرحتُ محلقاً بعيداً جداً رحتُ أقارن بين هذا الرجل الوقور الجالس أمامنا وهو يحدثنا عن تجربته الفريدة المثيرة.

طفلٌ صَغيرٌ مُهجرٌ نازحٌ معَ عائلتهِ مِنْ قرية (أم الزينات) الفلسطينية لتتلقفهُ أهوال العيش في المخيماتِ وَمعها تصيبهُ مصيبةٌ (آفة العمى).

كنتُ أصغي بكلِ جوارحي لحديثه لكنْ معها كانتْ صورة الكبير عميد الأدب العربي (طه حسين 1889- ت1973م) ترافقني، وسيرته في كتابه الشهير (الأيام) وموسوعته الأدبية الكبيرة (حديث الأربعاء) ورحلاته وجولاته في الحديث وطلب العلم، ومعها صور الشاعر الجهبذ المفكر الفيلسوف الزاهد (أبي العَلاء المَعري 973- ت1057م) (رهين المَحبسين) فهو أيضاً فقد بصره وهو طفل صغير بعمر (4) سنوات عَلَى أثر أصابته بمرضِ(الجدري) وكذلك لهُ الكثير من الجولاتِ والرحلاتِ في بقاعِ الأرضِ لطلبِ المعرفةِ وِالعلم؛ (أبو العلاء المعري) الذي أحبِ بلده (الشام) وكلما بَعِدَ عنها يشتاقُ ويحن لها ففي كل رحلاته لمْ يطلْ البعاد عن (معرَّة النُعمان) التي ولدَ وماتَ فيها.

وها هو يتحدثُ أمامي بثقةٍ الدكتور (يُوسُف سَلامة) عن الأملِ والعملِ وعن الفلسفة ومدارسها وهو في ديار الغربة مختاراً أقصى شمال أوربا (السويد) موطناً جديداً له كلاجئ ...

إنَّهُ بِحقّ إنسانٍ مُكافِحٍ عَنيد، لَمْ يَفقدْ الأمَل؛ وَآفةُ العَمَى تَنالُ مِنهُ وَهُوَ طَفلٌ صَغير، فِي مُخَيَّمٍ بائسٍ للاجئِين...

وَعَنْ مرحلةِ التدريس في الكليةِ وهو أستاذاً للفلسفةِ المعاصرة في جامعةِ دمشق... قال كنتُ أُومن بطريقةِ(الحوار) مع طلبتي وَليس بطريقةِ المحاضرة المسترسلة...

وتحدثَ عن الحرية والديمقراطية... وأهمية الحوار، واحترام الأخر، والإقناع بالحجة، فهنالك احتمالات كثيرة مفتوحة للحقائق...

وَفِيما يَخصُ المَعرفةَ فقالَ عَنها إنها مَفتُوحة إلى ما لانِهاية ...

قَبلَ نهاية اللِقاء، السِتُّ (نَدى) مُديرة الجلسة تُفجر للحضور مفاجئة جميلة معلنة أنَّ ضَيفنا يُجيد الغناء وَيحِب أغاني الفَنان المُطرب (مُحمد عَبدِ الوَهاب) وبصحةِ عازفِ العودِ القادمِ من الدنمارك الموسيقار (محمد عبد الوهاب) أشنف أذاننا بصوتٍ شجيٍ عذب ببعضِ المقاطع من أغاني الفَنان (مُحمد عَبدِ الوَهاب).

وَقد أخبرنا د. (سَلامة) بسعادته أنه أتيحتْ إليه فرصة وهو في (السويد) بهذا العمر بزيارة البلدة التي ولد فيها (أم الزينات/ حيفا) وحقق الزيارة وهي المرة الأولى له يزورها منذ غادرها قبل أكثر من (70) سنة.

في نهاية اللقاء كانتْ هنالك فقرة لبعض الأسئلة والاستفسار من الحضور للضيف المحتفى به (يُوسُف سَلامة) أجابِ عليها جميعاً بروح شفافة.

فيما كانَ مسكُ الختام فقرة جميلة (شعرية طربية) قدمها الشاعر المتألق صاحب الصوت الشجي الصديق العزيز (خضير كريم الرميثي) يصاحبه العزف على آلة العود الموسيقار (مُحمد عَبدِ الوَهاب) فقرأ العديد من القصائدِ الغزليةِ وغناها بذاتِ الوقت، أستمتعنا بها ... والتي نالتْ أستحسان وحرارة تصفيق الحضور.

في الختامِ كانتْ هنالك فسحة للحديث بين الحضور وتناول القهوة والمعجنات، والتقاط بعض الصور للذكرى.

كانتْ سَاعدتي كبيرة جداً بهذهِ الأمسيةِ الثقافية الفنية المتميزة والتي دعوتُ إليها من جمعية (إيد بإيد) في مالمو، فشكراً لها.

***

يَحيَى غَازِي الأَمِيرِيِّ

مالمو / السويد

الجمعة 2023.05.26

بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للشّعر الذي نطمته جمعية اِبن عرفة التونسية يوم الثلاثاء 21 مارس 2023

الشاعر المختار المختاري الزاراتي3022 المختاري الزاراتي

هو ثالث الثلاثة من الذين لفحتهم شمس الجنوب في عنفان العطاء هو. لا تكاد تراه جالسا إلا لينهض نشيطا من جديد لأنه حريص على نجاح اللقاءات الأدبية التي يشرف عليها في جمعية مراجعات وقد أضجت من أنشط الجمعيات الثقافية في تونس. هو ثالث شعراء ثلاثة كلهم إليها ينتسبون وينتمون إليها في عزة وإباء، ألا وهي الزارات، واحة تمتدّ على ساحل خليج قابس مُتسربلةً في اللون الأخضر ومتوشّحةً هدوءً وسلامًا أزرق البحر، هو ثالث ثلاثة:

أولهم الشاعر أحمد اللغماني وهو من فحول الشعراء التونسيين

ثانيهم الشاعر مختار اللغماني وهو من أبرز الشعراء الطلائعيين

والثالث صاحبنا هذا ـ الزاراتي مختار المختاري

صاحب هذه القصيدة التي تعبّر عن الحيرة الوجودية التي ما اِنفكت تلازم الإنسان الأول في عهود ما قبل فجر التاريخ إلى اليوم وقد عبّر الأدب التونسي القديم منذ اِعترافات القديس أوغسطين عن تلك الأسئلة حول الحياة والموت ناهيك عن تساؤلات أبي العلاء المعري في قصائد لزومياته وحيرة الغزالي في كتابه المنقذ من الضلال وهاهي قصيدة الزاراتي مختار تواصل حمل تلك الإرهاصات الإنسانية في شفافية البوح وقد أرخى الليل سُدوله ليبيّن تأرجحه بين الإيمان الوثوقي المطمئن وبين الحيرة الحارقة التي لا تهدأ ولا تستكين حتى كأني به يصل بعد هذه الحيرة إلى تخوم القول بوحدة الوجود في إيحاءات صوفية مشرقة بيّنت له الخيط الأبيض من الخيط الأسود.. قصيد تجديدي في معاني الوجود..

شيء من شيء ما

هذا الهدوء يخفي وجها ما

والليل نرجسيّ يحتمل التأويل

خارج السيطرة..

هذا الهدوء يسكن قاعا الأصناف

وأنا ما عدت أرتّب كلماتي

بما يصرف عنّي عقاب الصمت..

يا نرجسة اللّيل

يا منسيّة في خرافة تخفيها الذاكرة

عن تصابي الأجداد

يا حبّا يقف خارج مناطق الحياد

هذا الهدوء يسجن ما تبقى منّيا

في أصفاد الشوارع المكبوتة

بما يجب

وما لا يجب

من التعايش في هذي البلاد

وها أسقي التراب شذاك

واختم مشيئة الذهاب بغرس العناد

في أسطر يزرورق بحرها بحبر الليل

وخبر السواد..

و هذا الهدوء يخفي وجها ما

والليل نرجسيّ يحتمل التأويل

خارج السيطرة..

والهدوء استسلاما للغائب

في رقصة العبّاد..

أأكون ناسكا في الحبّ

أم من سلالة الزهّاد؟

أم أنني تركت جثتي مقبورة في صحراء

أولها كآخرها

موت وتشرّد وضياع وانقياد

لمطلق في مطلقه يرسم عدميّة الوجود

وانعدام الذات المرتلة في أوراد

ها أنا أعيش الليل وحدي

وأقبل على روحي برحابة روحي

لأثبت لي أنني عصيّ على التعداد

وأنني مفرد جامع

وأنني جمع زمن الآحاد..

وأنّك أضعت فرصة أخيرة

لتكوني خارج منطقة المزاد

لأنّ هذا الهدوء يخفي وجها ما

والليل نرجسيّ يحتمل التأويل

خارج السيطرة

وهذا الهدوء يسكن قاع الأصناف

وأنا ما عدت أرتّب كلماتي

بما يصرف عنّي عقاب الصّمت

واحتمال اختزال الحبّ

في تهمة الإلحاد

***

الشاعرة سليمى السرايري3023 سليمى السرايري

أسمّيها ـ الفراشة التونسية ـ لأنها عاشقة الألوان فمن أحمر وأخضر إلى أصفر وأزرق تتوشح بها من الرأس إلى القدم بل من حقيبة يدها إلى قبعتها إلى حذائها أيضا وكل ذلك في انسجام وتناسق فتخالها وهي قادمة كأنها فراشة تحلق في الفضاء..

تلك هي سليمة السرايري ذات المواهب المتعددة فهي شاعرة وكاتبة ورسامة ونحاتة وإذاعية ولها في التزويق والتحف وحتى في ابتكارات موضة الأزياء لمسات رائعة وقد ساعدها على في ذلك نهلها من تراث الأمازيغ في الجنوب التونسي فأخذت منه نصاعة الألوان المشرقة والهندسات والرموز وجعلتها ميزة واضحة في إبداعاته التشكيلية خاصة مما أكسبها التفرد في هذا المجال الفني.

أما شعر سليمى السرايري فهو تعبير عن وجدانها الكاشف عن شجونها وأحلامها وقد اتخذت الرموز والصور قناعا فأضحت بوحا يكاد يكون تصريحا بما فيه من توهج وصدق المعاناة فقصائدها أنات حينا وصرخات أحيانا واختلاجات ورغبات وأحلام وإرهاصات كامنة تتراوح بين القلق والشبق تنساق في لغة صافية رقراقة.. وأنت حين تسمعها وهي تنشد شعرها بصوتها الحالم تجعلك ترفل أو ترفرف في فضاء جنتك الضائعة

وكيف أنسى ـ صالون السّرايا ـ وهو ملتقى الشعراء والأدباء والمبدعين على اِختلاف مجالاتهم وبلدانهم وهو الفضاء الثقافي الذي تديره سليمى السرايري بمهجة ومتعة وتنفق عليه بكرم وترعاه بحدب وعناية فيلقى فيه روّاده الترحيب والتكريم بحيث صار ـ صالون السّراياـ أحد العلامات الثقافية في تونس العاصمة فتحية تقدير لهذه الشاعرة والفنانة التي أرجو أن تجد الدّعم والتشجيع لتواصل مسيرتها الإبداعية

القصيدة

كم أتمنّـى أن تختفي من المرآة

مِنْ جديدٍ أَرْتَطِمُ بِهذَا الأرَقِ

أَتَمَسَّكُ كَيْ لا أَهْوِيَ كَطَائِرٍ فاقِدِ الوَعْيِ

أو كطائرةٍ ورقيّةٍ تحطَّمَتْ أَجْنِحَتُها

مِثْلَ أيِّ وقتٍ مُنْهَكٍ

أسْتَرِقُ السَّمْعَ لِوَشْوَشَةِ جَارِنَا المُتَصَابِي

في تِلْكَ الغُرْفَةِ الواقِفَةِ على سَطْحِ العمارةِ

وهْوَ يُمارِسُ حَقَّهُ في العِشْقِ الحرامِ.

مِنْ جَدِيدٍ أَحْتَضِنُ صَمْتِي

أُقَبِّلُ وَجْهِي في المِرآةِ

يُرَاوِدُنِي طَيْفُكَ

كُلَّما أطَلّتِ الشَّهْوَةُ مِنْ عيْنَيْكَ

وَأَطْلَقَتْ صَفَّاراتِ جُنُونِها

أُدْرِكُ جَيِّدًا حينها

انًّكَ لن تتوقّفَ في فاصِلٍ ولا نُقْطَةٍ

عُبُورُكَ يَسْحَبُني للغَرَقِ

إلى شَغَفِ الإحْتِرَاقِ

كَأنَّناَ نَعْصِرُ عِنَبَا

نَرْتَشِفُ كُؤُوسَها بِبُطءٍ لذيذٍ

ونحنُ نُلَملِمُ ما وَقَعَ مِنّا مِنْ تَنْهيداتٍ..

أُدْرِكُ أنّي بِجانِبِ شُرُودِي

أتَمَعَّنُ في وجهي المتورّدِ

بينما تَنْهمِرُ القُبُلاتُ مِنَ المرآةِ

وَجْهِي الَّذِي يُشْبِهُ هذا السُّكُونَ

وتلك العُزْلَةَ الّتي تَمُدُّ ألْسِنَتَها

كلّما اشْتاقَني جُنوني

وانكَمَشَتْ أُنُوثَتي

كصبيَّةٍ مُنْكَسَرَةٍ في وحدتِها..

كَشُرْفَةٍ وحيدةٍ دون حِيطَان

سألتُني

وأنا أتسمّعُ إلى جارِنا النّحيلِ

وقد برَزَتْ عِظامُه ُمن تحتِ القَميصِ

(من أين يأتي بالفصاحةِ كُلِّها)

أُلامِسُ جَسَدِي الصّارخَ بالأُنوثةِ

أَلْمَحُ طَيْفكَ في هواجِسِي

عَبْرَ المرآةِ

يَتَحَوَّلُ فَجْأَةً إلى طائرةٍ ورقيّةٍ

عبثاً أُحَاوِلُ أنْ أُمْسِكَ الخَيْطَ الوحيدَ

الّذي يَشُدُّنِي إليكَ..

أنْزَلِقُ داخِلَ ارتِعاشاتي

الغرفةُ تَطِيرُ خَلْفَكَ

التفاصيلُ الصّغيرةُ تطيرُ أيضا..

الولاّعةُ الذّهَبيّةُ الّتي نسِيتَها

وربطةُ العُنُقِ المنقّطَةُ الّتي أحبُّها

الأشياء التي اقترفناها،

أعلنت كسرَ قوانينِ القبيلةِ

وطارتْ كَسرْبِ العصافيرِ.

لكنّك كنتَ بعيداً

بعيدا جدّا

تحاورُ حورياتِ السَّواقِي

وهُنَّ يُهَرْوِلْنَ تحت أَشْجارِ التُّوتِ.

دونك انا ألثُمُ الغيابَ الكَالحَ والسّرابَ..

مجرّدٌ هذا الهُراءُ المثقوبُ

من الرَّقصِ والنِّثارِ..

ولحظةُ اغرائي مسكونةٌ بقسوةِ الفقدِ

ووحشةِ الفراغِ

ماذا أنا بعدك؟

كتلةُ أشواقٍ في غُرْفةٍ خاويةٍ؟

وِسادةٌ صارخةٌ بلذّةِ سياطِ البُعدِ

تُذرِفُ دُموعَها في المسافةِ الفاصلةِ؟

مواكبُ الفوضى التي أقمتَها بداخلي

تصدّ عنك صهيلَ الرِّياحِ..

قوافلُ توسّلاتي،.. تصرخ:

رجاء لا ترحل..

والآنَ،

الآنَ فقط، كم أشتهي غِيابَك..

لم أعُدْ أنتظرك على ضفافِ شَهْوَتي

لقد أغلقتُ ميناءَ الوصولِ إليَّ

وأطلقتُ زوابعَ أمواجي الجارحةِ..

الرِّيحُ عاتيةٌ هذا المساءَ

السَّاعةُ الكبيرةُ توقَّفت دقّاتُ نواقيسِها..

فساتيني الشّفّافةُ تمرّدَت

أخرجت أكمامَها من الخزانةِ

كأنّها تُلوّحُ لِهذياني..

هي، وأناَ،

انتظرناك طويلا.. طويلا..

انفرَطْنا كعِقْدٍ

وتَدَحْرجْنَا كحبّاتِ خِرَزٍ

كم أتمنّى أن لا تأتِيَ هذه الليلةَ!!!

وكم أتمنّى أن يَختفيَ طيفُكَ منَ المِرْآةِ!!!

***

الشاعر الحبيب المبروك الزيطاني3024 الحبيب المبروك الزيطاني

على البحر البسيط وردت قصيدة الشاعر الحبيب المبروك ليتغنى بتونس مستهلا قصيدته بالفخر في امتلاك ناصية الشعر وذلك جريا على سنة العرب القدامى وكذلك على عادة شعراء اللهجة التونسية في الإعتداد بأنفسهم ولكن صديقنا الشاعر أضاف إلى فخره بنفسه الفخر بشعراء تونس فذكر مثلا الشابي والميداني بن صالح ونور الدين صمود مشيرا إلى خصائص كل منهما في إشارة بليغة لطيفة.

إن قصيدة الحبيب المبروك لئن وردت على نمط الإيقاع العروضي التقليدي إلا أنها نحت منحى التجديد في معاني التغني بالوطن عند استعراضها شواهد من أيقونات الشعر التونسي المعاصر وفي هذا دعوة إلى الاعتزاز برصيدنا الأدبي التونسي ضد كل محاولات التهميش والاستنقاص من مساهمة التونسيين في مختلف العصور وتتالي الأجيال في إثراء الأدب العربي والحضارة الإنسانية

القصيدة

تونس الشِّعر والأدب

يا تونسَ الشِّعرِ كم أمتعتنا ادبَا

واحاتِ نخلٍ وعِذقٍ أغدق الرُّطَبَا

إني مَدحتُ وما أنصفتُ مَن تَركوا

مِن شِعرِهم ما تحدَّى العُجمَ والعَرَبَا

فالحِبرُ يُدفَقُ والأقلامُ نابضة

كالبحر يَدفَع بالأمواجِ ما تعبَا

أمواجَ ابداعِكِ المرموقِ مَلحَمَة

تَعلو وترسُو فتُلقي الدرَّ والذَّهبَا

و الكُلُّ مُنْبهرٌ مِن حُسن ما نقشتْ

أيدي الفطاحِلِ مِن أشعارهم عَجَبَا

يا ويح قلبي كَمِ الأبيات تُثملني

كالكأس تُسكِرُ مَن قد ذاق أو شَرِبَا

تُتلى فتُفحِمُ مَن يَرجو يَعارِضُهَا

مَن ذا يُعارض هَطلَ الغَيثِ إن سَكَبَا

مهما يُحاولُ لا يَرقي لقمٌَتهِ

فالأصلُ يفحِمُ مَن في القعر قد رَسَبَ

ياموطِنا مَلَك التَّعبيرَ مِن قِدمٍ

مِنهُ المحابرُ قد غاضَتْ بما كَتَبَ

بلقاسِمُ العَلمُ المشهورُ يُرسِلُها

مِن شِعرهِ مُثُل تَستلهِمُ النُّخبَا

بن صالحُ ودواينٌ له نُشِرتْ

قد خلَّدت باسمهِ التّاريخ والحِقبَ

وجعفرُ الماجِدُ الرَّاقي ببَصمَتِهِ

ما زال مَنبعهُ الرَّقراقُ ما نَضَبَا

صمَّودُ بسَّط ما جاء الخليلُ بهِ

في عِلمه لخَّص الأوزان واقتضَبَ

وغيرُهم مِن ذوي الأقلام سامِقة

مَن ارسلوا الحرفَ في الٱفاق فانتَصَبَا

هم في الأعالي وما التَّكريم أنصَفهم

و الغيرُ يَكْرم مهما احتال أو لعِبَ

و رائدُ القول لا يُلقى لقولَته

ألا الفُتاتَ وإن زادوا فكم لقبَا

غَضبى حُروفي فما بالظُّلم قد رضِيَتْ

على الذي زيَّفَ الألقاب والرَّتُبَا

لكنَّني رَغمَ هذا الضَّيم مُلتمِسٌ

مَستقبلا فاضلا نَجلو به الحُجُبَا

***

الشاعر عمار النميري3025 عمار النميري

الشاعر عمار النميري كاتب صحفي أيضا ولعل مسيرته الإعلامية كانت على حساب موهبته الشعرية التي كانت تتجلّى من حين إلى آخر في بعض المناسبات ويبدو أنها تغلّبت على قلمه الصحفي لكنه في السنوات الأخيرة قد ـ عاد الدرّ إلى معدنه ـ كما يقول المثل وما هذه القصيدة الملحمة التي ننشر منها ثلاثة مقاطع إلا فيض من غيض من قادم منشوراته فالشاعر عمار النميري يُعتبر من شعراء التسعينيات في تونس أولئك الشعراء الذين تميّزوا باِطلاعهم الواسع على التجارب السابقة في الشعر التونسي فاستفادوا من إنجازاته الفنية وفتحوا ل لهم آفاقا جديدة باِطلاعهم على التراث العربي والإنساني وهذا ما يبدو واضحا في هذا الجزء المتميّز من ملحمة ـ سليانوس ـ وهو الاِسم القديم لمدينة ـ سليانة ـ التونسية

سليانوس.. يا سليل الأنبياء

ــــ 1 ـــ

في وحدتي..

ونيازك الأرق تُعربد تحت مئذنة القصيد،

لم تزرني سوى نملة ضريرة/كسيحة،

كانت هاربة من تحت أقدام جند سليمان،

تحمل على ظهرها الزّجاجيّ عراجينا من رمال..

وفي صمتها نبرة سراب، ورنين مسبحة من طين،

تقبس منها أجراس حلم طاعن في الموت،

وزئير حبّة قمح،

تعلوها غيوم من غبار زلال..

وفي شرفة من عينها تخبّىء بيضها،

النّاصع بالحياة..

وتسعى بين النّوء والضّوء،

ثم تتوضّأ بريقها المثخن بالأمنيات،

حين يحين وقت الصلاة..

وكانت تواري تقاسيم دموعها تحت أجنحتها،

حين أعلمتها أن وطني مازال على عواهن الزمان،

وعلى حاله، تماماً كدار لقمان..

لامستُها بأعلى صمتي،

وسيزيف يجترّ تحت صخرته، صرير صوتي..

نظرت وفي مقلتيها زغاريد آهات،

وقناديل من رثاء..

و.. همست:

- أراك إلها، يا.. سليانوس،

تبعث بين الكلمات رُسلا وأنبياء !!..

أذن سارع إلى مغفرة من نصّك المتمرّد،

الماكث تحت ظلال أناملك،

والطّاعن في الوفاء،

وتدثّر بقصيدة عرضها البحار والأرض،

أُعدّت للأنبياء، و.. للأحرار من الشعراء..

فإنّك جمعٌ حين تختلي بوحدتك،

كما النّسر سرب بمفرده،

وصمتك هدير،

قصيدتك تردّده …

ــ 2 ـــ

وحين غزاني الظّمأ،

لمحت هدهدا على أعتاب بيت القصيد..

رمقني ببسمة، بدت لي وميضا من بروق هادلة في عينيه..

و.. غمغم:

- ها إنني هنا، يا.. سليانوس،

بعد مفاوضاتك مع الله وسليمان،

ماذا ترجو، يا.. سليانوس ؟!

قلتُ ومنطق الطير مصقول في عينيّ:

- إن السّراب يعمّدني، أيها الحكيم،

يا من بجناحيك لنبض الحياة كاشف،

إنني ظمآن إليّ،

فهل من رغيف نور وماء ؟!

تصفّحني من خلال شرفة نصّ رضيع،

وعبر ثقوب ظلّي،

وبين ثنايا نمارق الحروف والكَلِم المنفوش،

و.. حلّق مرفرفا بعينيه في قباب البيت، بيت القصيد..

ملوّحًا بجناحين من غيمات ودلاء..

و.. ضرب بنظراته اللّاهوتيّة تحت قدميه،

فتدفّقت في راحتيّ بئر نور وماء..

وبعد هنيهة من رذاذ،

طار "هدهدي"، وهو يغنّي بين بروج السماء:

- هذه "زمزمك" يا.. سليانوس، بين كفّيك،

جنّات عدن تجري من تحتها أنهار الوفاء..

فيها النّخيل والعنب والتّين..

فاغتسل بعَرَقِ الحروف،

و.. كن قرير الشّعر،

ولا تكن من الغاوين ..

فأنت يا صاحبي سليل الأنبياء …

ـــ 3 ــ

ومن تحت ظلّ نهديْ قصيدة سافرة،

لها غمّازتان من وله،

أرهفتُ النّظر وأمعنتُ السّمع،

فإذا بريح ممشوقة الأصابع،

مصقولة الخصر،

تتماوج على شفاه غيمة حبلى بدهشة ومضة متسلّلة،

من قصيدة طويلة الوجع، نازفة الوتين،

تراودها أنامل قوس قزح،

تهتفُ متسلّقة كتفيّ:

- هذه أكفّي لا شرقيّة ولا غربيّة،

تكاد أناملها تضيء،

وهي لك، مرعى لسنابل أحلامك والأمنيات ..

فارجع إليك راضياً مرضيّا،

واقطف من أهداب سنابكها، يا.. سليانوس، رطبا شهيّا..

قلتُ وعناكب الغياب عنّي، تغتالني،

وتطوّقني النّوستالجيا:

- إنني حفيد سليمان، فاجعلي لي بساطا لا ذهب يؤثّثه

ولا فضّة..

أركانه، فقط، من ينابيع عطر معتّق،

وسلال حرير من الكلمات..

فالشّوق الجائع إليّ، أيتها الرّيح،

يخترق كل مسامّي بلهفة عصفور أجنحته متكسّرة،

وظامىء إلى هبّة نسمة هاربة من جثة الغسق،

وهو على أعتاب ظل شجرة ثكلى بلا معطف ولا منسأة..

حدجتني بنظرة وخرير سراب مدلهمّ في مقلتيها،

ثم بلكنة نابضة تحت جفنيها، همست:

- هذا بساطك، يا.. سليانوس، مكتظّ بك،

مدجّج بأمنياتك،

لك فيه عرش باذخ، فامضِ بقصائدك،

وهذه كاليوبي الإلهة تنحني تحت نواقيس ظلّك،

لالتقاط النبيذ من حبرك،

إنّك الأقدس والأكبر..

