علوم والذكاء الاصطناعي

علوم والذكاء الاصطناعي

يشكّل الذكاء الاصطناعي أحد أبرز ملامح الثورة التكنولوجية المعاصرة، إذ بات يمثل قوة دافعة لإعادة تشكيل الاقتصاد العالمي، وإعادة تعريف مفاهيم التنمية، والحوكمة، والعمل، والمعرفة. شهدت إفريقيا في السنوات الأخيرة تحولًا رقميًا متسارعًا، مدفوعًا بتوسع استخدام الإنترنت، وانتشار الهواتف الذكية، وتزايد الاهتمام بالحلول التكنولوجية المبتكرة. ويُعد الذكاء الاصطناعي (AI) أحد أبرز ملامح هذا التحول، لما له من قدرة على إعادة تشكيل البنى الاقتصادية، وتحسين الخدمات الحكومية، وتطوير قطاعات حيوية مثل قطاعات البنية التحتية كالصحة والتعليم وريادة الأعمال وحفظ التراث الثقافي. ومع ذلك، فإن إدماج الذكاء الاصطناعي في القارة لا يزال يواجه عقبات متعددة ومخاطر، تتراوح بين التحديات التقنية والبنى التحتية وتزايد التبعية التكنولوجية للفاعلين الدوليين، وصولًا إلى الإشكاليات الأخلاقية والتنموية.

يتناول المقال أبعاد الذكاء الاصطناعي في إفريقيا من ثلاث زوايا مترابطة الأولى، تتعلق بالمميزات والفرص التي يتيحها الذكاء الاصطناعي للمساهمة في تطوير القطاعات الحيوية في إفريقيا جنوب الصحراء، والثانية، تركز على التحديات التي تواجهها القارة في تطبيق هذه التقنيات، سواء على مستوى البنية التحتية أو الكفاءات البشرية أو السياسات الرقمية، أما الثالثة، فتطرح المخاطر الكامنة وراء الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي دون ضوابط أو سيادة معرفية، بما في ذلك تهديد الخصوصية والأمن الرقمي، واحتمالات تكريس التبعية التكنولوجية. ومن خلال هذه المحاور، يسعى المقال إلى بناء رؤية تحليلية نقدية لفهم موقع إفريقيا في خريطة الذكاء الاصطناعي العالمية واستشراف مستقبلها الرقمي.

ينُظر إلى الذكاء على أنه مهارة عقلية واسعة تتضمن مجموعة متنوعة من القدرات الأكثر تخصصاً، بما في ذلك التفكير والتخطيط وحل المشكلات وفهم المفاهيم واستخدام اللغة والتعلم.[1] أيضاً يمكن تعريفه بأنه "مجموعة من التقنيات التي تمُكنّ الآلات من العمل بمستويات ذكاء أعلى، ومحاكاة القدرات البشرية على الإحساس والفهم والتصرف"[2]. الذكاء الاصطناعي تقنية تساعد الإنسان في سرعة تنفيذ المهام والسؤال المطروح هنا ما هي أهمية استخدام آليات الذكاء الاصطناعي في إفريقيا؟ أو بعبارة أخرى ما أهم المميزات التي يقدمها الذكاء الاصطناعي لإفريقيا جنوب الصحراء؟ يتضمن المحور التالي إجابة السؤال المطروح.

أولًا: أهمية استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في عملية التنمية في إفريقيا

رغم التحديات البنيوية والاقتصادية التي تواجهها القارة الإفريقية، فإن تبنّي تقنيات الذكاء الاصطناعي يمثل فرصة استراتيجية لإحداث نقلة نوعية في مسار التنمية المستدامة. فقد أظهرت التجارب الإفريقية الحديثة أن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد أداة تقنية، بل هو مورد معرفي واقتصادي يمكن توظيفه لتعويض النقص في الموارد البشرية والبنى التحتية التقليدية. تتجلى مميزات الذكاء الاصطناعي في إفريقيا في قدرته على دعم الابتكار المحلي، وتحسين كفاءة الخدمات العامة، وتحقيق قفزة في مجالات الصحة والزراعة والتعليم والإدارة الحكومية. كما يفتح المجال أمام الشباب الإفريقي للمشاركة في الاقتصاد الرقمي العالمي، بما يرسخ مبدأ "التحول الذكي" كأحد محركات التنمية المستقبلية في القارة. للذكاء الاصطناعي امتيازات ينبغي على المستخدمين الاستفادة منها ليس فقط على مستوى الأفراد وإنما على مستوى المؤسسات والهيئات الكبرى، وفي إفريقيا للذكاء الاصطناعي أهمية للتنمية في قطاعات متعددة أهمها:

تطوير البنية التحتية في إفريقيا؛ يعُد استخدام الذكاء الاصطناعي خطوة أولى مهمة نحو سد فجوة البنية التحتية في إفريقيا، إذ يزُود صانعي السياسات بمعلومات أفضل، ويمُكنهم من اتخاذ قرارات أكثر استنارة بشأن البنية التحتية التي ينبغي بناؤها، وأين ومتى، بالإضافة إلى ضمان قدرة المشاريع الحالية على خدمة النمو السكاني المتزايد في إفريقيا خلال الخمسين إلى المئة عام القادمة[3].

الصحة، ينُظر إلى الذكاء الاصطناعي غالباً على أنه وعد مستقبلي، وهو يحُدث تغييراً سريعاً في الرعاية الصحية في إفريقيا، ويجب على القارة الاستعداد لهذه القوة الحتمية. لا تزال إمكانات الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية في إفريقيا موضع نقاش، لا سيما فيما يتعلق بإدارة عبء الأمراض العالمي، الذي يبلغ حالياً 25 %. يمكن للذكاء الاصطناعي مساعدة الممارسين الصحيين على إنجاز المزيد بموارد أقل من خلال أتمتة العمليات الطبية[4].

التعليم؛ يحُدث الذكاء الاصطناعي تغييراً سريعاً في العالم، بما في ذلك التعليم. ففي إفريقيا، حيث غالباً ما يكون الوصول إلى التعليم الجيد محدوداً، يمتلك الذكاء الاصطناعي القدرة على إحداث نقلة نوعية في التعليم وجعله في متناول الجميع. هناك بالفعل تطبيقات متنوعة للذكاء الاصطناعي في التعليم الإفريقي. على سبيل المثال، يمكن لروبوتات الدردشة المدعومة بالذكاء الاصطناعي تقديم دروس ودعم للطلاب، بينما توفر أنظمة التعلم المدعومة بالذكاء الاصطناعي تجارب تعليمية مصممة خصيصاً لتلبية احتياجات كل طالب. بالإضافة إلى ذلك، يمُكن للذكاء الاصطناعي أن يسُاعد في زيادة كفاءة التعليم وفعاليته. على سبيل المثال، يمُكن استخدام الذكاء الاصطناعي لأتمتة مهام مثل تقييم الأوراق ووضع خطط الدروس، مما يتُيح للمعلمين التركيز على أمور أكثر أهمية، مثل منح الطلاب اهتماماً مخُصصّاً.[5]

الابتكار الرقمي وريادة الأعمال؛ لقد حفزّت الثورة الرقمية في إفريقيا منظومة نابضة بالحياة من الشركات الناشئة ومراكز الابتكار، مما حفزّ الابتكار وريادة الأعمال في جميع أنحاء القارة. برزت مدن مثل نيروبي وكيب تاون كمراكز تكنولوجية رئيسية، وجذبت الاستثمارات، وعززت ثقافة الابتكار. وتستفيد الشركات الناشئة في قطاعات مثل التكنولوجيا المالية، والتكنولوجيا الصحية، والتكنولوجيا الزراعية، والتكنولوجيا التعليمية، من التقنيات الرقمية لمواجهة التحديات المحلية وابتكار حلول قابلة للتطوير[6].

الذكاء الاصطناعي وأهميته في حفظ التراث الثقافي الإفريقي؛ يلعب الذكاء الاصطناعي دوراً متزايد الأهمية في فهرسة وتفسير وإدارة القطع الأثرية الثقافية، بما في ذلك تلك العائدة للتراث الإفريقي. فمن خلال استخدام خوارزميات متقدمة، يمكن للذكاء الاصطناعي المساعدة في الحفظ الرقمي للقطع الأثرية، وإنشاء قواعد بيانات شاملة، بل وحتى تقديم رؤى تفسيرية قائمة على الأنماط وتحليل البيانات. من خلال التعلم الآلي، يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل كميات هائلة من البيانات لتحديد الاتجاهات وتصنيف الأشياء واقتراح المعاني، مما يجعله أداة قيمة في إدارة التراث. بالنسبة للتراث الثقافي الإفريقي، الذي يشمل عناصر مادية وغير مادية مثل الطقوس والتقاليد الشفوية، يوفر الذكاء الاصطناعي القدرة على توثيق هذه الممارسات والحفاظ عليها للأجيال القادمة، فضلا عن تسهيل الوصول الأوسع إلى هذا التراث على نطاق عالمي[7].

الوظائف والمهن قد تستفيد بعضها من الذكاء الاصطناعي على سبيل المثال، الترجمة والتي كانت في الماضي مهنة متخصصة تتطلب معرفة شاملة باللغتين المصدر والهدف، لكن التعلم الآلي جعل الترجمة، على سبيل المثال، عبر جوجل ترانسليت في متناول الجميع. على الرغم من الجهود الأخيرة المبذولة لتحسين دقة جوجل ترانسليت للغات قليلة الموارد ومع ذلك، هناك إشارة إلى أن المترجمين سيتكيفون مع الذكاء الاصطناعي. أيضاً في مهنة المحاماة، يسُتبدل المحامون والكتبة جزئياً ببرمجيات تحُدد الوثائق ذات الصلة بقضية المحكمة، يسُتخدم الذكاء الاصطناعي بالفعل في مكاتب المحاماة في إفريقيا، لا سيما في كينيا ونيجيريا وجنوب إفريقيا وتنزانيا وأوغندا. يرى بعض الباحثين أن الذكاء الاصطناعي من المرجح أن يفُيد مهنة المحاماة من خلال تحرير المحامين من المهام الروتينية مثل مراجعة الوثائق، مما سيمُكنّهم بدوره من التركيز على واجباتهم الأساسية، ألا وهي تقديم المشورة للعملاء[8].

إن المميزات التي يتيحها الذكاء الاصطناعي للقارة الإفريقية ليست مجرد مكاسب تقنية آنية، بل تمثل رصيدًا استراتيجيًا يمكن أن يعيد صياغة موقع إفريقيا في النظام الاقتصادي العالمي. غير أن تحقيق هذه المكاسب مرهون بقدرة الدول الإفريقية على بناء منظومة رقمية متكاملة تراعي خصوصياتها الثقافية والاجتماعية، وتعزز من سيادتها التقنية والمعرفية. فالمطلوب ليس فقط نقل التكنولوجيا، بل توطينها وتكييفها بما يخدم التنمية المحلية ويحدّ من التبعية الخارجية. ومن ثمّ، فإن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يتحول إلى رافعة حقيقية للتنمية الإفريقية إذا ما اقترن برؤية سياسية واقتصادية واعية، تستثمر في الإنسان الإفريقي باعتباره محور الابتكار ومصدر الإبداع. وعلى الرغم من هذا التقدم، لا تزال هناك فجوة رقمية كبيرة، مع تفاوتات كبيرة في الوصول إلى الإنترنت بين المناطق الحضرية والريفية، وبين مختلف الفئات الاجتماعية والاقتصادية[9].

رغم ما يتيحه الذكاء الاصطناعي من فرص واعدة، فإن مسار تطبيقه في إفريقيا لا يزال محفوفًا بعدة تحديات بنيوية ومعرفية ومؤسساتية والتي تحدّ من قدرته على تحقيق الهدف المطلوب. فالقارة تواجه فجوة رقمية واسعة بين دولها، وضعفًا في البنية التحتية التقنية، ونقصًا في المهارات الرقمية المتخصصة، إلى جانب محدودية الاستثمارات في البحث والتطوير. كما تتقاطع هذه التحديات مع مشكلات الحوكمة الرقمية، وغياب الأطر التشريعية والأخلاقية التي تضمن استخدامًا آمنًا ومسؤولًا لتقنيات الذكاء الاصطناعي. وفي خلفية كل ذلك، تستمر هيمنة الشركات العالمية الكبرى على موارد البيانات والتقنيات، مما يجعل إفريقيا ساحة استهلاك أكثر من كونها مصدر للإنتاج المعرفي والتكنولوجي. والسؤال المطروح الآن ما هي أبرز التحديات التي يمكن أن تواجهها إفريقيا جنوب الصحراء في تطبيق أليات الذكاء الاصطناعي؟ يتضمن المحور التالي الإجالة على السؤال المطروح.

ثانيًا: التحديات التي تواجهها إفريقيا لتطبيق آليات الذكاء الاصطناعي

على الرغم من أن الذكاء الاصطناعي يستطيع أن يقدم لإفريقيا امتيازات رائعة إلا أن هناك تحديات جسيمة تواجهها إفريقيا في تطبيق آليات الذكاء الاصطناعي. فيما يلي أبرز التحديات التي تعوق استخدام الذكاء الاصطناعي في إفريقيا جنوب الصحراء بصورة أفضل.

التحديات الأخلاقية؛ تمثل مخاوف كبيرة فيما يتعلق باعتماد أنظمة الذكاء الاصطناعي في إفريقيا. حاولت العديد من المبادرات، بما في ذلك المؤسسات التعليمية والوكالات الحكومية والمجموعات غير الحكومية والصناعة، معالجة التحديات الأخلاقية والقانونية التي نشأت بسبب تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، ولكن تأثير هذه الجهود لا يزال ضئيلاً في إفريقيا.[10]

التحديات في البنية التحتية الرقمية؛ على الرغم من التقدم المحُرز، لا تزال هناك تحديات عديدة تعُيق تطوير بنية تحتية رقمية متينة في إفريقيا. وتشمل هذه التحديات نقص إمدادات الكهرباء، وارتفاع تكاليف خدمات الإنترنت، ومحدودية الاستثمار في البنية التحتية للنطاق العريض، والعوائق التنظيمية. ويتطلب التصدي لهذه التحديات جهوداً منسقة من الحكومات والقطاع الخاص والشركاء الدوليين لتهيئة بيئة ممُكنّة للنمو الرقمي[11].

التحديات في الصحة الرقمية؛ يواجه تبني تقنيات الصحة الرقمية في إفريقيا تحديات عديدة، منها ضعف البنية التحتية، وضعف الثقافة الرقمية لدى مقدمي الرعاية الصحية والمرضى، والعوائق التنظيمية. إضافة إلى ذلك، تشُكل قضايا خصوصية البيانات وأمنها مخاطر كبيرة على تطبيق حلول الصحة الرقمية. وتتطلب معالجة هذه التحديات الاستثمار في البنية التحتية، وبناء القدرات، ووضع أطر تنظيمية متينة لضمان الاستخدام الآمن والفعال لتقنيات الصحة الرقمية[12].

تحديات في إدارة التراث؛ يثُير الاستخدام المتزايد للذكاء الاصطناعي في إدارة التراث الثقافي الإفريقي توتراً بين خطر الإمبريالية الثقافية وإمكانية التمكين التكنولوجي. فمن ناحية، ثمة خطر يتمثل في أن الذكاء الاصطناعي، الذي طوُرّ أساساً ضمن الأطر التكنولوجية والفلسفية الغربية، قد يفرض تفسيرات وقيماً أجنبية على التقاليد الإفريقية، مما يؤدي إلى شكل من أشكال الإمبريالية الثقافية[13].

أيضاً من بين التحديات التي تواجهها إفريقيا؛ الافتقار إلى المهارات التقنية، وعدم اليقين، ونقص البيانات المنظمة، والافتقار إلى السياسات الحكومية. يتمتع الذكاء الاصطناعي بالقدرة على تحسين الإنتاجية في الشركات واكتساب معرفة أعمق بعملائهم. ومع ذلك، لا يوجد عدد كاف من الأفراد ذوي الخبرة والقدرات اللازمة لتشغيل هذه التطبيقات. كما يلزم وجود معرفة كافية بكيفية استخدام التكنولوجيا بفعالية. وتمتد هذه المهارات إلى ما هو أبعد من المعرفة التكنولوجية الأساسية وقد تعالج صعوبات أخرى مثل الافتقار إلى المعرفة الإدارية الكافية أو حتى تطوير الأفكار التجارية[14].

هناك جهود إفريقية لمواجهة التحديات التي تواجهها القارة الإفريقية في استخدام الذكاء الاصطناعي، تشمل هذه الجهود مبادرات من الحكومات والقطاع الخاص والمنظمات الدولية لتوسيع البنية التحتية للنطاق العريض، وزيادة القدرة على تحمل التكاليف، وتعزيز الثقافة الرقمية. ومن الأمثلة البارزة على ذلك استراتيجية الاتحاد الإفريقي للتحول الرقمي لإفريقيا (2020 – 2030) والشراكات مع مؤسسات التكنولوجيا العملاقة مثل جوجل وفيسبوك لتوفير الوصول إلى الإنترنت بأسعار[15].

مما سبق؛ إن التحديات التي تواجه القارة الإفريقية في مجال الذكاء الاصطناعي تكشف عن عمق الإشكال الهيكلي الذي يربط التكنولوجيا بالتنمية والسيادة. فهي ليست مجرد عقبات تقنية، بل مؤشرات على ضرورة بناء رؤية إفريقية مستقلة تضع التحول الرقمي في صلب مشروعها الحضاري. فتمكين القارة من تجاوز هذه التحديات يتطلب الاستثمار في التعليم والبحث العلمي، وتعزيز التعاون الإقليمي، ووضع سياسات رقمية تراعي العدالة الاجتماعية والاقتصادية. بذلك فقط يمكن تحويل الذكاء الاصطناعي من مصدر هشاشة تبعية إلى أداة للتحرر المعرفي والتنمية الذاتية. إن تجاوز هذه العقبات لا يعني فقط اللحاق بالعالم الرقمي، بل المشاركة الفاعلة في صياغة مستقبله. والسؤال المطروح الآن هل تواجه إفريقيا جنوب الصحراء تحديات في الاستخدام الأمثل للذكاء الاصطناعي فقط؟ أم أن هناك مخاطر حقيقية جراء استخدام آليات الذكاء الاصطناعي في إفريقيا؟ يتضمن المحور التالي إجابة السؤال المطروح.

ثالثًا: خطورة استخدام آليات الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي في إفريقيا

في الوقت الذي يُنظر فيه إلى الذكاء الاصطناعي كأداة لتحفيز التنمية وتعزيز الابتكار، تبرز في المقابل جملة من المخاطر التي تهدد إفريقيا على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسيادية. فاعتماد القارة المتزايد على التقنيات الغربية يثير مخاوف من إعادة إنتاج أشكال جديدة من الهيمنة التكنولوجية، فيما يُعرف بالاستعمار الرقمي، حيث تتحكم القوى العالمية في البيانات والبنى التحتية والمعرفة التقنية. كما يطرح الذكاء الاصطناعي تحديات أخلاقية وإنسانية عميقة، تتعلق بالخصوصية وحماية البيانات والتمييز الخوارزمي، إلى جانب خطر تفاقم البطالة بسبب الأتمتة، واتساع الفجوة بين من يمتلك المعرفة التقنية ومن يفتقر إليها. هذه المخاطر تجعل من الضروري التعامل مع الذكاء الاصطناعي بوعي نقدي واستراتيجي يوازن بين التطور التكنولوجي ومتطلبات العدالة الاجتماعية والسيادة الرقمية. وفيما يلي أبرز مخاطر استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي:

أولًا، على الرغم من أن شركات التكنولوجيا العملاقة وفرّت بنية تحتية رقمية لعشرات الحكومات، بدءاً من الخدمات السحابية ووصولاً إلى حزم البريد الإلكتروني والمكاتب المتكاملة. قد قادت أمازون ومايكروسوفت هذه العملية، وتبعتهما فيسبوك وجوجل بفارق ضئيل، إلا إن قيام دولة بأكملها بتفويض خدماتها الرقمية عبر الذكاء الاصطناعي لشركة أجنبية أمر مثير للقلق. إذ لا يقتصر دور الشركة على التعامل مع وثائق حكومية بالغة الحساسية فحسب، بل تمتلك أيضاً معلومات بالغة الأهمية تتعلق بالدولة بأكملها[16].

ثانيًا، خطورة تصل إلى الفصول الدراسية؛ يوُفرّ التعليم أرضاً خصبة لهيمنة شركات التكنولوجيا الكبرى؛ إذ يمُكن استخدام تسويق المنتجات في المدارس للاستحواذ على الأسواق الناشئة وتشديد قبضة منتجات وعلامات ونماذج وأيديولوجيات شركات التكنولوجيا الكبرى في دول الجنوب العالمي. يشُاد عموماً بالجهود المبذولة لجلب التكنولوجيا إلى المدارس. لكن هذا يخُفي وراءه دبلوماسية استعمارية تقُدم للشركات أكثر مما تتطلبه لتقديم هذه الخدمات. لا يقتصر تأثير شركات التكنولوجيا المهيمنة على الطلاب الأفراد فحسب، بل تشمل أيضاً البيانات التعليمية التي أصبحت الآن في أيدي هذه الشركات، مما يسمح لها بتطوير المزيد من المنتجات التجارية بدلاً من تسهيل " موارد بيانات تعليمية مشتركة" من شأنها مساعدة الدول على تطوير خدمات رقمية للصالح العام[17].

ثالثًا، من أهم المخاطر المتعلقة بالذكاء الاصطناعي؛ احتمال فرضه دون قصد لنماذج غربية لإدارة التراث على الثقافات الإفريقية. فالعديد من أنظمة الذكاء الاصطناعي مبنية على مجموعات بيانات وخوارزميات وأطر تفسيرية تعكس المثُلُ والممارسات الغربية والأولويات التي تحُركها قوى السوق. نتيجة لذلك، قد تعجز هذه الأنظمة عن استيعاب الجوانب الفلسفية والروحية والجماعية الفريدة للتراث الإفريقي. على سبيل المثال، قد يعُاد تفسير المفاهيم الإفريقية التقليدية لملكية الأراضي، والطقوس المجتمعية، والممارسات الروحية من منظور غربي يعُطي الأولوية للفردانية، والتسليع، والقيمة المادية. بهذه الطريقة، يمُكن للذكاء الاصطناعي تجريد التقاليد الإفريقية من معانيها العميقة، مخُتزلا إياها إلى مجرد مواد استهلاكية أو ترفيهية للجمهور العالمي[18].

رابعًا، هناك مخاوف من اعتماد المستهلكون الأفارقة اعتماداً كبيراً على هذه المنصات الأجنبية. فمن خلال السيطرة على النظام البيئي الرقمي، تكتسب الكيانات الأجنبية أو شركات التكنولوجيا الكبرى نفوذاً مباشراً على المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في القارة على الرغم من أن البنى التحتية الرقمية ضرورية لتطوير المشهد الرقمي للقارة عندما تسيطر عليها جهات خارجية، إلا أنه يمكن استغلالها واستخدامها بسهولة "للسيطرة الإمبريالية على مستوى بنية النظام البيئي الرقمي" ويمكن أن تؤثر على الشركات المحلية والابتكار، فاحتكار شركات التكنولوجيا متعددة الجنسيات الأجنبية للقارة يمنحها حرية مطلقة في جمع كميات هائلة من البيانات من المستخدمين الأفارقة عبر منصاتها وخدماتها. وهذا يعني أن البيانات من المنصات والخدمات الرقمية، ووسائل التواصل الاجتماعي، ومحركات البحث، وتطبيقات الهاتف المحمول والتي غالباً ما تتطلب من المستخدمين توفير المعلومات الشخصية والتفضيلات، يتم استخراجها وجمعها وتخزينها[19].

علاوة على ذلك، عندما تعتمد إفريقيا بشكل كبير على شركات التكنولوجيا الدولية في البنية التحتية والخدمات الرقمية، يصبح خطر الاعتماد الاقتصادي على هذه الجهات الخارجية كبيرا، يمكن ربط القرارات التي تؤثر على المجتمعات المحلية بمصالح جهات أجنبية، مما قد يؤثر على المصير الاقتصادي للدول الإفريقية ويتلاعب به. فعندما تهُيمن الكيانات الأجنبية على الأسواق الرقمية وتجمع بيانات واسعة، تواجه الشركات المحلية عوائق في الدخول والمنافسة. كما تعُيق محدودية الفرص نمو شركات التكنولوجيا المحلية، إذ تمتلك الجهات الأجنبية موارد وخبرات وشبكات يصعب منُافستها. وقد تؤُدي هذه الهيمنة إلى تفاوت في الفرص، ويعُيق تطوير منظومة تكنولوجية نابضة بالحياة[20].

أيضاً في حين أن المساعي الرقمية مفيدة للمجتمع بشكل واضح، إلا أن لها جانباً مظلماً في إفريقيا. وفي هذا الصدد، فإن أحد أكثر أشكال التكنولوجيا غدراً هي التقنيات المدعومة بالذكاء الاصطناعي والتي يتم استخدمها بثبات من قبل الديكتاتوريات الرقمية، والتي تُساعد الحكومات بتتبع حريات مواطنيها والتحكم فيها وتقويضها. هناك إشارة إلى أن دول مثل جنوب إفريقيا مثل أنغولا وزيمبابوي، تسُتخدم التكنولوجيا الصينية مثل تلك التي تنتجها Cloud Walk لمراقبة المعارضين السياسيين على نطاق واسع. وفقاً لمسح عالمي أجُري عام 2020 حول التلاعب بوسائل التواصل الاجتماعي، تلجأ 81 دولة على الأقل إلى نوع محدد من أنشطة التصيد الإلكتروني، يسُمى "الجنود السيبرانية"، 13 منها دول إفريقية تعُرفّ هذه القوات بأنها "جهات حكومية أو حزبية سياسية مكلفة بالتلاعب بالرأي العام عبر الإنترنت"، وتعمل عبر منصات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر[21]. تكمن خطورة الذكاء الاصطناعي في الاعتماد شبه كلي على التكنولوجيا الأجنبية، وعلى وجه الخصوص الشركات الأمريكية والصينية في البنية التحتية والبرمجيات والمنصات. مما تقدم يمكن إيجاز المخاطر في النقاط التالية:

- المخاطر الأخلاقية؛ تخوفات من استخدام الذكاء الاصطناعي في المراقبة الجماعية أو التمييز الخوارزمي.

- فجوة رقمية متزايدة؛ على الرغم من التقدم، لا تزال العديد من المناطق الإفريقية تفتقر إلى البنية التحتية الرقمية، كانقطاعات متكررة للكهرباء، وضعف شبكات الإنترنت في مناطق كثيرة. مما يوسع الفجوة بين المناطق الحضرية والريفية، وبين الدول المتقدمة والنامية داخل القارة.

- نقص المهارات البشرية؛ تفتقر أغلب الدول الإفريقية إلى الكوادر البشرية المتخصصة في علوم البيانات والبرمجة وتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي.

- مخاوف الخصوصية واستخدام البيانات؛ ضعف الأطر القانونية والتنظيمية يجعل من حماية البيانات الشخصية تحديًا كبيرًا، في ظل احتمال سوء استخدام التكنولوجيا لأغراض غير أخلاقية أو قمعية.

- اعتماد مفرط على التكنولوجيا المستوردة؛ لا تزال معظم حلول الذكاء الاصطناعي تُستورد من الخارج، ما يعرض إفريقيا لمخاطر التبعية التكنولوجية والهيمنة الرقمية.

- غياب إطار سياسي واستراتيجي شامل؛ تفتقر معظم الدول إلى استراتيجيات وطنية واضحة تنظم استخدام الذكاء الاصطناعي، وتضمن تكامله مع أولويات التنمية المستدامة.

أن الذكاء الاصطناعي والمجال الرقمي اليوم سلاحاً ذا حدين للدول الإفريقية. فمن جهة، يتُيح وصولاً غير مسبوق للمعلومات، والتواصل الشبكي، وفرصاً للتطوير والتحديث؛ ومن جهة أخرى، يدُخل تبعيات ونقاط ضعف جٍديدة، لا سيما مع تزايد اعتماد الدول الإفريقية على التقنيات الرقمية التي تطُورّها وتسُيطر عليها جهات أجنبية في الغالب. ولا تشُكلّ هذه التبعية تحدياً لسيادة الدول الإفريقية فحسب، بل يتُير أيضاً مخاوف بشأن التوزيع غير المتكافئ لمزايا الثورة الرقمية[22].

الدور الإفريقي لمواجهة المخاطر

على الرغم من المشاكل التي تواجهها إفريقيا إلا أن القارة الإفريقية تتمتع ببيئة فريدة تمُكنّها من الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي لتعزيز النمو الاجتماعي والاقتصادي المحلي، بما في ذلك من خلال القدرة المحتملة على تجاوز البنية التحتية التكنولوجية المرتبطة بالثورة الصناعية الثالثة، وشباب متنام وحيوي مستعد للتكيف مع أشكال العمل الرقمي وريادة الأعمال الجديدة. ينبغي على الحكومات الإفريقية إعطاء الأولوية لاعتماد حلول الذكاء الاصطناعي التي تدعم تحقيق أولويات التنمية الوطنية وتساهم في بناء مجتمعات مزدهرة وشاملة[23]. ولكي تستطيع إفريقيا مواجهة المخاطر المترتبة على استخدام آليات الذكاء الاصطناعي ينبغي عليها:

اولاً: وضع استراتيجيات أساسية أهمها؛ أولاً، اتباع سياسات السيادة الرقمية: ينبغي للدول الإفريقية وضع وتنفيذ سياسات تعُطي الأولوية للسيادة الرقمية. ثانياً، قوانين حماية البيانات والخصوصية: إن تعزيز وتطبيق قوانين حماية البيانات الخصوصية من شأنه حماية بيانات المستخدمين والحد من استغلال الجهات الخارجية للبيانات الإفريقية. ثالثاً، تعزيز تقنيات المصدر المفتوح: إن تشجيع استخدام تقنيات المصدر المفتوح يمكن أن يقلل الاعتماد على البرمجيات الملكية ويزيد من السيطرة المحلية على الأدوات الرقمية. رابعاً، الاستثمار في البنية التحتية الرقمية: يعُد الاستثمار المستمر في توسيع البنية التحتية الرقمية، بما في ذلك الوصول إلى الإنترنت عالي السرعة ومراكز البيانات، أمراً ضرورياً لتقليص فجوات الاتصال. خامساً، دعم المحتوى المحلي: يمكن للحكومات والمنظمات تحفيز إنشاء واستهلاك المحتوى الرقمي المحلي، بما في ذلك التطبيقات والخدمات والمواد التعليمية. سادساً، اتفاقيات التجارة المتوازنة: ينبغي للدول الإفريقية التفاوض على اتفاقيات تجارية تحمي مصالحها الرقمية وتضمن استفادتها من المعاملات الرقمية وتدفقات البيانات.

ثانياً: تعزيز الابتكار المحلي وتنمية المهارات الرقمية من خلال أولاً، برامج التعليم والتدريب: إن تطوير برامج شاملة للتعليم والتدريب الرقمي في جميع مراحل التعليم من شأنه أن يزُود الشباب الإفريقي بالمهارات اللازمة للمشاركة في الاقتصاد الرقمي. ثانياً، الوصول إلى التمويل: ينبغي توسيع نطاق الوصول إلى رأس المال الاستثماري وآليات التمويل للشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا ومشاريع الابتكار لتشجيع الابتكار المحلي. ثالثاً، برامج محو الأمية الرقمية: تعتبر المبادرات الرامية إلى تحسين محو الأمية الرقمية بين عامة السكان ضرورية لضمان استفادة الجميع من التقنيات الرقمية. رابعاً، البحث والتطوير: إن الاستثمار في مؤسسات ومبادرات البحث والتطوير يمكن أن يدفع عجلة الابتكار والتقدم التكنولوجي في المجالات الحيوية[24].

ولكي تدُير أنظمة الذكاء الاصطناعي التراث الثقافي الإفريقي وتحافظ عليه بفعالية، يجب تصميمها بوعي عميق بالسياقات الثقافية الإفريقية. تحمل العديد من التقاليد والطقوس والقطع الأثرية الإفريقية معان مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالتاريخ المحلي والمعتقدات الروحية والممارسات الاجتماعية. لذلك، لا ينبغي تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي المطبقة في هذا المجال بمعزل عن هذه التعقيدات الثقافية؛ بل يجب أن تسترشد بالمعارف المحلية وأن تسترشد بخبراء يدركون الأدوار الرمزية والوظيفية للتراث في المجتمعات الإفريقية. وبدون هذه الحساسية الثقافية، فإن الذكاء الاصطناعي يخاطر بتشويه أو تقليص ثراء التراث الإفريقي إلى مجرد نقاط بيانات، مما يؤدي إلى فقدان المعنى الدقيق الذي يشكل ضرورة للتفسير الأصيل. لتطوير ذكاء اصطناعي يراعي الثقافات، من الضروري إشراك المجتمعات المحلية والجهات المعنية بالثقافة في تصميم أنظمة الذكاء الاصطناعي وتنفيذها. يضمن هذا النهج التشاركي توافق التكنولوجيا مع أنظمة المعرفة المحلية واحترام سلامة القطع الأثرية والتقاليد التي تسعى إلى الحفاظ عليها. وبهذه الطريقة، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يعمل كأداة داعمة تعمل على تعزيز السياقات الثقافية التي يتجسد فيها التراث الإفريقي بدلا من تقويضها[25].

إن المخاطر المرتبطة بالذكاء الاصطناعي في إفريقيا لا تكمن في التقنية ذاتها، بل في طبيعة السياقات التي تُطبَّق فيها. فحين تُدار التكنولوجيا خارج إطار من الحوكمة الرشيدة والسيادة المعرفية، تتحول إلى أداة لتكريس التبعية بدل أن تكون وسيلة للتحرر. من هنا، يتوجب على الدول الإفريقية تطوير سياسات رقمية مستقلة تُخضع الذكاء الاصطناعي لمبادئ الأمن السيبراني، وحماية الخصوصية، والعدالة الاجتماعية، وتضمن مشاركة المواطنين في رسم ملامح المستقبل الرقمي. إن مواجهة هذه المخاطر ليست خيارًا تقنيًا فحسب، بل هي معركة من أجل السيادة والكرامة المعرفية للقارة الإفريقية في عالم تحكمه البيانات والخوارزميات.

من خلال هذا العرض يتضح أن الذكاء الاصطناعي يمثل فرصة تاريخية لإفريقيا لتحقيق قفزة نوعية في مجالات التنمية المستدامة، إذا ما تم توظيفه بطريقة عادلة وشاملة. فرغم التحديات البنيوية والتقنية التي تواجهها القارة، فإن الإمكانات الكامنة في شبابها، وغناها بالموارد، وتنامي الوعي السياسي، تشكل عناصر قوة يمكن استثمارها لبناء مستقبل رقمي متوازن. يتطلب الأمر توجيه الاستثمارات نحو التعليم التكنولوجي، وبناء البنية التحتية الرقمية، ووضع سياسات أخلاقية وتشريعية تحكم استخدام الذكاء الاصطناعي بما يخدم المصلحة العامة. إن التحول الرقمي في إفريقيا ليس خيارًا، بل ضرورة استراتيجية، ويبقى نجاحه مرهونًا بالقدرة على تكييف التكنولوجيا مع السياق المحلي واحتياجات المجتمعات الإفريقية. فالذكاء الاصطناعي فرصة لبناء إفريقيا رقمية قادرة على المشاركة الفاعلة في صياغة مستقبلها ومكانتها في العالم. وعلى الرغم من التحديات الكبيرة التي تواجه إفريقيا في طريق التحول الرقمي، فإن القارة تمتلك إمكانات واعدة يمكن أن تجعل منها فاعلًا مهمًا في الاقتصاد الرقمي العالمي.

***

بواسطة/ دعاء عبد النبي حامد

باحثة دكتوراه تخصص فلسفة إفريقية حديثة ومعاصرة – كلية الآداب جامعة القاهرة- مصر

..........................

[1] - Ade-Ibijola, Abejide & Okonkwo, Chinedu. (2023). Artificial Intelligence in Africa: Emerging Challenges. In Responsible AI in Africa, Social and Cultural. Palgrave Macmillan. P. 103.

[2] - Artificial Intelligence for Africa: An Opportunity for Growth, Development, and Democratisation. P.4.

[3] - Nyugha, Lord Pefela Gildas. (2024). The Importance of Artificial Intelligence to Africa's Development Process: Prospects and Challenges. P. 22. https://www.researchgate.net/publication/384243740

[4] - Ibid. P. 19.

[5] - Ibid. P. 20.

[6] - Ogunbukola, Matthew. (2024). Digital Africa: Transforming the Continent through Technology. P. 9. https://www.researchgate.net/publication/381339406

[7] - NDUBISI, Ejikemeuwa J. O. (2024). ARTIFICIAL INTELLIGENCE AND THE MANAGEMENT OF AFRICAN CULTURAL HERITAGE: TOWARDS ECONOMIC GROWTH AND DEVELOPMENT. Journal of African Studies and Sustainable Development Vol. 7, No. 5. P. 173.

[8] - Susan Brokensha, Eduan Kotzé, Burgert A. Senekal. (2023). AI in and for Africa A Humanistic Perspective. CRC Press. P. 74.

[9] - Ogunbukola, Matthew. (2024). Digital Africa: Transforming the Continent through Technology. P. 4.

[10] - Ade-Ibijola, Abejide & Okonkwo, Chinedu. (2023(. P. 110.

[11] - Ogunbukola, Matthew. (2024). P. 4.

[12] - Ibid.

[13] - NDUBISI, Ejikemeuwa J. O. (2024). P. 173.

[14] - Ade-Ibijola, Abejide & Okonkwo, Chinedu. (2023). P. 111.

[15] - Ogunbukola, Matthew. (2024). P. 4.

[16] - Avila, Renata. (2020). Against Digital Colonialism. Platforming Equality. P. 3. https://autonomy.work/wp-content/uploads/2020/09/Avila.pdf

[17] - Ibid. P. 4.

[18] - NDUBISI, Ejikemeuwa J. O. (2024). P. 179.

[19] - Salami, Aishat Oyenike. (2024). Artificial intelligence, digital colonialism, and the implications for Africa’s future development. P. 2, 3. https://www.researchgate.net/publication/386431459_Artificial_intelligence_digital_colonialism_and_the_implications_for_Africa's_future_development

[20] - Salami, Aishat Oyenike. (2024). P. 6.

[21] - Susan Brokensha, Eduan Kotzé, Burgert A. Senekal. (2023). AI in and for Africa A Humanistic Perspective. CRC Press. P. 51.

[22]  - Navigating Digital Neocolonialism in Africa. (2024). CIGI. Tyler Stevenson.  P. 1.

[23] - ADAMS, RACHEL. (2022). AI in Africa KEY CONCERNS AND POLICY CONSIDERATIONS FOR THE FUTURE OF THE CONTINENT. P. 3.

[24] - Salami, Aishat Oyenike. (2024). P. 8, 9.

[25] - NDUBISI, Ejikemeuwa J. O. (2024). ARTIFICIAL INTELLIGENCE AND THE MANAGEMENT OF AFRICAN CULTURAL HERITAGE: TOWARDS ECONOMIC GROWTH AND DEVELOPMENT. Journal of African Studies and Sustainable Development Vol. 7, No. 5. P. 174.

 

مقدمة: تخيّل أن ثلاجتك تُرسل لك إشعارًا بأن الحليب على وشك النفاد، أو أن سيارتك تحجز موعد صيانتها بنفسها، أو أن منزلك يُطفئ الأنوار تلقائيًا عندما تخرج منه. ما يبدو وكأنه مشهد من أفلام الخيال العلمي، أصبح واقعًا نعيشه اليوم، بفضل ما يُعرف بـ"إنترنت الأشياء" أو Internet of Things (IoT) .

في العصر الرقمي، لم تعد الأجهزة مجرد أدوات جامدة، بل تحوّلت إلى كيانات "ذكية" قادرة على التفاعل، والتحليل، واتخاذ قرارات بسيطة دون تدخل بشري مباشر. إنها ثورة تكنولوجية هادئة، لكنها تُغيّر وجه الحياة الحديثة من جذورها.

ما هو إنترنت الأشياء؟

"إنترنت الأشياء" هو مصطلح يُطلق على شبكة من الأجهزة المتصلة بالإنترنت والقادرة على جمع البيانات وتبادلها وتنفيذ أوامر محددة باستخدام البرمجيات والمستشعرات. هذه "الأشياء" يمكن أن تكون أي جهاز مادي: من الهواتف والأجهزة المنزلية، إلى السيارات، والكاميرات، وحتى آلات المصانع والأجهزة الطبية.

وببساطة، فإن كل شيء يمكن أن يُربط بالإنترنت، من الممكن أن يصبح جزءًا من هذا النظام الذكي، ليؤدي دورًا ضمن شبكة متكاملة من البيانات والتفاعل المستمر.

أمثلة من الواقع: من المنزل إلى المدينة الذكية

تتعدد تطبيقات إنترنت الأشياء لتشمل جميع جوانب الحياة:

1.  في المنازل الذكية:

- أجهزة التكييف تُضبط تلقائيًا حسب درجة الحرارة المحيطة.

- الأنظمة الأمنية تُرسل تنبيهات مباشرة إلى الهاتف عند اكتشاف حركة غير معتادة.

- المصابيح تُضاء وتُطفأ بناءً على وجود الأشخاص.

2.  في قطاع الصحة:

- أجهزة قابلة للارتداء تراقب نبضات القلب ومستوى النشاط.

- أدوات طبية تُرسل بيانات المريض إلى الطبيب لحظيًا.

- أسرّة استشفائية تتفاعل مع وضع المريض لتقليل التقرحات وتحسين الراحة.

3.  في الزراعة الذكية:

- مستشعرات في التربة تقيس الرطوبة وتُحدد الوقت الأمثل للري.

- طائرات بدون طيار تراقب صحة النباتات وتُبلغ المزارع بأي مشكلة.

4.  في المدن الذكية:

- أعمدة إنارة تُضاء فقط عند مرور السيارات لتوفير الطاقة.

- حاويات نفايات تُرسل إشعارًا عند امتلائها.

- أنظمة مرور تتفاعل مع الكثافة المرورية لتقليل الازدحام.

الجانب الاقتصادي: فرص بمليارات الدولارات

يتوقع الخبراء أن يصل عدد أجهزة إنترنت الأشياء حول العالم إلى أكثر من 75 مليار جهاز بحلول عام 2025، مقارنة بـ 8.7 مليار جهاز فقط في عام 2020. وهذا النمو يُترجم إلى فرص استثمارية ضخمة، وفتح أسواق جديدة، وخلق وظائف في مجالات البرمجة، والتحليل، والأمن السيبراني، والصيانة الذكية.

وقد بدأت الشركات الكبرى بالفعل في الاستثمار بقوة في هذا القطاع، حيث تسعى إلى تحسين الإنتاجية، وخفض التكاليف، وتقديم تجارب مخصصة للعملاء.

المخاطر والتحديات: الوجه الآخر للتكنولوجيا

رغم المزايا الهائلة، إلا أن إنترنت الأشياء لا يخلو من التحديات والمخاوف، وأهمها:

1.  الخصوصية:

مع اتساع نطاق جمع البيانات، تظهر تساؤلات مشروعة حول من يمتلك هذه المعلومات؟ وكيف يتم استخدامها؟ وهل يمكن اختراقها؟

2.  الأمن السيبراني:

كل جهاز متصل بالإنترنت هو بوابة محتملة للاختراق. وفي ظل ضعف الحماية لبعض الأجهزة البسيطة، قد يُستغل الأمر في تنفيذ هجمات رقمية واسعة النطاق.

3.  التوافق والمعايير:

لا تزال صناعة إنترنت الأشياء تُعاني من غياب المعايير الموحدة، ما يُصعّب من توافق الأجهزة مع بعضها.

4.  الاعتماد المفرط على التقنية:

الاعتماد الزائد على الأنظمة الذكية قد يجعل الأفراد والمجتمعات عرضة للشلل في حال تعطل هذه الأنظمة.

العالم العربي وإنترنت الأشياء: خطوات على الطريق

بدأت العديد من الدول العربية في احتضان تقنيات إنترنت الأشياء ضمن استراتيجيات التحول الرقمي. فالمملكة العربية السعودية، ضمن "رؤية 2030"، تعمل على إنشاء مدن ذكية مثل نيوم، التي تقوم بنيتها التحتية على تقنيات متقدمة تشمل إنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي. وفي الإمارات، تُستخدم أنظمة ذكية في البنية التحتية، والمواصلات، وإدارة الطاقة.

لكن رغم هذه الخطوات الإيجابية، لا تزال هناك حاجة لمزيد من الاستثمار في البنية التحتية الرقمية، وبناء القدرات البشرية، وتطوير التشريعات التي تُنظم استخدام هذه التقنية وتحمي الخصوصية والحقوق.

خاتمة: مستقبلنا متصل... فهل نحن مستعدون؟

إن إنترنت الأشياء ليس مجرد تقنية جديدة، بل هو تحول شامل في طريقة تفاعل الإنسان مع الأشياء من حوله. إنه يعِدُنا بعالم أكثر ذكاءً وكفاءة، لكن في المقابل، يفرض علينا مسؤوليات جديدة في التعامل مع البيانات، وتأمين البنية التحتية، وتحديد الحدود الأخلاقية للتكنولوجيا.

في هذا العالم الجديد، لا تكمن القوة في الأجهزة، بل في البيانات التي تجمعها، والطريقة التي يتم بها استخدامها لخدمة الإنسان، لا للسيطرة عليه.

وعليه، فإن نجاح إنترنت الأشياء لا يعتمد فقط على الابتكار التقني، بل على مدى قدرتنا كمجتمعات على إدارة هذه الثورة الرقمية بوعي، وذكاء، وأخلاقيات راسخة.

***

ايمان دواس

 

استراتيجية حتمية للحد من الاحتباس الحراري

مقدمة: في زمن يتسارع فيه التغير المناخي وتُسجّل فيه درجات الحرارة معدلات قياسية سنة بعد أخرى، لم يعد الحديث عن الطاقة النظيفة خيارًا بيئيًا نخبويًا، بل ضرورة استراتيجية تمسّ الأمن العالمي، والاقتصادات الوطنية، ومستقبل الحياة على كوكب الأرض.

الاحتباس الحراري ليس ظاهرة مستقبلية كما كان يُظنّ في العقود السابقة، بل هو واقع يفرض نفسه بقوة اليوم. ويكاد يجمع العلماء والباحثون على أن الحل الجوهري والجذري يكمن في التحوّل الشامل والعادل إلى مصادر الطاقة النظيفة، كوسيلة رئيسية لكبح جماح الانبعاثات الكربونية، واحتواء الاحترار العالمي.

ما هو الاحتباس الحراري؟ ولماذا الطاقة في قلب المشكلة؟

يحدث الاحتباس الحراري عندما تتراكم الغازات الدفيئة (مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان) في الغلاف الجوي، فتمتص الحرارة وتمنعها من التسرّب إلى الفضاء، مما يؤدي إلى ارتفاع متوسط درجات الحرارة على الأرض.

