أقلام حرة

صادق السامرائي: المستنصر بالله!!

أبو جعفر منصور بن الظاهر بأمر الله (588 - 640) هجرية، تولى الخلافة في عمر (35)، ولمدة (17) سنة، (623 - 640) هجرية.

قال إبن النجار: " نشر العدل في الرعايا، وبذل الإنصاف في القضايا، وقرب أهل العلم والدين، وبنى المساجد والرُّبط (مرابط الخيل)، والمدارس والمارستانات (المستشفيات)، وأقام منار الدين، وقمع المتمردة، ونشر السنن، وكف الفتن، وحمل الناس على أقوم السنن، وقام بأمر الجهاد أحسن قيام، وجمع الجيوش لنصرة الإسلام، وحفظ الثغور، وافتتح الحصون".

وقال المنذري: "كان المستنصر راغبا في فعل الخير، مجتهدا في تكثير البر، وله في ذلك آثار جميلة، وأنشأ المدرسة المستنصرية، ورتب فيها الرواتب الحسنة لأهل العلم".

وقال إبن واصل: "..واستخدم عساكر عظيمة لم يستخدم مثلها أبوه ولا جده، وكان ذا همة عالية، وشجاعة، وإقدام عظيم، وقصدت التتار البلد، فلقيهم عسكره، فهوموا التتار هزيمة عظيمة، وكان له أخ يقال له الخفاجي فيه شهامة زائدة، زكان يقول: لئن وليت لأعبرن بالعسكر نهر جيجون، وأخذ البلاد من أيدي التتار وأستأصلهم، فلما مات المستنصر لم ير الدويدار ولا الشرابي تقليد الخفاجي خوفا منه، وأقاما إبنه أبا أحمد للينه وضعف رأيه ليكون لهم الأمر..."

وهو الذي ينى المدرسة المستنصرية وإستغرق بناؤها ستة سنوات (625 - 631) هجرية، وكانت أشبه بالجامعة التي تضم تخصصات متنوعة، وفيها كادر تدريسي كبير، ومجهزة بكافة لوازم النشاطات المعرفية المعاصرة وأسباب الراحة والتمويل والسكن.

المستنصر بالله من الخلفاء العباسيين الأقوياء الأذكياء المُهابين الذي هيمنت قواته على ربوع الدنيا، وكانت القوة الكبرى التي يرتعب منها التتار، وألحقت بهم هزائم مروعة في معارك متعددة.

والخطأ الكبير الذي إرتكبه أنه لم يولِ من بعده أحد، ومضت عاهة التوريث التي أدت إلى هزيمة الدولة العباسية بسقوط بغداد.

فكان من المفروض أن يولي أخاه الخفاجي من بعده، لأنه قائد عسكري محنك والدولة تتعرض لمخاطر هجمات التتار، كما فعل المأمون عندما رأى أن الدولة بحاجة إلى عسكري قوي فولى من بعده المعتصم، وقدمه على إبنه لأنه لم يكن جديرا بالحفاظ على الدولة، ولو فاز بالولاية لأنتهت الدولة العباسية من بعده.

هذه الخطيئة التي إرتكبها المستنصر بالله فتحت شهية المتآمرين وأعداء الدولة، بعد أن وجدوا في إبنه الوسيلة المثلى لتمرير تطلعاتهم، والتي إنتهت بتفاعلات مريبة بين قادته ووزرائه والتتار، الذي محق بغداد وقتل أكثر من ألف ألف إنسان فيها، إضافة إلى الحرائق والدمارات المروعة.

ومن الواضح أن خطيئة المستنصر بالله القوي الحازم المهاب، هي التي أطاحت بالدولة العباسية، لأنه لم يحسن إختيار مَن يدير أمورها من بعده، وتركها للقادة (الدويدار والشرابي) الذين أعمتهم مطامعهم وقصور رؤيتهم، ونفوسهم الأمارة بالمساوئ والأنانية والغرور، فكان إختيارهم لإبنه الخاضع المطيع ليكون آخر الخلفاء العباسيين في بغداد!!

حريصٌ لا يواجهها بجهلِ

ويسعى في مرابعها بكُلِّ

نصير العزّ منطلقٌ لشأوٍ

يواصلها بمدٍ دون كَلِّ

لماذا بعده جاءت خبيثا

فأوردها التهاونُ دارَ ذُلِّ

سراةُ الناس مبتدأ التداعي

بهم سَمقتْ، بهم سًحِقتْ بويلِ

***

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم