قضايا

قاسم حسين صالح: طغيان الحاكم.. تحليل سيكولوجي

مع تعدد معاني مفردة (الطغيان) فان افضلها ما جاء في كتاب (القهر الانساني في هندسة الطاغية) للأستاذ بدر خضر بأنه (مَن أسرف في المعاصي والقهر، واتَّخِذ من القوانين ما يُتِيح له ارتكابَ الفظائع). ولدى أفلاطون قول لطيف اذ يُشبِّه الطاغية بالذِّئب؛ "لأنَّه يذوق بلسانه دمَ أهله بقتلهم وتشريدهم".

وفي معجم "أوكسفورد" الإنكليزي، يُعرَّف الفساد بأنّه انحراف في أداء الوظائف العامة من خلال الرشوة والمُحاباة، فيما تُعرِّفه منظمة الشفافية الدولية بأنه كل عمل يتضمّن سوء استخدام المنصب العام لتحقيق مصلحة ذاتية لنفسه أو جماعته.

وفي القواميس يعني الطاغية من جاوز الحدَّ المقبول، واصطلاحا هو الحاكم المطلق غير المقيَّد بالقانون، أو هو من اغتصب السلطة العليا الشرعية، ويوصَف عادةً بأنه متوحش، ويدافع الطغاة عن مناصبهم بوسائل قمعية.

ويتفق المفكرون على ان الصفة الملازمة للطاغية هي (الظلم) ويعرفونه بانه استباحة حق شخص آخر، سواء كان حقًا ماديًا.. مال او ميراث.. او حقا معنويا كالاستهانة بتعب ومجهود شخص آخر والغاء اعتباره او اذلاله.

الطغاة في العالم

من بين مئات الحكّام الطغاة في العالم، يتفق الباحثون أن أطغاهم (19) حاكما، بينهم من هم غير معروفين مثل: فوداي سايبانا سنكوح.. حاكم سيراليوني وأقبح ما فعله أنه امر جنوده باغتصاب نساء وفتيات خصومه، وتشارلز تايلور حاكم ليبيريا الذي ادانته المحكمة الخاصة بسيراليون في أبريل 2012 بعد محاكمة استمرت خمس سنوات بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.. وسبعة آخرين.

أما الطغاة المعروفين، فأشهرهم هتلر- المانيا، ستالين وبريجنيف -الاتحاد السوفياتي، تيتو – يوغسلافيا، موسوليني- ايطاليا، سوهارتو – اندنوسيا، كيم ايل سونج – كوريا الشمالية، بول بوت كمبوديا، عيدي أمين – اوغندا.. .ونيكولاى تشاوشيسكو – الذي حكم رومانيا من سنة 1965 الى سنة 1989 وانتهى بقيام ثورة انهت حكمه واعدمته هو وزوجته ايلينا بالرصاص امام التليفزيون بعد محاكمة عسكرية استمرت ساعتين.

وعربيا، فان اشهر طاغيتين هما صدام حسين ومعمر القذافي الذي عاش طفولة بدوية فقيرة وكان يرعى الغنم والماعز والذي انتهى نهاية بائسة جدا تعرفونها، فيما كانت نهاية صدام حسين.. الأعدام شنقا.

مفارقة تاريخية

وفقا لمفهوم الطغيان الذي حددته القواميس والفلاسفة، فان الصفة الأبرز في الحاكم الطاغية (ممارسته الظلم)، وحددوا ابرز حالة في الظلم بأنه يستبيح (حق الآخر).

والمفارقة ان الدستور العراقي حدد النظام بأنه ديمقراطي وأهم مبدأ في الديمقراطية هو تحقيق العدالة الاجتماعية، وأن من حكمه بعد 2003 هم قادة احزاب إسلام سياسي والدين الإسلامي سبق الديمقراطية في دعوته لتحقيق العدالة الاجتماعية .. وما حصل أن هؤلاء القادة (الديمقراطيون الإسلاميون) استباحوا حق اكثر من ثلاثين مليون عراقي، وافقروا (13) مليونا باعتراف وزارة التخطيط مع ان العراق يعد اغنى بلد في المنطقة، وانهم ناقضوا جوهر الدين الإسلامي وفي القرآن الكريم أكثر من آية تدين الظلم والطاغوت، وقوله تعالى (وَلا تَحسَبَنَّ اللَّـهَ غافِلًا عَمّا يَعمَلُ الظّالِمونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُم لِيَومٍ تَشخَصُ فيهِ الأَبصارُ* مُهطِعينَ مُقنِعي رؤوسهم لا يَرتَدُّ إِلَيهِم طَرفُهُم وَأَفئِدَتُهُم هَواءٌ).

