تقارير وتحقيقات
أحمد الحاج: الدرر البهية بين يدي "الملحمة الفلسطينية"
* المؤرخ أحمد المنزلاوي: طوفان الأقصى أثبت أن خطاب التسوية السلمية، والسلام، والتطبيع مع الكيان الصهيوني لم يستطع أن يؤثر على الأجيال الشابة.
* الكاتب والإعلامي حاتم سلامة: لم أكن أتخيل أن تأتي"الملحمة الفلسطينية"بهذا الزخم الكبير والتنوع المدهش رغم أننا لم نخطط أو نخصص لكل كاتب ما يتوجب عليه كتابته .
* الباحث الطبيب منير لطفي: نظرة سريعة على فهرس الكتاب تكفي للتدليل على أن المحاولات الصهيونية البائسة لطمس الهوية الفلسطينية قد استعصت على الطمس .
تحقيق: أحمد الحاج
***
عندما نخوض في غمار "الملحمة الفلسطينية"، فهذا يعني بأننا نتحدث عن ملاحم وبطولات ومآثر شعب أبي صامد صابر محتسب عاش عقودا مريرة من النزوح والشتات واللجوء في المنافي والخيام خارج أرضه، مقابل التهميش، والاقصاء، والابادة الجماعية، والاعتقال التعسفي، والاخفاء القسري داخل أرضه، مشفوعا بتزوير الحقائق إعلاميا، وحرف الوقائع دوليا، وتعتيم المظالم قانونيا، وغض الطرف عن الجرائم التي لاتسقط بالتقادم حقوقيا، والصمت المطبق عن المجازر أمميا، مع النأي عن تصحيح ما حُرِفَ، وتعديل ما أعوج، وكشف ما أخفي، واظهار ما طُمِسَ، بل وهناك من لايزال مصرا على استنساخ الاكاذيب الصهيونية وإلقائها جزافا على رؤوس الأشهاد لتُكذِب الصادق وتُصَدق الكاذب، تُخون الأمين وتأتمن الخائن، مع الترويج لحلول ترقيعية مفترضة لإحلال سلام مزعوم لايعدو أن يكون مجرد حديث خرافة لايسمن ولايغني من جوع أقل ما يقال عنها بأنها " زوبعة في فنجان "و" هواء في شبك " ليس أولها "صفقة القرن " ولا آخرها " حل الدولتين " مرورا باتفاقيات أوسلو، وكامب ديفيد، واتفاقات ابراهام، و"حل الدولة الواحدة " فيما يذهل كثيرون عن أن "كيانا غاصبا لايفتأ يرفع ومنذ الاتفاق على تأسيسه بوعد بلفور المشؤوم عام 1917م والى يومنا هذا شعار(اسرائيل من النيل الى الفرات) لن يكف يوما عن ابتلاع الارض، ولا عن انتهاك العرض، ولا تهجير الفلسطينيين وترويعهم وقتلهم واذلالهم ضاربا بعرض الحائط كل الاتفاقات والعهود والمواثيق ولاسيما بوجود الفيتو الامريكي المؤيد له في السر والعلن، ولن يقف بوجه ذلكم الشعار الاستيطاني المقيت سوى شعار تحرري نضالي مناهض هو (فلسطين من النهر الى البحر) وتأسيسا على ما تقدم فقد ولدت (الملحمة الفلسطينية) من رحم تلكم الأحداث الساخنة بأقلام كتابها ومحرريها لتصحح بعض المفاهيم التي اعتراها الخلل، وضع السبابة والابهام على مكامن العلل، تبصير الاذهان بمواضع الزلل، فضلا على اضاءة جانب معتم مما تروج له الآلة الإعلامية الصهيونية المضللة من أكاذيب وأباطيل وحيل على مدار 75 عاما من دون كلل ولا ملل، ولا حياء أو خجل، لنبدأ تحقيقنا الصحفي بأسئلة وضعناها بين يدي المؤرخ أحمد المنزلاوي، ليجيبنا عنها مشكورا:
* بداية كيف اختمرت فكرة اصدار"الملحمة الفلسطينية" ليناط كتابتها بـ 35 كاتبًا من الكُتاب والأدباء والمفكرين من أرجاء الوطن العربي ممن صالوا وجالوا، ممتشقين أقلامهم وهم يمتطون صهوة الاحداث، لينافحوا عن القضية المركزية الأم في عصر التصحر المعرفي، والجفاف الوجداني، والجدب الثقافي، والأمية التاريخية التي قلبت عالي الحقائق سافلها بفعل الإعلام الغربي المخادع الذي خلط الاوراق، ولسان حالهم يردد رائعة أبو الفتح البستي:
ولضربة من كاتب ببنانه
أمضى وأقطع من رقيق حسام
*
قوم اذا عزموا عداوة حاسد
سفكوا الدما بأسنة الأقلام
- لا أظن أن هناك كاتبًا حرًا أبيًا مسلمًا عربيًا لم تختلج نفسه مشاعر المقاومة مؤازرة للمقاومين في فلسطين ولاسيما عقب أحداث طوفان الأقصى، فكلنا يتألم نحو ما يحدث في فلسطين.. وهذا الكتاب صنع بعين الله، وليس لنا فيه إلا السعي.. بداية من الفكرة التي أشعلها د. منير لطفي، فإذا به يحدثني يوم ٥/ ١١/ ٢٠٢٣ ويعرض علي الأمر.. وكانت الفكرة أن نعد كتابًا يجمع طيفًا من المؤلفين والكُتّاب ليدلي كل واحد منهم بدلوه نحو القضية الفلسطينية.. كنت في ذلك الوقت في أخط آخر سطور كتابي (حكاية فلسطين) الذي صدر منذ وقت قريب، والحقيقة لم يكن نشره سهلا فخشيت أن لا نتمكن من نشر الكتاب الآخر، لكنني تحمست للمسألة وكذلك تحمس الأستاذ حاتم سلامة، وتواصلنا ثلاثتنا الى أن نستكتب بعض الكُتاب وفي أضيق الأحوال سننشر الكتاب إلكترونيًا معذرة إلى الله..
لكن أبى الله تعالى إلا أن يمدنا بمدده ويذلل لنا الصعاب، بل لم تكن هناك صعاب، المؤلفون انهمروا من كل حدب وصوب وأرسلوا مقالاتهم التي بلغت ٣٥ مقالًا، فتواصلتُ مع الإستاذ أحمد الشريف، صاحب (منشورات الفنار) أعرض عليه الفكرة على استحياء على أن يكلف الكتاب ويستغني عن الربح تبرعًا لفلسطين، فإذا به يرحب بالفكرة ويعزم على النشر بل ويجعل ثمن الكتاب كله تبرعًا خالصًا مستغنيًا عن التكلفة والربح معًا، وهكذا سارت الأمور من تنسيق وتصحيح وتصميم، وتوج الكتاب بمقدمة أستاذين جليلين كان لهما عظيم الأثر في الساحة الفكرية، وقد أضفيا على الكتاب رونقًا بديعًا.
* كيف تنظر الى "طوفان الاقصى"بوصفه انعطافة تاريخية ليست كبقية الانعطافات كل ما سيأتي بعدها لن يكون كما قبلها قطعا وبما ستحتفظ به الذاكرة البشرية طويلا ولاسيما بعد نجاحها أيما نجاح في اعادة ألق القضية الفلسطينية الى الواجهة غضة طرية كما هو عهدنا بها طيلة عقود، وإشعال جذوتها مجددا بعد أن خبت أو كادت أن تخبو ناهضة بها كطائر فينيق من تحت الرماد، لتحلق بها عاليا الى أفق أرحب، تحليقا أعقب يأسا ونكوصا وإحباطا دب بكثير من شيب الأمة فضلا على شبابها؟
- كنت عبرت عن معركة طوفان الأقصى بأنها الروح التي سرت في جسد الأمة الخامد الهزيل، بعد أن عاش المسلمون سنينًا في جوٍ من الإحباط واليأس فكان مستحيلًا أن يفكر المسلمون -خصوصًا الجيل الجديد- في قضية فلسطين فضلًا عن أن يسهموا في حلها.