فاسرِ إليك،

واعرج إلى ذاتك متى تشاء،

بوراقك الشعر،

وثق، يا.. سليانوس، انّك من فصيلة الأنبياء..

- ولكنّني، يا.. أيتها الرّيح،

أجّلتهن إلى فلق مسمّى،

بين المجاز والمعنى،

وإذا جاء مولدهنّ،

فإنّني كنتُ بقصائدي بصيرَا..

**

الشاعرة فاطمة عبد القادر3026 فاطمة عبد القادر

إن هذا العمر ماض في سطورْ

في ثنايا الموت في صمت القبور

سينادينا مناد ذات يوم في الغيوب

ذات يوم تَسقط الألوان منا.. نُفرغ كل الجيوب

إنّ هذا العمر أفّاك غرور

إن هذا العمر لصٌّ.. حُصِّل ما في الصُّدور..

هكذا تنتهي قصيدة الشاعرة فاطمة عبد القادر بمعاني التأمل في الحياة والموت على منهج شعر الزّهد من تراجيع قصائد أبي العتاهية ورابعة العدويّة وفي إشراقات قصائد التصوّف لابن الفارض وعمر الخيام فالقصيدة ذات معان ضاربة الجذور في ذاكرة الشعر العربي ومثل هذه النفثات صادرة عن إحساس إنساني يتجلى عند تأملات الحياة والموت وقد عبّرت القصيدة عنه في وقفة تأملية بعدما استعرضت الشاعرة مسيرتها في الحياة كأنها تحاسب نفسها حيث تقول:

كنت ألهو في الحياة كالمها

أففز بين العيون

أنسج الحلم وأبني لي قلاعا في الأعالي

رافضهْ كل السّجون

كان حلمي أن أراني طائرة

دون قيد يدمي نبض معصميّ

فإذا بها تجد نفسها كأنها في آخر الطريق قائلة:

إنّا صرنا في ختام العمر نعدو نحو وهم

غادر الحسن وصرنا كطيوف غرباء

تسحب منا حصيّات الطريق

القصيدة مطارحة ذاتية في شجون وحنين لشاعرة خبرت الحياة فجاءت وقد لفحها وهج الصدق والمكابدة.. نعم من الألم تزهر مثل هذه القصائد

نحو أبواب العروج

كنت ألهو في الحياة كالمها

أففز بين العيون

أنسج الحلم وأبني لي قلاعا في الأعالي

رافضهْ كل السّجون

كان حلمي أن أراني طائرة

دون قيد يدمي نبض معصميّ

دون قسّ يقبض ليلا عليّ

فمضيت نحو هاتيك العيون

أنهل من مائها العذب الجسور

كنت أسقي في طريقي كل جدب

ثم أعلو في ارتحال كالطيور

هذه الدنيا جبال من خطايا فاخرة

هذه الدّنيا فتون وفصول ساخرة

يركب الانسان صهوة العمر المسرّج بالذنوب ثم هيهات يعود.. ثم هيهات يتوب

كيف أنجو من خطايا ساقني الحب إليها

كيف أغدو كملاك يسكن عند الغيوب

هذه الدّنيا سقتني حين جادت بسخاء

وأراقت خمرها فوق الشّفاه

وأرتني رغد عيش وصنوفا من رفاه

إن قلبي يا إلهي فاض منه لك حبٌ عبّأ حبل الوتين

إنّ قلبي كالقلوب يخطئ رغم اليقين

إنما المرء ضعيف حين يهوى

يلبس ثوب الجنون

في مواقيت التجلي في ترانيم الخشوع

تصعد الاشواق مني

والصفا مني يضوع

يخرس التوق إليك

صوت شيطاني الرجيم

غير أن الأوب مني لا يدوم

أمضي عدوا نحو أنخاب الحياة

أغنم منها كؤوسا من نعيم

وأعود لطقوس الأوْب أختار النجاة

كم تبقّى في الحياة.. ؟

يملأ الدّمع الغزير محجريّ

كلما ألفيت ربي يستجيب

فإلهي رغم طيشي يسكن في قريب

هذه الدنيا تلوّح دوما لاشتهائي

هذه الدنيا تزيد بالسّخاء في بلائي

تمنح عمري ظلاّ ساحرا حلوا ظليلْ

وعطايا لم تهبها لسواي كسليمان الجليلْ

إنني أرنو لعفو من إلهي وخروجْ

ودليل يحذو روحي نحو أبراج العروجْ

يا رفيقي لا تسلني كيف أنكرت الدّنى

إنّا صرنا في ختام العمر نعدو نحو وهم

غادر الحسن وصرنا كطيوف غرباء

تسحب منا حصيّات الطريق

تفلت كف الرفيق

نقطع العمر وجوما في دروب الانتهاء

لا تسلني كيف أنكرت اللّيالي الساهرات

وتنكرت لهمس من نجوم سامرتنا لامعات

إنما العمر معنّى بالسّراب

واستفقنا يارفيقي حين أدركنا اليباب

فإذا الدنيا التي قد فديناها.. سراب

واذا العمر الذي شقه النهر يباب

اندفعت أنضو عن عمري القصير

ما تبقى فوق جسمي من لباس الدنيا

من همس الحرير

إن هذا العمر ماض في سطورْ

في ثنايا الموت في صمت القبور

سينادينا مناد ذات يوم في الغيوب

ذات يوم تَسقط الألوان منا.. نُفرغ كل الجيوب

إنّ هذا العمر أفّاك غرور

إن هذا العمر لصٌّ.. حُصِّل ما في الصُّدور

***

الشاعرة تاج الخياري3027 تاج الخياري

حِبرُ قصيدة الشاعرة تاج الخياري كأنه كُتب بماء البحر فهي تتماهي فيه موجةً من أمواجه العاتية إنها الصخب والهدير والزّبد وفي ذلك تعبير عن ثورتها وحيرتها بين الشك واليقين هي التي مضت إلى البحر قائلة

سأظل في حماك

وقد محت أصدافك أوزار سنيني

على موجك الهادر

أرسيت سفيني

فالبحر هو الملاذ وهو الصدر الحنون الذي تبثه شجونهاولا تعبأ الشاعرة حتى أن تتكسر على سواحله أو أن تغرق في يمّه وإنّ هذا الفرار إلى البحر واعتباره الحمى والنّجاة حيث تجد فيه الراحة والسكينة والهدوء والسلام يدلّ من حيث لم تصرّح أنها في قطيعة من دنيا الناس الذين هجرتهم إلى البحر وسواحله وأصدافه واِعتبرت نفسها موجة صاخبة لتؤكد رفضها وثورتها على الواقع فهذه القصيدة إضافة جديدة لمتون الشعر التونسي الذي جفلت قصائده المعاصرة بالبحر من بينها خاصة القصيدة الغزلية ـ حورية الموج ـ لمصطفى خريّف

شفّ صدر البحر عن سر الجلال، وطفت فيه اللآلي

فوق موج فاض من سحر الجمال، فاق تصوير الخيال

جال في حسن وإشراق

مستجيشا مثل أشواقي

والشاعر الحبيب الزنّاد في قصيدة ـ بكائية البحر ـ في موضوع الرّثاء والتي مطلعها

خرجتْ تتفقد الأحباب

كان البحرجميلا ساخرا كذاب

عقدت عليه أشواق الأهداب

ورمت إليه بما في العمر من أتعاب

أعجبها النخل على زيفه

و الرمل وضوح سراب

غير أنّ قصيدة تاج الخياري وردت في موضوع التأملات الذاتية وهي بذلك تمثّل إضافة نوعية للشعر التونسي هذا الشعر الذي يستحق التعريف به وجدير بالدّراسة وهذا ما دأبنا عليه بكل اعتزاز منذ سنوات عديدة

البحر

يا بحر

يا بحر

أنت مولاي سيدي

ومعيني

ذراعاك تحتويني

بين رموشك تهدهدني

سأظل في حماك

وقد محت أصدافك أوزار سنيني

على موجك الهادر

أرسيت سفيني

بحت إلى صدرك

لواعج حنيني

بحري أنت

اعماقك

شواطئك

على أمواجها تلقيني

أعشق صخبك

هدوءك.. لا.. لا

يستهويني

أنا ابنة موجة مجنونة

فدعني من فوضاك

أستلهم

شكي ويقيني

***

الشاعرة ثريا خلوط3028 ثريا خلوط

قصيدة البُشرى والتفاؤل والتحدّي التي تعلن فيها الشاعرة انّها تودّع ماضي الآلام واليأس والظلام والضباب والسراب وتستقبل بملء الأمل الفجر الحديد معبّرة بمثل هذه الصور ـ أجمع للآتي ـ نجوم الثريا في حقائبِ السّفر ـ فكأنّ نجوم الثريا تعني الشاعرة نفسها حيث طابقت اِسمها وفي صورة شعرية أخرى نراها توقد للفجر الشمس لتنير الأقبية وفي صورة أخرى تجعل اليأس غريقا فلا يمكن ان يكون رفيقا لها وتعلن أن القلم هو الخلاص الذي سيخط ماضي الحرائق الماضية

تؤكد هذه القصيدة أن الشاعرة ثريا خلوط متمكنة من ناصية الكلمة الشعرية بما فيها من صور موحية ورموز ذات أبعاد تحيل على تحربة عميقة في الحياة نقرأ ظلالها وبصماتها في هذه القصيدة التي اِنطلقت ـ من رحم الصّمت ـ فنطق صمتها إبداعا

الآتي الغريب

مِن رَحِم صَمتٍ

آتِيَةٌ أنا

أشُقُّ رداءَ سَرابٍ عقيم

مِن أعالي هِضابِ النّسيان

أُعلِنُ عن ذاك الآتي الغريب

أنا هنا

على عتباتِ السّماء

أجمعُ للآتي نجوم الثّريا في حقائبَ للسفر

و أوقِدُ للفجر شمسا فتيّة

تُنيرُ أقبيةَ سُكونَ الثَّرى

آتيةٌ أنا

أرمي الشِباكَ في بحور الخفاء

أَصيدُ أسرار الأعماقِ

و أسألُ اليأسَ

هل أنتَ الرَّفيق؟

يَنْتَحِبُ الجوابُ

أنا الغَريق

بينَ الأنامِلِ ضَجَرٌ ضبَابِيّ

و على سِنّ القَلَمِ حيرة

و بينَ الصّفحات حريق

آتِيَةٌ أنا

مِنْ رَحِمِ صَمتٍ.. غريب

بقلمي

الثُّريا بن مسعود خلوط

***

سُوف عبيد

زرت قبل أيام قليلة المتحف العراقي ببغداد، وهذه بعض الملاحظات والانطباعات التي كتبتها بعد زيارتي هذه، آمل أن يكون فيها بعض النفع والتعريف بهذا المتحف الجميل والذي ندر مثيله في العالم. ومن الطبيعي أن تبقى انطباعاتي وملاحظاتي محض وجهة نظر شخصية قابلة للنقاش والأخذ والرد. وبالمناسبة فقد لاحظت أن "المتحف العراقي" هو الاسم الحالي لهذا المتحف وقد كان يسمى "المتحف الوطني العراقي" سابقا، حيث حذفت كلمة "الوطني" بعد قيام حكم المحاصصة الطائفية والعرقية اللاوطني فوافق شنٌّ طبقة!4984 abo bint jabla1

1- تمثال الأميرة القتيلة آبو بنت جبلو الحضرية:

التمثال من حجر الحلان الكلسي. نقرأ في لوحة التعريف به أنه نُصب في المعبد الرابع "معبد عشتار" في مدينة الحضر عاصمة مملكة عربايا أو الحضر العربية التابعة اليوم لمحافظة نينوى في الفترة الهيلَنية، أي في عهد الاحتلال الإغريقي لأجزاء من بلاد الرافدين (بين 312 إلى 139 ق.م). وقصة هذه الأميرة الجميلة العاشقة غريبة ومأساوية، فقد قُتِلَت غيلةً بعد زواجها وهي في الثامنة عشرة من عمرها ولأسباب مجهولة. ويبدو أن حبيبها وزوجها فشل في العثور على قاتليها والثأر لها فقرر أن يقيم لها هذا التمثال ويصب لعنات الإله على من قتلها. وقد ترجم الدكتور فؤاد سفر الكتابة على قاعدة التمثال فكانت: "تمثال آبو بنت جبلو، أقامه لها زوجها "أشا بن شمشلطب"، وقد اغتيلت وهي في الثامنة عشرة (من العمر)، أستغيثُ بالآلهة مرن ومرتن وبرمن وبعل شمين واترعتا (من آلهة الحضر) لتنزل لعناتهم على كل من قتلها وشَمَتَ بقتلها، وعلى كل النساء اللواتي تكلمن عنها وقلن الكلام البذيء". والعبارة الأخيرة قد توحي بأن الأميرة آبا ربما تكون قد قُتلت بعد اتهامها بالزنى ولكن زوجها يبرئها من التهمة.

تظهر الأميرة آبو جالسة على كرسي رافعة يدها اليمنى إلى الأعلى بالتحية (وهذه الحركة مألوفة في الحضر ووجدت في الكثير من التماثيل ومنها التمثال الجميل للملكة آبو بنت دميون زوجة ملك الحضر سنطروق الأول)، ويدها اليسرى على ركبتها وهي تمسك بشيء قد يكون مغزلا ولفيفة صوف. وتبدو واضحة حليها الأنيقة على رقبتها وفي يدها وثمة قرطان كبيران يتدليان من أذنيها وعلى رأسها قبعة طويلة وفوقها غطاء. إن زيَّ الأميرة آبو عموما يشبه الأزياء الرافدانية في العهدين البابلي والآشوري.

***

...................

* هامش عن مملكة ومدينة الحضر "عربايا": تقع أطلال مدينة الحضر التاريخية على بعد كيلومترين شمال غرب الحضر الحية المعاصرة، وقد عُثِر على عدد من النصوص الكتابية محفورة على أحجار كبيرة تحتوي على بعض الأحكام القانونية والأعراف التي كانت سائدة فيها وخاصة التي تتعلق بالسرقة والعقوبة الصادرة بحق مرتكبيها. كما عرفت مملكة الحضر (مملكة عربايا) بهندستها المعمارية وفنونها وأسلحتها وصناعاتها، كانت هذه المدينة تجاري روما من حيث التقدم حيث وجد فيها حمامات ذات نظام تسخين متطور وأبراج مراقبة ومحكمة ونقوش منحوتات وفسيفساء وعملات معدنية وتماثيل كما ضربوا النقود على الطريقة اليونانية والرومانية وجمعوا ثروات عظيمة نتيجة لازدهارهم الاقتصادي.

* في يوم 8 آذار - مارس 2015 سيطر تنظيم داعش التكفيري على مدينة الحضر الأثرية وقام بتجريف أجزاء منها واعتبرت هذه العملية جريمة بحق الآثار العراقية حيث سمع سكان المنطقة دوي انفجار هائل في وقت مبكر، وذكر آخرون أن تنظيم الدولة دمّر بعض أكبر المباني الأثرية في الحضر بالجرافات. ولاحقاً، انتزعت قوات المتطوعين العراقيين في الحشد الشعبي مدينة الحضر من سيطرة عصابات داعش في 26 نيسان/ أبريل 2017 خلال معارك دامية لتطهير الشمال العراقي.

4985 nabooo2

2- تمثال الملك السومري أنتيمينا المسروق يعود من أميركا ولم يظهر بعد في المتحف، وتمثال الإله نابو العملاق في الهواء الطلق:

بعد الاحتلال الأميركي سنة 2003 سرقت قوات الاحتلال والعصابات الدولية والمحلية المرافقة لها والمحمية بها آلاف القطع الآثارية التي لا تقدر بثمن من الآثار العراقية الرافدانية وقد "سجلت إدارة المتحف آلاف المسروقات من القطع النحتية النادرة، والأختام الأسطوانية والألواح الطينية الثمينة ذات العمق التاريخي. ولعل أهم ما تمت سرقته ما يلي:

- تمثال باسيتكي. وهو التمثال البرونزي الأكدي لشاب يجلس على قاعدة دائرية.

- تمثال الملك السومري (أنتيمينا) ملك لكش المصنوع من الحجر الأسود. ويرجع تاريخ التمثال إلى 2400 عام قبل الميلاد ويزن نحو 136 كيلو غرامًا وهو مصنوع من الديوريت.

- تمثال ضخم من البرونز وزنه 272 كيلوغراما يعود إلى أكد.

- رأس تمثال أسد مدينة كالخ التي تسميها التوراة "نمرود" المصنوع من الحجر الجيري.

- تمثالان من البرونز لثورين يعودان إلى 2500 قبل الميلاد.

- وجه من الرخام لامرأة سومرية.

- أحد عشر تمثالا متنوعا.

- رأس تمثال يعود إلى الفترة الرومانية من مدينة الحضر.

- تسعة أحجار مختومة بأسماء الملوك والمعابد السومرية.

- تمثال هرمس.

- تمثال نحاسي لرجل جالس يعود إلى فترة الملك نارام سين الأكدي من عام 2250 قبل الميلاد.

- سرقة 4795 ختمًا أسطوانيًا و5542 عملة معدنية، ومجموعة خرز تاريخية وتعاويذ ومجوهرات لا حصر لها.

- لم تنج من عمليات النهب سوى قاعة واحدة هي القاعة الآشورية الكبرى بسبب ضخامة محتوياتها. من مقالة لوارد بدر السالم/ صفحة "ضفة ثالثة" بتاريخ 24 آذار مارس 2022 ".

وقد أعيدت فعلا بعض القطع إلى العراق بعد أن ضبطت تباع في السوق السوداء الدولية في الغرب، ومن هذه القطع تمثال ملك مدينة لكش السومري أنتيمينا. وقد كتبت عنه ذات مرة بمناسبة شقه لقناة "راضع" الغراف انطلاقا من منطقة مدينة الكوت وصولا إلى لكش شمال قرية البدعة وما دونها. وحين سألتُ عن التمثال أحدَ موظفي المتحف وعن إمكانية رؤيته وإلقاء التحية على "جلالته"، أخبرني الموظف بأنه أعيد من الولايات المتحدة فعلا، ولكنه لم يعرض بعد لأن قاعة السومريات وما قبل التاريخ تخضع لعملية إعادة تأهيل، تبرعت بتكاليفها مؤسسات ثقافية إيطالية ولا نعرف متى تنتهي.

ويرجع تاريخ تمثال الملك أنتيمينا مقطوع الرأس إلى 2400 عام قبل الميلاد، ويزن نحو 136 كيلوغراما، وهو مصنوع من حجر الديوريت البركاني، وهو حجر لونه أسود يشبه الغرانيت. وعلى الظهر كتابة بالخط المسماري تحصي إنجازات ملك السومريين، وتشير إلى محبة "الإله انليل" له/ الصورة من الأرشيف على الإنترنيت.

و"الإله نابو هو ابن الإله مردوخ كبير آلهة بابل حسب الأفكار والعقائد البابلية القديمة وإله الكتابة والحكمة، وكان في بداية عبادته إلهاً خاصاً بالزراعة وكاتب ورسول للآلهة، وهو إله القلم والعلم والرقيم وحامي الأدباء والمنسوخات. قد وردت هذه التسمية في معظم العصور التي ظهرت بها عبادته وخاصة في وثائق عصر أور الثالثة والعصر البابلي القديم ويعتقد أنها تحولت إلى "نابو" في عصور أحدث. الموسوعة الحرة"

وفي حدائق المتحف العراقي، ثمة تمثال عملاق للإله نابو مطلا على الشارع العام دون وقاية أو حماية. ونابو هو إله الحكمة والمعرفة في العراق القديم عثر عليه في العاصمة الآشورية كالخ او كالح واسمها التوراتي الأشيع هو "نمرود" وهذا الاسم "نمرود" لا وجود له في السردية الرافدانية القديمة بل هو من اختراع كتبة التوراة، مثله مثل كلمة "فرعون" التي لا وجود لها في السردية المصرية القديمة.

الصورة الثانية بعدستي لتمثال الإله نابو واقفا على قاعدة حجرية في العراء مكشوفاً لعوامل المناخ من أمطار ورياح وحرارة. ولا أدري إن كان هذا التمثال نسخة أصلية كما يوحي منظره العام أم أنه نسخة مصطنعة له، وهناك أكثر من تمثال مختلف لهذا الإله في المتحف العراقي وأماكن أخرى. يتبع.

***

علاء اللامي

اعتمد المؤتمر العام لليونسكو خلال دورته الثلاثين المنعقدة في باريس عام 1999 يوم 21 مارس/آذار اليوم العالمي للشعر والهدف من ذلك دعم التنوع اللغوي ومنح اللغات المهددة بالاندثار فُرص أكثر لاستخدامها في التعبير ويعتبر اليوم العالمي للشعر أيضا فرصة لتكريم الشعراء ولإحياء التقليد الشفهي للأمسيات الشعرية وبهذه المناسبة دعت جمعية ابن عرفة الثقافية في تونس الشعراء إلى الاحتفاء بهذا اليوم.

وجمعية ابن عرفة الثقافية هي جمعية تونسية مستقلة أسّست سنة 1946 ومقرّها بفضاء السليمانية قرب جامع الزيتونة بتونس العاصمة وقد كتبت الشاعرة فاطمة عبدالقادر ورقة تقريرية حول هذا اليوم تقول فيها:

الزّمان : الثلاثاء 21 مارس 2023

المكان ـ جمعية ابن عرفة بالمدرسة السّليمانية بالمدينة العتيقة

المناسبة : اليوم العالمي للشّعر

التأم مجلس ـ نادي الميعاد ـ على غير عادته يوم الثلاثاء 21 مارس بإشراف الاستاذ سوف عبيد بمناسبة اليوم العالمي للشّعر حضره السّيد حسن مطيع كاتب عام الجمعيّة وجمع بهي من الشّعراء جاؤوا يقرأون قصائدهم ويحتفلون بالحرف والإبداع كما حضره رئيس نادي القراءة بالجمعية الدّكتور محمد رضا الماجري عاشق الشعر و صديق الشعراء.

كان لقاء أدبيا ممتعا نشّطه كل من الشاعر عبد الحكيم زريّر والشّاعرة فاطمة عبد القاد روقدّم الاستاذ سوف عبيد لمحة عن الشّعر والمبدعين ولم يفته الحديث عن فلورس الشّاعر الذي نافس الرّومان في عقر دارهم وعانق حرفه الإبداع في إشارة إلى أهمية الإبداع بربوع تونس خاصة والعالم العربي عموما. أولى القراءات كانت للأديبة زهرة حواشي قصيدة بالفصحى "أحبك أنا" ثم قرأت الرّقيقة سليمى السّرايري نصّا جميلا بعنوان "كم أتمنّى أن تختفي من المرآة" ..من قصائد السّرد إلى النّمط العمودي قرأ الشاعر بشير عبيدي قصيدة بعنوان " قسما بتونس " وقرأ في الوطنيات أيضا الشاعر الحبيب مبروك الزيطاري قصيدة "يا تونس الفضل " ثم قرأ الشاعر رشيد الخلفاوي قصيدة بعنوان "رغم البعد تظلّين في شراييني" أماالشاعر منير الوسلاتي فقد أمتعنا بقصيدة "الضوء والنوء" وكانت مشاركة الشاعر الأستاذ عمار النّميري بقصيدة "عرق البحر "قصيدة يتحدث فيها عن بلوغه الستّين من عمره ..وقرأت الشاعرة انتصار عباس نصّا جميلا.. وقبل أن يلقي الشّاعر عبد السلام الأخضر قصيدته باللّهجة المحكية "فرحتنا بسيدي رمضان" قدّم الاستاذ سوف عبيد كلمة حول الشّعر المحكي وأهميته من خلال رأي حسن حسني عبد الوهاب في مجلة النّدوة الصادرة سنة 1953 يرى فيها أن الأدب تعبير صادق صادر عن الوجدان يأتي بكل وسائل التعبير فصحى كانت أم لهجة محكية ، ودعا الى ضرورة الاهتمام بالتراث الضخم للهجة التونسية الدّارجة من خلال جمعه وتأليفه و ضرورة تسليط علم النفس عليه..كما بين أن أكبر الأدباء التونسيين الذين تركوا آثارا بالفصحى كانوا قد كتبوا باللهجة المحكيّة ولابد من إزالة الغبار عنها والتعريف بها ..تفاعل مع هذا الرّأي الدّكتور محمد رضا الماجري وهو من المولعين بالتّراث وأصحابه.

الشّاعرة تاج الخياري كانت حاضرة رغم الغياب بنصّ جميل بالفصحى بعنوان" يا بحر" قرأته نيابة عنها الشّاعرة فاطمة عبد القادر و قرأت بلغة مليير الشاعرة روضة العدّاسي قصيدة لامست وجدان الحاضرين بعنوان l'orphelin des vivants "

وبالفصحى قرأ الشاعر المختار المختاري رئيس جمعية "مراجعات ثقافية" قصيدة "شيء من شيء ما" كما قرأت الشّاعرة الرقيقة ثريا خلوط بإلقاء متميز قصيدة بعنوان "آتية أنا" ثم قرأت الشاعرة بسمة درويش قصيدة بعنوان " بعثرْني"

من الفصحى إلى زجل الشاعر عبد الحكيم زريّر الذي قرأ لنا قصيدة "الانتريتي" أهداها للشاعر عمار النّميري بمناسبة إحالته على شرف المهنة.

كانت مداخلة الاستاذ سوف عبيد لمسة وفاء لشعراء فارقونا فقرأ لأبي القاسم كرّو نصا، ونصّا لزبيدة بشير بعنوان "فاتركوني" و ذكّرنا بالنص الجميل لمنور صمادح "عندما كنت صغيرا كنت أحبو الكلمات..." كما قرأ للشيخ الحبيب المستاوي الفقيه الذي جمع بين منهج الدعوة الدّينية ووجدان الملكة الشعرية جزءا من قصيدة في غرض الإصلاح "لقد عبث اليهود بأرض قدس..وقد ملؤوا البلاد بكل رجس" ..كما قرأ للشاعر الجزائري مفدي زكرياء مقطعا من قصيده "الذّبيح الصاعد"..وأشار في ختام مداخلته إلى أن الشاعر محمد العروسي المطوي كان قد كتب الشعر الحر منذ سنة 1938.

وفي ختام الجولة الأولى قرأت الشاعرة فاطمة عبد القادر قصيدة "نحو أبواب العروج ".