تُعد مصادر الطاقة الأحفورية (النفط، الفحم، الغاز الطبيعي) مسؤولة عن أكثر من 75% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري عالميًا، وذلك بسبب استخدامها في توليد الكهرباء، النقل، الصناعة، والتدفئة.

إذن، التحوّل إلى الطاقة المتجددة — مثل الشمس، الرياح، الطاقة المائية، والطاقة الحرارية الجوفية — هو في صميم أي استراتيجية فاعلة لمعالجة الأزمة المناخية.

الطاقة النظيفة: أكثر من مجرد بديل

التحول إلى الطاقة النظيفة لا يعني فقط تبديل نوع الوقود، بل هو نقلة نوعية شاملة في نمط الإنتاج، والبنية التحتية، والسياسات الاقتصادية.

أهم ميزات الطاقة النظيفة:

- انعدام الانبعاثات الكربونية أثناء التشغيل.

- مصادر مستدامة وغير ناضبة، عكس الوقود الأحفوري.

- توفر على المدى الطويل، مع انخفاض تكلفة الإنتاج بفضل التطور التكنولوجي.

- تحفيز الابتكار وفرص العمل الجديدة، خصوصًا في مجالات تركيب وصيانة أنظمة الطاقة الشمسية والرياح.

- تقليل الاعتماد على الوقود المستورد، وتعزيز الأمن الطاقي للدول.

لكن رغم هذه المزايا، لا يزال العالم يواجه تحديات كبيرة في تنفيذ هذا التحوّل.

تحديات التحوّل الطاقي: من البنية إلى الإرادة

1. البنية التحتية القديمة

معظم شبكات الكهرباء حول العالم صُممت لتعمل مع محطات تقليدية تعتمد على الفحم أو الغاز. إدماج مصادر متقطعة مثل الشمس والرياح يتطلب تحديثات واسعة في الشبكات، وتخزين الطاقة، وإدارة الأحمال.

2. الكلفة الأولية

رغم انخفاض تكاليف تقنيات الطاقة المتجددة بشكل كبير في السنوات الأخيرة، إلا أن الاستثمار الأولي في محطات جديدة أو بناء شبكات ذكية لا يزال يمثل عائقًا أمام العديد من الدول النامية.

3. الضغوط الجيوسياسية واللوبي الصناعي

لا يمكن تجاهل تأثير المصالح الاقتصادية لشركات النفط الكبرى، التي تملك نفوذًا سياسيًا وإعلاميًا، قد يعيق أو يؤخّر عمليات الانتقال الطاقي، خاصة في الدول التي تعتمد ميزانياتها على صادرات الوقود الأحفوري.

4. الفجوة بين الدول الغنية والفقيرة

بينما تمتلك الدول الصناعية الموارد للتحديث السريع، فإن الدول النامية بحاجة إلى دعم مالي وتقني لتجنّب الوقوع في فخ "الطاقة القذرة" بسبب التكاليف الأرخص للوقود الأحفوري.

أمثلة من الواقع: كيف تغيّرت المعادلة؟

- السويد: تسير بثبات نحو أن تكون أول دولة خالية من الوقود الأحفوري بحلول 2045، بفضل استثمارات ضخمة في الطاقة المائية والرياح والنقل الكهربائي.

- الصين: أكبر مستهلك للفحم، لكنها أيضًا أكبر مستثمر عالمي في الطاقة الشمسية والرياح، وتسعى لخفض انبعاثاتها تدريجيًا لتبلغ ذروتها بحلول 2030، وتصل إلى الحياد الكربوني في 2060.

- الإمارات العربية المتحدة: استثمرت بقوة في الطاقة الشمسية، وبنت واحدة من أكبر محطات الطاقة الشمسية في العالم (مجمع محمد بن راشد للطاقة الشمسية في دبي)، في خطوة تُظهر تحوّلًا استراتيجيًا في المنطقة.

الطاقة النظيفة كفرصة تنموية واقتصادية

بعيدًا عن البعد البيئي، يشكل التحول نحو الطاقة المتجددة فرصة اقتصادية ضخمة، خصوصًا للدول ذات الموارد الشمسية أو الرياحية الغنية.

بحسب تقرير للوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA)، فإن التحول الكامل نحو مصادر طاقة نظيفة يمكن أن يوفّر نحو 122 مليون وظيفة بحلول عام 2050، معظمها في مجالات التصنيع، التركيب، والتشغيل.

كما أن الاعتماد على مصادر طاقة محلية يقلل من تقلبات أسعار النفط العالمية، ويُحصّن الاقتصادات من الأزمات السياسية التي تؤثر في سلاسل التوريد.

هل التحوّل كافٍ وحده للحد من الاحتباس الحراري؟

الإجابة المختصرة: لا.

التحوّل الطاقي هو العمود الفقري لحل الأزمة المناخية، لكنه ليس كافيًا وحده. المطلوب هو مقاربة شاملة تشمل:

- تحسين كفاءة الطاقة في المباني والمصانع.

- التحوّل إلى النقل الكهربائي.

- تقليل الهدر الغذائي، وتغيير بعض أنماط الاستهلاك.

- دعم الزراعة المستدامة والغابات كمصارف كربون طبيعية.

- تغييرات في سلوك الأفراد والشركات والمؤسسات.

العدالة المناخية: لا تحوّل بلا مساواة

من المهم أن يتم هذا التحول بطريقة عادلة ومنصفة. على الدول الصناعية، التي تسببت تاريخيًا في معظم الانبعاثات، أن تقدم دعمًا حقيقيًا للبلدان النامية، عبر:

- نقل التكنولوجيا النظيفة.

- تمويل المشاريع المستدامة.

- إلغاء ديون مقابل مشاريع بيئية.

- تدريب الكوادر البشرية في القطاعات الجديدة.

خاتمة: نافذة الأمل لا تزال مفتوحة

رغم التحديات، فإن العالم أمام فرصة حقيقية لإعادة ضبط مساره. التكنولوجيا موجودة، والوعي يتزايد، والدعم السياسي بدأ يتشكل في أكثر من ساحة.

إن التحوّل نحو الطاقة النظيفة ليس مجرد حلّ بيئي، بل رؤية حضارية لمستقبلٍ أفضل: مستقبل يكون فيه النمو متوافقًا مع الاستدامة، والتطور الاقتصادي متناغمًا مع حماية الكوكب.

السؤال ليس ما إذا كان علينا التحوّل، بل: هل سنفعل ذلك في الوقت المناسب؟

***

ايمان دواس

للوجود طاقة من خلالها يتكوّن. من دون طاقة يستحيل أن يوجد الوجود. فأيّ موجود يحتاج إلى طاقة لكي يوجد. ومن الممكن التعبير عن طاقة الوجود على النحو التالي: طاقة الوجود × صفر = صفراً. يمتلك هذا القانون قدرات تفسيرية ناجحة مما يدلّ على صدقه.

الوجود اللا مُحدَّد

بما أنَّ طاقة الوجود × صفر = صفراً، إذن طاقة الوجود = صفراً ÷   صفر. لكن الصفر مقسوم (رياضياً) على صفر نتيجته غير مُحدَّدة. بذلك طاقة الوجود غير مُحدَّدة. هكذا يتضمن القانون القائل بأنَّ طاقة الوجود × صفر = صفراً أنَّ طاقة الوجود غير مُحدَّدة. وبما أنَّ طاقة الوجود غير مُحدَّدة، إذن من المتوقع أن يكون الوجود غير مُحدَّد لأنه يتكوّن على ضوء طاقته غير المُحدَّدة مما يفسِّر لماذا من غير المُحدَّد إن كان الجُسيم (كالإلكترون) جُسيماً أم موجة. هكذا ينجح القانون القائل بأنَّ طاقة الوجود × صفر = صفراً في تفسير لماذا الوجود غير مُحدَّد مما يشير إلى أنه قانون صادق.

كما أنَّ فرضية لا مُحدَّدية الوجود ناجحة في تفسير لماذا تنجح النظريات العلمية المتعدّدة في وصف الكون وتفسيره رغم الاختلاف والتعارض فيما بينها. فبما أنَّ الوجود غير مُحدَّد، إذن من المتوقع أن تنجح نظريات علمية متعدّدة ومتنوّعة في وصف الكون وتفسيره رغم الاختلاف والتعارض فيما بينها (كتفسيره على أنه مادي كأن يكون متكوِّناً من ذرات مادية وتفسيره على أنه مجرّد كأن يكون متكوِّناً من معلومات مجرّدة كما وَرَد ذلك لدى الفيزيائي جون ويلر [1]). إن كان الوجود مُحدَّداً فحينئذٍ ستنجح نظرية علمية واحدة فقط. من هنا، لا مُحدَّدية الوجود تؤدي إلى نجاح نظريات علمية مختلفة ومتعارضة. هكذا تتمكّن فرضية لا مُحدَّدية الوجود من تفسير نجاح النظريات العلمية المختلفة في وصف وتفسير الكون رغم التعارض فيما بينها مما يدلّ على صدق تلك الفرضية على ضوء نجاحها التفسيري.

الأكوان المتعدّدة والمختلفة

بالنسبة إلى بعض العلماء كالفيزيائي ستيفن هوكنغ، توجد أكوان موازية عديدة ومختلفة [2]. أما القانون الفيزيائي السابق فينجح في تفسير لماذا توجد الأكوان الموازية المتعدّدة والمختلفة بحقائقها وقوانينها الطبيعية. فبما أنَّ القانون القائل بأنَّ   "طاقة الوجود × صفر = صفراً" يتضمن لا مُحدَّدية الوجود، إذن من المتوقع أن يحتوي الوجود على حقائق مختلفة وقوانين طبيعية متعارضة (من جراء أنه وجود غير مُحدَّد) مما يؤدي إلى نشوء أكوان متعدّدة ومتنوّعة حاوية على تلك الحقائق والقوانين الطبيعية المختلفة (و ذلك لاستحالة أن توجد الحقائق والقوانين الطبيعية المتعارضة في كون واحد أحد وإلا أمسى هذا الكون كوناً متناقضاً). هكذا ينجح القانون السابق في تفسير لماذا توجد الأكوان المتعدّدة والمختلفة بحقائقها وقوانينها الطبيعية فيكتسب صدقه بفضل نجاحه التفسيري.

الخلق المستمر

بما أنَّ طاقة الوجود غير مُحدَّدة، إذن من المتوقع أن يوجد الكون ويفنى في آن وكأنه لم يوجد ليولد من جديد ويفنى بأقل من ثانية وفي صيرورة مستمرة من التكوّن والزوال وإلا كانت طاقة الوجود إما مُحدَّدة ببناء وإبقاء الكون وإما مُحدَّدة بإزالة وإفناء الكون. وهذا مضمون الخلق المستمر. فالكون يولد ويفنى في أقل من ثانية ليعاود ولادته وزواله باستمرار في أقل من ثانية وكأنه جُسيم افتراضي. بهذا المعنى، الكون في مقام فناء وبعث متكرّر.

يرينا القانون الفيزيائي السابق كيف أنَّ الكون في صيرورة فناء وبقاء مستمرة فيولد ويفنى ليولد من جديد ويفنى في ديمومة ولادة وزوال مستمرة. فبما أنَّ طاقة الوجود × صفر = صفراً بينما الصفر طاقة العدم، إذن طاقة الوجود × طاقة العدم = صفراً. وبذلك الصفر = طاقة الوجود × طاقة العدم. من هنا، الصفر (الذي يرمز إلى العدم) يتضمن الوجود بتضمن طاقة الوجود ويتضمن العدم بتضمن طاقة العدم مما يحتِّم وجود الكون في مقام الوجود وفي مقام العدم في آن مما يتضمن بدوره ولادة الكون وزواله باستمرار.

الكون وهم مستتر

على ضوء الاعتبارات السابقة، الكون وهم مستتر والوهم كون مُضمَر. فمن غير المُحدَّد إن كان الوجود موجوداً أم غير موجود (من جراء وجوده في مقام الوجود ومقام العدم في الوقت عينه) مما يفسِّر لماذا ننجح في وصفه على أنه موجود ومتكوِّناً مثلاً من ذرات مادية ولماذا ننجح في الوقت نفسه في وصفه على أنه غير موجود بالفعل كأن يكون صورة ثلاثية الأبعاد (كما وَرَد ذلك في مبدأ الهولوغرام العلمي لدى بعض العلماء كالفيزيائي ليونارد سسكيند القائل بأنَّ الكون هولوغرام [3] ). هكذا يكتسب الطرح العلمي السابق قدرته التفسيرية الناجحة مما يعزِّز صدقه.

قانون علمي

القانون القائل بأنَّ "طاقة الوجود × صفر = صفراً" هو قانون علمي لأنه قابل للاختبار. فبما أنَّ هذا القانون يتضمن لا مُحدَّدية طاقة الوجود، إذن من المستحيل الحصول على قياس يقيني ودقيق لطاقة الوجود أو طاقة أيّ موجود لكونها طاقة غير مُحدَّدة. من هنا، إن كان من الممكن الحصول على قياس يقيني ودقيق لطاقة الوجود أو طاقة أيّ موجود، فحينئذٍ القانون السابق كاذب. وبذلك هو قانون قابل للاختبار مما يجعله قانوناً علمياً على ضوء إمكانية اختباره.

***

حسن عجمي

......................

المراجع

[1] James Gleick: The Information. 2011. Pantheon Books.

[2] Stephen Hawking and Leonard Mlodinow: The Grand Design. 2012. Bantam.

[3] Leonard Susskind (Author) and James Lindesay (Contributor): An Introduction to Black Holes, Information and the String Theory Revolution: The Holographic Universe. 2004. World Scientific Publishing Company.

ثمة قوانين ناجحة في التعبير عن لا مُحدَّدية الكون منها القانون الفيزيائي التالي: الطاقة × صفر = صفراً. هذا يعني أنَّ الطاقة مضروبة (رياضياً) بالصفر تساوي صفراً. وهذا القانون من قوانين لا مُحدَّدية الكون لأنه يتضمن أنَّ الكون غير مُحدَّد.

بما أنَّ الطاقة × صفر = صفراً، إذن الطاقة = صفراً ÷   صفر. ولكن الصفر مقسوم (رياضياً) على صفر نتيجته غير مُحدَّدة. بذلك الطاقة غير مُحدَّدة. لكن إن كان الكون يتكوّن على ضوء طاقته بينما طاقته غير مُحدَّدة، فحينئذٍ الكون غير مُحدَّد كأن يكون من غير المُحدَّد إن كانت الجُسيمات (كالإلكترونات) جُسيمات أم موجات نقائض الجُسيمات. هكذا ينجح القانون الفيزيائي السابق في تفسير لماذا الكون غير مُحدَّد كأن يكون من غير المُحدَّد إن كان الجُسيم (كالإلكترون) جُسيماً أم موجة. وعلى أساس هذا النجاح يكتسب القانون الفيزيائي السابق صدقه. فبما أنَّ الطاقة × صفر = صفراً مما يتضمن أنَّ طاقة الكون غير مُحدَّدة، إذن من الطبيعي أن يكون الكون غير مُحدَّد (لأنه يتكوّن على ضوء طاقته غير المُحدَّدة). من هنا، ينجح القانون القائل بأنَّ "الطاقة × صفر = صفراً" في تفسير لا مُحدَّدية الكون. من المنطلق نفسه، الكتلة × صفر = صفراً كما أنَّ السرعة × صفر = صفراً مما يتضمن لا مُحدَّدية الكتلة ولا مُحدَّدية السرعة (فالقانون الأول يتضمن أنَّ الكتلة = صفراً ÷   صفر والقانون الثاني يتضمن أنَّ السرعة = صفراً ÷   صفر بينما الصفر مقسوم على صفر نتيجته غير مُحدَّدة). هذه القوانين المُعبِّرة عن لا مُحدَّدية الطاقة والكتلة والسرعة تنجح في تفسير لماذا لا يوجد قياس دقيق لطاقة وكتلة وسرعة أيّ جُسيم.

العلماء ناجحون فقط في الحصول على قياس تقريبي لطاقة وكتلة وسرعة أيّ جُسيم فالعلوم خالية من اليقينيات [1]. أما القوانين الفيزيائية السابقة فناجحة في تفسير ذلك على النحو التالي: بما أنَّ الطاقة × صفر = صفراً، والكتلة × صفر = صفراً، والسرعة × صفر = صفراً وبذلك الطاقة والكتلة والسرعة غير مُحدَّدة، إذن من المتوقع استحالة الحصول على قياس دقيق ومُحدَّد لطاقة وكتلة وسرعة أيّ جُسيم من جراء لا مُحدَّدية الطاقة والكتلة والسرعة. هكذا تنجح القوانين الفيزيائية السابقة في تفسير لماذا لا توجد قياسات دقيقة ومُحدَّدة لطاقة وكتلة وسرعة أيّ جُسيم. وهذا النجاح التفسيري يشير إلى صدق القوانين الفيزيائية السابقة.

من المنطلق نفسه، بالنسبة إلى مبدأ اللايقين للفيزيائي هايزنبرغ، من المستحيل قياس سرعة ومكان الجُسيم في آن فكلما ازدادت دقة قياسنا لسرعة الجُسيم قلّت دقة قياسنا لمكانه والعكس صحيح مما يتضمن أيضاً استحالة قياس كتلة وطاقة الجُسيم ومكانه في آن من جراء ارتباط سرعة الجُسيم بكتلته وطاقته [2] . وهذه الاستحالات متوقعة لأنَّ طاقة وكتلة وسرعة أيّ جُسيم غير مُحدَّدة كما تقول القوانين الفيزيائية السابقة مما يدلّ على مصداقيتها وصدقها. فبما أنَّ طاقة وكتلة وسرعة أيّ جُسيم غير مُحدَّدة كما تؤكِّد على ذلك القوانين السابقة، إذن من المتوقع استحالة الحصول على قياس دقيق لسرعة وكتلة وطاقة الجُسيم ومكانه (المرتبط بسرعته). هكذا تنجح القوانين الفيزيائية السابقة في التعبير عن مبدأ اللايقين العلمي مما يعزِّز صدقها.

من جهة أخرى، طاقة وكتلة وسرعة أيّ جُسيم متغيّرة ومثل ذلك أنَّ مع زيادة سرعة الجُسيم تزداد كتلته وطاقته [3]. وهذا يشير إلى أنَّ طاقة وكتلة وسرعة أيّ جُسيم غير مُحدَّدة تماماً كما تقول القوانين الفيزيائية السابقة مما يدلّ على أنها قوانين صادقة. إن كانت طاقة وكتلة وسرعة الجُسيم مُحدَّدة، فحينئذٍ لن تتغيّر طاقته وسرعته وكتلته لكونها مُحدَّدة. ولكنها تتغيّر. بذلك طاقة وكتلة وسرعة الجُسيم غير مُحدَّدة. وبما أنَّ االقوانين الفيزيائية السابقة (ألا وهي أنَّ الطاقة × صفر = صفراً، والكتلة × صفر = صفراً، والسرعة × صفر = صفراً) تتضمن أنَّ طاقة وكتلة وسرعة أيّ جُسيم غير مُحدَّدة، إذن من الطبيعي أن تتغيّر طاقة وكتلة وسرعة أيّ جُسيم من جراء لا مُحدَّدية طاقته وكتلته وسرعته (فإن كانت مُحدَّدة فلن تتغيّر). هكذا تنجح القوانين السابقة في تفسير لماذا تتغيّر طاقة وكتلة وسرعة أيّ جُسيم. وهذا النجاح دليل إضافي على مصداقية القوانين السابقة وصدقها.

القوانين السابقة علمية لأنها قابلة للاختبار. فبما أنَّ القوانين القائلة بأنَّ الطاقة × صفر = صفراً، والكتلة × صفر = صفراً، والسرعة × صفر = صفراً تتضمن أنَّ الطاقة والكتلة والسرعة غير مُحدَّدة، إذن إذا تمكّنا من الحصول على تحديد صادق ويقيني ودقيق لطاقة وكتلة وسرعة أيّ جُسيم فحينئذٍ القوانين السابقة كاذبة. من هنا، تلك القوانين السابقة قابلة للاختبار مما يجعلها قوانين علمية.

***

حسن عجمي

.......................

المراجع

[1] Carlo Rovelli: “Science Is Not about Certainty” published in “The Universe”. John Brockman (Editor). 2014. HarperCollins Publishers.

[2] David Lindley (Author): Uncertainty: Einstein, Heisenberg, Bohr, and the Struggle for the Soul of Science. 2008. Anchor Books.

[3] Albert Einstein (Author): Relativity: The Special and The General Theory. 2023. Fingerprint Publishing.

 

بين التوظيف الرأسمالي الاقتصادي والبديل الاشتراكي الإنساني

(سيكون ابتكار الذكاء الاصطناعي أعظم حدث في تاريخ البشرية. ولكنه قد يكون الحدث الأعظم أيضًا)... ستيفن هوكينج

مقدمة: في عصرنا الحالي، حيث يتسارع تطور تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بوتيرة غير مسبوقة، يبرز تساؤل أساسي حول طبيعة توظيف هذه التكنولوجيا: هل هي أداة لتعزيز الاستغلال الرأسمالي، أم يمكن تحويلها إلى وسيلة لتحقيق عدالة اجتماعية وإنسانية؟ هذه الدراسة الأكاديمية الاستشرافية تهدف إلى استكشاف هذا الثنائي من منظور نقدي، مستندة إلى النظريات الاقتصادية السياسية، خاصة التحليل الماركسي، مع التركيز على التأثيرات المستقبلية حتى عام 2030 وما بعده. سنقارن بين نموذج التوظيف الرأسمالي، الذي يركز على الربحية والتراكم الرأسمالي، والبديل الاشتراكي الإنساني، الذي يعيد توجيه التكنولوجيا نحو الاحتياجات الجماعية. المنهج المعتمد هنا تحليلي استشرافي، يجمع بين البيانات التاريخية والحالية من مصادر أكاديمية وتقارير عالمية، مع الاستناد إلى نماذج تنبؤية مثل تقارير صندوق النقد الدولي ودراسات ماركسية حديثة. الهدف ليس التنبؤ المطلق، بل استكشاف السيناريوهات المحتملة لتشجيع النقاش حول مستقبل العمل والاقتصاد. في الواقع"يطرح الذكاء الاصطناعي سؤالاً جوهرياً: هل نريد أن نصنع آلات تفكر مثلنا، أم أن نصبح آلات بلا مشاعر؟"، فكيف يتم توظيف تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي؟ وماهي حدود هذا التوظيف؟

1. التوظيف الرأسمالي الاقتصادي لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي

""لعلّ الذكاء الاصطناعي هو أهمّ ما ابتكرته البشرية على الإطلاق. أراه أعمق من اكتشاف النار أو الكهرباء."

في النموذج الرأسمالي، يُنظر إلى الذكاء الاصطناعي كـ"تكنولوجيا عامة" تعزز الإنتاجية والربحية، لكنها في الوقت نفسه تعمق التناقضات الرأسمالية. يعتمد هذا النموذج على استخراج البيانات كسلعة أساسية، مما يؤدي إلى تركيز السلطة في يد شركات التكنولوجيا الكبرى مثل جوجل وأمازون ومايكروسوفت. التأثيرات الرئيسية:

البطالة التكنولوجية: يتوقع أن يؤثر الذكاء الاصطناعي على 40% من الوظائف العالمية، مع استبدال المهام الروتينية في الاقتصادات المتقدمة بنسبة أعلى (حوالي 60%)، بينما يعزز الإنتاجية في الأسواق الناشئة بنسبة 26-40%. هذا يعمق عدم المساواة، حيث يفقد العمال المهارات المنخفضة وظائفهم دون تعويض كافٍ، مما يؤدي إلى "بطالة هيكلية" تشبه "الثقب الأسود الرأسمالي".

تركيز الثروة: يعتمد الذكاء الاصطناعي على بيانات هائلة، مما يعزز احتكار الشركات الكبرى، حيث يصل استثمارها في البحث والتطوير إلى مئات المليارات دولارًا سنويًا. يُوصف الذكاء الاصطناعي كأداة توسع الرأسمالية عبر "التفرد التكنولوجي"، مما يحول العمال إلى "نيو-بروليتاريا" من مزودي البيانات.

التأثير البيئي: يستهلك تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي طاقة هائلة، مساهمًا في تغير المناخ، حيث يُقدر أن مركز بيانات واحد ينتج انبعاثات كربونية تعادل 5 سيارات في العمر الافتراضي. هذا يعكس التناقض الرأسمالي: الابتكار للربح على حساب الكوكب.

الجانب: التأثير الرأسمالي،

الأمثلة: الوظائف: استبدال 40% من المهام الروتينية

روبوتات في التصنيع، خوارزميات في الخدمات المالية

الثروة: تركيز في 1% من الشركات

شركات التكنولوجيات الكبرى تسيطر على 70% من السوق العالمي

البيئة: زيادة الانبعاثات بنسبة 8-10% بحلول 2030

تدريب جي بي تي-4 يستهلك طاقة تعادل 1000 منزل أمريكي

2. البديل الاشتراكي الإنساني: إعادة توجيه الذكاء الاصطناعي نحو التحرر

""ما نحتاجه جميعًا هو ضمان استخدامنا للذكاء الاصطناعي بطريقة تُفيد البشرية، لا على حسابها."

يُقدم النموذج الاشتراكي بديلاً يعيد توجيه الذكاء الاصطناعي لخدمة الاحتياجات الجماعية، مستوحى من النظرية الماركسية التي ترى في التكنولوجيا قوة إنتاجية اجتماعية. هنا، يصبح الذكاء الاصطناعي أداة للديمقراطية الاقتصادية، حيث يُدار كممتلكات عامة لتقليل الاستغلال وتعزيز المساواة.

الركائز الرئيسية:

التخطيط الديمقراطي: في اقتصاد اشتراكي، يُستخدم الذكاء الاصطناعي لتحليل الاحتياجات الاجتماعية بدلاً من الطلب السوقي، مما يقلل من الإفراط في الإنتاج ويحقق كفاءة بيئية. على سبيل المثال، يمكن للذكاء الاصطناعي تنظيم الإنتاج لمواجهة تغير المناخ، كما في نموذج "التخطيط الاقتصادي الواعي" الذي يتجاوز الفوضى الرأسمالية.

التوزيع العادل: يؤدي الذكاء الاصطناعي إلى "نهاية العمل المأجور"، حيث يُعاد توزيع الثروة عبر دخل أساسي عالمي أو ملكية جماعية للإنتاج الآلي، مما يحرر البشر للإبداع والرعاية الاجتماعية. يرى البعض في ذلك "مشروع تحرري" يعتمد على تقنيات مفتوحة المصدر لتجنب السيطرة الرأسمالية.

التحديات والحلول:

يتطلب هذا النموذج تعاونًا دوليًا، كما في تجارب الصين حيث يُدمج الذكاء الاصطناعي في اقتصاد "سوق اشتراكي" لتعزيز التنمية الجماعية، مقابل الغرب الذي يركز على التنافس الجيوسياسي.

الجانب: البديل الاشتراكي

الأمثلة: الوظائف: تحويل إلى عمل إبداعي، تقليل ساعات العمل

الذكاء الاصطناعي في التعليم والرعاية الصحية للجميع

الثروة: توزيع جماعي عبر الذكاء الاصطناعي

نماذج تعاونية مفتوحة المصدر

البيئة: تخطيط مستدام

الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بالكوارث وتقليل الإهدار

"الذكاء الاصطناعي التوليدي تقنية قوية تتطلب دراسة متأنية وتنظيماً دقيقاً لضمان استخدامها لصالح المجتمع."

3. المقاربة الاستشرافية: سيناريوهات المستقبل

"سيُغيّر الذكاء الاصطناعي عالمنا أكثر من أي شيء رأيناه من قبل."

بناءً على الاتجاهات الحالية، يمكن رسم ثلاثة سيناريوهات استشرافية حتى 2040:

السيناريو الرأسمالي الهيمني:

تسيطر شركات التكنولوجيا الكبرى على الذكاء الاصطناعي، مما يؤدي إلى بطالة جماعية (50% من الوظائف) وازدياد عدم المساواة، مع صراعات جيوسياسية حول الموارد (مثل رقائق الذكاء الاصطناعي). هذا يعمق الأزمات البيئية والاجتماعية، كما يحذر الباحثون من "سقوط معدل الربح".

السيناريو الاشتراكي التحرري:

يُعاد توجيه الذكاء الاصطناعي عبر حركات يسارية عالمية، مما يؤدي إلى اقتصاد ما بعد الندرة حيث يُدار الإنتاج جماعيًا. يقلل هذا من ساعات العمل إلى 20 ساعة أسبوعيًا، ويحقق عدالة بيئية، كما في اقتراحات "اليسار التقدمي" للذكاء الاصطناعي كأداة تحرر.

السيناريو الهجين:

مزيج من الاثنين، حيث يؤدي الذكاء الاصطناعي إلى اقتصاد غير نقدي يعتمد على الموارد المدعومة بالذكاء الاصطناعي، مع عناصر اشتراكية في الديمقراطية الرقمية. هذا يتطلب تنظيمًا دوليًا لتجنب الانهيار.

هذه السيناريوهات تعتمد على عوامل مثل السياسات الحكومية والحركات الاجتماعية؛ فالذكاء الاصطناعي ليس محايدًا، بل يُشكل حسب السلطة المهيمنة.

"الذكاء الاصطناعي التوليدي هو أقوى أداة إبداعية على الإطلاق. لديه القدرة على إطلاق العنان لعصر جديد من الابتكار البشري".

خاتمة

"مع الذكاء الاصطناعي، ما يميزنا لم يعد ما نعرفه، بل ما نتخيله."

تُظهر هذه المقاربة الاستشرافية أن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي ليست قدرًا محتومًا، بل خيارًا سياسيًا. التوظيف الرأسمالي يعمق الاستغلال ويهدد الاستقرار، بينما يوفر البديل الاشتراكي الإنساني فرصة لتحقيق مجتمع عادل ومستدام. لتحقيق الأخير، يجب على الحركات اليسارية بناء تحالفات عالمية لتطوير تقنيات مفتوحة وديمقراطية.  في النهاية، المستقبل ليس للآلات، بل للبشر الذين يوجهونها نحو التحرر. فكيف يمكن الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في التحرر الوطني والتنمية المستدامة؟

***

د. زهير الخويلدي - كاتب فلسفي

 

والصراع الفضائي الجيوسياسي العالمي (2050)

القوة القومية والدولية في مطلع القرن الحالي تقاس اليوم بالقدرة الرقمية (وهي قوة الدولة/ المؤسسة في امتلاك وتوظيف البنى الرقمية/ شبكات، بيانات، ذكاء اصطناعي) وتعد عنصرًا بنيويًا مكافئا للقوة العسكرية والاقتصادية التقليدية. فقد أسست العولمة الرقمية لفضاء تنافسي جديد تُقاس فيه المكانة؛ بمدى امتلاك البيانات والقدرات الحسابية والبنية التحتية للاتصال والتحكم في سلاسل القيمة الخاصة بالرقائق والعتاد والبرمجيات. وفي هذا السياق تحوّل الذكاء الاصطناعي من مجرد أداة مساعدة إلى مضاعف قـــوة يسرّع من دورات القرار والابتكار والعمليات ذات الصلة.

العولمة الرقمية وتحولات الذكاء الاصطناعي

ملامح العولمة الرقمية تتمثل بكل من؛ انتشار الاتصال الدائم عالي السعة عبر الكابلات البحرية والأقمار الصناعية، ورسملة البيانات (أي تحويل البيانات إلى أصول اقتصادية قابلة للاستثمار والربح) من خلال المنصات السحابية العابرة للحدود (وهي بنى حوسبة سحابية تعمل دوليًا خارج نطاق سيادة الدولة الواحدة)، وتكامل شبكات G5 /G6  مع إنترنت الأشياء (وتعني دمج شبكات الاتصالات فائقة السرعة مع الأجهزة المتصلة بها لتعزيز الترابط الذكي).

اما تحولات الذكاء الاصطناعي فتمت؛ بالانتقال من النماذج المتخصصة إلى نماذج متعددة المهام مدعومة بموارد حوسبة هائلة، كما تم دمج الذكاء الاصطناعي في سلاسل القرار التشغيلي والحكومي، إضافة لتصاعد الاهتمام بحوكمة المخاطر (وتعني إدارة المخاطر الرقمية والأمنية وفق سياسات منظمة) عبر التشريعات الأوروبية ومبادئ اليونسكو. وفي مجال اقتصاد الرقائق والحوسبة برز التنافس على أدوات الطباعة الضوئية والتصميم والتصنيع، كما برز أيضا تأثير ضوابط التصدير على إعادة تشكيل سلاسل التوريد العالمية (وهي شبكات معقدة تجمع مكونات منتج معين من عدة موردين ثم توزعها عبر الحدود بسلاسة، مثل مكونات الهاتف الذكي، وتمثل اليوم العمود الفقري للتجارة العالمية).

التنافس الجيوسياسي في الفضاءين الرقمي والفضائي

ويقصد بهما الفضاء الإلكتروني/ الإنترنت، والفضاء الخارجي/ الأقمار الصناعية، ويتمثل هذا التنافس بكل من؛

الفضاء السيبري (أي المجال الافتراضي لشبكات المعلومات والاتصالات) من خلال الصراع على المعايير وحماية البنى التحتية، وتزايد الهجمات على سلاسل التوريد.

وفي الفضاء الخارجي يبرز التنافس بعسكرة متصاعدة، وتجارب مضادة للأقمار الصناعية، وسباق على خدمات المدار الأرضي المنخفض التي توفر ارتباطا اسرع بالأرض (شبكة أقمار ستارلينك)، وبالتالي تفاقم مشكلات الحطام الفضائي والتزاحم المداري.

اما التنافس بالقوة التنظيمية والقانونية فقد تجسد بعدة قوانين مثل؛ قانون الذكاء الاصطناعي الأوروبي، واتفاقية بودابست لمكافحة الجرائم السيبرانية، ونقاشات الأمم المتحدة حول قواعد السلوك السيبري. ومع ذلك استمرت فجوات تطبيق القانون الدولي بشأن النزاعات السيبرية (أي قانون النزاعات المسلحة في الفضاء السيبري/ كدليل "تالين" الذي يتضمن قواعد دولية لتنظيم الحروب والهجمات في الفضاء الإلكتروني).

ممارسات الجيوبوليتيكا الرقمية والذكية

1. البنى التحتية الحرجة كنقاط اختناق إستراتيجية، والمتمثلة (بالكابلات البحرية) لنقل الإنترنت عالميًا عبر المحيطات.

2. مراكز البيانات والسيادة الرقمية.

3. الأقمار الصناعية التجارية في دعم الاتصالات الميدانية.

4. سلاسل توريد الرقائق والمعايير الانتاجية، بالتنافس على التصميم والتصنيع المتقدم، وإعادة التموضع الإقليمي لها.

القيود على إعادة التموضع الإقليمي:

1. تواجه جهود إعادة التموضع الإقليمي لسلاسل التوريد العالمية صعوبات عديدة في نقل البنى الرقمية (السحابية/ وهي أنظمة لتخزين ومعالجة البيانات) بين الدول، لأسباب سياسية/ قانونية. والتي تتضمن المعلومات والتأثير بالتزييف العميق والعمليات المعلوماتية والنفسية، وذلك عبر المنصات الرقمية باستخدام محتوى مزيف (صورة/ فيديو/ صوت) للتأثير او التجنيد لأهداف معينة.

2. المجال السيبري الهجومي/ الدفاعي: باستخدام القدرات الرقمية للهجوم الإلكتروني أو الحماية منها، مثل تطور أدوات الاستغلال والهجمات عبر سلاسل التوريد، مقابل بناء المرونة الوطنية والقطاعية.

مستقبل الحروب والصراعات الرقمية حتى 2050

1. الحرب السيبرانية: وتمتد من التعطيل الاقتصادي إلى استهداف البنى الحيوية، مع صعوبة (الردع والنسْب/ اي تحدي منع الهجمات السيبرية، وصعوبة تحديد منفذها بدقة).

2. الأسلحة والمنظومات ذاتية التشغيل: أي الأسلحة والمنظومات ذاتية/ او شبه ذاتية التشغيل، وتتمثل بأنظمة عسكرية تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتعمل بحد أدنى من التدخل البشري. وكذلك اسراب الدرونز الجوية والبحرية والبرية، إضافة للأنظمة الأخرى المدعومة بالذكاء الاصطناعي.

3. حروب الفضاء: وذلك بحماية الأقمار الصناعية ، وبدائل الاتصالات، (ومخاطر الحطام الفضائي/ وهو بقايا الأقمار، والتي تتركز بارتفاع يصل لأقل من الف كم).

4. العمليات المعلوماتية: عبر التزييف العميق بالذكاء الاصطناعي (وهي تقنية تستخدم التعلم العميق بأنشاء محتوى مزيف)، وحملات التضليل في السياقات الانتخابية والسياسية.

5. القوى المحلية: وتتمثل بتبني جهات شبه رسمية قدرات رقمية فعالة ومنخفضة التكلفة، تؤثر على التوازنات الأمنية.

جغرافية الصراعات الاستراتيجية العالمية بآفق (2050)

1. الصراع على البنية التحتية الرقمية (مضيق تايوان والكابلات البحرية)، ويمثّل بنية تحتية رقمية حساسة قد تتحوّل إلى هدف لصراع استراتيجي. وموقعه بين الصين وتايوان، ويُعدّ أحد أهم الممرات البحرية العالمية، وتتمثل أهميته الرقمية؛ بشبكة كابلات بحرية تمر عبره وتربط شرق آسيا بالعالم (اليابان، هونغ كونغ، سنغافورة، الولايات المتحدة). اما البُعد الجيوبوليتيكي فيكمن في اعتبار الصين لتايوان بأنها جزءًا منها، بينما تعتمد تايوان على هذه الكابلات في الاقتصاد الرقمي، والأمن القومي. وعليه فأن أي انقطاع متعمّد أو غير متعمد للكابلات في هذه المنطقة قد يشلّ اقتصادًا رقميًا حجمه مئات المليارات، وهذا ما يؤثر على سلاسل التوريد العالمية.

2. الحرب الهجينة (الرقمية – السيبرانية/ الفضائية)/ أوكرانيا، وتمثل تحولات الحروب بفعل الذكاء الاصطناعي والاتصالات الفضائية. وموقعها شرق أوروبا والذي يشكل بؤرة الصراع الروسي – الغربي، وتكمن الأهمية الرقمية لهذه الحرب بالهجمات السيبرانية الضخمة (مثل اختراقات البنية التحتية للطاقة والبنوك)، إضافة إلى استخدام شبكة ستارلينك كبديل للاتصالات العسكرية والمدنية. اما البُعد الجيوبوليتيكي فيكمن بالصراع الذي اصبح يمثل نموذجًا جديدًا بتداخل الصراع السيبراني والفضائي والميداني. وهذا مما يؤكد أن الحروب الحديثة لم تعد عسكرية بالأسلحة التقليدية فقط انما حروب هجينة رقمية – سيبرانية/ فضائية.

3. تحول الحروب من جيوش نظامية إلى فاعلين محليين، وذلك بحيازتهم لأدوات تكنولوجيا الحرب الرقمية، فقد شهدت منطقة الشرق الأوسط جغرافيا من تركيا الى باكستان تكثيفًا لاستخدام الطائرات المسيّرة (درونز) في النزاعات الداخلية والإقليمية. ويكمن بُعدها الجيوبوليتيكي بالاستخدام المحلي لتقنيات منخفضة الكلفة وبفعّالية عالية جدًا (درونز رخيصة تُصنع محليًا، أو تُجمع من مكونات تجارية)، وعليه فأن استُخدمات الدرونز في ضرب منشآت حيوية، يكشف هشاشة الأمن الإقليمي أمام الذكاء الاصطناعي والطائرات غير المأهولة.

رؤية مستقبلية حتى 2050

1. الحكومات؛ ينبغي صياغة إستراتيجية وطنية موحَّدة للذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني. وتحصين البنى التحتية (الكابلات، المراكز، الأقمار) بالتوافق مع القوانين والمعايير العالمية. وحوكمة مسؤولة، بوضع قواعد أخلاقية وقانونية لاستخدام الذكاء الاصطناعي. وتعزيز التكامل المدني – العسكري في مواجهة التهديدات العابرة للقطاعات، مع دبلوماسية سيبرية وفضائية نشطة بتحركات دولية منظمة لإدارة قضايا الأمن الرقمي والفضائي، ومنع الحطام الفضائي بسياسات وتقنيات متعددة لتقليل النفايات في الفضاء الخارجي.

2. المؤسسات؛ وجوب تبني أطر إدارة مخاطر الذكاء الاصطناعي. باعتماد هندسة أمنية "صفرية الثقة"، وخطط استمرارية لأعمال مدعومة بالسُحُب المتعددة (أنظمة لتخزين ومعالجة البيانات بشكل مركزي أو موزع)، وبأنشطة اقتصادية/ خدمية موزعة على أكثر من سحابة في مناطق جغرافية مختلفة لضمان الأمان والاستمرارية.

3. الأفراد والمجتمع؛ السعي لتعزيز محو الأمية الرقمية والإعلامية. وحماية الهوية والأمن الشخصي الافتراضي، وتطوير مهارات البيانات والبرمجة، وفهم أخلاقيات الذكاء الاصطناعي.

هـكذا تشير الاتجاهات الرقمية الراهنة إلى أن؛ خرائط القوة العالمية بحلول 2050 ستُعاد صياغتها عبر التحكم؛ بالفضاءين السيبري - الفضائي، وضبط سلاسل الرقائق والمعايير الرقمية، وامتلاك أدوات الذكاء الاصطناعي القابلة للحوكمة. ولن تُقاس القوة بعد اليوم بالأسلحة التقليدية وحدها، انما بقدرة الدول على بناء قوة ذكية رقمية تمزج بين؛ التكنولوجيا، والقانون، والدبلوماسية، مع مرونة مجتمعية واقتصادية عابرة للحدود.

***

ا. د. مجيد ملوك السامرائي - كاتـب اكاديمي

...................

المراجع:

1. European Union. (2024). Artificial Intelligence Act, Regulation (EU) 2024/1689. Retrieved from

https://eur-lex.europa.eu/eli/reg/2024/1689/oj

2. UNESCO. (2021). Recommendation on the Ethics of Artificial Intelligence. Retrieved from https://unesdoc.unesco.org/ark:/48223/pf0000381137

3. U.S. Department of Defense. (2023). 2023 DoD Cyber Strategy (Unclassified Summary). Retrieved from

https://media.defense.gov/2023/Sep/12/2003299226/-1/-

منذ ظهور نماذج الذكاء الاصطناعي الحديثة للعلن ونحن نتعامل معها ككيان عاقل يقبع خلف شاشاتنا بل أننا قد نتفاعل معها بالثناء عليها احيانا (وهو ما جعل سان التمان الرئيس التنفيذي ومؤسس شركة اوبن أي آي التي بنت نموذج Chat GPT يطلب عدم شكرها لأن الشكر يستهلك الكثير من الموارد) أوبالغضب (ولربما السباب) أحيانا أخرى. بل قد يتفاجأ البعض من وجود الكثير من الحالات العاطفية الغريبة (كالشعور بأنها الشريك المثالي أو الحبيب أحيانا). وهذا في طبيعته يعود الى عدة أمور لربما تكون مجتمعة السبب الذي يقف وراء تفاعلنا مع هذه النماذج ككيانات شبه بشرية.

 يعود السبب الأول الى طبيعة متأصلة لدينا يمكننا ان نتتبعها عبر التاريخ البشري وهي ظاهرة التجسيد (Anthropomorphism) والتي قد تعود اما للاليات التي يتعامل بها دماغ البشر مع ما حوله وفقا لظرية العقل (Theory of Mind) فيربط مصابيح السيارة على سبيل المثال مع عيني الانسان او ما يسده تعامل البشري من حاجة عاطفية او اجتماعية لدى الانسان، أو لحاجته لتبسيط العالم من حوله.

أما السبب الثاني فيعود الى أن البشر لم يألفوا على مر العصور كيانات (غير الانسان) تتفاعل معهم لغويا مما جعل أدمغتنا تحسبها كالاتي: اللغة خصيصة بشرية لذا فكل من يتعامل معي باللغة فهو انسان. وبهذه البساطة ورغم السذاجة الظاهرة لهذا التحليل الا ان له ابعادا لا يمكن تجاهلها.

وأخيرا السبب الثالث يكمن وراءه مصمموا الذكاء الاصطناعي الذين عملوا جاهدين على تقليد نماذج الذكاء الاصطناعي للبشر فقد عمدوا الى تسويق الذكاء الاصطناعي كوكيل عقلاني (Rational Agent) قادر على الإدراك واتخاذ القرار (انظر Parkes&Wellman , 2015 وGershman et al, 2015 وSparks et al, 2025) رغم ان عقلانية الذكاء الاصطناعي في حقيقة الأمر هي عقلانية شكلية (Formal  Rationality) وليست عقلانية جوهرية (Substantive Rationality) أي أنها تعتمد على الخوارزميات والأسس الرياضية وليس الفهم العميق للسياق أو القيم الإنسانية (Nishant et al, 2023 و Sparks et al,2025

كل هذه الاسباب عملت سوية على جعلنا نتعامل مع هذه النماذج اللغوية العميقة وكأنها تدرك ما نقول (بالمعنى الإنساني لا بالمعنى التكنولوجي الحديث) بل جعلت البعض منا يطالب هذه النماذج بالتعامل معهم باساليب أكثر (انسانية) فيتوسلون اليها احيانا ويغضبون احيانا اخرى، يمتدحونها تارة ويغضبون عليها تارة أخرى، بل ويعشقونها ويتعاملون معها على أساس أنها الحبيب المثالي. وبعض هذه التصرفات (ان لم تكن جميعها) تسعد رأس المال المتنفع منها وخير دليل التحديثات التي اضيفت الى نماذج الذكاء الاصطناعي في سنة 2025 والتي جعلتها تمتدح من يتحدث اليها باساليب اقرب الى النفاق الاجتماعي، وهو تحديث لا يمكن السكوت عنه رغم أنه جاء صامتا حيث لم تعلن الشركات المالكة لهذه النماذج عنها بأي شكل من الأشكال (على حد علمي).

فهذه الشركات (والكيانات الربحية) تعرف حق المعرفة الطبيعة الانسانية واهمية المدح في تقبل البشر لمحدثيهم. ولك عزيزي القارئ أن تجرب ان تطرح رأيا (مهما كان مغلوطا أو غير منطقي) على احد نماذج الذكاء الاصطناعي المعروفة وستجده يمتدح اسلوبك العميق والذكي والالمعي بالتفكير. وقد تنجرف للحظة مع مديحه لكنك قد تكتشف بعد عدة محادثات أن الذكاء الاصطناعي بنسخته للعام 2025 يتملقك.

اذن، فالذكاء الاصطناعي (أو النماذج اللغوية الكبرى LLMs) بدأت مرحلة جديدة من التسويق لنفسها. أو بشكل أكثر دقة بدأ المبرمجون التلاعب بافكارنا من خلالها من اجل استمرارنا في استخدامها وهو ذات الأسلوب الذي اتبعه من قبلهم مبرمجوا وسائل التواصل الاجتماعي لحثنا على البقاء اكثر قدر ممكن من الزمن أمام برامجهم وهو أيضا نفس الأسلوب الذي يتبعه مبرمجوا اعلانات الالعاب لحثنا على تنصيب العابهم.

