قضايا

حبيب مرگة: الوعي البشري والآلة هل نحن في مأزق وجودي؟

من فيلم ماتريكس إلى الواقع

القرن الحادي والعشرون، بعد 6000 عام من الحضارة، أصبح الوعي البشري يسافر عبر الزمن ويتجاوز المادة، بحيث أصبح قادراً على صناعتها وتطويرها كما يشاء. من العصر الحجري القديم إلى العالم الحديث، يتغير الوعي ويتطور ليظل على قيد الحياة في جميع الظروف.
يظل تعريف هذا الوعي لغزاً، بين كيان بدائي مندمج في الإنسان وبين تطور العقل البشري الذي لم نفهم حتى الآن من أين جاء، من إنسان عادي شبيه بالحيوان إلى بشر واعٍ ومفكر. حتى اليوم، لم يتمكن العلم من تقديم تعريف مادي حقيقي لهذا الكيان المسؤول عن تفوق الإنسان على باقي المخلوقات منذ آلاف السنين. الفلاسفة والعلماء يحاولون باستمرار العثور على أدلة ملموسة، ولكن النتيجة دائماً سلبية. فما السبب وراء هذا البحث المستمر؟ لماذا هذا السعي الدائم؟
الإجابة الأقرب للمنطق هي الرغبة في العثور على جوهر الحياة التي نعيش فيها. لكن هل سيصل الإنسان إلى هذه الإجابة يوماً ما؟
الفيلم الشهير "ماتريكس" من إخراج الأخوين واتشوفسكي قدّم لنا تصوراً حول هذا الموضوع عبر طرح الذكاء الاصطناعي والروبوتات كجواب غير مباشر على هذا التطور غير العقلاني للعقل البشري الذي قد يؤدي إلى هلاكه. لكن هذه تبقى مجرد نظرية مستقبلية. الجوهر الذي حاول الفيلم توصيله يعتمد على الفلسفة العدمية لشوبنهاور ونيتشه، حيث ترى هذه الفلسفات أن الحقيقة هي مجرد وهم، وأن كل ما نعيشه هو مجرد مزيج من الأحاسيس المبرمجة التي لا معنى لها.
في هذا السياق، يأتي اقتباس فيلم "ماتريكس" 1999 الذي يلخص تقريباً مفهوم الوعي البشري الحالي: "كيف يمكنك أن تعرف الواقع؟ ما تشعر به أو تراه أو تتذوقه أو تتنفسه ليس سوى نبضات كهربائية يفسرها دماغك كما يحلو له." هذا الاقتباس يعكس فكرة أننا نعيش في واقع يمكن أن يكون مجرد بُعد من أبعاد أخرى، لكن وعينا يقيدنا ويجعلنا نعتقد أننا في البُعد المطلق. هذا يخلق لنا خوفا من الموت ورغبة مستمرة في التمسك بالحياة، رغم أننا في النهاية نعيش حياة محدودة، تحت سيطرة غرائزنا التي لا نفهم حقيقتها.
أما في الجزء الثاني من فلسفة أفلام "ماتريكس"، نرى التقنية والمكننة في خدمة الوعي الغير المتكامل.
في هذا السياق، نتذكر أطروحة ديكارت حول سيادة الإنسان على الطبيعة، وكذلك معضلة "السيد والعبد" عند هيغل. هنا يظهر التداخل بين البشر والآلات كعبيد وأسياد لبعضهم البعض. الآلات التي صنعها الإنسان يمكن أن تستحوذ عليه وتتفوق عليه، بحيث تتحول إلى جزء من الحضارة الجديدة التي قد تهيمن على الأرض، مثل الحضارة الثانية في مقياس كارداشيف.
ومع ذلك، هل ستكون الآلات قادرة على تطوير نفسها بما يكفي لتصبح مستقلة عن الإنسان؟ هل يمكن أن يكون ذلك نهاية الإنسانية كما نعرفها اليوم؟ إذا تخلّصنا من الإنسان، هل ستستمر الآلات في العمل؟ في فيلم "ماتريكس"، يظهر ذلك بوضوح عندما يواجه مستشار مدينة زيّون الحقيقة القاسية: لا يمكن للآلات أن تعمل دون الإنسان. لكن مع مرور الوقت، قد تتطور الآلات لتسيطر على الأمور، في مسار مشابه للديالكتيك الهيغلي: من خلال العمل، يهيمن العبد على السيد، لأنه بدون العمل لا يمكن للسيد أن يصل إلى ما يريد.
في النهاية، تبين لنا أفلام "ماتريكس" العلاقة التكاملية بين البشر والآلات، حيث لا يمكن لأي منهما الوجود دون الآخر. عندما تصبح الآلات أكثر تقدماً، قد يفقد البشر سيطرتهم، لتتحول الآلات إلى الكائنات المسيطرة. لكن في الوقت نفسه، إذا تطور البشر إلى نقطة يتمكنون فيها من التحكم في الآلات، فقد يعود البشر ليكونوا الأسياد. وهكذا، تستمر الدورة الأبدية بين العبيد والأسياد، وتظل حقيقة جوهر الحياة غائبة.
خلاصة
لا تطور للإنسان دون آلات، ولا وجود للآلات دون إنسان.
***
الكاتب: حبيب مرگة

 

في المثقف اليوم