تقارير وتحقيقات
أشرف لعروصي: مركز اجتهاد يدشن موسمه الجديد بندوة علمية
مركز اجتهاد يدشن موسمه الجديد بندوة علمية حول راهن المسلمين في أوروبا والحاجة إلى اعتماد مقاربة إسلامية داخلية
دشن مركز اجتهاد للدراسات والتكوين في بلجيكا الموسم الأكاديمي الجديد بالندوة العلمية التفاعلية الأولى، التي خصصها لموضوع: "راهن المسلمين في أوروبا والغرب والحاجة إلى اعتماد مقاربة إسلامية داخلية"، وذلك يوم السبت 21 سبتمبر 2024، على الساعة السادسة 18:00 حسب توقيت أوروبا، عبر تقنية التحاضر عن بعد، وبمشاركة مجموعة من الباحثين والخبراء، وهم على التوالي: الدكتور محمد ظهيري من جامعة كومبلوتنسي مدريد في إسبانيا، الدكتور مصطفى عطية جمعة من الجامعة الإسلامية في تركيا، الدكتور محمد حصحاص من جامعة روما تور فيرغاتا في إيطاليا، الدكتور ميمون الداودي من جامعة سيدي محمد بن عبد الله فاس في المغرب، ثم الدكتور التجاني بولعوالي من جامعة لوفان في بلجيكا.
استهل الدكتور التجاني بولعوالي، وهو أيضا رئيس مركز اجتهاد ورئيس تحرير مجلة اجتهاد للدراسات الإسلامية والعربية في أوروبا، اشغال الندوة العلمية بالترجيب بجميع المتدخلين والحاضرين، ثم ألقى كلمة مختصرة باسم المركز والمجلة لوضع المتابعين في إطار الصورة؛ حيث اقترح إلقاء نظرة على العدد الأول من المجلةن والذي صدر قبل مدة قصيرة، وشكل حدثا فكريا وأكاديميا مهما لكون المجلة أول دورية علمية أوروبية ذات مرجعية إسلامية متخصصة في دراسة الإسلام في أوروبا من منظور إسلامي داخلي.
كما أكد الدكتور التجاني بولعوالي على أن هذه الندوة تندرج ضمن سلسلة ندوات أخرى ستنظم مستقبلا تتعلق بواقع المسلمين في أوروبا والغرب، بالإضافة إلى الانفتاح على قضايا أخرى تتقاطع مع رؤية المركز وأهدافه.
تسلم الكلمة بعد ذلك مباشرة الدكتور محمد ظهيري ليناقش أهم التحولات المتعلقة براهن المسلمين في السياق الإسباني وكيفية صياغة استراتيجية لمستقبل المسلمين في هذا السياق. وقد قدم للإجابة عن ذلك المسار الزمني لدخول الإسلام إلى إسبانيا بعد السقوط الأندلسي إلى ما هو عليه اليوم؛ فذكر آخر إحصائية تم التوافق عليها، والتي تقول إن عدد المسلمين في إسبانيا بلغ مليونين وأربعمائة وثلاثة عشر ألف نسمة، أي 413، 4% من إجمالي السكان، منهم 45% اسبان؛ و55% ممن ولد في الخارج، وأغلبهم من المسلمين المغاربة. ثم تطرق لذكر عدد المقابر الإسلامية وكذا الجمعيات التي تؤطر حياة المسلمين هناك، وأشار أيضا إلى أن تحليل هذه الأرقام موجودة بالتفصيل في كتاباته في هذا المجال.
وفي المداخلة الثانية تفضل الدكتور ميمون الداودي بالإجابة عن السؤال: ما هي الكيفية التي يقدم بها الإسلام في أوروبا والغرب في النقاش الإعلامي العربي والإسلامي؟ فقدم المتحدث للمداخلة بملاحظات ثلاث تتلخص في الفرق بين التناول العربي والغربي لقضايا الهجرة؛ والتطبع الذي تطبع الخطاب العربي والغربي؛ ثم عدم تقديم الإعلام العربي القضية بالصورة الصحيحة. ثم تحدث عن القضايا التي نوقشت في الإعلام العربي بعد جرده لها، وأهمها ثلاث قضايا: قضية الإسلاموفوبيا، والحجاب، والعنصرية. ليخلص من هذا إلى أن تغطية الإعلام العربي لهذه القضايا يغلب عليها توجهان اثنان: توجه موال وآخر معاد، وأن الإعلام العربي تناول واقع المهاجرين تناولا شموليا يتميز بالعاطفة، ومن ثم القى اللوم على المهاجرين المسلمين، مؤكدا ضرورة تغيير هذه المقاربة والاتسام بالمسؤولية تجاه المهاجرين.