العراق الديمقراطي.. انموذج الظلم والفساد

منذ 2003 لم تعد في العراق حكومة مؤهلة لأدارة شؤون الناس، فمعظم وزراء الحكومات لا يمتلكون الخبرة ولا الشهادة ولا الكفاءة. وجرى تقسيم الوزارات حصصا!.. وصارت كل وزارة مؤسسة خاصة بكتلة سياسية يرأسها وزير منها يعمل بتعليمات كتلته اكثر من تعليمات مجلس الوزراء. وصار اسناد الوظائف العليا على اساس القرابة والعشيرة والطائفة وان كان بلا مؤهل.. وأضافوا متلازمة جديدة بنوعيتها ارتباط الطغيان بالفساد وضربوا فيه مثلا ما سبقهم اليه أحد في حجمه وغرابته نورد هنا أدلة ومؤشرات بحقائق وارقام عن أفسد وأفشل حكومات في تاريخ العراق السياسي:

* صرح كبير المفتشين الأمريكيين في العراق للإشراف على إعادة البناء، ستيوارت بوين، بأن حجم الفساد في الحكومة العراقية يبلغ أكثر من أربعة مليارات دولار، ووصف هذا الوضع بأنه أشبه بتمرد ثان يواجهه العراق.

* قال أعضاء بلجنة النزاهة النيابية، إن مستويات الفساد المالي والإداري العالية في العراق، سببها تدخل رئيس الوزراء نوري المالكي في عملهم، ومنعه إحالة أي وزير سابق أو حالي للتحقيق في قضايا الفساد إلا بعد موافقته.

* رئيسان إسلاميان متقاعدان، يوعظان الناس بالزهد وبتطبيق الشريعة ويقولان بأن الإسلام هو الحل، هما محمود المشهداني وأياد السامرائي يتقاضى الواحد منهما 57,000,000 مليون دينار!.

* منذ عام ٢٠٠٣ وحتى عام ٢٠١8 تسبب الفساد السياسي والمالي والاداري بسوء صرف أكثر من ترليون دولار أميركي، منها مدخولات جناها العراق قرابة ٨٠٠ مليار دولار.

* نعم، جميعنا فاسدون بمن فيهم أنا. لقد عرض عليّ أحدهم خمسة ملايين دولار لوقف التحقيق معه، أخذت المبلغ وظللنا مستمرين في مقاضاته. أغلب الأسماء الكبيرة في البلاد مسؤولة عن سرقة كل ثروة العراق تقريبا، أشخاص في قمة هرم السلطة، سيقتلونني إذا لاحقتهم./مشعان الجبوري لمراسل صحيفة الغارديان مارتن شولوف.

* مدير شركة التجهيزات الزراعية السابق (عصام جعفر عليوي) المحسوب على احدى القوى الإسلامية الشيعية المشاركة في الحكومة والبرلمان، اعترف للجنة النزاهة بأنه دفع مليار ونصف المليار دينار لنائب سابق لغرض تهريبه.

* "لديّ ملفات للفساد لو كشفتها لأنقلب عاليها سافلها." تصريح موثق لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وفي تستره هذا خيانة للذمة يدينها الدين الإسلامي.

* حاول رئيس الوزراء حيدر العبادي وبتشجيع من المرجعية ضرب الفساد بيد من حديد وما فعل، ما اضطر المرجعية الى أن تعلن بأن(أصواتنا قد بحّت، ولم يستمع إلينا أحد).

* صرح رئيس الوزراء حيدر العبادي في البصرة بتاريخ (22 شباط 2018)، بأنه تم صرف سبعة ترليونات دينار على مشاريع لم ينجز منها شيئا.

