تقارير وتحقيقات
عبد السلام فاروق: حفل توقيع عبر الحدود!
ثلاث ساعات لا أكثر حتى كنت في أبو ظبي.. لم أشعر بالوقت، وكيف أشعر به وحولي كوكبة رائعة قلما تجتمع في مكان واحد إلا في مناسبة كهذه. التقيت الدكتور ممدوح الدماطي وزير الآثار الأسبق، والنائبة الأديبة ضحي عاصي والكاتب الكبير يوسف القعيد. سرعان ما تجاوزنا منطقة المجاملات الكلامية لتدور بيننا أحاديث في موضوعات شتي. وصلنا واسترحنا ثم جاء وقت الملتقَي المنتظَر، هناك في معرض أبو ظبي الثالث والثلاثين للكتاب. حيث يلتقي المثقفون من شتي أنحاء العالَم، يحفني الشوق أن ألتقي هناك ببعض أحبابٍ قدامى وأصدقاء جدد ممَن لا ألتقيهم في حياتي إلا التقاء الطيف اللطيف.. كأنه لقاء أرواح وعقول تعبر الحدود لا لشيء إلا لتجتمع اجتماعاً خاطفاً كالحلم قبل أن تجذبهم طاحونة الحياة من جديد.
ملتقي الثقافة في "أبو ظبي"
جناح ضيف الشرف جناح مميز ورائع في تصميمه وإطلالته البهية. من نافلة القول إن مصر هي ضيف الشرف لهذه الدورة الفريدة من دورات معرض أبو ظبي. وأن نجيب محفوظ أديب نوبل هو شخصية المعرض لهذا العام.
في كلمتها بالجلسة الافتتاحية بالمعرض تحدثت وزيرة الثقافة المصرية نيفين الكيلاني فقالت: (أن اختيار مصر كأول دولة عربية "ضيف شرف" معرض أبو ظبي الدولي للكتاب، يدل على عمق الروابط والعلاقات بين مصر والإمارات في المجالات كافة، ومن بينها العلاقات الثقافية التي تتميز بالمتانة والقوة)
ثم أردفت: (ازدادت سعادتي باختيار الأديب العالمي "نجيب محفوظ "شخصية محورية للمعرض، ولقد عملنا معًا من أجل أن نُظهر للعالم من خلال منصة معرض أبو ظبي الدولي للكتاب، قوة الثقافة العربية وثرائه)
وحول التطلع لاستمرار التعاون المستقبلي ثقافياً بين البلدين أضافت: (هذه الدورة سوف تكون فارقة فيما ستقدمه من إصدارات وبرامج ثقافية ومهنية، وستشهد مزيدًا من التعاون في قادم الأيام، لنطور ونبدع ونفكر، لأن أهدافنا واحدة، وطموحاتنا كبيرة، والعمل الثقافي المشترك قادر على تلبية هذه الطموحات). واختتمت وزيرة الثقافة كلمتها، بتوجيه التهنئة لـمعرض أبو ظبي على هذه الدورة، وتمنت أن تكون هذه المشاركة، خطوة كبيرة في مسار العمل الثقافي المشترك لخدمة الثقافة العربية.
تم تصميم جناح مصر في المعرض على الطراز الفرعوني بلمسة حديثة بارعة المظهر. وزُين التصميم بالكتابة الهيروغليفية، وكُتب شعار " نصنع المعرفة. نصون الكلمة" ببنط عريض بارز. وفي هذا الجناح الأنيق انعقدت جلساتنا وندواتنا التي تنوعت وتفاعل معها جمهور المثقفين والحضور بشكل رائع.
نقاش جاد حول المسرح الشعري
كتابي الجديد: (المسرح الشعري/ نحو نظرية جديدة) كان موضوعاً للمناقشة في حفل التوقيع الذي أقيم ضمن فعاليات عديدة نظمها وفد الثقافة المصرية في معرض أبو ظبي.
الحفل أقيم بحضور وزير الآثار المصري الأسبق الدكتور ممدوح الدماطي والدكتور أحمد بهي الدين رئيس هيئة الكتاب ونخبة من الكتاب والمبدعين والنقاد. تحدثت عن الكتاب وقدمت إطلالة قصيرة عن أبرز فصوله وأفكاره، كما توقفت أمام الاجتهادات الجديدة التي يضمها هذآ السِفر النقدي، كل هذا مرَّ مروراً اعتيادياً، حتى ندَّ فمي عن الكلام حول أزمة المسرح، هذا الحديث ذو الشجون. وهنا كنت كمن ضغط على زر سحري في مكان ما لتسري في الأجواء طاقة دفعت الحوار كله نحو تلك الدفة، دفة الأزمة..
الجميع يعلم أن هناك أزمة. لا أقول في المسرح فقط، وإنما في سائر مجالات الإبداع الفكري والأدبي والمسرحي بل وحتى في السينما والدراما. أما أزمة المسرح بصفة عامة، والمسرح الشعري بصفة خاصة، فحدث ولا حرج..
اشتعل النقاش حول المسألة بأبعادها، وكنت أعلم أن مثل هذا الحديث لن ينقطع حبله إذا اتصل. الجميع في مجالات النقد يتحدث عن الأزمة، أزمة في الشعر وأزمة في الرواية وأزمة في القصة، فلا تكاد تخلو ساحة من مصطلح الأزمة، كل الكتاب الذين يكتبون من جيل إلى جيل يظنون أنهم وصلوا إلى الحقيقة الكلية في هذا المجال، ثم يأتي جيل ثاني وينقض ما غزلوه جميعًا، هذه بالنسبة لي مهمة أساسية لكل جيل.