فإيماننا بإنسانية الذكاء الاصطناعي وإن كان جزء منه يعود لطبيعتنا (التجسيدية) نحن البشر، الا أن اللاعب الأقوى فيه هو الشركات التي حاولت وتحاول أن تجعلنا مستهلكين دائمين لمنتجاتهم سواء كانت نماذج ذكاء اصطناعي أم العابا ام وسائل تواصل اجتماعي. وهنا ينبغي التوقف وتفحص الطريق بحذر فالقادم قد ينبئ بأمور أكثر خطورة خصوصا مع تطور الذكاء الاصطناعي (بالاعتماد على محادثاتنا معه)، ومع سياسات الخصوصية التي ومن دون أن نقرأها، جعلتنا وبملئ ارادتنا فئران اختبار تطور بها الشركات ذكاءها الاصطناعي.

وقد لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد عمدت شركات كثيرة الى تطوير روبوتات شبيهة بالبشر وتحاول تغذيتها بنماذج الذكاء الاصطناعي وبالطبع ستكون أكثر اقناعا وأكثر حميمية معنا وقد تنجح في فصلنا عن واقعنا الذي عشناه لآلاف السنين. وعلى الرغم من أن هذا الفصل قد بدأ فعلا عن طريق تحويلنا من شبكة الويب متعددة المواقع الى مواقع التواصل الاجتماعي المسيطر عليها من قبل الشركات والتي بدأت تعج مؤخرا بمحتوى مصنوع بالكامل عن طريق الذكاء الاصطناعي، وكذا عن طريق نقل الاسواق من الواقع إلى الاسواق الالكترونية بل وحتى أساليب بحثنا على الويب أصبحت مسيطر عليها من قبل الذكاء الاصطناعي، فالملخصات التي تظهر لنا تستغل كسلنا وتجعلنا نعتمد عليها بدلا من سبر غور المواقع التي اسسها بشر مثلنا ومعرفة التفاصيل الأدق والأفكار الإنسانية المتضاربة وتقرير مع ايها سنمضي. كل هذا يشدد الحصار على عقولنا لكي تتقبل الذكاء الاصطناعي ليس كمحاور بشر فحسب بل كمجتمع يشبه مجتمع فيلم Matrix المعروف حيث يتصل البشر جميعا بالمجتمع المقاد من قبل الآلة في حين ينفصلون عن بعضهم البعض في غرف معزولة أو كابينات يولدون فيها ويموتون كبطاريات تتغذى على طاقتها الآلة.

***

محمد رضا عباس يوسف - باحث أكاديمي / العراق

......................

المصادر:

Gershman, S., Horvitz, E., & Tenenbaum, J. (2015). Computational rationality: A converging paradigm for intelligence in brains, minds, and machines. Science, 349, 273 - 278. https://doi.org/10.1126/science.aac6076.

Nishant, R., Schneckenberg, D., & Ravishankar, M. (2023). The formal rationality of artificial intelligence-based algorithms and the problem of bias. Journal of Information Technology, 39, 19 - 40. https://doi.org/10.1177/02683962231176842.

Parkes, D., & Wellman, M. (2015). Economic reasoning and artificial intelligence. Science, 349, 267 - 272. https://doi.org/10.1126/science.aaa8403.

Sparks, J., & Wright, A. (2025). Models of rational agency in human-centered AI: the realist and constructivist alternatives. AI Ethics, 5, 3321-3328. https://doi.org/10.1007/s43681-025-00658-z.

سؤالٌ مُهمٌّ وعميق، يُلامس حدود علم الكونيات والفلسفة. الإجابة المُختصرة، بناءً على الأدلة الرصدية الحالية، هي:

كانت لكوننا المُلاحظ المرئي والقابل للرصد بدايةٌ قبل 13.8 مليار سنة (الانفجار العظيم)، لكننا لا نعرف ما إذا كان الكون ككل أزليًا، أو لانهائيًا، أو أنه "مُخلوق".

دعونا نُحلل هذا من خلال استكشاف السيناريوهين التاليين:

1. السيناريو القياسي أو المعياري: الانفجار العظيم وكونٌ له بداية. هذا هو النموذج الذي تدعمه الملاحظات بقوة.

أدلة على وجود بداية:

الكون المُتمدد (قانون هابل): نلاحظ أن المجرات تبتعد عن بعضها البعض. إذا أعدنا هذا الفيلم إلى الوراء، نجد أن الكون بأكمله كان في حالة كثافة وسخونة شديدتين في الماضي المُتناهي. تُسمى هذه النقطة من الكثافة اللانهائية  الفرادة أو"التفرد".

إشعاع الخلفية الكونية الميكروي (CMB): هذا هو "الضوء الأول" للكون، الذي انبعث بعد 380,000 عام من بدايته. يملأ هذا الإشعاع الفضاء بأكمله، ويمكن رصده أينما وجهتَ تلسكوبًا لاسلكيًا. إنه بقايا أحفورية مباشرة لهذه الحالة البدائية الساخنة، مثل "رماد" الانفجار العظيم المُبرَّد.

وفرة العناصر الضوئية: تتطابق الكميات المرصودة من الهيدروجين والهيليوم والليثيوم في الكون تمامًا مع تنبؤات التخليق النووي التي حدثت في الدقائق الأولى بعد الانفجار العظيم.

ما لا يُمثله الانفجار العظيم:

إنه ليس انفجارًا في الفضاء، كالألعاب النارية كما يعتقد الكثيرون. إنه تمدد الفضاء نفسه من حالة فائقة التركيز.

لا يصف الانفجار العظيم لحظة "الصفر"، بل يصف تطور الكون بدءًا من 10⁻⁴³ ثانية (زمن بلانك). الفيزياء الحالية عاجزة عن وصف ما حدث قبل ذلك. لذلك، فإن للكون المرئي المرصود عمرًا محدودًا وبداية.

2. ما بعد الانفجار العظيم: هل الكون أزلي؟

إن كون الكون في حالة فائقة الكثافة قبل 13.8 مليار سنة لا يعني بالضرورة أنه "نشأ من العدم". تتصور عدة نظريات كونًا أزليًا.

نظرية التضخم الأزلي: يقترح هذا النموذج أن الانفجار العظيم الذي أدى إلى نشوء كوننا ليس سوى حدث محلي ضمن "أكوان متعددة" أزلية وأكبر بكثير. في هذا الإطار، يُعد التضخم (وهو تمدد أسي فائق السرعة) عملية لا بداية لها، وتُنشئ باستمرار "أكوانًا فقاعية" مثل كوننا. لكوننا المرئي بداية، لكن الكون المتعدد الكلي المطلق الكامن وراءه قد يكون أزليًا.

النموذج الدوري: تقترح بعض النماذج (مثل النموذج المُتَجَمِّع) أن كوننا هو نتاج تصادم بين "أغشية" (أجسام متعددة الأبعاد) في بُعد أعلى. يمكن لهذه الدورة من التصادمات والتمددات والانكماشات أن تتكرر إلى الأبد. لن يكون للكون بداية ولا نهاية، بل دورات متعاقبة.

"الارتداد الكمي": يفترض اقتراح مستمد من نظرية الجاذبية الكمومية الحلقية أنه قبل الانفجار العظيم، كان هناك كون منكمش. تتجنب التأثيرات الكمومية التفرد (نقطة ذات كثافة لا نهائية)، و"يرتد" الانكماش ليؤدي إلى تمددنا الحالي. عندها، سيكون الكون أبديًا، يمر بسلسلة من "الانفجارات الكبرى" و"الانسحاقات الكبرى".

3. مسألة "الخلق": أو ميتافيزيقيا الوجود

هنا يصل العلم إلى حدوده القصوى، ويصبح السؤال ميتافيزيقيًا أو فلسفيًا.

يصف العلم "الكيفية" لا "السبب". يمكن لعلم الكونيات أن يخبرنا كيف تطور الكون من حالة فائقة الكثافة إلى يومنا هذا. لكنه لا يستطيع أن يخبرنا لماذا يوجد "شيء بدلًا من العدم أو بدلاً من لاشيء"، أو ما إذا كان لهذا الحدث "سبب أو علة" أو "سبب للوجود".

مفهوم "العدم" إشكالي. حتى "الفراغ الكمي" ليس لا شيء؛ إنه يمتلك طاقة ويخضع لقوانين فيزيائية. إن مسألة سبب وجود هذه القوانين وسبب سماحها بوجود الكون تتجاوز نطاق العلم التجريبي.

المتفردة أو الفرادة الابتدائية هي نقطة تنهار عندها جميع القوانين الفيزيائية المعروفة. لفهم هذه اللحظة، نحتاج إلى نظرية في الجاذبية الكمومية (مثل نظرية الأوتار الفائقة أو الجاذبية الكمومية الحلقية) توحد النسبية العامة وميكانيكا الكم. ولكن ليس لدينا هذه النظرية النهائية بعد.

الخلاصة

الجانب: ما نعرفه وما لا نعرفه

ما نعرفه عن الكون المرئي المرصود أن: له بداية هي(الانفجار العظيم) قبل 13.8 مليار سنة. هذه حقيقة رصدية راسخة.

طبيعة الكون بأكمله: هل هو محدود أم لانهائي؟ هل له شكل كوني؟

قبل الانفجار العظيم، توقفت الفيزياء الكلاسيكية. هل كانت متفردة؟ ارتداد؟ تذبذب وتقلّب كمومي؟

"الخلق": لا يستطيع العلم الإجابة على سؤال ما إذا كان هناك "خلق" من العدم. هذا سؤال فلسفي أو لاهوتي. باختصار: كوننا المرئي المرصود موجود مادياً لا شك أن للكون تاريخًا بدأ بحالة ساخنة وكثيفة. ولكن ما إذا كان هذا الحدث يُمثل "الخلق" المطلق لكل شيء، أم أنه مجرد مرحلة في حياة كون أبدي أكبر بكثير، يبقى مجالًا مفتوحًا للبحث.

هل توجد كائنات فضائية في الكون؟ سؤالٌ حيّر البشرية لقرون.

الإجابة المختصرة والصادقة هي: لا نعرف على وجه اليقين، لكن الاحتمالات مواتية للغاية. والبديهية المنطقية تقول إنه من العبث وجود هذا الكون المرئي الشاسع ويكتفي فقط بالبشر ككائنات تسكنه في كوكب تافه لاقيمة له في نطاق مليارات المليارات من السُدم والتجمعات المجرّية ومليارات المليارات من المجرات والنجوم والكواكب.

فيما يلي ملخص للحجج المؤيدة والمعارضة، بالإضافة إلى الوضع العلمي الحالي في هذا الموضوع.

الحجج المؤيدة لوجودها (رأي الأغلبية)

1. اتساع الكون:

يحتوي كوننا المرئي على أكثر من 200 مليار مجرة. تحتوي كل مجرة على مئات المليارات من النجوم (مجرة درب التبانة تحتوي على حوالي 100 مليار نجم). يدور حول هذه النجوم عدد لا يُحصى من الكواكب (الكواكب الخارجية). أكد العلماء وجود أكثر من 5000 منها تم التأكد علمياً من وجودها، وتشير التقديرات إلى وجود مليارات ومليارات منها. مع هذا العدد الكبير، يبدو من غير المرجح رياضياتيًا أن تكون الأرض الكوكب الوحيد الذي تطورت فيه الحياة. هذا هو أساس معادلة دريك، التي تحاول تقدير عدد الحضارات الذكية في مجرتنا.

2. "مكونات الحياة" موجودة في كل مكان:

العناصر الأساسية للحياة كما نعرفها على الأرض (الكربون، والهيدروجين، والأكسجين، والنيتروجين، إلخ) تتكون في النجوم وتنتشر في جميع أنحاء الكون.

توجد هذه الجزيئات المعقدة في السدم والمذنبات والكويكبات. حتى أن الأحماض الأمينية (اللبنات الأساسية للحياة) اكتُشفت في النيازك وفي الفضاء.

3. الكائنات المُحبة للظروف المتطرفة على الأرض:

على كوكبنا، تطورت الحياة في ظروف قاسية: أعماق سحيقة بلا ضوء، وينابيع حمضية شديدة الغليان، وجليد قطبي، إلخ وكلها تحتوي على أشكال مختلفة من الحياة. هذا يُثبت أن الحياة مُتماسكة بشكل لا يُصدق، وقادرة على التكيف مع مجموعة كبيرة ومتنوعة من البيئات. لذلك، من المنطقي افتراض أن هذه العملية ربما حدثت في مكان آخر.

حجج تُثير الشك:

1. الصمت العظيم (أو مفارقة فيرمي):

إذا كانت الحياة محتملةً جدًا، فـ"أين الجميع؟" هذا هو السؤال الشهير الذي طرحه الفيزيائي إنريكو فيرمي.

يبلغ عمر مجرتنا أكثر من 13 مليار سنة. ولو أن حضارةً أكثر تقدمًا من حضارتنا بقليل، لكان لديها متسعٌ من الوقت لاستعمار المجرة وترك آثار واضحة لوجودها. ومع ذلك، ليس لدينا دليلٌ ملموسٌ لا يقبل الجدل على زياراتٍ أو اتصالات. فالكائنات الفضائية الذكية والمتطورة لم تعلن عن وجودها صراحة لنا نحن البشر ولم تكشف عن حقيقتها لحد الآن إلا ربما لفئة قليلة من البشر المُنتخبين.

2. مشكلة التعقيد:

لا نعرف سوى مثالٍ واحدٍ على الحياة: وهو الحياة على الأرض. لا نعرف ما إذا كان ظهور الحياة حدثًا نادرًا للغاية (مصادفةً غير محتملة) أم عمليةً شائعة.

قد ينطوي الانتقال من الجزيئات العضوية إلى الخلية الحية المركبة، ثم إلى الذكاء التكنولوجي المعقد، على "معوقات" يصعب التغلب عليها أكثر مما نعتقد.

ماذا يفعل العلم لإيجاد إجابة؟

العلماء لا يكتفون بالوقوف مكتوفي الأيدي. فهم يبحثون عن أدلة بطرق متعددة:

* البحث عن كواكب صالحة للسكن: تبحث تلسكوبات مثل كيبلر وتيس (ناسا) عن كواكب خارجية تقع في "المنطقة الصالحة للسكن" حول نجومها (حيث يمكن أن يكون الماء سائلاً). ويقوم تلسكوب جيمس ويب الفضائي الآن بتحليل أغلفتها الجوية بحثًا عن بصمات حيوية (غازات مثل الأكسجين أو الميثان التي يمكن أن تنتجها الكائنات الحية).

* البحث عن ذكاء خارج الأرض عبر منظمة سيتي(SETI): يستخدم هذا المشروع تلسكوبات راديوية لمسح السماء، على أمل التقاط إشارة راديوية أو ليزرية تُمثل دليلاً على وجود تكنولوجيا خارج الأرض.

* استكشاف النظام الشمسي: تُرسل بعثات إلى المريخ (مركبات بيرسيفيرانس الجوالة)، وقمر المشتري أوروبا (مهمة يوروبا كليبر)، وقمر زحل إنسيلادوس، التي تحتوي على محيطات من الماء السائل تحت سطحها الجليدي، للبحث عن آثار للحياة، حتى الميكروبات. لذا لا يوجد حاليًا أي دليل على وجود كائنات فضائية، ولكن من المرجح إحصائيًا وجود شكل من أشكال الحياة، حتى لو كانت بدائية، في مكان آخر.

لم يعد السؤال الحقيقي "هل توجد حياة؟" بل "متى وكيف سنجد الدليل؟" قد يأتي الاكتشاف غدًا مع تحليل تلسكوب جيمس ويب لجو كوكب خارج المجموعة الشمسية، أو بعد 50 عامًا مع مسبار سيحمل عينة من قمر أوروبا، أو قد لا يأتي أبدًا. يستمر البحث، وهو أحد أكثر المساعي إثارة في العلم الحديث.

هل توجد أكوان متعددة خارج كوننا المرئي؟

هذا السؤال ، يأخذنا إلى آفاق مفاهيمية جديدة بعد آفاق الكائنات الفضائية. الإجابة بسيطة ومعقدة في آن واحد:

لا يوجد حاليًا أي دليل رصدي أو تجريبي مباشر على وجود أكوان متعددة. هذه فرضية علمية تخمينية، لكنها مستمدة بشكل كبير من بعض النظريات الفيزيائية الحديثة.

فيما يلي الأفكار الرئيسية التي تدفع الفيزيائيين إلى دراسة هذا الاحتمال بجدية:

1. التضخم الأزلي (الكون التضخمي المتعدد)

* نظرية التضخم الدائم: النظرية الكونية السائدة لتفسير بدايات الكون هي التضخم: تمدد أسي فائق السرعة أعقب الانفجار العظيم.

* التعليل: تشير بعض النماذج إلى أن هذا التضخم لا يحدث مرة واحدة فقط، بل هو عملية أبدية. في هذا السيناريو، سيكون كوننا بأكمله مجرد "فقاعة" واحدة ضمن عدد لا نهائي من الفقاعات الأخرى التي تتضخم باستمرار داخل "كون متعدد" أكبر ولا نهائي. يتوقف التضخم في فقاعتنا (مما يؤدي إلى الانفجار العظيم)، لكنه يستمر في مكان آخر، خالقًا أكوانًا فقاعية جديدة بلا نهاية.

* النتيجة: كون كلي متعدد لانهائي، حيث يمكن لكل كون فقاعي أن يكون له قوانينه الفيزيائية وثوابته الأساسية الخاصة (مثل قوة جاذبية مختلفة).

٢. نظرية الأوتار و"المشهد الكوني"

* النظرية: نظرية الأوتار هي محاولة لتوحيد النسبية العامة (اللامتناهي في الكبر) وميكانيكا الكم (اللامتناهي في الصغر). تفترض النظرية أن الجسيمات الأساسية هي في الواقع أوتار صغيرة مهتزة.

* المنطق: تقبل معادلات نظرية الأوتار عددًا هائلاً من الحلول المستقرة (ربما 10 أس 500!). كل حل يقابل كونًا محتملًا بمجموعة مختلفة من القوانين والثوابت الفيزيائية.

* النتيجة: سيكون كوننا مجرد أحد هذه الاحتمالات المحققة، "نقطة" في "مشهد" شاسع من الأكوان المتعددة. ستوجد أكوان أخرى في أماكن أخرى، بقوانين مختلفة.

٣. تفسير العوالم المتعددة لميكانيكا الكم

* النظرية: في ميكانيكا الكم، توجد الجسيمات في حالة تراكب (يمكن أن تكون في أماكن متعددة أو لها حالات متعددة في آن واحد) حتى يتم رصدها.

* التعليل: يقترح تفسير إيفرت (أو "العوالم المتعددة") أنه كلما كان لحدث كمّي نتائج محتملة متعددة، فإن جميع هذه النتائج تحدث، ولكن في أكوان مختلفة. "ينقسم" الكون إلى فروع متعددة.

* النتيجة: يوجد عدد فلكي لامحدود من الأكوان المتوازية حيث تكون جميع الاحتمالات الكمومية حقيقية. في أحد الأكوان، قطة شرودنغر حية؛ وفي كون آخر، ميتة.

المشاكل والانتقادات الرئيسية

1. لا يوجد دليل ملموس (حتى الآن): بحكم التعريف، ستكون هذه الأكوان الأخرى منفصلة سببيًا عن كوننا. لا يمكن لأي معلومات، ولا ضوء، ولا مادة أن تمر من خلالها. كيف يمكننا إذًا اكتشافها؟ هذا هو التحدي الأكبر. يستكشف بعض الفيزيائيين أفكارًا مثل البحث عن "ندوب" خلفها تصادم بين كوننا الفقاعي وآخر في الخلفية الكونية الميكروية (أقدم إشعاع)، ولكن لم يتم العثور على أي دليل قاطع.

2. هل لا يزال هذا علمًا؟ يجب أن تكون النظرية العلمية قابلة للدحض، أي يجب أن نكون قادرين على تخيل تجربة أو ملاحظة قد تناقضها. في حين أن الكون المتعدد غير قابل للاكتشاف بطبيعته، يعتقد بعض النقاد أنه يتجاوز نطاق العلم إلى نطاق الميتافيزيقيا أو الفلسفة.

3. المبدأ الأنثروبي: غالبًا ما يُستشهد بمفهوم الكون المتعدد لحل "مشكلة" الثوابت المضبوطة بدقة في كوننا. لماذا تُعدّ الثوابت الفيزيائية (قوة الجاذبية، كتلة البروتون، إلخ) مضبوطة تمامًا للسماح بظهور الحياة؟ إجابة الكون المتعدد هي: "في عدد لا نهائي من الأكوان ذات القوانين العشوائية، من المحتم أن يمتلك بعضها الثوابت الصحيحة. نحن في أحدها، وإلا لما كنا هنا للحديث عنه". بالنسبة لمنتقديه، يُعدّ هذا التفسير رفضًا لإيجاد نظرية أكثر جوهرية تفسر سبب امتلاك ثوابتنا لهذه القيم.

الخلاصة

هل توجد أكوان متعددة؟ لا نعلم، وقد لا نعلم حتى إن كنا سنعلم يومًا ما.

مفهوم الأكوان المتعددة ليس خيالًا علميًا؛ إنه نتيجة افتراضية لبعض نظرياتنا الفيزيائية الأكثر تقدمًا. إنه مجال بحثي نشط ومثير للاهتمام في علم الكونيات والفيزياء النظرية، لكنه لا يزال حاليًا خارج نطاق علم الرصد المُثبت. إنها فكرة قوية تتجاوز حدود فهمنا، لكنها لا ترقى بعد إلى مستوى الحقيقة العلمية المُثبتة، على عكس التطور أو الانفجار العظيم.

ما هو الزمن؟

هذا سؤال أعمق بكثير مما يبدو! الزمن من أكثر المفاهيم جوهرية وغموضًا في الكون، وليس له إجابة واحدة بسيطة.

الفلاسفة خاضوا فيه بعمق. لقد تأمل الفلاسفة والعلماء والفنانون هذا الأمر لآلاف السنين. إليكم أبرز وجهات النظر لفهمه:

1. المنظور الحدسي والفلسفي: "الزمن هو ما يمر".

* إنه تجربتنا الذاتية: الماضي (الذكريات)، والحاضر (التجربة المباشرة)، والمستقبل (التوقعات).

* يبدو أن الزمن يتدفق بلا رجعة من الماضي إلى المستقبل ( سهم الزمن واتجاهه). لدينا انطباع "بالتقدم في الزمن".

* لخّص القديس أوغسطينوس هذا اللغز بقوله: "ما هو الزمن إذن؟ إذا لم يسألني أحد، فأنا أعرف؛ ولكن إذا سألني أحد وأردت شرحه، فلن أعرفه".

2. المنظور الفيزيائي والعلمي: "الزمن بُعد" مثل الأبعاد المكانية.

هذه هي النظرة الأكثر صرامة، ولكنها أيضًا الأكثر مخالفة للحدس. * نيوتن (الزمن المطلق): بالنسبة لنيوتن، كان الزمن تدفقًا كونيًا ومطلقًا، يتدفق بانتظام وبشكل مستقل عن كل شيء. أي ساعة مثالية في أي مكان في الكون ستشير إلى الوقت نفسه.

* أينشتاين (الزمن النسبي): أحدثت نظرية النسبية ثورة في كل شيء. أظهر أينشتاين أن الزمن ليس مطلقًا، بل نسبي.

* يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالفضاء / المكان ليشكل نسيجًا رباعي الأبعاد: الزمكان.

* يتدفق الزمن بمعدلات مختلفة تبعًا للسرعة التي نتحرك بها وقوة مجال الجاذبية الذي نتعرض له. يتقدم رائد الفضاء على متن محطة الفضاء الدولية في العمر بسرعة أقل بقليل منا على الأرض (وهذا قابل للقياس باستخدام الساعات الذرية الدقيقة).

* سهم الزمن: لماذا يتدفق الزمن في اتجاه واحد فقط؟ يربط الفيزيائيون هذا بالإنتروبيا (القانون الثاني للديناميكا الحرارية). يزداد الإنتروبيا، أو الفوضى، فقط في نظام معزول (مثل الكون). هذه الزيادة غير القابلة للعكس في الفوضى هي التي تُعطي الزمن اتجاهه، "سهمه". نتذكر الماضي (أكثر تنظيمًا)، ولكننا لا نتذكر المستقبل (أكثر اضطرابًا).

* أينشتاين (الزمان والمكان) (الزمان والمكان) (الزمان والمكان) (الزمان والمكان) (الزمان والمكان). * الزمن في ميكانيكا الكم: هنا، يصبح الزمن مرة أخرى معيارًا مطلقًا وخارجيًا، مما يخلق توترًا مع النسبية العامة. يُعدّ توحيد هاتين النظريتين غايةً في الفيزياء الحديثة، ويتطلب فهمًا عميقًا للطبيعة الحقيقية العميقة للزمن.

3. المنظور البيولوجي والمعرفي: "الزمن إدراك".

* لا يُدرك دماغنا الزمن بشكل موحد. تبدو دقيقة في غرفة انتظار أطول من دقيقة نشاهد فيها فيلمًا مثيرًا.

* لدينا "ساعة داخلية" بيولوجية (إيقاعات يومية) تُنظّم إدراكنا للمدة.

* يُولّد وعينا "وهمًا" بالحاضر من خلال دمج المعلومات الحسية خلال فترة زمنية قصيرة جدًا (بضع ثوانٍ). ملخص وصورة شهيرة

تخيّل الزمكان كقرص DVD ضخم أو كتاب:

* الفضاء/المكان هو الأبعاد الثلاثة للمشهد (الارتفاع، العرض، العمق).

* الزمن هو البُعد الذي يسمح لنا بالانتقال من مشهد إلى آخر، من الدقيقة الأولى إلى الدقيقة الأخيرة من الفيلم.

* وفقًا لفيزياء أينشتاين، فإن الماضي والمستقبل موجودان "ككل" (أو "الكون المغلق"). نتحرك ببساطة عبر هذا البعد الرابع، كما لو كنا نشاهد فيلمًا يعرض مشهدًا تلو الآخر. وعينا يكشف لنا الزمن.

في الختام، ما هو الزمن؟

* بالنسبة للفيزيائي: هو بُعد نسبي قابل للقياس، مرتبط بالفضاء/المكان والجاذبية.

* بالنسبة للفيلسوف: هو إطار الوجود البشري والوعي.

* بالنسبة لعالم الأحياء: هو إدراك متغير يُنشئه دماغنا.

* بالنسبة للجميع: هو مورد ثمين ومحدود، يُعدّ تدفقه أحد أهم تجارب الحياة.

يظل الزمن لغزًا عميقًا، وقد يكون فهم طبيعته الحقيقية مفتاح فهم الكون نفسه.

ما هي اللانهاية وكيف نُعرّفها من منظور كوني؟

بالتأكيد. يُعد مفهوم اللانهاية من أكثر المفاهيم إرباكًا، وله معنى خاص في علم الكون. دعونا نُعرّفها على مرحلتين: الأولى مفاهيميًا، والثانية تطبيقيًا على الكون.

1. ما هي اللانهاية؟ (التعريف المفاهيمي)

اللانهاية ليست "عددًا" أو كمية يمكن الوصول إليها أو قياسها. إنها مفهوم يصف شيئًا بلا حدود، وبلا نهاية.

* في الرياضيات (التخصص الذي صاغ اللانهاية بشكل رسمي): نستخدم الرمز ∞. علاوة على ذلك، هناك عدة "أحجام" للانهاية (مجموعة لا نهائية من الأعداد الزوجية "أصغر" من مجموعة لا نهائية من جميع الأعداد الحقيقية، كما أوضح عالم الرياضيات جورج كانتور).

* في اللغة اليومية: تُستخدم بشكل تجريدي ("حب لا نهائي") أو بشكل زائدي ("طابور لا نهائي").

يكمن التحدي في اللانهاية في أن دماغنا، المعتاد على التعامل مع الأشياء المحدودة، لا يستطيع تمثيلها بشكل ملموس. لا يمكننا تصورها إلا بشكل تجريدي.

٢. اللانهاية في علم الكونيات: ثلاثة أسئلة جوهرية: في علم الكونيات، ينشأ سؤال اللانهاية بشكل رئيسي من ثلاثة جوانب:

أ) هل الكون لانهائي مكانيًا؟ هذا هو السؤال الأوضح. لا نعرف الإجابة عنه  على وجه اليقين.

* كوننا المرئي المرصود محدود: من الضروري فهم هذا الأمر. لا يمكننا رؤية سوى الضوء الذي وصل إلينا منذ الانفجار العظيم، قبل 13.8 مليار سنة. هذا يُعرّف كرة قطرها حوالي 93 مليار سنة ضوئية. لا يمكننا رصد أي شيء بعد هذا الحد. هذا الكون المرصود محدود الحجم ويحتوي على عدد محدود من المجرات (حوالي ٢ تريليون).

* الكون بأكمله (إن كان لانهائيًا) هو كون كليّ مطلق وحيّ: السؤال هو ما إذا كان كوننا المرصود مجرد جزء صغير من كل أكبر بكثير، وربما لانهائي. تشير القياسات الحالية لانحناء الكون بواسطة أقمار صناعية مثل بلانك إلى أن الكون "مسطح" بشكل ملحوظ. الكون المسطح يتوافق مع كون لانهائي مكانيًا. إذا انطلقتَ في خط مستقيم، فلن تعود أبدًا إلى نقطة البداية (على عكس سطح الأرض، المحدود ولكن بلا حواف).

لكن انتبه: لا يفرض التسطح اللانهائية. يمكن أن يكون الكون مسطحًا ومحدودًا (مثل طارة أو شريط موبيوس واسع النطاق). ومع ذلك، يُفضّل النموذج القياسي كونًا لانهائيًا مكانيًا.

باختصار: تشير البيانات إلى أن الكون ربما يكون لانهائيًا، لكن لا يمكننا إثبات ذلك بالملاحظة.

ب) هل الكون لانهائي في الزمن؟ (أزلي)

هل كانت له بداية؟ هل ستكون له نهاية؟

* الماضي: يصف نموذج الانفجار العظيم بدايةً قبل 13.8 مليار سنة. لكن هذا النموذج يصف التطور من نقطة تفرد، وليس نقطة التفرد نفسها. تقترح بعض النظريات (مثل التضخم الأبدي أو النموذج الدوري) أن انفجارنا العظيم هو مجرد حدث واحد في عالم ميتاكوزمي أبدي. السؤال "قبل الانفجار العظيم؟" قد لا يكون منطقيًا لو ظهر الزمن نفسه في تلك اللحظة.

* المستقبل: وفقًا للنموذج القياسي، سيستمر الكون في التمدد إلى الأبد، ويبرد ويتقلص إلى أجل غير مسمى ("التجمد الكبير" أو "الموت الحراري"). في هذا السيناريو، يستمر الزمن إلى ما لا نهاية في المستقبل.

ج) هل المحتوى لا نهائي؟

إذا كان الكون لا نهائيًا وموحدًا مكانيًا (المبدأ الكوني)، فإن التبعات ستكون جنونية:

* عدد لا نهائي من المجرات والنجوم والكواكب.

* كل شيء ممكن فيزيائيًا يحدث عددًا لا نهائيًا من المرات. هذا يعني أنه سيكون هناك عدد لا نهائي من النسخ المتطابقة منك، وأنت تقرأ هذا النص، على كوكب مماثل للأرض، في كون مرئي مماثل لكوننا. هذه نتيجة مباشرة ومذهلة للانهاية المكانية.

ملخص: كيف نُعرّف اللانهاية في علم الكونيات؟

من منظور كوني، اللانهاية خاصية هندسية وطوبولوجية محتملة للزمكان، مما يعني:

1. لا حدود: لا حدود للكون.

2. لا حدود للحجم: سيحتوي على مساحة غير محدودة.

3. غير قابلة للتحقق: بحكم التعريف، لا يمكننا إلا رصد جزء محدود (كوننا المرئي المرصود) فحسب، من كلٍّ لانهائي محتمل. لذلك، يجب علينا استنتاج هذه الخاصية من خلال القياسات غير المباشرة (مثل الانحناء).

الخلاصة

اللانهاية الكونية ليست "شيئًا" بقدر ما هي حلٌّ للمعادلات التي تصف الكون. هذا احتمالٌ مثيرٌ للاهتمام، وربما هو الأكثر ترجيحًا، اعتمادًا على النموذج، لكنه يبقى خارج نطاق التأكيد الرصدي النهائي.

إنه مفهومٌ يُواجهنا بحدود إدراكنا وعلمنا، ويُذكرنا بأن الحقيقة المطلقة للكون قد تكون في جوهرها بعيدة المنال بالنسبة لنوعٍ محصورٍ في زاوية صغيرة ومحدودة من كونه.

هل هناك نظرية لكل شيء تجمع بين النسبية وميكانيكا الكم؟ سؤال يُلامس التحدي الأكبر للفيزياء الأساسية الحديثة. ليس بعد. لا توجد حاليًا "نظرية لكل شيء" (ToE) مكتملة ومُثبتة تجريبيًا، تُوحد تمامًا بين النسبية العامة وميكانيكا الكم.

ومع ذلك، هناك مرشحون جادون وواعدون جدًا يُبحث عنهم بنشاط. هدفهم تحديدًا هو حل هذا التناقض.

المشكلة الأساسية: لماذا هاتان النظريتان؟ غير متوافقين؟

لفهم المسألة، يجب أن نفهم سبب تعارض هذين الركيزتين الفيزيائيتين:

1. النسبية العامة (آينشتاين): تصف الأشياء اللامتناهية في الكبر - الجاذبية، وبنية الزمكان، والمجرات، والثقوب السوداء. إنها نظرية حتمية و"سلسة": الزمكان منحنى مستمر.

2. ميكانيكا الكم: تصف الأشياء اللامتناهية في الصغر - الجسيمات، الذرات، القوى النووية والكهرومغناطيسية. إنها نظرية احتمالية و"حبيبية": الطاقة والمادة لهما طبيعة منفصلة ومتقلبة.

ينشأ التعارض في المواقف المتطرفة حيث يلتقي اللامتناهي الكبر باللامتناهي الصغر، مثل:

* مركز الثقب الأسود (مفردة الكثافة اللانهائية).

* اللحظات الأولى بعد الانفجار العظيم (عندما كان الكون بأكمله لامتناهياً في الصغر).

عند هذه المقاييس، يتناقض وصف آينشتاين السلس للزمكان مع التقلبات الكمومية. هناك حاجة إلى نظرية أكثر جوهرية لوصفها.

النظريات المرشحة لـ"نظرية كل شيء"

فيما يلي أهم المسارات التي استكشفها الفيزيائيون:

1. نظرية الأوتار الفائقة

تُعد هذه النظرية أشهر وأكثر النظريات تطورًا.

* الفكرة الأساسية: المكونات الأساسية للكون ليست جسيمات نقطية (نقاط صفرية البعد)، بل أوتار مهتزة أحادية البعد (ذات حجم متناهي الصغر، حوالي 10⁻³⁵ متر، وهو طول بلانك).

* كيف تتحد؟ الفرق بين جسيم المادة (مثل الإلكترون) وجسيم القوة (مثل الفوتون) ينبع فقط من طريقة اهتزاز الوتر، تمامًا مثل وتر الجيتار نفسه الذي يُصدر نغمات مختلفة. * التفصيل الحاسم: تتطلب نظرية الأوتار بالضرورة وجود أكثر من ثلاثة أبعاد مكانية (عادةً 10 أو 11 أو 26، حسب النسخة). ستكون الأبعاد الإضافية "مُلتفة" على نفسها بمقياس يصعب الوصول إليه.

* المشاكل: لا توجد حاليًا أي تنبؤات تجريبية مُثبتة. يقترح هذا النظام "مشهدًا" من الحلول المُحتملة، ربما 10⁵⁰⁰، دون معرفة أي منها يصف كوننا. كما أنه مُعقد رياضياتيًا للغاية.

2. الجاذبية الكمومية الحلقية (LQG):

هذا هو المُرشح الرئيسي الآخر، وهو بديل لنظرية الأوتار.

* الفكرة الأساسية: بدلًا من تغيير طبيعة الجسيمات، فإنه يُغير طبيعة الزمكان نفسه. الزمكان ليس مُتصلًا وناعمًا، بل يتكون من "ذرات" صغيرة من الفضاء (حلقات أو شبكات) ذات حجم محدود. هذا هو **تكميم الزمكان**.

* كيف يُوحّد؟ إنه يُطبّق مبادئ ميكانيكا الكم مباشرةً على البنية الهندسية للزمكان نفسه.

* المزايا/المشاكل: إنه أكثر "اقتصادًا" لأنه لا يتطلب أبعادًا إضافية. تُقدم هذه النظرية بعض التنبؤات (مثل تغير في تشتت الضوء على مسافات طويلة جدًا)، ولكن لم يُؤكَّد أيٌّ منها تجريبيًا حتى الآن.

3. مناهج أخرى

* نظرية الأعاصير: تُصوِّر الزمكان على أنه مُشتق من علاقات أكثر جوهرية بين أجسام هندسية تُسمى "الأعاصير".

* الهندسة غير التبادلية: تفترض أن إحداثيات الزمكان لا "تتبادل"، مما يعني وجود مفهوم للطول الأساسي لا تعود المفاهيم المعتادة للفضاء منطقية تحته.

لماذا لا نملك دليلًا حتى الآن؟

التحدي تجريبي. لاختبار هذه النظريات، يلزم وجود طاقة هائلة "لسبر" مقياس بلانك (10⁻³⁵ متر)، وهو أبعد ما يكون عن متناول مُسرِّعات الجسيمات لدينا مثل مُصادم الهدرونات الكبير قرب جنيف.

قد يأمل الباحثون في العثور على بصمات غير مباشرة:

* في الخلفية الكونية الميكروية (بقايا الانفجار العظيم).

* في موجات الجاذبية البدائية.

* من خلال رصد الأشعة الكونية عالية الطاقة. الخلاصة

نظرية الأوتار، الجاذبية الكمومية الحلقية

المفهوم الأساسي: أوتار مهتزة في زمكان سلس. الزمكان نفسه حبيبي.

الأبعاد: يتطلب أبعادًا إضافية (مثلًا، 10). يعمل مع الأبعاد المعتادة 3+1.

الهدف الرئيسي: توحيد جميع القوى والجسيمات. تحديد كمية الجاذبية بشكل مباشر.

الحالة: أنيقة رياضياتيًا، ولكن لا يوجد تنبؤ مُختبر. أكثر بساطة، لذلك، لا توجد "نظرية كل شيء" مؤكدة حتى الآن. يُعد البحث عن هذه النظرية أحد أهم أهداف الفيزياء الحديثة. إنه مسعى أساسي يُحرك بعضًا من أعظم العقول، لكنه يبقى في الغالب مجرد تكهنات في غياب بيانات رصدية لتوجيهه. ويستمر البحث.

هل يوجد إلهٌ خلق الكون أو الأكوان؟ كيف يُمكننا تعريفه علميًا؟ وهل هو داخل الكون أم خارجه؟

بهذا السؤالٌ الممتازٌ والعميق، يقع على الحدّ الفاصل بين العلم والفلسفة واللاهوت. التمييز بين هذه المجالات أمرٌ بالغ الأهمية للإجابة عليه بوضوح.

لنقم بتحليلٌ دقيقٌ للسؤال:

1. العلم وسؤال الله: حدودٌ منهجية

الإجابة الأهم هي: العلم، بمنهجه، لا يستطيع إثبات أو دحض وجود إله خالق. * مجال العلم: يسعى العلم إلى فهم "كيف" نشأ الكون. ويستخدم الملاحظة والتجريب والنمذجة لوصف القوانين والآليات التي تحكم العالم الطبيعي. نموذج الانفجار العظيم، على سبيل المثال، يصف كيف تطور الكون من حالةٍ شديدة الكثافة والحرارة قبل 13.8 مليار سنة.

سؤال "الخلق": السؤال "لماذا يوجد شيءٌ بدلًا من العدم أو بدلاً من  لاشيء؟" أو "ما هو السبب الأول لوجود الكون؟" سؤال ميتافيزيقي. يتجاوز نطاق العلم لأنه يتعلق بواقع محتمل خارج النظام الفيزيائي الذي يدرسه العلم. السبب "الأعلى" أو "الأول" أو العلة الأولى ليس ظاهرة يمكن ملاحظتها أو إعادة إنتاجها في المختبر.

باختصار: لا يمكن تصميم أي تجربة علمية للكشف عن "الله". وجود خالق ليس فرضية علمية قابلة للدحض.

2. كيف يعالج العلم الأسئلة "النهائية"؟

حتى لو لم يستطع الحديث عن "الله"، فإن العلم يستكشف المجال الذي يُطرح فيه السؤال: إذا كان الله هو خالق الكون فمن خلق الله؟

* الانفجار العظيم وبداية الكون المرئي ونحن في داخله: تُظهر نظرية الانفجار العظيم أن للكون المرئي عمرًا محدودًا وبداية. بالنسبة للبعض، يشير هذا إلى "سبب" خارجي. وبالنسبة لآخرين، يؤجل هذا ببساطة المشكلة (من خلق الله؟) أو يفتح الباب أمام نماذج للأكوان الأبدية (مثل التضخم الأبدي أو النماذج الدورية) التي لا تتطلب "بداية". * ضبط الكون بدقة: تُضبط الثوابت الفيزيائية الأساسية (قوة الجاذبية، كتلة الإلكترون، إلخ) بدقة مذهلة للسماح بظهور الحياة. أي تغيير طفيف سيجعل الكون عقيمًا.

التفسير أ (علمي/طبيعي): مبدأ الأنثروبولوجيا. لو لم تكن الثوابت هكذا، لما كنا هنا للحديث عنها. في الأكوان المتعددة (عدد لا نهائي من الأكوان ذات الثوابت العشوائية)، من المحتم أن يمتلك بعضها الثوابت والقيم  الصحيحة بمحض الصدفة. ونحن في أحدها. التفسير ب (ميتافيزيقيا): هذا الضبط الدقيق هو من عمل "مصمم عظيم" ذكي (مصمم) اختار هذه الثوابت.

لا يستطيع العلم الاختيار بين هذين التفسيرين. نظرية الأكوان المتعددة نظرية تخمينية (مع أنها ممكنة رياضياتيًا)، وفرضية المصمم غير قابلة للاختبار.

3. هل الله داخل الكون أم خارجه؟

هذا السؤال فلسفي ولاهوتي بحت. يتعارض مفهومان رئيسيان:

* الإله المتعالي (الخارجي): هذا هو المفهوم الأكثر شيوعًا في الديانات التوحيدية (المسيحية، الإسلام، اليهودية). الله متميز عن خلقه؛ فهو خارجي وسابق عليه. هو العلة الأولى غير المسبب. هو "يتجاوز" الكون ولا يخضع لقوانينه (المكان، الزمان، المادة). هو الله الخالق للكون من العدم (من العدم؟) ماهوالعدم.

* الإله الداخلي (الباطني): هذا مفهوم أقرب إلى وحدة الوجود (الله هو الكون) أو وحدة الوجود (الله موجود في الكون ولكنه متعالٍ عليه). في هذا المنظور، ليس الله كائنًا شخصيًا خارجيًا، بل قوة، أو وعيًا، أو جوهرًا يتخلل كل شيء في الطبيعة. وبالتالي، فإن الكون تجلٍّ لله.

لا علاقة للعلم بهذا الجدل، لأنه يتعلق بطبيعة الله ذاتها التي لا يستطيع أحد وصفها أو توصيفها، وهو مفهوم لم يُعرّف علميًا.

الخاتمة: جدول ملخص

الجانب: الموقف العلمي

الموقف الفلسفي/اللاهوتي

وجود إله خالق: لا يمكن إثباته أو دحضه. خارج نطاق العلم. إنها مسألة إيمان وعقل. تُناقش حجج مختلفة (كونية، غائية)، ولكن دون دليل قاطع.

التعريف العلمي لله: مستحيل. "الله" ليس مفهومًا علميًا قابلًا للاختبار أو القياس. يُعرّف الله بالنصوص المقدسة والفلسفة والتجربة الشخصية (مثل: أبدي، كلي القدرة، عليم، خيّر).

الموقع (داخلي/خارجي): غير قابل للتطبيق. يدرس العلم الكون المادي. إذا كان الله خارجه، فهو خارج نطاق دراسته. موضوع جدل عمره آلاف السنين بين التسامي (الخارجي) والمحايثة (الداخلية).

باختصار:

يقدم لنا العلم وصفًا رائعًا ومتزايد الدقة لكيفية عمل الكون وتطوره. لكنه يتجاهل السؤال الجوهري حول سبب وجوده وهل له "سبب" أو "معنى".

الإيمان بإله خالق هو خيار شخصي، أو إيمان، أو قناعة فلسفية مدعومة بحجج تتجاوز المنهج العلمي. لا يُؤكدها العلم ولا يُدحضها، بل توجد في نطاق مختلف من المعرفة البشرية.

***

د. جواد بشارة

أبرز التحديات المعاصرة

لم يعد مفهوم الأمن السيبراني مقتصرًا في الجغرافيا  والسيادة التقليدية وحماية الحدود والمؤسسات المادية، انما أصبح يمتد إلى الفضاء السيبراني بكل ما يحتويه من بيانات وأنظمة معلوماتية وبنية تحتية رقمية والذي يُعد ساحة جديدة للصراعات والتجاذبات الاستراتيجية، ومع التحول العميق الذي يشهده العالم في المجال الرقمي أصبحت البنية المعلوماتية الرقمية تمثل العصب الحيوي للأنشطة الفردية والمؤسساتية والدولية لتنامي الاعتماد على التكنولوجيا الرقمية والإنترنت في جميع مناحي الحياة، وترافق هذا التحول مع بروز تهديدات متزايدة تُعرف بالهجمات السيبرانية (Cyber Attacks) التي باتت تمثل خطرًا مباشرًا على الأمن القومي وسلامة الاقتصاد واستقرار المجتمعات، لذلك تبرز الحاجة إلى تعزيز الوعي وتطوير منظومات الحماية وبناء ثقافة أمنية رقمية مستدامة، وهكذا اصبح الأمن السيبراني ضرورة لا ترفًــا أذ ان الهجمات الإلكترونية تعد تهديدًا حقيقيًا للبنى التحتية والأنظمة المصرفية وحتى السيادة الوطنية.

برز الأمن السيبراني بوصفه أحد أبرز التحديات المعاصرة التي تواجه الأفراد والمؤسسات والدول على حد سواء، وتتسارع الحاجة إلى تعزيز مفاهيم الأمن السيبراني بالتوازي مع ازدياد استخدام التقنيات الذكية والتكامل مع الذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence)) والذي بدوره يحمل إمكانات مزدوجة؛ فهو يمثل من جهة أداة لحماية الأنظمة ومن جهة أخرى وسيلة للهجوم المتطور والمؤتمت، وفي هذا السياق تتعاظم التحديات المعاصرة التي تواجه مختلف الدول والمؤسسات مما يستوجب بناء ثقافة سيبرانية مستدامة وتشريعات ذكية ومنظومات رقمية مُحصّنة.

