أقلام ثقافية

كريم شنشل: مستنقع

هو، هذه الارض الواسعة، التي نغوص بها كما التماسيح في بقايا وحل الانهر الهاربة، لكثر الجرائم، للجفاف. وسط هذا الوحل نقيم جميعا، من ينام ومن يجذف الريح بيديه، من ينظر حوله صامتًا، ومن يتحسر... نكتب على الوحل اجمل الاشعار والجمل القصيرة، ومضات، نصوص طويلةً. الاغاني، نلحنها على نقيق الضفادع وحفيف الريح بأجزاء اجسادنا الواقفة فوق سطح الوحل وطنين الذباب، يمر النهار، بين شمس ساطعة تكوي الرؤوس وبين مطر يغسلنا، يحررنا قليلا. نحرك اجسادنا بعض الشيء، لكنها راسخة بالوحل. كأنّا ندور بذات الدائرة، يمر الوقت ثقيلا، واجسادنا تعودت على طبيعة المحيط، نشرب من الوحل، يا ويلها الحشرات التي تمر من قربنا او الديدان التي تظهر او الطيور العاشية التي تقف بمتناول اذرعنا، ونتنازل في الحبكة والسرد وقول الزجل، ونختمها بسكرةٍ من ماء الوحل المتجمع …. لننام مرة أخرى! أي احلام لك ستبقى؟ الحلم كالجسد يشيخ ثم يموت، لكن هنا في هذا الوحل، الحلم مات منذ زمن طويل. تحط الطيور على الضفاف، نراها، تبني اعشاشها، وتفقس، تكبر افراخها الناجية، ثم تطير محلقة في السماء حتى تختفي عن النظر، ونحن لا نبارح مكاننا.  منذ ايام مرّ حمار من قربنا، وما إن رآنا حتى فر ناهقا فزعا ... ليس هناك احدًا يمكنه الاستفسار منه، لتأكيد سبب موقفه هذا، ما علينا الا تداول الحدث بيننا، وأن نقتنع بتفسير المحللين!! فهم كثر والحمد لله، ولا تشوبهم شائبةٌ في لبس ربطات العنق المعوجة عند الرقبة، والمائلة بسبب انتفاخ البطون، ولون البدلات البنية او الخاكية … وصبغ الشوارب وبقايا شعيرات الرأس، وحف الحواجب وتهذيب الذقون كما الصخول، وليس هناك براعة اكثر من ترديد عبارات: الحقيقة والواقع، وواقع الارض! ولدينا وثائق تثبت!! وما ان يحتدم النقاش حتى يتحول من محلل بالقضايا الى مدافع عن جهة ما وبحماس!! وحين فُتح النقاش عن موقف الحمار منا، اعتبرها البعض بانه حمار لماذا نجهد انفسنا نحن خير الخلق بمشكلة حمار!! واحالها البعض الى ربما هناك شخص لبس جلد حمار واتى فقط لاستفزازنا!! والبعض اعتبرها تنمر من حيوان غبي! وآخرون وقلة قالت إن حالنا افزع حتى الحمار وهرب فيما نحن لا نحاول شيء… ولم ينتهِ النقاش حتى مطرت السماء غزيرا افاض الوحل وكاد يغرقنا، لم نتحسس حالنا للتخلص من الوحل، كأن اجسادنا واطرافنا السفلى تخدرت في ذلك الوحل…، ربما وصل الوحل الى العقل وهذا هو الشر… ثم نمنا. حين سطعت اشعة الشمس ثانية، مر موكب كبير من البشر يتقدمهم عازفو الطبول والآلات الاخرى، مر الجميع، خوذ بيضاء محاطة بشريط ازرق وستر زرقاء وسمتها عند الصدر زهرة اللوتس وسراويل حمر، آلاتهم تعزف والجمع يسير بانتظام عيونهم مشدودةً، افواههم فاغرة… في لحظة ما التقت عيوننا جميعا، لكن اللحظة لم تثِر اي ارتباك لديهم او سؤال، عدا امرأةٍ عجوز، جلست على ضفة الحوض الموحل واخذت تنظر لنا بحزن ودموعها تتابع على خديها، ربما ليس حزنا علينا، ربما على زوج قتل، او ابن خطف او أسر. المشاهد تذكر الاخرين بأحزانهم وتنسيهم منْ داخل المشهد... ونحن ببلادة اخذنا تقليد المعزوفات التي سمعناها غير ابهين بحالنا، وبعدها جاء انين الذكريات…قل هي بشرى اليأس والموت القريب. هكذا دارت بنا الايام من وحلٍ لوحلٍ… والحلم رماد.

ماذا ينفع الانسان اذا ربح العالم وخسر روحه؟.

سيوران

***

كريم شنشل

 

في المثقف اليوم