إن أهم انعطافة تاريخية أحدثتها معركة طوفان الأقصى هي أنها هزّت صورة الكيان الصهيوني العسكرية في ظل عدم امتلاك المقاومة الفلسطينية جيشًا نظاميًا، بل عناصر أو كتائب صغيرة بتسليح لا يرقى إلى ما بأيدي إسرائيل، فتمكنت صواريخهم من شل المطارات والقبة الحديدية، وعطّلت عمل مساند المراقبات الإلكترونية، وتسببت العملية في سقوط أكبر عدد من القتلى في صفوفهم كذلك أظهرت صورتهم الوحشية التي كانوا يتنكرون لها تحت قناع التمدين والحرية، فظهر أمام العالم أن إسرائيل تبيد المدنيين الآمنين، وتستهدف المستشفيات، والأطباء، وتقطع عن المحاصرين الوقود والأدوية، والمستلزمات الطبية، والكهرباء، والماء لتكون النتيجة الموت المحقق للمرضى، إما عطشًا، أو حرقًا، أو نقصًا للدواء، أو قصفًا بالأسلحة الفتاكة من قبل الاحتلال الإسرائيلي.
لقد أسفرت المعركة عن تنشيط الذاكرات الجماعية العربية، خاصة الأجيال الشابة وصغيرة السن، ممن لم يعايشوا الصراع العربي/ الإسرائيلي، والحروب التي نشبت بين الدول العربية وإسرائيل في الأعوام 1948، 1956، 1967، 1973، ومن ثم لم تحمل ذاكرتهم شبه الجماعية آثار هذه الحروب، وربما أقصى ما يعرفونه هي بعض المعلومات العامة من خلال السرديات السياسية والعسكرية الرسمية، والسينما والأغاني الحماسية إلا أن ثقافة الاعتياد عليها لا تستنفر المشاعر والأحاسيس إزاءها إلا قليلًا، خاصة وأن الأجيال الجديدة الشابة والأصغر سنا هي جزء من سياقات مأزومة، وسياسات وشعارات تركز على أن هذا البلد أو ذاك ومصالحه قبل كل شيء، لقد انقلب كل ذلك في لحظة، وأدى إلى حالة من إيقاظ الوعي شبه الجماعي في غالب البلدان العربية، أدى إلى انفجار التظاهرات في تونس والمغرب والجزائر ومصر والعراق والاردن ضد السياسة الإسرائيلية وعملياتها العسكرية لتدمير المقاومة الفلسطينية وقطاع غزة، ودفعها للسكان في شمال القطاع للنزوح قسريا إلى جنوب القطاع المكتظ بالسكان.
وهذا يعني أن خطاب التسوية السلمية، والسلام، والتطبيع مع إسرائيل لم يستطع أن يؤثر على الأجيال الشابة، ومن ثم شكلت ردًا شعبيًا عليها، وقد أسهمت عملية طوفان الأقصى فى إعاقة جزئية لهذه العلاقات الدبلوماسية.