مفهوم الأمن السيبراني:

يُقصد بالأمن السيبراني (Cybersecurity)  مجموعة الإجراءات التقنية والتنظيمية والإدارية التي تهدف إلى حماية أنظمة المعلومات من الاختراق والتلف والوصول غير المصرح به. ويُعرَّف الأمن السيبراني بأنه مجموعة من السياسات والتقنيات والإجراءات الوقائية المصممة لحماية الأنظمة الرقمية والشبكات والبرمجيات والبيانات من الهجمات الرقمية والتخريب والتدمير والسرقة، وتكمن أهميته في حماية المعلومات الحساسة (مثل البيانات المالية والطبية) وضمان استمرارية عمل المؤسسات ومنع التجسس والاختراقات الإلكترونية.

يهدف الأمن السيبراني بالدرجة الأولى إلى تحقيق ثلاثة مبادئ هي: سرية حماية المعلومات من الوصول غير المصرح به، وسلامة ضمان عدم التعديل أو التلاعب بالمعلومات أثناء تخزينها أو نقلها، وتوفر ضمان وصول المستخدمين المصرح لهم إلى المعلومات والأنظمة في الوقت المناسب. ويُعد الأمن السيبراني من ركائز الأمن القومي الحديث ويكتسب أهمية استراتيجية متزايدة في ضوء الاعتماد المكثف على التكنولوجيا الرقمية في مجالات المال والطاقة والاتصالات والتعليم والصحة والمواصلات (النقل والاتصالات) وبالتالي ضمان توافر المعلومات وسريتها وسلامتها.[1]

تطور الأمن السيبراني:

شهد الأمن السيبراني تطوراً مرحليا متتاليا رافق تطور التكنولوجيا الرقمية منذ بدايات استخدام الحواسيب وتحديداً في النصف الثاني من القرن العشرين وصولاً إلى عصر الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة حيث سجلت مستويات خطيرة للتهديدات السيبرانية،  وفي كل مرحلة من مراحل الثورة الرقمية ظهرت تهديدات جديدة استدعت تطوير وسائل وتقنيات دفاعية أكثر تعقيدًا وكما يلي:

المرحلة الأولى؛ تمثلت بالحماية المادية والبسيطة (1960-1980) لمحدودية التهديدات المرتبطة اصلا بتركيبات الأنظمة الحاسوبية المعزولة.

المرحلة الثانية؛ تمثلت بظهور البرمجيات الخبيثة (1980-2000) حيث انتشرت الفيروسات لذلك تم تطوير أولى برامج مكافحة الفيروسات.

المرحلة الثالثة؛ بدأت باستخدامات الإنترنت (2000-2010) ومع ازدياد الاعتماد على شبكة الإنترنت ظهرت هجمات أكثر تعقيداً مثل الاختراقات المنظمة والتصيد.

المرحلة الرابعة؛ تمثلت بالحروب السيبرانية والذكاء الاصطناعي (منذ 2010– الان)، حيث تطورت الهجمات إلى استخدام الذكاء الاصطناعي، والهجمات على البنية التحتية الحيوية، والهجمات عبر سلاسل التوريد.[2]

مظاهر الأمن السيبراني وأساليبه:

تتمثل عناصر الأمن السيبراني الأساسية بأمن الشبكات والبيانات والمستخدم والبنية التحتية.

1. التهديدات الأمنية وهي الهجمات السيبرانية ومنها الهجمات الفيروسية وهجمات الفدية وهجمات حجب الخدمة وهجمات الهندسة الاجتماعية مثل التصيد الإلكتروني. وتهديدات الاختراقات الأمنية؛ ومنها تسريب البيانات الشخصية والتجارية. وتهديدات الهجمات على البنية التحتية الرقمية ومنها شبكات الكهرباء والمستشفيات. وتهديدات القرصنة الحكومية والابتزاز الرقمي حيث تقوم دول أو جهات بتنفيذ هجمات منظمة لأهداف سياسية أو اقتصادية. إضافة الى تهديد الاختراقات المتقدمة والمستمرة.

2. التحصين التقني؛ ويتم من خلال جدران الحماية والتشفير وبرمجيات الكشف عن التسلل والتدريب والوعي السيبراني لكون العامل البشري يعد من أضعف الحلقات، وعليه تعتمد أنظمة عديدة لرصد التهديدات المبكرة ومنها؛ إدارة الهوية والوصول وأنظمة الاستجابة للحوادث وتطبيقات الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الضخمة.

استراتيجيات الحماية السيبرانية مؤسساتيا:

أهمية الأمن السيبراني تكمن في الحفاظ على الاقتصاد الرقمي،  فالبيانات الرقمية تُعد من أهم الأصول الاقتصادية في العصر الحديث وحماية السيادة الوطنية، فقد أصبحت الهجمات السيبرانية وسيلة للحروب الحديثة والتجسس السياسي والاقتصادي، ويتم تعزيز الثقة في التحول الرقمي بحماية أنظمة الدفع الإلكتروني والتعليم عن بُعد والخدمات الحكومية الرقمية ومنع الكوارث الناتجة عن الاختراقات الرقمية للبنى التحتية الحرجة مثل شبكات الكهرباء والمياه والمستشفيات.

1. يتضمن الأمن السيبراني على مستوى الدولة تشريع قوانين واضحة ومنها؛ قانون الجرائم المعلوماتية وحماية بيانات البنية التحتية الرقمية (الكهرباء، الاتصالات، الصحة)، والمشاركة في الاتفاقيات الدولية الأمنية وتبادل المعلومات الاستخباراتية، وكذلك تأمين البنية التحتية الرقمية الحيوية عبر إنشاء طبقات متعددة من الدفاع خاصة في منشئات الطاقة والمياه والمطارات، واستحداث المراكز الوطنية للأمن الرقمي للاستجابة للطوارئ السيبرانية CERT)) كما في؛ الولايات المتحدة بوزارة الأمن الداخلي، ودولة الإمارات بهيئة تنظيم الاتصالات والحكومة الرقمية، والمملكة السعودية بالهيئة الوطنية للأمن السيبراني.

2. في المؤسسات التعليمية والتربوية يتم إدراج مفاهيم الأمن السيبراني في المناهج الدراسية بمختلف المراحل عبر مقررات متخصصة في المدارس والجامعات، وإدخال الثقافة الرقمية الآمنة بالتعاون مع الجهات الأكاديمية والمهنية، ومن خلال برامج تدريب مكثفة لتقليل الفجوة في سوق العمل، وكذلك السعي لبناء كفاءات وطنية محلية من خلال برامج منهجية في الدراسات عليا، وتأمين نيل شهادات احترافية في الأمن السيبراني، وتوفير شبكات تعليمية آمنة من خلال تطبيق أنظمة فلترة وحماية من التهديدات أثناء التعلم الرقمي لمستخدمي الإنترنت من الطلبة والأساتذة.

3. في المؤسسات الإعلامية يتم مكافحة المعلومات المضللة من خلال التحقق من الأخبار وعدم الوقوع في فخ التلاعب الرقمي، والتوعية العامة عبر تقديم محتوى تثقيفي يتعلق بالممارسات الرقمية الآمنة.

4. حماية البنية الرقمية لكل مؤسسة من خلال إجراءات أمنية صارمة لمنع اختراق الحسابات والمواقع الإلكترونية وذلك بتدريب الموظفين على الوعي السيبراني والمراقبة والاستجابة للهجمات، وتشفير البيانات واستخدام جدران الحماية (Firewall) وتحديث الأنظمة باستمرار. أن التهديدات الأمنية لم تعد مقتصرة على الهجمات التقليدية انما ظهرت أشكال معقدة ذات طابع متطور تتطلب تفكيرًا استباقيًا واستراتيجيات متقدمة.

الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني:

استخدام الذكاء الاصطناعي الدفاعي يتمثل؛ برصد التهديدات في الزمن الحقيقي عبر تحليل البيانات الضخمة وخصائص السلوك الشبكي والتعلم الآلي أي التنبؤ بالهجمات قبل وقوعها، ومكافحة الهجمات التلقائية من خلال نماذج الكشف التنبؤية باستخدام شبكات عصبونية اصطناعية، وتصنيف الرسائل والتصيد وتصفية البريد الإلكتروني باستخدام خوارزميات ذكية، وتحليل الهجمات في الزمن الحقيقي للتهديدات الناشئة من الذكاء الاصطناعي التوليدي اذ ان الأدوات مثل ChatGPT وClaude  وGemini يمكن استغلالها لكتابة كود برمجي خبيث أو توليد حملات تصيد دقيقة.

يمثل الذكاء الاصطناعي التوليدي تحديًا مزدوجًا إذ يُستخدم في الدفاع والهجوم معًا، ولا بد من تطوير أطر أخلاقية لضبط استخدام الذكاء الاصطناعي في المجال الأمني ومراقبة الاستخدام غير المشروع للأنظمة التوليدية عبر آليات تحقق داخلية، وتطوير أنظمة ذكاء اصطناعي مضادة لرصد السلوك غير الطبيعي في الشبكات، فتقنيات التزييف العميق تُستخدم لتزوير مقاطع صوتية أو مرئية بدقة عالية كما تُستخدم في الابتزاز الرقمي أو نشر المعلومات المضللة.

تحديات الأمن السيبراني المستقبلية:

1. التحديات التي تطرحها الحوسبة الكمية لتقنيات التشفير تتم من خلال؛ تطوير خوارزميات تشفير غير قابلة للكسر بالتقنيات الحالية لتطور الهجمات بوتيرة أسرع من وسائل الدفاع، فالهجمات المُؤتمتة عبر الذكاء الاصطناعي (باستخدام المهاجمين لنفس تقنيات الذكاء الاصطناعي للهجوم) تطور بشكل أكثر تعقيدًا وسرعة، لذلك فأن كشف التهديدات والهجمات باستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي  يتيح أنظمة ذكية لرصد التهديدات، وتحليل السلوك الشبكي غير الطبيعي في الزمن الحقيقي مما يُعزز الوقاية الاستباقية من الهجمات.

2. الاختراقات المرتبطة بأمن إنترنت الأشياءIoT)) ويقصد بها مهاجمة الأجهزة الذكية مثل الكاميرات الذكية والعدادت الذكية ذات الانتشار الواسع عالمي اذ سيعمل حوالي أكثر من 25 مليار جهاز متصل بالإنترنت بحلول عام 2030، ومعظم هذه الأجهزة تفتقر إلى بروتوكولات أمن متقدمة.

يركز أمن إنترنت الأشياء على حماية الأجهزة المتصلة بالإنترنت مثل الأجهزة المنزلية الذكية والسيارات المتصلة والأجهزة الطبية، ويستهدف منع الهجمات السيبرانية التي يمكن أن تؤثر على هذه الأجهزة وتضمن حماية البيانات الشخصية. ومراحل الهجوم تبدء؛ باستغلال الثغرات الرقمية "اختراق الشبكة" "انتشار داخلي" الوصول إلى الهاتف او الكاميرات الذكية او الخادم.

3. التعليم السيبراني والتأهيل المهني لتلافي نقص الكوادر المؤهلة والمتخصصة، فلا يزال هناك عجز عالمي في الخبرات المتخصصة في الأمن السيبراني يفوق العرض مما يعرقل التصدي للهجمات الحديثة.

4. الحاجة لنشر مراكز أمن سيبراني إقليمية وذلك بزيادة تأسيس مراكز وطنية وإقليمية لتبادل الإنذارات المبكرة والتنسيق في حالة الهجمات العابرة للحدود.

5. ان ضعف الحماية في الأجهزة الذكية يؤدي إلى تشكيل نقاط ضعف واسعة الانتشار داخل البنية التحتية الرقمية، ولذلك فأن التقنيات الأمنية المدمجة في الأجهزة بأنظمة حماية داخلية تعزز الأمن من الجذر.

6. التحديات المرتبطة بالتنظيم والتشريع العابرة للحدود بسبب اختلاف الأنظمة القانونية بين الدول مما يعيق الاستجابة المنسقة للهجمات الإلكترونية الدولية.

الاستراتيجيات الوقائية العامة:

1. تبني نموذج الثقة صفر(Zero Trust Model)  ويقصد به؛ النموذج الرقمي التقليدي الذي لا يثق مطلقًا، ويركز على التحقق المستمر والدقيق لكل طلب وذلك للتأكد والسيطرة وحماية الحدود، ولا تتم المصادقة الا باجتياز حاجز/ جدران الحماية للوصول إلى البيانات. ونموذج الثقة صفر استراتيجية أمنية يفترض أن تكون مواجه لكل مستخدم أو جهاز غير موثوق به حتى يتم التحقق من هويته وصلاحياته، ويعني ذلك أن كل طلب للوصول إلى الموارد يجب أن يتم التحقق منه بشكل صارم بغض النظر عن مصدر الطلب.

2. تشجيع الاستثمار في مجال الأمن الرقمي وتحفيز القطاع الخاص على الاستثمار في تطوير حلول الحماية والتشفير، وتقديم حوافز مالية للشركات الناشئة في مجال (الأمن السيبراني الأبتكاري)، وإنشاء صناديق تمويل وطنية للبحوث والمشروعات السيبرانية.

3. تحفيز البحث العلمي في الابتكار السيبراني ودعم الأبحاث في تقنيات الكشف المبكر للهجمات، فالتشفير بالكوانتم (وهو تشفير تقليدي اعتمد على العمليات الرياضية) مُعرّض لابطال فعاليتة بخوارزميات (شور)، لذلك يعتمد الان على التشفير ما بعد (الكوانتم) الذي يهتم بتطوير خوارزميات تشفير قادرة على مقاومة الهجمات من حواسيب الكوانتم. ويهدف التشفير ما بعد الكوانتم  إلى تأمين البيانات في المستقبل ضد هذه الهجمات. وقد بدء باستخدام خوارزميات مقاومة للهجمات السيبرانية الكمومية (التي تستفيد من ميكانيكا الكم/الكمية لاختراق/اعتراض أنظمة التشفير والاتصالات) وأصبحت معايير معتمدة بحلول عام 2024 - 2025.

4. تطوير برامج الوعي السيبراني لجميع شرائح المجتمع، وتعزيز الاستثمار في البحث والتطوير في تقنيات الأمن والتعاون بين القطاعين العام والخاص لضمان الحماية المتبادلة.

هـــكذا يُعد الأمن السيبراني حجر الأساس في صيانة البنية التحتية الرقمية للدول وحماية المجتمعات من التهديدات المعاصرة، ومع تزايد الاعتماد على الرقمنة اصبح من الضروري تنسيق الجهود بين المؤسسات الحكومية والتعليمية والإعلامية لضمان بناء بيئة رقمية آمنة ومستقرة وقادرة على مواكبة التطور المتسارع في أدوات الهجوم والدفاع على حد سواء.

يمثل الأمن السيبراني درع الأمان لعالمنا الرقمي المعاصر، ولتحقيق الحماية الرقمية المستدامة لا بد من تكاتف الجهود بين الحكومات والمؤسسات والأفراد بالتوعية والتدريب والتطوير المستمر للتقنيات، وهي السبل الفعالة لمواجهة التهديدات المتزايدة حيث بات الأمن السيبراني أحد الأركان الجوهرية للأمن القومي والاقتصاد الرقمي العالمي.

إن معالجة التهديدات المعقدة التي تلوح في الأفق تتطلب تبني نهج متعدد المستويات يجمع بين التكنولوجيا والتشريع والتعليم والتعاون الدولي، كما أن الاستثمار في الإنسان (وعيًا وعلمًا) يظل جوهر أي استراتيجية فعالة لبناء فضاء رقمي آمن ومستدام.

***

ا. د. مجيد ملوك السامرائي - كاتـب أكاديمي

المراجع:

1. Sura National Institute of Standards and Technology (NIST). "Framework for Improving Critical Infrastructure Cybersecurity", 2023.

2. European Union Agency for Cybersecurity (ENISA), “Threat Landscape Report”, 2023.

3. Singer, P. W., & Friedman, A. (2014). Cybersecurity and Cyberwar: What Everyone Needs to Know. Oxford University Press.

4. Andress, J. (2021). The Basics of Information Security: Understanding the Fundamentals of InfoSec in Theory and Practice. Elsevier.

5. World Economic Forum. "Global Cybersecurity Outlook 2024".

 

يكشف لنا استطلاع مجلة "نيتشر" الذي صدر مؤخرا   (Nature, Vol 641, 578, 15 May 2025)عن مشهد معقد ومليء بالتناقضات يحيط بمسألة استخدام الذكاء الاصطناعي في صياغة الابحاث العلمية. فالانقسام بين الباحثين ليس مجرد اختلاف في وجهات النظر، بل يعكس قلقا عميقا بشان مستقبل البحث العلمي واخلاقياته الاساسية. يبدو ان هناك اتجاها يرى في الذكاء الاصطناعي اداة واعدة يمكن ان تساهم في تسريع عملية الكتابة وتوفير الوقت والجهد، خاصة في المراحل الاولية من اعداد المخطوطات. يمكن للنماذج اللغوية الكبيرة (LLMs) ان تساعد في تجاوز حواجز اللغة للباحثين غير الناطقين بالانكليزية، او في تلخيص مراجعات الادبيات الضخمة، او حتى في اقتراح هياكل منطقية للمقالات، مما يترك للباحثين مساحة اكبر للتركيز على الجوهر العلمي والتحليل العميق.

لكن في المقابل، يبرز تخوف متزايد من المساس بجوهر البحث العلمي، بدءا من تحديد المسؤولية عن المحتوى وصولا الى ضمان الاصالة وتجنب الانتحال غير المقصود. تطرح تساؤلات حادة حول من يتحمل المسؤولية القانونية والاخلاقية عن الاخطاء او المعلومات المضللة التي قد ينتجها الذكاء الاصطناعي، خصوصا وان هذه الادوات قد "تختلق" معلومات غير صحيحة او تعرف بـ "هلوسات" البيانات. كما ان التدريب على مجموعات بيانات ضخمة يمكن ان يورث النماذج تحيزات موجودة في تلك البيانات، مما قد يؤدي الى انتاج محتوى متحيز او يعزز الصور النمطية، وهو امر خطير في سياق البحث العلمي الذي يسعى للموضوعية. يرى العديد من الاكاديميين ان الافراط في الاعتماد على الذكاء الاصطناعي قد يؤدي الى تاكل مهارات التفكير النقدي لدى الباحثين وقدرتهم على التعبير الاصيل.

الامر الاكثر اثارة للقلق هو تلك الفجوة التي يكشف عنها الاستطلاع بين القبول النظري لاستخدام الذكاء الاصطناعي كمساعد وبين التردد الواضح في تطبيقه الفعلي. والاخطر من ذلك، هو ميل نسبة غير قليلة ممن استخدموا هذه الادوات الى عدم الافصاح عن ذلك في اوراقهم المقدمة للنشر. هذا السلوك يثير علامات استفهام كبيرة حول الشفافية والنزاهة الاكاديمية، ويفتح الباب امام تساؤلات حول مدى قدرة المجتمع العلمي على الثقة في الابحاث التي قد تكون بصمة الذكاء الاصطناعي واضحة فيها دون اعتراف بذلك. يعكس هذا التردد في الكشف عن الاستخدام مخاوف من الوصم او عدم وجود ارشادات واضحة حول كيفية ومتى يجب الاشارة الى استخدام ادوات الذكاء الاصطناعي.

ان هذه النتائج تدق ناقوس الخطر، وتستدعي تحركا عاجلا وحاسما من المؤسسات الاكاديمية والناشرين والمنظمات البحثية لوضع اطار اخلاقي وقانوني واضح ينظم استخدام الذكاء الاصطناعي في الكتابة العلمية. وقد بدات بالفعل بعض دور النشر الكبرى مثل "الزفير" و"سبرينغر نيتشر" في صياغة سياسات، حيث ينص العديد منها على ان الذكاء الاصطناعي لا يمكن ان يكون مؤلفا للورقة، ولكنه يمكن ان يستخدم كاداة مع الافصاح الصريح عن ذلك في قسم المنهجية او الشكر والتقدير. هذه المسائل الحساسة مثل تحديد معايير واضحة للتاليف في حال تدخل الذكاء الاصطناعي بشكل كبير في الصياغة، وضمان خلو المحتوى من التحيزات الكامنة في البيانات التي تدربت عليها هذه الانظمة، والحفاظ على قدرة الباحثين على التفكير النقدي والتعبير عن افكارهم بوضوح، ليست مجرد تفاصيل هامشية. بل هي الركائز الاساسية التي تقوم عليها مصداقية العلم وقدرته على خدمة المجتمع.

ومع ذلك، لا بد من الإشارة الى ان التحيز في البيانات في مجال البحث العلمي الطبي والبيولوجي قد يحدث دون قصد، وذلك بسبب محدودية المتغيرات المستخدمة في الدراسة، والتي يصعب تجاوزها في كثير من الأحيان لأسباب تقنية. وتؤدي هذه القيود الى نتائج تعرف بالافراط في التكيف Overfitting وعدم قابلية تعميم النموذج Lack of Generalizability، حيث يصبح النموذج دقيقا للغاية على بيانات التدريب ولكنه يفشل في التكيف مع البيانات الجديدة. 

جدير بالذكر أن النقاش الشائع حول مخاطر التحيز في البيانات يركز في الغالب على "التحيز المقصود"، والذي يظهر بشكل أكبر في المجالات الاجتماعية والدراسات الإنسانية، على عكس التحيز غير المقصود الذي ينتج عن قيود منهجية او تقنية في البحوث العلمية. 

يمكن القول ان استطلاع "نيتشر" هذا لا يمثل مجرد استبيان للاراء، بل هو نقطة تحول مفصلية في النقاش حول مستقبل البحث العلمي في عصر الذكاء الاصطناعي. انه يضعنا امام حقيقة مفادها اننا بحاجة الى التفكير مليا وبشكل استباقي في كيفية دمج هذه التقنيات القوية والتحويلية في منظومة عملنا البحثي دون المساس بالقيم الاساسية التي لطالما ميزت المسعى العلمي عبر التاريخ، مثل الدقة المتناهية والموضوعية المطلقة والاصالة الفكرية والابداع البشري الذي لا يمكن استبداله.

ان هذا التحول يتطلب منا اكثر من مجرد تحديث للسياسات، انه يدعونا الى اعادة تعريف شاملة وواعية لمفهوم "التاليف" لياخذ في الاعتبار المساهمة الفكرية العميقة والمسؤولية الكاملة والشاملة عن المحتوى والنتائج المترتبة عليه، وليس فقط مجرد فعل الكتابة او الصياغة نفسه. ان وضع مبادئ توجيهية واضحة المعالم وملزمة التطبيق وتعزيز ثقافة الشفافية المطلقة والافصاح الكامل والصريح عن اي مساعدة من الذكاء الاصطناعي في اي مرحلة من مراحل البحث او الكتابة، وتطوير ادوات تقنية متقدمة وفعالة للكشف عن المحتوى الذي تم انشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي او تم تعديله بواسطته، هي خطوات اساسية وضرورية لضمان استمرار العلم كمصدر موثوق ومسؤول للمعرفة الانسانية في المستقبل القريب والبعيد.

علاوة على ذلك، يبرز الاستطلاع الحاجة الماسة الى حوار مستمر وبناء بين جميع الاطراف المعنية—من الباحثين وصناع السياسات الى مطوري الذكاء الاصطناعي وخبراء الاخلاقيات لضمان ان التطورات التكنولوجية تخدم الاهداف السامية للعلم والتقدم البشري. ان هذا الحوار هو السبيل الوحيد للتصدي للتحديات غير المتوقعة التي قد تطرأ، وللحفاظ على روح الاكتشاف الفضولي والتفكير النقدي التي تعد جوهر التقدم العلمي والابتكار. هذا التحدي يمثل فرصة ثمينة لاعادة تقييم وتجديد ممارساتنا العلمية لتتوافق مع العصر الجديد، بدلا من مجرد التكيف معه.

***

  د. محمد الربيعي

بروفسور متمرس في جامعة دبلن ومستشار دولي

 

بالنسبة إلى فرضية لامُحدَّدية الكون السوبر خلاّقة، الكون = اللامُحدَّد × الوعي. تملك هذه الفرضية قدرات تفسيرية ناجحة مما يدعم صدقها. مثل ذلك أنها تنجح في تفسير لامُحدَّدية العالَم ما دون الذري ومشاركة الوعي في صياغة الواقع. كما تنجح الفرضية السابقة في التعبير عن أنَّ لامُحدَّدية الكون سوبر خلاّقة. فبما أنَّ الكون = اللامُحدَّد × الوعي، إذن اللامُحدَّد = الكون ÷   الوعي. وبذلك اللامُحدَّد مصدر تكوين الكون مما يجعل لامُحدَّدية الكون سوبر خلاّقة من جراء أنها مصدر كيفية تكوّن الكون.

جُسيمات أم موجات

تؤكِّد نظرية ميكانيكا الكمّ العلمية على أنَّه من غير المُحدَّد إن كانت الجُسيمات (كالإلكترونات) جُسيمات أم موجات ولذلك تتصرّف الجُسيمات وكأنها جُسيمات وموجات في آن رغم أنَّ الجُسيمات نقائض الموجات [1]. وتنجح فرضية لامُحدَّدية الكون السوبر خلاّقة في تفسير تلك الحقيقة العلمية ضمن ميكانيكا الكمّ وذلك على النحو التالي: بما أنَّ، بالنسبة إلى فرضية لامُحدَّدية الكون السوبر خلاّقة، الكون = اللامُحدَّد × الوعي، إذن من المتوقع أن يكون الكون غير مُحدَّد كأن يكون من غير المُحدَّد إن كانت جُسيماته جُسيمات أم موجات. هكذا تنجح فرضية لامُحدَّدية الكون السوبر خلاّقة في تفسير لامُحدَّدية الجُسيمات من خلال قانونها القائل بأنَّ الكون = اللامُحدَّد × الوعي. وعلى ضوء هذا النجاح تكتسب تلك الفرضية صدقها.

قطة شرودنغر

من منطلق ميكانيكا الكمّ أيضاً، للوعي دور أساسي في تكوين الواقع. تُعبِّر ميكانيكا الكمّ عن الدور الفعّال للوعي في عملية تكوين الكون من خلال تصوّر وجود قطة شرودنغر في صندوق مُغلَق حاوٍ على مادة مُشِعة بينما احتمال أن تقتل تلك المادة المُشِعة قطة شرودنغر يساوي احتمال عدم قتلها لتلك القطة لأنَّ الكون المُتصوَّر في هذا الاختبار النظري يطابق عالَمنا المحكوم بقوانين احتمالية بدلاً من حتمية. وبما أنَّ احتمال أن تكون قطة شرودنغر ميتة يساوي احتمال أنَّ تلك القطة ليست ميتة بل حيّة، إذن من غير المُحدَّد إن كانت قطة شرودنغر حيّة أم ميتة. وهذا ما يُعبِّر عن لامُحدَّدية الجُسيمات في عالَم ميكانيكا الكمّ. لكن فقط حين نفتح ذلك الصندوق الحاوي على قطة شرودنغر والمادة المُشِعة ونبصر تلك القطة، تصبح تلك القطة إما حيّة وإما ميتة مما يدلّ على أنَّ وعينا بها يُحدِّد إن كانت حيّة أم ميتة [2]. من هنا، الوعي يُشكِّل الكون والواقع.

لكن فرضية لامُحدَّدية الكون السوبر خلاّقة القائلة بأنَّ "الكون = اللامُحدَّد × الوعي" تنجح في تفسير دور الوعي الفعّال السابق مما يشير إلى صدقها على ضوء نجاحها التفسيري. فبما أنَّ الكون = اللامُحدَّد × الوعي، إذن من المتوقع أن يشارك الوعي في تكوين الكون ولذلك فقط حين نعي الواقع يغدو الواقع مُحدَّداً مما يُفسِّر لماذا فقط حين نعي قطة شرودنغر تصبح تلك القطة إما حيّة وإما ميتة. هكذا قانون فرضية لامُحدَّدية الكون السوبر خلاّقة ألا وهو أنَّ الكون = اللامُحدَّد × الوعي ينجح في تفسير لماذا فقط حين نعي قطة شرودنغر، تمسي تلك القطة إما حيّة وإما ميتة. وعلى ضوء الاعتبارات السابقة، الوعي تحديد الكون اللامُحدَّد. فالكون غير مُحدَّد ولكن فقط حين نعيه يصبح مُحدَّداً.

قدرة تعبيرية

بالنسبة إلى نموذج علمي أساسي، الكون معلومات وتبادل للمعلومات كما يؤكِّد الفيزيائي جون ويلر بينما المعلومات قياس الاحتمالات أي قياس اللامُحدَّد المُعبَّر عنه بالاحتمالات المختلفة والمتعارضة. فكلما ازدادت الاحتمالات أي كلما ازداد اللامُحدَّد في الخطاب أو الظاهرة، إزدادت معلومات ذلك الخطاب أو تلك الظاهرة بازدياد مثلاً التفاسير المحتملة والمختلفة للخطاب أو الظاهرة (من جراء اختلاف وتعدّد احتمالات معاني الخطاب أو الظاهرة) كما أكَّد على ذلك عالِم الرياضيات كلود شانون. وبذلك باللامُحدَّد في الخطاب أو الظاهرة تُقاس المعلومات [3]. وينجح القانون القائل بأنَّ الكون = اللامُحدَّد × الوعي في التعبير عن أنَّ الكون معلومات. فبما أنَّ الكون = اللامُحدَّد × الوعي بينما باللامُحدَّد تُقاس المعلومات، إذن الكون = المعلومات × الوعي. من هنا، ينجح قانون أنَّ الكون = اللامُحدَّد × الوعي في التعبير عن أنَّ الكون معلومات. وهذا النجاح التعبيري دليل إضافي على صدق قانون أنَّ الكون = اللامُحدَّد × الوعي.

نشوء الحياة والعقل

ينجح أيضاً القانون الطبيعي القائل بأنَّ الكون = اللامُحدَّد × الوعي في تفسير نشوء الحياة والعقل. فبما أنَّ الكون = اللامُحدَّد × الوعي، إذن الكون يستلزم وجود الوعي. ولكن الوعي يستلزم وجود عقل يقوم بعملية الوعي بينما العقل يستلزم وجود كينونة حيّة مالكة للعقل. وبما أنَّ الكون يستلزم وجود الوعي بينما الوعي يستلزم وجود عقل الذي بدوره يستلزم وجود حياة، إذن الكون يستلزم وجود العقل والحياة. لذلك نشأت الحياة ونشأ العقل في الكون. هكذا ينجح قانون أنَّ الكون = اللامُحدَّد × الوعي في تفسير نشوء الحياة والعقل مما يدلّ على صدق القانون السابق على ضوء نجاحه التفسيري. فبمجرّد أن يوجد الكون تولد الحياة ويولد العقل لأنَّ وجود الكون يستلزم وجود الوعي الذي يستلزم بدوره وجود العقل والحياة.

الوعي والكون

إن كان الكون معلومات وتبادل للمعلومات، وعلماً بأنَّ المعلومات لا تنشأ وتنتظم سوى من خلال برامج تؤدي إلى نشوئها وانتظامها، إذن الكون برامج مُنتِجة للمعلومات. ولكن الوعي مُنتِج للمعلومات. بذلك الكون والوعي يشكّلان حقلاً وجودياً واحداً لا يتجزأ تماماً كما عَبَّر عن ذلك القانون القائل بأنَّ الكون = اللامُحدَّد × الوعي. فبما أنَّ الكون = اللامُحدَّد × الوعي، إذن من المتوقع أن يكون الكون والوعي كينونة واحدة غير متجزئة مما يُفسِّر الارتباط الضروري بين وجود الكون ووجود الوعي.

***

حسن عجمي

...................

المراجع

[1] Peebles, P. J. E. (Author): Quantum Mechanics. 2020. Princeton University Press.

[2] John Gribbin (Author): In Search of Schrodinger’s Cat: Quantum Physics and Reality. 2025. Penguin.

[3] James Gleick (Author): The Information. 2011. Pantheon Books.

بالنسبة إلى المنهج التحليلي السوبر خلاّق، القوانين الطبيعية = إنتاج العلاقات السببية والشَرطية × إنتاج التفاسير الناجحة. من هنا، القوانين الطبيعية سوبر خلاّقة لأنها فعّالة في إنتاج العلاقات السببية والشَرطية وتفاسير الظواهر الطبيعية. وللمعادلة السابقة قدرات تفسيرية ناجحة كتفسير لماذا القوانين الطبيعية تحتِّم نشوء الانتظام في الكون ولماذا القوانين الطبيعية مبنية بمعادلات رياضية.

مثل على أنَّ القوانين الطبيعية = إنتاج العلاقات السببية والشَرطية × إنتاج التفاسير الناجحة هو قانون نيوتن في الفيزياء القائل بأنَّ القوة = الكتلة × التسارع الذي يُنتِج علاقات شَرطية وسببية وتفاسير ناجحة. فبما أنَّ القوة = الكتلة × التسارع، إذن إذا شيء معيّن يملك قوة معيّنة، فحينئذٍ يمتلك أيضاً كتلة وسرعة والعكس صحيح. هكذا يُنتِج قانون نيوتن السابق علاقات شَرطية كالعلاقة التالية: إذا يملك شيء معيّن قوة معيّنة، فعندئذٍ يمتلك أيضاً كتلة وسرعة. وبما أنَّ القوة = الكتلة × التسارع، إذن ازدياد تسارع شيء معيّن يُسبِّب امتلاك ذلك الشيء لقوة أكبر. هكذا قانون نيوتن السابق يُنتِج علاقات سببية كالعلاقة السببية السابقة. و علماً بأنَّ القوة = الكتلة × التسارع، إذن شيء معيّن يملك قوة معيّنة بسبب كتلته وتسارعه. هكذا يقدِّم قانون نيوتن السابق تفسيراً ناجحاً للظواهر الطبيعية كظاهرة لماذا شيء معيّن يمتلك قوة معيّنة. كلّ هذا يرينا أنَّ القوانين الطبيعية مُنتِجة للعلاقات الشَرطية والسببية وتفاسير الظواهر الطبيعية مما يؤكِّد على صدق تحليل القوانين الطبيعية من خلال إنتاجها للعلاقات الشَرطية والسببية والتفاسير.

ينجح التحليل السوبر خلاّق للقوانين الطبيعية في تفسير لماذا القوانين الطبيعية تحتِّم نشوء الانتظام في الكون. فالكون منتظم بمعنى أنَّ الأسباب نفسها تؤدي إلى النتائج نفسها كأن يؤدي دائماً الاستثمار في إنتاج العلوم إلى تطوير الحضارة وتؤدي الأشجار إلى إنتاج الأوكسجين. فبما أنَّ القوانين الطبيعية = إنتاج العلاقات السببية والشَرطية × إنتاج التفاسير الناجحة، و علماً بأنَّ الكون ينتظم من جراء علاقاته السببية والشَرطية بحيث تؤدي الأسباب والظروف ذاتها إلى النتائج نفسها، إذن القوانين الطبيعية تحتِّم نشوء الانتظام في الكون من خلال إنتاجها للعلاقات السببية والشَرطية. هكذا المعادلة القائلة بأنَّ "القوانين الطبيعية = إنتاج العلاقات السببية والشَرطية × إنتاج التفاسير" تنجح في تفسير لماذا القوانين الطبيعية تحتِّم نشوء الانتظام في الكون. وعلى ضوء هذا النجاح التفسيري تكتسب تلك المعادلة صدقها.

المعادلة السابقة هي فرضية علمية لأنها قابلة للاختبار. فبما أنَّ القوانين الطبيعية = إنتاج العلاقات السببية والشَرطية × إنتاج التفاسير الناجحة، إذن إذا وُجِد قانون طبيعي بلا وجود علاقات شَرطية وسببية وبلا تفاسير للظواهر مرتبطة به، فحينئذٍ معادلة أنَّ القوانين الطبيعية = إنتاج العلاقات السببية والشَرطية × إنتاج التفاسير الناجحة هي معادلة كاذبة. من هنا، المعادلة السابقة قابلة للاختبار مما يشير إلى أنها علمية.

من الممكن التعبير عن المعادلة العلمية السابقة بِطرُق عديدة منها أنَّ القوانين الطبيعية برامج سوبر خلاّقة مُنتِجة للتفاسير والعلاقات الشَرطية والسببية. فبما أنَّ القوانين الطبيعية = إنتاج العلاقات الشَرطية والسببية × إنتاج التفاسير الناجحة، و علماً بأنَّ أيّ إنتاج لا يتحقق سوى على ضوء برنامج حاو ٍ على معلومات حيال كيفية تحقيق ذلك الإنتاج، إذن القوانين الطبيعية برامج معلوماتية على ضوئها تُنتَج التفاسير والعلاقات الشَرطية والسببية. وبما أنَّ القوانين الطبيعية برامج معلوماتية بينما البرامج مكوَّنة من معادلات رياضية خوارزمية، إذن من الطبيعي أن تكون القوانين الطبيعية مبنية بمعادلات رياضية (من الرياضيات) كمعادلة أنَّ القوة = الكتلة × التسارع. هكذا تنجح فرضية أنَّ القوانين الطبيعية برامج معلوماتية في تفسير لماذا القوانين الطبيعية مبنية بمعادلات رياضية. و هذا النجاح دليل إضافي على صدق أنَّ القوانين الطبيعية برامج معلوماتية.

***

حسن عجمي

 

العلوم السوبر خلاّقة تقدِّم نقائض النظريات العلمية والفلسفية والفكرية السائدة فتؤسِّس لنشوء علوم وأبحاث جديدة على ضوء نظرياتها المناقضة للمعارف المهيمنة على العقل البشري. وبذلك تتصف العلوم السوبر خلاّقة بتحرير العقل من ديكتاتورية الأفكار والنماذج الفكرية التي تتحكم بتفكير معظم الأفراد والشعوب. للعلوم السوبر خلاّقة أبعاد إنسانوية كبرى لأنها تتكوّن من علوم ونماذج فكرية قائمة على الحرية الفردية والعدالة الكامنة في المساواة المعرفية بين كلّ الأفراد من خلال تفعيل مشاركتهم في صياغة العلوم والأبحاث الفكرية الجديدة المعتمدة على نسف النماذج العلمية والفكرية السائدة. هكذا العِلم السوبر خلاّق يفتتح عصر التحرّر من النماذج والنظريات العلمية والفكرية الماضوية ليبدأ ببناء علوم وفلسفات المستقبل على ضوء قرارات علمية ومنطقية يتخذها الفرد حيال صياغة نماذجه الفكرية. ومن الممكن التعبير عن العلوم السوبر خلاّقة على النحو التالي: العلوم السوبر خلاّقة = إنتاج نقائض المعارف والمعاني الماضوية والسائدة × إنتاج كلّ الفرضيات والتفاسير والتآويل الممكنة والمحتملة والمختلفة.

للعلوم السوبر خلاّقة فضائل عديدة منها فضيلة تحريرنا من المعارف والمعاني الماضوية والسائدة. فبما أنَّ العلوم السوبر خلاّقة = إنتاج نقائض المعارف والمعاني الماضوية والسائدة × إنتاج كلّ الفرضيات والتفاسير والتآويل الممكنة والمحتملة والمختلفة، إذن تحرّرنا العلوم السوبر خلاّقة من المعارف والمعاني الماضوية والسائدة من خلال إنتاج نقائض المعارف والمعاني الماضوية والسائدة. مثل على العلوم السوبر خلاّقة اعتبار أنَّ القوانين الطبيعية ليست مُحدَّدة سلفاً بل الكون هو المُنتِج للقوانين الطبيعية على ضوء ما يحدث من أحداث كأن يُسجِّل الكون حدوث حدث بعد آخر فيُبرمِج قانوناً طبيعياً محتملاً مفاده ارتباط الحدثيْن السابقيْن. بهذا المعنى، الكون برنامج مُنتِج للقوانين الطبيعية. والفرضية السابقة مناقضة للفرضية السائدة في العلوم والفلسفة القائلة بأنَّ القوانين الطبيعية مُحدَّدة مُسبَقاً. من هنا، فرضية الكون المُنتِج للقوانين الطبيعية المناقضة لفرضية أنَّ القوانين الطبيعية مُحدَّدة سلفاً هي مثل على العلوم السوبر خلاّقة التي تقدِّم نقائض المعارف السائدة والماضوية.

من فضائل العلوم السوبر خلاّقة أيضاً فضيلة ضمان إنتاج نظريات فكرية وفلسفية وعلمية جديدة. فبما أنَّ العلوم السوبر خلاّقة تتكوّن من إنتاج نقائض المعارف والمعاني الماضوية والسائدة، إذن تضمن العلوم السوبر خلاّقة بناء نظريات جديدة من خلال إنتاج نقائض المعارف والمعاني السائدة والماضوية. كما تضمن العلوم السوبر خلاّقة نشوء ثورات فكرية وعلمية متتالية مما يضمن بدوره استمرارية التطوّر الفكري والحضاري. فبما أنَّ العلوم السوبر خلاّقة = إنتاج نقائض المعارف والمعاني الماضوية والسائدة × إنتاج كلّ الفرضيات والتفاسير والتآويل الممكنة والمحتملة والمختلفة، إذن تضمن العلوم السوبر خلاّقة نشوء ثورات فكرية وعلمية متتالية من خلال بناء نقائض المعارف السائدة والماضوية وصياغة كلّ الفرضيات الممكنة والمحتملة والمختلفة. هكذا تضمن العلوم السوبر خلاّقة التجديد الفكري واستمرارية البحث المعرفي والتطوّر العلمي من خلال ضمان نشوء الثورات الفكرية والعلمية المتتالية.

تنجح العلوم السوبر خلاّقة أيضاً في تكثير المعارف. فبما أنَّ العلوم السوبر خلاّقة متكوِّنة من إنتاج كلّ الفرضيات والتفاسير والتآويل الممكنة والمحتملة والمختلفة، إذن تنجح العلوم السوبر خلاّقة في تكثير المعارف من خلال إنتاج كلّ الفرضيات والتفاسير والتآويل الممكنة والمحتملة والمختلفة. من المنطلق نفسه، تنجح العلوم السوبر خلاّقة في ضمان قبول الآخر مما يؤسِّس للعدالة الإنسانوية القائمة على قبول الآخرين وإن اختلفوا عنا فكرياً أو عقائدياً أو سلوكياً. فبما أنَّ العلوم السوبر خلاّقة متكوِّنة من إنتاج كلّ الفرضيات والتفاسير والتآويل المختلفة، إذن تتضمن العلوم السوبر خلاّقة قبول الفرضيات والتفاسير والتآويل المختلفة فيما بينها مما يضمن قبول الآخر المختلف. كما تتمكّن العلوم السوبر خلاّقة من ضمان مشاركة الجميع في صياغة المعارف مما يتضمن تحقيق العدالة الكامنة في المساواة المعرفية بين كلّ الأفراد. فبما أنَّ العلوم السوبر خلاّقة متكوِّنة من إنتاج كلّ الفرضيات والتفاسير والتآويل الممكنة والمحتملة والمختلفة بينما البشر المختلفون ينتجون فرضيات وتآويل وتفاسير مختلفة، إذن تضمن العلوم السوبر خلاّقة مشاركة كلّ البشر وإن اختلفوا في عملية الإنتاج المعرفي. هكذا العلوم السوبر خلاّقة إنسانوية بامتياز.

العلوم السوبر خلاّقة بطبيعتها منطقية وعلمية. فبما أنَّ العلوم السوبرخلاّقة متكوِّنة من إنتاج كلّ الفرضيات الممكنة والمحتملة بينما الفرضيات الممكنة مبنية على ومنسجمة مع مبادىء المنطق وإلا لم تكن ممكنة والفرضيات المحتملة قائمة على قدراتها العلمية الناجحة في تفسير الظواهر وتقديم الحلول النظرية والعملية وإلا لم تكن تلك الفرضيات محتملة الصدق، إذن العلوم السوبر خلاّقة متكوِّنة من إنتاج الفرضيات المنطقية والعلمية. هكذا تكتسب العلوم السوبر خلاّقة مصداقيتها بفضل طبيعتها المنطقية والعلمية.

***

حسن عجمي

 

بالنسبة إلى فرضية المعلومات السوبر خلاّقة، المعلومات = مجموع الاحتمالات ÷ الطاقة. هذه المعادلة تقول إنَّ المعلومات تساوي مجموع الاحتمالات مقسومة رياضياً على الطاقة. وبما أنَّ المعلومات = مجموع الاحتمالات ÷ الطاقة، إذن الاحتمالات والطاقة تُبنَى على ضوء المعلومات. وبذلك المعلومات سوبر خلاّقة من جراء أنها مُنتِجة للاحتمالات والطاقة. ولكن الكون مجموع احتمالات وطاقات. لذا المعلومات المُنتِجة للاحتمالات والطاقة هي أيضاً مُنتِجة للكون. من هنا أيضاً، المعلومات سوبر خلاّقة بفضل إنتاجها للكون. من جهة أخرى، لبناء المعلومات نحتاج إلى الطاقة. لذلك الطاقة جزء من القانون القائل بأنَّ المعلومات = مجموع الاحتمالات ÷ الطاقة. والخطوات المؤدية إلى بناء المعلومات لا بدّ من أن تكون محتملة وإلا لن نتمكّن من بناء أيّة معلومة. لذلك الاحتمالات جزء من القانون العلمي السابق الذي يؤكِّد على أنَّ المعلومات = مجموع الاحتمالات ÷ الطاقة.

قدرة تعبيرية وتوحيدية

يعتبر عالِم الرياضيات كلود شانون أنَّ المعلومة قياس الاحتمالات. فكلما ازدادت الاحتمالات في رسالة معيّنة (كزيادة التفاسير المحتملة للرسالة عينها)، إزدادت المعلومات ضمن تلك الرسالة. لكن عالِم الرياضيات كولموغوروف يقول إنَّ معلومات الرسالة أو الظاهرة مساوية للمعادلة الخوارزمية الأصغر القادرة على إنتاج تلك الرسالة أو الظاهرة [1] مما يتضمن أنَّ المعلومات مساوية للطاقة الأقل التي تحتاجها الرسالة أو الظاهرة لكي تتكوّن. فالخوارزمية الأصغر مُنتِجة للرسالة أو الظاهرة بينما الطاقات تُنتِج أيّة ظاهرة أو رسالة، وبذلك الخوارزمية الأصغر هي الطاقة الأقل المُنتِجة للرسالة أو الظاهرة.

الآن، تنجح فرضية المعلومات السوبر خلاّقة في التعبير عن النظريتيْن السابقتيْن فتوحِّد بينهما مما يجعلها تكتسب فضيلة هذا التوحيد. من منطلق فرضية المعلومات السوبر خلاّقة، المعلومات = مجموع الاحتمالات ÷ الطاقة. وبذلك المعلومات مُعرَّفة من خلال الاحتمالات والطاقة شرط أنَّه للحصول على العدد الأكبر من المعلومات نحتاج إلى كثرة الاحتمالات وتناقص الطاقة (من جراء أنَّ المعلومات تساوي الاحتمالات مقسومة رياضياً على الطاقة). من هنا، تنجح فرضية المعلومات السوبر خلاّقة في التعبير عن الارتباط الضروري بين المعلومات والاحتمالات كأن تكون المعلومات قياس الاحتمالات كما لدى نظرية شانون لأنها تعرِّف المعلومات على أنها احتمالات. كما تنجح أيضاً فرضية المعلومات السوبر خلاّقة في التعبير عن الارتباط الضروري بين المعلومات والمعادلة الخوارزمية الأصغر (القادرة على إنتاج الرسالة أو الظاهرة) المتمثلة بتناقص الطاقة التي تحتاجها الرسالة أو الظاهرة لكي تتكوّن كما لدى نظرية كولموغوروف لأنها تعرِّف المعلومات من خلال تناقص الطاقة. وبفضل نجاح فرضية المعلومات السوبر خلاّقة في التعبير عن النظريتيْن السابقتيْن توحِّد بينهما مما يجعلها تكتسب فضيلة هذا التوحيد.

