تقارير وتحقيقات
عدنان حسين أحمد: عذوبة اللغة وعفويتها في قصائد الشاعر المصري هاني شُعيب

بالتعاون مع نادي حبر أبيض نظّم مركز لندن للإبداع العربي أمسية شعرية للدكتور والشاعر المصري هاني شُعيب. وبعد أن قدّمته الشاعرة والباحثة العراقية دلال جويّد، قرأ 11 قصيدة بدأها بـ "قد تاه فكري" التي يقول فيها:
" قد تاهَ فكري فهلّا زِدتني خبرا من أي جوهر حُبٍ صاغكِ اللهُ
سبحانَ من نظَم الدُنيا ولحّنها بيتًا من الشِعر في عينيكِ معناهُ"
وأنهاها بـ "ترنيمة الصمت". كما شارك الدكتور مرتضى محسن بالعزف على العود ونبّه منذ البدء بأنه عازف هاوٍ ويخشى من مواجهة الجمهور لكنه سرعان ما تخلّى عن خشيته وتماهي مع الحاضرين متمترسًا وراء قدرته الغنائية التي انتشلته من خانق الخوف والتردد والإحراج. لا تهدف هذه التغطية المتواضعة إلى دراسة هذه القصائد الأحد عشر أو تحليلها والغوص في أشكالها ومضامينها الشعرية المتنوعة وإنما نسعى للوقوف عند الأجواء العامة التي دفعت الشاعر هاني شُعيب لأن يكتب الشعر العمودي الموزون والمقفّى الذي لا يحتضن الحَوشي والغريب من اللغة المقعّرة والصور الشعرية التي لم تعد تتلاءم مع روح العصر. ثمة انطباعات وملحوظات آنية تولّدت في ذهني وأنا أستمع إلى الشاعر والطبيب النفسي هاني شعيب الذي بدأ بكتابة الشعر قبل أكثر من خمسة عقود على وجه التحديد. وما إن بدأ بقراءة الإضمامة الأولى من قصائده حتى شعرت بأنه يُذكّرني بقصائد الشعراء الرومانسيين الإنكليز الذين يحتفون بعناصر الطبيعة في قصائدهم؛ فمفردات البحر والسماء والغيوم والأنهار والأشجار والأزهار وما سواها من هذا القاموس اللغوي الثري الذي يبعث الحياة في أرض القصيدة ويمنعها من الجفاف. ومن بين هؤلاء الشعراء يمكننا الإشارة إلى كيتس، وشيلي، وبايرون، ووليم ووردزوورث، وتوماس غراي، وكوليرج، ووليم بليك وشعراء آخرين ركزوا على العواطف والمشاعر الإنسانية الجيّاشة، واتخذوا من الخيال الجامح وسيلة لكتابة نصوصهم الشعرية المجنّحة. كما يُذكّرنا هاني شُعيب بأجواء السياب وفضاءات البياتي اللذين تبنّيا شعر التفعيلة وأبدعا فيه. كما يُحلينا إلى مناخات أحمد شوقي وأمل دنقل وصلاح عبد الصبور وحتى نزار قباني في بعض تساؤلاته وصياغاته اللغوية الناعمة.
ما يلفت الانتباه في قصائد شُعيب عذوبة اللغة وعفويتها التي تصل إلى بساطة السهل الممتنع الذي يمكن أن تجاريه ولكنك لا تستطيع أن تأتي بمثله إلّا بشق الأنفس. ركّز الشاعر على ثنائية المرأة والرجل في غالبية القصائد التي قرأها إن لم أقل كلها ونجح فيها إلى الحد الذي لم نشعر فيه بالملل، بل أن غالبية الحضور كانوا يتفاعلون مع كل نص شعري جديد ويصفِّقون له الأمر الذي يكشف عن نجاح هذه القصائد لدى الجمهور الذي ينتمي إلى أعمار وخلفيات ثقافية مختلفة.
لا بدّ من الإشارة إلى أنّ قصيدة "يُحكى أنّ" من القصائد الميتاسردية التي تتعالق مع الموروث وتستثمره كما هو الحال مع قصيدة "ليلة عُرس" و"مذكرات العاشق قيس" التي تكشف لنا ولع الشاعر هاني شعيب بمناخات الشعر العربي وفضاءاته التي نحتاج لأن نستذكرها أو نستعيدها بطرق حداثية جديدة. لا بدّ من التنبيه إلى بعض القصائد الجريئة التي يقول فيها الشاعر أشياء كثيرة إذا ما استفاق الجانب الحسّي لديه، ولعل هذه الجرأة تطفح في قصائد أُخر لتقارب "سجع الكهان" أو تتجاوزه قليلًا إلى شكل آخر لا يجرؤ كثيرون على ملامسته أو الاقتراب منه كما هو الحال في قصيدة "سورة العِشق". ثمة سمات وخصال معينة ساهمت في إنجاح هذه الأمسية الشعرية ولعل أبرزها طريقة الإلقاء العفوية المنسابة التي تخلو من التكلف والانفعالات الفائضة عن الحاجة. فعلى مدى ساعة كاملة تقريبًا كنّا نصغي باسترخاء شديد إلى صوت الشاعر الرخيم وهو يموسق صياغاته المُحترفة، وصوره الشعرية الجميلة التي تفاعل معها الجمهور إلى حدّ التماهي والاندغام الكلي بأجواء القصائد الرومانسية المطعّمة بلمسات فكرية تستبطن الذات لدى العاشق والمعشوق وتنقل لنا في خاتمة المطاف هواجسهم الروحية وقلقهم المتواصل الذي لا يتوقف عند حدّ. تساءل أحد الحضور عن الكلمات والتشبيهات والصور الشعرية التي تحيل إلى عالم النفس أو تتسيّد فيه لكن الشاعر اعتبر هذا الموضوع شائكًا وطلب من المتلقي أن يفسر القصيدة بالطريقة التي يفهمها ويراها مناسبة. وفي الختام لا بد من الإشارة إلى أنّ الشاعر هاني شُعيب قد أصدر أربع مجموعات شعرية وهي "وجوه في مرايا الصمت"، و"الحُب بلا أبعاد" و"تراتيل" و"الحُلم مع سبق الإصرار".
***
عدنان حسين أحمد - لندن