أقلام حرة

بنيامين يوخنا دانيال: من أجل سفن سياحية خضراء

تعتبر السفن السياحية العملاقة من أكثر الوسائل تلوثا للبيئة البحرية وتخلف (بصمة كربونية) كبيرة، ويعزى ذلك إلى التزايد الهائل الحاصل في أعدادها في السنوات الأخيرة من جهة، وازدياد الرحلات السياحية التي تقوم بها من جهة ثانية، مع ارتفاع عدد الوجهات السياحية التي تتوجه إليها من جهة ثالثة، وذلك للاقبال الشديد عليها من قبل السياح الذين يجدون فيها كل الخدمات المتعلقة بالنقل والايواء والطعام والشراب والترفيه والترويح باعتبارها مدن صغيرة عائمة تلبي احتياجاتهم وتتماشى مع أحلامهم، والتي قد تمتد لتشمل الكازينوهات وأحواض السباحة والمسارح وقاعات الرقص وملاعب الغولف والتنس وكرة السلة والتزلج على الجليد الصناعي والحدائق والمطاعم الفاخرة والمحال التجارية والملاهي وقاعات اللعب الإلكترونية ونوافير المياه وأحواض الغوص وصالات القمار والغرف الفندقية في الأدوار العالية وأجنحة العناية الصحية، والتي يعتمد في تشغيلها على مصادر الطاقة التقليدية التي يخلف استخدامها المزيد من أكاسيد النيتروجين والكبريت الملوثة للبيئة الطبيعية وبخاصة البيئة البحرية. بالإضافة إلى مختلف أنواع النفايات والمخلفات التي تقذفها أثناء ترحالها عبر البحار، والتسريبات التي قد تسببها جراء الحوادث.

و من أجل توضيح الصورة على نحو أفضل نثبت ادناه بعض الاحصائيات والبيانات من مصادر مختلفة، ومنها أن هذه السفن السياحية تنقل بحدود (20) مليون سائح سنويا على مستوى العالم ومنهم نحو (800) ألف في إيطاليا وحدها ونحو (1) مليون سائح في ألاسكا، مسببة ل (17) بالمائة من إجمالي انبعاثات أكاسيد النيتروجين ونحو (25) بالمائة من إجمالي انبعاثات أكاسيد النيتروجين في المدن والمناطق الساحلية وفقا لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة بالتعاون مع جامعة أكسفورد بتقريرها (التكيف مع تغير المناخ والتخفيف من آثاره في قطاع السياحة: الأطر والأدوات والممارسات).

ووفقا لمنظمة السياحة العالمية وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة  بتقريرها (تغير المناخ والسياحة: الاستجابة للتحديات العالمية 2008) فإن ثاني أكسيد الكربون الذي تنفثه سفينة رحلات بحرية كبيرة واحدة يعادل ألف ضعف ما ينفثه قطار واحد بالرحلة الواحدة فتصور حجم (البصمة الكربونية) التي تخلفها. ووفقا ل (نابو) المجموعة البيئية الألمانية يبلغ متوسط استهلاك الوقود من قبل كل سفينة من السفن السياحية الأوروبية العملاقة (150) طنا يوميا من (وقود الزيت الثقيل) الشبيه بالقطران، والذي يتسبب باطلاق كمية من (الجسيمات الدقيقة) في الهواء تعادل ما تطلقه نحو (1) مليون سيارة يوميا.

أما تقرير منظمة (أصدقاء الأرض) غير الربحية فيقول ان متوسط انبعاثات ثاني أكسيد الكربون لسائح في رحلة بحرية حول (سياتل) الأمريكية أعلى ب (8) مرات من متوسط انبعاثات ثاني أكسيد الكربون فيما لو تمتع بعطلته على الأرض في سياتل. علما استقبل ميناء سياتل الغربي في عام 2011 أكثر من (195) سفينة سياحية منها (10) محلية، مع حصول انخفاض في عدد الرحلات البحرية بنسبة (12.1) بالمائة بالمقارنة مع العام الماضي الذي سجل (223) رحلة مسجلة. كما سجلت حصة الميناء المذكور من سوق (ألاسكا) للرحلات البحرية السياحية نموا ملحوضا خلال الفترة 2000 – 2009 بزيادة عدد الرحلات من (6) رحلة إلى (218) رحلة. علما بلغ عدد السواح الذين خرجوا برحلات بحرية من هذا الميناء في عام 2000 نحو (20000) شخص، ومن المتوقع أن يرتفع الرقم إلى (1) مليون مسافر في عام 2017 و(1،2) مليون مسافر في عام 2019.

ولو أخذنا سفينة (كوين ماري 2)، وهي من السفن السياحية الحديثة التي أنشأت وفق مواصفات معينة تخدم البيئة البحرية لوجدنا ان معدل انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون الناتج عن استهلاك (1) طن من الوقود هو (3.1) طن عند السير بسرعة (29) عقدة، علما بأنها تستهلك (261) طنا من وقود الديزل و(237) طنا من الوقود البحري يوميا كمعدل، فتخيل بذلك (البصمة الكربونية) لهذه السفينة العملاقة و(البصمة الكربونية للسائح) الذي يخرج في رحلة سياحية على متنها.