كتابي تحدثت فيه عن جيل الأوائل من كتاب المسرح الشعري أمثال أحمد شوقي وصولاً إلى صلاح عبد الصبور كمرحلة نضج قبل أخيرة، مروراً بمراحل التطوير في كتابات عزيز أباظة وعلى أحمد باكثير وعبد الرحمن الشرقاوي. لكني أكدت على وجود مرحلة تالية هي مرحلة ترسيخ فن المسرح الشعري، وهي مرحلة قلما تتناولها الدراسات النقدية. تلك المرحلة استهلها فاروق جويدة بإبداعاته المسرحية كالوزير العاشق ودماء على أستار الكعبة، لكنها لم تتوقف عنده بل تلاه عدد كبير من مؤلفي المسرح الشعري لم يتمكنوا من عرض مسرحياتهم.
لقد رصدت في كتابي أصل المشكلة بالنسبة للمسرح الشعري، هل هو التلقي أم التأليف أم الإنتاج؟ وأرى أن الأزمة أزمة تلقي، لأن لدينا آلاف النصوص، وآلاف الفنانين، في حين أن المغامرة بالإنتاج الخاص أو العام غير موجودة، فلبقاء هذا النوع من الإبداع يجب أن نضع له مَخرجًا ونرسم له مساراً يستعيد رونقه وبهاؤه، ويقدم بعضاً من مسرحيات شعرية كثيرة طُبعت ونُشرت ولم تجد أحداً يقدمها ويعرضها على المسرح دماً ولحماً.
كان هذا بعض ما أجبت به على أسئلة ندوة أدارها باقتدار وتمكن صديقي الكاتب مروان حماد مدير المشروعات الثقافية بهيئة الكتاب.
تلك الأحاديث والنقاشات امتدت لتعرج قليلاً نحو موضوعات شتي، لعل أهمها مسألة تأثير التحولات الإعلامية الجديدة والنوافذ التي أفرزها التقدم التقني، وهو حديث آخر ذو شجون لم تكن ندوتنا البسيطة تسع الولوج في موجه الخضم.
ندوة التواصل الحضاري
هي ندوة للدكتور ممدوح الدماطي أستاذ علم الآثار ووزير الآثار الأسبق. شرفني حضور تلك الندوة وأسعدتني صحبة عالم الآثار الكبير، فبدأت بتقديمه للجمهور وهو العَلَم المعروف. وقلت إن عنوانها الموحى يشير إلى ديمومة التأثير، وإلى التواصل في المكان والزمان. فمصر حضارتها مستمرة منذ آلاف السنين، ومنجزاتها متصلة مكاناً وعبر الأحقاب المتعاقبة. ثم إنها تتواصل مع كل ما حولها تأثيراً وتأثراً، عطاءً وتلقياً. بدأ الدكتور الدماطي الحديث فإذا أنت أمام موسوعة مسموعة ذات حضور طاغٍ.
كان واضحاً أن الحضور جميعهم تفاعلوا واستمتعوا لا بالكلام فقط، بل وبالصورة. إذ صاحبَت حديثه الممتع الدسم مادة علمية مصورة سابقة الإعداد. وهي مادة جديدة في تناولها، إذ أراد لها د. الدماطي أن تصف مرحلة الدولة الفرعونية على شكل صفحات تبدأ من جغرافية المكان القديمة وتنتقل عبر سمات الدولة القديمة سياسياً وثقافياً وطبياً وحتى رياضياً، وأن حضارتنا المتصلة كانت ذات أبعاد متكاملة متعددة الزوايا ممتدة التأثير.
برنامج مصري حافل
برنامج الندوات والجلسات والمناقشات اليومية حافل ومكدس.. أكثرها حول أديب نوبل نجيب محفوظ، وحل الكاتب الكبير محمد سلماوي ضيفاً على إحداها. صادفت جلسة بعنوان: (نجيب محفوظ في عيون العالم)، شملت استعراضاً لنجيب محفوظ في ذاكرة معرض القاهرة الدولي.
ندوة أخرى مهمة للغاية في موضوعها وضيوفها، عنوانها: (إسهام الأصوات النسائية المصرية في الرواية العربية). شاركَت فيها الروائية ضحي عاصي، والروائية صفاء النجار، وأدار النقاش معهما الدكتور سامي سليمان. وكان مما قيل في الندوة أن حركة الكتابة الأدبية في العالم العربي في العقود الثلاثة أو الأربعة الأخيرة – على وجه التحديد- يكشف عن التطور الكبير الذي حققته حركة الكتابة النسائية في العالم العربي. وأن الأصوات النسائية المصرية والعربية واضحة في الفترة الأخيرة، وهو طبيعي لأن المجتمع يتغير، بإعطائه مساحة للمرأة أكبر، فقد شاركت في العمل العام منذ فترة طويلة، وأصبح لها القدرة على خوض الكتابة الروائية، ولذلك نجد بصمات وأسماء مصريات شهيرات على اختلاف الأجيال، مثل: قوت القلوب الدمرداشية، ولطيفة الزيات، وفتحية العسال.. وغيرهن.
على هامش المعرض التقيت نخبة من أبرز المبدعين العرب منهم طالب الرفاعي وميسون القاسمي ويوسف القعيد ومحمد سلماوي والباحث السياسي محمد جمعة والدكتور احمد منيسي والشاعر نوري الجراح وأصدقاء كثيرين آخرين.. كانت رحلة ثقافية قصيرة لكنها أبعد غوراً وأعمق أثراً من زمنها المحدود.
***
د. عبد السلام فاروق