أقلام حرة
الدافع والجريمة!!
الجرائم البشعة المتكررة وبفظائع مروعة، يتم إغفالها كجرائم خطيرة ضد القيم والمعايير الإنسانية، فهي تحصد الأبرياء ولا تميز بين طفل أو كهل وتقتل بعشوائية مرعبة، ويركز الإعلام وأصحاب القرار والمسؤولية على الدافع، فالمهم الدافع وليس الجريمة.
وفي هذا خطورة فائقة، لأن الجرائم تفقد أهميتها ومعناها الإجرامي وفقا للدافع الذي يكمن وراءها، فمهما كانت الجريمة بشعة، تجد وسائل الإعلام والمحقيقين يبحثون عن الدافع، وعندما يجدون ما يبرر تسييس الجريمة، وتأجيج المشاعر ضد آخرين، وتحشيدهم لإرتكاب جرائم أبشع، فأن المسيرة الإجرامية تتواصل والفظائع تتراكم.
شخص يقتل العشرات من الأبرياء، وعندما ينكشف الدافع حسب التحليلات القاصرة بأنه فعل ذلك لأنه خسر الملايين في المقامرة يتم التقليل من حجم الجريمة، والذي يقتل العشرات في كنيسة ويتبين أنه قتلهم لأنه على خلاف مع أم زوجته، يتم النظر للجريمة بعين أخرى ويُدعى له بالغفران، أما عندما يكون الدافع له علاقة بشخص ينتمي إلى دين ما أو ينطق بعبارة ما، فالجريمة يتم تسييسها وتضخيمها وإشغال وسائل الإعلام بها لأيام، وتطلق الخطب والتصريحات لأنها تخدم وتؤكد أجندات سياسية وعدوانية محسوبة ومعدة مسبقا.
هذا الإقتراب جريمة بحق الإنسانية وتعزيز للجريمة وتسويغها، فالجرائم كبيرة والتبريرات خطيرة، وبسبب ذلك فأن الجرائم البشعة بحق الأبرياء تتواصل وتتعاظم بشدتها وعدد ضحاياها، وما ستتسبب به من تداعيات سلوكية وتفاعلات إجتماعية حاضنة للجريمة ومشجعة عليها، لأنها ستشيع مشاعر الخوف والرعب والترقب وفقدان الأمان، وبتنامي القلق يزداد السلوك الإنعكاسي الإرتعابي الذي يؤدي إلى ما لا يصدق من الجرائم الفتاكة.
وعليه فأن البشرية لا يمكنها أن تحاصر الجريمة وتقضي على ما تجلبه من دمارات وخرابات نفسية وفكرية، إذا بقيت مأسورة بنمطياتها البالية في الإقتراب منها، وإذا إستمرت بتسييس الجرائم، وعدم النظر إليها بعين العدل والتحقيق النزيه الذي يتعامل معها على أنها جريمة بعيدا عن الدافع، وما تمليه التحليلات المنحرفة والتصورات المقرفة، فالجريمة مهما كان نوعها ودوافعها وآلياتها، هي جريمة ويجب أن تُرى وتُحاصر وفقا لكونها جريمة، والمجرم يجب أن ينال جزاءه كمجرم وحسب.
إن الخلط ما بين الجريمة والدافع، تسبب بما يدور في عالمنا المعاصر من التزايد الخطير للجرائم الكبيرة، في مجتمعات تحسب أنها متقدمة، وذات قدرات تقنية وأمنية عالية، وفي الواقع أن علة فشلها في السيطرة المعقولة على السلوك الإجرامي، يتأتى من هذا الربط الخطير ما بين الدافع والجريمة، ومحاولة تبرير الجريمة وتسويغها بأسباب خارجة عن جوهرها السلوكي وطبيعتها النفسية، التي تساهم بإستقطاب القدرات الإجرامية المتوفرة في الواقع بتقنياته وتواصلاته الفتاكة.
فهل من إعادة نظر بأساليب الإقتراب من الجريمة، وإلا فأن المجتمع البشري قادم على جريمة عالمية شنعاء، كمحصلة لتفاعلات الجرائم الرعناء!!
***
د. صادق السامرائي
7\11\2017