قراءات نقدية

حيدر عبد الرضا: قراءة في رواية (النباتية) للكاتبة هان كانغ

الدﻻﻻت الملتبسة في بواطن الكينونة النباتية

توطئة: ان تعاملات الروائية الكورية الحائزة على جائزتي البوكر ونوبل عن روايتها (النباتية) لربما تنقل لنا الصورة النسبية المبررة في كون موضوعة الرواية تشتمل على حبكة مغايرة ومفارقة وغرائبية في نوعها المختلف، فلعل القارىء الأوربي لها من جهة خاصة يجدها في غاية تحقيق الميتاحداثوية والمغايرة في مركبات بناياتها السردية المجردة، ذلك لكون بعض خصائص موضوعاتها تمتاح في حدود تجاوزية وعدمية لطبيعة العلاقة الواقعية أو التجريبية حتى لو فرضنا كونها من الروايات ذات النمط الأكثر تجريبا في ملامح فكرتها الهادفة إلى محققات نوعية من التخييل السردي. ولكن القارىء العربي والناقد عند قرأتها لربما يواجه مراحل غير ضرورية بالمرة فيما فقدت من جهة ما كل أدلة حدوثاتها الاسبابية جملة وتفصيلا. أنا ﻻ أنكر دور البناء الروائي كحالة تشييدية من الادوات والمسوغات الاسلوبية ولكن عناصر بناء الحبكة ﻻ تتحلى بأية ديمومة تقانية من شأنها كشف وإقناع المتلقي بكيفيات العلاقة الجادة في عبورات موضوعة الرواية والتي ﻻ تتجاوز حكاية فتاة متزوجة اختارت على حين بغتة العزوف عن تناول اللحوم بكافة أنواعها، مما جعل هذا الأمر من حياتها كزوجة تنتهي وكأنها مغامرة في اللاشيء.

السارد الخارجي وتمثلات المسرود المحكي

يتبنى السارد المشارك في رواية (النباتية) والتي قام بترجمتها إلى العربية من اللغة الكورية الاستاذ محمد عبد الغفار ذلك الطابع المتمثل بشخصية الزوج لتلك المرأة النباتية، وقد يتضح من خلال زمن المسرود المحكي الواصل من على لسان الزوج نفسه بمدى حجم الاضطهاد في مسيرة حياته الزوجية، خصوصا وإنه يحيا حياة ذلك الزوج الذي لم تتأكد لديه كل القناعة بخصائص ومواصفات زوجته النباتية: (لم أكن أرى شيئا مميزا في زوجتي قبل أن تصبح نباتية، وأقول بصراحة أنني لم أشعر بانجذاب نحوها حين رأيتها أول مرة.. رأيت إنها متوسطة الطول، شعرها متموج، ﻻ هو بالطويل أو القصير، بشرتها مصفرة كأنها سقيمة، وعظمي وجنتيها ناتئين بعض الشيء. /ص5 الرواية).

1- العناصر الإشكالية وسلبية العامل الذاتي والموضوعي:

يمكننا أن نقول في هذا الفرع المبحثي من قراءتنا بأن تعريف العامل في النص الروائي: هو أنتاج للشروط الكيفية (الداخلية= الخارجية) للنص الروائي. وعلى هذا النحو تتشاطر سبل العلاقة بين الوحدات سببا وشرطا وجزاء وتقديما وتأخيرا ووصلا وفعلا. إذ تواجهنا في مواطن أدلة الرواية - موضع بحثنا - ثمة علاقات في مسار (إنشاء النص ؟) تقابلها في الجزء الآخر علاقة ذات محمولات تشكل بدورها بـ(الدﻻلة المخصوصة) بينما وحدات التراكيب النصية اتخذت لذاتها وجودا محتملا داخل إطار من كفاءة ربط المكونات (استرجاع = استباق = إستعادة) وصوﻻ إلى (جهات الحالة) كظاهرة كيانية بالفعل العاملي الذاتي والموضوعي على السواء. وبناء على مجملية هذا التصور نعاين بأن علاقات الرواية ذات منظورين (علاقة تواصل= علاقة رغبة = ذات الحالة= الحالة إلى ممثل فعل معارض) وعلى هذا النحو يتبين لنا أن علاقة الرغبة هي حالة تواصل تفترض في ذاتها (العامل الذات - العامل الموضوع) فالعامل في المرسل والعامل في المرسل إليه موحدا بطبيعة التواصل المستند إلى فعل ذلك المعارض القائم. وهكذا يبدو أن المرسل المتمثل بوصفه ذلك الزوج عاملا في توليد علاقة تواصل ورغبة فيما يقع عامل التعارض في ذات فعل الزوجة عندما ﻻ تستطيع تحقيق علاقة تواصل بين عالمها النباتي والأدوار التي تقتضيها كيانية ومؤسسة الطبيعة الزوجية: (كانت قليلة الكلام.. فمن النادر أن تطلب مني شيئاً، وﻻ تعترض وتثير المشكلات مهما تأخرت في عودتي إلى المنزل - كانت تقضي وقتا أطول من المعتاد في القراءة التي تعد هوايتها الوحيدة - كانت أيام راحتنا من العمل تتزامن، لم تكن تقترح أن نخرج معا في نزهة - بينما أجلس بعد الظهر أمام التلفاز ممسكا جهاز التحكم عن بعد، تختلي هي بنفسها في حجرتها - كانت القراءة - لسبب غير معلوم - شيئاً تغمس نفسها فيه، تقرأ الكتب التي تبدو مملة إلى درجة أنني ﻻ أستطيع أن أحمل نفسي على مطالعة أكثر من أغلفتها. /ص7 الرواية) ومن هذا المنطلق تحديداً يصير بمقدورنا أن نعلل جربة الشخصية في زمن معراجها النباتي، مرجحا الظن في كونها لربما قد طالعة الفكرة عن طريق إحدى المؤلفات الروحانية مثلا أو تلك الكتب التي تختص بالوثنية البوذية، ذلك لأننا لم نصادف في الأحداث الروائية ما يجعلنا نفرد يقيننا بكون الشخصية استمدت عوالمها النباتية من خلال تواجهات نفسية أو عاطفية أو معتقدية ما، سوى إنها كانت تتحدث حول ذلك الحلم والأحلام التي كانت تلازمها بين الحين والآخر. ولو أردنا من جهتنا النقدية التأويلية معرفة تشكل تلك الأحلام الدموية في حياة الشخصية اما وجدنا سوى كونها كانت تتلقى من والدها ذلك الرجل الذي سلخ أعواماً من عمره في وسط الحرب الفيتنامية، لذا ان هذا الأب بدوره غليظا في سلوكه مع أولاده يوجه لهم المزيد من الصفعات والتوبيخات والمناورات التي تستدعي عقابا نفسيا على تلك الأسرة من النوع الذي يشكل في مركبات النفس للطفل بعض من المشاكل في حياته النفسية السوية. بهذا أو ذاك تطل علينا مجموعة الأحداث الروائية عبر منظورات عديدة منها تحديداً (منظور رؤية الطفل - منظور التحاكي المنونولوجي - منظور الرؤية المنامية) خلوصا نحو حيوات شخوصية تصارع في أعماقها الفردية سلوكاً فنتازيا عبر رؤية ذاتها وكأنها أصبحت كائنا نباتيا تتطلب حياته الغذائية المزيد من الماء واشعاعات خيوط الشمس المتسربلة من النافذة: (كان الجو بارداً بما فيه الكفاية، لكن رؤية زوجتي كانت أكثر برودة، وقد ذهب النعاس الذي سببته الخمرة. كانت تقف أمام الثلاجة بلا حراك وقد غمر الظلام وجهها،فلم اتبين انفعالها، لكن الخيارات المحتملة أخافتني. وشعرها الكثيف الاسود غير المصبوغ منسدل من دون ترتيب - اتجهت نحوها مطقطقا عنقي ومحاوﻻ رؤية وجهها: - لماذا تقفين هنا هكذا؟ ما الأمر ؟. / ص10 الرواية).

2- التحريك التحفيزي وزوايا أفق الإنتظار:

إذا ما تفحصنا منطقة الاشتغال الحكائي للوحدات السردية، ألفيناها خاضعة لمبدئي (التحريك + التحفيز = ترسيمة بلاغة الإنتظار) لذا فالتحريك هنا وهناك يمارسه شخصية حيال آخر بغية تحقيق فعل ما. ويتجسد في مستوى الأحداث الروائية ذلك المستوى من خضوع إرادة الشخوص إلى تدابير خاصة يديرها صوت الشخصية المشاركة المتمثلة بالزوج بدئا، فالزوج غدا هو النظام السببي الذي يقوم بدور التحفيزات التي تتشكل داخل علامات حكائية مؤشرة حينا ومتوارية حينا. أقول هنا أن نظام التحفيزي يطوع من لدن العامل المساعد ومشاكله في المسار الحدثي مع قطب العقدة المتبلورة في مستوى الدال الآخر (الزوجة ؟) لذا فإن الملازمة للعامل المساعد للتحفيز ذاته بدا كحالة تحفظ على شكل وموضع (القطب التبئيري) أي بما لا يشأ المنظور السردي الافصاح عنه من خلال تلاحم حالات القطب الآخر من دال الزوجة، اللهم إلا في حدود خلق تحيينات مناسبة لزمن النص: (لم تجفل على الإطلاق عندما وضعت يدي على كتفها ألم أشك لحظة في أنني بوعيي، وأن كل هذا يحدث فعليا - سألتها عما تفعله وأنا أتجه نحوها، بينما كانت تقف هي هناك من دون أدنى استجابة، كما لو أنها تائهة في عالمها الخاص. / ص١٠ الرواية) لعل مستوى الأهلية الافعالية المشروطة للانجاز التحفيزي إبتداء من سلسلة اللحظات والأيام والشهور من زواج الزوجين وحتى هذه اللحظة المتحفظة سرديا، كلها تتمثل كمقابل في مواضع (مقدمة - عقدة - متن - مناظرة السرد) امتداداً نحو الافعال التحريكية من قبل الزوج - أنا السارد - كحالة راح يتمظهر من خلالها النمو المحكي في بناء الميثاق السردي. فالرواية (النباتية) إذن هي مستويات تشتغل على ثيمة الدال كعلامةو البنية كتصورات معادلة والمدلول كمؤثر انفتاحي نحو المعنى المؤول.