* لقد كان للمسجد الاقصى المبارك، أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين مساحة معتبرة في صفحات الملحمة الفلسطينية وبين دفتيها، حدثنا قليلا عن أهمية المسجد الاقصى في الصراع العربي - الصهيوني ماضيا وحاضرا ومستقبلا، ولماذا يصر الصهاينة على اقتحام باحاته الشريفة، ولماذا يخططون لهدمه؟
- الصراع على المسجد الأقصى هو الصراع نفسه على الأرض، صراع بين الحقيقة والخرافة، بين الحق والباطل، الحقيقة التي يعلمها القاصي والداني، أن فلسطين إسلامية، وأنها أرض الشعب الفلسطيني الذي لم يفرط في شبر واحد منها وضحى من أجلها بالغالي والنفيس، وأن بيت المقدس حَرمُ كل مسلم، وأن القدس في قلوب أمة تزيد على المليارين، واليهود يلهثون وراء خيالهم الديني، وخيالهم الديني هو طرد الحقيقة المسلمة، خيالهم في أرض الميعاد، وبناء الهيكل المزعوم، على أنقاض المسجد الأقصى، المسجد الذي تفتحت زهرة الإسلام على تعظيمه وإجلاله، فهو أولى قبلة اتجه إليها ﷺ، لقد عرفه قبل أن يعرف المدينة، ودخل مسجده قبل أن يبني مسجده، لقد أمَّ في قبلته بالأنبياء جميعًا قبل أن يأتم به المسلمون في صلاتهم علانية، هؤلاء الأنبياء هم تاريخ بيت المقدس، وقد ختم الله بنبينا فأورثه أرضهم، وفتحها عمر الفاروق من بعده، وكان لفلسطين أهميتها في تاريخ أمة الإسلام، فهي جزء من عاصمة الدولة الأموية، ودرة في الدولة العباسية، وما رضي المسلمون أبدًا أن يفرطوا في شبر منها مهما طال الاحتلال لها ومهما ضعفوا في وقت، كان يبعث الله عباده المخلصين ليحرروها، وهي الآن تحت الاحتلال.. ولن نرضى بضياعها.
* مجزرة كفر قاسم، بحر البقر، الطنطورة، دير ياسين، مذبحة اللد، قانا، مجزرة خان يونس، جنين، صبرا وشاتيلا، مذبحة الأقصى الأولى والثانية وغيرها الكثير، سلسلة طويلة ومروعة من المجازر البشعة التي يندى لها جبين الانسانية جمعاء كان وما يزال الكيان الصهيوني يرتكب أشباهها ونظائرها وعلى مدار 75 عاما من دون حسيب ولا رقيب، فهل برأيكم ستترك هذه "الملحمة الفلسطينية بما تناولته من مواضع شتى بدأت بالقضية الفلسطينية وانتهت اليها، بصمة يشار لها بالبنان لشحذ همم المحبطين أولا، وللرد على المثبطين والمخذلين والمرجفين ثانيا، ولتبصرة الذاهلين والغافلين ثالثا؟
- المجازر لم تتوقف، ولا تنحصر، وهي مستمرة، لأن هذا عهد اليهود، كيف نتوقع من قوم قتلوا أنبياءهم وحرفوا كتابهم؟ وشعب فلسطين وطن نفسه على بيع الدنيا وشراء الآخرة، هم في رباط كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، وهم طائفة الحق، لا يضرهم من خذلهم، لكن هذا كله إلى زوال، والمآل للإسلام، والنصر قريب وإن استطاله البعض، فيكفي أن نستبشر بموعود النبي صلى الله عليه وسلم بأنه ستكون خلافة إسلامية في بيت المقدس في آخر الزمان، كما قال للصحابي عبد الله بن حَوالة رضي الله عنه وقد وضع يده الشريفة على رأسه: «يَا ابْنَ حَوَالَةَ، إِذَا رَأَيْتَ الْخِلَافَةَ قَدْ نَزَلَتْ الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ فَقَدْ دَنَتِ الزَّلَازِلُ وَالْبَلَابِلُ وَالْأُمُورُ الْعِظَامُ، وَالسَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنَ النَّاسِ مِنْ يَدِي هَذِهِ مِنْ رَأْسِكَ»[ رواه أحمد وأبو داود والحاكم وصححه الألباني]. وهذا يُبشر بزوال دولة إسرائيل، فصلى الله على مَن لا ينطق عن الهوى.
انتقلنا الى الكاتب والإعلامي حاتم سلامة، وبادرناه بالسؤال الاول:
* عندما زف القائمون على طباعة وتحرير ونشر "الملحمة الفلسطينية بشرى صدورها طالعتنا الأخبار المؤسفة باستشهاد (86) صحفيا قبل أن ترتفع اعدادهم لاحقا الى " 106 "صحفيين يعملون في العديد من وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة الفلسطينية والعربية وهم يواصلون الليل بالنهار للعمل في قطاع غزة برغم شدة القصف وبشاعته بغية نقل الحقائق والوقائع على الأرض كما هي ومن غير تحريف ولا تزويق ولا تزييف، حقائق يسعى الكيان الصهيوني جاهدا لحجبها عن الرأي العام العالمي لينفرد بالمقابل بتسويق أكاذيبه وتخرصاته فحسب، وأسأل جنابك الكريم بصفتك أحد فرسان الإعلام الهادف، وواحد من كتاب الملحمة البارزين وعضو هيئة تحريرها، ترى ما هو دور الإعلام لكشف الحقائق، وتوسيع المدارك، وتبصير الأفهام، ولا سيما لأولئك الذين نجح الإعلام الصهيوني بغسل أدمغتهم، وحرف بوصلتهم، وتعمية أبصارهم؟
- هذا سؤال مهم ومحوري ودقيق وهو الرهان الذي ظلت إسرائيل تراهن عليه طوال هذه العقود الطويلة وظلت تحشد كل طاقاتها وإمكاناتها حتى تروج لنفسها إعلاميا وتشيع حقها الزائف عبر وسائل الاعلام الضخمة التي يمتلكها ما يسمى باللوبي الصهيوني، الذي استطاع أن يكون قاعدة رهيبة يصعب هدمها في وجدان وعقول الشعوب الغربية حتى كنا نسمع وندهش أن بعض الغربيين يعتقد أن الفلسطينيين هم المغتصبون للحق.. وظللنا على هذا الإجحاف الإعلامي إلى أن جاءت عملية طوفان الاقصى وما تبعها من العدوان الصهيوني على أهل غزة الابرياء وتسبب هذا العدوان الغاشم في هدم الهالة الاعلامية التي ظلت إسرائيل تقيمها لعقود طويلة وتخدع الشعوب والأمم، وصارت الآية اليوم مقلوبة، فالجميع يلعن الكيان ويسخط عليه، ويعلن تضامنه مع الفلسطينيين ويؤازرهم في محنتهم.. ومن هنا كانت المحنة سببا في خدمة القضية الفلسطينية خير خدمة إذ وضعت اسرائيل في موضع مخزي هي وحلفائها الذين تسخط عليهم الان كل الشعوب... كما يبدو من الأثر الاعلامي ما نشهده من ضغط الشعوب على حكوماتها لرفض العدوان وعدم تأييده، وكل هذا بأثر الاعلام.. وهو ما يدعوني اليوم أن أجيب على سؤالك مباشرة بأن الذين ضحك عليهم الاحتلال وغسل أدمغتهم إذا كانوا لا يرون ولا يستطيعون التقويم ومعرفة من الظالم والمظلوم، فهؤلاء عميان خرجوا من وصف الانسان الذي يتسم بالعقل والفهم، ولا الاعلام ولا غير الاعلام يستطيع أن يؤثر عليهم في شيء فقد ضرب الله على عقولهم وقلوبهم.
* لكل فعل رد فعل يساويه في القوة، ويعاكسه في الاتجاه، وبما أن الآلة الإعلامية الصهيونية الضخمة تسيطر على كبريات الصحف والمجلات والاذاعات والفضائيات، وبما أنها لطالما سعت وبكل ما أوتيت من قوة لحجب المحتوى المؤيد للقضية الفلسطينية في معظم المواقع الالكترونية والمنصات بهذه الذريعة أو بتلك، ليس أولها الفيس بوك وانستغرام ويوتيوب وتيك وتوك، ولا آخرها منصة اكس " تويتر سابقا " وقد حظرت آلاف الحسابات وحجبتها وقيدتها، فلابد للإعلاميين العرب من ردة فعل مضادة بالمتاح من القدرات، وبما تيسر من الإمكانات فهل تعد "الملحمة الفلسطينية" برأيكم واحدة من تلكم الردود الجادة والمثمرة التي جاءت في الوقت المناسب لتكون بمثابة حجر كبير ألقي في زمن الدعة والاستكانة والصمت المطبق وسط البركة الراكدة لإحداث العصف الذهني المأمول؟
- الحقيقة أن الرد الإعلامي يجب أن يكون على مستوى الحكومات والدول والهيئات الكبرى التي يمكن أن تشكل الرأي العام العالمي، وللأسف نجد أن الاعلام العالمي قد خدم القضية أكثر بكثير من إعلام كثير من الدول العربية والمسلمة، أما بالنسبة للملحمة الفلسطينية فقد بدأ بمجرد شعور دب في أنفسنا حين نظرنا حوالينا وخاطب كل منا نفسه: ماذا عساي أن أفعل وماذا أقدم؟ ارتأينا أن يكون هذا التحرك في حيز ما نستطيعه وما نقدر عليه، وفي الميدان الذي نطيقه لنشعر أننا قد قمنا بواجبنا ومسؤوليتنا نحو القضية الفلسطينية، والحمد لله تعد هذه هي التجربة الوحيدة التي صدحت بها هذه الزمرة من الكتاب وإن كنا نتمنى أن تتكرر مع كتاب آخرين.
* هل في النية إصدار ملاحم فكرية وإعلامية وثقافية مستقبلا تتظافر فيها جهود الكتاب والمثقفين والإعلاميين لتشكيل الوعي الجمعي للأمة في زمن تتسارع فيه خطى بعضهم لتشويه الحقائق، ولاسيما ما يتعلق منها بالقضية الفلسطينية تمهيدا لركوب قطار التطبيع، والدخول في صفقة القرن، وتعزيز اتفاقات ابراهام، وحجب التاريخ الإجرامي الطويل للكيان الصهيوني وبما لا يسقط بالتقادم؟
- لا شك أن ما ذكرته يستدعي حشدا أكبر، وجهدا أكثر من كل الكتاب والمثقفين الواعين بحجم ومشكلة القضية الفلسطينية لأن عملية طوفان الأقصى في نظر البعض تعد بداية النظر وفي نظر آخرين بداية العمل على إيجاد العقبات وتحقيق المخططات ووضع الفخاخ العالمية التي تنصب لفلسطين.. أي أن المسؤولية تزيد أكثر وأكثر على عاتق المثقفين، وربما يكون هناك نداء بالتضامن في كثير من الميادين لنصرة القضية هو ما ندعو إليه دائما.
* ماهي أهم القضايا والمضامين، وما هي أبرز الموضوعات والعناوين التي تناولتها "الملحمة الفلسطينية" لتضيء عتمة، وتداوي جرحا، وتسبر غورا، وتفصل مجملا، وتوضح مشكلا، بأقلام ثلة من الكتاب الجادين المثابرين ومن شتى أقطار الوطن العربي بعد أن جمعتهم الملحمة على صعيد واحد لتشرب أقلامهم المشرعة ظلمة -حبرا- من أدواتها ولتلفظ ما جادت به قرائحهم نورا ينير دروب السائرين، وطرق السالكين، وبالاخص المتطلعين منهم الى تحرير فلسطين من أيدي الصهاينة الغاصبين ونحن على أعتاب "عقدة العقد الثامن التي يخشونها "؟
- الحقيقة أن الكتاب وما يضمه من مقالات لم أكن أتخيل أن تأتي بهذا الزخم الكبير والتنوع المدهش رغم أننا لم نخطط أو نخصص لكل كاتب أن يكتب في موضوع معين تحاشيا لتشابه المقالات وإنما تركنا كل كاتب منهم على سجيته وبما تجود به قريحته والحمد لله جاءت كل المقالات نوعية ومهمة وفي جوانب مختلفة من مفاصل القضية الفلسطينية وقد أسهب الكتاب في الشرح والإبداع مما جعل هذا الكتاب شعلة تنير الوعي بقضية فلسطين وما تواجهه من مخاطر وعقبات، كما أن فيها سطورا أعملت في تباشير النصر وأبانت علاماته، ومن قرأ هذا الكتاب لا شك أنه سيخرج بما يفيده ويبصره بكثير من الأمور التي كانت خافية عليه، ولا أحب ذكر العناوين كنوع من التشويق للقراء علهم يقبلون على اقتنائه وقراءته.