أما الفاصل الغنائي فقد كان بصوت اللاّمعة ضحى الكافي التي أطربت جلاّس الميعاد بأغنية " مضناك جفاه مرقده"

الجزء الثاني من الميعاد افتتحه الشاعر بشير العبيدي بقصيدة عمودية "قلمي فداك وأهلها الأقلام" ثم أخذتنا الأديبة زهرة حواشي إلى المحكي بقصيدة "لو كان جا عا كيفي" وقرأت فراشة الشّعر سليمى السّرايري قصيدة "شهقة"و ومضات رائعة وقرأ الشاعر الحبيب الزيطاري قصيدة "ملهمتي" .في الحب أيضا أمتعنا الشاعر الخلوق رشيد الخلفاوي بقصيدة رائعة بعنوان "امرأة صوفية الحب" ثم قرأ الشاعر عمار النميري قصيدة "سليانوس يا سليل الأنبياء".

يعود بنا الشاعر عبد السلام الأخضر إلى المحكي بقصيدة "متسلطنة ولا كيفها سلطانة". الشاعرة روضة العداسي قرأت هذه المرة بالفصحى قصيدة "عيّرتني" وفي فاصل غنائي ثان أمتعت به المجموعة الشاعرة زهرة الحواشي بأغنية "جمل يهدّر" تفاعل معها الدّكتور رضا الماجري بمداخلة حول الأغنية واللحن.

في قراءة ثانية أبدعت الشاعرة ثريا خلوط في قصيدة "بيْنٌ منحوت" ثم أسمعت الحضور مقطعا من أغنية من كلماتها وألحانها ..ثم قرأت الشاعرة بسمة درويش قصيدة بالدّارجة "أنت شكونك" ثم قرأ الشاعر عبد الحكيم زرير قصيد "ملاّ حالة" وقرات الشاعرة فاطمة عبد القادر "كم تكبر في حضني الأفكار".

وفي الختام قرأ الاستاذ سوف عبيد مقطعا من قصيدة "عروس البحر" ثم أشاد باستقلالية جمعية ابن عرفة عن الأحزاب ونوّه بهدفها الثقافي المعرفي.

الميعاد يكرم في اليوم العالمي للشعر الشاعرة والفنانة سليمى السرايري بشهادة شكر وتقدير وهدية قيّمة تمثلت في كتاب للرّسام والفنان التشكيلي علي بن سالم يضم لوحاته وابداعه في فن الرّسم

الميعاد الثّامن كان عرسا ثقافيا تمتع فيه الحاضرون بسماع الشّعر والغناء بين أطباق الحلوى والمشروبات وتصفّح الدواوين المعروضة.

***

سُوف عبيد ـ تونس

أقامت مؤسّسة تنوير في حيفا أمسية أدبية للكاتب ناجي ظاهر بمناسبة صدور مجموعته القصصية الجديدة «المصيبة الثانية»، بمشاركة د. فؤاد عزّام، د. جهينة خطيب، الأستاذ عطا الله جبر والفنان عبد عابدي.

حوا بطواشافتتحت الأمسية السّيدة سهاد كبها، مديرة مؤسّسة تنوير، التي رحّبت بالحضور وشكرت جميع الفنانين المشاركين في معرض الفن التشكيلي «آذار الثقافة، المرأة، الأرض» التي تُعرض في المؤسّسة هذه الأيام بمشاركة مجموعة من الفنانين ثم تولّت إدارة الأمسية الكاتبة حوا بطواش.

ثم تحدّث د. فؤاد عزّام في مداخلة له عن السّمات البارزة في أدب ناجي ظاهر، واعتبر أن هناك تطوّرًا ملحوظًا لدى الكاتب منذ روايته الأخيرة «مُحاق». وتطرّق إلى سمة اللابطل التي يتّسم بها معظم الشخصيات المركزية في قصص المجموعة، ففي معظم القصص الشخصية المركزية هي طفل يفشل في تحقيق الهدف، والهدف الأساسي هو حلّ مشكلة التهجير، تهجير الفلسطينيين من قراهم وبلداتهم، وهذا الأمر يتناسب مع الواقع، فالتهجير ما زال مستمرا منذ النكبة وحتى يومنا ولم تنجح الشخصية المركزية في حل هذه المشكلة.

كما تحدّث عن السّرد فأشار إلى وجود خطّين في سرد القصص: تقليدية السّرد وحداثيّة السّرد. السّرد التقليدي يسهّل على القارئ ويوصل الرسالة، أما السّرد الحداثي فيصعّب على القارئ لكن فيه تطوّر أكثر من ناحية الكتابة. وعن أسلوب السّرد لدى ناجي ظاهر في هذه المجموعة قال إنه بضمير المتكلّم وفي معظم القصص يروي الكاتب بأسلوب المتأخّر زمنيًّا.

بعد ذلك تحدّثت د. جهينة خطيب عن التهجير القسري وتأثيراته النفسية والاجتماعية في هذه المجموعة القصصية، وتطرّقت إلى عنوان المجموعة القصصية «المصيبة الثانية»، وقالت إنّه يستفزّ القارئ لمعرفة ما المصيبة الأولى والثانية، وهذه نظرة تشاؤمية ولكن واقعية فالمهجّر بانتظار المصيبة الثانية فالأولى كانت النكبة والتهجير من بلده. كما ذكرت أن المشترك بين القصص هو موضوع التهجير وأثر هذا التهجير. جميع الشخصيات الرئيسية مهجّرون هجرة داخل الوطن وهذه أصعب هجرة. المهجر لا يبتسم، غارق في لوعة الهجرة.

وذكرت أن معنى النكبة لدى المهجّرين الداخليّين تنفصل عن المعنى التاريخي والسياسي المتعارف عليه، وتحمل المعنى الشخصيّ أكثر : الأرض وكروم الزيتون التي صودرت، النّضال الذي قادوه على مدى السنين من أجل ترميم وبناء حياتهم من جديد، المجتمع المحلي الذي تفتّت وتشتّت، والألم والحزن والضّعف والهوان الكامن ، النّكبة في البيت الشخصي الذي تهدم، ونمط الحياة الذي انقطع.

كما أشارت إلى أنّ قصص المجموعة تعبّر عن إحساس المهجّر عن بيته ووطنه بما يحمله من أحلام وآمال، ووضّحت وجع التهجير الداخلي أن تكون مغتربا ولاجئا في وطنك.

وتحدّث الشاعر والباحث عطا الله جبر في مداخلته عن الكاتب ناجي ظاهر باعتباره صديقه المقرّب الذي تجمعه به معرفة وصداقة على مدى سنوات، فأكّد على حبّ ناجي ظاهر للناصرة حبّا كبيرًا رغم حنينه إلى قريته المهجّرة، سيرين. وقال إنه رغم الفقر الذي عاشه والضّياع والتهجير بقيَ ناجي ظاهر ابن البلد مؤتمنا على كلّ القضايا. في كل كلمة يكتبها يكتب عن المدينة، التهجير، الفقر، المعاناة، وعن الآخر الذي يريد أن يغتصب الحق. هذه هي المواضيع الأساسية في كل أدبه، وهي ليست جديدة. فهو يعيد كتابتها ليقول: أنا ما زلتُ أعاني. لم تنتهِ قضيتي. لم يُغلق الملف، والجرح ما زال ينزف يوميًّا منذ ذلك اليوم إلى يومنا هذا.

واعتبر أن بناء القصص في المجموعة هو بناء حداثيّ، ومن أهمّ أسس هذا البناء الحداثيّ أنه حوّل القصة من بناء تقليديّ إلى صورة تبدو وكأنها بسيطة جدًّا ولكن تحمل أبعد أعماق المأساة التي نعيشها.4964 ناجي ظاهر

وأشار إلى أن قصص ناجي ظاهر لا صنعة فيها، فهو لا يحاول الكتابة بلغة منمّقة، بل بلغة بلا تعقيدات، يمكن لكل الأجيال قراءتها فتُفهم وقد تُفهم على درجات متفاوتة، وفيها البُعد الإنساني، التناقض بين السّالب والموجب، الفقير والغنيّ، المغتصب والذي يريد أن يحرّر نفسه، هذا البُعد الإنساني، هي مواضيع إنسانيّة وليست محليّة، فلسطينية فقط فنحن جزء لا يتجزّأ من كون كامل في كل هذه المواضيع.

ثمّ تحدّث الفنان عبد عابدي في مداخلته عن الإبداع البصري وقال متأسّفا إنّنا شعبٌ قليل الاهتمام في العمل البصري، وذكر أن الإبداع البصري في الكُتب الأدبية كان له دور في الماضي في الكتب المهمّة، فالرسم هو تعبير حسيّ، بصريّ، صامت للأحداث التي واكبت الكتابة. وقال إن هناك من الكُتّاب الذين اعتبروا أن الفن البصري هو تتمة للإبداع الكتابي وهناك من اعتبروا العمل الإبداعي أو الرسم هو شريك غير مرغوب به في الكتابة. وذكر أن كتّاب مثل سميح القاسم، سلمان ناطور كانوا من الأشخاص الذين دأبوا على إيجاد عامل مشترك بين اللوحة المقروءة بصريا وبين الكتابة وذكر أن ناجي ظاهر مهتمّ منذ سنوات بالعمل البصري في كتبه.

بعد ذلك أجرت الكاتبة حوا بطواش حوارًا قصيرًا مع الكاتب ناجي ظاهر، فتحدّث عن مجموعته القصصية مشيرًا إلى وجود موضوع واحد لكل قصص المجموعة فهي متتالية قصصية، أراد من خلالها أن يدخل إلى حياة المهجّرين، وبالتحديد إلى تجربته التي عاشها، فعاد إلى سنوات السّتينيات والسّبعينيات وبدأ يغترف من هناك الأحداث والأهم من ذلك كلّه هو اغترافه بالخيال، وقال إن بذرة صغيرة في الواقع كانت تفجّر فيه عالمًا واسعًا من الخيال، فيكتب القصّة بكل ما لديه من مشاعر وبكل ما يمتلكه من وعي ولاوعي.4965 ناجي ظاهر

كما تطرّق إلى تركيز كتابته عن موضوع التهجير، فقال إنّه يكتب عن العديد من المواضيع، لكن الموضوع الرئيسي في حياة الكاتب هو موضوعه الشخصي. لا يستطيع أي كاتب أن يخرج من نفسه ويتحدّث عن أمور أخرى. وذكر أنه كتب ستّ روايات كلّها تحدّثت عن الأوضاع الراهنة ولم يعُد فيها إلى الماضي وإلى التهجير. انما تحدّث عن إسقاطات التهجير على مجتمعنا العربي وتحدّث عن المسكوت عنه. ولذا، اعتبر أن المسألة هي ليست مسألة تقوقع، كما يظنّ البعض، بل هو جرح خالد لا يمكن للكاتب أن يهرب منه مهما حاول.

كذلك تحدّث عن المدرسة الواقعية التي ينتمي إليها في كتابته، وقال إنّنا لا نختار المدرسة التي نكتب بها، بل هي التي تختارنا. وأضاف أنه يعتقد أن التجربة التي عاشها لا يمكن أن تأخذه إلا إلى المدرسة الواقعية. لكن الواقعية تختلف عن الواقع كلّيًّا، كما يرى. هناك الواقع وهناك الواقعية. وقال إنه كاتب واقعية. كل ما كتبه اعتمد على الخيال وعلى جنونه عندما يدخل إلى عالم القصة ويتفجّر عالم الخيال رويدًا رويدًا. الواقعية تختلف عن الواقع. هو واقع يعتمد الخيال وتخلق واقعًا آخر موازيًا للواقع.

وفي ختام الأمسية قدّمت السيدة سهاد كبها، مديرة مؤسّسة تنوير، شهادة تكريم للكاتب ناجي ظاهر.

***

تقرير: حوا بطواش

فاتحة الطايب في لقاء لتقديم كتابها الأخير"الوطن- الأمة وأوروبا المسيحية في رحلة ابن بطوطة"

نظم مختبر السرديات والخطابات الثقافية، كلية الآداب بنمسيك - الدار البيضاء والجمعية المغربية للباحثين في الرحلة، بشراكة مع المكتبة الوطنية  بالرباط، يوم الأربعاء فاتح مارس 2023  في الساعة الثالثة بعد الزوال، ندوة علمية حول الكتاب الأخير للأستاذة والناقدة المغربية فاتحة الطايب: "الوطن- الأمة وأوروبا المسيحية في رحلة ابن بطوطة"،  بمشاركة الأساتذة: عبد الرزاق الجاي وعبد الواحد بنعضرا ورضوان ضاوي.  وقد ترأس الجلسة الناقد والمترجم المقتدر الأستاذ أحمد بوحسن، الذي أشار في بداية اللقاء إلى مكانة الأستاذة فاتحة الطايب وأهمية مؤلفاتها في الدرس النقدي المغربي.

 وقف ذ.عبد الرزاق الجاي في المداخلة الأولى التي عنونها ب"عالمية الأنموذج المسلم في رحلة ابن بطوطة" على محطات رئيسية في هذه الرحلة، التي جعلت صاحبها يتميز بالعالمية والمواطنة الكونية. لخّص الجاي هذه المحطات في: التصوف، السياسة والخلافة، والمقارنة الاقتصادية. وبرهن في مرحلة أولى على أن ابن بطوطة ذي المرجعية الصوفية قد قدّم منظورا أوسع لمفهوم التصوف بحيث لم يربطه بالزهد في ملذات الحياة والبقاء في زاوية يذكر فيها المريد ربّه، وإنما بالسير في الأرض واكتشاف عجائب خلق الله. ثم بيّن كيف أن الرحالة قد أسهم من زاوية موقع بلده الحسن ضمن بلدان الأمة الإسلامية في الجدل الفقهي الذي كان قائما آنذاك حول الشروط الواجب توفرها في الخليفة، والتي حصرها في ستة مع التأكيد على ضرورة الجهاد والاجتهاد لتحقيق ازدهار الوطن والأمة. وفي هذا الإطار عمد ابن بطوطة إلى المقارنة بين العملة المغربية وعملة بعض البلدان العربية التي زارها، رابطا ازدهار اقتصاد بلاد المغرب، بالاستقرار السياسي والتضامن الاجتماعي، وليس بنوعية النقود وحجمها. في الأخير، أنهى الجاي مداخلته بِحثّ الطلبة والباحثين على العناية بهذه الرحلة التي تشكل جزءا هاما من تاريخ العالم لأن من لا تاريخ له لا حاضر ولا مستقبل له.

الورقة الثانية قدمها الأستاذ رضوان ضاوي وركز فيها على الفصل الثالث من الكتاب، الذي عالج مفهوم التوتر والتصادم الحاصل في الرحلة بين الرغبة في التعرف على الآخر المختلف والتقيد بالسلطة الدينية التي قسمت العالم إلى دارين، دار الإسلام ودار الكفر. وقد بيّن الكتاب كيف خفّ هذا الضغط الديني في القسطنطينية؛ مع انعدام  الرقابة، حيث تعامل ابن بطوطة مع المستوى الحضاري لغير المسلمين بموضوعية وبروح من التسامح. عرّج الباحث أيضا على ملاحظة الأستاذة الطايب بخصوص مساهمة المترجم البيزنطي المرافق لابن بطوطة في تشييد صورة متخيلة لهيبة القسطنطينية من خلال سلاح اللغة اليونانية التي كان يجهلها الرحالة؛ فالمترجم لم يكشف له عن الصراع المسيحي (الكاثوليكي-الأورثذوكسي) ولا عن المعالم الإسلامية (المساجد) التي كانت موجودة في القسطنطينية. مما يعني أن صمت الرحالة عن هذه المعالم، صمت يحيل على سلطة المترجم المتحكم في المعلومة والوجهة.

وفي سياق المقارنة، أشار ضاوي الباحث الألماني رالف إلغَر الذي قام بترجمة ألمانية ثانية لرحلة ابن بطوطة، وذكر في مقدمتها أن شخصية الرحالة تتميز بتعدد الآفاق والوظائف، فهو المتصوّف الذي يعمل على تقوية إيمان المتلقي المغربي والرحالة الذي يزوده بالغريب والعجيب والمسلّي. وسجل الباحث اتفاق الطايب وإلغَر على تعامل ابن بطوطة مع غير المسلمين بموضوعية مقرونة بإعجاب وبتسامح بمرجعية دينية، ما يجعل منه إنسانا كونيا. 

الورقة الأخيرة والموسومة ب "الخلافة وطموحات أبي عنان، قراءة في كتاب 'الوطن-الأمة وأوروبا المسيحية في رحلة ابن بطوطة""، قدمها الأستاذ عبد الواحد بنعضرا وخصت بالدراسة الفصل الثاني من الكتاب لتقدم لنا توسيعا علميا للبعد التاريخي في رحلة ابن بطوطة، من خلال تسليط الضوء على توظيف الألقاب في الرحلة. وقد لخّص أهم أفكار المؤلِّفة في نقط، منها؛ أن نص الرحلة مُعبّر بشكل كبير على طموحات أبي عنان، وأن السلطة المرينية تعمل جاهدة على تحقيق طموح توحيد المغرب الكبير، وأن ابن بطوطة في رحلته خصّ أبا الحسن علي ابن سعيد بلقب أمير المؤمنين دون سواه من الملوك. كما وقف بنعضرا على فكرة الطايب التي تفيد أن توظيف لقب أمير المؤمنين في حق سلاطين المغرب في رحلة ابن بطوطة تحيل إلى قوة المغرب في علاقته بالمشرق، وأن الرحالة وظّف آلية المقارنة للتأكيد بأن المغرب ينصر الإسلام ليخلص إلى اعتباره القطب والمركز، أي الأمة-الوطن مثلما يتّضح من تلقيب السلطان المغربي في الرحلة بخليفة الله في الأرض، وأن تخصيص ابن بطوطة لحيز كبير لذكر فضائل السلطان أبي عنان، هو تأكيد من زاويته لأحقيته في الخلافة وقدرته على توحيد صفوف الأمة الإسلامية. بعد ذلك استعرض بنعضرا العديد من الاستشهادات التي تفيد استبعاده فكرة أن تكون لأبي عنان طموحات للتوسع في المشرق وذلك لثلاثة أسباب: زوال هيبة الخلافة، عدم اعتراف الأدبيات المشرقية بالخلافة المغربية، واقتصار المؤرخين المرينيين على التأريخ للمغرب الأقصى.

استهلت الأستاذة فاتحة الطايب كلمتها في آخر اللقاء بعرض أهم دوافع اهتمامها برحلة ابن بطوطة، وصولا إلى تساؤلها بعد التعمق في دراسة الرحلة والأبحاث التي أُنجزت حولها: ما الذي يبرر اليوم وصف ابن بطوطة الفقيه المغربي  المسلم القروسطي (القرن 14م) بالمواطن الكوني والحال أنه لم يتعد النصف الشرقي للكرة الأرضية باستثناء  بضع أجزاء؟

لتُجيب بأن مفهوم المواطنة الكونية مفهوم متعدد الأبعاد في غياب وطن موحد مخصوص اسمه "العالم" ينتسب إليه المواطن باوراق ثبوتية يكتسب من خلالها الحق الفعلي في المواطنة. فأن تكون مواطنا كونيا اختيار  فردي له علاقة  بمدى إيمان الفرد  بانتمائه الإنساني  وقدرته على تقبل الاختلاف، مع العلم أن الاختيار الحر للفرد يظل مرهونا بالموقع الجيو -سياسي والإرث التاريخي والثقافي للوطن الذي ينتمي  إليه  المواطن بأوراق ثبوتية .

  اوضحت الطايب ان ابن بطوطة،  ثنائي اللغة والثقافة (عربية-أمازيغية)، الذي انطلق  وحيدا من مدينة  طنجة "البينية"،  قد قام برحلته واخترق العوالم الاسلامية وبعض الأجزاء الاوروبية المسيحية وهو واثق من نفسه بفضل انتمائه إلى المغرب، البلاد الشريفة، وانتمائه إلى الأمة الإسلامية. وفي اثناء رحلته يتضح لمتتبعه  أنه كان واسع الأفق وأن فطرة السياحة لديه جعلته يسعى إلى الاطلاع على العجيب والغريب مع الالتزام بالموضوعية المقترنة بخلفية دينية ليس في البلاد المسيحية فحسب، بل حتى في البلدان الوثنية. موضوعية مكّنته من عقد مقارنات، والتأسيس لعلاقة " لطف "  مع الآخر المختلف بعيدا عن كل تعصب في الغالب . الأمر الذي يجعل منه إنسانا متميزا  اليوم، شمل الانتماء إلى  الأمة  الإسلامية بالنسبة إليه الانتماء بالضرورة إلى  وطن  يملك خصوصية تغذي الاندماج ولاتعيقه،كما ان الانتماء إلى بيت خاص (طنجة -المغرب)، في ظل انتمائه إلى البيت الإسلامي، جعله يربط علاقة  إنسانية  مع الآخر المختلف الذي يثمن بموضوعية حضارته وثقافته المادية .

مايستفاد منه اليوم، أن الذات التي لا تنتمي إلى وطن خاص، ذات لاتملك مايخول لها السعي وراء المواطنة الكونية لأنها تعد في هذه الحالة على هامش العالم .

***

متابعة الباحثة: فاطمة الزهراء عجول

 

نكتفي بالصمت أنا وصديقي احمد الربيعي، منذ الخطوات البطيئة الأولى التي بدأت عند عتبة مقهى الشابندر في شارع المتنبي، الربيعي طبيب متخصص بالطب الباطني مقيم في استراليا،كان صباحاً مشمساً يدعونا للمضي أكثر، نجوس الطرقات المهجورة المؤدية الى مدرسته في سبعينيات القرن الماضي (الإعدادية المركزية)، وأرصفة الشارع عامرة بالخطى الواهنات، الشمس تصعد قليلاً بنور ساطع، يتجمع الناس كتلاً ودوائر، حول قاعدة تمثال، يلتقطون صور السيلفي مع المتنبي، أو حول مطعم كبة السراي الشهير، الأحاديث ممزقة متشنجة، الصمت متورم مملوء بالهواجس والخوف، كانت لدى الربيعي رغبة ملحّة في العودة إلى أيام الدراسة، حاولت أن أثنيه عن الزيارة، كنت أسعى أن لا يرى المكان على حقيقته الصادمة، اقترحت عليه بدائل أخرى ذات إيقاع مختلف، يقبل عليها الزوار.4881 جمال العتابي واحمد الربيعي

بظل ابتسامة ترتسم على شفتي الربيعي، سرنا على هواه ومزاجه وقياساته، على يسارنا مبنى الحكومة أو ما يعرف بـ(القشلة)، بحائطها السميك الذي تصاعدت فيه الرطوبة نحو أعلى تيجان الركائز الساندة للجدار، ما زالت حكايات الولاة العثمانيين الذين يمكثون في الحصن لم تنته، لدينا ألف تعلّة لم تنته، بموازاة القشلة مبنى آخر، ليس سوى جدار الواجهة الأمامية، البناية كانت تسمى متصرفية بغداد، هنا صوت يرن في خاطري خلف الجدار الوحيد المتبقي لمبنى نهشته أيادي السراق مثل فريسة أحالوها إلى ركام في حرب ضروس، صوت (والي بغداد)، في سبعينيات القرن الماضي، الذي أصدر فتاوى (تحريم الميني جوب).4882 جمال العتابي واحمد الربيعي

مضينا تطالعنا ملامح الأبنية المعذّبة، كنا نقطع شوطاً من المسافات مشياً، أعيد ما بيني وبين وزارة المعارف الملاصقة للشرطة العامة، من يردّ لها بياض الوجوه؟ من يستعيد بهاء العيون، منها انطلقت رحلة العمل في التدريس، في نهاية الستينيات صدر عنها أول أمر تعيين لي في الحكومة، رحت أبحث عن زاوية أودعت فيها بعض الأشياء، أوراق العمر، تركت عليها الأسماء، ثم نسيت الأسماء. خلف المبنى، يطلّ المصرف العقاري في  الركن المواجه للساحة التي يتعامد فيها شارع الزهاوي، أو ما يعرف بشارع حسان بن ثابت المركز الرئيس للمطابع ومقرات الجرائد لعقود من الزمن، المصرف الآن كأنه حقل محروق، أكداس من النفايات سدّت كل منافذه، ماذا لو قام أولئك الذين كانوا يشغلون الغرف الزجاجية فيه من مناماتهم، عن أي شيء سنحدثهم؟ لا ندري إن كانت تدبّ فيها حياة من جديد؟ أم أن الأزمان تمضي وتستقر في خزائن التاريخ اللانهائية؟ بلى كل الأزمان تمضي إلا زمن الخراب! ما زالت آثار مركز شرطة السراي شاخصة، وإن غلّفها الصمت، غارقة في نومها الأبدي، تفوح منها رائحة بول المعتقلين، أو المسفّرين الى السجون في أطراف المدن الصحراوية.4883 جمال العتابي واحمد الربيعي

قلت لصديقي أحمد، وفي نفسي صرخة محبوسة: كثيرة هي الجراحات، وغزارة النزف، كانت مركبة الشرطة تمضي بنا الى هذا المعتقل، لم يمر وقت طويل لاصطيادنا في فخ أقامه والي بغداد يستبيح فيه الورد وسيقان الصبايا الجميلات بأصباغ نتنة، كان الوالي يعيد عصر الظلام، ويترصد الجمال، ليخطف المعاني والأحلام، اقتادونا أنا وصديقي القاص عارف علوان إلى قفص حديدي، كأننا سبايا غزوات، وحشرونا على جدرانه ما بين حمّى الحقد وروح الإذلال، كانت الأيادي تعيدنا لإرث الصحراء، تلوح بالمقصّات لجزّ شعر رؤوس الخرفان، عفواً (الخنافس)، الذين تطاولوا على أمن الدولة، وتمادوا في إطلاق لحاهم، كان المشهد أشبه بحفل (عرس) أقامه الغجر البائسون، يرافقه صياح بوليسي هستيري: دعوا رؤوسكم مطأطأة أيها (المتخنثون)، هكذا تتعالى أصواتهم مثل سياط التعذيب.4884 جمال العتابي واحمد الربيعي

لم يتبق أمامنا سوى بضع خطوات لنكون في مواجهة البوابة الرئيسية للإعدادية المركزية، قلت لصديقي الربيعي: لنتوقف هنا عند هذا المبنى، ارفع رأسك قليلاً إلى الأعلى ما تزال بقايا لوحة (post) معلقة على الجدار تسألك: هل تذكرني؟ قال الشباك المفتوح، أسفل اللوحة، هل تعرفني؟ أنا دائرة البريد المركزي، ذبل لوني، وأصبح الحزن رفيقي، هل أتنبأ بأنك عدت الآن لتزورني وحائطي الأسود مبتل بسخام الطرقات؟ أكاد لا أصدق يا زائري أنك تعود إلى هنا حين غابت الخطوات عن الدرب، ما تزال صناديق الرسائل مغلقة، وأختام البوسطجيه مركونة في سلة حزن مهملة، أنا وحدي بقيت هنا، أبحث عن بلاد تضم رفاتي. تأوه أحمد حسرة، نفض عن يديه رماد الآجر المتآكل، لمحتُ في مآقي عينيه عَبرَة. قلت له: أريد أن أسمع ما يعتلج الآن في أعماقك، قبل أن تجتاز قدماك بوابة مدرستك:

– نعم يا صديقي أكاد لا أصدق صمت هذه الجدران، ولا خفوت رنين جرس المدرسة كان مثل قيثار يستفيق تارة ويصحو تارة أخرى، كأنه ناقوس دير يدعو للصلاة والشوق.