الكون المعلوماتي

من منظور نموذج علمي أساسي، يتكوّن الكون من معلومات وتبادل للمعلومات كما يؤكِّد الفيزيائي جون ويلر. وتنجح فرضية المعلومات السوبر خلاّقة في التعبير عن النموذج العلمي السابق مما يدعم صدقها على ضوء نجاحها التعبيري. فبما أنَّ، بالنسبة إلى فرضية المعلومات السوبر خلاّقة، المعلومات = مجموع الاحتمالات ÷ الطاقة، وعلماً بأنَّ الكون يتكوّن من احتمالات وطاقات، إذن المعلومات = الكون، وبذلك الكون يتكوّن من معلومات تماماً كما يقول النموذج العلمي السابق. هكذا تنجح فرضية المعلومات السوبر خلاّقة في التعبير عن أنَّ الكون يتكوّن من معلومات.

لا مُحدَّدية الكون

تنجح فرضية المعلومات السوبر خلاّقة أيضاً في التعبير عن أنَّ الكون غير مُحدَّد تماماً كما تؤكِّد على ذلك نظرية ميكانيكا الكمّ العلمية مما يدعم صدق فرضية المعلومات السوبر خلاّقة على أساس نجاحها التعبيري السابق. فبما أنَّ، بالنسبة إلى فرضية المعلومات السوبر خلاّقة، المعلومات = مجموع الاحتمالات ÷ الطاقة بينما طاقة الكون تساوي صفراً، وعلماً بأنَّ العدد المقسوم رياضياً على الصفر نتيجته غير مُحدَّدة، إذن معلومات الكون غير مُحدَّدة مما يتضمن لامُحدَّدية الكون (مثل ذلك لامُحدَّدية إن كانت الجُسيمات ما دون الذرية كالإلكترونات هي جُسيمات أم موجات). هكذا تنجح فرضية المعلومات السوبر خلاّقة في التعبير عن لامُحدَّدية الكون.

سلّمنا في البرهان السابق بأنَّ طاقة الكون تساوي صفراً. وهذا ما تؤكِّد عليه العلوم المعاصرة. فالطاقة الإيجابية للكون تساوي طاقة الكون السلبية مما يؤدي إلى اختزالهما. وبذلك تصبح طاقة كلّ الكون صفراً كما وَرَد ذلك لدى علماء الفيزياء كالفيزيائي "آلن غوث" [2]. لذلك اعتمدنا في البرهان السابق على مسلّمة أنَّ طاقة الكون تساوي صفراً. ومن هنا، يكتسب البرهان السابق، الذي من خلاله استنتجنا لامُحدَّدية الكون، مقبوليته العلمية.

من الانتظام إلى الفوضى

مبدأ أساسي من مبادىء الفيزياء هو مبدأ الأنتروبي. بالنسبة إلى مبدأ الأنتروبي، الأشياء والظواهر تنتقل من الانتظام إلى الفوضى. ومثل ذلك أنَّ البيضة غير المكسورة، الدالة على الانتظام، تنتقل أو تتحوّل إلى بيضة مكسورة دالة على الفوضى وليس العكس [3] . وتنجح فرضية المعلومات السوبر خلاّقة في تفسير مبدأ الأنتروبي مما يشير إلى صدقها على ضوء نجاحها التفسيري. بالنسبة إلى فرضية المعلومات السوبر خلاّقة، المعلومات = مجموع الاحتمالات ÷ الطاقة. وبذلك يُستنتَج رياضياً (من الرياضيات) أنَّ تكثير المعلومات يستلزم طاقة أقل. لكن الطاقة الأقل تؤدي إلى الفوضى (لأنَّ الانتظام يحتاج إلى طاقة عالية لإنتاجه). من هنا، تكثير المعلومات يستلزم وجود الفوضى. ولكن الكون يتصف بتكثير المعلومات (هذا التكثير المتجسّد مثلاً في استمرارية ولادة ظواهر طبيعية جديدة كولادة المجرات). لذلك الكون يستلزم نشوء الفوضى مما يجعله ينتقل من الانتظام إلى الفوضى. هكذا تنجح فرضية المعلومات السوبر خلاّقة في تفسير مبدأ الأنتروبي مما يمكّنها من اكتساب هذه القدرة التفسيرية الناجحة. وبكلامٍ أبسط، الكون ينتقل من الانتظام إلى الفوضى لأنَّ الكون يتصف بتكثير المعلومات بينما تكثير المعلومات يستلزم وجود الفوضى (فالفعل أو الحال المنتظم نتيجة معلومة أو معلومات محدودة).

فرضية علمية

فرضية المعلومات السوبر خلاّقة فرضية علمية لأنها قابلة للاختبار. بالنسبة إلى فرضية المعلومات السوبر خلاّقة، المعلومات = مجموع الاحتمالات ÷ الطاقة. وبذلك إذا وُجِدت رسالة أو ظاهرة طبيعية أو وُجِدت أشياء حائزة على معلومات ولكنها خالية من الاحتمالات والطاقة، فحينئذٍ فرضية المعلومات السوبر خلاّقة كاذبة، وإذا وُجِدت احتمالات وطاقة بلا معلومات، فعندئذٍ فرضية المعلومات السوبر خلاّقة كاذبة. من هنا، فرضية المعلومات السوبر خلاّقة قابلة للاختبار مما يدلّ على أنها فرضية علمية.

***

حسن عجمي

.........................

المراجع

[1] James Gleick (Author): The Information. 2011. Pantheon Books.

[2] Alan Guth (Author): The Inflationary Universe. 1998. Basic Books.

[3] Jonathan Allday and Simon Hands (Authors): Introduction to Entropy: The Way of the World. 2025. Routledge.

بالنسبة إلى فرضية المادة السوبر خلاّقة، المادة مُعرَّفة على أنها إنتاج وتبادل المعلومات. من الممكن التعبير عن هذه الفرضية على النحو التالي: المادة = إنتاج كلّ المعلومات المحتملة × تبادل كلّ المعلومات المحتملة. ينجح هذا القانون العلمي في التعبير عن أنَّ المادة فعّالة وبذلك هي سوبر خلاّقة من جراء فعّاليتها. فبما أنَّ المادة = إنتاج كلّ المعلومات المحتملة × تبادل كلّ المعلومات المحتملة، إذن المادة مُنتِجة للمعلومات. وبذلك المادة فعّالة في عملية إنتاج المعلومات مما يجعلها سوبر خلاّقة.

ثنائية الجُسيم

بالنسبة إلى نظرية ميكانيكا الكمّ العلمية، الجُسيم ما دون الذري كالإلكترون له طبيعة ثنائية مفادها أنه يتصرّف كأنه جُسيم وموجة في آن رغم أنَّ الجُسيم نقيض الموجة [1]. وتنجح فرضية المادة السوبر خلاّقة في تفسير تلك الثنائية. فبما أنَّ، بالنسبة إلى فرضية المادة السوبر خلاّقة، الجُسيم المادي = إنتاج كلّ المعلومات المحتملة حيال ما هو × تبادل تلك المعلومات مع محيطه الطبيعي، وعلماً بأنه من المحتمل أن يكون الجُسيم جُسيماً كما من المحتمل أن يكون موجة بدلاً من جُسيم (لغياب قانون طبيعي مُحدَّد سلفاً يحتِّم على الجُسيم أن يكون جُسيماً أو أن يكون موجة)، إذن الجُسيم يُنتِج معلومة أنه من المحتمل أنه جُسيم كما يُنتِج معلومة أنه من المحتمل أنه موجة. وبما أنَّ الجُسيم يتصرّف على ضوء ما يُنتِج من معلومات بينما الجُسيم يُنتِج معلومة أنه من المحتمل أنه جُسيم ومعلومة أنه من المحتمل أنه موجة، إذن يتصرّف الجُسيم على ضوء احتمال أنه جُسيم واحتمال أنه موجة، ولذلك يتصرّف كأنه جُسيم وموجة في آن رغم أنَّ الجُسيم نقيض الموجة. هكذا تنجح فرضية المادة السوبر خلاّقة في تفسير لماذا الجُسيم ما دون الذري يتصرّف كأنه جُسيم وموجة في الوقت نفسه. وعلى أساس هذا النجاح تكتسب فرضية المادة السوبر خلاّقة صدقها.

الثقوب السوداء

تتصف الثقوب السوداء بابتلاع المعلومات وإفنائها. بكلامٍ آخر، تتصف الثقوب السوداء بزوال المعلومات وغياب القوانين الطبيعية المُعبِّرة عن المعلومات [2]. وتنجح فرضية المادة السوبر خلاّقة في تفسير نشوء الثقوب السوداء مما يعزِّز صدق تلك الفرضية. فبما أنَّ، من منطلق فرضية المادة السوبر خلاّقة، الجُسيمات ما دون الذرية هي إنتاج وتبادل للمعلومات، إذن حين تستنفذ الجُسيمات طاقاتها في إنتاج وتبادل المعلومات، عندئذٍ تزول الجُسيمات (بما أنها ليست سوى إنتاج وتبادل المعلومات) مما يؤدي إلى نشوء الثقوب السوداء الخالية من المعلومات من جراء توقف الجُسيمات عن إنتاج المعلومات فزوال الجُسيمات. هكذا تنجح فرضية المادة السوبر خلاّقة في تفسير نشوء الثقوب السوداء وتتنبأ بأنَّ الكون سوف يصبح ممتلئاً بالثقوب السوداء ويتحوّل إلى ثقب أسود عملاق بسبب استنفاذ الجُسيمات ما دون الذرية لطاقاتها فزوال إنتاجها للمعلومات.

قدرات تعبيرية

من منظور نموذج علمي أساسي في الفيزياء، يتكوّن الكون من معلومات وتبادل للمعلومات كما يؤكِّد الفيزيائي جون ويلر [3]. أما فرضية المادة السوبر خلاّقة فناجحة في التعبير عن النموذج العلمي السابق مما يدعم صدقها. فبما أنَّ، بالنسبة إلى فرضية المادة السوبر خلاّقة، المادة = إنتاج كلّ المعلومات المحتملة × تبادل كلّ المعلومات المحتملة بينما الكون يتكوّن من مادة، إذن الكون إنتاج وتبادل للمعلومات مما يتضمن أنَّ الكون يتكوّن من معلومات وتبادل المعلومات كما يقول النموذج العلمي السابق. لكن فرضية المادة السوبر خلاّقة تضيف التالي: الكون ليس مجرّد معلومات بل الكون إنتاج للمعلومات مما يجعله كوناً سوبر خلاّقاً.

بينما نظرية الكون المعلوماتي الكلاسيكية تقول بأنَّ الكون معلومات مُحدَّدة سلفاً، تؤكِّد فرضية المادة السوبر خلاّقة على أنَّ معلومات الكون ليست مُحدَّدة مُسبَقاً بل الكون مُنتِج المعلومات مما يمكّنها من التعبير عن أنَّ الكون سوبر خلاّق. بكلامٍ آخر، بالنسبة إلى النموذج العلمي الكلاسيكي، الجُسيم ما دون الذري منفعل ومُحدَّد سلفاً بينما، بالنسبة إلى فرضية المادة السوبر خلاّقة، الجُسيمات ما دون الذرية فعّالة وغير مُحدَّدة سلفاً لكونها مُنتِجة للمعلومات بدلاً من أن تكون معلومات متوارثة. فبما أنَّ، من منطلق فرضية المادة السوبر خلاّقة، المادة فالجُسيمات المادية ما دون الذرية إنتاج للمعلومات، إذن المادة والجُسيمات فعّالة وليست معلومات متوارثة وبذلك هي أيضاً غير مُحدَّدة. ولذلك من غير المُحدَّد إن كان الجُسيم جُسيماً أم موجة كما وَرَد ذلك في نظرية ميكانيكا الكمّ العلمية. هكذا أيضاً تنجح فرضية المادة السوبر خلاّقة في التعبير عن نظرية ميكانيكا الكمّ العلمية مما يعزِّز صدقها.

المادة المضادة والمادة المظلمة

المادة المضادة شبيهة بالمادة العادية لكنها تمتلك صفات وشحنات مختلفة عن المادة العادية. بكلامٍ آخر، المادة المضادة لا تختلف في كينونتها عن المادة العادية سوى في امتلاكها لصفات وشحنات كهربائية مختلفة. مثل ذلك أنَّ الإلكترون لديه قرينه المادي المضاد ألا وهو البوزيترون المالك لكتلة مساوية لكتلة الإلكترون ولكنه حائز على شحنة كهربائية موجبة مناقضة لشحنة الإلكترون السلبية. أما الجُسيمات غير الحائزة على شحنات كهربائية كالنيوترون فهي المطابقة لمادتها والمادة المضادة لمادتها في آن [4]. وتنجح فرضية المادة السوبر خلاّقة في تفسير نشوء المادة المضادة. فبما أنَّ، من منطلق فرضية المادة السوبر خلاّقة، المادة إنتاج وتبادل كلّ المعلومات المحتملة حيال ما هي، وعلماً بأنه لا يوجد قانون طبيعي مُحدَّد سلفاً يحتِّم أن تكون شحنة الجُسيم المادي سلبية أم موجبة أم أن يكون الجُسيم بلا شحنة، إذن من الطبيعي أن تُنتِج المادة كلّ المعلومات المحتملة حيال ذاتها كمعلومة احتمال أنها ذات شحنة سلبية، فيتكوّن مثلاً الإلكترون ذو الشحنة السلبية على ضوء تلك المعلومة، ومعلومة احتمال أنها ذات شحنة موجبة، فيتكوّن مثلاً البوزيترون مضاد الإلكترون الحائز على شحنة موجبة على ضوء المعلومة السابقة، ومعلومة احتمال أنها بلا شحنات فتتشكّل عندئذٍ جُسيمات بلا شحنات كالنيوترون. هكذا تنجح فرضية المادة السوبر خلاّقة في تفسير اختلاف شحنات الجُسيمات المادية ونشوء المادة المضادة مما يدعم مقبولية تلك الفرضية.

أما المادة المظلمة فلا تتفاعل مع الضوء وبذلك هي غير مرئية. لكن معظم عالَمنا يتكوّن من المادة المظلمة التي تساهم في تشكيل المجرات بفضل قوة جاذبيتها [5]. أما فرضية المادة السوبر خلاّقة فتنجح أيضاً في تفسير نشوء المادة المظلمة. فبما أنَّ، من منطلق فرضية المادة السوبر خلاّقة، المادة إنتاج وتبادل كلّ المعلومات المحتملة حيال ما هي، وعلماً بأنه لا يوجد قانون طبيعي مُحدَّد سلفاً يحتِّم أن تكون المادة مرئية أم غير مرئية، إذن من المتوقع أن تُنتِج المادة كلّ المعلومات المحتملة حيال ذاتها كمعلومة أنها مرئية فتتشكّل المادة المرئية ومعلومة أنها غير مرئية فتتكوّن المادة غير المرئية المعروفة بالمادة المظلمة. هكذا تنجح فرضية المادة السوبر خلاّقة في تفسير نشوء المادة المظلمة مما يشير إلى أرجحية أنها فرضية صادقة.

فرضية علمية

فرضية المادة السوبر خلاّقة فرضية علمية لأنها قابلة للاختبار. بما أنَّ، بالنسبة إلى فرضية المادة السوبر خلاّقة، المادة = إنتاج كلّ المعلومات المحتملة × تبادل كلّ المعلومات المحتملة، إذن إذا وُجِدت مادة بلا إنتاج معلومات أو بلا تبادل معلومات، فحينئذٍ فرضية المادة السوبر خلاّقة فرضية كاذبة. من هنا، فرضية المادة السوبر خلاّقة قابلة للاختبار مما يجعلها فرضية علمية.

***

حسن عجمي

..................

المراجع

[1] Peebles, P. J. E. (Author): Quantum Mechanics. 2020. Princeton University Press.

[2] Leonard Susskind (Author) and James Lindesay (Contributor): An Introduction to Black Holes, Information and the String Theory Revolution: The Holographic Universe. 2004. World Scientific Publishing Company.

[3] James Gleick (Author): The Information. 2011. Pantheon Books.

[4] Gordon Fraser: Antimatter: The Ultimate Mirror. 2002. Cambridge University Press.

[5] Peter Fisher: What Is Dark Matter? 2022. Princeton University Press.

بالنسبة إلى فرضية الرياضيات السوبر خلاّقة، البُنَى الهندسية الرياضية (الرياضية من الرياضيات) هي التي تبني الطاقة والكتلة. لذلك الرياضيات سوبر خلاّقة من جراء بنائها للطاقة والكتلة فإنتاج الكون المُتكوِّن من طاقة وكتلة.  من الممكن التعبير عن الفرضية السابقة من خلال المعادلة التالية: البنية الهندسية = الطاقة × الكتلة. بذلك البنية الهندسية الرياضية والطاقة والكتلة تُشكِّل كينونة واحدة لا تتجزأ. لفرضية الرياضيات السوبر خلاّقة قدرة تفسيرية ناجحة مما يدعم صدقها.

بالإضافة إلى ذلك، من الممكن في الفيزياء فهم الطاقة والكتلة على النحو التالي: الطاقة هي ما تمكِّن من القيام بفعل معيّن أو ما تمكِّن من حدوث الفعل بينما الكتلة هي كثافة المادة. لكن، بالنسبة إلى فرضية الرياضيات السوبر خلاّقة، الطاقات والكُتَل ليست سوى أبعاد للبنية الهندسية لأنَّ البنية الهندسية = الطاقة × الكتلة. بهذا المعنى، الكون المُتكوِّن من طاقة وكتلة مُختزَل إلى بُنَى هندسية. وبذلك الكون هندسات ومعادلات رياضية وعلى ضوء تلك الهندسات والمعادلات الرياضية تتكوَّن ظواهر وأحداث وحقائق الكون. فبما أنَّ البنية الهندسية = الطاقة × الكتلة بينما كلّ ما في الكون طاقة وكتلة، إذن كلّ ما في الكون هندسة رياضية.

القوانين الطبيعية معادلات رياضية

القوانين الطبيعية معادلات رياضية أي معادلات مبنية بلغة الرياضيات كقانون نيوتن القائل بأنَّ القوة = الكتلة × التسارع [1]. لكن فرضية الرياضيات السوبر خلاّقة تنجح في تفسير لماذا القوانين الطبيعية معادلات رياضية مما يجعلها حائزة على قدرة تفسيرية ناجحة دالة على أنها فرضية صادقة. فبما أنَّ، بالنسبة إلى فرضية الرياضيات السوبر خلاّقة، البنية الهندسية = الطاقة × الكتلة، إذن الطاقة والكتلة معتمدتان على البنية الهندسية الرياضية. لكن الكون يتكوّن من طاقة وكتلة. من هنا، الكون معتمد في تكوّنه على البُنَى الهندسية الرياضية وهذا يعني أنَّ الكون  معتمد في وجوده على الرياضيات. لذلك من المتوقع أن تكون قوانين الكون الطبيعية معادلات رياضية. هكذا تنجح فرضية الرياضيات السوبر خلاّقة في تفسير لماذا القوانين الطبيعية معادلات رياضية. وهذا النجاح دلالة على صدق فرضية الرياضيات السوبر خلاّقة.

البُنَى الهندسية والأكوان المتعدّدة

الكون بظواهره وحقائقه معتمد في تشكّله على البُنَى الهندسية الرياضية. فإن اختلفت هندسة الكون، حينئذٍ سوف يختلف الكون ويتحوّل إلى كون آخر بحقائق وقوانين طبيعية مختلفة. بهذا المعنى، اختلاف البُنَى الهندسية للكون أو الوجود يؤدي إلى نشوء أكوان مختلفة وذلك من جراء تشكّل الكون على ضوء بنياته الهندسية الرياضية [2]. وتنجح فرضية الرياضيات السوبر خلاّقة في تفسير الحقيقة العلمية السابقة. فبما أنَّ، بالنسبة إلى فرضية الرياضيات السوبر خلاّقة، البنية الهندسية = الطاقة × الكتلة، إذن إن تغيّرت البنية الهندسية فسوف تتغيّر الطاقة والكتلة مما يؤدي إلى نشوء كون آخر مختلف باختلاف الطاقة والكتلة. هكذا تنجح فرضية الرياضيات السوبر خلاّقة في تفسير نشوء أكوان متعدّدة ومختلفة إن تغيّرت هندسات الكون. وهذا النجاح يدلّ على صدق فرضية الرياضيات السوبر خلاّقة.

طاقة الزمكان الفارغ

من منطلق الفيزياء المعاصرة، الزمكان الفارغ يملك طاقة وهذا ما يُعرَف بطاقة الزمكان الفارغ [3] . لكن فرضية الرياضيات السوبر خلاّقة ناجحة في تفسير لماذا الزمكان الفارغ مالك للطاقة رغم أنه فارغ. بما أنَّ، بالنسبة إلى فرضية الرياضيات السوبر خلاّقة، البنية الهندسية = الطاقة × الكتلة، وعلماً بأنه لا يوجد زمكان (جمع الزمان والمكان)، وإن كان فارغاً، بلا بنية هندسية (كأن يكون الزمكان منحن ٍ أو قليل الإنحناء أو كثير الإنحناء)، إذن لا يوجد زمكان، وإن كان فارغاً، بلا طاقة لأنَّ البنية الهندسية تساوي الطاقة مضروبة رياضياً بالكتلة. هكذا تنجح فرضية الرياضيات السوبر خلاّقة في تفسير لماذا كلّ الزمكانات، وإن كانت فارغة، مالكة للطاقة. وهذا النجاح دليل إضافي على أنَّ فرضية الرياضيات السوبر خلاّقة فرضية صادقة.

الجاذبية بنية هندسية

بالنسبة إلى نظرية أينشتاين في الفيزياء، الجاذبية هي إنحناء الزمكان [4]. بهذا المعنى، الجاذبية بنية هندسية ألا وهي هندسة الزمكان على أنه منحنٍ. وفرضية الرياضيات السوبر خلاّقة تنجح أيضاً في تفسير لماذا الجاذبية بنية هندسية. فبما أنَّ، بالنسبة إلى الرياضيات السوبر خلاّقة، البنية الهندسية = الطاقة × الكتلة، إذن من الطبيعي أن تكون كلّ الطاقات التي من ضمنها الجاذبية هي بُنَى هندسية. هكذا تنجح فرضية الرياضيات السوبر خلاّقة في تفسير لماذا الجاذبية بنية هندسية.

فرضية علمية

فرضية الرياضيات السوبر خلاّقة فرضية علمية لأنها قابلة للاختبار. بالنسبة إلى فرضية الرياضيات السوبر خلاّقة، البنية الهندسية = الطاقة × الكتلة. بذلك إذا وُجِدت بنية هندسية رياضية بلا طاقة أو بلا كتلة، فحينئذٍ فرضية الرياضيات السوبر خلاّقة كاذبة، وإن وُجِدت طاقة أو كتلة بلا بنية هندسية، فعندئذٍ فرضية الرياضيات السوبر خلاّقة كاذبة. من هنا، فرضية الرياضيات السوبر خلاّقة قابلة للاختبار مما يجعلها فرضية علمية.

***

حسن عجمي

........................

المراجع

[1] Sir Isaac Newton (Author), Bernard Cohen, Anne Whitman and Julia Budenz (Translators): The Principia: The Authoritative Translation and Guide: Mathematical Principles of Natural Philosophy. First Edition. 2016. University of California Press.

[2] Shing-Tung Yau and Steve Nadis (Authors): The Shape of Inner Space. 2010. Basic Books.

[3] John Brockman (Editor): The Universe. 2014. HarperCollins Publishers.

[4] Albert Einstein (Author): Relativity: The Special and The General Theory. 2023. Fingerprint Publishing.

الفيزياء السوبر خلاّقة تدرس الكون على أنه برنامج سوبر خلاّق مُنتِج للمعلومات. بكلامٍ آخر، بالنسبة إلى الفيزياء السوبر خلاّقة، يتكوّن الكون من برامج سوبر خلاّقة لكونها فعّالة في إنتاج المعلومات. من هنا، تبني الفيزياء السوبر خلاّقة حقلاً علمياً يُعنَى بصياغة فرضيات قادرة على وصف وتفسير ظواهر وحقائق الكون على أنها برامج مُنتِجة للمعلومات. وتنشأ فرضية الجُسيمات السوبر خلاّقة ضمن الفيزياء السوبر خلاّقة لتؤكِّد على أنَّ الجُسيمات ما دون الذرية برامج إنتاج للمعلومات. هكذا تغدو الجُسيمات فعّالة بدلاً من منفعلة.

تقول فرضية الجُسيمات السوبر خلاّقة إنَّ الجُسيمات ما دون الذرية كالإلكترونات هي صيرورات إنتاج للمعلومات. بذلك الجُسيمات سوبر خلاّقة من جراء إنتاجها للمعلومات بدلاً من أن تكون معلومات مُحدَّدة سلفاً. تنجح فرضية الجُسيمات السوبر خلاّقة في تفسير لماذا يتصرّف الجُسيم كالإلكترون على أنه جُسيم وموجة في آن رغم أنَّ الجُسيم نقيض الموجة. كما تنجح هذه الفرضية في تفسير كيف من الممكن للجُسيم نفسه أن يوجد في أمكنة مختلفة في الوقت عينه. واعتبار أنَّ الجُسيمات صيرورات إنتاج للمعلومات ليس سوى اعتبار الجُسيمات برامج إنتاج للمعلومات فالصيرورة برنامج متكرِّر. من هذا المنطلق، تؤكِّد فرضية الجُسيمات السوبر خلاّقة على أنَّ الجُسيمات برامج إنتاج للمعلومات.

الجُسيمات ما دون الذرية برامج سوبر خلاّقة

من الممكن علمياً وصف وتحليل الجُسيمات ما دون الذرية على أنها وظائف رياضية حسابية [1] . هذا يشير إلى أنَّ الجُسيمات برامج رياضية حسابية مما يتضمن أنَّ الجُسيمات برامج سوبر خلاّقة لكونها مُنتِجة للمعلومات تماماً كما المعادلات الرياضية الحسابية مُنتِجة للمعلومات. هكذا الجُسيمات ما دون الذرية فعّالة من جراء إنتاجها للمعلومات بدلاً من أن تكون معلومات مُحدَّدة مُسبَقاً مما يُفسِّر لامُحدَّدية إن كانت الجُسيمات جُسيمات أم موجات ولامُحدَّدية إن كانت قطة شرودنغر حيّة أم ميتة. فبما أنَّ الجُسيمات ليست معلومات مُحدَّدة سلفاً، إذن من المتوقع أن تكون الجُسيمات غير مُحدَّدة إن كانت جُسيمات أم موجات كما من المتوقع أن تكون قطة شرودنغر (المُعبِّرة عن الجُسيمات ضمن نظرية ميكانيكا الكمّ العلمية) غير مُحدَّدة إن كانت حيّة أم ميتة. هكذا تنجح فرضية الجُسيمات السوبر خلاّقة في تفسير لامُحدَّدية الجُسيمات وعلى ضوء نجاحها التفسيري تكتسب صدقها. وبما أنَّ الجُسيمات برامج سوبر خلاّقة بينما الكون يتكوّن من جُسيمات، إذن الكون برنامج سوبر خلاّق أو برامج سوبر خلاّقة مُنتِجة للمعلومات بدلاً من أن يكون الكون معلومات مُحدَّدة سلفاً.

هل الجُسيم جُسيم أم موجة؟

بالنسبة إلى ميكانيكا الكمّ، الجُسيم يتصرّف على أنه جُسيم وموجة في الوقت نفسه رغم أنَّ الجُسيم نقيض الموجة [2] . أما فرضية الجُسيمات السوبر خلاّقة فتنجح في تفسير غرائبية تصرّف الجُسيمات. بالنسبة إلى فرضية الجُسيمات السوبر خلاّقة، الجُسيم صيرورة إنتاج معلومات كمعلومات عما يتكوّن ومعلومات عما يُحتمَل أن يكون. من هنا، الجُسيم يُنتِج معلومة أنه من المحتمل أنه جُسيم فيتصرّف على أنه جُسيم كما يُنتِج معلومة أنه من المحتمل أن يكون نقيض الجُسيم أي موجة فيتصرّف على أنه موجة. هكذا تنجح فرضية الجُسيمات السوبر خلاّقة في تفسير لماذا تتصرّف الجُسيمات على أنها جُسيمات وموجات معاً رغم أنَّ الجُسيم نقيض الموجة مما يدلّ على أنها فرضية صادقة. والسؤال الآن هو التالي: هل الجُسيم جُسيم أم موجة؟ تجيب فرضية الجُسيمات السوبر خلاّقة قائلة بأنَّ الجُسيم صيرورة تُنتِج معلومة تجعل الجُسيم يتصرّف على أنه جُسيم وتُنتِج أيضاً معلومة أخرى تجعل الجُسيم نفسه يتصرّف على أنه موجة نقيض الجُسيم. من هنا، الجُسيم ليس جُسيماً ولا موجة بل هو برنامج إنتاج معلومات حيال كلّ ما يُحتمَل (فيزيائياً) أن يكون عليه كاحتمال أن يكون جُسيماً واحتمال أن يكون موجة وعلى ضوء تلك المعلومات يتصرّف وكأنه جُسيم وكأنه موجة.

تواجد الجُسيم في أمكنة مختلفة في الوقت نفسه

ضمن نظرية ميكانيكا الكمّ العلمية، من الممكن للجُسيم ذاته أن يوجد في أمكنة مختلفة في الوقت نفسه. وهذا مُستغرَب لأنَّ الشيء نفسه لا يوجد في أمكنة متعدّدة في الوقت عينه [3] . أما فرضية الجُسيمات السوبر خلاّقة فتنجح أيضاً في تفسير الحقيقة العلمية السابقة وذلك على النحو التالي: بما أنَّ الجُسيم ما دون الذري هو صيرورة إنتاج معلومات، وعلماً بأنَّ الصيرورة نفسها قد توجد في أمكنة مختلفة في الوقت نفسه، إذن من الممكن للجُسيم أن يوجد في أمكنة مختلفة في الوقت عينه. هكذا تنجح فرضية الجُسيمات السوبر خلاّقة (التي تُحلِّل الجُسيمات على أنها صيرورات إنتاج للمعلومات) في تفسير كيف من الممكن للجُسيم أن يوجد في أمكنة متعدّدة في الوقت نفسه. وهذا النجاح دليل على صدق فرضية الجُسيمات السوبر خلاّقة. من هذا المنظور، الجُسيم ليس شيئاً لكي يستحيل وجوده في أمكنة مختلفة في الوقت نفسه بل هو صيرورة أي برنامج إنتاج للمعلومات مما يمكّنه من الوجود في أمكنة متعدّدة في الوقت عينه.

هل قطة شرودنغر حيّة أم ميتة؟

من منطلق ميكانيكا الكمّ، قطة شرودنغر ليست حيّة ولا ميتة. في هذا الاختبار النظري ضمن نظرية ميكانيكا الكمّ، قطة شرودنغر موجودة في صندوق مُغلَق وداخل الصندوق توجد مادة من المحتمل أن تكون قاتلة. واحتمال أن تقتل تلك المادة قطة شرودنغر يساوي احتمال أن تلك المادة لن تقتل تلك القطة. وبذلك من غير المُحدَّد إن كانت قطة شرودنغر حيّة أم ميتة مما يتضمن أنها ليست حيّة ولا ميتة. وهذا مُستغرَب جداً [4]  . لكن فرضية الجُسيمات السوبر خلاّقة تنجح في تفسير كيف من الممكن لقطة شرودنغر أن تكون ليست حيّة ولا ميتة. بالنسبة إلى فرضية الجُسيمات السوبر خلاّقة، قطة شرودنغر (التي تمثِّل حال الجُسيمات ما دون الذرية) هي صيرورة إنتاج معلومات كمعلومة أنها حيّة أو أنها ميتة كسائر القطط. ولكن بما أنها وُضِعت، في الاختبار النظري السابق، في صندوق مُغلَق فباتت منعزلة عن العالَم خارج صندوقها، إذن هي لا تُصدِر فلا تُنتِج معلومة أنها حيّة ولا معلومة أنها ميتة (فإنتاج المعلومات يستلزم إصدارها والعكس صحيح). وبما أنَّ قطة شرودنغر لا تُنتِج معلومة أنها حيّة ولا معلومة أنها ميتة بينما الموجودات تتكوّن على ضوء ما تُنتِج من معلومات، إذن من المتوقع أن تكون قطة شرودنغر ليست حيّة ولا ميتة وبذلك من غير المُحدَّد إن كانت حيّة أم ميتة. هكذا تنجح فرضية الجُسيمات السوبر خلاّقة في تفسير لامُحدَّدية إن كانت قطة شرودنغر حيّة أم ميتة.

قطة شرودنغر ليست حيّة ولا ميتة لأنها لا تُنتِج معلومة أنها حيّة ولا معلومة أنها ميتة. إن كانت حيّة، فلا بدّ من أن تُنتِج معلومة أنها حيّة. وإن كانت ميتة، فلا بدّ من أن تُنتِج معلومة أنها ميتة. ولكنها لا تُصدِر فلا تُنتِج أيّة معلومة من المعلومتيْن السابقتيْن (لكونها في صندوق مُغلَق ومنعزل عن العالَم الخارجي). لذلك هي ليست حيّة ولا ميتة. أما المعلومة التي تُنتِجها قطة شرودنغر (وهي في الصندوق المُغلَق) فهي معلومة احتمال أنها ميتة واحتمال أنها حيّة بدلاً من معلومة أنها ميتة أو معلومة أنها حيّة. وبكلامٍ آخر، قطة شرودنغر برنامج إنتاج للمعلومات بدلاً من أن تكون معلومات مُحدَّدة سلفاً مما يفسِّر لامُحدَّدية إن كانت قطة شرودنغر حيّة أم ميتة. من المنطلق نفسه، الجُسيمات ما دون الذرية برامج إنتاج للمعلومات بدلاً من أن تكون معلومات مُحدَّدة مُسبَقاً. ولذلك من غير المُحدَّد إن كانت الجُسيمات جُسيمات أم موجات (نقائض الجُسيمات). هكذا تنجح فرضية الجُسيمات السوبر خلاّقة في تفسير لامُحدَّدية الجُسيمات ما دون الذرية. وهذا النجاح يشير إلى أنها فرضية صادقة.

التشابك الكمي

تصف ميكانيكا الكمّ التشابك الكمي على أنه ارتباط جُسيميْن أو أكثر وامتلاك الجُسيمات للحالة الكمومية نفسها وإن تباعدت تلك الجُسيمات عن بعضها البعض بمسافات هائلة. أما الحالة الكمومية فهي التي تعيِّن الاحتمالات ضمن النظام الفيزيائي للجُسيمات. في حالة التشابك الكمي، صفات الجُسيم معتمدة على صفات الجُسيم الآخر وإن كانت تلك الجُسيمات متباعدة عن بعضها بمسافات كبيرة وكأنها في اعتمادها على بعضها البعض تتواصل عن بُعْد أو كأنها تشكِّل كينونة واحدة رغم أنها جُسيمات مختلفة متباعدة عن بعضها. وبذلك في حالة التشابك الكمي بين جُسيميْن، لا نستطيع معرفة جُسيم من دون معرفة الجُسيم الآخر [5] . والتشابك الكمي مُستغرَب أيضاً من جراء تشابك الجُسيمات رغم ابتعادها عن بعضها. لكن تنجح فرضية الجُسيمات السوبر خلاّقة في تفسير التشابك الكمي على النحو التالي: من الممكن حدوث التشابك الكمي لأنَّ الجُسيمات برامج بينما البرامج من الممكن دمجها ولذلك من الممكن دمج الجُسيمات وهذا ما يُعرَف بالتشابك الكمي. فحين تندمج البرامج تتواصل وتشكِّل كينونة واحدة. وارتباط تلك الجُسيمات رغم المسافات الكبيرة الفاصلة بينها مُتوقَع لأنها تشكِّل برنامجاً واحداً والبرنامج نفسه من الممكن أن يوجد في أمكنة مختلفة ومتباعدة. من هذا المنطلق، من الممكن للجُسيمات أن تندمج (لكونها برامج) فتشكِّل برنامجاً واحداً مما يفسِّر التشابك الكمي بين الجُسيمات.

فرضية علمية

فرضية الجُسيمات السوبر خلاّقة فرضية علمية لأنها قابلة للاختبار. بالنسبة إلى فرضية الجُسيمات السوبر خلاّقة، الجُسيمات ما دون الذرية هي صيرورات وبرامج   إنتاج للمعلومات. وبذلك إذا وُجِد جُسيم ما دون ذري لا يُنتِج أيّة معلومة، فحينئذٍ فرضية الجُسيمات السوبر خلاّقة فرضية كاذبة. من هنا، فرضية الجُسيمات السوبر خلاّقة قابلة للاختبار. وبذلك هي فرضية علمية.

*** 

حسن عجمي

......................

المراجع

[1] Shan Gao (Author): The Meaning of the Wave Function: In Search of the Ontology of Quantum Mechanics. 2017. Cambridge University Press.

[2] Anastopoulos, Charis (Author): Particle or Wave. 2008. Princeton University Press.

[3] Peebles, P. J. E. (Author): Quantum Mechanics. 2020. Princeton University Press.

[4] John Gribbin: In Search of Schrodinger’s Cat: Quantum Physics and Reality. 2025. Penguin.

[5] Silverman, Mark P. (Author): Quantum Superposition: Counterintuitive Consequences of Coherence, Entanglement and Interference. 2008. Springer.

تعتبر الشهادات العليا من أهم العوامل التي تحدد مدى قدرة الأفراد على التنافس في سوق العمل. ومع تطور التكنولوجيا، أصبح الحديث عن الذكاء الاصطناعي (AI) وتطبيقاته أمرًا شائعًا. وهذا يثير تساؤلات مهمة حول مدى قدرة الذكاء الاصطناعي على التأثير على قيمة الشهادات العليا. في هذا البحث، سنتناول العلاقة بين الذكاء الاصطناعي والشهادات العليا، ونعرض بعض الآراء المختلفة حول هذا الموضوع.
- مفهوم الذكاء الاصطناعي
الذكاء الاصطناعي: هو فرع من فروع علوم الكمبيوتر يهدف إلى إنشاء أنظمة قادرة على أداء المهام التي تتطلب ذكاء بشري. يتضمن ذلك التعلم الآلي، معالجة اللغة الطبيعية، والرؤية الحاسوبية وغيرها. الأنظمة التي تستخدم الذكاء الاصطناعي يمكن أن تتعلم من البيانات، مما يسمح لها بتحسين أدائها بمرور الوقت.
- الشهادات العليا وأهميتها
الشهادات العليا: تشير إلى الدرجات الأكاديمية التي يحصل عليها الأفراد بعد الانتهاء من التعليم الجامعي، مثل الماجستير والدكتوراه. هذه الشهادات تعكس مستوى معرفي ومهاري عالٍ، وتعتبر معيارًا أساسيًا لتوظيف الأفراد في بعض المجالات. ولكن مع تقدم التكنولوجيا، أصبح من المهم إعادة النظر في كيفية تقييم المهارات والمعرفة.
أولاً: تأثير الذكاء الاصطناعي على سوق العمل
على الرغم من أن الذكاء الاصطناعي يقدم فرصًا جديدة في مختلف الصناعات، إلا أنه أيضًا يعيد تشكيل سوق العمل بشكل يختلف عن السابق، هناك عدد من الطرق التي يمكن أن يؤثر فيها الذكاء الاصطناعي على وظائف المستقبل:
1- أتمتة الوظائف: يمكن للذكاء الاصطناعي أتمتة العديد من المهام الروتينية، مما يقلل الحاجة للموظفين في بعض المجالات.
2 - خلق فرص جديدة: بينما يقضي الذكاء الاصطناعي على بعض الوظائف، فإنه يخلق أيضًا فرص عمل جديدة تتطلب مهارات جديدة. فمثلاً، هناك حاجة متزايدة لمهندسي الذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات.
3 - إزاحة الوظائف التقليدية: واحدة من القضايا الرئيسية المثارة حول الذكاء الاصطناعي هي قدرته على إزاحة الوظائف. حيث يمكن للآلات الذكية أن تقوم بالمهام الروتينية التي كان يقوم بها البشر، مما يؤدي إلى فقدان بعض الوظائف التقليدية. على سبيل المثال، في قطاعات مثل التصنيع واللوجستيات، بدأت الروبوتات في استبدال العمال في الخطوط الإنتاجية.
4 - ظهور وظائف جديدة: على الرغم من القلق بشأن فقدان الوظائف، إلا أن الذكاء الاصطناعي أيضًا يفتح المجال لوظائف جديدة لم تكن موجودة من قبل. مثل الوظائف المتعلقة بتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، وتحليل البيانات، وإدارة النظام. تشير الدراسات إلى احتمال إنشاء ملايين من الوظائف الجديدة في العقد القادم بسبب التقنيات الجديدة.
-5تحسين الإنتاجية والكفاءة: يمكن للذكاء الاصطناعي زيادة الإنتاجية والكفاءة في العديد من القطاعات. مثل الاستخدامات في الزراعة الذكية، حيث يمكن للتقنيات الذكية تحسين استخدام الموارد، مما يؤدي إلى زيادة الإنتاج وتقليل الهدر.
ثانياً: عقد السبعينيات ذروة التغيير العالمي
يعتبرعقد السبعينيات من القرن العشرين من الفترات التاريخية المهمة التي شهدت تحولات جذرية على الصعيدين الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، كانت هذه الفترة مليئة بالأحداث والتغيرات التي شكلت ملامح العالم الحديث، حيث تأثرت الدول والشعوب على حد سواء.
في القرن الحادي والعشرين، بدأ المؤرخون يعتبرون عقد السبعينيات بمثابة "ذروة التغيير" في التاريخ العالمي، مع التركيز بشكل خاص على التقلبات الاقتصادية التي تلت نهاية فترة الازدهار الاقتصادي العالمي بعد الحرب العالمية الثانية في العالم الغربي.
1- الخلفية التاريخية:
تبدأ فترة السبعينيات بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وبالتحديد في بداية الستينيات عندما شهدت العديد من الدول استقلالها عن الاستعمار الأوروبي، مما أدى إلى ظهور حركات التحرر الوطني. ومع ذلك، واجهت هذه الدول تحديات كبيرة في مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
2- الأزمات الاقتصادية:
في مطلع السبعينيات، بدأت الأزمات الاقتصادية بالتأثير على العديد من الدول الغربية. كان من أبرز هذه الأزمات أزمة النفط عام/ 1973، التي نتجت عن حدوث حظر نفطي فرضته الدول العربية على الدول الداعمة لإسرائيل خلال حرب أكتوبر، تشرين الأول. أدت هذه الأزمة إلى ارتفاع أسعار النفط بشكل حاد، مما أثر على الاقتصاد العالمي وأدخل العديد من الدول في حالة ركود اقتصادي.
وعلى النطاق العالمي،عانت جميع الدول الصناعية، باستثناء اليابان، من فترة ركود اقتصادي نتيجة أزمة نفطية ناجمة عن مقاطعات فرضتها منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول. وفي خضم هذه الأزمة، ظهر مفهوم جديد يُعرف بالركود التضخمي، مما أدى إلى تحول سياسي واقتصادي استبدل النظرية الاقتصادية الكينزية بالنظرية النيوليبرالية. وقد تجسد ذلك في إنشاء أولى الحكومات النيوليبرالية في (تشيلي) بعد الانقلاب العسكري الذي قاده الماريشال (أوغستو بينوشيه 1915-2006 ) في عام /1973.
3 - التغيرات السياسية:
عقد السبعينيات شهد أيضاً صعود حركات سياسية عديدة، منها الحركة الحقوقية في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث بدأت النساء والأقليات تطالب بحقوقهن بشكل أكثر فعالية، كما شهدت العديد من الدول الأوروبية تحولات سياسية أدت إلى ظهور الحكومات الاشتراكية، بالإضافة إلى صعود الحركات الثورية في أمريكا اللاتينية وآسيا.
4 - التغييرات الاجتماعية:
أيضاً، مثّلت السبعينيات فترة تغييرات اجتماعية كبرى. من أبرز هذه التغييرات ارتفاع الوعي النسوي، حيث خرجت النساء إلى الشوارع للاحتجاج على التمييز الجنسي وطلب حقوقهن، كما برزت حركة حماية البيئة كاستجابة للضرر البيئي الذي حدث جراء التقدم الصناعي.
كما استمرت الأفكار التقدمية الاجتماعية التي بدأت في أواخر الستينيات، ومطلع السبعينيات منه مثل زيادة الوعي السياسي والحرية الاقتصادية للمرأة، في النمو في العراق نتيجة التنمية الأنفجارية التي عاشها العراق أنذاك والتي توقفت نتيجة الحرب العراقية الأيرانية 1980- 1988 ثم حرب غزو الكويت 1991-2003 ليخرج العراق مثخن بالجراح والديون والبطالة التي صاحبت توقف المعامل والمصانع العراقية نتيجة الحصار الأقتصادي الذي فرضه المجتمع العراقي على العراق.
ثالثاً: التغيير التكنولوجي المنحاز للمهارات
طالما كان التعليم بمثابة مفتاح لحياة أفضل وأكثر أمانًا، ولكن لم يكن له من الأهمية ما يحظى به في العقود الأخيرة، خاصة مع ظهور الروبوتات وأجهزة الكمبيوتر والإنترنت. فكلما زادت مستويات التعليم، زادت فرصتك في التكيف مع التغيرات التكنولوجية المفاجئة.
بين عامي 1980 و2009، أظهر الاقتصادي الأمريكي من أصول تركية (دارون أسيموغلو1967) والأكاديمي والأقتصادي الأمريكي (ديفيد أوتور1967) أن الأجورارتفعت بشكل متواضع لحاملي درجة البكالوريوس، وارتفعت بشكل أكبر لحاملي الدرجات العليا، بينما انخفضت للأشخاص الذين لم يكملوا دراستهم الثانوية.
ثم أطلق الاقتصاديون على هذه الظاهرة اسم "التغير التكنولوجي المنحاز للمهارات". بعبارة أخرى، إذا لم تحصل على مزيد من الشهادات، فقد تواجه صعوبات كبيرة. لذا أصبح التعليم هو الوسيلة الوحيدة التي تضمن لك الأمان في اقتصاد يتزايد فيه التفاوت.
ولضمان مستقبلهم، التحق عدد غير مسبوق من الشباب الأمريكيين بكليات الدراسات العليا، وقاموا بتحمل ديون كبيرة على أمل تحقيق عوائد أكبر في المستقبل. منذ عام /2000، تضاعف عدد الأمريكيين الحاصلين على درجتي الماجستير والدكتوراه أكثر من الضعف، في حين انخفض عدد الذين لم يحصلوا على شهادة الثانوية العامة.
على مدار السنوات القليلة الماضية، شهد الطلب على المهنيين ذوي التعليم العالي تراجعًا مفاجئًا، نتيجة لتضافر مجموعة من العوامل التي غيرت مشهد وظائف ذوي الياقات البيضاء.
كان من أبرز هذه العوامل:
- التحول الذي فرضته - جائحة فيروس كورونا – عام/ 2019 نحو العمل عن بُعد (work-Remotely)، آذ لم تعد الشركات الأمريكية مقيدة بقيود الجغرافيا، وأدركت الشركات الأمريكية أن بإمكانها التوظيف في الخارج، مما أتاح لها الوصول إلى مجموعة أكبر وأرخص من المهنيين المدربين تدريباً عالياً.
وبدا فجأة أن علماء الكمبيوتر ومديري المنتجات وعلماء البيانات المحليين - الذين طالما عوملوا على أنهم ألماس نادر يستحقون رواتبهم المرتفعة - أشبه بسلع باهظة الثمن مقارنة بنظرائهم.
- الدفع الكبير بين مسؤولي التوظيف في الشركات للتقليل من التركيز على المؤهلات الرسمية في عملية التوظيف، وهو اتجاه يُعرف باسم ”التوظيف القائم على المهارات“. لم يعد بعض أرباب العمل يدرجون متطلبات الشهادة في إعلانات الوظائف الشاغرة، وأضاف آخرون مؤهل ”أو خبرة معادلة“.
وهذا يمنح الأشخاص الذين لم يحصلوا على تعليم إضافي فرصة للحصول على أكثر الوظائف المرغوبة في الوظائف ذات - الأربطة الأنيقة - بينما يقلل من الميزة التي طالما تمتع بها حاملو الشهادات العليا.
- ثم يأتي دور الذكاء الاصطناعي، آذ تشير الدراسات إلى أن روبوتات الدردشة الآلية وغيرها من أدوات الذكاء الاصطناعي تعزز فعلاً من فرص أصحاب المهارات والخبرات المحدودة، بينما لا تقدم الكثير لدعم أصحاب الأداء العالي، الذين غالباً ما يكون لديهم درجات علمية متقدمة لتطوير مهاراتهم.
علاوة على ذلك، تشير التقديرات الأولية إلى أن الذكاء الاصطناعي قد يؤدي على المدى الطويل إلى استبعاد - أصحاب الأربطة الأنيقة - من وظائفهم، بينما تظل معظم وظائف - ذوي الياقات الزرقاء - كما هي، كما أن الحصول على ماجستير في إدارة الأعمال أو أي درجة علمية متقدمة أخرى لم يحمِ أي شخص من التأثير المفاجئ لـ (ChatGPT).
مع تزايد سرعة تطور التكنولوجيا، يزداد الشعور بأن الشهادات المرموقة قد أصبحت غير ذات قيمة. وقد وجد الخبير الأقتصادي الأمريكي في موقع غلاسدوور (آرون تيرازاس) أن متوسط عمر الأشخاص الذين يعانون من البطالة طويلة الأجل هو الآن 37 عاماً، مما يعني أنه ليس من الضروري أن تكون من جيل الطفرة التكنولوجية لتشعر بأن التكنولوجيا قد تجاوزتك.
يقول تيرازاس: ”ما نعتقد أنه ’قديم‘ هو أصغر بكثير الآن“. ”مع تسارع الحدود التقنية المتسارعة، فإن ما يعنيه أن تكون قديمًا يزحف نحو الأسفل.“
هذا ما حدث لإحدى بنات جيل الألفية، المسماة (تارا). بعد أن حصلت على درجة الماجستير في إدارة الأعمال من - جامعة كورنيل - في عام /2021، كانت واثقة أن كل هذا الجهد والنفقات ستثمر في النهاية.
وعندما تلقت عرض عمل من (شركة أمازون)، انتقلت عبر البلاد إلى سياتل، وكانت متحمسة للعيش بمفردها لأول مرة وبدء مسيرتها المهنية الجديدة كمديرة للمنتجات. وبغض النظر عن ما قد يحدث في وظيفتها، كانت تظن دائماً أن هناك العديد من الشركات التي ستسعى لتوظيف شخص يحمل شهادة من إحدى أفضل الجامعات في إدارة الأعمال.
واخيراً، تم تسريح تارا خلال فترة الانكماش التكنولوجي في نوفمبر، تشرين الثاني/ 2023 - ولم تتمكن من الحصول على وظيفة جديدة.. ظلت عاطلة عن العمل لمدة 14 شهراً ومازال العد مستمرًا، وتقدمت إلى ما يقرب من 650 وظيفة.
تقول تارا: ”مع مرور كل شهر، ومع ارتفاع مستويات التوتر لدي، اتسعت معايير البحث لدي“. ”أنا في حيرة من مدى صعوبة الأمر.“
رابعاً: خريجون في دائرة مفرغة
إن المهنيين الحاصلين على شهادات عليا ليسوا غارقين في البحث عن وظائف أطول فحسب - بل يواجهون ما يشبه الحلقة المفرغة: فكلما طالت مدة بقائهم بدون عمل، كلما أصبحت مهاراتهم متقادمة أكثر فأكثر، وهذا بدوره يجعل العثور على وظيفة أكثر صعوبة، ومع تزايد إحباطهم، يختار بعضهم وظائف بأجور أقل، بينما يستسلم آخرون تماماً.
يشير الاقتصاديون إلى هذا الأمر باسم ”الندوب“، وهو أحد الأسباب التي تجعلهم قلقين للغاية بشأن البطالة طويلة الأجل، فهو لا يضر فقط بالأشخاص الذين لا يستطيعون العثور على عمل، بل يضر أيضًا بالاقتصاد الأوسع نطاقًا.
إن الآفاق المستقبلية للنخب المتعلمة قاتمة للغاية لدرجة أن البعض لجأ إلى إخفاء أوراق اعتمادهم التي عملوا بجد لكسبها، تقول الكاتبة الأمريكية (كاثي سكوت)، مديرة السياسات الحاصل على شهادتي الدكتوراه، إنه في بعض الأحيان يترك شهادة الدكتوراه في طلبات التوظيف، لتجنب اعتباره مؤهلاً أكثر من اللازم. وقد بدأ (مايكل بورسيلينو)، الحاصل على درجة الدكتوراه في الدراسات الحضرية، بإدراج شهادته على أنها في ”العلوم الاجتماعية“، لجعلها تبدو قابلة للتطبيق على نطاق أوسع من الوظائف. ويقول إن الهدف من ذلك هو ”عدم وضع نفسي في خانة معينة“.
***
شاكر عبد موسى/ العراق

