أقلام ثقافية

مجيدة محمدي: إصرار

قالت لي صديقة، ما جدوى ما تكتبين في عالم رمادي يزداد قتامة كل يوم، فهل بهذه الكلمات ستجلّين السواد ... فقلت لها، أنا أؤمن بما أقول وأكتب، حتى وإن تغيّر العالم من حولي، حتى وإن انقلبت الموازين، واختلطت الألوان، وضاعت البوصلة في رياحٍ عمياء. إنّ للكلمة عندي جذوراً لا تُقتلع، كأشجار الزيتون في حقولٍ قاومت قرونَ الحروب، ولها أجنحة من نورٍ لا تُقصّ، ولو سُدّت في وجهها السماء.

*

الكتابة عندي ليست زينة عابرة، ولا نزهة في حديقة الألفاظ، إنّها عهدٌ مع النفس، وميثاقٌ مع الحقيقة، ونبضٌ يتردّد في الصدر. كلّما حاول الظلام أن يفرض صمته على الأفق. أنا أكتب لأنّ الصمت خيانة، ولأنّ الاستسلام موتٌ بطيء، ولأنّ اللغة هي حصني الأخير في مواجهة زحف الفراغ.

*

قد يتبدّل العالم، قد يبيع الناس قناعاتهم كما يبيع التاجر بضاعته في سوقٍ مزدحم،

قد يتغيّر كلّ شيء، الأوطان، العادات، الوجوه، بل حتى الذاكرة ذاتها،

لكنّ ما أؤمن به يظلّ قائماً في داخلي، كصخرةٍ تعاند البحر،

وكطفلٍ يرفض أن يتخلّى عن لعبته الأخيرة في ساحة الخراب.

*

إنّ الإيمان بالكلمة هو ما يمنحها القدرة على اختراق الليل،

هو ما يحوّل الجملة إلى سيفٍ من معنى،

ويجعل النقطة الأخيرة في النصّ كأنّها توقيع على معاهدة أبدية مع الأمل.

فأنا لا أكتب كي أرضي أحداً، ولا كي أساوم على الحقائق،

بل أكتب لأني أخشى إن سكتُّ أن أموت وأنا حيّة،

وأخشى إن خنتُ عبارتي أن أُصبح غريبة حتى عن نفسي.

*

إنّ العالم قد ينكسر، قد ينهار تحت ثقل المصالح والخيبات،

لكنّني أتمسّك بإيماني كما يتمسّك العاشق بصورة وجهٍ لم يره منذ سنين،

وكما يتمسّك الشهيد بآخر قطرة دم

ولذلك، سأظلّ أكتب، وأقول، وأصرخ في وجه التبدّل،

إنّ ما أؤمن به لا يُمحى، ولا يُغيَّر، ولا يُشترى.

فأنا الكلمة حين تُبعث، وأنا المعنى حين يتجلّى،

وأنا الإصرار حين ينهار كلّ شيءٍ سواي.

ولئن تغيّر العالم من حولي،

فإنّني أبقى ثابتة كالنجم الذي يعرف أنّ ليله الطويل

ليس إلّا طريقاً إلى الفجر.

***

مجيدة محمدي

 

في المثقف اليوم