– دعنا يا أحمد أن نستعيد تاريخ هذا الصرح الذي كان موضع اهتمام الملك فيصل الأول، في غربه يجري نهر دجلة، يحجبه عنه دارٌ لبيت الحكمة، وشماله عبق التاريخ ممثلاً في القصر العباسي، وللحب طعم في جنوبه، في ملهى الهلال (مقهى البلدية) غنّت أم كلثوم في ثلاثينيات القرن الماضي. درسَ هنا عبد الكريم قاسم وطه باقر وحسين علي محفوظ وناظم الطبقجلي وقحطان المدفعي، وكمال السامرائي وفؤاد حسن غالي وعبد الوهاب البياتي، هؤلاء وغيرهم من نخب العراق الثقافية والعلمية تعلموا على يد أحمد سوسه وعبدالجبار عبدالله، يكفي المدرسة مجداً أن لجان تحكيم مسابقتها الأدبية كانت تتألف من علماء اللغة، أمثال مصطفى جواد، وعبد الستار الجواري.4885 جمال العتابي واحمد الربيعي

ما أضيع ما تسفحه الأدمع؟ كان الربيعي يتحسس الرحلة التي شغلها في صفه الخامس العلمي في الطابق العلوي، هنا قدمٌ، وهناك أقدام وحقائب، وأيادٍ تعطي، من قدسية الموضع، كان يرى ما لا أراه، يسمع ما لا أسمع، تُرى هل توسدت مدرستي أذرع البلوى، وغطّت في منام؟ أين شجرة السدر التي كانت تظلل الممشى؟ يبدو أن الفراشات ملّت رصاص الحروب، والعنادل حاصرها القتلة والجوع! أيا قدر المدرسة؟ يسألني:

– هذا ما يبيته لنا الزمان يا صديقي في تسلط هؤلاء الوافدين، لقد خسرنا الرهان، ها هي الريح تذرع المزابل، والشوارع والبيوت والمدارس، لتستقر في وجوه العابرين، تعبت خطانا يا أحمد تعبت في متاهات السنين، لنسترح قليلاً، فذا مكانك وكحل عينيك، تغفو وتصحو، والخراب هو الخراب.

لم يعد الماضي يسكن الساحة الأمامية للمدرسة، ليس له شميمه، ولا عطره ولا ذكرياته، بعد أن لملم زمانه الشائخ وانطوى، نقف في وسطها كما لو كانت حلماً أو ذكرى منسية، أمامك تسقط كل ذكريات الفتية وحقائبهم التي تحمل أسرارهم وأحلامهم، الفتية الذين تعلموا في أروقتك شرط وجودك الإنساني المتسامي، ومقامك العلمي الرفيع، وإرثك الباذخ في التفوق، ها أنا أرثي مجدك المضاع لأن الزمن لم يعد يأبه بالعلم والمدرسة، لكني أعرف عندما يهرم المرء، تتناساه ورود الصبح، غير أن الورد قد يذبل والماء قد ينضب، والوجه يهدم، وتظل الكلمات، فأي إرث هذا الذي تزمّين شفتيك كرهاً من دون أن تموتي؟

***

جمال العتاب - بغداد

 

ندوة فكرية تربوية بمراكش تقارب صعوبات التحصيل الدراسي وأساليب الدعم البيداغوجي

في إطار الشراكة التي تجمع بين كلية اللغة العربية ومؤسسة كشبريس الإعلامية، التأمت يوم الخميس 9 فبراير الجاري، برحاب كلية اللغة العربية مدرج العلامة محمد الشرقاوي إقبال، ندوة فكرية تربوية في موضوع “صعوبات التحصيل الدراسي وأساليب الدعم البيداغوجي”، بالإضافة إلى حفل توقيع كتاب بحثي ثمين “سارليكسيا: بوح شفيف” للكاتبة والشاعرة المغربية فوزية رفيق الحيضوري.

وافتتحت كلمات الملتقى، من قبل عميد كلية اللغة العربية الدكتور احمد قادم ورئيس المؤسسة الإعلامية كشبريس الدكتور مصطفى غلمان، ومدير الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بمراكش آسفي الأستاذ مولاي احمد الكريمي، أضاءت جوانب هامة من إشكالية بيداغوجية أساسية، ترتبط بصعوبات التحصيل الدراسي. واتفق المتدخلون في كلماتهم، على أهمية عرض تجارب الاستماع في المدارس، وأدوارها في بناء الشخصية المتعلمة، مؤكدين انتصار الحوار مع المتمدرسين المتعثرين، وإدماجهم في المنظومة التربوية بشكل يضمن سلاسة العمل الميداني، بمقاربة تربوية فاعلة.

وفي أولى جلسات الملتقى التي قامت بإدارتها الدكتور فاطمة حسيني أستاذة التعليم العالي بالرباط، كشف الكاتب والباحث في التربية والتكوين الأستاذ عبد الرحيم الضاقية في مقاربته النقدية “من الإنصات إلى الحمق، إلى حمق الإنصات”، قراءة في كتاب سارليسكيا بوح شفيف، للكاتبة والباحثة فوزية رفيق الحيضوري، عن تهيب كبير، نظرا لزخمه من حيث حضور ظواهر تربوية ومجتمعية ونفسية وعاطفية .. كثيرة لا يكمن الإحاطة بها من إطلالة تخصص واحد بل تحتاج إلى قراءة متعددة ومنفتحة على مشارب مختلفة4847 ندوة المغرب

وحاولت القراءة الدخول إلى عالم هذا المؤلف من قراءة عكسية /عاكسة من خلال عدة مداخل، من بينها وضعية المؤلفة وهي في نفس سن التلميذات التي تنصت إليهن وهي أستاذة حيث كانت في هذا السن تنصت للمرضى النفسانيين في مستشفى الرازي بسلا، ومن هنا سوف تصاب بلوثة الإنصات إلى عمق التجربة الإنسانية.

وأبرز ذات المتحدث، في نفس السياق، الانتقال من الإنصات للحمق البارحة إلى حمق الإنصات اليوم عبر مركز الاستماع الذي أسسته في مؤسستها التعليمية بمراكش، ثم الانتقال من معلمة مستشفى الرازي، وهو طبيب فارسي عاش في القرن 3 هـ وهو أول من تحدث عن مرض الجسد ومرض النفس . إلى ثانوية للا عودة السعدية وهي في الأصل مسعودة الوزكيتية أم المنصور الذهبي التي كانت امرأة متمردة على التقاليد التي عرفها مجتمعها.

وقال الناقد الضاقية، أن الكاتبة تسرد حكايات حالات مررن معها في مركز الاستماع، وفي نفس الوقت تتحدث من خلالهن عن هواجس ووضعيات ذاتية تفكر فيها أو تعيشها أي أن المرآة العاكسة تنشغل بالآخر لكنها تصور الذات في الآخرعبر الحديث من خلاله، مبرزا أن المؤلفة تشتغل بمنطق عكسي بين الفراغ والامتلاء ففي الوقت الذي تحاول إفراغ ذوات المستفيدات من المركز من مشاكلهن وأثقالهن، تشعر هي بالامتلاء والمسؤولية مما يجعلها تزيد من إصرارها وصمتها الذي يعد شفاء للآخرين.

ومن وجهة نظر الباحث، يتابع الضاقية، فإن المحاولة تبقى إعادة قراءة للفضاء المدرسي بعين تغوص في ذات الأخر (ص 17) من أجل اجتراح أساليب وطرق لمعالجة الوهن النفسي  والوصول  إلى النتائج التي أدت إلى خروج المستفيدات من عنق الزجاجة وعلاج أمراض الروح قبل أمراض الجسد .ولن يتم ذلك إلا بمأسسة التجربة واستمراريتها على مستوى جميع الإعداديات والثانويات على مستوى ربوع الوطن كي لا تبقى أمثال سارة وبهية وونزيهة.. غارقات في بئر عميقة من الصمت.

أما الدكتور المصطفى عيشان، الأستاذ الباحث بجامعة القاضي عياض ورئيس الرابطة الجهوية لجمعيات أمهات وآباء وأولياء التلاميذ بجهة مراكش آسفي، فقدم مداخلة تحدث في محورها الأول عن نظرة عامة لمحتوى الكتاب وما تضمنه من مفاهيم ومصطلحات وذكر الفاعلين الذين كان لهم علاقة بتجربة مركز الاستماع والذي تحدثت عنه الكاتبة ضمن تجربتها بالثانوية التأهيلية العودة السعدية، إذ ركز على الهدف من تأليف الكتاب.

وذكر الباحث عيشان بالمصطلحات الواردة به، والأزمنة والأنشطة التي غطتها التجربة مع ذكر المظاهر المعاينة كالإقصاء الاجتماعي والعنف، والطلاق، واليتم، والفقر، والتحرش، والتنمر، والتمرد… كما بين مسرح الأماكن التي جرت فيها التجربة سواء على المستوى الدولي أو الوطني أو المحلي.

وتماهيا مع الكاتبة لخص الدكتور عيشان في المحور الثاني في عناوين نماذج الحالات التي استفادت من مركز الاستماع، مما خول له وضع مشروع تربوي ضمن المحور الثالث أسماه قراءات مفيدة يهدف قراءة عمل أدبي لتحقيق الامتاع والتأثير، ينتظر منه نشر ما ورد بكتاب سارليكسيا لكل غاية مفيدة.

وحول تجربة “سارليكسيا بوح شفيف” قدمت الأستاذة ليلى بنسليمان رئيسة جمعية أصدقاء المدرسة العمومية وعضو المجلس الأعلى للتربية والتكوين، إضاءة معرفية واعية بظروف واختيارات “سارليكسيا ..” مفهوميا وإبداعيا. وعرجت الخبيرة بنسليمان على قضية الوعي بالمشكلات المعقدة لصعوبات التعليم، مذكرة بشرطيات العمل الميداني التي أبرزتها المؤلفة في كتابها.

وأشارت بنسليمان إلى إضاءات الكتاب الفارقة، وسبل إعادة قراءتها من مجالات مختصة، داعية إلى إدارة القضية من زوايا التربية وبيداغوجيا التدريس، بالإضافة إلى ما يرافقها من أبعاد اجتماعية وإنسانية، كفيلة بضبط الأسئلة والبحث عن إجابات شافية عنها.

وفي الجلسة الثانية التي ترأسها الدكتور سعيد العوادي نائب عميد كلية اللغة العربية بمراكش، حول أعمال ومنجزات رائد علوم التربية الدكتور محمد الدريج، حاول الدكتور محمد الشرقي أستاذ التعليم العالي بمراكش، تقديم تقرير تركيبي حول إسهامات المفكر المغربي محمد الدريج أحدٍ أهرامات الفكر التربوي في بلادنا والذي تكونت على يديه ان بشكلٍ مباشر او غير مباشر اجيال من المدرسات والمدرسين.4848 ندوة المغرب

وما يلفت الانتباه ونحن نتحدث عن الاستاذ الدريج، يضيف الشرقي، هو غزارة إنتاجه في هذا المجال وهذا يبين انه لم يكن فقط أستاذًا ينفذ منهاجا تعليميًا رسميا بل كإن أستاذا متبصرا وفاعلا يتأمل باستمرار تجربته وممارسته المهنية مبينًا امكاناتها نقط قوتها ونقط ضعفها.

وأكد الباحث الشرقي، أن الدريج ساهم في تقديم مجموعة من البيداغوجيات الحديثة للقارئ العربي بأسلوب بسيط وبطريقة تعليمية مثل بيداغوجيا الأهداف وبيداغوجيا الكفايات ولم يكتف بتقديم هذه البيداغوجيات بل درسها دراسة نقدية مبينا إيجابياتها وكذا حدودها ومن بين حدودها في نظره أنها اهملت العمل على بناء شخصية المتعلم ولم تأخذ بعين الاعتبار المعطى السوسيوثقافي وخصوصية المجتمع المغربي.

واعتبر المحاضر، أن كتابه المنهاج الجديد يعد وثيقة تاريخية تناولت بالتحليل والنقد اهم منعطفات النظام التعليمي في المغرب ويسجل في هذا الإطار ان جل الإصلاحات كانت متسرعة وهيمن عليها التخبط والارتجال. لذلك نجده مافتىء يدعو للقيام بانتفاضة تربوية وبربيع تربوي يساءل الواقع التربوي والتعليمي في بلادنا بنظرة الباحث المتمرس الذي ينزل الى الميدان ويجيد الانصات لكل مكونات المنظومة والفاعلين فيها.

وحول “مقاربة التدريس بالملكات عند محمد الدريج”، حاول الدكتور محمد فخر الدين، أستاذ التعليم العالي، ترنو تبيان مساهمة الدريج في الإصلاح البيداغوجي لنظام التعليم، وجعله قادرا على مواجهة مختلف الصعوبات والتحديات  خاصة على المستوى المنهاجي – الديداكتيكي.

وقارب المتدخل، مسألة تعميم تعليم مندمج و أصيل عالي الجودة، و تبني مبادئ و مفاهيم تربوية تراثية، وكذا توظيف مفاهيم وأدوات تدريسية متجددة مما يشجع في المنظومة التربوية، التفاعل بين الموروث الثقافي والتطورات والكشوف التربوية المعاصرة، وذلك بالعمل على، دراسة الممارسات والتجارب التربوية في تراثنا وإغنائها وتوظيفها، دراسة التجارب التربوية العالمية وتقويمها والاستفادة منها، ومد الجسور التربوية-التعليمية بين هويتنا الثقافية والمنجزات العالمية المعاصرة، وترسيخ لدى المتعلم الهوية التراثية-الأصيلة التي ترفض الاغتراب والاستلاب وخلق الانسجام والتوازن بينها وبين الهوية المنفتحة التي تتميز بالحوار وبالتواصل المعرفي والانخراط في مسيرة الحضارة الكونية، والمساهمة في الانعتاق من النقل والتقليد، وتفعيل شخصيتنا الأصيلة والمبدعة، سواء كأفراد أو جماعات والمساهمة بفعالية في تقويتها بالتربية البدنية والتربية الفكرية وبترسيخ الاتجاهات الايجابية المقبولة والقيم الأخلاقية وقيم المواطنة، والرقي بشخصيتنا وقدراتنا المبدعة،من خلال هذا النموذج وغيره، وإصلاح شامل وعميق لوضعية البحث التربوي والعلمي في بلادنا (التطبيقي منه والأساسي)، حيث تنشأ مبدئيا النماذج وتتبلور الحلول وتنضج النظريات.

وانبرت مداخلة الدكتور عبد العزيز لحويدق، أستاذ التعليم العالي، والموسومةب”عقلنة الفعل البيداغوجي وأنسنته “إلى النفاذ للخلفية الإبستيمية للمشروع البيداغوجي للدكتور محمد الدريج الذي شكل منعطفا هاما في تاريخ التفكير الديداكتيكي في المغرب، إذ نقله من مرحلة التركيز على المحتوى والذاكرة إلى مرحلة الوعي بالأهداف والمقاصد والقدرة على تنزيلها إجرائيا في الفصول الدراسية وفق عمليات عقلانية تخطيطا وإنجازا وتقويما بنوع من التكامل والانسجام.

وبالرغم مما لوحظ على بيداغوجيا الأهداف من ملاحظات تهم بالأساس الجوانب السلبية الحافة بها كالسطحية، والتفكيك المفرط، والتنميط، يضيف الدكتور لحويدق، فإن محمد الدريج كان فطنا إلى تلك المزالق لأن سفر الأسس النظرية من الحقل الأكاديمي الأصلي إلى الحقل التربوي يقتضي التكيف مع المجال الهدف الذي محوره الإنسان في أبعاد شخصيته المتعاضدة في جوانبها الحسية الحركية والعقلانية والوجداني.

ومن ثم، يؤكد الباحث المحاضر، فأي تجديد لاينبغي أن يحدث قطيعة مع السلف البيداغوجي وذلك عملا بمنطق الاتصال والانفصال. وقد بدا هذا واضحا في كل المحاولات التجديدية اللاحقة إذ لم تستطع الانفكاك من نموذج بيداغوجيا الأهداف، وذلك ليس نقيصة وإنما هو ترصيد لما هو ضروري، وتغدية واستدراك بغية التجويد وتشييدفلسفة إنسانية تعد المواطن للحياة بتعقيداتها وما تتطلبه من قدرة على الابتكار والإبداع وحل المشاكل الطارئة، لأن الزمن المدرسي محدود وزمن الحياة ممتد،ومن هنا وجب التسلح بالمعارف والمهارات والقدرات وبالمنهج النقدي المرن القادر على اجتراح الأجوبة المناسبة للوضعيات الجديدة.

وخلص لحويدق، قائلا :”والحق يقال أن إسهام الدكتور محمد الدريج لم يفقد راهنيته، بل يعد مقدمة ضرورية لكل تجديد، وذلك انسجاما مع قولة مأثورة لأمين الخولي:”التجديد هو قتل القديم بحثا”.

وعرف الملتقى، تدخل كل من الدكتور محمد الدريج والأستاذة فوزية رفيق الحيضوري، اللذان ينتجان على مدارة معرفية واحدة، آثارا جديرة بالمتابعة والنقد، واستخلاص العبر.

وأفرد الدكتور الدريج في كلمته العميقة، جانبا ملهما في تجربة التحسيس بأهمية إيجاد وسائل بيداغوجية بديلة لإنتاج محتوى مائز لبناء أساسات متينة لمحاربة أو الحد من تداعيات الصعوبات التعليمة. وأكد المكرم على ضرورة انتقال الإصلاح التعليمي من مجرد التنظير إلى الإحفاز الفاعل على تدبير إشكالية خطيرة على المدرسة ومستقبل أبنائنا.

في حين اعتبرت الكاتبة فوزية رفيق الحيضوري، في كلمتها بالمناسبة، أن تجربتها في مراكز الاستماع، هي حصيلة معرفة وأفق مفتوح على كل واجهات العمل البيداغوجي والتربوي. مبرزة أفق الاعتماد على المكتسبات، وتقييمها من أجل غد أفضل.

نشير في الأخير، إلى أن اللقاء شهد توقيع كتاب “سارليكسيا بوح شفيف” للكاتبة فوزية رفيق الحيضوري، وكتاب “هل انتهى عهد البيداغوجيا؟”، بحضور كثيف ووازن تشكل من عديد وجوه ثقافية وأكاديمية وإعلامية .

***

مراكش - خاص

نظمت جمعية الأصيل للثقافة والفنون وجمعية آفاق الثقافية حفلا لتوقيع المجموعة القصصية "فحص مضاد" للأديب أبو الخير الناصري، وذلك مساء السبت 28 يناير 2023م، بمركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية بأصيلة.

شارك في هذا اللقاء الذي سيره الأستاذ مصطفى البعليش الباحثون: الدكتور عبد المالك عليوي، والأستاذ محمد المودن، والأستاذ عبد الصمد مرون.

بعد كلمة ترحيبية للجمعيتين بالمناسبة، أُعطيَ  الكلمة الدكتور عبد المالك عليوي الذي اختار لكلمته العنوان "أبو الخير الناصري يمطر بوحا"، فقدم مجموعة من المفاتيح المساعدة على اكتشاف عوالم المجموعة من حيث لغتها، وأحداثها، وما تضمنته من أمكنة وأشخاص.

وقد أشار د.عليوي إلى أن هذا العمل يقدم فصولا من الحكي المشع بلغة شفافة، سلسة، تدعوك للوهلة الأولى إلى السفر بين روابي الاستعارات الناطقة بشعرية التفاصيل، وبحكايات شخوص وطباع أناس من القيعان الأصيلية وغير الأصيلية، وعادات و سلوكات بشرية قلما نعيرها اهتماما ونحن نمضي مع تشظي الزمان وانفصالاته القاتلة .

كما ذكر أن السارد في فضاء المجموعة يعيد ربطنا بأزمنة توارت وذاكرة متحركة تطبعها الحيوية، ولكن طابع الموضة والشرط التاريخي يجعل السارد مستمسكا بلغة الحنين، والمكان القابع في ذاكرة جمعية، تطارده عبر منعرجات الطفولة، والحاضر والمستقبل، هي حركة وجود يعشق ركوب فصول حلزونية تلقي به في أتون الحياة في سعتها وتقلباتها السريعة أملا في عشق الجمال وأملا في قبض فصل طويل من الحكي والحكي المضمخ برذاذ القيعان.

المداخلة الثانية كانت للأستاذ محمد المودن، وجعلها في محورين:

انطلق في المحور الأول من السؤال: "هل تخلى أبو الخير الناصري عن شخصية الناقد في عمله القصصي أم إن هذه الشخصية حاضرة في قصصه القصيرة؟".

وميّز في الإجابة عن السؤال بين من يمارس نقدا على العمل الأدبي وبين من يمارس نقدا من خلال النص الأدبي، وقال إن المجموعة المحتفى بها لا تخلو من ألوان من النقد الخفي وغير المباشر تدل على نضج المؤلف  الذي جعل النقد متكلما داخل فن القصة مع أنها من الفنون التي نعتها نورثروب فراي بأنها خرساء. واختار ذ. المودن عددا من قصص المجموعة لتحليلها وبيان المنزع النقدي فيها (دروب/ اختناق...).4764 الناصري

في المحور الثاني من مداخلته توقف المتدخل عند خصوصية المكان في المجموعة، واصفا إياه بأنه يؤدي أدوارا رئيسة، وذلك لأن أسماء الأمكنة في "فحص مضاد" ترتبط بتمثلات المتلقي، ولاسيما الأمكنة الحقيقية الموجودة بمدينة أصيلة (للا رحمة/ مدرسة ابن خلدون/ الطيقان/ حديقة محمد عابد الجابري/ سينما مكالي/ مقهى مكناس/ مقهى الأميرة/ مطعم الجوهرة/ CASA PEPE...)، وهي أمكنة لا تحمل الحدث فحسب، ولكنها تجعله حائكا لما يلي قراءة القصة من تأويلات واستحضار للذكريات.

وربط ذ.المودن المكان بالذاكرة، مقسما إياها إلى نوعين داخل المجموعة:

ذاكرة صادقة ارتبطت بذكريات عاشتها الشخصية وتم استرجاعها، فهي صادقة وترتبط في الغالب بمكان حقيقي تحركت داخله الشخصية في القصة،كاستحضار ذكريات مع الراحل محمد البغوري في مقهى الأميرة، وذكريات الطفولة مع بائع الكالينطي (قصة كليينطي)، وهذا النوع من الذكريات يؤسس أحداث القصة، أو يغير مجراها داخل المجموعة.

وذاكرة حالمة تحلق خارج نطاق الذكريات التي عاشتها الشخصية، فهي تمثل  ما كانت الشخصية تتمنى أن تعيشه، وهذا النوع من الذاكرة يلازم تفكير الشخصية ويرتبط بها ويشكل الحدث في القصة، ومثّل له المتحدث  بالقصتين "ليلة من حياة نادل" و"اختناق"، ليخلص من تحليل النصوص المذكورة إلى أن الذاكرة والمكان شكلا معا ثنائية تكاد تكون كيانا واحدا يضمن المؤلف من خلاله استمرارية  زمن وجود الشخص الأصيلي (ابن مدينة أصيلة).

أما الأستاذ عبد الصمد مرون  فانطلق من إشارات موجزة مكثفة عن عنوان المجموعة "فحص مضاد"، ولوحة غلافها، ثم قدم أربع ملاحظات على هامش المتن القصصي مزج فيها بين الحديث في شكل الخطاب ودلالته.

فقد نبه، أولا، على ارتباط الأحداث في قصص المجموعة بالواقع المعيش، مبينا أن الكاتب ينتزع بذرتها من الحياة أحيانا، ويضفي عليها ألوانا من التخييل كيما تستحيل عملا إبداعيا، وهي أحيانا محض تخييل، لكنه تخييل ممكن الحدوث، وهي إجمالا أحداث واقعية، يعزز واقعيتها أن بعض الأماكن حقيقية، وأن بعض الأشخاص من دم ولحم، بالإضافة إلى تعالقها بأحداث معروفة بأصيلة وخارجها كموسم أصيلة الثقافي الدولي.

وتحدث، ثانيا، عن أبطال قصص المجموعة، مبينا تعدد أنماطهم، ذاكرا نمط البطل/ المثقف الحامل لسمات النبل، والقادر على تقليب الأمور على وجوهها (كما في قصة "بسمة شرطي)، ونمط البطل الذي يخلع عن نفسه جلباب البطولة ليسلمه لشخص غيره (كما في قصة "تقرير لم يكتمل")، ونمط البطل/ المحتال الذي يتلاعب بمشاعر الآخرين لخداعهم والاستيلاء على مالهم (قصة دروب أنموذجا)، موازنا في ذلك كله بين نسبة حضور كل نمط من الأنماط الثلاثة.

وأبرز، ثالثا، هيمنة الراوي المتكلم (أنا) في أغلب نصوص المجموعة، مبينا قدرة هذا الضمير على  جعل القارئ يستشعر حميمية الذات (الأنا) بمشاعرها التي توهم بصدق الانفعال.

وتساءل، رابعا، عن الصلة بين شخصية الناقد والقاص في كتابات الدكتور أبو الخير الناصري، مؤكدا عنصر الانسجام بين كتاباته لانطلاقه من أسس واضحة، ولإدراكه خصوصية كل جنس تعبيري، مستدلا على ذلك بالموازنة بين كتاباته القصصية وكتاباته الفكرية والنقدية..مستخلصا أن قصص "فحص مضاد" تستنفر القارئ للتفكير فيما نعيشه، وتبني متخيلا حميميا، وتجعل من المألوف والمعتاد مساحة للتأمل والتفكير.