انتقلنا الى الكاتب الطبيب منير لطفي، وأحد أعضاء هيئة تحرير"الملحمة الفلسطينية "وسألناه:
* بما أن المساجد هي طب القلوب ورياض الجنان، وبما أن الجامعات والمدارس هي غذاء العقول والاذهان، وبما أن المستشفيات هي طب النفوس والأبدان، فقد شرع الكيان الصهيوني بتدميرها كليا عن سبق إصرار وترصد حيث شن حملة شعواء شرسة على المساجد دمر خلالها (83) مسجداً تدميرا كليا، فيما تعرض (166) مسجدا لأضرار جزئية، في ذات الوقت الذي صب فيه جام غضبه على المدارس ليدمر (239)مدرسة حكومية في قطاع غزة بشكل كلي أو جزئي، كذلك فعل بالمستشفيات حيث قتل أكثر من (332) عنصرا من الطواقم الطبية وفرق الدفاع المدني، فيما أخرج (32) مستشفى عن الخدمة كليا او جزئيا، فكيف عبرت الملحمة الفلسطينية عن الهم العربي المشترك وعن المظلومية الفلسطينية من جهة، وعن الجرائم الصهيونية النكراء من جهة أخرى؟
- كتاب الملحمة الفلسطينية من ألفه إلى يائه لا يخرج في مجمل تناوله عن هذين العنصرين:
الجرائم الصهيونية التي مثلت الامتداد التاريخي لإفساد بني إسرائيل حسبما أشارت سورة الإسراء: "وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين"، ومثلت أيضا روح الحملات الصليبية الغابرة التي توالت عبر البحر كالموج، وذراع الاستعمار القديم الذي عاث في بلادنا ظلما وعدوانا لعقود.
كذلك الحال مع المظلومية الفلسطينية، من جهة إزهاق الأرواح، والاقتلاع من الأرض والديار، والتشريد في المنافي الداخلية والخارجية، فضلا عن المحاولات البائسة لطمس الهوية الفلسطينية التي استعصت على الطمس رغم مرور العقود تلو العقود.
ولعل نظرة سريعة على فهرس الكتاب تكفي للتدليل على ذلك؛ لا سيما عناوين مثل: التغريبة الفلسطينية، فاجعة فلسطين، نكبة سايكس بيكو، العنصرية الصهيونية، وغيرها.
* أعلنت دار الفنار للنشر، أن “ريع الكتاب وعائده سيكون كاملًا تبرعًا لصالح فلسطين إسهاما من الجميع في دعم القضية الفلسطينية” حدثنا عن هذه الخطوة المباركة قليلا .