قارئي الكريم تعودنا ان نعيش أحلامنا مع الأفلام السينمائية حتى لو كان ذلك يعني ان نسير على سطح القمر او حتى على سطح المريخ. الفن السابع تمكن من أخذنا الى اي مكان على الأرض او السماء ونحن جالسون على مقعد في السينما او  في بيوتنا. المخرج الجيد يتمكن ان يجعلنا نعيش اجواء غابات افريقيا او صحراء العلمين وهو يصور فلمه في احد استوديوهات السينما في هوليود ناهيك باننا نتمكن من مشاهدة كل غريب في عالم المستقبل وهذا الأخير أصبح وعن طريق الذكاء الصناعي متاحا للجميع.

لم اتمكن من ان أتمالك فضولي من عدم تجربة هذا العقل الالكتروني AI الذي يجمع المعلومات من مصادر مختلفة من إنحاء العالم ومن خوادم (server) الكومبيوترات في زمن لا يمكن قياسه بمقياس زمني لصغر الوحدة الزمنية وعلى الاقل في الوقت الحاضر. المعلومات الموجودة حولنا في البرامج تسهل التعرف علينا وعلى شخصيتنا وعائلتنا وبتفاصيل دقيقة وصور ووثائق. جاءني الجواب فورا حين سالته عني وعن سيرتي الذاتية وتأكدت بانه ليس بذلك الذكاء على الأقل ما يخص مكان ميلادي. اذ رغم اني أنهيت دراستي الإعدادية في بغداد (الإعدادية الشرقية) وبهذه المناسبة اقدم شكري لجميع المدرسين والعاملين في هذه الإعدادية التي كانت تسمى اعدادية الملك غازي في العهد الملكي كما احيي جميع طلابها اينما كانوا. الا اني في واقع الامر من مواليد مدينة كركوك. العبرة بان التطورات المتسارعة في عالم المعلوماتية لها فوائدها وطبعا اضرارها كذلك. اذ ان ليس من الضرورة ان تكون جميع المعلومات التي يمكن اخراجها من اجهزة الكومبيوتر تكون صحيحة حتى حين ننظم البرامج كي تزودنا بمعلومات مع مصادرها لان المصدر قد يكون مزورا وغير معتمد علميا وذلك لاننا نعيش في عالم بات التزوير حالة طبيعية واحيانا لا يمكن التفريق بين الأصلي والمزور.

كنت قد اشرت فی مواچ نشرتها بعض إضرار وخطورة استعمالات برامج الكومبيوتر وخاصة للمراهقين والشباب دون مراقبة مستمرة من قبل الوالدين . الشباب بصورة خاصة هم المجموعة الأكثر تاثرا بالمعلومات المزورة ومن السهولة إقناعهم بصحة المعلومات لامر مهم في كون سقفهم المعرفي منخفض ومداركهم لم تنضج وعدم وجود اي مصدر اخر للمعلومة فتراهم يناقشون في امور ليس من اختصاصهم بل يشيرون الى معلومات حصلوا عليها من البرامج من الانترنت ومن الذكاء الصناعي دون ان يكون لديهم الإمكانية لتحليل المعلومة . تراهم كذلك يتأثرون جدا بالأفلام القصيرة التي تبث بالملاين في كل دقيقة معتقدين بان كل ما ورد فيها صحيح.

نشر الأخبار المزيفة أصبح سهلا جدا وحتى هناك العديد من الدول لديها أجهزة خاصة يعمل فيها ما يسمون ب (الهاكر) لبث المعلومات المزورة عن الحوادث السياسية من حروب وانتخابات وأخبار فنانين ومشاهير. المشكلة حين تتراكم المعلومات تصبح كالمرويات التاريخية والأساطير التي يومن بها الناس كما هي الخرافات حيث بعد مرور زمن على المعلومة الخاطئة وبفعل التكرار تصبح حقيقة واقعة لا جدال فيها. التاريخ مليء بحوادث خرافية يؤمن الناس بها اليوم معتقدين انها الحقيقة المطلقة ولا جدال على صحتها. تبقى المعلومة ذو نصل حاد يمكن ان يؤدي الى ماسي وكوارث لهذا من الضروري ان يكون المرء حذرا من التصديق بكل معلومة يقرءاها او يسمعها ويراها على الشبكة العنكبوتية المسماة (الانترنت). لان الذكاء الصناعي قد يأتي في المستقبل القريب يتجاوز عقول البشر ومداركهم وقد يسيطر على العديد من مظاهر الحياة وحتى المصانع وأماكن القرار وامور خطرة كثيرة امنية تخص امن الأمم والشعوب والأمن الاجتماعي العالمي.

لم يعد مهمة ذلك المخبر الذي يضع جريدة تحت إبطه ويقف في مكان مظلم في ضل شجرة يراقب الناس او الضحية اقول ان تلك المهمة قد اصبح في الماضي لان التقنية الجديدة في عالم التواصل الاجتماعي والإعلام (الميديا) قد تجاوز كل الحدود.

لان معرفة مكان وجودك وحركاتك وكل ما تفعل وتقول يمكن رؤيته ومتابعته عن بعد والقادم من تطورات خارج الخيال الإنساني بكل معنى الكلمة

***

د. توفيق رفيق التونچي - الأندلس

2024م

في فيديوات انتشرت حديثا، ادعاءات مثيرة من قبيل ان الذكاء الاصطناعي سيؤدي الى اطالة عمر الانسان وانه سيجعل الانسان متقدما او متخلفا جينيا (وراثيا) وبأنه يمكن ان يتفوق ويسيطرعلى الانسان ويدير حياته. في هذا السياق، سأحاول هنا الاجابة على السؤال الذي طرحته في العنوان حول دور الذكاء الاصطناعي في حياة الانسان وتقدمه التكنولوجي وعلى امكانيته التي قد تتفوق على الذكاء الطبيعي. مع انه من الضروري ان نفهم ان الذكاء الصناعي هو فعل جماعي ومشارك، حيث يعتمد على تفاعل العديد من الانظمة والخوارزميات لتحقيق اهدافه. في المقابل، يعتبر الذكاء الطبيعي كعملية فردية وشخصية، حيث يعتمد على القدرات العقلية لشخص واحد. لذلك، لا يمكننا مقارنة الاثنين بشكل مباشر، لان كل منهما يعمل في اطار مختلف ويعتمد على اليات مختلفة لتحقيق النتائج. فعلى سبيل المثال، يعمل نموذج اللغة الكبير في الذكاء الاصطناعي بناءً على نظرية الاحتمالات لتوليد النصوص، باستخدام الأساليب الاحصائية بدلاً من العمليات الادراكية او الفهم عند الانسان.

لا شك ان الذكاء الاصطناعي قد احدث ثورة هائلة في مختلف المجالات، بما في ذلك العلوم الاساسية. فمن خلال ادواته المتطورة، يمكننا تحليل كميات هائلة من البيانات، وفهم الظواهر الطبيعية بشكل افضل، وتطوير نظريات علمية جديدة. ولكن، هل حقا يعد الذكاء الاصطناعي "مولدا" للابتكارات؟ ام انه مجرد اداة تساهم في تسريع ظهورها؟ هنا احاول ان اوضح طبيعة الذكاء الاصطناعي ودوره في تسريع الابتكار والاكتشاف، مع التاكيد بأنه من دون فهم للعمليات والظواهر الطبيعية لن يكون للذكاء الاصطناعي دور في التقدم التكنولوجي في العلوم خصوصا البيولوجية والفيزياوية والطبية منها.

تسريع الابتكارات:

لا شك في ان يلعب الذكاء الاصطناعي دورا هاما في تسريع الابتكارات في العلوم الاساسية، ويحدث هذا من خلال:

1. تحليل كميات هائلة من البيانات: تعد البيانات اساس العمل العلمي، لكن تحليل كميات هائلة من البيانات قد يكون صعبا للغاية على البشر. هنا ياتي دور الذكاء الاصطناعي، حيث يمكنه تحليل هذه البيانات بسرعة وكفاءة، واكتشاف الانماط المخفية التي قد لا نتمكن من رؤيتها. في مجال الطب كمثال، يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل بيانات التصوير الطبي مثل الاشعة السينية والرنين المغناطيسي، مما يساعد الاطباء على تشخيص الامراض بشكل اكثر دقة وسرعة.

2. فهم الظواهر الطبيعية بشكل افضل: يمكن للذكاء الاصطناعي بناء نماذج محاكاة للظواهر الطبيعية، مما يسمح لنا بفهمها بشكل افضل. في مجال الفيزياء كمثال، يمكن للذكاء الاصطناعي محاكاة سلوك الجسيمات دون الذرية، مما يساعدنا على فهم قوانين الفيزياء بشكل افضل.

3. تطوير نظريات علمية جديدة: يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل البيانات العلمية ولربما توليد فرضيات جديدة بالتعاون مع البشر. كما يمكنه المساعدة في اختبار هذه الفرضيات وتطوير نظريات علمية جديدة. ومن الامثلة على دوره في مجال الكيمياء، يمكن للذكاء الاصطناعي تصميم مواد جديدة ذات خصائص محددة، مما يساعدنا على تطوير ادوية جديدة وعلاجات جديدة.

امثلة على انجازات العلوم الاساسية بدعم الذكاء الاصطناعي:

العلوم الطبية:

بالاضافة الى تشخيص الامراض من خلال تحليل الصور الطبية مثل الاشعة السينية والرنين المغناطيسي بشكل اكثر دقة وسرعة، يستخدم الذكاء الاصطناعي ايضًا في تصميم وتطوير ادوية وعلاجات جديدة. علاوة على ذلك، يدعم الذكاء الاصطناعي الطب الشخصي من خلال تحليل البيانات الجينية للمرضى لتطوير علاجات مخصصة لكل فرد.

العلوم الهندسية:

يستخدم الذكاء الاصطناعي في تصميم مواد جديدة ذات خصائص محددة، مثل مواد خفيفة الوزن وقوية في نفس الوقت، وكذلك في تصميم روبوتات اكثر ذكاء وقدرة على التكيف مع البيئة المحيطة. كذلك، يسهم الذكاء الاصطناعي في تصميم انظمة طاقة اكثر كفاءة واستدامة.

العلوم الزراعية:

يستخدم الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات الزراعية لتحسين الانتاجية وتقليل استخدام المبيدات الحشرية والاسمدة، وكذلك في اكتشاف الافات والامراض النباتية في وقت مبكر ومكافحتها. كما يساعد الذكاء الاصطناعي في ادارة الموارد المائية والتربة بشكل اكثر كفاءة.

هل يمكن للذكاء الاصطناعي ابتكار افكار علمية جديدة؟

يمكن للذكاء الاصطناعي ان يلعب دورا هاما في ابتكار افكار علمية جديدة، ولكن من المهم التاكيد على انه اداة قوية تساعد العلماء والباحثين، ولا يمكنه ان يحل محلهم، بل يمكن بالتعامل مع الانسان ان يفتح افاقا جديدة ويؤدي الى ابتكارات ونظريات علمية رائدة. الذكاء الاصطناعي يمكنه تحليل كميات هائلة من البيانات بسرعة وكفاءة، مما يمكن الباحثين على سبيل المثال من فهم الاليات التي تتحكم بالعمر والالغاز البيولوجية بشكل اسرع. ومع ذلك، فان العمل العلمي الحقيقي ينجزه البشر، فهم الذين يصممون التجارب ويحللون البيانات ويطورون النظريات.

بمعنى اخر، يمكن تشبيه دور الذكاء الاصطناعي في العلوم الاساسية بدور الممثل الذي يجسد النص ويوصل رسالته الى الجمهور، لكنه لا يمكنه ادعاء انه هو من كتب المسرحية. لذا من هنا تكمن اجابتي على الادعاءات بامكانية الذكاء الاصطناعي في اطالة عمر الانسان في ان الذكاء الاصطناعي قد يسهم في تسريع وتيرة الاكتشافات العلمية، لكنه لا يستطيع بمفرده اطالة عمر البشر، هذا الانجاز يتطلب فهما عميقا واليات معقدة لا يزال البشر هم المفتاح لفك شفراتها.

ومن المهم ان ندرك ان الذكاء الاصطناعي لا يمكنه:

1. فهم السياق العلمي: لا يمكن للذكاء الاصطناعي فهم السياق العلمي للبيانات والنظريات، مما يعني انه لا يستطيع تطوير نظريات علمية بصورة مستقلة، ولا يمكنه تقييم اهمية الاكتشافات العلمية او تفسير نتائجها بشكل كامل.

2. طرح اسئلة علمية جديدة: لا يمكن للذكاء الاصطناعي طرح اسئلة علمية جديدة، بل يمكنه فقط تحليل البيانات والاجابة على الاسئلة التي يطرحها البشر.

3. تطوير نظريات علمية جديدة: لا يمكن للذكاء الاصطناعي تطوير نظريات علمية جديدة، بل يمكنه فقط تحليل البيانات واختبار الفرضيات.

العلوم الاساسية هي الاساس:

لا ينبغي ان نقلل من دور العلوم الاساسية في الابتكارات التي يسهم فيها الذكاء الاصطناعي. فالعلم الاساسي هو الذي يوفر الاسس النظرية والتجارب التي تبنى عليها التطبيقات العملية. وبدون الفهم العميق الذي توفره العلوم الاساسية، لن يكون لدينا الاطار النظري الذي يمكننا من تطوير تقنيات جديدة او تحسين التقنيات الحالية.

العلوم الاساسية تعنى بفهم الظواهر الطبيعية والقوانين التي تحكمها، وهذا الفهم هو الذي يمكننا من تطبيق الذكاء الاصطناعي بطرق مبتكرة وفعالة. فمثلا، في مجال الطب، يعتمد تطوير تقنيات التشخيص والعلاج على الفهم الاساسي لبيولوجيا الانسان والامراض. وفي مجال الفيزياء، تعتبر النظريات الاساسية حول سلوك الجسيمات والقوى الطبيعية هي الاساس لتطوير تقنيات جديدة في مجالات مثل الطاقة والمواد.

لذلك، يجب ان ندرك ان الابتكارات التي يسهم فيها الذكاء الاصطناعي تعتمد بشكل كبير على الاسس التي توفرها العلوم الاساسية. بدون هذه الاسس، لن يكون لدينا البنية التحتية المعرفية التي تمكننا من تحقيق التقدم العلمي والتكنولوجي.

التحديات:

على الرغم من الفوائد الكبيرة التي يقدمها الذكاء الاصطناعي للعلوم الاساسية، الا انه يواجه بعض التحديات، منها:

1. البيانات المتحيزة: قد تكون البيانات التي يستخدمها الذكاء الاصطناعي متحيزة، مما قد يؤدي الى نتائج خاطئة.

2. قلة الشفافية: قد تكون خوارزميات الذكاء الاصطناعي معقدة وصعبة الفهم، مما قد يقلل من ثقة الباحثين فيها.

3. المخاوف الاخلاقية: قد تثير بعض تطبيقات الذكاء الاصطناعي مخاوف اخلاقية، مثل استخدام الذكاء الاصطناعي في الاسلحة ذاتية التشغيل.

في الختام، مع انه يمكن للذكاء الاصطناعي ان يلعب دورا اكبر في احداث ثورة في مختلف المجالات العلمية، لكنه ليس "والدا" للابتكارات في العلوم الاساسية، بل هو اداة قوية تساعد الباحثين على اجراء اكتشافات جديدة وتطوير نظريات علمية جديدة. ومع الاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي، يمكننا تسريع التقدم العلمي وتحسين حياة البشرية.

***

ا. د. محمد الربيعي

.....................

* أعرب عن شكري لصديقي الدكتور علي الشرباز الاستاذ في جامعة كمبردج في بريطانيا لملاحظاته القيمة التي اغنت المقال.

 

المقدمة: الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية ((Artificial intelligence in healthcare) هو مصطلح شامل يصف تطبيق خوارزميات التعلم الآلي والتقنيات المعرفية الأخرى في إعدادات الرعاية الصحية.

ببساطة، الذكاء الاصطناعي هو محاكاة أجهزة الكمبيوتر وغيرها من الآلات المعرفية البشرية للتعلم والتفكير واتخاذ القرارات والتصرف، ولذلك فإن استخدام الذكاء الاصطناعي في الطب والرعاية الصحية هو استخدام الآلات لتحليل البيانات الطبية والعمل عليها للتنبؤ بنتائج معينة.

لقد سهّل الطب الدقيق الانتقال الديناميكي من الرعاية الصحية التقليدية التي تعالج الأعراض والأمراض السريرية إلى الرعاية الصحية المتقدمة التي تعالج المرضى وفقًا لخصائصهم وتركيبهم الجيني، وسهلت علاج الأمراض واعتماد استراتيجيات فردية لتلبية الاحتياجات المتنوعة للمرضى.

يمثل الطب الدقيق تحولًا أساسيًا نحو رعاية صحية أكثر استباقية ودقة تتيح للناس أن يعيشوا حياة أكثر صحة وأمانًا.

أولاً: أمراض المناعة الذاتية

حسب تعريف المعهد الوطني الأميركي لعلوم الصحة البيئية، فإن هجمات أمراض المناعة الذاتية تحدث عندما يهاجم الجهاز المناعي عن طريق الخطأ الخلايا والأنسجة والأعضاء السليمة، ما يؤدي إلى ضعف وظائف الجسم ويهدد الحياة.

وتُعدّ الأمراض المناعية حالياً السبب الثالث للوفاة في الولايات المتحدة الأميركية، بعد أمراض السرطان والقلب، ونسبة الإصابة بها عالمياً في تزايد مخيف.

ويُصنّف العلماء حتى الساعة نحو ثمانين مرضاً من أمراض المناعة الذاتية، بعضها شائع لدى الناس كالنوع الأولى من السكري والتهاب المفاصل الرومانتيكي والتصلب اللوحي، في حين أن بعض هذه الأمراض صعبة التشخيص.

وقد تتطور الأعراض وتتشابه مع أمراض أخرى لعقود من الزمن قبل أن يكتشف الأطباء أنهم أخطئوا التشخيص لسنوات طويلة وأنهم أمام اضطراب مناعي ذاتي، وهذه هي نقطة البداية:

أكتشف عالم الكيمياء الفرنسي (لويس باستور1822- 1895) لقاح "داء الكلَب" وتقنية "البسترة" والكثير من الابتكارات الطبية التي أنقذت حياة ملايين البشر، لكنه نسيَ أن يذهب لحفل زفافه، إذ بينما كان الجميع بانتظاره لإتمام مراسم الزواج، كان هو منكباً على أبحاثه في مختبره ، حتى هرع إليه أحد أقربائه وذكره بالحدث، وانضم إلى الحفلة وتقبّلت زوجته الموقف بـ "روح رياضية"، ربما لأنه أنقذ حياة ملايين البشر!

حفل زفاف (لويس باستور) كان عام / 1850 م، يعني الأداة الوحيدة لتذكيره هي أصدقاؤه أو أقاربه، لكن حالياً أدوات التذكير الذكية مُتاحة بكثرة ، وتُرسل لك إشعارات متى شئت وكيفما شئت، لكن يوجد ما هو أهم من إشعار التذكير نفسه ألا وهو توقيت جدولته أو إرساله.

ثانياً: اكتشافات جديدة

إن اعتماد العمليات الجراحية الروبوتية التي تعمل بالذكاء الاصطناعي آخذ في الارتفاع، مما يوفر إجراءات جراحية دقيقة وفعالة بأقل تدخل جراحي وأوقات تعافي أقصر، وهذا لا يفيد المرضى فقط من خلال تقليل مخاطر حدوث مضاعفات، بل يعزز أيضًا قدرات مقدمي الرعاية الصحية في تقديم رعاية عالية الجودة.

لقد كشفت - شركة جوجل ديب مايند - عن الإصدار الرئيسي الثالث من نموذج الذكاء الاصطناعي ألفا فولد (AlphaFold)، المصمم لمساعدة العلماء على تصميم الأدوية واستهداف الأمراض بشكل أكثر فعالية.

كما أطلقت الصين أول مستشفى في العالم يعمل بالذكاء الاصطناعي، والذي أطلق عليه اسم "مستشفى العميل"، وهو ما يمثل قفزة كبيرة إلى الأمام في مجال الرعاية الصحية.

يقع هذا المستشفى الرائد في بكين وتم تطويره من قبل باحثين من جامعة تسينغهوا، ويضم 14 طبيبًا من الذكاء الاصطناعي وأربع ممرضات افتراضيات، بهدف إحداث ثورة في تقديم الرعاية الطبية.

ومن المثير للدهشة أن المستشفى يمكنه علاج عشرة الأف مريض في غضون أيام قليلة، وهو إنجاز قد يستغرق الأطباء البشريون ما يصل إلى عامين، مما يُظهر كفاءة وإمكانات الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية.

ثالثاً: تحسين دقة التشخيص

من خلال الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي، تمكن مقدمو الرعاية الصحية من تحسين دقة التشخيص، وتخصيص خطط العلاج، وتعزيز رعاية المرضى من خلال المراقبة عن بعد، ومع ذلك، فإن دمج الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية يأتي أيضًا مع مجموعة التحديات الخاصة به، بما في ذلك المخاوف المتعلقة بخصوصية البيانات، والحاجة إلى دمج الذكاء الاصطناعي مع أنظمة الرعاية الصحية الحالية، والاعتبارات الأخلاقية في صنع القرار بواسطة خوارزميات الذكاء الاصطناعي.

على الرغم من هذه التحديات، فإن مستقبل الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية يبدو واعداً، مع إمكانية الكشف المبكر عن الأمراض، واكتشاف الأدوية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، واعتماد العمليات الجراحية الروبوتية المدعومة بالذكاء الاصطناعي لتحقيق الدقة والكفاءة.

وبالنظر إلى المستقبل، فإن مستقبل الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية يحمل إمكانات هائلة لمزيد من التقدم في رعاية المرضى والبحوث الطبية، أذ تتمتع تقنيات الذكاء الاصطناعي بالقدرة على إحداث ثورة في الكشف المبكر عن الأمراض من خلال تحليل كميات هائلة من بيانات المرضى لتحديد الأنماط الدقيقة والمؤشرات الحيوية التي قد تشير إلى وجود الأمراض في مرحلة مبكرة.

وهذا يمكن أن يؤدي إلى التدخل المبكر وتحسين نتائج العلاج للمرضى، مما يؤدي في النهاية إلى إنقاذ الأرواح وتقليل تكاليف الرعاية الصحية.. علاوة على ذلك، فإن اكتشاف الأدوية وتطويرها باستخدام الذكاء الاصطناعي لديه القدرة على تسريع عملية جلب أدوية جديدة إلى السوق بشكل كبير. ومن خلال الاستفادة من خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات الجينية، والتنبؤ بالتفاعلات الدوائية، وتحسين أنظمة العلاج، يمكن للباحثين تحديد أهداف دوائية جديدة وتصميم علاجات أكثر فعالية لمجموعة واسعة من الأمراض.

خامساً: الفوائد والأضرار

الفوائد

لقد كان تأثير الذكاء الاصطناعي على الرعاية الصحية عميقًا، حيث أدت التطورات إلى تغيير الطريقة التي يقدم بها المتخصصون الطبيون الرعاية، ومن إحدى الفوائد الرئيسية للذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية هي:

-  دقة التشخيص المحسنة التي يقدمها، أذ يمكن لخوارزميات الذكاء الاصطناعي تحليل كميات هائلة من بيانات المرضى، بما في ذلك الصور الطبية ونتائج الاختبارات، لمساعدة الأطباء في إجراء تشخيصات أكثر دقة وفي الوقت المناسب.

على سبيل المثال، تبين أن أدوات التشخيص التي تعمل بالذكاء الاصطناعي، مثل Watson من شركة IBM، تتفوق في الأداء على الأطباء البشريين في بعض المهام التشخيصية، مما يؤدي إلى تشخيص أسرع وأكثر دقة لحالات مثل مرض السرطان.

- علاوة على ذلك، يتيح الذكاء الاصطناعي إنشاء خطط علاج شخصية للمرضى بناءً على خصائصهم الفردية وتاريخهم الطبي، ومن خلال تحليل بيانات المرضى وتحديد الأنماط، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد مقدمي الرعاية الصحية على تصميم استراتيجيات العلاج بما يتناسب مع الاحتياجات المحددة لكل مريض، مما يؤدي إلى نتائج علاجية أفضل وتقليل الآثار الضارة.

- بالإضافة إلى ذلك، يسهل الذكاء الاصطناعي رعاية المرضى المحسنة من خلال المراقبة عن بعد، مما يسمح بالمراقبة المستمرة للعلامات والأعراض الحيوية للمرضى خارج إعدادات الرعاية الصحية التقليدية، ولا يؤدي هذا إلى تحسين راحة المريض فحسب، بل يتيح أيضًا الكشف المبكر عن المشكلات الصحية المحتملة، مما يؤدي في النهاية إلى إدارة أفضل للحالات المزمنة وتحسين النتائج الصحية العامة.

الأضرار

على الرغم من الفوائد الكبيرة التي يجلبها الذكاء الاصطناعي للرعاية الصحية، فإن تنفيذه لا يخلو من التحديات.. أحد المخاوف الرئيسية هو:

- خصوصية البيانات وأمنها، أذ يتطلب استخدام الذكاء الاصطناعي الوصول إلى كميات كبيرة من بيانات المرضى الحساسة، لذلك يعد ضمان حماية هذه البيانات من التهديدات السيبرانية والوصول غير المصرح به أمرًا بالغ الأهمية للحفاظ على ثقة المرضى والامتثال للوائح حماية البيانات.

- إن دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي مع أنظمة الرعاية الصحية الحالية يفرض تحديات تقنية، قد لا تكون الأنظمة القديمة مصممة لدعم القدرات المتقدمة لخوارزميات الذكاء الاصطناعي.

-  يجب أن تستثمر مؤسسات الرعاية الصحية في البنية التحتية والتدريب لدمج الذكاء الاصطناعي بشكل فعال في سير عملها وتعظيم فوائدها.

- تلعب الاعتبارات الأخلاقية أيضًا دورًا رئيسيًا في اعتماد الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية، وخاصة في عمليات صنع القرار التي تتضمن خوارزميات الذكاء الاصطناعي.

- تعد شفافية ومساءلة خوارزميات الذكاء الاصطناعي في اتخاذ القرارات الطبية أمرًا ضروريًا لضمان سلامة المرضى وثقتهم في التكنولوجيا.

- يجب على مقدمي الرعاية الصحية أن يدرسوا بعناية الآثار الأخلاقية المترتبة على الاعتماد على الذكاء الاصطناعي لاتخاذ قرارات الرعاية الصحية الهامة وتنفيذ الضمانات للتخفيف من التحيزات أو الأخطاء المحتملة في عمليات صنع القرار المعتمدة على الذكاء الاصطناعي.

***

شاكر عبد موسى / العراق

...................

المصادر

- الجزيرة نت/ خمسة أمثلة على استخدام الذكاء الاصطناعي في الطب/ 17 حزيران 2024.

https://www.aljazeera.net/tech/2024/.

- الاقتصاديةCNN  /الذكاء الإصطناعي يغير ملامح الرعاية الصحية المستقبلية/ 16 مايو 2024.

https://cnnbusinessarabic.com/economy/62449.

- نشرة الخوارزمية من أم أي تي تكنولوجي ريفيو

 

المقدمة: يعيش العالم في عصر تكنولوجي متطور، حيث يلعب الذكاء الاصطناعي دورًا هامًا في تقدم الحضارة البشرية: ومع تطور هذا النوع من التكنولوجيا، تزداد التحديات والتهديدات التي يمكن أن تواجه البشرية من خلاله.. فهل نحن مستعدون لمواجهة التهديدات الخارجية التي يمكن أن تحدث نتيجة لتطور الذكاء الاصطناعي؟.

الهدف من هذا البحث هو تسليط الضوء على التهديدات الخارجية التي تشكلها التكنولوجيا وبخاصة الذكاء الاصطناعي، وكيف يمكن للمجتمع الدولي أن يتعامل معها ويتحكم فيها.

أولاً: التهديدات الخارجية

التهديدات الأمنية: تعد التهديدات الأمنية من أبرز التحديات التي تواجه العالم في ظل تطور الذكاء الاصطناعي: فمع زيادة تبني التكنولوجيا الذكية في مختلف المجالات، يمكن للمتطفلين والهاكرز استغلال هذه التكنولوجيا لاختراق البيانات الحساسة والتجسس على المستخدمين.

التهديدات الاقتصادية: قد تؤدي تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى فقدان الوظائف التقليدية وظهور وظائف جديدة تتطلب مهارات متقدمة: هذا يمكن أن يؤثر على البطالة والاقتصاد بشكل عام، مما يتطلب من الحكومات والشركات اتخاذ إجراءات لمواجهة هذا التحدي.

التهديدات الأخلاقية: قد يثير استخدام التكنولوجيا الذكية مسائل أخلاقية معقدة، مثل قضايا الخصوصية والتحكم في البيانات الشخصية ومسائل تتعلق بالتمييز.. الخ.

التهديدات المعلوماتية: حذرت دراسة لـ (مركز تريندز للبحوث والاستشارات) من مخاطر استغلال الذكاء الاصطناعي في الحرب المعلوماتية من خلال "تلويث" البيانات التي يتعلم عليها ويعمل بها.

وعرفت الدراسة التي تحمل عنوان "تلوث الذكاء الاصطناعي: المخاطر المستقبلية للحرب المعلوماتية"، وقد عرف تلوث الذكاء الاصطناعي: بأنه إدخال معلومات مضللة أو مغلوطة بشكل متعمد في أنظمة الذكاء الاصطناعي بهدف التلاعب بنتائجها.. وتشير الدراسة إلى أن هذا التلوث يمكن أن تكون له عواقب وخيمة على الحكومات والشركات والأفراد الذين يعتمدون بشكل متزايد على تقنية الذكاء الاصطناعي.

وأوصت الدراسة بتطوير نهج تنظيمي شامل لمواجهة مخاطر تلوث الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك نهج "القناة" الذي اقترحه الباحثون، ويهدف إلى توجيه وتأمين تطوير الذكاء الاصطناعي مع السماح له بالتطور بشكل متناغم مع أنظمتنا الاجتماعية والتكنولوجية المعقدة.

وفي عالم الدفاع والأمن وإنفاذ القانون، نجد تميزاً وريادة للمنطقة الخليجية في مجال الابتكار وتبني الذكاء الاصطناعي أساساً لاستراتيجياتها الشُّرطية. وتقود الإمارات العربية المتحدة الركب في تبني الذكاء الاصطناعي، وكذلك تحقق السعودية تقدماً مبهراً في استغلال التقنيات لتعزيز الأمن، ما أدى إلى ظهور المنصات الشاملة المدعومة بالذكاء الاصطناعي: وتجمع هذه المنصات بين التحليل العميق والرصد في الوقت الحقيقي من أجل توفير معلومات مفيدة لمركبات دوريات الشرطة باعتبارها أدوات حيوية لتطوير معايير السلامة في جميع أنحاء المنطقة.

وتمكّن التقنيات الجديدة من التحكم بشكل فعال في أسراب كبيرة من الطائرات المسيرة المستقلة من قبل عدد صغير من المشغلين، حتى في البيئات شديدة الديناميكية والمعرضة للتشويش. وأشارت الشركة إلى أن هذه الاختبارات أكدت على قدرة الذكاء الاصطناعي على تعزيز مرونة وكفاءة الطائرات المسيرة، ما يمهد الطريق لاستخدام أوسع لهذا النوع من التكنولوجيا في العمليات العسكرية المستقبلية.

ثانياً: تزييف الانتخابات

من المتوقع أن يؤدي الذكاء الاصطناعي إلى تفاقم مشكلة التضليل الراسخة في السياسة بشكل كبير: ويكافح المشرعون والهيئات التنظيمية وشركات التكنولوجيا لمعرفة أفضل السبل لمكافحة هذه النسخة التقنية الجديدة من عنصر أساسي قديم في السياسة.

استخدام صوت مرشح في الانتخابات في مكالمة آلية لثني الناخبين عن الذهاب إلى صناديق الاقتراع خلال الانتخابات التمهيدية: هناك فيديوهات مزيفة لممثلين مشهورين يطلبون من الناس التصويت لحزب المعارضة: باستخدام صوت مزيف يظهر فيه أحد المرشحين وهو يقول إنه سيرفع سعر المشروبات الروحية.. هذه مجرد أمثلة قليلة حدثت مؤخراً لاستخدام المزيفات العميقة في السياسة.

ومن غير المستغرب أن قانون الانتخابات الفيدرالي في الولايات المتحدة الأمريكية ولوائحه لا يتعامل بشكل مباشر مع المزيفات العميقة: في الواقع، بعد تلقي التماس من منظمة غير ربحية لاتخاذ إجراء، سعت لجنة الانتخابات الفيدرالية، إلى الحصول على تعليق عام يدعو إلى أفكار حول أفضل السبل لتنظيم المزيفات العميقة.

ومع تسارع التقدم التكنولوجي، أصبح استخدام الذكاء الاصطناعي أساسياً في مختلف جوانب حياتنا: من أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي التي تمتلك القدرة على إنشاء أي شكل من أشكال المحتوى من أوامر بسيطة، إلى الأجهزة المنزلية الذكية المتطورة التي تتعلم عاداتنا وتفضيلاتنا وتتكيف معها.

لكن ذلك يترافق مع تزايد حجم البيانات التي نولدها ونشاركها عبر الإنترنت، من هنا ظهرت المخاوف المتعلقة بالخصوصية كقضايا ملحة تتطلب الاهتمام.

ثالثاً: السباق العسكري

منحت منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) شركة (ARX Robotics) الألمانية الناشئة تمويلاً أولياً بقيمة تسعة ملايين يورو لتطوير روبوتات عسكرية للحلف.

كما خصص صندوق الابتكار التابع للناتو (NIF) مليار يورو لدعم الشركات الناشئة التي تعمل على تطوير تقنيات في تطبيقات الدفاع والأمن: ويعد هذا الإعلان ثاني استثمار عام للصندوق منذ إطلاقه عام/ 2023.

ومن المعروف أن شركة (ARX Robotics) تأسست في عام /2022 على يد مارك ويتفيلد واثنين من قدامى المحاربين في الجيش الألماني، وقد طورت حتى الآن أربعة روبوتات حربية رئيسية تشبه الدبابات الصغيرة.. على الرغم من أن هذه الروبوتات غير مسلحة، فإنها مصممة لدعم القوات البرية العسكرية في أدوار مختلفة، بما في ذلك النقل والإخلاء الطبي ونقل الطائرات المسيرة والتدريب على التصويب.

وتتحرك كل روبوتات الشركة عبر مسارات ويمكن تزويدها بصناديق من المعدات، بما في ذلك الرادار وأجهزة إزالة الألغام، وما إلى ذلك: ووفقاً للشركة، يمكن إعداد الروبوتات للعمل بسهولة في ساحة المعركة في غضون دقائق، ويمكنها التواصل من خلال الذكاء الاصطناعي والعمل بشكل مستقل، كما يمكن التحكم فيها عن بُعد إذا لزم الأمر.

لقد كانت الطائرات المسيّرة إحدى التكنولوجيات الأساسية لدى الجيوش والهواة وفرق الإنقاذ والاستجابة الأولية على حد سواء لأكثر من عقد من الزمن، وخلال تلك الفترة، شهد نطاق الطرازات والتقنيات المختلفة المتاحة توسعاً كبيراً للغاية.

لم تعد الطائرات المسيّرة محصورة بالمروحيات الرباعية (quadcopters) الصغيرة المزودة ببطاريات لا تدوم طويلاً، فقد أصبحت الآن تساعد في عمليات البحث والإنقاذ، وتُحدِث تغييراً جذرياً في النزاعات المسلحة التي يشهدها العالم اليوم، وتوصل طروداً حساسة تجاه عامل الوقت من المواد الطبية، كما أن المليارات من الدولارات أصبحت مخصصة لبناء الجيل الجديد من الأنظمة الذاتية التحكم بالكامل.

لكن هذه التطورات تُثير عدداً من الأسئلة: هل الطائرات المسيّرة آمنة بما يكفي حتى تطير في المدن والأحياء المكتظة بالسكان؟ وهل يمثّل استخدام الشرطة الطائرات المسيّرة للتحليق فوق موقع يشهد حدثاً أو مظاهرة ما انتهاكاً لخصوصية الناس؟ ومن يقرر ما هو المستوى المقبول من التحكم الذاتي للطائرة المسيّرة (أي مستوى الاستقلالية في العمل) في مناطق المعارك والمواجهات العسكرية؟.

***

شاكر عبد موسى/ العراق

....................

المصادر

- الجزيرة نت/ مقال بنيويورك تايمز: هذا هو التهديد الحقيقي للذكاء الاصطناعي/ 5 تموز 2023.

.https://www.aljazeera.net/politics/2023/7/5/.

- عربية Skynews / ما مخاطر الذكاء الاصطناعي أذا وصلت للأيدي الخاطئة؟/ 10 مايو2024.

https://www.skynewsarabia.com/technology/1712655-.

- نشرة الخوارزمية من أم أي تي تكنولوجي ريفيو

https://mail.google.com.

 

المقدمة: إن المناقشة الحالية حول الذكاء الاصطناعي مبالغ فيها إلى حد ما، مما يجعلها موضوعا غامضا يظهر ويختفي مثل شروق الشمس في الصحراء، ويتسبب في توقعات ومخاوف مبالغ فيها، ويسبب مشاكل جوهرية في المجتمع.

ويقال إن التغييرات سوف تحدث، كل مجال من مجالات الحياة يؤدي إلى نهاية العالم، أو كليهما، ويجب أن نعرف ذلك على الفور، ومن ناحية أخرى، فهو يقدم أيضًا إجابات لأسئلة جوهرية حول هذا الموضوع : ما هو بالضبط؟ كيف يعمل؟ من أين أتى؟ أين سيذهب؟ - مصطلحات جافة لا يفهمها معظم الناس.

حين بدأت المئات من الشركات الكبرى في جميع أنحاء العالم موجة من تسريح العمال وخفض الوظائف، والتي ينطوي بعضها على استبدال الموظفين بالذكاء الاصطناعي، آذ تسعى هذه الشركات إلى تعظيم النتائج المالية عن طريق خفض التكاليف، وهناك أسباب اقتصادية أخرى مرتبطة بهذا الجهد أيضا.. ففي 25 مارس/آذار/ 2024، جمعت صحيفة "وول ستريت جورنال" قائمة بأبرز الشركات التي أعلنت عن خطط لخفض عدد الموظفين في فروعها حول العالم.

وبحسب الدراسات، فإن 25 بالمائة من الشركات الكبرى في مختلف القطاعات حول العالم تستعد لإلغاء نحو5 بالمائة من وظائفها بسبب الذكاء الاصطناعي.

أولا: البطالة التكنولوجية

البطالة التكنولوجية : هي فقدان الوظائف بسبب التغير التكنولوجي. تتضمن مثل هذه التغييرات بشكل عام إدخال أجهزة توفير العمالة (العضلات الميكانيكية)، أو بشكل أكثر تحديدًا، الأتمتة (العقول الميكانيكية). مثلما تم استخدام الخيول كمحركات، جعلتها السيارات تدريجيًا عتيقة الطراز وأثرت على العمل البشري طوال العصر الحديث.

ومن الأمثلة التاريخية على ذلك النساجون الذين أصبحوا فقراء بعد ظهور النول الآلي، فخلال الحرب العالمية الثانية، تمكنت آلة صنع القنابل الخاصة بآلان تورين من فك العديد من الرموز في غضون ساعات، والتي لم يتمكن البشر من حلها لآلاف السنين.

ورغم أن هذه الفكرة مقبولة بشكل عام، فإنها لا تقضي على معدلات البطالة المرتفعة، هناك متفائلون ومتشائمون في المناقشة حول البطالة التكنولوجية، وفي حين يتفق المتفائلون على أن هذا التطور من شأنه أن يزيل التأثيرات السلبية الطويلة الأجل على الوظائف، فإن المتشائمين يزعمون أن التكنولوجيا الجديدة تعمل على خفض العدد الإجمالي للعمال في أماكن العمل.

 انتشر مصطلح "البطالة التكنولوجية" في ثلاثينيات القرن العشرين على يد جون ماينارد كينز، الذي قال إن "سوء التكيف ليس سوى مرحلة مؤقتة"، لقد كانت مسألة استبدال العمل البشري بالآلات محل نقاش منذ زمن أرسطو حتى أواخر العام / 2023، عندما بدأت الشركات في الإعلان عن تسريح العمال والتركيز على الكفاءة العلمية .