وفي كلمة أخيرة تحدث صاحب الكتاب الأديب أبو الخير الناصري عن ملامح من بداية صلته بالقصة والسرد منذ مرحلة الدراسة بالتعليم الثانوي الإعدادي، مشيرا إلى طابع الحكي الذي استمد بذرته مما كان يسمعه من مرويات والده، ومعددا بعضا من مقروءاته في القصة القصيرة ومظانها كمجلة العربي الكويتية، وجريدة العلم المغربية، والمجاميع القصصية لنخبة من الأدباء.

كما تحدث المحتفى بعمله عن محاولاته الأولى في الكتابة القصصية، وما لقيه من تشجيع من بعض أساتذته في مرحلة التعليم الثانوي، وذكر بداياته في نشر القصص والمشاركة بها في الأمسيات المخصصة لقراءة القصة، مبينا بذلك كله الطريق الذي سلكه قبل أن يجمع عددا من قصصه القصيرة بين دفتي "فحص مضاد"...

شارك في هذه الأمسية كذلك التلميذتان إخلاص أخزان وهبة قيسون بقراءة مختارات من المجموعة القصصية المحتفى بها، وتخللت اللقاء معزوفات موسيقية في الفن الكناوي من أداء فرقة الجمعية المغربية للحفاظ على التراث الكناوي بقيادة المعلم سعيد كويو، وأناشيد من أداء المطرب معاد دغنون، ليختم الحفل بتوقيع الكاتب نسخا من عمله لعدد من الحاضرين.

***

 

احتفت الأوساط الأدبية والثقافية والجامعية بالمفكر والأكاديمي العراقي الدكتور عبد الحسين شعبان، وذلك بدعوة من "اتحاد الكتاب العرب".

وقد استقبلت الدكتورة نجاح العطّار نائبة رئيس الجمهورية ووزيرة الثقافة الأسبق شعبان، كما التقى الدكتورة لبانة مشوّح وزيرة الثقافة السورية.

وكانت قاعة اتحاد الكتاب العرب بدمشق – المزّة قد اكتظّت بعدد كبير من المثقفين والأدباء والشخصيات العامة للاستماع إلى الأكاديمي والمفكر الدكتور شعبان الذي تحدّث عن كتابه "دين العقل وفقه الواقع"، في ندوة خصّصت لتقريظ الكتاب، والذي هو مناظرات مع الفقيه السيد أحمد الحسني البغدادي، حيث تناوله  كل من الأساتذة عمر زين الأمين العام لاتحاد المحامين العرب سابقًا والدكتور جورج جبور الرئيس الفخري للرابطة السورية للأمم المتحدة، والدكتور أحمد نزّال نائب الأمين العام لاتحاد الأدباء اللبنانيين، والدكتور بسام أبو عبد الله الدبلوماسي السابق والباحث بالقضايا الاستراتيجية.

هذا وقد التقى شعبان برئيس جامعة دمشق الدكتور محمد أسامة الجبان وعدد من المسؤولين في الجامعة، وتم الاتفاق الأولي على برنامج لمحاضرات وندوات وحلقات نقاش.

وكانت القيادات الفلسطينية قد رحّبت بوجود د. شعبان في الشام مشيدةً بمواقفه العروبية ومعتزّة بعلاقات الصداقة التاريخية التي تربطها معه، حيث التقى كل من الدكتور طلال ناجي الأمين العام للجبهة الشعبية – القيادة العامة، وخالد عبد المجيد الأمين العام لجبهة النضال الشعبي، وأبو أحمد فؤاد نائب الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، كما استقبل في مقر إقامته العديد من الشخصيات الإعلامية والثقافية السورية والعربية.

واختتم زيارته بحوار خاص وشامل أجرته معه أليسار معلّا للفضائية السورية، وغطّت وكالة أنباء سانا والصحف السورية بشكل عام تغطية كاملة لندوة اتحاد الكتاب العرب ونقلت ما جاء على لسان رئيس الاتحاد محمد الحوراني الذي قال: مرحباً بالأستاذ عبد الحسين شعبان الذي يتكلم عن الثقافة الجامعة وعن العروبة النقية التي تجمع أبناء الوطن على اختلاف طوائفهم وأديانهم وأعراقهم.

***

من عمّار علي - دمشق

- الفكر العربي المعاصر والتفلسف بالمطرقة مشروع كتاب يتناول فكر ماجد الغرباوي وتفكيك التراث

- (نُقَّاد يسلطون الضوء على جيل من المفكرين المُجَدِّدين

(المفكر التجديدي ماجد الغرباوي نموذجا)

يعتبر المفكر العراقي ماجد الغرباوي من المفكرين الثلاثة الذين ارتبط فكرهم بإعادة دراسة التراث وتفكيكه وهم: (حسن حنفي، محمد أركون ومحمد عابد الجابري)، إلا أن هذا الجيل كما يقول الدكتور قادة جليد وهو أستاذ بجامعة وهران لم ينل حظه من المتابعة الفكرية من قبل الباحثين والنقاد، رغم ما قدموه من جهود فكرية، بحيث لم يجد فكره انتشارا في الأوساط الأكاديمية والجامعية خاصة في المغرب العربي، لدرجة أن الكثير منهم يجهل اسم ماجد الغرباوي في الساحة الفكرية من المغاربة وهو الذي قدم دراسات عميقة حول التراث وشخّص أزماته وأعطى البدائل التاريخية للتراث.4698 ندوة الجزائر

المفكر العراقي ماجد الغرباوي من مواليد 1954 وفي ظل انتشار الفكر الشمولي والمذهبي في عهد صدام حسين هاجر إلى أستراليا ومارس البحث وأسس مؤسسة المثقف ومن خلالها ساهم في بعث النهضة الثقافية العربية نال خلالها مجموعة شهادات وأوسمة. اشتمل منجزه الفكري على مجموعة كتب تحت عناوين مختلفة: التسامح ومنابع اللاتسامح.. فرص التعايش بين الأديان والثقافات / إشكاليات التجديد / الحركات الإسلامية.. قراءة في تجليات الوعي / الضد النوعي للاستبداد.. استفهامات حول جدوى المشروع السياسي الديني / جدلية السياسة والوعي / تحديات العنف / النص وسؤال الحقيقة.. نقد مرجعيات التفكير الديني / الهوية والفعل الحضاري / مواربات النص / الفقيه والعقل التراثي / مضمرات العقل الفقهي / تحرير الوعي الديني / المرأة وآفاق النسوية / تراجيديا العقل التراثي / المقدس ورهان الأخلاق.

كتب عن منجزه الفكري والثقافي والأدبي عدد من النقّاد والباحثين، عرب وأجانب. كما صدرت عنه ثلاثة كتب للدكتور صالح الرزوق والدكتور محمود محمد علي والدكتور صالح الطائي. كما تُرجم كتابه التسامح ومنابع اللاتسامح إلى  اللغة الفارسية.

الفكر العربي المعاصر والتفلسف بالمطرقة

الفكر العربي المعاصر والتفلسف بالمطرقة كان موضوع ندوة فكرية نظمتها المكتبة الولائية للمطلعة العمومية بولاية معسكر غرب الجزائر قدمها الدكتور قادة جليد ومن تنشيط الأستاذ فؤاد النجار، سلط فيها المحاضر الضوء على الفكر العربي وأجياله. وموضوع الندوة هو عبارة عن مشروع كتاب يصدر في سنة 2024 يتناول فكر المفكر التجديدي ماجد الغرباوي ووضعه داخل إطاره التاريخي. يقول الدكتور قاد جليد: مع مطلع القرن الثامن عشر، شهدت الساحة الفكرية بروز جيلين من المفكرين، الجيل الأول ظهر مع بداية النهضة العربية ويمثله الطهطاوي، الكواكبي، الأفغاني ومحمد عبده وغيرهم، وهو جيل سمي بجيل الصدمة التاريخية فيه أدرك العرب تخلفهم وأدركوا المسافة البعيدة بينهم وبين الغرب، من هنا بدأ التساؤل حول لماذا تخلف المسلمون وتأخر غيرهم؟، ثم ظهر جيل جديد، وهو الجيل الثاني الذي طرح سؤال النهضة. وذكر المحاضر أسماء من هذا الجيل كالشبيل شملي، سلامة موسى، طه حسين، ووصل إلى المفكرين المعاصرين كمحمد أركون حسن حنفي وآخرون.

واعتبر المتحدث د. قادة جليد أن المفكر العراقي ماجد الغرباوي من المفكرين الثلاثة الذين ارتبط فكرهم بإعادة دراسة التراث وتفكيكه وهم: (حسن حنفي، محمد أركون ومحمد عابد الجابري)، إلا أن هذا الجيل كما يقول الدكتور قادة جليد وهو أستاذ بجامعة وهران لم ينل حظه من المتابعة الفكرية من قبل الباحثين والنقاد، رغم ما قدموه من جهود فكرية، بحيث لم يجد فكرهم انتشارا في الأوساط الأكاديمية والجامعية خاصة في المغرب العربي، وهو ما اعتبره جحودا في حق المشارقة الذين أعطوا مساحة خاصة للمفكرين المغاربة، لدرجة أن الكثير منهم يجهل اسم ماجد الغرباوي في الساحة الفكرية من المغاربة وهو الذي قدم دراسات عميقة حول التراث وشخّص أزماته وأعطى البدائل التاريخية لأزمات هذا التراث.

الإنسان العربي ومرجعيات التراث4701 ندوة الجزائر

من وجهة نظر الدكتور قادة جليد فإن الإنسان العربي لا يفكر إلا بمرجعيات التراث الذي أصبح يؤطر الإنسان العربي في فكره، ولذا يحاول المفكر ماجد الغرباوي أن يحدد علاقة الإنسان بتاريخه وهي رؤية ماضوية تقرأ بعقول أعدت للماضي، في الوقت الذي عرف الإنسان الغربي أو الأوروبي إن صح التعبير كيف يطور نفسه ولم يبق حبيس ماضيه، فمشروع الغرباوي إذاً يختلف عن الرؤية التغريبية والرؤية الاستشراقية التي يدعوا أصحابها إلى القطيعة مع الماضي، بل هو (أي الغرباوي) يدعو إلى القطيعة مع فهم معين للتراث وليس مع النص المقدس، فالغرباوي في نقده التراث والقداسة يفرق بين الدين والنص الديني، والمشكلة كما يضيف المحاضر هي في الفكر الديني، لدرجة أن الخطاب الديني أصبح ينافس النص المقدس. يقدم الدكتور قادة جليد مثالا عندما تحدث عن بعض الغلاة الذين جعلوا من صحيح البخاري نصا مقدسا بل جعلوه أقدس من القرآن نفسه، وهذا الذي ينتقده ماجد الغرباوي في دراساته.

 من خلال ما جاء في ندوة الدكتور قادة جليد يُفْهَمُ من كلامه أن هناك وجهات تقارب بين ماجد الغرباوي ومحمد أركون، هذا الأخير يسميها بالمدونات النصية الرسمية المغلقة، حيث أخذت طابع القداسة وأطلق عليها اسما آخر وهو السياج الدوغماتي، وهذا أخر تطور الفكر العربي، فالغرباوي يدعو إلى أرخنة التراث وعقلنته ويقول أن النص الديني شيء والفكر الديني شيء آخر، فهذا الفكر نشأ تاريخيا على فهم معين للنصوص الدينية، السؤال الذي طرحه الدكتور قادة جليد: كيف يستطيع الغرباوي بفكره أن يحول التراث إلى نسبي بعد أن كان مطلقا؟، الجواب هو أن الغرباوي من خلال دراساته بين أن المشكلة ليست في النص الديني المقدس وإنما في النصوص المتأخرة التي تشكلت على النص الأول المقدس وانتزعت منه القداسة، هذا الفكر الديني الذي أنتج العنف والإرهاب (داعش).

في هذه الندوة حاول المحاضر تبسيط الأفكار التي ماتزال موضع جدل وصراع بين الحداثيين والأصوليين وقال أن الصراع هو فكري محض، مشيرا بالحديث عن المثلث الأنثروبولوجي الذي تحدث عنه كل من محمد أركون وماجد الغرباوي ليبين مدى تقارب فكرهما، وقد سماه محمد أركون بالعقل الأرثوذكسي، أما عن المرجعيات التي وصفها المحاضر بالصامتة يحاول الغرباوي تفكيكها باستعمال منهجيات معاصريها دون أن يشير إليها مثل منهج التفكيك والتفلسف بالمطرقة التي تحدث عنه نيتشه، أو المنهج الأركيولوجي لميشال فوكو.4700 ندوة الجزائر

 يتفق الغرباوي وأركون من حيث تحليل التاريخ الاسلامي والثقافة الاسلامية حول مفهوم أساسي وهو الجهل المؤسس بالاضافة الى الجهل المقدس للفيلسوف الفرنسي أوليفي روا، لأن هذا الجهل هو الذي أنتج وينتج العقل الأرثوذكسي الذي يقوم على المثلث الأنثروبولوجي (الحقيقة، المقدس، العنف).

ويبدو من خلال رؤية الدكتور قادة جليد للفلسفة الغرباوية بأن ماجد الغرباوي مفكر تجديدي بامتياز بحيث استطاع أن يقفز على كل الاتجاهات الفكرية ليقدم صورة حقيقية للفكر العربي وأسباب تأخره، وهو ما أراد المحاضر تبسيطه بل إيصاله إلى المثقف العربي عندما تساءل عن سبب غيابه عن الساحة الفكرية عندما اختتم محاضرته بالقول أن المشكلة هي مشكلة مثقفين ونحن نفتقر إلى المثقف العضوي والمثقف الثوري، فالفكر كما قال هو ثوريٌّ في طبيعته ولابد أن تكون للمثقف الجرأة على قول الحقيقة وملامسته الجرح.

كانت هذه ندوة الدكتور قادة جليلد، بثت عبر شريط فيديو والحقيقة أن هناك باحثين ومفكرين وفلاسفة اشتغلوا في الفكر الديني وأسسوا منهجا فكريا لموضوعاتهم، إلا أنهم واجهوا مشاكل كثيرة أمام المحدثين قبلهم في حقب التاريخ الإسلامي، حيث طرحوا أسئلة تتعلق بكيفية التوفيق بين خطاب العقل وخطاب العاطفة ومدى تحكم العاطفة في هذا العقل، كما تساءلوا عن العلاقة بين الدين والعقل والعلاقة بين الدين والسياسية والتوفيق بينهم من أجل إعطاء الصفة العلمية للتفكير الديني أو الفكرة الدينية التي تحدث عنها المفكر الجزائري مالك بن نبي وآخرون، كانت هناك مقاربات بين الاتجاه الكلامي (من طبقات المتكلمين من سُنّة وشِيعَةٍ ومعتزلة وبعض الفرق الإسلامية) والاتجاه الفلسفي والاتجاه الصوفي العرفاني الذي تجاوز العقل ويقابله الاتجاه العلماني، هكذا وقعت صراعات وأزمات حول النص المقدس ولعل السبب في ذلك هو غلق باب "الاجتهاد”، حيث بقيت بعض الجماعات الإسلامية تجتر نصوصا منذ قرون دون إخضاعها للتحليل ويراد بذلك الذين يسمونهم بـ: “الغوغائيين” الذين لهم فهم تقديسي لكل ما يمس الدين حتى ظهر مُقَدَّسٌ ثالث هو “التراث” وهي النصوص التي استعملت النص المقدس.

والتراث في مفهومه العام هو كل الرؤى والأفكار والخبرات والإبداعات الخاصة بالمنتجات، فنشأت صراعات أيضا بين التراث (الأصالة) والحداثة والهوية في ظل نظام فكري حَجَبَ الواقع لصعوبة تحليل الواقع وخصوصيته، فيما أطلق عليه اسم "الإيديولوجيا"، وليس محمد أركون وحده الذي يذهب في الاتجاه التجديدي بل نقف مع المفكر الجزائري مالك بن نبي أيضا، حيث نلمس اهتمام مالك بن نبي بالفكر الديني من خلال مؤلفاته التي تركها لاسيما الظاهرة القرآنية، شروط النهضة، وجهة العالم الإسلامي، بين الرشاد والتيه وغير ذلك، كل هذه الكتب تناولها بالتحليل منذ عهد النبي إلى العصر الحديث الذي تميز بظهور الحركات المذهبية والطوائف التي أعطت للفكر الديني تفسيرات مختلفة لكيفية تشكل الوعي الإسلامي لدى الأفراد وقد قارن مالك بن نبي بين المجتمع النبوي الموحد وبين المجتمع المفكك اجتماعيا مجتمع خضع للاستعمار طيلة عقود من الزمن، حيث ارتبط عاطفيا بالدين، بحيث لم يكن له رصيدا لغويا يجعله يفهم الخطاب القرآني فهما صحيحا.

4699 ندوة الجزائر

هذا وكانت المكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية لولاية معسكـر، بالتنسيق مع نادي بيت الحكمة للفكر والأدب والفنون لولاية معسكر تنظم، ندوة فكرية بعنوان:

"الفكر العربي المعاصر والتفلسف بالمطرقة.. ماجد الغرباوي "أنموذجاً"

تقديم: الأستاذ الدكتور قادة جليد

تنشيط: الأستاذ فؤاد النجار

يوم الجمعة 23 ديسمبر 2022

على الساعة 16:30 مساءً

 

بمقر المكتبة الرئيسية

وقد حضر الندوة التي تحدث فيها الاستاذ الدكتور قادة جليد عن المنجز الفكري لماجد الغرباوي لفيف من المثقفين واساتذة الجامعات في مقدمته البروفسور نابي بولي استاذ الفلسفة الاسلامية في جامعة معسكر، ودار حوار بين المتحدث والحاضرين.

***

متابعة علجية عيش

 للطلاع على الفديو

 https://www.youtube.com/watch?v=6nO3SkHXCJw

 

الأديبة مروة كريدية تستضيف لقاءً ثقافيًّا

تامبا، فلوريدا

احتفاءًا باليوم العالمي للغة العربية استضافت الأديبة اللبنانية مروة كريدية بدارتها في تامبا، لقاءا ثقافيًّا حضرته سيدات من الجالية العربية في فلوريدا، تناول "واقع تعليم اللغة العربية في الولايات المتحدة الأميركية" والتحديات التي تواجه أبناء المهاجرين الناطقين بها، كما ألقت كريدية بعضًا من قصائدها الوجدانية الواردة في روايتها " على دروب الصفاء"، وشمل الحفل عرضًا فنيًّا للقدود الحلبية والموشحات الاندلسية الزاخرة بالإرث الصوفي البديع .

وحول أهميّة هذا الحفل قالت كريدية:" إيقاع الحياة المتسارع في الولايات المتحدة يجعل من اللقاءات لا سيما العربي والثقافي منها أمرًا نادرًا على الرغم من أهميتها على الصعيدين الفردي والمجتمعي. فهي تساعد المرء ان يبقى على تواصل مع لغته الأم ومفرداته الثقافية القابعة في أعماق الوجدان . واللغة هي السفير الأول للثقافة والرسالة العابرة للتواصل بين الأمم والشعوب، وبطبيعة الحال فإن كثيرًا من أبناء الجيل الثاني أو الثالث من أبناء المهاجرين ممن يعرفون بعضًا من اللغة العربية الدارجة، يجدون صعوبة في فهم اللغة العربية الفصحى، وهذه اللقاءات على بساطتها تساعد في تعزيز الذائقة اللغوية والفنيّة واستشعار جمالية العبارة وغناها من جهة، كما تفتح المجال للتواصل ومناقشة العديد من التحديات بالترفيه والفنون "

 وعن وضع المثقف العربي في المهجر أجابت بالقول:" الفرص التي تمنحها حرية التعبير والتفكير كحقٍّ أصيل للمواطن الأميركي يجعل الانسان أكثر تألقًا وإبداعًا، حيث يبدع في مجال الفنون والآداب ويعالج الموضوعات دون الخشية من مقص الرقيب. لكن الأمر يتعلق بالقارئ والمتلقي أيضًا، فالسؤال المحوري الذي ينبغي أن نطرحه هو: إلى من يتوجّه الأديب المهجري الذي يكتب باللغة العربية في كتاباته؟

فهل هو يتوجه الى القارئ في البلاد العربية أم الى المُهاجر العربي في بلاد الاغتراب؟ وفي كلتا الحالتين غالبًا ما يبقى انتاجه الأدبي في إطار الهواية والرغبة الشخصية والشغف الفني والجهد الفردي، لذلك فإن معظم الكتاب والرسامين والمثقفين العرب في أميركا، يعملون للكسب المادي في ميادين عمل متنوعة غالبًا ما تكون بعيدة عن المجال الثقافي، لا سيما وانّ معظمهم غادر بلاده في مرحلة مبكرة بمقتبل الشباب. لذلك فإن انتاجه الفكري ولو كتب بالعربية يبقى "غير معروف " في بلاده الأم، ما لم تتبناه دور نشر قوية لها امتدادها وعلاقاتها العامة عربيا ودوليًّا ."

 وحول فرصة نجاح الكاتب العربي الذي انتقل حديثًا الى وطن جديد قالت:" إن كان الاديب شغوفًا بالكتابة فليكتب باللغة الاجنبية لا العربية، لأن فرص نجاحه وسعة انتشار كتاباته، علاوة على الحقوق المادية التي تتيحها له دور النشر الأجنبية، أفضل بما لا يقارن في الدول العربية، والأمثلة على ذلك كثيرة جدًا، وكثير من الأدباء في المهجر لم يكرموا في بلادهم الأصلية الى بعد أن كتبوا بلغات اجنبية واحتفت بهم اوطانهم الجديدة، ثم تُرجمت اعمالهم فيما بعد الى العربية، او هم عاودوا الكتابة وصياغة أعمالهم باللغة العربية، وجبران خليل جبران ومعظم ادباء تلك المرحلة خير مثال على ذلك، اما الأمثلة الحديثة المعاصرة فكثيرة جدًّا أيضًا فالشاعر صلاح ستيتية خط الروائع باللغة الفرنسية، فيما كثير من اللبنانيين لا يعرفون عنه شيئًا حتى وفاته اواسط 2020، وكذلك أمين معلوف الذي غادر لبنان في السبعينيات الى فرنسا وألّف العديد من الروائع باللغة الفرنسية وتألق في أوروبا، وغيرهما الكثير من المبدعين الذين لا يعرف عنهم العالم العربي ما لم تكرمهم أوطانهم الجديدة "

وقد عبّر الحضور عن سعادتهم في هذا الحفل آملين بأن يتحول إلى لقاء دوري، وقد علقت إحدى المدعوات على أهمية ذلك بالقول: "كجاليات مهاجرة في بلاد الاغتراب نشعر بالحنين لأي شيئ يذكرنا بعاداتنا القديمة واغنياتنا التراثية، كما نشعر بالرغبة في المساعدة والحسرة البالغة لما آلت اليه الأمور في بعض الدول العربية لجهة تراجع الحريات والاوضاع المعيشية هناك . لذلك فإن دورنا مزدوج، فمن جهة نرغب في نقل تجاربنا الناجحة إلى ابناء دولنا العربية، ومن جهة أخرى نحب أن نشارك المجتمع الأميركي الذي نحن جزء منه، بثقافتنا الجميلة، وبالتأكيد فإن اللغة هي المحور الأول الذي ينبغي تعزيزها كذلك الفن والأدب لأنها كالمحبة تبقى خير رسالة في كل الأحوال."

وكانت الأمم المتحدة قد اعتمدت الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية في 18 كانون الأول/ ديسمبر من كل عام، وهو اليوم الذي صدر فيه قرار الجمعية العامة سنة 1973 المعني بإدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في الأمم المتحدة. ويهدف الى إذكاء الوعي بتاريخ اللغة وثقافتها وتطورها من خلال إعداد برنامج أنشطة وفعاليات خاصة.

الجدير ذكره أن مروة كريدية هي كاتبَة وأديبة لبنانيّة مقيمَة في الولايات المتّحدة الأميركية، حازت على عديد من شهادات التقدير لجهودها، كان آخرها إدراج إسمها على نُصب التسامح في ولاية ألاباما الأمريكية، الذي يكرم المدافعين عن القيم الإنسانية والسلام ويشرف عليه مركز الحقوق المدافع عن الحريات ومكافحة العنصرية وخطابات الكراهية. لها العديد من الإصدارات الفكرية منها: على دروب الصفاء، حوارات وآفاق، رهانات السلام، استراتيجيات الأمل في عصر العنف، عواصف النسيان، لوامع من بقايا الذاكرة .

***

 

رابطة كاتبات المغرب، فرع المحمدية

قهوة وكتاب: تقديم مجموعة "حلم امرأة مضحك" لرجاء بسبوسي

نظمت رابطة كاتبات المغرب فرع المحمدية لقاء ثقافيًا تحت عنوان "قهوة وكتاب" مع الكاتبة القاصة المغربية رجاء بسبوسي من أجل تقديم مجموعتها القصصية الجديدة "حلم امرأة مضحك"، يوم الأربعاء 19 أكتوبر 2022، ساهمت فيه كاتبات ومبدعات من حيث التسيير والقراءة، الأستاذة نجوى مصلية، والأستاذة حفيظة العناوي، والأستاذة سومية سعود (مسيرة اللقاء)، والأستاذة أمينة سبيل، كما عرف اللقاء حضور جمهور نوعي من المبدعات من داخل مدينة المحمدية ومن خارجها.

بعد الكلمة الترحيبية التي ألقتها عضو المكتب التنفيذي للرابطة الأم الأستاذة أمينة سبيل التي رحبت فيها بالحضور وبالكاتبة المحتفى بها، تحدثت عن مبادرات متعددة للرابطة وخاصة المؤتمر التأسيسي لرابطة كاتبات إفريقيا الذي سيتم تنظيمه يوم 9 مارس 2023، وعن مشاريع الرابطة المستقبلية وعن نجاحها في استقطاب الكاتبات والمبدعات على مستوى المغرب وخارجه.4419 رجاء بسبوسي

تميزت مداخلة الأستاذة الكاتبة نجوى مصلية رئيسة فرع المحمدية في الرابطة، والتي توقفت فيها على أهم ما جاء في المجموعة القصصية، حيث تطرقت إلى نصوصها بشكل مسهب تحليلي، مؤكدة على أن القارئ للمجموعة سيستشف أنها نصوص ذات حمولات قيمية ووجودية واجتماعية؛ وأن ما يشد القارئ فيها هو العنوان باعتباره نصا موازيًا. فالعنوان "حلم امرأة مضحك" والذي هو في الوقت عنوان أحد نصوص المجموعة، فيه تناص مع رواية "حلم رجل مضحك" للكاتب الروسي فيودور دوستويفسكي. فالدلالة مختلفة، تقول الأستاذة نجوى، فالمضحك في عنوان دوستويفسكي هو الرجل، لكن في المجموعة هو الحلم بحد ذاته، وجنس الحالم في العنوانين مختلف (رجل في مقابل امرأة). إن ما ميز المداخلة المذكورة هو وقوفها على جميع نصوص المجموعة كل نص على حدة بالتحليل والقراءة وسبر أغواره وأسراره الدلالية؛ إضافة إلى أهم الأفكار التي استحضرتها الكاتبة وقدمتها لقارئها؛ حيث أكدت المتدخلة في نهاية قراءتها أن رجاء بسبوسي كانت وفية لقضايا تهم المرأة سواء من خلال ما تم التطرق إليه من نصوص أم من خلال قصص تلامس جانبها الوجداني.

