أقلام حرة
صادق السامرائي: يخادعون!!

إنهم يرون أن حدوث المادة بإرادة خالق، وبوجوده المطلق في الكون ومنفصل عنه ومدبر له، فكل ما يحصل يكون بسببه، وما يجري بأمره، ويمكن أن يكون العالم بغير الصورة المصور بها الآن بقدرة الخالق.
كل شيئ من عند الخالق، وبأمره فهو المطلق التصرف بكل شيئ.
هذا جوهر منطلقاتهم، ومنطقهم الذي يقتربون به من الحياة وما يتصل بالإنسان، ومعناه على العقل أن ينتفي، فلا يحق له أن يسأل أو يفكر، فهو لا يحتاج إلى ذلك، فالأجوبة جاهزة ومكررة وقائمة منذ الأزل.
لماذا السؤال والجواب واحد على جميع الأسئلة مهما تنوعت أو تعقدت.
نعم الجواب واحد فالخالق واحد ومطلق التصرف وكل ما يجري بأمره وقدرته، ولكن كيف يجري، ألا يحق للمخلوق النسبي الوجود أن يكتشف قوانين الله التي يسيّر بها هذا الكون العظيم؟
فالبشرية تدرك وجود قوة مطلقة تدبر الكون، ورغم نسبيتها تبحث في قوانين المطلق، وقد أنجزت إكتشافات متقدمة في مختلف العلوم، أوصلتها إلى بناء حضارة غير مسبوقة.
هذا الموقف يتناقض مع ما في الكتاب من آيات تحث على التدبر والتفكر وإعمال العقل وإستعماله في التفاعل مع البيئة بمداراتها المتنوعة.
يتفكرون، يتعقلون، يتدبرون، يتبصرون، وأمثالها من الكلمات الكثيرة في الكتاب التي تتعارض مع تعطيل العقل، فكيف توصلوا إلى هذا الإقتراب؟
يبدو أن الدوافع ذات بعد سياسي ونفعي، فهم وعلى مر العصور لهم علاقة وثيقة بكراسي التسلط على الناس، ويمكنهم التحكم بهم بتعطيل عقولهم وتجهيلهم وتبهيمهم، ويبدو أنهم قد قاموا يهذا الدور على أحسن وجه، مما تسبب بمتوالية من الأجيال الراكعة تحت أقدام السلاطين والحكام.
والمؤرخون يزيدون الطين بلة، عندما يقولون بأن التخلف والأمية سببه كذا وكذا من أسباب الإسقاط على الغير والتبرير لقدوات التجهيل والإستعباد للبشر.
ففي سلوكهم تتجلى النفعية ويبدون كالمجاميع التي أحاطت الكراسي وتنعمت بعطاءاتها، وأذعنت لمظالمها ومساراتها، فلا يوجد سلوك قام به حاكم أو سلطان إلا ووراءه فتاوى وعاظ الكراسي والمتاجرين بدين.
فالدين تجارة رابحة منذ الأزل، وعبر الحضارات كل حاكم يحكم بقوة دين، ووفقا لما تقدم، فأن معطيات العصر لا تتفق وهذه الرؤية الإنجمادية التحنيطية التي تقر بالشلل والخمود.
ويبدو أن ما أصاب الأمة من رقود سببه العمل الجاد على عزل العقل عن الحياة وزيادة مساحة التجهيل والأمية، والتمحور حول ما يطلقه الحافون من حول الكراسي كالجراد الذي لا يرحم.
رؤوسٌ ذاتُ عقلٍ مستباحٍ
وإمعانٍ بتابعة الرواح
ترى أدري لواحدها تجلت
وتحسب غيرها إبن الجُناح
فصن عقلا وفكّر أنت حرٌّ
فعقل المرء منطلق النجاح
***
د. صادق السامرائي