- لا يخفى على الجميع أن الناشر تاجر ثقافي، فصحيح أنه ينشر المعرفة التي تدونها الأقلام بين الدفاف، ولكن تبقى عينه دوما على المال. ومع أن هذا لا يعيب طالما أن تلك التجارة مؤطرة بالحد الأدنى من معايير الشرف والخلق، إلا أن بعضا من الدور-وهم قلة- ارتقت فوق المادة واختارت أن تكون رسالية حتى النخاع، إذ تنشر لأجل القيمة والفضيلة لا غير، بل وهي على استعداد للذهاب الى أبعد من ذلك حين تتحمس لقضية عادلة وتتبناها كأنها ابنتها وربيبتها وتنفق عليها من حر مالها، كما حدث في استجابة منشورات الفنار للدفع بكتاب الملحمة الفلسطينية إلى النور، متحملة التكلفة بكاملها، بل ومستغنية عن تحصيلها لاحقا، وهو ما يستدعي التحية ويستدعي التطلع إلى مثل هذه المبادرات من دور أخريات خاصة تجاه القضية الفلسطينية تحديدا.
* من المؤمل مشاركة كتاب "الملحمة الفلسطينية" في معرض الكتاب 2024 في دار منشورات الفنار، فهل ستكون هناك فقرة مخصصة لتوقيع نسخ من الكتاب مشفوعة بسلسلة من المحاضرات القيمة فضلا على الاصبوحات والأمسيات الثقافية يلقيها نخبة من الكتاب والمثقفين العرب للتحدث عن كل ما يتعلق بالشأن الفلسطيني ولا سيما عن التغريبة الفلسطينية، النضال والصمود والكفاح الفلسطيني، جرائم ومجازر دويلة الاحتلال الصهيوني على مدار 75 بحق الشعب الفلسطيني؟
- جرت العادة أن تكون معارض الكتب أعراسا ثقافيا، ترفع شعارا معرفيا، وتختار دولة ما كضيفة شرف، وتنتقي شخصية ما للاحتفاء والتكريم، ثم تضع برنامجا ثريا تتقاطر فيه المحاضرات والندوات أفواجا تلو أفواج، ومن المؤكد أن معرض القاهرة كأبرز معارض العرب، وثاني معارض العالم بعد معرض فرانكفورت لن يخرج هذا العام عن ذلك الإطار، وأتوقع أن يكون الشغل الشاغل في أروقته هو ما يجري من إبادة لأشقائنا على أطراف الأرض المصرية، لتتصدر كتب القضية الفلسطينية الرفوف وتلقي بظلالها الكثيفة على عناوين الفعاليات أيا كان سمتها.
والواقع أن كتاب الملحمة الفلسطينية ملك لكل كاتب شارك فيه، وباستطاعته أن ينسق لإقامة ما يعرف بحفلات التوقيع، ولا أشك أن الدار ستتوانى عن الترحيب بذلك والإعداد له.
* كلمة أخيرة عن ملحمة فلسطينية خالدة لم ولن تكون الأخيرة .
- ستظل الملحمة الفلسطينية محتدمة حتى تعود الأيدي إلى مزارعها والمفاتيح إلى أبوابها والذكريات إلى موطنها والحقوق الكاملة لأصحابها، ولن يكون ذلك إلا برحيل الاحتلال مذموما مدحورا تحت رحى المقاومة التي عرفت طريقها ولن تتخلى عنه يوما، فمن عرف لزم ومن لزم وصل.
تجدر الاشارة الى كتاب "الملحمة الفلسطينية " هو كتاب جديد يقع في 254 صفحة من القطع الكبير صادر عن "دار منشورات الفنار" في جمهورية مصر العربية، اجتمع فيه خمسة وثلاثون كاتبا من أرجاء الوطن العربي، حيث تعرضوا للقضية الفلسطينية من جوانب شتى، والكتاب الجديد من تقديم المفكر فهمي هويدي، والمؤرخ عماد الدين خليل، وقد أشرف على تحرير مقالاته ومواضيعه كل من الكاتب والمؤرخ أحمد المنزلاوي، والكاتب الصحفي حاتم سلامة، والكاتب الطبيب منير لطفي وكانت دار الفنار للنشر قد أعلنت أن "ريع الكتاب وعائده سيكون كاملًا تبرعًا لصالح فلسطين إسهاما من الجميع في دعم القضية الفلسطينية".