تساءلت الأستاذة الشاعرة حفيظة العناوي نائبة رئيسة فرع المحمدية في الرابطة، عما يتعلق بالقاطع أم اللعبة السردية واللغوية في المجموعة المحتفى بها غاية في إثارة وإيقاظ شغف البحث عما يجمع بين المجموعة القصصية وبين أقصوصة الروائي دوستويفسكي؛ فعلاقة استبدال حلم رجل بحلم امرأة تدفع القارئ إلى طرح السؤال: هل يتعلق الأمر بنرجسية نسائية تحاول محو الرجل لتتربع على عرش السرد وبالتالي لتغوص في حلمها الخاص؟ بل تساءلت عن سبب اختيار الكاتبة إسناد صفة المضحك للحلم وليس للرجل كما هو الشأن عند دوستويفسكي؟ فقراءة المجموعة، حسب الأستاذة حفيظة، تجعل القارئ(ة) يتحلق حول جميع نصوصها بشكل قوي ومثير، يدفعه إلى الوقوف على أفكار ومواقف الكاتبة من العديد من القضايا الاجتماعية وأهمها قضية المرأة بشكل خاص.

في رد الكاتبة رجاء بسبوسي على المداخلتين السابقتين، تحدثت عن تجربتها في الكتابة الأدبية، وفي القصة القصيرة وردود أفعال أصدقائها وزملائها في العمل والحياة؛ خاصة عند تحولها من كتابة الشعر إلى القصة، وكأنها اقترفت جرمًا أو ذنبًا. وبخصوص كتابة نصوص المجموعة فقد كانت على فترات متباعدة حاولت فيها أن تعبر عن هواجسها تجاه قضايا معاصرة قد تبدو في ظاهرها أنها تخص المرأة ولكنها في العمق تعكس قضايا الإنسان في بعده الكوني.

اثناء المناقشة تنوعت المداخلات حول مواقف المرأة المغربية المثقفة من قضيتها الأساسية المتعلقة بحقوقها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إضافة إلى استحضار المواقف والأفكار التي عالجتها نصوص المجموعة في تحديد القضايا المطروحة في الواقع المغربي والعربي عمومًا والتي تؤرق فئات متعددة فيهما على المستوى الوعي والسلوك والفهم.

***

عزيز العرباوي: كاتب

مُنحت يوم الثالث من شهر تشرين أول/ أكتوبر 2022 جائزة نوبل في علم وظائف الأعضاء أو الطب للباحث السويدي “سفانتي بابو” لعمله وبحوثه في مجالات علوم التطور البشري.

وقالت اللجنة الخاصة بالجائزة إن العالم بابو قام بالمهمة “التي تبدو مستحيلة”، وهي العمل على الشفرة الجينية الوراثية لإنسان نياندرتال، أحد أقاربنا المنقرضين . كما قام بابو أيضًا بعمل “مثير” لأكتشاف أشباه البشر غير المعروفة سابقًا – والمسماة دينيسوفا.

وقد ساعدت أكتشافات الحائز على النوبل في الطب في أستكشاف تاريخ البشر التطوري وكيف صار عليه حال الأنسان في جميع أنحاء الكوكب.

والأهم من ذلك، حسب تقرير لجنة جائزة نوبل في الطب فقد وجد بابو Pääbo أيضًا أن نقل الجينات قد حدث من أشباه البشر المنقرضة الآن إلى الإنسان العاقل بعد الهجرة من إفريقيا منذ حوالي 70000 عام. هذا التدفق القديم للجينات إلى البشر المعاصرين له صلة فسيولوجية/وظيفية اليوم، على سبيل المثال في التأثير على كيفية تفاعل جهاز المناعة لدينا مع العدوى.

ومما لا غرابة فيه فأن الأنسان ظل مفتونا بأصوله، فلطالما تتردد الأسئلة: من أين أتينا، وما علاقتنا بمن سبقنا؟ ما الذي يجعل الإنسان العاقل مختلفا عن أشباه البشر الآخرين؟..

وقد أدى بحث  بابو الأساس إلى ظهور نظام علمي جديد تمامًا وهو علم الحفريات القديمة. فمن خلال الكشف عن الأختلافات الجينية الوراثية والتي تميز جميع البشر الأحياء عن أشباه البشر المنقرضة، توفرت الأدلة المهمة والأساس لأستكشاف ما يجعلنا بشرًا فريدًا.

ولكن…من أين أتينا؟

وفيما مسألة أصل البشر وما الذي يجعلنا متفردين، فأن علم الحفريات وعلم الآثار مهمان لدراسات التطور البشري. لقد قدمت الأبحاث دليلاً على أن الإنسان الحديث تشريحياً، Homo sapiens ، ظهر لأول مرة في إفريقيا منذ حوالي 300 ألف عام، في حين أن أقرب أقربائنا المعروفين، إنسان نياندرتال ، تطور خارج إفريقيا وسكان أوروبا وغرب آسيا من حوالي 400 ألف عام حتى 30 ألف عام مضت، حيث أنقرضوا عند هذه الفترة من التاريخ.  ومنذ حوالي 70000 عام، هاجرت مجموعات من الإنسان العاقل من إفريقيا إلى الشرق الأوسط، ومن هناك أنتشروا إلى بقية أنحاء العالم. وهكذا تعايش الإنسان العاقل والنياندرتال في أجزاء كبيرة من أوراسيا لعشرات الآلاف من السنين.

 ولكن ماذا نعرف عن علاقتنا مع البشر البدائيين المنقرضين؟ قد يتم أشتقاق القرائن من المعلومات الجينومية الوراثية. فبحلول نهاية التسعينيات، كان الجينوم البشري بأكمله تقريبًا قد تم تسلسله. كان هذا بحد ذاته إنجازًا كبيرًا، مما سمح بإجراء دراسات لاحقة للعلاقة الوراثية بين مختلف المجموعات البشرية. ومع ذلك، فإن دراسات العلاقة بين البشر الحاليين والنياندرتال المنقرضين تتطلب تسلسل الحمض النووي الجيني المستعاد من العينات القديمة.

مهمة تبدو مستحيلة

في بداية حياته المهنية، أنبهر الباحث السويدي بابو بإمكانية أستخدام الأساليب الجينية الحديثة لدراسة الحمض النووي لإنسان نياندرتال. ومع ذلك، سرعان ما أدرك التحديات التقنية الشديدة، لأنه مع مرور الوقت يصبح الحمض النووي معدلًا كيميائيًا ويتحلل إلى أجزاء قصيرة. وبعد آلاف السنين، لم يتبق سوى كميات ضئيلة من الحمض النووي، وما تبقى ملوث بشكل كبير بالحمض النووي من البكتيريا والبشر المعاصرين. كطالب ما بعد الدكتوراه مع ألان ويلسون، وهو رائد في مجال علم الأحياء التطوري ، بدأ بابو في تطوير طرق لدراسة الحمض النووي من إنسان نياندرتال، وهو مسعى أستمر عدة عقود.

في عام 1990، تم تعيين بابو في جامعة ميونيخ، حيث واصل عمله كأستاذ تم تعيينه حديثًا على الحمض النووي القديم. وقد قرر حينذاك تحليل الحمض النووي من “ميتوكوندريا” إنسان نياندرتال – عضيات في الخلايا التي تحتوي على الحمض النووي الخاص بها-.

ومن المرعوف فإن جينوم الميتوكوندريا صغير ولا يحتوي إلا على جزء بسيط من المعلومات الجينية في الخلية، ولكنه موجود بآلاف النسخ، مما يزيد من فرصة النجاح. وبفضل أساليبه المحدّثة، تمكن  بابو من ترتيب منطقة من الحمض النووي للميتوكوندريا من قطعة عظم عمرها 40000 عام. وهكذا، ولأول مرة، تمكنا من الوصول إلى تسلسل من قريب منقرض. أظهرت المقارنات مع البشر المعاصرين والشمبانزي أن إنسان نياندرتال كان متميزًا وراثيًا.

تسلسل جينوم الإنسان البدائي

نظرًا لأن تحليلات جينوم الميتوكوندريا الصغير أعطت معلومات محدودة فقط، فقد أتخذ بابو الآن التحدي الهائل المتمثل في تحديد تسلسل الجينوم النووي لإنسان نياندرتال. في ذلك الوقت، عُرضت عليه فرصة إنشاء معهد ماكس بلانك في لايبزيغ بألمانيا.

في المعهد الجديد، قام بابو وفريقه العلمي بأجتهاد واضح لتحسين طرق عزل وتحليل الحمض النووي من بقايا العظام القديمة. وقد أستغل فريق البحث التطورات التقنية الجديدة، التي جعلت تسلسل الحمض النووي عالي الكفاءة، كما أشرك بابو العديد من المتعاونين المهمين من ذوي الخبرة في علم الوراثة السكانية وتحليل التسلسل المتقدم، وقد كانت جهوده ناجحة فعلا.

لقد أنجز بابو ما يبدو مستحيلًا، حيث تمكن من نشر أول تسلسل جينوم لإنسان نياندرتال في عام 2010. وقد أظهرت التحليلات المقارنة أن أحدث سلف مشترك لإنسان نياندرتال والإنسان العاقل عاش منذ حوالي 800 ألف عام.

جائزة نوبل في الفيزياء

أما جائزة نوبل في الفيزياء لعام 2022 فقد منحت يوم الرابع من شهر تشرين أول/أكتوبر لكل من آلان أسبكت (فرنسا) وجون إف كلوزر(أميركا) وأنتون زيلينجر (النمسا) وذلك “لإجراء تجارب مع الفوتونات المتشابكة، وإثبات أنتهاك مبدأ (عدم مساواة بيل) والريادة في علم المعلومات الكمية أو الكمومية “.quantum information science,وعليه يمكن القول أن نتائج بحوث فريق العلماء الثلاثة قد مهدت الطريق لتكنولوجيا جديدة تعتمد على المعلومات الكمومية.

فلقد أجرى آلان أسبكت وجون كلاوزر وأنتون زيلينجر تجارب رائدة بأستخدام حالات كمومية متشابكة، حيث يتصرف جسيمان كوحدة واحدة حتى عند فصلهما. ومن المعروف في كيمياء الكم أنها تعبر عن مجموع نظريات الفيزياء والتي يمكن عن طريقها تفسير الظواهر على مستوى الجسيمات الدقيقة الذرية وما دون الذرية.. وهي بذلك تدمج بين الخاصية الموجية والخاصية الجسيمية، ليتوضح ما نسميه علميا بأزدواجية الموجة.

لقد بدأت التأثيرات التي لا توصف لميكانيكا الكم في إيجاد تطبيقاتها الخاصة حيث يوجد اليوم مجال بحث كبير يشمل أجهزة الكمبيوتر الكمومية، والشبكات الكمية، والأتصالات الآمنة المشفرة الكم.

ومن المعروف فأن أحد العوامل الرئيسة في هذا التطور هو كيف تسمح ميكانيكا الكم لجسيمين أو أكثر بالتواجد فيما يسمى بحالة التشابك، فما يحدث لأحد الجسيمات في زوج متشابك يحدد ما يحدث للجسيم الآخر، حتى لو كانا متباعدين.

وقد كان السؤال المطروح ومنذ فترة طويلة هو ما إذا كان الأرتباط ناتجًا عن أحتواء الجسيمات في زوج متشابك entangled pair على متغيرات خفية، وتعليمات تخبرهم بالنتيجة التي ينبغي عليهم تقديمها في التجربة. ففي الستينيات من القرن الماضي، طور العالِم جون ستيوارت بيل عدم المساواة الرياضية التي سميت بأسمه. حيث ينص هذا على أنه في حالة وجود متغيرات مخفية، فإن الأرتباط بين نتائج عدد كبير من القياسات لن يتجاوز أبدًا قيمة معينة. ومع ذلك، تتنبأ ميكانيكا الكم بأن نوعًا معينًا من التجارب سوف ينتهك عدم مساواة بيل، مما يؤدي إلى أرتباط أقوى مما يمكن أن يكون ممكنًا.

وقد طور جون كلوزر (الفائز بنوبل الفيزياء اليوم) أفكار جون بيل، مما أدى إلى تجربة عملية، فعندما أجرى القياسات، كان قد عززت نتائجها تلك مبدأ ميكانيكا الكم من خلال أنتهاك واضح لعدم المساواة في بيل. وهذا يعني أنه لا يمكن أستبدال ميكانيكا الكم بنظرية تستخدم المتغيرات الخفية.

ولكن بقيت بعض الثغرات بعد تجربة جون كلوزر. وهنا طوّر ألان أسبكت الإعداد أوsetup ، مستخدمًا إياه بطريقة أغلقت ثغرة مهمة. فقد كان قادرًا على تبديل إعدادات القياس بعد أن غادر الزوج المتشابك مصدره، وبالتالي فإن الإعداد الذي كان موجودًا عند أنبعاثهما لا يمكن أن يؤثر على النتيجة.

وبأستخدام أدوات محسّنة وسلسلة طويلة من التجارب، بدأ أنطون زيلينجر في أستخدام الحالات الكمومية المتشابكة. فمن بين أشياء أخرى، أثبتت مجموعته البحثية ظاهرة تسمى النقل الآني الكمي أو quantum teleportation، والتي تجعل من الممكن نقل حالة كمومية من جسيم إلى آخر على مسافة ليست قريبة منه.

“لقد أصبح من الواضح بشكل متزايد أن نوعًا جديدًا من التكنولوجيا الكمومية آخذ في الظهور. يقول أندرس إيرباك، رئيس لجنة نوبل للفيزياء: “يمكننا أن نرى أن عمل الحائزين على الجائزة مع الحالات المتشابكة أو entangled states  له أهمية كبيرة، حتى بعد الأسئلة الأساسية حول تفسيرات ميكانيكا الكم”...

جائزة نوبل في الكيمياء

لقد أعلنت لجنة جائزة نوبل يوم الخامس من تشرين أول/ أكتوبر 2022 عن منح الجائزة لبحوث كيمياء النقر Click Chemistry أو كيمياء التفاعل السريع والتفاعلات المتعامدة الحيوية .

تُستخدم كيمياء النقر Click Chemistry في تطوير المستحضرات الصيدلانية، ولرسم خرائط الحامض النووي وإنشاء مواد أكثر ملاءمة للأهداف البايولوجية الحياتية. ويكون ذلك  من خلال أستخدام التفاعلات المتعامدة الحيوية bioorthogonal reactions، حيث قام الباحثون بتحسين أستهداف المستحضرات الصيدلانية الكيميائية للسرطان مثلا.

وضع الفائزان بجائزة نوبل لعام 2022 في الكيمياء، باري شاربليس (أميركي) ومورتين ميلدال (دانماركي)، الأساس لشكل وظيفي من الكيمياء – كيمياء النقر- حيث تلتقي وحدات البناء الجزيئية معًا بسرعة وكفاءة.

أما كارولين بيرتوزي (أميركية)  – الحاصلة على جائزة نوبل في الكيمياء لعام 2022 – فقد أخذت كيمياء النقرات إلى بُعد جديد، وبدأت في أستخدامها في الكائنات الحية، حيث تحدث تفاعلاتها البيولوجية المتعامدة دون الإخلال بالكيمياء الطبيعية للخلية.

تهدف البحوث الفائزة بجائزة نوبل في الكيمياء 2022 إلى تسهيل العمليات الصعبة. فلقد وضع كل من الباحث باري شاربليس ومورتين ميلدال الأساس لشكل وظيفي من الكيمياء – كيمياء النقر- حيث تلتصق وحدات البناء الجزيئية معًا بسرعة وكفاءة.

ولطالما كان الكيميائيون مدفوعين بالرغبة في بناء جزيئات معقدة بشكل متزايد. ففي الأبحاث الصيدلانية، غالبًا ما ينطوي هذا على إعادة تكوين جزيئات طبيعية ذات خصائص طبية. وقد أدى ذلك إلى العديد من التركيبات الجزيئية الرائعة، ولكن إنتاجها يستغرق وقتًا طويلاً ومكلفًا للغاية.

“جائزة هذا العام في الكيمياء تتعامل مع عدم تعقيد الأمور، وبدلاً من ذلك تعمل على ما هو سهل وبسيط. يقول يوهان أكفيست، رئيس لجنة نوبل للكيمياء ، “يمكن بناء الجزيئات الوظيفية حتى من خلال أتخاذ مسار مباشر”.

وقد بدأ باري شاربلس – الذي حصل الآن على جائزة نوبل الثانية في الكيمياء – دحرجة الكرة. ففي حوالي عام 2000، صاغ مفهوم كيمياء النقر أو Click Chemsitry، وهو شكل من أشكال الكيمياء البسيطة والموثوقة، حيث تحدث التفاعلات بسرعة ويتم تجنب المنتجات الثانوية غير المرغوب فيها.

بعد ذلك بوقت قصير، قدم مورتن ميلدال وباري شاربلس – بشكل مستقل عن بعضهما البعض – ما هو الآن جوهرة التاج لكيمياء النقر: التفاعل العضوي azide-alkyne cycloaddition  وهو التفاعل الكيميائي الأنيق والفعال والذي يستخدم الآن على نطاق واسع. من بين العديد من الأستخدامات الأخرى، يتم أستخدامه في تطوير المستحضرات الصيدلانية لرسم خرائط الحمض النووي وإنشاء مواد أكثر ملاءمة للغرض.

أما كارولين بيرتوزي فقد نقلت كيمياء النقرات إلى مستوى جديد. فلرسم خريطة للجزيئات الحيوية المهمة والمراوغة على سطح الخلايا، طورت تفاعلات النقر التي تعمل داخل الكائنات الحية. وهي تحدث تفاعلاتها البيولوجية المتعامدة دون الإخلال بالكيمياء الطبيعية للخلية.

وتُستخدم هذه التفاعلات الآن عالميًا لأستكشاف الخلايا وتتبع العمليات البيولوجية. ومن خلال أستخدام التفاعلات المتعامدة الحيوية، قام الباحثون بتحسين أستهداف المستحضرات الصيدلانية للسرطان، والتي يتم اختبارها الآن في التجارب السريرية.

وخلاصة القول فأن كيمياء النقر والتفاعلات المتعامدة الحيوية أدخلت علم الكيمياء إلى عصر الوظيفية والتطبيقات العملية، وهذا بحد ذاته ما يمكن أن يحقق أكبر فائدة للبشرية.

***

د عامر هشام الصفّار

فاز الكاتب العراقي رشيد الخيون بجائزة الصحافة العربية في دورتها العشرين في فئة «أفضل عمود صحفي». ويُعد الخيون من ضمن أبرز كُتاب صفحات «وجهات نظر» في صحيفة «الاتحاد»، حيث ينشر من خلالها مقالاً أسبوعياً منذ 13 عاماً.

بعدسة التراث ويسلط رشيد الخيون عبر مقاله في صفحات «وجهات نظر» الضوء على الواقع بتفاصيله ويربطه بحقائق التاريخ. في يوم الأربعاء السادس من مايو 2009 كان موعدُ نشرِ أولى مقالاته في «الاتحاد»، التي جاءت تحت عنوان «العراق: نوري السعيد وبريطانيا!».  تنتصر مقالات الخيون  للتسامح والتواصل مع الآخر، وتناقش بجرأة المآلات والمستقبل.

ولكونه باحثاً في المذاهب الدينية، يضيء الخيون للقارئ بعض التفاصيل الخاصة بكل مذهب. وبروح الناقد والمفكر يضع رؤيته للمشهد العراقي طامحاً في مجتمع متسامح يتجاوز التعصب والشحن الطائفي.. يعود الخيون في مقالاته لفترات الحضارة الإسلامية الزاهية ويبحر في تفاصيلها، وفي عام 2017 فاز كتابه المعنون بـ«أثر السود في الحضارة الإسلامية» بجائزة الملك عبد العزيز للكتاب قسم التاريخ لعام 2017. ويحرص الخيون على سلامة لغة المقال ويكاد يضع تشكيلاً لكل مفردة من مفردات نصّه، فعلامات الإعراب رفعاً وجراً قد تغير المعنى وتربك الهدف من محتوى المقال، ومن يراجع مقاله يدرك اجتهاده في كل معلومة، ويرى دوماً في متونه روح الباحث والخبير الحريص على تحقيق التراث. على صفحات «الاتحاد» لم يدخر الخيون جهداً في مقالاته ليؤكد رفضه للطائفية وبغضه للمذهبية التي يرتكز عليها المتنطعون من غلاة التشدد ودعاة التطرف. ولطالما سجّل الخيون رفضه لدعاوى الميليشيات الطائفية، مؤكداً أهمية الدولة الوطنية كإطار ناظم للمجتمع بكل فئاته وأطيافه المذهبية والعرقية. ويستطيع قراء مقالاته كل أربعاء في «الاتحاد» التزود بشحنة معرفية رصينة ونقد جريء للواقع العراقي مع بيتين من الشعر أو أكثر يختتم بها مقاله.

صدرت للخيون المؤلفات التالية: «أبوظبي.. التصالح بين العقل والثروة.. مشاهدات وانطباعات» 2012. «مذهب المعتزلة من الكلام إلى الفلسفة 1994»، وكتاب (بغداد - دمشق) 2008. «معتزلة البصرة وبغداد» عام 1997. «السياسة تُصادر الطَّائفة» عام 2012. جدل التَّنزيل (تاريخ وقضية خلق القرآن) عام 2000. «الأديان والمذاهب بالعراق ماضيها وحاضرها» عام 2016. حروف حي (البابية والبهائية)، 2003. «المباح واللامباح» عام 2004. «المشروطة والمستبدة.. ثورة الدُّستور 1906» 2006. «طروس مِن تراث الإسلام» عام 2007. «المجتمع العراقي.. تراث التَّسامح والتَّكاره» عام 2008. «ضد الطَّائفية.. العراق جدل ما بعد 2003». «بعد إذن الفقيه.. الحرام والحلال في معاملة النِّساء والطُّفولة والكتابة والطَّعام» 2011. «تلخيص البيان في ذكر فرق أهل الأديان» (تحقيق وتقديم) عام 2011. «100 عام مِن الإسلام السِّياسي بالعراق (جزآن)، 2011. وكتاب «النزاع على الدستور بين علماء الشيعة (المشروطة والمستبدة)، 2011. «الديانة المندائية» (تحقيق)، مدارك 2012. «أثر السُّود في الحضارة الإسلامية» عام 2015.

***

طه حسيب (دبي)

كالعادة اثار فوز الروائية الفرنسية "آني إرنو" البالغة من العمر 82 عاما بجائزة نوبل للاداب الجدل كثيرا، مثلما اثير الجدل نفسه في السنوات الاخيرة بعد ان منحت الجائزة الى المغني الامريكي الشهير بوب ديلان . في كل عام ما ان يعلن اسم الفائز حتى يبدا نقاش ساخن حوله وعلى سبيل المثال فاز بجائزة العام الماضي كاتب من تانزانيا " عبد الرزاق قرنح " لم يعرفه القراء العرب إلا بعد ان اعلنت الاكاديمية السويدية فوزه، والمثير ان آني إرنو كانت على رأس قائمة المرشحين للفوز بالجائزة العام الماضي حيث وصفتها صحيفة الغارديان آنذاك بانها واحدة من اعظم الكتاب الاحياء في العالم .إلا ان القراء حول العالم لديهم رأي آخر، فبعد اعلان الفائز بالجائزة بنصف ساعة طرحت جائزة نوبل استطلاع رأى سألت من خلاله الجمهور: هل قرأت أى شىء لآنى إرنو؟، وقد كشفت نتائج استطلاع الرأى عن مفاجأة اعتاد عليها جمهور الأدب حول العالم، وهى أنه دائما ما يكون الكاتب أو الكاتبة من غير المشهورين على مستوى الجمهور الأدبى حول العالم، ولهذا كشفت نتائج الاستطلاع أن هناك أكثر من 85% من جمهور القراءة الذى انتظر معرفة اسم الفائز بجائزة نوبل للآداب هذا العام، لم يقرأ كتابا واحدا لها.

مع إرنو تعود الجائزة الى فرنسا بعد ثمانية اعوام حيث كان آخر الفائزين بها من ادباء فرنسا هو الروائي " باتريك موديانو" الذي منح الجائزة عام 2014، وكان هو ايضا قد اصابته المفاجأة: لو قال لي احد انت مرشح للجائزة ساظن حتما انه يسخر مني "، وكنت انا ايضا مثل كثيرين لم يتوقعوا ان يفوز روائي مغمور بالنسبة لنا، آنذاك ترجمت الروائية لطفية الدليمي في صحيفة المدى مقالا مطولا عن موديانو افتتحه بعبارة مهمة:" كان مُتوقّعاً أن يكون التساؤل الأوّل الّذي راود الكثيرين في شتّى أصقاع الأرض:"من عساهُ يكون باتريك مونديانو هذا؟ .

والآن ربما يتساءل الكثير من القراء من عساها تكون آني إرنو التي جلست على كرسي الجائزة متخطية اسماء مهمة مثل ميلان كونديرا وموراكامي وسلمان رشدي ودون ديليلو؟ . بالامس كتبت على صفحتي في الفيسبوك مقالا اتساءل فيه من سيكون صاحب الحظ الاوفر للفوز بالجائزة ووضعت اسم آني إرنو ضمن القائمة التي كان يتم تداولها الى جانب ماري كوندي، ومارغريت أتوود.4364 آني إرنو

في بيان لجنة جائزة نوبل وصفت كتابات إرنو بانها " تفحص باستمرار ومن زوايا مختلفة حياة تتميز بتباينات شديدة فيما يتعلق بالجنس واللغة والطبقة". ويضيف البيان ان " كتاباتها امتازت بالشجاعة والبراعة التي اكتشفت بها الجذور والاغتراب والقيود الجماعية للذاكرة الشخصية، فاعمالها مكتوبة بلغة واضحة ونظيفة "، في مقابلة على التلفزيون السويدي بعد الإعلان عن الجائزة، قالت إرنو: "لقد فوجئت للغاية ... لم أفكر أبدا في أن ذلك سيكون ..إنها مسؤولية كبيرة ..أن أدلي بشهادتي، ليس بالضرورة من حيث كتابتي، ولكن أن أدلي بشهادتي بدقة وعدالة فيما يتعلق بالعالم".