فضاء رؤيا الحلم الدموي: الشخصية صورة نباتية مسرفة

لقد بدت لنا فرضية الرواية كالعلاقة بين المعقول واللامعقول بين الشك واليقين بين الخيال والوهم أو بين الفنتازيا والعلاماتية المسكونة بروح الملموس واللاملموس. أقول من جهتي لا يوجد شيء وهمي في الجوهر والمظهر، خصوصا وأن البنية الأدبية ثورة في الشكل اللاشعوري واللامحدود تخييلا، ولكن هناك حدود مقبولة في تحويرات المتخيل ذي القيمة المسبوكة، وحدوداً مرفوضة إذا تحول النص عبر خصائصه الأداتية والادواتية إلى مجرد بقعة إنشائية خاوية. هناك حقيقة واحدة في نجاح الرواية هو خروجها عن دائرة التكرار والاجترار وإعادة الإنتاج والكتابة بلغة وسلطة وروح النثر الشعري، لذا فعندما يريد الروائي نجاح روايته عليه أولا أن يؤكد لنفسه بأنه في صدد كتابة عمل روائي وليس بناءات قصصية في حلقات هيكلية روائية. من حدود هذا المنطلق نقول بأن رواية (النباتية) وﻻدة حقيقية لرواية جادة وجديدة، بقصد كونها علاقة عناصر بنائية واسلوبية ﻻ تمنح قارئها سوى الاحساس بدخول حياة أخرى له غير مشهودة واقعيا، غير أنها حياة تشكل في ذاتها رشحات تحملنا إلى ما فوق الواقع الروائي تركيزا وتدليلا وتمثيلا. أعود مجددا إلى دراسة روايتنا، لأقول أن تحليلنا الوظائفي للعناصر والوحدات يتخذ اهتمامه من النسق الذي تنصب فيه الشخصيات والأفعال والصفات والأدوار العاملية المصاغة بالمواقف والتفاعلات والتعارضات، لذا فكوننا نقوم بتفكيك النص عبر شخوصه وحالاته ومواقفه، ما يعني أننا في صدد تشريح المنظور السردي للرؤية الروائية، وبقول آخر حتى يمكننا هذا التشريح من فهم الاسباب والانتقاﻻت بين الادوار والعوامل المشخصة في مسار زمني حكاية وخطاب النص الروائي موضع بحثنا. أقول من الظاهر أن الشخصية الزوجة التي تدعى (يونغ هيه) قد قامت مؤخرا برمي جميع أصناف اللحوم المحفوظة داخل الثلاجة وبدا الأمر امام زوجها وهي تعبئها داخل أكياس القمامة السوداء: (وضعت زوجتي على المائدة الخس وصلصة فول الصويا وحساء فول الطحالب، لكن من دون اللحم البقري المعتاد: - ما خطبك ؟ أبسبب حلم سخيف تتخلصين من اللحوم كلها ؟ / ص١٧ الرواية) يمكننا مراجعة أولى علاقات الأحداث في الرواية حيث نعثر على كيفيات سياقية تنصيصية تنم عن رؤيا حلمية تباشر الشخصية يونغ هيه وكأنها وظيفة مونولوجية مدعومة بعوامل تنضيدية ذات الحرف المثخن: (غابة مظلمة ولا أحد هناك.. أوراق الأشجار مدببة حادة، وقدمي مشقوقة، بالكاد تذكرت هذا المكان، لكني تائهة الآن، مرعوبة أحس بالرد وعبر الوادي المتجمد أرى مبنى لامعا يبدو ككوخ، وحصيرة من القش تنسدل مرتخية على الباب. لففتها إلى أعلى ودخلت. في الداخل كانت عصا طويلة من البامبو، ملطخة بدماء غزيرة تقطر منها وتتناثر قطع من اللحم.. أحاول أن اتراجع إلى الوراء، لكن اللحم ﻻ نهاية له. / ص١٦ الرواية) ولو حاولنا أن نقف قليلا حول أبعاد هذا النوع من الكوابيس التي كانت تلازم الشخصية هونغ هيه،لوجدنا أنها قادمة من إيحاءات تؤكد وجود ثمة ضغوطات في حياة الشخصية منذ طفولتها مثلا، ولكن الغريب في الأمر أن الشخصية كانت تمارس حياتها الزوجية بطريقة أكثر سلاسة وحبورا: (لو كان قيل من البداية أن زوجتي تعاني من الشمئزاز بسيط من اللحوم، لتفهمت الأمر، لكن من قبل ان نتزوج وهي تقول إنها تحب الطعام. وكنت معجبا بطريقتها في الطهو، ملقط في يد، ومقص كبير في الثانية، لتقلب ضلعا من اللحم في المقلاة. / ص١٩) ﻻ شك أن خطاب السارد المشارك كان واضحا في وحدات السرد، لذا من الأهمية ملاحظة أن عوامل التحول للزوجة جاءت بعد مراحل مديدة من الحياة الزوجية الهانئة، وصوﻻ إلى كونها لم يقتصر أمرها في عدم تناولها للحوم فقط، بل أنها دخلت في حياة عزلوية أصبحت من خلالها فرداً ينام في غرفة أخرى وزوجها في ناحية ما من سرير الزوجية الذي بات بارداً بعد هجران الزوجة لكافة حقوق الزوج تماما، إذ أنها كانت تتذرع بأسباب أكثر غرائبية من كونها امرأة نباتية بالأثر الرجعي، لذا فإنها قالت لزوجها ذات ليلة: (ما ضايقني أكثر عزوفها عن الجنس - إنها الرائحة ! الرائحة ! رائحة اللحوم.. جسدك تفوح منه رائحة اللحوم وضحكت بصوت عالٍ ساخراً./ ص٢١ الرواية).

1- التكيف والتمثل الذهاني:

تبدو الإشارات والإحاﻻت في مستوى صادرية المكتسبات الذهنية والنفسية والسلوكية في متعلقات شخص (هونغ هيه = الزوجة) منطمسة في متحكمات سيكولوجية محفوظة في مرجحات حالة إتكالية من النوع الذي يمكننا تسميته ضمن فعلية ثنائية معبرة ب (التكيف + التمثل الذهاني = علاقة تداعي متمثلة) وهنا نتعرف على أن عملية الموضوعة في الرواية تسعى إلى خلق علاقة مركبة بين الظن والتجريب أو حدوث التلاؤم الذهاني في مواضع عملية مفترضة من أوجه المعنى المعادل للوضع الامتثالي للشخصية بكافة نوازع الظرف المناور في إنتاج عملية الإحساس لدى الشخصية في كونها أصبحت نظاماً نباتيا كلملا في صورته الكيفية والتمثيلية، لذا فهي مرحلة ذاتية منسجمة في ذاتها العضوية مع مخطط تكيفها وتمثيلها السيكولوجي النباتي والكينوني معا: (لم أجد ما يقال ! كنت على دراية بأن اختيار الحمية النباتية يعد أمراً نادراً كما كان في الماضي، فهناك من الناس من يرغب في التمتع بالصحة والعيش طويلا، أو يريد أن يتغلب على حساسيات معينة. / ص١٨ الرواية) ولعل مستوى الأحداث الرواية بات اشبه ما يكون بالفنتازيا خصوصا بعد تطور حاﻻت الخلاف ما بين الزوجين ووصول الأمر إلى انفصالهما عن بعضهما الآخر، امتداداً نحو نشوب مواقف إرغامية بتناول اللحوم من قبل والد البنت يونغ هيه، مما جعلها رافضة لمطالب ذللك الأب العنيف مما استوجبه الأمر بالاب إلى توجيه صفعة على خد الفتاة يونغ هيه، جعلتها تفتقد كل قواها النفسية المتصبرة على ذلك الارغام بأكل اللحم المدسوس رغما عنها في فمها من قبل يد ذلك الأب، وعند عدم امتثالها لمضغ الطعام وتقبله من يد الأب متحوﻻ إلى مجرد بصاق راح يسقط فوق ثياب البنت وبعض من أجزاء يد الأب، حيث اشتد الغضب لدى ذلك الاب موجها المزيد من الصفعات على خدي الفتاة التي راحت ترتعد كل قواها متوجه إلى مائدة الغداء المقامة في منزل العائلة لتنتشل بيدها سكينا أخذت تذبح بها معصمها مما زاد الموفق سوءا،فيما راح زوج شقيقتها الكبرى يحملها على كتفه مسرعاً بها إلى المشفى.

2- الحلم الكابوسي وآيروسية العلاقة النباتية الحميمية:

بأختصار أن المواجهة التي حدثت في منزل العائلة للفتاة يونغ هيه، قد شهدت عقبها حوادث غريبة وقد تكشفت من خلالها حقائق حاسمة في شأن الشخصية يونغ هيه التي ظلت في المشفى عدة أيام، وبعد خروجها استقلت بذاتها داخل شقة اتخذتها لها ملاذا آمنا لممارسة حياتها النباتية الصرفة. في الواقع ما أود قوله للقارىء أن رواية (النباتية) متتالية فنتازية مشحونة بالتأثر بمرجعيات الأساطير والملاحم الآسيوية التي تمتاح بالاسراف التخييلي لحد حدود بدت غير موثوقة دلاليا وموضوعيا. صحيح أن للرواية شأنها الكبير من أدوات البناء والحكي والوصف الروائي، ولكن كل هذه المسوغات لم تسعف الرواية من تقديم (دﻻﻻت ملتبسة ؟) امتداداً نحو تلك العلاقة التي قامت بينها وبين زوج شقيقتها الكبرى والتي تلخص في فحواها الآيروسي ثمة حدوث تفاعلات بين الجسدين اللذين غطى فوقهما الرسام زوج الشقيقة الكبرى مجموعة رسوم نباتية تؤول إلى حقيقة كون تلك الممارسة كانت بدوافع عضوية تؤكد مزامنة الحيوات النباتية بكافة خوالجها الطبيعية والنمطية الفطرية الآسرة. أما وجهة نظر الشقيقة الكبرى للشخصية هونغ هيه التي حضرت تلك الممارسة بكافة شروطها الاجهارية والسرية، فقد فقدت كل ما تملكه من احتمالات قصوى بحدوث مثل هكذا أمر بين شقيقتها الصغرى والزوج للشقيقة الكبرى ذاتها، فما عليها في ذلك الحال سوى الاتصال بسيارة إسعاف مشفى الأمراض العصبية والعقلية، وقد تمكن رجال المشفى من القبض على الزوج من قبل محاولته إلقاء نفسه من الشرفة منتحرا،وﻻقد أقتيدت يونغ هيه هي الاخرى بكامل عريها الموشوم بهاﻻت براعم الأزهار الليلية والنهارية في مواطن جسد امرأة غدت وكأنها مومياء شجرة آفلة نحو مصيرها النباتي المميت. وختاماً أقول أن رواية (النباتية) للكاتبة الكورية هان كانغ من الأعمال الروائية التي تختلف في الذاكرة القرائية أثرا ودليلاً وإبداعا منفرداً رغم وجود بعض المثالب والهفوات وهشاشة اليقين في مكونات مكامنها الموضوعية الغرائبية الفاعلة والفعلية.

***

حيدر عبد الرضا – كاتب وناقد

في المثقف اليوم