وجاءت مداخلة الدكتور محمد حصحاص انتقالا من تلك السياقات إلى السياق الإيطالي، الذي يقدم مقاربة تختلف نوعا ما عن باقي دول أوروبا والغرب، مشبها الحالة الإيطالية بالحالة الإسبانية مع وجود اختلاف بينهما، وأكد وجود فجوة تاريخية للإسلام في إيطاليا. ثم قدم أرقاما للمسلمين في إيطاليا حسب الإحصائية الأخيرة؛ والذي بلغ عددهم مليونين ونصف إلى مليونين وسبعمائة ألف نسمة، حوالي مليون منهم من الجنسية الإيطالية، 400 ألف من الجالية المغربية كأكبر جالية، وعشرون ألفا من الغينيين كأصغر جالية مسلمة في إيطاليا، وعدد المساجد والمنضمات الإسلامية كذلك. إلا أن الإشكال كما يرى الدكتور حصحاص هو أن الجالية الإسلامية هناك لا تتوفر على اعتراف رسمي، وأن الاتفاق على هذا الاعتراف بعيد المنال ولا يوجد ما يوحي إليه أصلا.
أما مداخلة الدكتور مصطفى عطية جمعة، فقد تناولت الموضوع انطلاقا من الضفة المشرقية الأخرى، حيث ناقش واقع المسلمين في أوروبا والغرب في الخطاب الفكري العربي والإسلامي، مؤكدا مجموعة من الأمور المعينة على ذلك؛ وأهمها: حفاظ المسلمين في الغرب على هويتهم، والارتباط بالوطن الأم. بالإضافة إلى أن هذه الجالية تجشمت هم الوطن الأم، إلا أنها في الوقت نفسه حملت صراعات الأوطان الأصلية. كما تحدث عن الدراسات الاستشرافية وأنها مبشرة بالخير. ثم أثار سؤالا عبر فيه عن إمكانية تغريب الإسلام، وكذا أسلمة الغرب؟
وفي الختام، حاول الدكتور التجاني بولعوالي تسليط الضوء على المقصود من مفهوم المقاربة الإسلامية الداخلية، والذي يشكل جوهر الرؤية التي طرحها مركز اجتهاد للدراسات والتكوين في بلجيكا منذ تاسيسه قبل بضع سنوات، ويحاول جاهدا التأسيس والتنظير لها سواء عبر مجلة اجتهاد أو عبر البرنامج التعليمي الذي يشرف عليه المركز أو عبر مختلف الفعاليات الفكرية والتفاعلية. وقد جاءت هذه المقاربة الداخلية لدراسة الإسلام في أوروبا والغرب كرد فعل على المقاربة الاستشراقية الخارجية المهيمنة في حقول الدراسات العربية والإسلامية، حيث الإسلام يقدم كما يفهمه الباحثون والدارسون غير المسلمين، لا كما هو مقدم في المصادر الإسلامية الأصيلة، ولا كما يمارسه أتباعه المسلمين ويدينون به في الواقع. وفي المقابل، فإن للمسيحي واليهودي والبوذي والهندوسي الحق في أن يقدموا عقائدهم من الداخل، بينما يتهم المسلمون بأنهم منغلقون ورجعيون عندما يقومون بذلك. وقد لاحظ الدكتور التجاني بولعوالي أنه توجد بوادر هذه القراءة الداخلية للإسلام، سواء في الفكر التعددي المعاصر أو في بعض التجارب التعليمية الرسمية على مستوى الأراضي المنخفظة (هولندا والفلاندرز، إسبانيا، ألمانيا)، حيث الإسلام يدرس في المرحلتين الإبتدائية والثانوية في بلجيكا أين يستفيد أكثر من 80 ألف تلميذ مسلم أسبوعيا من ساعتين حول الدين الإسلامي يشرف عليهم حوالي 2000 مدرس مسلم، وفي هولندا توجد حوالي 60 مدرسة إسلامية رسمية. هذا بالإضافة إلى تجربة جامعة لوفان الكاثوليكية التي أطلقت منذ أكثر من عقد من الزمن ماستر الأديان الكونية والدراسات الإسلامية، حيث كافة العلوم الإسلامية تدرس من منظور داخلي سواء للطلبة المسلمين أو غير المسلمين.
وفي الأخير، تم فتح باب النقاش للمتابعين من طلبة وباحثين ومهتمين، والذين أثروا الندوة بجملة من الأسئلة والمداخلات.
***
تقرير أشرف لعروصي