على صفحته في تويتر أشاد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بفوز إرنو واصفا ايها ب " صوت الحرية" لانها "على مدار الخمسين عامًا الماضية، كانت تكتب رواية الذاكرة الجماعية والحميمة لبلدنا" على حد قوله، وتجدر الإشارة إلى أن إرنو لم تكن معجبة بالرئيس الفرنسي وقد اعربت عام 2018 عن دعمها لتظاهرات اصحاب السترات الصفراء التي هزت ولاية ماكرون الأولى لتصف الرئيس الفرنسي بانه "منفصل عن الواقع". ومؤخراً، في مقابلة صحفية سخرت من حديث ماكرون عن حقوق المراة قائلة انه حشر نفسه في القضية .

لا تحب آني أرنو روايتيها الأوليتين " الخزائن الفارغة " 1974 و " ماذا يقولون " 1977 وتعتبر روايتها الثالثة " المرأة المجمدة " 1981، باكورة اعمالها الحقيقية، وفيها تتحدث عن طفولتها دون قيود، وتخبرنا انها عاشت مع والدين مختلفين تماما، أب رقيق وحنون وأم ذات شخصية قوية تبدو على ملامحها القسوة، وقد اعتبرت الرواية منشورا للدفاع عن النساء . الكاتبة التي قرأت بنهم اعمال سيمون دي بوفوار وفرجينيا وولف عاشت منذ طفولتها وسط عالم مليء بالكتب، احبت القراءة منذ الصغر، تصفها الصحافة بانها متحدثة باسم جيل كامل من النساء . تاخذ المرأة وقضاياها حيزا كبيرا في اعمالها، تقول انها عاشت وسط نساء قويات ومستقلات .

ولدت آني إرنو في الاول من ايلول عام 1940 وترعرعت في بلدة يفيتوت الصغيرة في نورماندي، كان لوالديها محل بقالة ومقهى . وصفت طفولتها بالصعبة، حاولت عائلتها ان تنتشل نفسها من الطبقة الفقيرة الى الطبقة المتوسطة تقول:" نشأت كطفلة وحيدة في محل بقالة ملحق بمقهى كان والديّ يمتلكانه، فكبرت بين الناس والزبائن الذين يأتون ويذهبون، كان هناك دائمًا أشخاص حولي أكثر من أبي وأمي، لم أشعر أبدًا بنفسي محبوسة في عائلة، ولم أكن أرى نفسي ووالديّ كعائلة منفصلة عن الآخرين، صحيح أننا كنا ثلاثة أفراد، أقارب بالدم، بالتأكيد، لكن العالم والأشخاص من حولنا كانوا على نفس القدر من الأهمية بالنسبة لي، والشيء نفسه كان ينطبق على والديّ، حيث كان عليهما توفير قدر كبير من الاهتمام والوقت لعملائهما أكثر من توفيرهما لي، لطالما كانت بيئتي هي السر الذي يمد حياتي بالقوة والإصرار". في معظم رواياتها تحاول إرنو ان تسلط الضوء على خلفيتها الريفية وعن التفاصيل الدقيقة لحياتها حتى ان بعض النقاد وصفها بـ " عالمة اجتماع " وليست كاتبة روائية. غالبا ما تشير إلى تاثرها برواية مارسيل بروست " البحث عن الزمن المفقود "، وتضيف لها كتابات عالم الاجتماع بيير بورديو وخصوصا فيما يتعلق بموضوعة الهيمنة التي غالبا ما تكون خفية وغير مرئية، والتي طالب بورديو بتعرية أسس شرعيتها وتجريح آلياﺗﻬا حتى يسقط قناعها القدسي .

انهت دراستها الجامعية لتعمل بالتدريس بعدها انتقلت الى الكتابة، تؤكد بانها حاولت ان تمزج بين التدريس والكتابة حتى انها قررت ان تُدرس للطلبة مادة تعلم الكتابة .

روايتها الرابعة الصادرة عام 1983 بعنوان " المكان " – ترجمتها الى العربية امينة رشيد - قدمت فيها صورة صادقة لوالدها وسلطت الضوء على بيئتها الاجتماعية، الرواية التي لم تتجاوز صفحاتها المئة، كانت اشبه بانوراما لحياة مجتمع في الخمسينيات، قالت إن الكتابة فعل سياسي يفتح أعيننا على عدم المساواة الاجتماعية. ولهذا الغرض تستخدم اللغة "كسكين"، كما تسميها، لتمزيق حجاب الخيال، للكشف عن الحقيقة، معتبرة نفسها وريثة شرعية لجان جاك روسو.

بعد بضع سنوات، تعطينا صورة لامها من خلال روايتها " امراة " – ترجمة سحر ستالة – وهي تكريم لامرأة قوية تمكنت أكثر من الأب من الحفاظ على كرامتها:" ليس هذا الكتاب سيرة، ولا رواية طبعاً، ربما هو شيء يقع بين الأدب وعلم الإجتماع والتاريخ، إذ كان من الضروري أن تتحول والدتي، التي ولدت في وسط مقهور لطالما تمنَّت الخروج منه، إلى تاريخ حتى أشعر بأنني أقلُّ وحدة وتكلَّفاً في عالم الكلمات والأفكار القاهر، الذي انتقلتُ إليه نزولاً عند رغبتها. لن أسمع صوتها مجدداً، إنها هي، وكلماتها ويداها وحركاتها وأسلوبها في الضحك ومشيتها، من كانت توحّد المرأة التي أنا عليها اليوم بالطفلة التي كنتها في الابق، وبموتها فقدتُ آخر رابط بيني وبين العالم الذي جئت " .

حصلت رواية " المكان " على جائزة " رونودو". تقول انها تخلت عن كتابة الرواية المتخيلة التقليدية، لتركز على تلك الرواية المستمدة أحداثها من سيرتها الذاتية، حيث تتقاطع فيها التجربة العامة مع التجربة الشخصية، ولهذا نجدها في رواية " المراة " تتحدث عن عن أمها وعلاقتها بها، وفي " شغف بسيط " تروي، علاقة حب حدثت في شبابها بينها وبين رجل اعمال، حيث تطرح ازمة علاقتنا بالآخر، وبالجنس، كما انها تكتب حول موضوع الجنس الذي تجد انه المحرك الاكبر للكثير من دوافع الانسان .جميع روايات آني إرنو حكايات من الذكريات التي ملأت في السابق دفتر ذكرياتها فتحول هذا الدفتر المليء بالأسماء والأرقام والعناوين والأحداث المهمة والغامضة والملاحظات الى روايات نابضة بالحياة .قالت إن الموضوعات الرئيسية لعملها كانت "الجسد والنشاط الجنسي، العلاقات الحميمة، عدم المساواة الاجتماعية وتجربة تغيير الطبقة من خلال التعليم، الوقت والذاكرة ؛ والسؤال الشامل حول كيفية كتابة هذه التجارب الحياتية".

في روايتها " العار" تستمر بتقديم صورة لحياة عائلتها حيث:" حاول والدي قتل والدتي ذات يوم أحد في شهر تموز، في وقت مبكر من بعد الظهر." تسعى إرنو إلى تجاوز الحد المسموح به من الصراحة: "لقد أردت دائمًا كتابة نوع الكتاب الذي أجد أنه من المستحيل التحدث عنه بعد ذلك، نوع الكتاب الذي يجعل من المستحيل بالنسبة لي أن أتحمل نظرة الآخرين." ترى ان الادب يمنحها الأدب ملاذًا لكتابة ما يستحيل التواصل معه في اتصال مباشر مع الآخرين ..

في روايتها " احتلال " – ترجمة اسكندر حبش – تاخذ موضوعة الغيرة حيزا رئيسيا وفيها ايضا تتناول حياتها الشخصية، بطلة الرواية امراة خرجت من تجربة زواج دامت 18 عاما اعتبرتها اشبه بالسجن، ترفض الحياة التقليدية بين زوجين تريد ان تتمتع بحريتها القصوى، لكنها في المقابل تخرج من قصة حب فاشلة انتهت بالخيانة من قبل رجل احبته .

 روايتها " السنوات " وصفتها بانها " سيرة ذاتية جماعية"، أشاد بها النقاد باعتبارها "ملحمة اجتماعية" رائدة في العالم الغربي المعاصر. تستبدل إرنو في السرد الذاكرة التلقائية للذات بصيغة الغائب من الذاكرة الجماعية، مما يشير إلى تاثير روح العصر على حياتها الشخصية .

عُرفت روايات إرنو بتمركزها، حول تجاربها الخاصّة والحميمة، حيث لا تغادر أعمالُها مواضيعَ مثل الأزمات العائلة، والإحساس بالعار تجاه الطبقة التي تنتمي إليها، إضافة إلى كتابتها عن علاقاتها العاطفية دون استعارات أو تورية، وهو ما تسبّب بإثارة العديد من النقاشات الحادّة عند صدور عدد من أعمالها". .روايتها الاخيرة "الشابّ"، تنتمي إلى هذه الأجواء، حيث تحكي فيها عن علاقتها العاطفية مع شباب يصغرها بثلاثين عاماً.

طورت إرنو رواية السيرة الذاتية للقرن الحادي والعشرين أكثر من أي كاتب آخر .لا تؤمن بالعقدة، وكتبها مزيج من السيرة والمواقف الاجتماعية الصادمة . هناك من ينظر إليها أحياناً بصفتها كاتبة فضائحية وأنها تقترب من فضائحية أناييس نِن. ترد بانها تحاول أن تروي جوانب حياتية غالباً ما يُحجم الآخرون عن الاكتراث بها. وهي ترى أن الكتابة نوع من ممارسة الكذب من أجل نقل أشياء تتعلق بالحقيقة.

***

علي حسين – كاتب

رئيس تحرير صحيفة المدى البغدادية

 

حَدَثٌ مُدهشٌ حقّا في لقاء الأجيال والشرائح العمرية والثقافية المتنوعة، فقد تسربلت قاعة المركز الثقافي (الفانوس) في عبلين بحُلّة تراثية وأجواء تراثية بامتياز، وغصّت بحضور حافل وكبير من أدباء وأصدقاء من المثلث والناصرة وحيفا والكرمل والجليل وعبلين، ونخبة من الجمهور المثقف الراقي المُصغي، وذلك احتفاءً بتكريم عبلين الجَليليّة بابنتها الأديبة الشاعرة آمال عواد رضوان، وتوقيع كتبها التراثية الثلاثة بتاريخ 30.9.2022، بمبادرة وتنسيق وتنظيم جمعية عبلين في القلب، بالمشاركة مع قسم المعارف في مجلس عبلين المحلي، والنادي النسائي الارثوذكسي عبلين، وجوقة الكروان، ونادي الكنعانيات للإبداع، والكشاف الأرثوذكسي وجمعية فسيلة، وأطر وجمعيات عبلينيّة عديدة  أخرى.

تولت إدارة الأمسية د. روزلاند دعيم الغالية رئيسة نادي الكنعانيات للإبداع، فقدّمت البرنامج بكل ثقة وبأسلوب وصوت وكلمات رائعة تليق بآمال، فهي فعلًا الجسر الذي يوصل بين القديم والحديث كما قيل عنها على المنصة.

ابتدأت د. روزلاند كلمتها بالترحيب بالحضور والضيوف، وقالت: يبحث الإنسان بشكل دائم عن وسيلة للتعبير عن مشاعره من فرح أو حزن، والغناء واحدة من هذه الوسائل التي تخدم الفرد والجماعة، والفنون الشعبية تعبر عن الآمال والأماني الخفية، وترافق المجتمع في مراحل دورة حياة الإنسان ودورة الحياة في الطبيعة؛ وحتى الحالات السياسية الثورية، فالفن الشعبي، إذًا، عمل فني شعبي له غرض اجتماعي ونفسي، وبالحالتين هو مخزون حضاري قيمي.

ولأن الفلاح الفلسطيني يبدأ سنته الزراعية مع موسم الخريف في عيد الصليب، ولا يكتفي بالتعبير عن تطلعاته وأمنياته الزراعية من خلال الأرض، وما تُغدق عليه فقط، بل من خلال كل المواسم الدينية والتراثية، فينتج أرشيفًا غنيًّا من المادة التراثية، وإن كنا نتحدث عن أمنا الأرض، فإننا نتقدم بجزيل الشكر للسيدات الرائعات من النادي النسائي الأرثوذكسي على الضيافة. وللتنويه، فإنّنا نتحدث عن منتجات أرضنا الصحيّة، وعن بوفيه أخضر داعم للبيئة.4345 امال رضوان

كان من المفروض أن تتحدث المربية حنين عودة عن كتاب المهاهاة والملالاة في زغاريد الأفراح، لكنها تغيبت لظروف وفاة عمّها، فباسمي وباسم الجميع نقدّم تعازينا الحارة، ونلتقيها لاحقا على خير وإبداع.

وأثنت د. روزلاند على كلّ من ساهم في تنظيم وتخطيط هذه الأمسية التراثية بامتياز، إذ ازدانت القاعة بحُلّةٍ وأوانٍ وديكوراتٍ وأمثال وأطعمةٍ تراثية، وبفقرات تراثية وشرائح عمريّة متعددة، ومداخلات ثقافية: أدبية ودبكة وتمثيل وغناء.

تلاها د. خالد شيخ أحمد مدير قسم المعارف بكلمة ترحيبية وتكريمية باسم مجلس عبلين المحلي، وقد أشاد بدور ونشاط آمال عواد رضوان الأدبي اللافت، في عبلين وداخل البلاد والعالم العربي.

قدمت جوقة الكروان بقيادة المايسترو نبيه عوّاد الأغنية التراثية (ع اليادي) بصوت أليسار حاج، بمرافقة عازفين من جوقة الكروان: صافي دعيم- قانون، سيمون أبو شحادة- كمان، موران عواودة- إيقاع/ رق، وساهر جبور- إيقاع/ رق.

أمّا د. إلياس روحي زيدان؛ المحاضر لموضوع الإدارة التربوية في جامعة حيفا، والمستشار التنظيمي صاحب الخبرة الواسعة، فقد أتحفنا بمداخلته الشيقة عن التراث في (كتاب أناشيد المواسم - آمال عواد رضوان)، وضرورة إحياء هذا الجمال في الأجيال الصاعدة، وختم كلمته قائلًا: أمسية تليق بآمالنا - آمال الخوري عواد رضوان- وتليق بالتشكيلة متنوّعة النكهات من ثمارها الادبيّة، وبقيادتها وتمكينها للعديد من نساء عبلين، ومنحهنّ دورا وحيّزا يليق بهنّ وبقدراتهن، دمتِ آمالنا ودام عطاؤك وإنجازاتك، ودامت الأخوّة بين بنات وأبناء صفّنا.

ثم دعا أبناء صفها وزملاء الدراسة الرائعين الذين نسقوا فيما بينهم مؤامرة جميلة، ليفاجئوها ويكرّموها ويقدموا لها أروع تكريم في هذا الحفل.

تلتها وصلة فولكلورية لفرقة جفرا للدبكة والفنون الشعبية، وقام المدرب محمود خطيب بتقديم درع جفرا  للأديبة آمال عواد رضوان.

أمّا الكنعانية المربية كفاية نجمي الشيخ أحمد، فقدّمت مشهدًا مسرحيًّا جميلًا بعنوان "بساط ستّي"، من تأليفها وإخراجها، وتمثيل الطالبتين :صهيل كامل عودة، وعرين أمير مواسي، للمَثل "رجعت حليمة لعادتها القديمة"، من وحي الكتاب "أمثال ترويها قصص وحكايا" لللأديبة آمال عوّاد رضوان"، ثمّ تحدثت الكنعانية كفاية عن هذا الكتاب  بإسهاب، وعن القصة التي تقف وراء كلّ مَثل.

ولأنّ الراوي اعتاد أن يحمل تاريخ القبيلة، والحكواتي يحمل هموم الناس وأحلامهم، قدّمت السّيدة نيلي سعيد - أم إيليا عضوة النادي النسائي الأرثوذكسي عبلين، حكاية المَثل "النصيحة بجَمَل"، من الكتاب "أمثال ترويها قصص وحكايا"، بسردٍ جميل مُشوّق.

أما الكنعانية د. روزلاند دعيم فقدّمت نبذة عن كتاب المهاهاة والملالاة في زغاريد الأفراح، ونوّهت إلى  أنّها قدّمت الكتاب بمقدّمة مستفيضة جميلة.4346 امال رضوان

وكان لونٌ آخر لنساء النادي النسائي الأرثوذكسي عبلين المبدعات، فقد اعتليْنَ المنصة، وغنّيْن ألوانًا من الأغاني التراثية بتدريب الأديبة آمال، وقدّمن وصلةً غنائية من أهازيج ومواويل وعتابا وميجانا بصوت ميلادة أبو شحادة (أم ونس) وابنها ونس، برفقة المايسترو نبيه عواد وعازفين من فرقة الكروان، فأضفنَ للجوّ رونقًا وجَمالًا تراثيًّا مميّزًا أصيلًا، وحلّقت في أجواء القاعة أصواتُ الزغاريد والأوف والميجنا والمهاهاة بأصواتهنّ العذبة.

وفي نهاية اللقاء تحدّثت عروس الاحتفال آمال عواد رضوان؛ مديرة نادي الكنعانيات للإبداع، ورئيسة النادي النسائي الأرثوذكسي عبلين، وشكرت كلّ الحضور والمنظمين والمتحدّثين والمشاركين، على ما بذلوه من جهود في إنجاح الأمسية الثراثية:

جمعية عبلين في القلب، مجلس عبلين المحلي، د. روزلاند دعيم ونادي الكنعانيات للإبداع، د. خالد الشيخ أحمد، د. إلياس روحي زيدان، جوقة الكروان والمايسترو نبيه عواد، جمعيّة جفرا للدّبكة بمدربها محمد خطيب، المربية كفاية نجمي الشيخ أحمد وفريقها، مصممة الديكور التراثي ياسمين غنايم سكران، نساء النادي النسائي الأرثوذكسي عبلين بكل التشكيلات والمأكولات والأهازيج التراثية، وشكرت كل المؤسسات والأطر العبلينية، وشكرت د. محمد خليل مدير منتدى الفكر والإبداع مع أعضائه، وكل الحضور من أهالي عبلين الشمّاء، وكلّ الأدباء والأصدقاء من كافة أرجاء البلاد، كما ثمّنت عاليًا الدور الإعلامي وتغطية الأمسية، متمثلا بتلفزيون هلا وكادره، والمصور الإعلامي رائف حجازي.

نعم.. كانت أمسية تراثية بامتياز بكل ما فيها، من أجواء تراثية ازدانت بها القاعة،  فالمسرح والمنصة فرشته ياسمين سكران بطراز بُسُط وألوان تراثية جميلة، الديوان، المقاعد، الشراشف، الأواني الفخارية والنحاسية القديمة، أدوات منزلية قديمة كالمهباج، وأطباق القش، الغربال، البريموس، المكوى، دلة القهوة، وكراسي القش القديمة.

أمّا موائد الضيافة الشهية والتنسيق الخلاب، فقد ضمت تشكيلة لذيذة من مأكولات وحلويات تراثية بيتية، ساهم بصنعها وتحضيرها نساء النادي النسائي الأرثوذكسي عبلين الحبيبات، بإدارة آمال عوّاد رضوان: دقّة، زعتر، زيت زيتون، مناقيش، زيتون أخضر مرصوص، وزيتون أسود، خبز مقلي، رُبّ الخرّوب، مُربّى تين وعنب وخوخ ومشمش وتفاح من صنع نساء النادي، بليلة وقمح مسلوق، قريش بأنواعه المختلفة وسمسم لتزيين القمح المسلوق (بربارة)، حبوب ترمس وفول، وحلويات: الغريبة، كعكات ستي بالقالب، مبروشة، هريسة، فستق عبيد بقشره، عنب وأكواز رمان وخيار تشريني، ومجففات قطين ومشمش وتمر وزبيب، وزينت الموائد القهوة العربية بنكهتها التي لا تقاوم.

والجدير بالذكر، أنّ جدران قاعة الفانوس ازدانت بلوحات لأمثال شعبية وحزازير وأناشيد تراثية بقلم الشاعرة آمال عواد رضوان، والمدونة بكتابها (أناشيد المواسم)، وهذه الامثال تماثلت مع المعروضات للضيافة وتزيين القاعة، وكأني بآمال تريد أن تعيدنا بهذا اللقاء الحميم الى خيرات الأرض، وعفوية الناس، وتمسك الفلاح بأضه.

ولأن الطبيعة الخلابة والسهول الخضراء تتعانق فيها الاشجار الباسقة وارفة الظلال بشموخها ورائحتها، الأمر الذي يحتم على من يرافق آمال ويقرأ لها، أن يشعر بأنها ترى بعيون خضراء كل ما حولها، فهي الطفلة العبلينية الخضراء التي درجت وتربت في بيت دافئ، تحت كنف والدين مُحبّين روحانيّين مدا لها يد العون، وغرسا في نفسها عشق الأرض ومَحبّة الآخرين.

هكذا أنا عرفت آمال بتواضعها وعنفوانها، ببساطتها وتألقها، بدعمها كل من حولها، بتسامحها ومحبتها، وبتضحيتها من أجل الغير، ولا يسعني إلّا أن أشدّ على يديها، وأوجّه شكري الخاصّ لنساء النادي النسائي الأرثوذكسي عبلين الفعّال، واللواتي حملن جرار العمر، وعملن جاهدات للتمسك بالتراث من حكايات ومفاهيم تربوية، فتركن للأجيال القادمة إرثًا لا يُعوّض، فالشكر الجزيل لكلّ من شارك وحضر.

وكتب د. محمد خليل: العزيزة آمال عواد رضوان، تستحقين ذلك وأكثر. بصراحة كان الحفل يليق بك وأنت تليقين به. كان احتفالًا رائعًا ترتيبًا وتنظيمًا ومضمونًا. شكرًا للكلمة الطيبة والنابعة من القلب. تهانينا مرة أخرى، وإلى المزيد من الإبداع والتميز وقطف الثمار.

وكتب الفنان موسى إبراهيم: حضوركم في توقيع كتب الأخت امال عواد رضوان أضفى على المشهد رونقًا وزاده ألقًا ومحبة . أدام الله عطاءكم ومحبتكم، وألف وردة للأخت الأديبة آمال عوّاد رضوان، وشكرًا على ما قدّمته في احتفالية توقيع كتبها الثلاثة، وعلى البرنامج الأكثر من رائع، فقد عدنا تملؤنا الطاقة والأمل، وغُمِرنا بكرم ضيافة عَبَلّين وأهلها الكرام.

***

بقلم: هيام مصطفى قبلان

المجلس الأعلى للُّغة العربيَّة بالجزائر يحتفي باليوم العالميّ للتّرجمة بندوة عــن:  "التّرجمة والهُويّة: أيّة علاقة؟ وأيُّ تأثير؟"

عُــقد في رحاب المجلس الأعلى للُّغة العربيَّة بالجزائر،   مؤتمر للاحتفاء باليوم العالمي للتّرجمة، والذي يصادف يوم:30سبتمبرمن كل عام، تحت عنوان: » التّرجمة والهُويّة: أيّة علاقة؟ وأيُّ تأثير؟«، وشارك في هذا المؤتمر مجموعة من الباحثين، من مختلف الجامعات الجزائرية، وألقيت في الجلسة الافتتاحية كلمة الأستاذ الدكتور صالح بلعيد؛ رئيس المجلس الأعلى للُّغة العربيَّة بالجزائر، والتي أشار فيها إلى عدة قضايا مهمة، وأكد من خلالها على أنّ التّرجمة الآلية تحتاج منّا كل الدّعم والتّطوير؛ لمزيد من حلّ المضايقات التّقنيّة التي تعيشها كلّ اللغات، وبخاصّة اللغة العربيّة التي لها من الخصوصيات مالها، وكلّ خصوصيّة تحتاج إلى برمجيات، وقد تحدث في الجلسة العلميّة الأولى العديد من الباحثين، من بينهم الدكتور هامل بن عيسى من جامعة الأغواط، والدكتور عمّار قاسمي من جامعة العلوم الإسلامية بقسنطينة، والدكتورة نصيرة شيادي من جامعة تلمسان، والدكتور يوسف بن نافلة من جامعة الشلف، والدكتور محمد سيف الإسلام بوفلاقة من جامعة الشهيد باجي مختار بعنابة.

ولا يختلف اثنان على أنه لا يُمكن للتّرجمة أن تنهض بمفردها بدور تطوير الفكر، وبناء الهُويّة الثّقافيّة، وإنّما تُعدّ التّرجمة من بين المُكوّنات التي تُساهم في عملية التّطوير والتقدم في المجال الفكري والمعرفي، وهي   تعني قراءة لنص بغير لغته، وإعادة بناء نص سَجَّـل نفسه على نحو مُغاير ومُختلف؛ ومن هنا تغدو الأعمال المترجمة جزءاً من الثقافة المُستقبلة، وذلك بعد انتقالها من اللُّغة المصدر(لغتها الأصلية)إلى اللُّغة الهدف، وكل من مارس عملية التّرجمة يُدرك أن المُترجم يُلفي نفسه مُوّزعاً بين هُويّات مختلفة، وهو ينهض بعملية التّرجمة؛ حيث إنه يضطر إلى إدخال ثقافة أخرى إلى نصّه، كما أنه في الآن ذاته بحاجة إلى الحفاظ على هُويّة وطنه، ومن يهتم بهذا الموضوع يجد أن مُقاربة الترجمة في صلتها بالهُويّة، وتركيز الاهتمام عليها يُمكن أن يكون بمنزلة وضع أحجار للنهوض بالبناء الفكري، والثقافي في المجتمعات التي تُركز عليها، وتمنحها قصب السبق، وتسعى إلى تنميّتها،  وقد يبدو الحديث عن الهُويّة الثّقافيّة، والتّرجمة حديثاً يحمل بعض دلائل التناقض؛ بيد أن النظرة المتأنية تكشف عن اتساق جوهري في هذه العلاقة بين الهُويَّة الثقافية، والترجمة ؛ فالترجمة في معناها البسيط نقل من ثقافة إلى ثقافة أخرى، ومن هــُوية ثقافية بعينها، إلى هـُويَّة ثقافية مختلفة، ومن جانب آخر؛ فالهُـويَّة الثقافية عبارة عن كيان معنوي متجانس، ومترابط في بنائه الداخلي، وتجلياته الخارجية، والترجمة قد تكون في بعض الأحيان مُكوِّناً من مُكوِّنات الهُويّة الثقافية لدى بعض الأمم، أو المجتمعات، كما تتراوح أهميتها بين ثقافة ، وأخرى، بحسب درجة انفتاحها على العالم، ويمكن القول إن الترجمة عن اللُّغات الأخرى تثري الهُويَّة الثقافية، وتُساهم في تقويتها، ولا تُضعفها، أو تُشوش خصائصها، كما لا تشدها إلى أغلال التبعية الثقافية كما يرى البعض، ويذهب العديد من الدارسين إلى أنها تندرج تحت لواء الغزو الثقافي؛ إذ أن الترجمة عامل فاعل في إثراء الهُويَّة الثقافية، ولكن نتائج عملية الترجمة ينبغي أن تمر بعمليات تنقية، وتصفية متعددة، وذلك انطلاقاً من مرحلة فعل الترجمة الفردي، ووصولاً إلى نتائجها التي تصب في المجرى الثقافي العام الذي يُشكل الهُويّة الثقافية، وإذا كان هناك قدر من الشك في أن الترجمة يُمكن أن تكون من عوامل التأثير السلبي على الهُويَّة الثقافية؛ فإن التجارب التاريخية المعروفة عن تاريخ الترجمة، وتأثيراتها في التراث الإنساني بشكل عام؛ تؤكد أن الهُويَّة الثقافية للحضارات التي مرت بتجارب مهمة، وواسعة النطاق في مجال الترجمة تبلورت بشكل أقوى، وأكثر وضوحاً من ذي قبل(1)، ومن بين الأمثلة التي كثيراً ما يتم استحضارها في هذا الصدد أن الحضارة العربية الإسلامية أفادت كثيراً من حركة الترجمة الهائلة التي واكبت بناء الدولة والمجتمع، وجوانب البناء الحضاري الأخرى؛ في بلورة هويتها الثقافية منذ السنوات الباكرة في التاريخ الإسلامي؛ ذلك أن هذه الحضارة أفادت كثيراً من عمليات الترجمة التي شكلت عوامل إضافة مهمة للهوية الثقافية؛ فقد ساعدت الترجمة المسلمين على الإفادة من تراث الحضارات السابقة؛ وهي الحضارات التي كانت تنتمي إليها الشعوب التي اعتنقت الإسلام ديناً، واتخذت العربية لغة (2)، ولا يُمكن لمن يتحدث عن العلاقة بين التّرجمة والهُويّة أن يصرف النظر عن التعمق في دور اللُّغة في بناء الهُويّة، وصلتها بالثّقافة، كما أن هذا الأمر يقود إلى الحديث عن العلاقة بين الثّقافة والهُويّة؛ ولا يُمكن البحث في واقع اللُّغة دون التطرق إلى صلة اللُّغة بالهُوية، وعلاقتها بها، حيث إن إدراك العلاقة القائمة بين اللُّغة والهُويّة في المجال العربي إدراك علميّاً؛ سيسمح بانبثاق سياسة لُغويّة ناجعة تؤدي إلى صون مُفردات الهُويّة وإثرائها من جهة، كما تُساهم في تحرير إرادات التنمية والنهوض من جهة أخرى، والحقيقة أن علاقة اللُّغة بالهُويّة علاقة مُعقّدة وبالغة الحساسية، ويظهر جانب من حساسية هذه العلاقة في شقها النظري؛ من حيث إن اللُّغة ليست معادلاً تاماً لجنس الهُويّة، ولا ُيمكنها الاستقلال عنها، بل هي جزء منها، ومن أبرز مُكوِّناتها الدينامية؛ فعند البحث عن العلاقة بينهما(اللُّغة والهُـويّة) ينبغي إدراك أنها علاقة الجزء المنتمي إلى الجنس(الهُـويّة)، والقصد من الإحاطة بهذه العلاقة وضع هذا الجزء بكلِّه تحت المجهر، ومن ثم تحليل طبيعة هذه العلاقة، وكشف النقاب عن التأثيرات المتبادلة بين طرفيها، واكتشاف تطوراتها؛ ويجمع الدارسون-أو يكادون- على أن اللُّغة منظوراً إليها من زاوية الهُويّة، ليست مجرد أداة تواصلية متسمة بالحياد والسلبية، بل إنها تتحول إلى كائن إيجابي وفاعل في إعادة إنتاج ذات الهُويّة، وتطويرها، أو على العكس من ذلك تحلُّلها وتدهورها(3)؛ وقد تثور إشكالية أخرى في معرض الحديث عن العلاقة بين التّرجمة والهُويّة الثقافية؛ تتصل بترجمة النصوص الدينية، وانطلاقاً من أن اللُّغات تُشكِّل وعاء تاريخيا للشرائع والرسالات السماوية؛ فقد طرحت قضية ترجمة هذه النصوص من لغة إلى أخرى مشكلات تصعب على الحل إلا بالإيمان بوجوب لزوم منهج المحافظة الترجمية، وقد أسس الباحث طه عبد الرحمن في مشروعه الفكري لافتراضين يرتبطان بعمل ترجمة النصوص الدينية انطلاقا من تجربة ترجمة الإنجيل :ممارسة الدعوة:حيث تنزل ممارسة الترجمة في هذا التصور منزلة ممارسة الدعوة، ذلك أن ترجمة النصوص الدينية اقترنت بإرادة القائمين على هذه الديانات والمنتسبين إليها في نشر تعاليم هذه الديانات بين الشعوب، وفي حمل أفرادها على اعتناق هذه التعاليم، فيكون العمل الترجمي الديني غير منفك عن مبدأ الدعوة إلى الدين.والقيام بالوساطة:ينزل المترجم في هذا التصور منزلة الوسيط، وواجب الوسيط في المجال الديني-كما هو شأن النبي- أن يبلغ ما يحمله تبليغا أمينا لا تبديل فيه ولا تحريف، حتى يعلم المبلغ إليه بحقيقة الرسالة، فينهض إلى التصديق بها والعمل بها على الوجه المطلوب، غير أن الدكتور طه عبد الرحمن لا يستحضر في هذا المقام من قاموا بعمل الترجمة لنصوص دينية لا يعتقدونها ولا يؤمنون بها، وإنما كان هدفهم من إجرائها والعمل عليها تحريفها عن مقصديتها وتشويهها، ونقد عناصرها ونقض أركانها، وهو كثير فيما يتعلق بترجمة القرآن الكريم ولا يكاد ينتهي إلى غاية بسبب ما حمله المستشرقون وغيرهم من المغرضين من كراهية في قلوبهم دعتهم لتنويع أساليب النيل من الإسلام والقرآن وحامل هذه الرسالة صلى الله عليه وسلم(4).

ومن بين الأسئلة التي تتصل بالتّرجمة والهُويّة الثقافية: هل توجد أصلاً ترجمة قادرة على القيام بوظيفة الحوار الحضاري بين الشعوب؟ ومن يبحث عن أجوبة لهذا السؤال، يلفي نفسه بالضرورة يُناقش إشكالية رئيسة معروفة في نظرية الترجمة هي إشكالية الاستحالة، حسب تعبير(جورج مونان)أو تعبير لادميرال، والإجابة على هذا السؤال تباينت تاريخياً بين ثلاثة مواقف رئيسة، هي: موقف مشكك في شرعية الترجمة ودورها الحضاري، وموقف مؤيد لها، وموقف ثالث توفيقي(5)، ومما لا يُخامره أدنى شك أن ترجمة النصوص المُقدسة، وعلاقتها بهُوية شتى المجتمعات، تظل مدار أسئلة كبرى في الثقافات المختلفة، ولاسيما منها الثقافة الإسلامية التي تُقر باستحالة ترجمة النص المُقدس، وإنما تُقرب معانيه من المتلقي بلغته، وتمثل التفاسير-على سبيل المثال-مظهراً منها، وهذه الأسئلة تُحيط بالمتن كله، وبمكوناته المختلفة(6)؛ لذلك فالترجمة والهُويّة الثقافية تمثِّل مجالاً خصباً للقراءة والتأويل، والسعي إلى استنطاق الخلفيات،  والتنقيب عن مختلف الأبعاد.

***

الدكتور محمد سيف الإسلام بوفلاقــة

كلية الآداب واللُّغات، جامعة عنابة، الجزائر

.................

الهوامش:

(1) قاسم عبده قاسم: الترجمة وسؤال الهُوية الثقافية، مجلة العربي، مجلة شهرية ثقافية تصدر عن وزارة الإعلام بدولة الكويت، العدد:620، شعبان1431 هـ، يوليو(تموز)2010م، ص:26 وما بعدها.

(2) قاسم عبده قاسم: الترجمة وسؤال الهُوية الثقافية،المرجع نفسه،ص:29.

(3)أمحمد جبرون: انشقاق الهُويّة: جدل الهُويّة ولغة التعليم في المغرب الأقصى من منظور تاريخي، دراسة منشورة في كتاب: اللُّغة والهُويّة في الوطن العربي: إشكاليات تاريخية وثقافية وسياسية، منشورات المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ط:01، الدوحة، قطر،2013م،ص:51-52.

(4)  إدريس مقبول: ترجمة النص الديني وإشكال العالم التصوري: نموذج القرآن الكريم، مجلة بونة للبحوث والدراسات، مجلة دورية محكمة تعنى بالبحوث والدراسات التراثية والأدبية واللُّغويّة، العدد:18، رمضان1433هـ/يوليو-جويلية2012م، صفر1434هـ/كانون الأول-ديسمبر2012م، ص:12. وينظر:طه عبد الرحمن: فقه الفلسفة1- الفلسفة والترجمة، منشورات المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب الأقصى،ط:02، 2000م، ص:64.

(5)  أحمد جوهري: الترجمة التلقيحية وحوار الحضارات، مجلة المشكاة، مجلة الأدب الإسلامي، مجلة محكمة تصدر عن المكتب الاقليمي لرابطة الأدب الإسلامي العالمية في المغرب،وجدة، المغرب الأقصى، المجلد الثاني عشر، العدد:52،2009م، ص:24.

(6)  مليكة ناعيم: الغلاف في ترجمات الكتب المُقدسة-دراسة مقارنة-، مجلة حوليات كلية اللُّغة العربية، مجلة علمية سنوية محكمة تصدرها كلية اللغة العربية بمراكش، جامعة القاضي عياض،المغرب الأقصى،العدد:32، 1440هـ/2018م، ص:123.

 

نظم المرصد المتوسطي للتنمية والمواطنة واندماج الجاليات لقاء لقراءة الأعمال الأدبية والنقدية للدكتور أبو الخير الناصري، وذلك مساء يوم السبت 24 شتنبر 2022م بمقر المرصد بأصيلة.

شارك في هذا اللقاء الذي سيره ذ.محمد البوعناني المنسق العام للمرصد الأساتذة الباحثون الدكتور نجيب الجباري، والدكتورة نبوية العشاب، والأستاذ عبد الصمد مرون، والأستاذ محمد المودن.

المداخلة الأولى قدمها الدكتور نجيب الجباري في موضوع "الخطاب السجالي في كتابات الدكتور أبو الخير الناصري"، انطلق فيها من تحديد مفهوم الخطاب والسجال في اللسانين العربي والفرنسي، وخصائص الخطاب السجالي، وحضوره في الأدب العربي، ثم انتقل لتحليل طبيعة الخطاب السجالي، وتقنياته، وآلياته في كتابات الدكتور أبو الخير استنادا إلى عدد من مقالاته التي ضم بعضَها كتاباه "وردة في جدار" و"خارج القفص" ونُشر بعضها في أعداد من جريدة "الشمال".

وقد أشار د.نجيب الجباري إلى أهمية الموضوعات التي يُساجل فيها الناصري وتنوعها (موضوعات سياسية، وحقوقية، وتعليمية، ولغوية...)، وذكر مجموعة من سمات السجال عنده، ومنها: أنه ينظر إلى مُخاطَبه بنوع من التقدير والاحترام، وأنه ينأى عن استخدام الأساليب العدوانية والعبارات العنيفة، وأنه لا يُلغي خطاب من يساجلهم وتصوراتهم، بل يقدمها ويستحضرها ابتغاء منه للموضوعية وسعيا لإعطاء الآخر حقه في الكلام قبل الشروع في مناقشته، ممثِّلا لذلك كله بنماذج من سجالات الرجل لكل من رئيس الحكومة لسابق عبد الإله بنكيران، ونور الدين عيوش، والباحث محمد قنديل وآخرين.

وفي بيان أشكال السجال عنده وجدها تستجيب لأشكالها التي حددها الجاحظ في: محاجة الخصوم، ومناقلة الأكفاء، ومفاوضة الإخوان، ومثّل لكل شكل منها بضروب من سجالاته.

كما عرض لأساليب الاستدلال في سجالات أبي الخير، ومنها الاستدلال الاستنباطي، وأساليب بلاغية (كالاستعارة، والتشبيه، والتمثيل)، وأساليب إنشائية (كالاستفهام، والأمر، والتمني..)، وبيّن أنواع الحجج التي يعتمدها في سجالاته كالآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، والوقائع العلمية والاجتماعية والتاريخية، وأشاد باللغة التي يعتمدها في سجالاته، واصفا إياها بالبساطة، والعمق، والجمال، والإفهام.

وانتهى إلى خلاصات منها "احترامُ د.أبي الخير، في سجالاته، لكل الآراء المعارضة حتى ولو لم يقتنع بها؛ وذلك لإيمانه بثقافة الاختلاف، وخلوُّ أسلوبه من السب والشتم، وانطلاقُه في سجالاته من معرفة كاملة ومن مصادر موثوقة متصلة بالقضية موضوع السجال، وقدرتُه على الإقناع والمناقشة وتقبل الرأي الآخر دون أن تكون غايته الانتصار على الخصم، والتزامُه بالموضوعية والابتعاد عن الذاتية والطعن الشخصي..".

بعد ذلك تناولت الكلمة الدكتورة نبوية العشاب في مداخلة عنوانها: أبو الخير الناصري من خلال كتابيه "في صحبة سيدي محمد الناصري رحمه الله" و"في صحبة أستاذي محمد الحافظ الروسي"، جعلتها في محورين أفردت كلا منهما لأحد الكتابين.

وقد وصفت الكتاب الأول بأنه "صغير الحجم، كبير الفائدة، يضم بين ثناياه قضايا تربوية هامة، ويقدم منظومة من القيم والمبادئ الأخلاقية التي تضبط علاقة الآباء بالأبناء، وتؤسس لمنهج قويم،  من أجل تربية سليمة"، وانطلقت تمثل لذلك بما ورد في الكتاب من مناقب الأب محمد الناصري - رحمه الله - كحرصه على تنمية ملكة القراءة عند نجله وتهييئ البيئة المناسبة لذلك، وبذله الغالي والنفيس لتطوير قدرات ابنه الفكرية والإبداعية، وتعلميه إياه الانفتاح على الآخر دون فقدان للهوية أو زعزعة للمبادئ، واتخاذه ابنه صديقا  وتقديم عصارة التجارب المعيشة له دروسا وقصصا صالحة للاعتبار والاتعاظ....لتخلص من تعداد تلك المناقب إلى أنها "نموذج للعلاقة الصحيحة المتينة و المثمرة التي ينبغي أن تكون بين الآباء والأبناء".

كما أشارت المتدخلة إلى جملة أمور لفتت انتباهها في هذا الكتاب، وذلك كالحس النقدي لمؤلفه، وتحريه الصدق في الحديث، وقدراته السردية التي تشربها من مجالسة والده وإصغائه لحكيه.

ثم انتقلت للحديث عن كتاب المحتفى به عن أستاذه د.محمد الحافظ الروسي، مبدية إعجابها بطبيعة العلاقة التي جمعت الطالب بشيخه، وهي علاقة "لا تقل أهمية عن علاقة الأب بابنه".

ونوهت د.نبوية كثيرا بما ضمه الكتاب من يوميات "تحكي عن المواقف والأحداث التي جمعت أبا الخير بأستاذه، والتي من خلالها خبر معدن الأستاذ الأصيل، ونقاء سريرته، وحسن ملاطفته لطلابه، وتقديره لظروفهم، وحرصه على إفادتهم، وتشجيعه إياهم على السير في طريق العلم، واعترافه بكفاءة الأكفاء منهم، وقبوله اقتراحاتهم وأفكارهم المفيدة..."، وهي إلى ذلك يوميات كاشفة عن أدب الطالب أبي الخير مع أستاذه، ومحبته له، واقتدائه به، واستفادته منه علميا وأخلاقيا.

وختمت مداخلتها بالقول "إنه ليس من باب المبالغة، ولا المجاملة، أن أنادي من هذا المنبر، بإدراج هذين الكتابين ضمن مقررات الدراسة. فما أحوج أبناءنا للأب القدوة والأستاذ النموذج".

في المداخلة الثالثة قدم الأستاذ عبد الصمد مرون "إضاءات في كتاب غيمات الندى للدكتور أبو الخير الناصري"، نبّه فيها على جملة أمور تخص هذا الكتاب الذي أفرده صاحبه لشخصية الأديبة الدكتورة سعاد الناصر وأعمالها النقدية والفكرية.

تحدث ذ.مرون عن الصنف التأليفي لـ"غيمات الندى"، مدرجا إياه "ضمن الكتب التي تُعنى بالتعريف بالرجال والنساء من ذوي العلم والمعرفة، فتقدم سيرتهم وإسهامهم الفكري والثقافي والتربوي"، وأشاد باحتفاء د.أبو الخير بأعلام أحياء خلافا للغالب على الساحة الثقافية التي يهيمن عليها "التأبين على هامش الرحيل"، كما أشاد بتعريف المؤلف بالشخصيات من خلال مرآة الذات الكاتبة وأهمية ذلك وضرورته.

وأشار المتدخل إلى عنوان الكتاب، ووازن بينه وبين عناوين كتب أخرى للمؤلف ككتابيه عن والده وأستاذه الدكتور محمد الحافظ الروسي، ليخلص إلى أن "غيمات الندى" عنوان "مخالف لما دأب عليه كاتبنا، حيث تبدو العلاقة بين المضمون والعنوان شاحبة في سياق يفترض الوضوح، ليستدرك بعدُ قائلا إن الكاتب تفطن لذلك فوضع عنوانا ثانيا فرعيا "يخصص ما شمله عموم العنوان الأول، وهو: سعاد الناصر، ملامح من شخصيتها ونظرات في أعمالها".

ولم تخل مداخلة ذ.مرون من نقاش صريح عبّر فيه عن اختلافه مع الطرح الفكري لأبي الخير وأستاذته سعاد الناصر في بعض القضايا التي عرض لها كتاب "غيمات الندى" كقضية المرأة وإمكان الانتقال من الحديث عنها إلى الحديث عن قضية الإنسان عامة رجلا وامرأة دون فصل وتمييز.

وختم حديثه بتحية صديقه الناصري الذي وضع أمام القراء قضايا خصبة للنقاش والاختلاف،  بعيدا عن كل نزعة نحو الحسم ووهم القول الفصل.

أما المداخلة الرابعة فكان عنوانها "محورية الغرض في مؤلفات أبي الخير الناصري"، ذكر صاحبُها الأستاذ محمد المودن أن "الغرض واحد في جميع مؤلفات المحتفى به، وهو الغرض الإصلاحي الذي سخّر له آليات النقد".

رصد ذ.المودن تجليات النقد الإصلاحي وخصائصه عند د. أبو الخير الناصري انطلاقا من خلال كتابيه "لا أعبد ما تعبدون" و"في صحبة سيدي محمد الناصري رحمه الله"، فنوه بحسن اختيار النصوص المقدمة لقراء الكتاب الأول، وقسم ما فيه من نقود قسمين هما "نقد الموضوعات أدبيا واستكناز ما لها وما عليها، ونقد الأفكار التي قد يكون الموضوع المدروس قدمها ظاهرة أو مضمرة"، مرتكزا لبيان ذلك على جملة من مقالات الكتاب، ليستخلص أن الرجل "عندما يدرس ظاهرة اجتماعية من خلال أحد النصوص، أو يكشف اللبس الذي قد يراود القارئ في بعض الأفكار أو المصطلحات، أو يكشف الأخطاء المنهجية لنص ما أو السرقات الأدبية فيه، فهو لا يقوم بهذا العمل من أجل مصلحة خاصة، بل يقوم بكل هذا النقد لتقديم أفكار تساعد على تنوير العقول التي تتعامل مع الأفكار والنصوص الأدبية دون تفكير دقيق"، منتهيا إلى أن "لا أعبد ما تعبدون" "لا يكتفي بنقل المشهد الثقافي وتقديمه للقارئ، بل يقدم المشهد، ويقدم رأي المؤلف الذي يحمل من التوجيه والمحاولات الإصلاحية الشيء الكثير".4326 ابو الخير الناصري

وعدّ ذ.المودن الكتاب الثاني (في صحبة سيدي محمد الناصري) "منهجا يجب على كل أب أن يقرأه ليُحسّن علاقته بولده"، كما عدّه "ترياقا لبعض المشاكل" التي تنشب داخل مؤسسة الأسرة، لا سيما بين الأبناء والآباء، مستدلا على ذلك بأهمية الموضوعات والإشكالات التي طرحها الكتاب، ممثلا لها بنماذج وأمثلة مختارة بعناية من بينها الإشكال "هل نعيش حياتنا أم حياة أخرى اختارها لنا آباؤنا؟"، فبيّن خطورة إقدام بعض الآباء على إهمال رغبات الأبناء وطموحاتهم، وتوجيههم توجيها سلطويا، مشيدا بطريقة توجيه الراحل محمد الناصري لابنه أبي الخير.

كما أشاد المتحدث بجوانب أخرى عرض لها الكتاب من أبرزها: الصداقة بين الوالد والولد، والحوار بينهما، وحرص الأب على تكوين أبنائه تكوينا علميا وأخلاقيا، وتدريبه إياهم على تحمل المسؤولية، ممثلا لذلك بأحداث ووقائع مما ذكره الكاتب في كتابه، مؤكدا من خلال ذلك كله أن هذا العمل "يقدم منهجا للحياة العائلية السليمة"، وتلك رسالة إصلاحية واضحة.

بعد هذه المداخلات تحدث الدكتور أبو الخير الناصري، فعَدَّ نفسَه ومنجزه ثمرةً لجهود الذين أسهموا في تعليمه وتكوينه ابتداء بوالديه، ومرورا بكل الشيوخ والأساتيذ الذي درسوه، منذ مرحلة المسيد حتى الدراسات العليا، دون إغفال أشخاص خارج قطاع التعليم شاركوا في تشكيل وعيه وإغنائه، قائلا إن الاحتفاء به وبأعماله إنما هو احتفاء بكل المذكورين واحتفاء بالمدينة (أصيلا) من خلال عطاء واحد من أبنائها.

وعرج المحتفى به على تصوره للكتابة، فقال إنها ليست ترفا فكريا، وليست بحثا عن وجاهة اجتماعية، ولكنها مسؤولية ينهض بها الكاتب من خلال التعبير عن الرأي الصادق تقويما للاعوجاج واقتراحا للبدائل.

وأضاف أن مؤلفاته كلها تؤطرها الرؤية الإصلاحية، سواء منها ما تعلق بالتصويبات اللغوية، أو ما كان مقالات رأي، أو دراسات نقدية، أو كتبا احتفائية بالشيوخ والأساتيذ.

ولم يغفل أن يشيد، في كلمته، بما قدمه الأساتذة المشاركون من مداخلات علمية، وأن يناقش بعض ما ورد فيها نقاشا أبان فيه عن الاختلاف في الرأي مع الحفاظ على أواصر الصداقة والمودة.

 

فاز الشاعر العراقي د. مصطفى علي بالجائزة الأولى لمهرجان الجواهري – الدورة التاسعة 2022م. عن قصيدته:

إكْليلٌ من الدمع على ضريح المَعَرّي

وكان الشاعر مصطفى علي قد شارك شخصيا هذا العام في مهرجان الجواهري، الذي شهدته مدينة فيرفيلد في سيدني يوم الأحد الموافق 14-8-2022 من الساعة الرابعة مساءً حتى الثامنة، وعلى قاعة المدينة، حيث انطلاق فعاليات مهرجان الجواهري التاسع.

وبعد نشاط أدبي تناوب فيه عدد من الشاعرات والشعراء منصة الخطاب، اعتلى الشاعر فؤاد نعمان الخوري ليعلن نتائج المسابقة الشعرية في حقل العمود، إذ اشار الى عدد النصوص العمودية المستلمة هي " 53 نصاً" ثم أعلن اسم الفائز الأول:

الشاعر الدكتور مصطفى علي

الذي حصل على أعلى الدرجات وبمنافسة جمالية مثيرة، كما جاء في تقريره. وقد استقبل جمهور الحاضرين الخبر بتصفيق حار، سيما أن إعلان النتائج جاء بعد إلقاء قصديته القيمة.41116 مصطفى علي

لقد كان حضور الشاعر القدير مصطفى علي القادم من مدينة ملبورن الاسترالية مميزا، وكان اضافة نوعية هذا العام. ومهرجان الجواهري كرنفال سنوي بإدارة وإشراف الصالون الثقافي في منتدى الجامعيين العراقي الاسترالي، وبإشراف الشاعر القدير وديع  شامخ.41112 مصطفى علي

صحيفة المثقف كانت حاضرة بشخص رئيس التحرير، الذي تلقى الخبر بفرح عامر، وشارك الشاعر وجمهور الحاضرين أفاراحهم، وهو جمهور نوعي متنوع وكبير.41113 مصطفى علي

يذكر أن الجائزة الأولى العام الماضي قد فاز بها الشاعر أحمد راضي من شعراء صحيفة المثقف أيضا. بهذا تفتخر المثقف بكتابها وشعرائها من السيدات والسادة، وتتمنى للجميع دوام التفوق والناجح.41114 مصطفى علي

وبهذا المناسبة العطرة نتقدم للشاعر مصطفى علي بأحر التهاني والتبريكات بالهذا الفوز الكبير، ونتمنىى له الصحة والسلامة.

41115 مصطفى علي

4117 مصطفى علي

4119 مصطفى علي

صحيفة المثقف

15 – 8 – 2022م

 

الصفحة 2 من 4

في المثقف اليوم