وهي أسباب كافية لدفع أنصار البيئة والبيئة البحرية خصوصا إلى تنظيم حملات توعية بمخاطر هذه السفن العملاقة التي لا تكاد تخدم إلا فئة الأثرياء والصفوة الذين باستطاعتهم تغطية نفقات (الرحلات البحرية الترفيهية) بواسطتها، مثل (اوازيس أوف ذا سيز) و(مارينز أوف ذا سيز) و(اليور أوف ذا سيز) و(سيلبرتي أكيليس) و(ليبرتي أوف ذا سيز) و(سيلبرتي سوليسيس) و(انديبيندس أوف ذا سيز) و(سيلبرتي أكوينوس) و(سيلبرتي سلهويت) التي تديرها شركات عملاقة مثل (رويال كاريبيان انترناشيونال) التي وصلت أرباحها إلى ( 547،7) مليون دولار أمريكي في عام 2010 مقابل (162،4) مليون دولار في عام 2009، وتمتلك (22) سفينة سياحية، تقوم برحلات سياحية مختلفة (إلى (270) وجهة في (72) بلدا من القارات الست. وهناك شركة (سيلفرسي كروزير) و(ام سي اس كروزير) و(كوستا كروزير) الحائزة على جائزة) السياحة الخضراء 2011) التي تمنحها (رينا غروب) سنويا في مجال (الاستدامة البيئية). وأيضا شركة (كرنفال كروب) التي يتوقع أن تسجل أرباحا بقيمة (850 – 950) مليون دولار أمريكي في عام 2012.

مع الدعوة إلى فرض قيود وشروط أكثر صرامة على طريقة بناء هذه السفن والكيفيات التي يتم بموجبها تشغيلها وإدارتها وبما يحد أو يقلل من مخاطر تلوثها للبيئة البحرية التي تشهد حاليا الكثير من المخاطر والتحديات الجسيمة، ووفق اتجاهات مبتكرة تقوم على التحول من الطاقة التقليدية الضرورية لتشغيلها إلى الطاقة البديلة، مثل الطاقة الشمسية كما فعل بالنسبة لسفينة (واحة البحار) الصديقة للبيئة (سفينة سياحية خضراء) التي تعتمد سياسة تدوير المياه المستخدمة على متنها، وتجنب رمي النفايات والمخلفات في مياه البحر، مع استخدام ألواح الطاقة الشمسية بمساحة (500) م2 لتأمين الطاقة المطلوبة، وكل هذا بهدف تأمين (رحلات بحرية خضراء)، فصنفت لتكون (سفينة سياحية خضراء) بحق. وهناك السفينة السياحية العائدة لشركة (هورتيجروتين) النرويجية وتعمل ب (البطارية الكهربائية الهجينة)، وهي بصدد اطلاق أول (سفينة سياحية خالية من الانبعاثات) في العالم بحلول عام 2030، علما انها تعمل وفق خطة بهدف الاستغناء عن المواد البلاستيكية التي تستخدم لمرة واحدة فقط. أما شركة (بونانت) الفرنسية فهي تخطط أيضا لانشاء سفينتها الصديقة للبيئة البحرية و(الخالية من التأثير) بحلول عام 2025. علما هناك اتجاه معمول به حاليا يقوم على إيقاف تشغيل محركات هذه السفن العاملة بالوقود أثناء وجودها في الموانىء وربطها بالشبكة الكهربائية المحلية. 

أما (جمعية حماية البيئة الألمانية) فقد بادرت إلى تخصيص جائزة غريبة نوعا ما تحت مسمى (الديناصور)، تمنح سنويا للشخصية الملاحية الأكثر اسهاما في تلويث البيئة البحرية عن طريق السفن السياحية العملاقة، وقد منحت مؤخرا إلى قائد سفينة (عائدة) بالإضافة إلى مؤسس شركة (توي) البحرية.

كما هناك محاولات علمية جادة في مركز أبحاث السفن في (ميلانو) في إيطاليا وبدعم من الاتحاد الأوروبي وشركة بناء السفن وبتشجيع من منظمات بيئية من أجل (خلايا الوقود الكربوني المنصهر) التي تخدم هذا الموضوع على نحو بين، وتجعل من هذه السفن العملاقة التي تمخر عباب البحار تحظى بصداقة البيئة البحرية وعلى نحو دائم، وبما يحقق الاستدامة والمحافظة عليها وب (بصمة كربونية) أقل حجما. وبما يخدم الأهداف المعلنة من قبل (رابطة خطوط الرحلات البحرية الدولية) الرامية إلى خفض معدلات الكربون بحلول عام 2030 بنسبة (40) بالمائة، وهي رابطة شهدت النور في عام 1975 ومن أهدافها: -

أولا: تحقيق رحلات بحرية خالية من الكربون بحلول عام 2050

ثانيا: تقليل البصمة الكربونية التي تخلفها هذه السفن.

ثاثا: زيادة عدد السفن التي تستعين بالطاقة الكهربائية المحلية خلال فترة رسوها في الموانىء.

رابعا: زيادة عدد الموانىء التي بإمكانها توفير الطاقة الكهربائية لهذه السفن خلال فترة التوقف فيها.

خامسا: تشجيع استخدام الوقود البحري المستدام ومنه الوقود الحيوي.

سادسا: الأخذ بالحلول الهجينة في الحصول على الطاقة المشغلة (بطاريات / خلايا الوقود).

سابعا: تشجيع استخدام وقود الغاز الطبيعي المسال.

ثامنا: تشجيع اجراء البحوث والدراسات العلمية التي تخدم الموضوع.

***

بنيامين يوخنا دانيال

..................

* عن (السياحة والتلوث: مقالات) للباحث، مطبعة بيشوا، أربيل – العراق 2013.

 

في المثقف اليوم