* ووفقا لتقرير منظمة الشفافية الدولية (شباط 2018) فأنه تم سرقة مئة مليار دولار (الترليون يساوي واحد وامامه 12 صفرا، والمليار يساوي واحد وامامه تسعة اصفار).

توظيف الدين.. وسيلة الطاغية

من متابعتنا للعملية السياسية خلال اول ثلاث حكومات بعد التغيير (2006-2014) التي تولى ادارتها حزب (الدعوة الإسلامي) وجدنا ان قيادات أحزاب الإسلام السياسي (الشيعي والسّني) تخاطب الناس بأنها تهتدي بتعاليم الدين الإسلامي في السياسة، فيما اثبتوا خلال تلك السنوات بأنهم مارسوا الدجل(المبالغة في الكذب والتمويه).. لأن الإسلام يدين الفساد بكل أشكاله ومضامينه، وتنهى عنه آيات صريحة في القرآن، من بينها: "وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ- سورة القصص"، "وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ- سورة البقرة". ولم يثبت احد منهم انه اهتدى بما جاء في القرآن الكريم من تحذير للحاكم الفاسد والظالم لرعيته، ففي سورة القلم قال تعالى:{سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ}، وفي سورة الشعراء:{وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ}.

ولأن حكومات ما بعد التغيير كانت بهوية شيعية، وبين قادتها من يدّعون انهم احفاد الأمام علي وأخلص شيعته، فأنهم لم يقتدوا به في وصيته لمالك الأشتر (لا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم اكلهم). ولا تنبيهه له بان الذين جاءوا الى السلطة من داخل الشعب كانوا قبل ذلك يثيرون النقد ضد سيئات الحاكم السابق، فيدعوهم الى ان لا ينسوا مواقعهم النقدية السابقة فيصغوا الى النقد الآتي من القاعدة الشعبية.. وتلك اثمن نصيحة لم يأخذ بها من جاء بهم (الشعب) الى السلطة بعد التغيير. فضلا عن نصيحة اخرى بقوله(ثم اختر للحكم بين الناس افضل رعيتك)، فيما حكّام احزاب الإسلام السياسي اختاروا من يكون رهن طاعتهم واستبعدوا افضل الكفاءات وانضج الخبرات، وعملوا بالضد من نصيحته، وانصف الله وانصف الناس من نفسك ومن خاصة اهلك ومن لك فيه هوى من رعيتك).ونصيحة اخرى بقوله (الأصغاء للعامة من الناس) فيما المتظاهرون طالبوا بالاصلاح من شباط 2011 وهم عنهم ساهون. وقوله حين تولى الخلافة (جئتكم بثوبي وجلبابي هذا فأن خرجت بغيرهما فأنا خائن) فيما هم صاروا مليارديرية بوثيقم مركز بحوث فرنسي. ونصيحة اخطر بقوله (اياك والدماء وسفكها بغير حلها) فيما هم سفكوا الدماء وتعاملوا مع المتظاهرين كما لو أنهم قوم غزاة فقتلوا المئات واكثر من عشرين الفا بين معوق وجريح في اكتوبر/تشرين 2019 عدا المغدورين بكاتم الصوت لمفكرين تقدميين.

نهاية الطغاة والفاسدين

يحدثنا التاريخ بانه لا يمر عصرٌ من العصور الا وتكون نهاية الطغاة، مخزية ومهينة.

وما انفرد به حكّام الإسلام السياسي في العراق أن الشعب أخزاهم وهم في الحكم، واحرق مقرات أحزابهم، وفضحهم بأهازيج مخجلة (باسم الدين باكونه الحراميه، الله واكبر يا علي الأحزاب باكونه، الخير العدنه مكوم والأحزاب تفرهد بيه.. وصولا لأهزوجة أهل الناصرية: ما نريد قائد جعفري تاليها يطلع سر.. )

وكما لم يبق من الحكام الطغاة والفاسدين سوى الخزي والذكر الكريه ولعنات الشعوب فان قادة أحزاب الإسلام السياسي سيلقون نفس المصير.. وان كان أكثرهم يعتقدون أن لديهم من المال المنهوب والأتباع والمكر ما يجعلهم في الحكم يبقون الى يوم يبعثون!

***

أ.د. قاسم حسين صالح

في المثقف اليوم