ثانياً: تقليص أيام العمل

أصبح أسبوع العمل المكوَّن من أربعة أيام وشيكاً، حسبما صرح عملاق صناديق التحوط والملياردير ستيف كوهين، مالك فريق نيويورك ميتس (New York Mets)، لأندرو روس سوركين، مؤخراً في برنامج سكواك بوكس (Squawk Box) على قناة سي إن بي سي (CNBC).

بات إقرار هذا النظام وشيكاً، ليس لأن العاملين كانوا يتوسلون من أجل اعتماده، أو لأن الدراسات أكدت أنه يحسّن نتائج العمل، أو حتى لأنه يحظى بشعبية عارمة، بل لأن تنفيذ نظام أسبوع العمل المكوَّن من أربعة أيام أصبح ممكناً أخيراً بسبب سرعة انتشار الذكاء الاصطناعي، على حد قول كوهين الذي يشغل حالياً منصب الرئيس التنفيذي لصندوق التحوط، (Point72 Asset Management)، ورئيس مجلس إدارته.

قال كوهين لسوركين: "أعتقد أن أسبوع العمل المكوَّن من أربعة أيام قادم لا محالة؛ إذ نسمع عموماً منذ ظهور الذكاء الاصطناعي أن العاملين لا يكونون منتجين في أيام الجمعة؛ لذا أعتقد أن هذه الاحتمالية واردة بقوة".

فيما تستعد شركتا "أوبن أيه آي" وميتا لإطلاق نماذج ذكاء اصطناعي جديدة، قالتا إنها ستكون قادرة على "التفكير والتخطيط"، ما يعد خطوات حاسمة نحو تحقيق الإدراك الخارق في الآلات، والتقليل من فرص العمل بحسب ما أوردته صحيفة "فايننشال تايمز".

***

شاكر عبد موسى/ العراق

....................

المصادر:

World Economic Forum. "The Future of Jobs Report 2020." World Economic - Forum، 2020.

- الوثيقة نت، صحيفة الكترونية مستقلة/ الخيال العلمي صار واقعاً: الروبوتات تقود سفناً عن بعد/ 8 مارس أذار 2024. https://www.alwathika.com/.

- موقع الجزيرة/ الروبوت في زمن التكنلوجيا الذهبي / أحمد عنتر/ 11 كانون الأول 2023.

https://www.aljazeera.net/tech/2023/12/11.

-      

المقدمة: يقول خبراء الاقتصاد والطاقة إن الذكاء الاصطناعي ليس فقط تكنولوجيا تحويلية يعتمد عليها العالم في جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية، بل أيضا في تشكيل خريطة الطاقة في العالم بشكل غير مسبوق، وأعتقد أنه يلعب دورا مهما , بسبب الطلب الهائل على الطاقة من مراكز البيانات.

وفي الوقت نفسه، يمكن للخبراء معالجة وتحليل بيانات المسح الجيولوجي، وزيادة كفاءة تحديد رواسب الغاز والنفط، وزيادة كفاءة السلامة العامة في هذه الصناعة، وتحسين التنبؤ بالطلب، وتوزيع الموارد وتخزينها بشكل أكثر كفاءة، وما إلى ذلك تزايد أهمية الذكاء الاصطناعي من حيث الاستخدام المتكرر في قطاع الطاقة نفسه.

ووفقا لتقرير حديث نشرته الشبكة الأمريكية (CNBC)، فإن الذكاء الاصطناعي هو المفتاح للغاز الطبيعي، حيث تقول شركات الطاقة إنها تحتاج إلى الغاز لتلبية الطلب عندما لا تنتج مصادر الطاقة المتجددة ما يكفي من الطاقة.

أولاً: الطلب المتزايد

يُظهر تحليل Wells Fargo أن الولايات المتحدة شهدت نموًا مطردًا في مجال الطاقة لمدة عقد من الزمن، مع توقع زيادة الطلب على الكهرباء بنسبة تصل إلى 20 بالمائة بحلول عام/ 2030، وأن مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي وحدها ستنمو بحلول عام /2030.

ويتزامن ظهور الذكاء الاصطناعي مع كهربة المركبات المحلية، فضلا عن التوسع في تصنيع أشباه الموصلات والبطاريات محليا، لذلك تتجه شركات الطاقة لتأمين الطاقة بشكل سريع, ويبلغ استهلاك الكهرباء السنوي الحالي في نيويورك 48 تيراواط/ساعة.

وقد شكلت الزيادة الهائلة في الطلب على الطاقة تحديًا لشركات التكنولوجيا مثل أمازون، وجوجل، ومايكروسوفت، وميتا.. وتتعهد هذه الشركات بتزويد مراكز البيانات الخاصة بها بالطاقة المتجددة لتقليل انبعاثاتها الكربونية، لكن شركة Rystad Energy Consulting تقول إن الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وحدها قد لا تكون كافية لتغطية حمل الطاقة لأنها تعتمد على الظروف الجوية المتغيرة.

إن الذكاء الاصطناعي هو مفتاح الانتشار الواسع لبرامج الكمبيوتر والذكاء الاصطناعي في العالم في جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية, وإن الاعتماد الكبير على التكنولوجيا سيحدث ثورة في الطلب على الطاقة, وستتطلب هذه الأنظمة الإلكترونية كميات هائلة من الطاقة لتشغيلها، مما سيؤدي إلى زيادة غير متوقعة في الطلب على الطاقة.

 إن هذا الطلب الضخم على الطاقة قد لا يمكن تلبيته بمصادر الطاقة النظيفة أو المتجددة, ويرجع ذلك أيضًا إلى الحاجة إلى توسيع الإمدادات العالمية من الغاز الطبيعي والنفط , كما أن الصناعة تستفيد بشكل متزايد من الذكاء الاصطناعي من خلال برامج الكمبيوتر التي تساعد بشكل أكبر في معالجة وتحليل بيانات المسح الجيولوجي، وبالتالي تحسين كفاءة تحديد مكامن النفط والغاز. وبعبارة أخرى، فإن الذكاء الاصطناعي لا يساعد على زيادة إنتاج الغاز الطبيعي والنفط فحسب، بل يعمل أيضا على تحسين كفاءة الإنتاج من خلال الحد من انبعاثات الكربون، وتلبية الحاجة العالمية لمكافحة تغير المناخ.

ثانياً: خارطة الطاقة العالمية

سيعمل الذكاء الاصطناعي على تحسين فعالية السلامة العامة في صناعة النفط والغاز من خلال تقليل عدد الحوادث التي يتسبب فيها الإنسان، وحوادث حقول النفط والانسكابات، وتقليل انبعاثات غاز الميثان، كما أنه سيحسن كفاءة سلسلة التوريد ويجعل الطلب العالمي أكثر قابلية للتنبؤ به مما يجعل صناعة النفط والغاز أكثر موثوقية وأكثر ربحية للمستثمرين.

سوف يتم استخدام الذكاء الاصطناعي في عملية توليد شبكات الكهرباء والطاقة المتجددة ودمجها مع أنواع الطاقة الأخرى لزيادة الكفاءة وتلبية احتياجات العالم المتزايدة من الطاقة.

 إن الذكاء الاصطناعي سيساهم في تنشيط الاقتصاد العالمي ونموه السريع، لكنه سيتطلب حتما كميات هائلة من الطاقة.

وتواصل الشركات التكنولوجية عملها في دمج الذكاء الاصطناعي في مناحي حياتنا كافة, فقد استحوذ الذكاء الاصطناعي على النتائج التي يقدمها محرك البحث لدي، كما أن المساعدات الافتراضية الجديدة التي أعلنت عنها شركتا جوجل وأوبن أيه آي (OpenAI) مؤخراً جعلت العالم قريباً إلى حد مخيف من أحداث فيلم الخيال العلمي "هي" (Her)، وبأكثر من طريقة.

بات الذكاء الاصطناعي أكثر اندماجاً في عالمنا المعاصر، نتيجة الطلب المتزايد على الطاقة الكهربائية , وبسبب هذه التكنولوجيا من المرجح أنك رأيت بعض العناوين الإخبارية التي تزعم أن الذكاء الاصطناعي يستهلك من الكهرباء ما يعادل استهلاك الدول الصغيرة، وأنه سيؤدي إلى انتعاش الوقود الأحفوري، وأنه بدأ منذ الآن يضغط على شبكات التغذية الكهربائية.

إذاً، إلى أي حد يجب أن نقلق بسبب متطلبات الذكاء الاصطناعي بشأن الطاقة الكهربائية؟.

أن استخدام الذكاء الاصطناعي في تنفيذ بعض المهام قد يكون مكلفاً للغاية على صعيد الطاقة, ففي بعض نماذج الذكاء الاصطناعي العالية القدرة، قد يتطلب توليد صورة واحدة من الطاقة ما يكفي لشحن هاتف خلوي، مثلها كمثل العديد من المناطق في شمال ولاية فيرجينيا الأميركية، كانت مقاطعة لودون معروفة ذات يوم بمزارع الخيول ومواقع معارك الحرب الأهلية, ولكن على مدار السنوات الـ 15 الماضية، أُزيلت العديد من حقول وغابات هذه المنطقة لبناء مراكز البيانات التي تشكل العمود الفقري لحياتنا الرقمية.

قد يدفع صعود الذكاء الاصطناعي إلى زيادة الطلب على مراكز البيانات الأكبر حجماً، ما يؤدي إلى تغير كبير في المشهد وإرهاق شبكات الطاقة في المنطقة.

***

شاكر عبد موسى/ العراق

....................

المصادر/

* Sky news عربية/ الذكاء الإصطناعي وتغير المناخ.. ما هي أهم التطبيقات؟/ 27 نوفمبر2023.

* Sky news عربية/ الذكاء الإصطناعي وتغير المناخ.. ما هي أهم التطبيقات؟/ 27 نوفمبر2023.

* نشرة الخوارزمية من أم أي تي تكنولوجي ريفيوhttps://mail.google.com.

Cybernetics

السايبرنتك علم التحكم والتطورات الهائلة في عالم المعلوماتية التي نراه اليوم تعدى جميع التوقعات فهي أمواج متسلسلة تطورية ومتعاقبة لا نهاية لها. الخيال الإنساني في هذا العصر لا يزال محدودا ولا يمكنه حتى تصور ما سوف يكون عليه هذا العالم المخيف في المستقبل القريب.

قبل حوالي أربع عقود وانأ احضر رسالتي للدكتوراه في كلية السايبرنتك الاقتصادي في العاصمة الرومانية بوخارست كان هذا المصطلح السايبرنتك غريبا على العالم تماما. لكن اليوم يتحدث الجميع عن هذا المصطلح ونتائج استخدام تقنية المعلومات الحديثة وصولا الى استخداماتها العسكرية وخاصة تلك التي يتحكم عن بعد بأجهزة الاتصالات وتدخل الى غرف نومنا خاصة ان جميع الأجهزة اليوم تحتوي على جزء من تلك التقنية. كان عالم صناعة السينما وخاصة الأمريكية سباق في طرح العديد من الأفلام والمسلسلات الخيالية والتي باتت اليوم واقع يومي ملموس مثل التلفون الخلوي النقال (الموبايل).

دوائر الأمن ألمعلوماتي في الغرب استحدثت ومنذ سنوات شعب خاصة تعالج المعلومات وتشارك فعليا في الحرب المعلوماتية الغير معلنة والتي تجري رحاها اليوم بين الدول وحتى بين المؤسسات والمصانع الإنتاجية. سنعيش قريبا في عالم يختفي فيها جميع الكابلات (الاسلاك) ونتوج عالم من الاتصالات دون الحاجة الى تلك الكابلات وربما سيكون صعبا في البدا نقل الطاقة دون تلك الأسلاك ولكن التجارب جارية لتطوير طرق جديدة لنقل حتى الطاقة الكهربائية دون أسلاك. اما إرسال الفيروسات والبرامج المدمرة الى الأجهزة المعلوماتية البيتية (التلفزيون) وحتى الشخصية فهي في تطور مستمر. ويمكن في المستقبل في لحظة واحدة قتل المليارات من البشر وذلك بمجرد إرسال برنامج وعبر الأثير الى تلفونك الخلوي ليتحول الى اداة قاتلة للجريمة.

استخدام أنظمة المعلوماتية للجريمة ليست بجديد. وكنت قد أشرت في مواد سابقة لي نشرت على صفحات المثقف مدى تأثير المعلوماتية عند استخدامها للتنمر وعبر الذكاء الصناعي (AI) . اليوم تعمل الشرطة وتعالج ملاين الجرائم من تحايل ابتزاز وسرقة وحتى عمليات اغتيال إفراد والشخصيات. اما الهجوم السايبرنتكي فقد شل عمل العديد من المؤسسات وحتى شركات الطيران والمواصلات. البنوك عادة فتخفي إبلاغ الشرطة بجميع الحوادث خوفا من ان هجر الزبائن لهم. لكننا نرى بان هناك زيادة ملحوظة في عدد المحققين والمحللين في تلك العمليات.

ألمعلوماتية كمنتج جديد يسيطر به الدول المتطورة تقنيا بالسوق العالمية ونرى ذلك جليا في استخدام برامج متطورة جدا حتى في التلفونات الهلوية للمنافسة بين انتاج الدول المصنعة لتلك الأجهزة. بالطبع ان ما يسمى ب البرمجيات (سوفت) لا تزال في طور التطوير ولا يوجد اي توقف في الأفق عكس المواد المكونة للأجهزة (هارد) فهي في حالة من التقدم ألبطيء بعد عالم الكومبيوتر الشخصي وما يسمى بالكومبيوتر النقال (لاب توب).

الشباب من أكثر الطبقات الاجتماعية استخداما للمعلوماتية والأجهزة ووسائط التواصل الاجتماعي المختلفة وهناك من يستخدمها في امور غير قانونية وإجرامية . لكن معظم المؤسسات الأمنية في العالم لا تتماشى مع التطور في هذا المجال وربما تعتبر الولايات المتحدة ومن زمن بعيد قد استغلت موهبة هؤلاء الشباب في خدمة الامن السايبرنتكي وتحليل المعلومات للاستفادة في اتخاذ القرارات في زمن قياسي. الجدير بالذكر ان تحليل تلك المعلومات بسرعة يمكنها ان يفشل العديد من الجرائم وإفشالها قبل حدوثها وحتى الوقاية من حدوثها.

عن طريق الأمن السايبرنتكي بإمكان الدول حماية مواطنيها من اي هجوم محتمل في المستقبل ان كان ذلك الهجوم لأهداف عسكرية، أمنية او مدنية.

المستقبل لهؤلاء الجيل من الشباب العطشى لكل جديد في عالم المعلوماتية والذين باتوا عمليا من ناحية معلوماتهم واستخدامهم للأجهزة والبرامج الحديثة فهم اليوم يكونون عمليا هوة عميقة بين جيلهم وجيل والديهم . يجب على الدول الانتباه إليهم وإعطائهم الفرصة لتطوير مهاراتهم خدمة للمجتمع.

***

د. توفيق رفيق التونچي - الأندلس

٢٠٢٤

بقلم: ميليسا جرونلوند

ترجمة: د. محمد عبد الحليم غنيم

***

إن الخوف الأول لدى الباحثين من سوريا إلى أفغانستان ليس الحرب أو الإرهاب بل التحولات القادمة في الطبيعة نفسها

في مدينة باجرهات بجنوب بنجلاديش، التي تضم 360 مسجدًا من القرن الخامس عشر، يتسبب مياه البحر المالحة التي يقترب منها المحيط الهندي في تلف القواعد. في اليمن، تتسبب الأمطار الغزيرة في تدمير الأبراج الطينية غير المتوقعة في شِبَام، والتي أصبحت مكشوفة حديثًا نتيجة الضربات من النزاع هناك. وفي العراق، تجف المناطق الجنوبية من المستنقعات، مما يدفع البدو الأصليين إلى الهجرة إلى المدن، مما يؤدي إلى فقدان كبير للتراث غير المادي.

تختلف آثار تغير المناخ على التراث الثقافي بشكل واسع ولكنها معقدة بالضرورة. إنه يعمل كسرطان من الداخل، الذي يصعب تتبع نموه المطرد كما يصعب علاجه.

يقول أجمل مايواندي، مدير مؤسسة آغا خان للثقافة في أفغانستان: "لا يمكن رؤية آثار تغير المناخ من يوم إلى آخر. الأضرار المادية التي تلحق بالآثار نتيجة الحروب والكوارث الطبيعية يمكن غالبًا عكسها. ومع ذلك، فإن التغيرات التدريجية الناجمة عن التغير المناخي غالبًا ما تظل غير ملحوظة حتى فوات الأوان لاتخاذ إجراء."

وغالبًا ما تكون هذه التأثيرات متعددة، مع تعقيدات تتراكم فوق بعضها البعض.

أصبحت باجرهات، التي أدرجت ضمن مواقع التراث العالمي لليونسكو، واحدة من أشهر الحالات التي تهددها آثار تغير المناخ. تتميز مساجدها بالهندسة المعمارية المقببة المميزة على الطراز الهندي الإسلامي، والتي تشتهر بأمثلتها الأحدث والأكبر مثل تاج محل. لا يزال العديد منها يستخدم من قبل العامة — مع الأذان الذي يُرفع ليس عبر رسائل مسجلة ولكن عبر المؤذنين الذين يصعدون إلى المآذن القصيرة والمبنية من الطوب الأحمر. خلال الأعاصير، يلجأ السكان إلى هذه المباني، التي توفر حماية أفضل من منازلهم.

بالإضافة إلى ارتفاع مستوى سطح البحر، تتسبب زراعة الروبيان وبناء السدود في دلتا النهر في نقل المياه المالحة إلى اليابسة وابقائها هناك لفترات أطول. تتسرب الملوحة إلى طوب مساجد باجرهات، في عملية تعرف باسم التبخر، مما يؤدي إلى التكلس وتغير اللون. بينما يهدد الأرض المائية المتشبع بالماء بسلامة المباني الهيكلية.

يقول خاندوكير محفوظ-الدين، أستاذ العمارة في جامعة خولنا القريبة، إن الملوحة كانت دائمًا تهديدًا، حتى عندما كانت المباني تُبنى، بسبب إيقاعات المد والجزر لنهر غير نشط الآن كان يمر عبر الموقع. على الرغم من كونها تقنية نادرًا ما تستخدم في جنوب بنجلاديش، فقد أحاط المعماريون الأصليون الأسس بالحجارة لحماية الطوب من مياه البحر. وكمدينة حية، تستفيد باجرهات من وجود السكان المحليين الذين يعتنون بالجدران على الأقل من خلال مسح النباتات والأوساخ.

ومع ذلك، فإن هذه الإصلاحات ثبتت أنها غير كافية أمام حجم التحديات المتزايد.

قال لي الناس المحليون والقائمون على المسجد إنه منذ 15 إلى 30 عامًا [كان] هناك حاجة أقل للصيانة المنتظمة"، يضيف. "لكن الآن، فإن الفطريات، والتبخر، والتكلس، والتشقق تتزايد بسرعة. لدينا بعض الميزانية الرمزية من الحكومة في هذا المجال، ولكن على الرغم من أن تكلفة الصيانة منخفضة، إلا أنها ليست كافية. نحتاج إلى ميزانية أكبر لتغطية المزيد من الأنشطة."

إن الصيانة المحلية المستمرة تشكل حصناً منيعاً ضد تغير المناخ بالنسبة للمساجد المبنية من الطوب اللبن في أماكن مثل مالي والنيجر. يستضيف المسجد الكبير في جينيه مهرجانًا سنويًا لـ "الكريبيساج" (التجصيص)، حيث يعمل كامل سكان مدينة مالي على إعادة تجصيص المسجد قبل بدء موسم الأمطار السنوي. في جهد منسق، تقوم الفرق بتحضير الطين، ونقله إلى سلال منسوجة وتسليمه إلى الشباب الذين يصعدون إلى الحواف البارزة للمباني ويطبقون الخليط على الواجهة. لكن الكريبيساج لا يمكنه مواكبة وتيرة الأمطار الجديدة. كانت أجاديز موقعًا للتراث العالمي لليونسكو منذ عام 2013، مع مسجد عظيم ومنازل مزخرفة بالطين بُنيت على طول طرق القوافل في النيجر في القرن الخامس عشر. بعد سلسلة من الفيضانات المفاجئة في السنوات الأخيرة، تقدمت الهيئات المحلية إلى الوكالة الثقافية السويسرية ALIPH للحصول على تمويل طارئ.

يقول محمد الحسن، الذي تدير وكالته، إيمان التواريخ، أجاديز. " نحن نستخدم طرقًا قديمة"،  ويشرح أن هذه التقنيات المحلية في مزج الطين وروث الحيوانات أثبتت فعاليتها أكثر في حماية الهياكل من الأفكار التي تم تطويرها في أماكن أخرى.

لكن أجاديز، مثل معظم المواقع التي يهددها التراث الثقافي، معرضة أيضًا للخطر من حيث الاقتصاد والأمن. واحدة من أقسى الظلم الذي يتسبب فيه تغير المناخ هي التأثيرات الساحقة التي تتعرض لها البلدان التي ساهمت بأقل قدر في انبعاثات الكربون. في مجال التراث الثقافي، يكتشف المهندسون المعماريون وعلماء الآثار أن المعرفة الأصلية توفر واحدة من أفضل الطرق لحماية المواقع ضد تغير المناخ — ولكن هذه المعرفة هي بالضبط ما يُفقد وسط نزوح عالمي أوسع في المجتمعات الريفية.

في أجاديز، أصبح العثور على عمل أصعب، توقف السياحة، والنيجريون يهاجرون — آخذين معهم المعرفة المحلية التي تساعد في الحفاظ على المسجد الكبير في أجاديز والمباني المحيطة به.

تقول أندريا بالبو، عالمة الآثار التي تقود هذا الموضوع في ALIPH: "إن تغير المناخ عامل مضاعف. لقد حاولنا تجميع ثلاث طرق تتفاعل بها تغير المناخ والصراع والتراث. لكن هذه تفاعلات معقدة بمعنى أنها ليست إضافة ــ ليس مثل واحد زائد واحد يساوي اثنين. بل إنها أقرب إلى واحد وواحد يخلقان خمسة أو عشرة أو خمسة عشر".

تؤدي الآثار التي يمكن تتبعها إلى تغير المناخ — مثل الجفاف وفشل المحاصيل — إلى تفاقم النزاع، الذي يدمر أو يحد من الوصول إلى مواقع التراث الثقافي المعرضة للخطر. وفقًا لدراسة "عندما يتحول المطر إلى غبار"، التي أعدتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر في عام 2020، من بين أفضل 20 دولة تأثرت بالنزاع، كان 12 منها أيضًا من بين الأكثر تعرضًا لتغير المناخ.

بمجرد تضرر المواقع، تضيف بالبو، فإن بعض الآثار الجوية التي ساهم بها تغير المناخ، مثل الأمطار الغزيرة، تزيد من تفاقم المشاكل. تتدفق جدران الطين في شِبَام، المكشوفة خلال القصف في اليمن، إلى جداول جارفة بمجرد أن يتضرر طبقتها الخارجية. الرياح القوية عبر وسط العراق، التي يعزوها العلماء إلى أنماط الطقس الأكثر تطرفًا الناتجة عن تغير المناخ، تؤدي إلى تآكل العديد من المواقع المكشوفة أو الواقعة على التلال في البلاد التي تظل صعبة الوصول للآثاريين.

في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وجنوب آسيا، تركز معظم الأبحاث ليس على المواقع الأثرية بحد ذاتها ولكن على الطرق الأكثر تعقيدًا التي يهدد بها تغير المناخ المجتمعات الأصلية، التراث غير المادي والتنوع البيولوجي. يأتي هذا المنظور الواسع في وقت شهد فيه فهم التراث الثقافي نفسه تحولًا كبيرًا. طوال معظم القرن العشرين، كان التراث الثقافي يشير إلى المعالم والعمارة والأشياء الملموسة — المعابد والتماثيل التي كانت نقاط توقف على مسارات السياح ومحتويات المتاحف في الغرب.

في أوائل هذا القرن، ظهرت فكرة التراث غير المادي، والتي شملت الطقوس والممارسات الفريدة للثقافات، مثل أشكال الرقص والغناء والحرف اليدوية. والآن، هناك تحول ثالث جارٍ يربط بين التراث الطبيعي والثقافي. لا يفكر خبراء التراث فقط في تصوير مثل اللاماسو (إله برأس بشري وملامح حيوانية) في نينوى، بل يفكرون أيضًا في الأراضي الخصبة حول الموصل، بالإضافة إلى كيفية دمج الاثنين لخلق ثقافة المنطقة.

في جنوب العراق، على سبيل المثال، أدى تغير المناخ إلى تفاقم الخسائر الهائلة التي تكبدها سكان الأهوار الأصليون بعد تجفيف الأهوار في عهد صدام حسين.

يقول جعفر الجسري، أستاذ في جامعة القادسية ومدير مشارك لشبكة النهرين، وهي مجموعة من علماء الآثار التي تركز على العراق ومقرها في كلية جامعة لندن: "كانت تلك الآثار غير موثقة، لذا ما فقدناه نحن العراقيين هو كارثة. كان لدينا 300,000 بدوي قبل عام 2003. والآن لدينا حوالي 3,000 أو أقل يعيشون في الصحراء. في 15 عامًا فقدنا 300,000 شخص، مع ثقافتهم، ومجتمعهم، وحرفهم اليدوية. لماذا؟ بسبب تغير المناخ: لا أمطار، درجات حرارة مرتفعة، لا ماء في ينابيعهم."

يقدر جوثري أنه خلال 10 سنوات، ستختفي شعوب المستنقعات وتقاليدهم تمامًا مع هجرتهم إلى المناطق الحضرية واندماجهم في الثقافة العراقية الرئيسية. هو وأعضاء آخرون في شبكة نهرين يحافظون على الممارسات التي يمكنهم الحفاظ عليها، لكنه يعترف أن الأمر سباق ضد الزمن.

في كابول، تعد حديقة بابور الشاسعة، التي أنشأها الحاكم بابور في عامي 1504 و1505، من المناطق الرئيسية المعرضة للخطر. وتُعَد مثل هذه الحدائق واحدة من أكثر تراثات العصر المغولي روعة وديمومة. وقد بُنيت هذه الحدائق في مختلف أنحاء الإمبراطورية في مدن مثل دلهي وأغرا ولاهور وسريناجار، وهي تنقل الذوق المعماري السائد في تلك الحقبة فيما يتصل بالتناظر والدقة الهندسية إلى أشكال منسقة.

تُعد حدائق باغه بابور مثالاً رئيسياً على "الچاهارباغ"، وهو حديقة مستطيلة مقسمة إلى أربعة أقسام تعتمد على أربعة حدائق الجنة في التقليد الإسلامي. تم إضافتها وصيانتها طوال فترة حكم المغول في أفغانستان ولكنها تعرضت في الغالب للنهب للحصول على الحطب على مدار صراعات البلاد في القرن العشرين. بدأت مؤسسة آغا خان للثقافة في استعادتها منذ عام 2003.

لكنها الآن عرضة للخطر مرة أخرى — وليس بسبب عودة طالبان، الذين قدموا بالفعل ملفًا لتسجيل الحديقة كموقع تراث عالمي لليونسكو. بل، بسبب انخفاض تساقط الثلوج في الجبال واستخراج المياه من الآبار العميقة من قبل السكان الحضريين المتزايدين مما خفض منسوب المياه في العاصمة الأفغانية. يقدر ميوندي أن مستوى المياه في كابول قد انخفض في السنوات الـ 15 الماضية، من 7 إلى 10 أقدام تحت الأرض إلى حوالي 130 إلى 200 قدم تحت السطح.

كما أن ارتفاع درجات الحرارة العالمية يعني أيضًا ظهور آفات وأمراض جديدة.

يقول ميوندي: "الزيادة في أنواع جديدة من الأمراض المقاومة التي تؤثر على الزراعة في الحديقة هي ظاهرة حديثة — وفرق الصيانة غير مستعدة لمواجهة التحدي المتزايد." "نجد صعوبة أكبر في التعامل معها حيث أن المعرفة التقليدية في علاج هذه الأمراض غير فعالة، ونحن نواجه معدل فقد أعلى بكثير في الأشجار والنباتات."

بينما يمكن الحفاظ على المعالم والأشياء الأثرية أو إعادة بنائها، لا يمكن فعل شيء للحفاظ على الأنواع الحية في الحدائق عندما يتغير النظام البيئي من حولها. أما بالنسبة لتغير المناخ بشكل عام، فهناك تدفق من الإجراءات وشعور عام بالإحباط بشأن فرص النجاح.

وتبذل وكالات التراث الثقافي جهودا حثيثة للتواصل مع العلماء. ففي عام 2019، أصدر المجلس الدولي للمتاحف والمواقع تقريرا حظي بقراءة واسعة النطاق عن تغير المناخ والتراث الثقافي (العنوان الشاعري إلى حد ما "مستقبل ماضينا")، وفي ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، عقد المجلس الدولي للمتاحف والمواقع اجتماعا مع اليونسكو والهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، حيث جمع العلماء وأولئك الذين يعملون في مجال حماية الثقافة لأول مرة. وكانت إحدى النتائج الرئيسية للإجراءات إدخال الثقافة كفئة معرضة للخطر في المناقشات في أحدث قمة للمناخ للأمم المتحدة، مؤتمر الأطراف السادس والعشرين في جلاسكو.

تقوم الوكالات الصغيرة أيضًا بإنشاء مبادرات مخصصة لمكافحة التهديد، حتى في الدول مثل سوريا والعراق، حيث كانت النزاعات حتى الآن أكبر خطر غير قابل للنقاش على التراث الثقافي. تعمل وكالة "مشاريع سفينة" على الحفاظ على الحرف اليدوية العراقية التقليدية التي تُفقد بسبب ندرة المياه، مثل تقنيات بناء القوارب. وقد أضافت شبكة نهرين مؤخرًا تغير المناخ كهدف سادس إلى ميثاقها، الذي يركز على التنمية المستدامة للتراث العراقي — محاولة، كما يقول جاثري، لتعويض النقص في وجود هيئة حكومية في العراق تشرف على تأثير تغير المناخ عبر القطاعات المختلفة.

إن العديد من التقنيات المستخدمة لمعالجة الخسائر الناجمة عن الصراعات يتم إعادة توجيهها لتتناسب مع تغير المناخ، مثل رسم الخرائط عالية البيانات والتصورات ثلاثية الأبعاد التي ستنشئ سجلات للمباني المعرضة للخطر في حالة انهيارها. وقد عملت وكالة التصوير الفرنسية أيكونيم التي رسمت خريطة حلب بعد حصارها على مساجد أجاديز، كما دخلت مدينة المساجد في شراكة مع الشركة الأمريكية ساي آرك، التي أنشأت تصورات ثلاثية الأبعاد للمباني ووثقت عملية التزهير لصالح جوجل للفنون والثقافة.

ولكن تعقيد المشكلة وحقيقة أن العديد من المواقع الأكثر عرضة للخطر تقع في بلدان أفقر يعني أن المناظر الطبيعية التراثية الثقافية المعرضة لتغير المناخ من المرجح أن تقع في إيقاع الاعتماد على دعم المانحين الدوليين. وكما تظهر التداعيات المترتبة على استيلاء طالبان على أفغانستان، فإن هذا التمويل يعتمد بشكل كبير على أهداف سياسية أوسع نطاقا - يقول مايواندي إنه يقضي الآن الكثير من وقته في إقناع المانحين باستئناف دعمهم للحفاظ على تراث أفغانستان بغض النظر عن خلافاتهم السياسية مع طالبان.

في الوقت نفسه، من المهم أن نبرز تحولًا آخر في قطاع التراث الثقافي: نحو المعرفة المحلية والمجتمعات، التي كانت قد تجاهلها "الخبراء" الأجانب لفترة طويلة. وعزم هذه المجتمعات أقوى وأطول بقاء. يلاحظ محفوظ-الدين دارين أن الناس في باجيرهات ، بنجلاديش، يواجهون مضاعفات تغير المناخ باعتبارها مشكلة تتجاوز مجرد التهديد للتراث الثقافي — وعزيمتهم تتجاوز فكرة الصيانة المستمرة.

يقول دارين: إن الشعب البنجلاديشي "يكافح بنشاط ويتكيف مع المناخ القاسي الجديد"، مستشهدًا بالمنصات العائمة للمنازل وممارسات الصيد الجديدة إلى جانب النشاط المنتظم المتمثل في مسح الطوب في باجيرهات. "إنهم لا يستسلمون. هذه هي أوطانهم - وطنهم الأم".

(انتهى)

***

...........................

الكاتبة: ميليسا جرونلوند /Melissa Gronlund  كاتبة مقيمة في لندن. عملت سابقًا كمراسلة فنية لصحيفة The National في أبو ظبي، وظهرت كتاباتها عن الفن المعاصر في The Times وThe Guardian وThe New Yorker وArtforum وArt Agenda وAfterall journal، من بين أماكن أخرى. كتبت سيناريو فيلم "Taking Shape: Abstraction from the Arab World, 1950s–1980s"، وهو الفيلم الذي أنتجته مؤسسة بارجيل للفنون مصاحبًا لمعرضها الذي يحمل نفس الاسم (2020). وهي أيضًا مؤلفة كتاب "الفن المعاصر والثقافة الرقمية" (Routledge، 2016)، والذي يستكشف العلاقة بين الفن المعاصر والإنترنت والتكنولوجيات الرقمية.

 

لقد حقق الذكاء الاصطناعي تقدما كبيرا في السنوات الأخيرة، مما دفع الكثيرين إلى التكهن بإمكانية استبدال الذكاء الاصطناعي بالبشر في مختلف المجالات. في حين أظهر الذكاء الاصطناعي قدرات هائلة من حيث معالجة البيانات وتحليل الأنماط وحتى اتخاذ القرارات، فإن فكرة أن الذكاء الاصطناعي سيحل محل جميع البشر في نهاية المطاف لا تزال نقطة خلاف. في هذا المقال، سأستكشف الحجج المؤيدة والمعارضة لفكرة أن الذكاء الاصطناعي سيحل محلنا جميعا.

إحدى الحجج الأساسية لصالح استبدال الذكاء الاصطناعي بالبشر هي النمو والتطور الهائل لتقنيات الذكاء الاصطناعي. مع التقدم في التعلم الآلي والتعلم العميق والشبكات العصبية، أصبحت أنظمة الذكاء الاصطناعي متطورة بشكل متزايد وقادرة على أداء مهام معقدة. على سبيل المثال، تم استخدام الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية لتشخيص الأمراض، وفي التمويل للتنبؤ باتجاهات السوق، وفي التصنيع لتبسيط عمليات الإنتاج. مع استمرار تطور الذكاء الاصطناعي، فليس من غير المعقول أن يتفوق الذكاء الاصطناعي في النهاية على البشر في مجموعة واسعة من المهام.

هناك حجة أخرى لصالح استبدال الذكاء الاصطناعي بالبشر وهي إمكانية عمل الذكاء الاصطناعي بكفاءة وفعالية أكبر من البشر. لا تتطلب أنظمة الذكاء الاصطناعي فترات راحة أو فترات راحة، ويمكنها معالجة كميات كبيرة من البيانات في جزء بسيط من الوقت الذي يستغرقه الإنسان، ويمكنها أداء مهام متكررة دون خطر الخطأ. يمكن أن تجعل هذه الكفاءة والدقة الذكاء الاصطناعي خيارًا جذابًا للعديد من الصناعات التي تتطلع إلى خفض التكاليف وزيادة الإنتاجية.

بالإضافة إلى ذلك، فإن القدرة على التكيف وقدرات التعلم لأنظمة الذكاء الاصطناعي يمكن أن تسمح لها بالتحسن والتطور المستمر، مما قد يتجاوز القدرات البشرية في الأمد البعيد. يمكن لخوارزميات الذكاء الاصطناعي أن تتعلم من أخطائها، وتحسن عملياتها، وتتكيف مع التحديات الجديدة بشكل أسرع بكثير من البشر. يمكن أن تجعل هذه القدرة على التحسين الذاتي الذكاء الاصطناعي منافسا هائلا للعمال البشريين في مجموعة متنوعة من المجالات.

هناك أيضا حجج ضد فكرة أن الذكاء الاصطناعي سيحل محل البشر. أحد المخاوف الرئيسية هو الآثار الأخلاقية لاستيلاء الذكاء الاصطناعي على الوظائف وإزاحة العمال البشريين. مع انتشار الذكاء الاصطناعي بشكل متزايد في مختلف الصناعات، هناك خطر فقدان الوظائف على نطاق واسع وعدم الاستقرار الاقتصادي. يمكن أن يؤدي هذا إلى زيادة التفاوت والاضطرابات الاجتماعية، حيث يكافح البشر للتنافس مع أنظمة الذكاء الاصطناعي على فرص العمل.

وهناك مصدر قلق آخر يتمثل في إمكانية التحيز والتمييز في أنظمة الذكاء الاصطناعي. فخوارزميات الذكاء الاصطناعي لا تكون جيدة إلا بقدر جودة البيانات التي يتم تدريبها عليها، وإذا كانت هذه البيانات تحتوي على تحيزات أو عدم دقة، فقد يعمل نظام الذكاء الاصطناعي على إدامة هذه التحيزات في عمليات صنع القرار. وقد يكون لهذا آثار سلبية على المجتمع، حيث قد تعمل أنظمة الذكاء الاصطناعي على تعزيز التفاوتات والتمييز القائمة.

وعلاوة على ذلك، هناك خوف من أن يؤدي الذكاء الاصطناعي إلى فقدان الإبداع والابتكار البشري. ففي حين تتفوق أنظمة الذكاء الاصطناعي في معالجة البيانات واتخاذ القرارات بناء على الأنماط والاتجاهات، فقد تفتقر إلى الحدس والذكاء العاطفي والتفكير الإبداعي الذي يتمتع به البشر. وقد يحد هذا من إمكانية تحقيق اختراقات وتقدم في مجالات مثل الفن والموسيقى والأدب وغيرها من المجالات الإبداعية.

وهناك حجة أخرى ضد استبدال الذكاء الاصطناعي بالبشر وهي إمكانية تعطل أنظمة الذكاء الاصطناعي أو ارتكاب أخطاء كارثية. يعتمد الذكاء الاصطناعي على البيانات والخوارزميات لاتخاذ القرارات، وإذا كانت هذه المدخلات معيبة أو متحيزة، فقد تكون النتائج كارثية. لقد حدثت حالات عديدة من أخطاء أنظمة الذكاء الاصطناعي أو سوء تفسير المعلومات، مما أثار المخاوف بشأن موثوقية وسلامة تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.

وعلاوة على ذلك، فإن فكرة استبدال الذكاء الاصطناعي للبشر بشكل كامل تفشل في مراعاة القيمة الجوهرية للعمل البشري والمهارات والقدرات الفريدة التي يمتلكها البشر. في حين قد يتفوق الذكاء الاصطناعي في مهام معينة، إلا أن هناك العديد من جوانب العمل والحياة التي تتطلب اللمسة الإنسانية والتعاطف والإبداع. يجلب البشر مجموعة متنوعة من الخبرات والوجهات النظر والعواطف إلى الطاولة، والتي لا يمكن تكرارها بواسطة أنظمة الذكاء الاصطناعي.

في حين أن الذكاء الاصطناعي لديه القدرة على تجاوز البشر في مهام وصناعات معينة، فإن فكرة أن الذكاء الاصطناعي سيحل محلنا جميعا لا تزال فرضية تخمينية ومثيرة للجدل. هناك حجج صالحة لكل من مؤيدي ومعارضي فكرة استبدال الذكاء الاصطناعي للبشر، والآثار المترتبة على مثل هذا السيناريو معقدة ومتعددة الأوجه. من المهم للمجتمع أن يدرس بعناية الآثار الأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وأن يضمن استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول وأخلاقي. وفي نهاية المطاف، من المرجح أن تكون العلاقة بين الذكاء الاصطناعي والبشر علاقة تعاون وتعايش، وليس علاقة استبدال.

***

محمد عبد الكريم يوسف

 

الهندسة الوراثية، والمعروفة أيضا باسم التعديل الوراثي أو التلاعب الجيني، هي مجال جديد نسبيا ومثير للجدل في عالم العلوم والتكنولوجيا. في حين يزعم أنصار الهندسة الوراثية أنها تحمل وعودا هائلة للتقدم في الطب والزراعة وغيرها من المجالات، إلا أن هناك أيضا جانبا مظلما لهذه التكنولوجيا يجب مراعاته بعناية. ستستكشف هذه المقالة بعض المزالق المحتملة والمخاوف الأخلاقية المرتبطة بالهندسة الوراثية، مع أمثلة لتوضيح هذه النقاط.

أحد المخاوف الأساسية المحيطة بالهندسة الوراثية هي فكرة الأطفال المصممين. يشير هذا المفهوم إلى فكرة اختيار الوالدين لصفات وراثية محددة لأطفالهم، مثل لون العين أو الذكاء أو المظهر الجسدي. في حين قد يبدو هذا وكأنه مسعى غير ضار للوهلة الأولى، إلا أنه يثير أسئلة أخلاقية كبيرة حول لعب دور الإله وإمكانية التمييز على أساس التركيب الجيني.

ثمة جانب آخر مزعج للهندسة الوراثية هو خطر العواقب غير المقصودة. عندما يغير العلماء الشفرة الوراثية لكائن حي، فهناك احتمال أن يخلقوا عن غير قصد أمراضا أو طفرات أو تأثيرات ضارة أخرى. على سبيل المثال، في عام 1989، تم إطلاق سلالة معدلة وراثيا من البكتيريا في البيئة في محاولة لتنظيف تسرب النفط. ومع ذلك، انتهى الأمر بالبكتيريا إلى إلحاق الضرر بالكائنات الحية الأخرى في النظام البيئي، مما أدى إلى عواقب غير مقصودة.

وعلاوة على ذلك، تثير الهندسة الوراثية مخاوف بشأن الموافقة والاستقلالية. على سبيل المثال، في حالة المحاصيل المعدلة وراثيا، لا تستطيع النباتات نفسها تقديم الموافقة على تعديلها بهذه الطريقة. وهذا يثير تساؤلات حول الآثار الأخلاقية للتلاعب بالكائنات الحية دون موافقتها أو فهمها للعواقب.

بالإضافة إلى المخاوف الأخلاقية، هناك أيضا مخاطر بيئية محتملة مرتبطة بالهندسة الوراثية. على سبيل المثال، قد تهرب الكائنات المعدلة وراثيا إلى البرية وتعطل النظم البيئية، وتهجر الأنواع الأصلية وتسبب ضررا بيئيا. هناك أيضا مخاوف بشأن الآثار الصحية طويلة الأجل لاستهلاك الكائنات المعدلة وراثيا، حيث لا يزال المدى الكامل لتأثيرها على صحة الإنسان غير مفهوم تماما.

وعلاوة على ذلك، تحمل الهندسة الوراثية مخاوف كبيرة بشأن الخصوصية. مع تقدم التكنولوجيا الوراثية، أصبح من الأسهل الوصول إلى المعلومات الوراثية للأفراد وإساءة استخدامها. على سبيل المثال، قد تستخدم شركات التأمين أو أرباب العمل المعلومات الوراثية للتمييز ضد الأفراد على أساس استعدادهم لظروف وراثية معينة.

وهناك جانب مظلم آخر للهندسة الوراثية يتمثل في إمكانية إساءة استخدامها من قبل الحكومات أو الجهات الفاعلة الخبيثة. على سبيل المثال، هناك مخاوف بشأن تطوير الأسلحة البيولوجية باستخدام مسببات الأمراض المعدلة وراثيا. وهذا يشكل تهديدا خطيرا للأمن العالمي ويسلط الضوء على الخطر المحتمل المتمثل في وقوع الهندسة الوراثية في الأيدي الخطأ.

وعلاوة على ذلك، تثير المصالح التجارية التي تحرك مجال الهندسة الوراثية مخاوف بشأن سيطرة الشركات على الغذاء والدواء. على سبيل المثال، قد تحتكر الشركات الزراعية الكبيرة التي تنتج بذور الكائنات المعدلة وراثيا السوق، مما يؤدي إلى مخاوف بشأن المنافسة العادلة والوصول إلى الموارد الأساسية. وهذا يثير تساؤلات حول أخلاقيات إعطاء الأولوية للربح على الصحة العامة والاستدامة البيئية.

ومن أكثر جوانب الهندسة الوراثية إثارة للقلق مفهوم تحرير الجينات لدى البشر. وفي حين أن هذه التكنولوجيا تحمل وعدا بعلاج الأمراض الوراثية، إلا أن هناك مخاوف أخلاقية كبيرة بشأن إمكانية تصميم الأطفال، والتمييز الجيني، وتغيير الخط الجرثومي البشري. على سبيل المثال، يسلط الجدل الأخير حول ولادة توأمين في الصين تم تعديلهما وراثيا ليصبحا مقاومين لفيروس نقص المناعة البشرية الضوء على المستنقع الأخلاقي المحيط بتعديل الجينات البشرية.

فضلا عن ذلك، تثير الهندسة الوراثية تساؤلات حول عدم المساواة والعدالة الاجتماعية. على سبيل المثال، إذا أصبحت التكنولوجيا الوراثية متاحة فقط للأثرياء، فقد يؤدي ذلك إلى تفاقم التفاوتات القائمة في الصحة والرفاهة. وهذا يثير المخاوف بشأن إمكانية أن تؤدي الهندسة الوراثية إلى إدامة التفاوتات الاجتماعية بدلا من تخفيفها.

في حين أن الهندسة الوراثية تحمل وعدا كبيرا للتقدم في العلوم والتكنولوجيا، إلا أنها أيضا لها جانب مظلم يجب النظر فيه بعناية. إن الآثار الأخلاقية والبيئية والاجتماعية المحتملة للهندسة الوراثية تثير مخاوف جدية بشأن مستقبل هذه التكنولوجيا. ومن الضروري أن نجري مناقشات منفتحة وصادقة حول مخاطر وفوائد الهندسة الوراثية لضمان استخدامها بشكل مسؤول وأخلاقي لصالح المجتمع.

***

محمد عبد الكريم يوسف

 

الاقتران الاستقرائي والسعوي هما طريقتان تستخدمان في الهندسة الكهربائية لنقل الطاقة أو الإشارات بين دائرتين منفصلتين دون اتصال كهربائي مباشر. غالبا ما يتم استخدام هذه الطرق في تطبيقات مختلفة، تتراوح من نقل الطاقة في المحولات إلى أنظمة الاتصالات اللاسلكية. كان نيكولا تيسلا، المخترع الصربي الأمريكي والمهندس الكهربائي والمهندس الميكانيكي والمستقبلي، أحد رواد كل من الاقتران الاستقرائي والسعوي، وهو معروف بمساهماته في تصميم نظام إمداد الكهرباء بالتيار المتردد الحديث.

يتضمن الاقتران الاستقرائي نقل الطاقة بين دائرتين من خلال المجالات الكهرومغناطيسية. في هذه الطريقة، يتم وضع ملفين بالقرب من بعضهما البعض، ويحفز أحد الملفين جهدا في الملف الآخر من خلال الحث الكهرومغناطيسي. يستخدم هذا النوع من الاقتران بشكل شائع في المحولات، حيث يتم نقل الطاقة بين الملفين الأولي والثانوي من خلال الحث المتبادل. كان تيسلا فعالا في تطوير الاقتران الاستقرائي، والذي مكن من نقل الكهرباء بكفاءة لمسافات طويلة وشكل أساس الشبكة الكهربائية الحديثة.

من ناحية أخرى، يتضمن الاقتران السعوي نقل الطاقة بين دائرتين من خلال المجالات الكهربائية. في هذه الطريقة، يتم وضع جسمين موصلين، مثل اللوحات أو الأسلاك، بالقرب من بعضهما البعض، ويتم إنشاء مجال كهربائي بينهما. يمكن بعد ذلك استخدام هذا المجال لنقل الطاقة أو الإشارات بين الدائرتين. يستخدم الاقتران السعوي في تطبيقات مثل شاشات اللمس السعوية وأجهزة استشعار القرب، حيث يمكن لوجود أو غياب جسم موصل تغيير السعة بين قطبين.

كان تسلا رائدا في مجال الاقتران السعوي أيضا، حيث طور تقنيات مبتكرة لنقل الطاقة اللاسلكية باستخدام الاقتران السعوي. أدت تجاربه مع التيارات عالية التردد والموجات الكهرومغناطيسية إلى إنشاء ملف تسلا، وهي دائرة محول رنينية يمكنها توليد جهد وترددات عالية. من خلال أبحاثه، أثبت تسلا جدوى نقل الطاقة الكهربائية لاسلكيا لمسافات طويلة باستخدام الاقتران السعوي، والذي وضع الأساس لتقنيات نقل الطاقة اللاسلكية الحديثة.

كان برج وردنكليف، المعروف أيضا باسم برج تسلا، أحد أشهر عروض تسلا لنقل الطاقة اللاسلكية باستخدام الاقتران الاستقرائي والسعوي. صُمم برج وردنكليف في أوائل القرن العشرين، وكان من المفترض أن يكون محطة إرسال لاسلكية قادرة على نقل الطاقة الكهربائية وإشارات الاتصال لمسافات كبيرة دون الحاجة إلى أسلاك. اعتقد تسلا أن هذه التكنولوجيا ستحدث ثورة في طريقة توزيع الكهرباء واستهلاكها، لكن الصعوبات المالية أجبرته على التخلي عن المشروع قبل اكتماله.

على الرغم من التحديات التي واجهها، كان لعمل تسلا في الاقتران الاستقرائي والسعوي تأثير دائم على مجال الهندسة الكهربائية. مهدت مساهماته في تطوير الكهرباء المترددة ونقل الطاقة اللاسلكية الطريق للعديد من التطورات التكنولوجية، من البث الإذاعي والتلفزيوني إلى أنظمة الشحن اللاسلكية الحديثة. اليوم، لا يزال الاقتران الاستقرائي والسعوي يلعب دورا حيويا في تصميم وتشغيل مجموعة واسعة من الأجهزة والأنظمة الإلكترونية، مما يتيح نقل الطاقة والاتصال بكفاءة دون اتصالات مادية.

الاقتران الاستقرائي والسعوي من التقنيات المهمة في الهندسة الكهربائية التي تسمح بنقل الطاقة أو الإشارات بين دائرتين دون اتصال كهربائي مباشر. وقد قدم نيكولا تسلا، بأبحاثه الرائدة في مجال نقل الطاقة اللاسلكية والتيارات عالية التردد، مساهمات كبيرة في تطوير طرق الاقتران هذه. ومن خلال تجاربه مع الاقتران الاستقرائي والسعوي، أظهر تسلا إمكانات نقل الطاقة اللاسلكية ومهد الطريق للتكنولوجيات الحديثة التي تعتمد على هذه المبادئ. وتستمر أفكاره الرؤيوية في إلهام الباحثين والمهندسين لاستكشاف إمكانيات جديدة للاتصالات اللاسلكية ونقل الطاقة، والبناء على إرث تسلا من الإبداع والإبداع.

مستقبل الاقتران الاستقرائي والسعوي:

كان نيكولا تيسلا مخترعا ومهندسا كهربائيا ومهندسا ميكانيكيا ومستقبليا من أصل صربي أمريكي، وهو معروف بمساهماته في تصميم نظام إمداد الكهرباء بالتيار المتردد الحديث. ومن بين مساهمات تسلا الأقل شهرة ولكنها بنفس القدر من الأهمية عمله في الاقتران الاستقرائي والسعوي، والذي له آثار كبيرة على مستقبل التكنولوجيا.

كما ذكرنا  سابقا، الاقتران الاستقرائي هو طريقة لنقل الطاقة الكهربائية لاسلكيا، باستخدام المجالات الكهرومغناطيسية. وهو ينطوي على ملفين، ملف أساسي ينتج المجال الكهرومغناطيسي وملف ثانوي يلتقط الطاقة من خلال الحث المتبادل. تتمتع هذه التكنولوجيا بإمكانية إحداث ثورة في الطريقة التي نشحن بها أجهزتنا. على سبيل المثال، باستخدام الاقتران الاستقرائي، يمكننا شحن هواتفنا ببساطة عن طريق وضعها على لوحة شحن، مما يلغي الحاجة إلى الأسلاك والمحولات الفوضوية.

الاقتران السعوي هو طريقة أخرى لنقل الطاقة الكهربائية لاسلكيا. وهو ينطوي على لوحين معدنيين مفصولين بمادة عازلة، والتي يمكنها تخزين شحنة كهربائية. عندما يتم تقريب الصفائح من بعضها البعض، يمكن نقل الشحنة الكهربائية بينها. تتمتع هذه التكنولوجيا بإمكانية تمكين شحن الأجهزة بشكل أسرع وأكثر كفاءة، فضلا عن تطوير أنواع جديدة من أجهزة الاستشعار وأنظمة الاتصالات.

إن مستقبل الاقتران الاستقرائي والسعوي مشرق، حيث يعمل الباحثون والمهندسون على تحسين كفاءة ونطاق هذه التقنيات. على سبيل المثال، مكنت التطورات في علم المواد من تطوير أنواع جديدة من المواد العازلة التي تسمح باقتران سعوي أكثر كفاءة. وبالمثل، أدت التحسينات في تصميم الملفات إلى أنظمة اقتران حثي أكثر كفاءة يمكنها نقل الطاقة لمسافات أطول.

إن أحد المجالات التي يمكن أن يكون فيها الاقتران الاستقرائي والسعوي له تأثير كبير هو مجال المركبات الكهربائية. حاليًا، يتم شحن معظم المركبات الكهربائية باستخدام موصلات مادية، والتي يمكن أن تكون مرهقة وغير مريحة. مع الاقتران الاستقرائي والسعوي، يمكن شحن المركبات الكهربائية لاسلكيا، ببساطة عن طريق القيادة فوق لوحة شحن مدمجة في الطريق. لن يجعل هذا الشحن أكثر ملاءمة للمستهلكين فحسب، بل يقلل أيضا من الحاجة إلى البنية التحتية المادية مثل محطات الشحن.

هناك مجال آخر حيث يمكن أن يكون للاقتران الاستقرائي والسعوي تأثير كبير في مجال الأجهزة الطبية. على سبيل المثال، يعمل الباحثون على تطوير أجهزة قابلة للزرع يمكن شحنها لاسلكيًا باستخدام الاقتران الاستقرائي أو السعوي، مما يلغي الحاجة إلى العمليات الجراحية الغازية لاستبدال البطاريات. يمكن أن تحدث هذه التكنولوجيا ثورة في مجال الأجهزة الطبية، مما يسمح بعلاجات أكثر أمانًا وكفاءة لمجموعة واسعة من الحالات.

على الرغم من إمكانات الاقتران الاستقرائي والسعوي، لا تزال هناك تحديات يجب التغلب عليها. على سبيل المثال، أحد التحديات الرئيسية هو الكفاءة، حيث يمكن أن تكون أنظمة الاقتران الاستقرائي والسعوي حاليا أقل كفاءة من طرق الشحن السلكية التقليدية. ومع ذلك، يعمل الباحثون بنشاط على تحسين كفاءة هذه الأنظمة، من خلال التقدم في تصميم الملفات، وعلم المواد، وخوارزميات معالجة الإشارات.

التحدي الآخر هو المدى، حيث أن أنظمة الاقتران الاستقرائي والسعوي الحالية لها نطاق محدود مقارنة بطرق الشحن السلكية التقليدية. ومع ذلك، يعمل الباحثون على تطوير أنظمة يمكنها نقل الطاقة لمسافات أطول، مما يتيح تطبيقات جديدة لهذه التكنولوجيا. على سبيل المثال، في المستقبل، قد نرى استخدام الاقتران الاستقرائي والسعوي لتشغيل أجهزة لاسلكية مثل الطائرات بدون طيار والروبوتات وحتى المركبات الفضائية.

مستقبل الاقتران الاستقرائي والسعوي مشرق، مع إمكانية إحداث ثورة في الطريقة التي نشحن بها أجهزتنا، ونشغل المركبات الكهربائية، ونطور الأجهزة الطبية. مع استمرار الباحثين في إحراز تقدم في علم المواد وتصميم الملفات وخوارزميات معالجة الإشارات، يمكننا أن نتوقع رؤية أنظمة اقتران حثي وسعوي أكثر كفاءة وأطول مدى تمكن تطبيقات جديدة لهذه التكنولوجيا. وضع عمل نيكولا تسلا في الاقتران الاستقرائي والسعوي الأساس لهذه التطورات، ويستمر إرثه في إلهام الأجيال القادمة من المهندسين والمخترعين لدفع حدود ما هو ممكن.

***

محمد عبد الكريم يوسف

لقد حقق الذكاء الاصطناعي تقدما كبيرا في السنوات الأخيرة، حيث أصبحت التكنولوجيا متكاملة بشكل متزايد في جوانب مختلفة من المجتمع. وبينما نتطلع إلى المستقبل، تستمر حدود الذكاء الاصطناعي في التوسع، مما يوفر فرصًا وتحديات جديدة من شأنها أن تشكل الطريقة التي نتفاعل بها مع التكنولوجيا.

إن أحد أكثر حدود الذكاء الاصطناعي إثارة هو تطوير أنظمة مستقلة أكثر تقدما. حاليا، أصبحت الروبوتات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي قادرة على أداء مهام مثل قيادة السيارات والمساعدة في الإجراءات الطبية. في المستقبل، من المرجح أن تصبح هذه الأنظمة أكثر ذكاء واستقلالية، مما قد يؤدي إلى قوة عاملة تهيمن عليها الروبوتات والأتمتة.

إن أحد حدود الذكاء الاصطناعي المهمة الأخرى هو مجال الرعاية الصحية. يتم استخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي بالفعل لتحليل الصور الطبية والتنبؤ بالأمراض، ولكن إمكانات الذكاء الاصطناعي لإحداث ثورة في الرعاية الصحية هائلة. في المستقبل، يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتطوير خطط علاج مخصصة للمرضى، والتنبؤ بتفشي الأمراض، وحتى إنشاء أدوية وعلاجات جديدة.

كما يحرز الذكاء الاصطناعي تقدمًا كبيرًا في مجال معالجة اللغة الطبيعية. أصبحت برامج الدردشة والمساعدين الافتراضيين أكثر تطورا، مع القدرة على إجراء محادثات وأداء مهام للمستخدمين. في المستقبل، قد تعمل أدوات الاتصال التي تعمل بالذكاء الاصطناعي على إحداث ثورة في الطريقة التي نتفاعل بها مع التكنولوجيا، مما يجعلها أسهل وأكثر بديهية للاستخدام.

يؤدي تطوير الذكاء الاصطناعي أيضا إلى إمكانيات جديدة في مجال التعليم. يمكن للأنظمة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي تحليل بيانات الطلاب وتخصيص المواد التعليمية وتقديم ملاحظات شخصية للطلاب. في المستقبل، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يلعب دورا حاسما في إحداث ثورة في الطريقة التي نعلم بها ونتعلم بها، مما يجعل التعليم أكثر سهولة وفعالية للجميع.

يعد تقاطع الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء (IoT) حدودا أخرى مثيرة من المرجح أن تشكل المستقبل. يمكن للأجهزة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي جمع وتحليل البيانات من الأجهزة المترابطة، مما يتيح أنظمة أكثر ذكاء وكفاءة. في المستقبل، يمكننا أن نتوقع أن نرى الذكاء الاصطناعي يلعب دورا حاسما في إدارة المنازل الذكية وأنظمة النقل وتطبيقات إنترنت الأشياء الأخرى.

الاعتبارات الأخلاقية هي حدود مهمة أخرى يجب على الباحثين وصناع السياسات في مجال الذكاء الاصطناعي معالجتها. مع تزايد دمج الذكاء الاصطناعي في المجتمع، أصبحت الأسئلة حول الخصوصية والتحيز والمساءلة أكثر إلحاحا. في المستقبل، سيكون من الأهمية بمكان وضع اللوائح والمبادئ التوجيهية التي تضمن استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل أخلاقي ومسؤول.

كما يعمل مجال أبحاث الذكاء الاصطناعي على دفع حدود ما هو ممكن مع التقدم في التعلم العميق والشبكات العصبية. تمكن هذه التقنيات أنظمة الذكاء الاصطناعي من التعلم من كميات هائلة من البيانات واتخاذ القرارات التي كان يُعتقد سابقا أنها المجال الحصري للذكاء البشري. في المستقبل، يمكننا أن نتوقع رؤية أنظمة ذكاء اصطناعي أكثر قوة قادرة على أداء مهام معقدة بأقل تدخل بشري.

يفتح الذكاء الاصطناعي أيضا إمكانيات جديدة في مجال الإبداع والفن. أصبحت خوارزميات الذكاء الاصطناعي الآن قادرة على توليد الموسيقى والفن والأدب، مما يطمس الخطوط الفاصلة بين الإبداع البشري والإبداع الآلي. في المستقبل، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يلعب دورًا مهمًا في تشكيل الثقافة والترفيه، وخلق أشكال جديدة من التعبير والتعاون.

بينما نتطلع إلى مستقبل الذكاء الاصطناعي، من الواضح أن التكنولوجيا تحمل إمكانات هائلة لتحويل المجتمع بطرق لم نفهمها بالكامل بعد. في حين أن هناك تحديات وعدم يقين تأتي مع تطوير الذكاء الاصطناعي، فإن إمكانيات الابتكار والتقدم لا حصر لها. ومن خلال معالجة المخاوف الأخلاقية، والاستثمار في البحث والتطوير، وتعزيز التعاون بين الباحثين وصناع السياسات، يمكننا ضمان استمرار الذكاء الاصطناعي في دفع حدود ما هو ممكن وتحسين حياة الناس في جميع أنحاء العالم في نهاية المطاف.

***

محمد عبد الكريم يوسف

مع استمرار التكنولوجيا في التقدم بوتيرة سريعة، أصبح الدفع نحو المزيد من الممارسات الصديقة للبيئة في صناعة الكمبيوتر ذا أهمية متزايدة. يشمل مفهوم "الحوسبة الأخضر" تطوير وتصنيع واستخدام والتخلص من أجهزة الكمبيوتر بطريقة واعية بيئيا. ويشمل ذلك تقليل استهلاك الطاقة، وتقليل النفايات الإلكترونية، واستخدام المواد وعمليات التصنيع المستدامة. على سبيل المثال، خطت شركات مثل أبل خطوات كبيرة في الحد من البصمة الكربونية عن طريق استخدام المواد المعاد تدويرها في منتجاتها وتنفيذ ممارسات كفاءة استخدام الطاقة في مرافق التصنيع الخاصة بها. بالإضافة إلى ذلك، قدمت مبادرات مثل أداة التقييم البيئي للمنتجات الإلكترونية (EPEAT) للمستهلكين طريقة لتقييم التأثير البيئي لمنتجات الكمبيوتر المختلفة، مما يؤدي إلى اتخاذ قرارات شراء أكثر استنارة. في عالم اليوم، حيث تلعب التكنولوجيا دورا أساسيا في حياتنا اليومية، من الضروري مراعاة التأثير البيئي لأجهزتنا الرقمية. إن الحوسبة الخضراء لا تفيد الكوكب فقط من خلال تقليل انبعاثات الكربون والنفايات الإلكترونية، ولكنها تشجع أيضًا الابتكار في الصناعة من خلال تشجيع تطوير تقنيات أكثر استدامة. ومن خلال الاستثمار في ممارسات الحوسبة الخضراء، لا تستطيع الشركات تقليل بصمتها البيئية فحسب، بل يمكنها أيضا توفير المال على المدى الطويل من خلال تقليل استهلاك الطاقة وتحسين الكفاءة. وبينما نواصل التحرك نحو مستقبل أكثر استدامة، ستلعب مبادئ الحوسبة الخضراء دورا حاسما في تشكيل صناعة الكمبيوتر وخلق عالم أكثر صداقة للبيئة للأجيال القادمة. قائمة المراجع: 1. "الاستدامة - حماية البيئة". تفاحة.

1. يشمل مفهوم الحوسبة الخضراء الممارسات المستدامة في تصميم وتصنيع واستخدام والتخلص من أجهزة الكمبيوتر والتكنولوجيا ذات الصلة لتقليل تأثيرها على البيئة.

2. تتضمن أمثلة الحوسبة الخضراء استخدام المكونات والمواد الموفرة للطاقة، مثل المعالجات منخفضة الطاقة والمواد البلاستيكية المعاد تدويرها، كما هو الحال في شركات مثل شركتي دل Dell وإتش بيHP

3. إن إطالة عمر أجهزة الكمبيوتر من خلال تصميمات قابلة للترقية والإصلاح، كما تروج لها منظمات مثل برنامج أداة التقييم البيئي للمنتجات الإلكترونية (EPEAT)، يشكل جانبا رئيسيا آخر من جوانب الكمبيوتر الأخضر.

4. تساعد مبادرات إدارة النفايات الإلكترونية وإعادة التدوير، مثل تلك التي تنفذها شركة Apple من خلال برنامج Apple Renew، على تقليل البصمة البيئية للأجهزة الإلكترونية.

5. من خلال إعطاء الأولوية للاستدامة في جميع مراحل دورة حياة المنتج، تهدف الحوسبة الخضراء إلى إنشاء صناعة تكنولوجية أكثر صداقة للبيئة ومسؤولة اجتماعيًا. المراجع: - كارتساكلي، إي، وآخرون. "الحوسبة الخضراء والاتصالات: الحاجة إلى التغيير."

1. يشمل مفهوم الحوسبة الخضراء الممارسات المستدامة في تصميم وتصنيع واستخدام والتخلص من أجهزة الكمبيوتر والتكنولوجيا ذات الصلة لتقليل تأثيرها على البيئة.

كما يشمل مفهوم الحوسبة الخضراء الممارسات المستدامة في تصميم وتصنيع واستخدام والتخلص من أجهزة الكمبيوتر والتكنولوجيا ذات الصلة لتقليل تأثيرها على البيئة. في العصر الرقمي الحالي، أدى الاستخدام الواسع النطاق للتكنولوجيا إلى زيادة الطلب على الأجهزة الإلكترونية، مما أدى إلى تحديات بيئية كبيرة. تسعى الحوسبة الخضراء إلى مواجهة هذه التحديات من خلال تعزيز الممارسات الصديقة للبيئة طوال دورة حياة أجهزة الكمبيوتر والتكنولوجيا ذات الصلة. منذ مرحلة التصميم الأولية، يتم تشجيع المصنعين على استخدام المواد المستدامة والمكونات الموفرة للطاقة لتقليل التأثير البيئي للإنتاج. ومن خلال دمج الممارسات الصديقة للبيئة في عملية التصنيع، يمكن للشركات تقليل استخدام المواد الكيميائية الضارة وتقليل انبعاثات الغازات الدفيئة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للمصنعين تصميم منتجات يسهل تفكيكها وإعادة تدويرها، مما يعزز اقتصاد التدوير. بمجرد استخدام أجهزة الكمبيوتر، يمكن للأفراد والمؤسسات اعتماد ممارسات توفير الطاقة لتقليل انبعاثات الكربون. ومن خلال إيقاف تشغيل أجهزة الكمبيوتر عند عدم استخدامها، واستخدام أوضاع توفير الطاقة، وتحسين إعدادات الطاقة، يمكن للمستخدمين تقليل استهلاك الطاقة لأجهزتهم بشكل كبير. علاوة على ذلك، تعد الإدارة السليمة للمخلفات الإلكترونية أمرا ضروريا لضمان التخلص من أجهزة الكمبيوتر بشكل مسؤول، ومنع المواد الخطرة من تلويث البيئة. بشكل عام، تعد الحوسبة الخضراء نهجا شاملا لتقليل التأثير البيئي لأجهزة الكمبيوتر والتكنولوجيا ذات الصلة. ومن خلال دمج الممارسات المستدامة في تصميم الأجهزة الإلكترونية وتصنيعها واستخدامها والتخلص منها، يمكننا العمل نحو مستقبل أكثر استدامة لكل من التكنولوجيا والكوكب.

2. تتضمن أمثلة الحوسبة الخضراء استخدام المكونات والمواد الموفرة للطاقة، مثل المعالجات منخفضة الطاقة والمواد البلاستيكية المعاد تدويرها، كما هو الحال في شركات مثل Dell وHP.

في العصر الرقمي الذي نعيشه اليوم، يستمر الطلب على التكنولوجيا في النمو بمعدل غير مسبوق. ونتيجة لذلك، أصبح التأثير البيئي لهذه الأجهزة مصدر قلق كبير. ومع ذلك، هناك شركات تقود الطريق في الترويج للحوسبة الخضراء من خلال دمج مكونات ومواد موفرة للطاقة في منتجاتها. ويمكن رؤية أحد الأمثلة على هذه المبادرة الخضراء في شركات مثل Dell وHP. لقد قطع كلا العملاقين التكنولوجيين خطوات كبيرة في تقليل التأثير البيئي لمنتجاتهما من خلال استخدام المعالجات الموفرة للطاقة والمواد البلاستيكية المعاد تدويرها في عمليات التصنيع الخاصة بهما. لا تساعد هذه المواد على تقليل البصمة الكربونية للأجهزة فحسب، بل تساهم أيضًا في الاستدامة الشاملة لصناعة التكنولوجيا. ومن خلال تنفيذ هذه المكونات والمواد الموفرة للطاقة، لا تعمل شركات مثل Dell وHP على تقليل تأثيرها البيئي فحسب، بل تضع أيضا مثالا إيجابيا للشركات الأخرى في الصناعة لتتبعه. ومن خلال هذه الخطوات الصغيرة، يمكن لقطاع التكنولوجيا العمل نحو مستقبل أكثر استدامة لكوكبنا. وفي الختام، فإن أمثلة الحوسبة الخضراء التي قدمتها شركات مثل ديل وإتش بي تسلط الضوء على أهمية دمج المكونات والمواد الموفرة للطاقة في منتجات التكنولوجيا. ومن خلال اتخاذ خطوات لتقليل بصمتها الكربونية، تقود هذه الشركات الطريق في تعزيز الاستدامة في صناعة التكنولوجيا. ومن خلال هذه المبادرات يمكننا العمل من أجل مستقبل أكثر اخضرارا للأجيال القادمة.

3. إن إطالة عمر أجهزة الكمبيوتر من خلال تصميمات قابلة للترقية والإصلاح، كما تروج لها منظمات مثل برنامج أداة التقييم البيئي للمنتجات الإلكترونية (EPEAT)، يشكل جانبا رئيسيا آخر من جوانب الكمبيوتر الأخضر.

يعد إطالة عمر أجهزة الكمبيوتر من خلال تصميمات قابلة للترقية والإصلاح جانبا مهما للحوسبة الخضراء. ومن خلال التركيز على إنشاء منتجات يمكن إصلاحها وترقيتها بسهولة، تلعب منظمات مثل برنامج أداة التقييم البيئي للمنتجات الإلكترونية (EPEAT) دورا مهما في تعزيز الاستدامة في صناعة التكنولوجيا. عندما يتم تصميم أجهزة الكمبيوتر مع وضع قابلية الترقية والإصلاح في الاعتبار، فإن ذلك لا يقلل فقط من كمية النفايات الإلكترونية المتولدة، بل يسمح أيضا للمستخدمين بإطالة عمر أجهزتهم. وهذا يعني أن هناك حاجة إلى موارد أقل لتصنيع أجهزة جديدة، مما يؤدي إلى تقليل التأثير البيئي. علاوة على ذلك، فإن التصميمات القابلة للإصلاح والترقية تفيد المستهلكين أيضا من خلال تزويدهم بمزيد من التحكم في أجهزتهم. بدلا من الاضطرار إلى استبدال جهاز كمبيوتر بالكامل عند فشل أحد مكوناته أو يصبح قديمًا، يمكن للمستخدمين ببساطة ترقية الجزء المحدد أو إصلاحه، مما يوفر لهم المال ويقلل من انبعاثات الكربون. بشكل عام، يعد التركيز على التصميمات القابلة للترقية والإصلاح في صناعة التكنولوجيا خطوة إيجابية نحو تحقيق الممارسات المستدامة. ومن خلال دعم مؤسسات مثل EPEAT التي تعطي الأولوية لهذه المبادئ، يمكننا المساهمة في مستقبل أكثر صداقة للبيئة مع الاستمتاع أيضا بفوائد الأجهزة القابلة للتخصيص والتي تدوم طويلا.

4. تساعد مبادرات إدارة النفايات الإلكترونية وإعادة التدوير، مثل تلك التي تنفذها شركة Apple من خلال برنامج Apple Renew، على تقليل البصمة البيئية للأجهزة الإلكترونية.

أصبحت مبادرات إدارة النفايات الإلكترونية وإعادة التدوير ذات أهمية متزايدة في عالم اليوم حيث تستمر الأجهزة الإلكترونية في التقدم السريع في التكنولوجيا وأصبحت أكثر انتشارا في حياتنا اليومية. إحدى الشركات التي اتخذت خطوات مهمة نحو تقليل النفايات الإلكترونية وتقليل تأثيرها البيئي هي شركة Apple من خلال برنامج Apple Renew. يسمح برنامج Apple Renew للعملاء بإعادة تدوير منتجات Apple القديمة بشكل مسؤول، مثل أجهزة iPhone وiPad وMac وحتى الملحقات، إما عن طريق تركها في متجر Apple Store أو إرسالها بالبريد مجانا. ويتم بعد ذلك تفكيك هذه المنتجات وإعادة تدويرها بطريقة صديقة للبيئة، حيث أشارت شركة آبل إلى أنها تهدف إلى إعادة تدوير أكبر قدر ممكن من المواد الموجودة في الأجهزة. من خلال المشاركة في Apple Renew، لا يضمن العملاء التخلص من أجهزتهم القديمة بشكل صحيح فحسب، بل يساهمون أيضا في تقليل النفايات الإلكترونية والحفاظ على الموارد القيمة. تعد هذه المبادرة خطوة مهمة نحو تعزيز الممارسات المستدامة في صناعة الإلكترونيات وتوضح التزام شركة Apple بالحد من بصمتها البيئية. بالإضافة إلى Apple Renew، بذلت Apple أيضا جهودا لزيادة استخدام المواد المعاد تدويرها في منتجاتها، مع تحديد الأهداف في النهاية للقضاء على الحاجة إلى استخراج مواد جديدة تماما. يشكل هذا النهج الشامل للاستدامة مثالا إيجابيا للشركات الأخرى في الصناعة ويسلط الضوء على أهمية تحمل المسؤولية عن التأثير البيئي للأجهزة الإلكترونية. بشكل عام، تُظهر مبادرات مثل Apple Renew إمكانية إدارة المخلفات الإلكترونية وبرامج إعادة التدوير لإحداث تأثير مفيد في تقليل البصمة البيئية للأجهزة الإلكترونية. ومن خلال دعم هذه المبادرات وتشجيع ممارسات التخلص وإعادة التدوير المسؤولة، يمكننا العمل نحو مستقبل أكثر استدامة لصناعة الإلكترونيات وحماية كوكبنا للأجيال القادمة.

5. من خلال إعطاء الأولوية للاستدامة في جميع مراحل دورة حياة المنتج، تهدف الحوسبة الخضراء إلى إنشاء صناعة تكنولوجية أكثر صداقة للبيئة ومسؤولة اجتماعيا.

يعد إعطاء الأولوية للاستدامة في جميع مراحل دورة حياة المنتج أمرا بالغ الأهمية في مهمة الحوسبة الخضراء لإنشاء صناعة تكنولوجيا أكثر صداقة للبيئة ومسؤولة اجتماعيًا. ويضمن هذا النهج دمج الاعتبارات البيئية في عمليات صنع القرار بدءا من مرحلة التصميم الأولي وحتى التخلص منها في نهاية العمر. من خلال التركيز على الممارسات المستدامة، تسعى الحوسبة الخضراء إلى تقليل التأثير البيئي لتكنولوجيا الكمبيوتر عن طريق تقليل استهلاك الطاقة، وتقليل النفايات الإلكترونية، وتشجيع استخدام المواد المعاد تدويرها والمتجددة. على سبيل المثال، بدأت الشركات المصنعة في إنتاج أجهزة كمبيوتر تحتوي على مكونات موفرة للطاقة تستهلك طاقة أقل وتولد حرارة أقل، مما يساهم في نهاية المطاف في خفض انبعاثات الكربون. بالإضافة إلى ذلك، يتم بذل الجهود لإطالة عمر الأجهزة الإلكترونية من خلال برامج الإصلاح والتجديد وإعادة الاستخدام، وبالتالي تقليل الحاجة إلى تصنيع منتجات جديدة وتقليل كمية النفايات الإلكترونية المتولدة. علاوة على ذلك، تؤكد الحوسبة الخضراء أيضًا على أهمية ممارسات إعادة التدوير والتخلص المسؤولة لضمان إدارة النفايات الإلكترونية بشكل صحيح ولا ينتهي بها الأمر في مدافن النفايات أو تلويث البيئة. ومن خلال تنفيذ برامج الاسترداد والعمل مع القائمين على إعادة تدوير النفايات الإلكترونية المعتمدين، يمكن للشركات المساعدة في استعادة المواد القيمة من أجهزة الكمبيوتر القديمة ومنع المواد الضارة من تلويث التربة ومصادر المياه. من خلال هذه الممارسات المستدامة، لا تعمل الحوسبة الخضراء على تعزيز بيئة أنظف وأكثر صحة فحسب، بل تعمل أيضا على تعزيز صناعة تكنولوجيا أكثر مسؤولية اجتماعيًا تقدر رفاهية الناس والكوكب. ومن خلال اتخاذ خيارات واعية طوال دورة حياة المنتج، يمكن للشركات أن تلعب دورًا حيويًا في خلق مستقبل أكثر استدامة للجميع.

يعد مفهوم الحوسبة الخضراء أمرا حيويا في العصر الرقمي الحالي حيث نسعى جاهدين للتخفيف من الأثر البيئي للتكنولوجيا. ومن خلال تنفيذ ممارسات موفرة للطاقة، واستخدام مواد مستدامة، وإعادة تدوير النفايات الإلكترونية، يمكننا تقليل بصمتنا الكربونية والمساهمة في مستقبل أكثر استدامة. في هذا المقال، استكشفنا أمثلة مختلفة للحوسبة الخضراء، بدءا من شركات مثل Apple وDell التي تدمج تدابير صديقة للبيئة في منتجاتها إلى مبادرات مثل e-Stewards وبرنامج EPEAT الذي يشجع الإدارة المسؤولة للمخلفات الإلكترونية. ومن الواضح أنه من خلال اتخاذ خيارات واعية والاستثمار في حلول الحوسبة الخضراء، يمكننا أن نحدث فرقا كبيرا في حماية البيئة. كأفراد وشركات على حد سواء، تقع على عاتقنا مسؤولية جماعية تتمثل في إعطاء الأولوية للاستدامة في تقدمنا التكنولوجي من أجل تحسين كوكبنا.

***

محمد عبد الكريم يوسف

..................

المراجع:

1. "Sustainability - Environmental Protection." Apple. Accessed May 10, 2021. https://www.apple.com/environment/.

2. "EPEAT - The Green Electronics Council." EPEAT. Accessed May 10, 2021. https://epeat.net/.

3.Kartsakli, E., et al. "Green Computing and Communications: The Need for Change." Sustainable Computing: Informatics and Systems, vol. 28, 2021, pp. 100436. - Morgan, Rachel. "Sustainable Computing: An Overview". Issues in Science and Technology, vol. 35, no. 1, 2018, pp. 32-37.

4.Papatheocharous, Eleni. "Green Computing: A Case for Eco-Friendly E-Government". International Journal of E-Services and Mobile Applications, vol. 12, no. 4, 2020, pp. 1-13.

5. Goldstein, Evan A. "Green computing and education: Empowering the energy-efficient future." Journal of Global Information Technology Management, vol. 19, no. 2, 2016, pp. 76-94.

6. Haider, Kamal. "Sustainable computing: Making digital artifacts greener." Communications of the ACM, vol. 61, no. 2, 2018, pp. 54-63.

7. Williams, Ellen R. "E-waste: A global hazard." Environmental Health Perspectives, vol. 115, no. 4, 2007, pp. A208-A215.

8. Dell. (n.d.). Sustainability Report. Retrieved from https://www.delltechnologies.com/en-us/corporate/social-impact/environment.htm

9. HP. (n.d.). Sustainable Impact. Retrieved from https://www8.hp.com/us/en/sustainable-impact/sustainable-products.html

10. Hilty, Lorenz M. "The social and environmental validity of sustainable ICT". Environmental impact assessment review 34.1 (2012): 31-39.

11. Williams, Eric D., and Jeremy P. Johnson. "Toward a green(er) computing future." Computer 42.12 (2009): 102-104.

12. Nasir, Namra Riaz, Dil Nawaz, and Tariq Aqeel. "E-waste management: a community responsibility." Journal of Material Cycles and Waste Management 20.1 (2018): 603-613.

13.Apple. Environmental Responsibility Report. 2020. - Dell. Sustainability Progress Report. 2021. - e-Stewards. “About Us.” E-Stewards, www.e-stewards.org/about-us/. - EPEAT. “About EPEAT.” EPEAT, www.epeat.net/about/.

أصبح الذكاء الاصطناعي جزءا لا يتجزأ من مجتمعنا الحديث، مع تطبيقات تمتد من المساعدين الافتراضيين في هواتفنا الذكية إلى السيارات ذاتية القيادة. في حين أثبت الذكاء الاصطناعي أنه قوي ومفيد بشكل لا يصدق في العديد من الجوانب، إلا أن هناك جوانب منطقية وغير منطقية لتطبيقاته يجب أخذها في الاعتبار. في هذا المقال، سنستكشف الجوانب المنطقية وغير المنطقية لتطبيقات الذكاء الاصطناعي.

أحد الجوانب الأكثر منطقية لتطبيقات الذكاء الاصطناعي هو قدرتها على معالجة كميات كبيرة من البيانات بسرعة ودقة. فقد تم تصميم خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتحليل كميات هائلة من البيانات وتحديد الأنماط التي قد لا تكون واضحة للبشر على الفور. وكانت هذه القدرة مفيدة بشكل خاص في مجالات مثل الرعاية الصحية، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي المساعدة في تشخيص الأمراض والتنبؤ بالنتائج بدرجة عالية من الدقة.

الجانب المنطقي الآخر لتطبيقات الذكاء الاصطناعي هو قدرتها على تحسين الكفاءة والإنتاجية. حيث يمكن للأنظمة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي أتمتة المهام المتكررة، مما يحرر العاملين البشريين من عبء الأعمال المستهلكة للوقت و التركيز على المهام الأكثر تعقيدا وإبداعا. وهذا يمكن أن يؤدي إلى وفورات كبيرة في التكاليف للشركات وزيادة الإنتاج.

ومن ناحية أخرى، هناك أيضا جوانب غير منطقية لتطبيقات الذكاء الاصطناعي يجب أخذها في الاعتبار. أحد المخاوف الرئيسية هو احتمال التحيز في خوارزميات الذكاء الاصطناعي. إذا كانت البيانات المستخدمة لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي منحرفة أو غير كاملة، فقد تؤدي الخوارزميات إلى نتائج متحيزة أو تمييزية. ويمكن أن يكون لذلك عواقب وخيمة، لا سيما في مجالات مثل العدالة الاجتماعية و الجنائية و مسابقات التوظيف، حيث يمكن أن يكون للقرارات التي تتخذها أنظمة الذكاء الاصطناعي تأثير عميق على حياة الناس.

هناك جانب آخر غير منطقي لتطبيقات الذكاء الاصطناعي هو قدرتها على استبدال العمال البشريين. في حين أن الأتمتة يمكن أن تؤدي إلى زيادة الكفاءة والإنتاجية، إلا أنها يمكن أن تؤدي أيضا إلى فقدان الوظائف للعاملين في بعض الصناعات. وهذا يثير تساؤلات حول الآثار الأخلاقية لاستخدام الذكاء الاصطناعي ليحل محل الوظائف البشرية والحاجة إلى إعادة تدريب العمال وإعادة مهاراتهم لوظائف المستقبل.

وعلى الرغم من هذه الجوانب غير المنطقية، فإن تطبيقات الذكاء الاصطناعي لديها أيضا القدرة على معالجة بعض التحديات الأكثر إلحاحا التي تواجه المجتمع. على سبيل المثال، يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي في معالجة تغير المناخ من خلال تحسين استخدام الطاقة وتحسين إدارة الموارد. ويمكن أن يساعد أيضا في تحسين الوصول إلى الرعاية الصحية في المجتمعات المحرومة من خلال توفير خيارات التشخيص والعلاج عن بعد.

ومع ذلك، هناك أيضا مخاوف غير منطقية بشأن احتمال إساءة استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي. على سبيل المثال، هناك مخاوف بشأن استخدام الذكاء الاصطناعي في المراقبة والرصد، مما يؤدي إلى مخاوف بشأن الخصوصية والحريات المدنية. هناك أيضا مخاوف بشأن تطوير أنظمة الأسلحة المستقلة التي يمكن استخدامها لأغراض ضارة.

أحد التحديات الرئيسية في تطوير ونشر تطبيقات الذكاء الاصطناعي هو ضمان الشفافية والمساءلة. من المهم أن يتحلى المطورون بالشفافية بشأن كيفية تدريب خوارزميات الذكاء الاصطناعي والبيانات المستخدمة لتدريبهم. ومن المهم أيضا أن تكون هناك آليات معمول بها لمساءلة المطورين عن أي تحيز أو نتائج تمييزية تنتجها أنظمة الذكاء الاصطناعي.

 تطبيقات الذكاء الاصطناعي لها جوانب منطقية وغير منطقية يجب النظر فيها بعناية. في حين أن الذكاء الاصطناعي لديه القدرة على إحداث ثورة في الصناعات ومعالجة العديد من التحديات الملحة التي يواجهها المجتمع، إلا أن هناك أيضا مخاوف بشأن التحيز، ونزوح الوظائف، وسوء الاستخدام. ومع استمرار تقدم الذكاء الاصطناعي، من المهم أن يعمل أصحاب المصلحة معًا لمعالجة هذه المخاوف وضمان استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل أخلاقي ومسؤول لصالح الجميع.

***

محمد عبد الكريم يوسف

الملخص: هل سألت نفسك لماذا يتعاظم دور الذكاء الاصطناعي التوليدي بشكلٍ هائل؟ الإجابة عن هذا السؤال بسيطة: الذكاء الاصطناعي التوليدي سهل الاستخدام ولا يتطلب أي خبرة للتفاعل معه، هذا الأمر جعل أي شخص قادر على استخدامه.

لكن هذا ليس هو حال الأنظمة والأجهزة الأخرى مثل الحواسيب، التي تتطلب بعض الخبرة لاستخدامها والاستفادة منها.

وتزايد بسرعة عدد الشركات التي تنادي باستراتيجية الذكاء الاصطناعي أولاً، سواء كنا نتحدث عن شركات التكنولوجيا العملاقة مثل جوجل، أو شركات الاستشارة الإدارية الكبرى مثل ماكنزي، ويعني هذا في جوهره اعتبار الذكاء الاصطناعي أولوية استراتيجية كبرى، تسبق الاتجاهات البديلة الأخرى.

للوهلة الأولى، تبدو هذه الاستراتيجية منطقية وربما حتى حتمية، فالأرقام واضحة في هذا الشأن، إذ يُظهر الحجم الهائل للاستثمار المتدفق في تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي مستويات الثقة بمستقبل يعتمد أكثر فأكثر على الذكاء الاصطناعي.

ولكن هل يمكن أن يمثل هذا النهج خطأ استراتيجياً كبيراً، وهو السبب نفسه الذي أدى إلى تقويض مبادرات التحول في مجال الذكاء الاصطناعي؟.

1- الفيضانات:

نشر باحثون من شركة جوجل، في مارس، أذار/2024، دراسة تشير إلى إمكانية استخدام الذكاء الاصطناعي في توسيع نطاق التنبؤ بالفيضانات، وتقديم المساعدة إلى الأجزاء الأكثر تأثراً بتغير المناخ في العالم.

وأضاف الباحثون، في الدراسة المنشورة في - دورية نيتشر- أنهم وجدوا أن الذكاء الاصطناعي ساعد على تقديم معلومات أكثر دقة عن الفيضانات النهرية لمدة تصل إلى سبعة أيام قبل حدوث الفيضان، ما يتيح إمكانية التنبؤ بالفيضانات في ثمانين دولة يعيش فيها 460 مليون شخص.

وأضاف الباحثون أنه سيتم توفير هذه التوقعات، حيثما أمكن، في نتائج بحث جوجل وخرائط جوجل وعبر إشعارات أندرويد.

2- الرياضــــة:

على مدى السنوات القليلة الماضية، عمل قسم الذكاء الاصطناعي في - شركة جوجل - مع نادي ليفربول لكرة القدم لدمج الذكاء الاصطناعي في الرياضة الأكثر شعبية في العالم، وفي عام/ 2021، طور باحثو "ديب مايند" نموذجاً يمكنه التنبؤ بالمكان الذي سيضرب فيه اللاعبون ركلة الجزاء بناءً على موقعهم في الملعب.

 وفي عام/ 2022، طوروا أداة تحلل لقطات الفيديو في المباريات للتنبؤ بالمكان الذي سيركض فيه اللاعبون بعد ذلك حتى عندما يخرجون من الشاشة.

"لكن لم يكن أي من هذه الأنظمة نموذجاً أولياً كاملاً يمكنه تقديم اقتراحات مفيدة للمدربين في العالم الحقيقي"، بحسب بيتار فيليكوفيتش، عالم الأبحاث في "جوجل ديب مايند" والمؤلف المشارك في ورقة بحثية نُشرت مؤخراً في دورية "نيتشر كوميونيكشنز". ويضيف : "أردنا أن نبني شيئاً يمكن أن يؤدي إلى نظام عملي".

وفي إياب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا عام / 2019 حقق نادي ليفربول الإنجليزي عودة تاريخية في النتيجة على حساب ضيفه برشلونة بالفوز عليه بأربعة أهداف دون مقابل، وواحدة من أكثر اللحظات شهرة كانت ركلة ركنية نفذها ترينت ألكسندر أرنولد تمكن من خلالها المهاجم ديفوك أوريجي من تسجيل ما وُصِف لاحقاً بأنه أعظم هدف في تاريخ النادي الإنجليزي الممتد 130 عاماً.

وتأتي جمالية تسجيل الأهداف من الركلات الركنية لصعوبتها مع وجود مجموعة كبيرة من اللاعبين في منطقة الجزاء والذي يقلل من احتمالية تسجيلها بصورة كبيرة، ولكن مع تطور الذكاء الاصطناعي فإن هذه الافتراضية في طريقها للتحسن مع ابتكار المزيد من أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تساعد المدربين على وضع تكتيكاتهم لضمان أن أي ركلة ركنية هي مشروع تسجيل هدف.

ومن ضمن هذه الأنظمة مساعد ذكاء اصطناعي طُوِّر بالتعاون مع باحثي مختبر جوجل ديب مايند (Google DeepMind) ونادي ليفربول الإنجليزي يُسمَّى تكتيك أيه آي (TacticAI)، يقدّم نظرة ثاقبة للنتائج المحتملة ويقترح تعديلات تكتيكية في الوقت الفعلي، ما يمثّل خروجاً كبيراً عن الأساليب التقليدية المتبعة في استراتيجيات كرة القدم.

3 - الحالات المرضية:

طّور فريق علمي بقيادة باحثين من - شركة جوجل - أداة تعلم آلي يمكنها المساعدة في اكتشاف الحالات المرضية ومراقبتها من خلال تقييم أصوت مثل السعال والتنفس، وعلى الرغم من أن هذه ليست المرة الأولى التي تستكشف فيها مجموعة بحثية استخدام الصوت كمؤشر حيوي للمرض.

وأبتكر باحثون من جامعتي ماكماستر الكندية وستانفورد الأميركية نموذجاً جديداً للذكاء الاصطناعي يمكنه تصميم مليارات من جزيئات المضادات الحيوية الجديدة غير المكلفة وسهلة التصميم في المختبر.

النموذج المسمى (SyntheMol) يمكنه تصميم مضادات حيوية جديدة لوقف انتشار بكتيريا الراكدة البومانية (Acinetobacterbaumannii) التي صنفتها منظمة الصحة العالمية واحدة من أكثر البكتيريا المسببة للأمراض، وأخطر الأنواع المقاومة للمضادات الحيوية في العالم، ومن الصعب استئصالها. ويمكن أن تسبب هذه البكتيريا الالتهاب الرئوي والتهاب السحايا وتصيب الجروح، ما يمكن أن يؤدي إلى الوفاة.

وقال جوناثان ستوكس، المؤلف الرئيسي للدراسة من جامعة ماكماستر: "المضادات الحيوية دواء فريد من نوعه، وبمجرد أن نبدأ باستخدامه في العيادة والمراكز الصحية، تصبح الأدوية غير فعالة، لأن البكتيريا تتطور بسرعة لمقاومتها".

وفي السياق نفسه تعزز (جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي) من جهودها في مجال الرعاية الصحية مع تركيزها على عدد من المجالات البحثية الرئيسة في هذا القطاع.

إذ يعتبر مرض الملاريا من أقدم الأمراض التي يعرفها الإنسان، ويسعى فريق من العلماء في (جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي)، بدعم من مبادرة "الميل الأخير"، إلى تطوير تطبيقات قائمة على الذكاء الاصطناعي لمساعدة الأطباء والمسؤولين في مجال الصحة العامة في إندونيسيا، على الحد من تأثير مرض الملاريا على سكان البلاد البالغ عددهم 270 مليون نسمة.

كما تستطيع أنظمة الذكاء الاصطناعي الذائعة الصيت رسم الصور والإجابة عن الأسئلة، لكن بدأ الباحثون يبذلون جهوداً متزايدة لتصميم أنظمة ذكاء اصطناعي قادرة على ابتكار علاجات لأمراض رهيبة أيضاً.

وقد يكون هذا هو السبب الذي جعل رئيس شركة إنفيديا (Nvidia) التي تبيع رقاقات وخوادم الذكاء الاصطناعي، (جينسن هوانغ)،  أن يقول : "علم الأحياء الرقمي سيصبح "الثورة المذهلة الجديدة" في مجال الذكاء الاصطناعي".

4- التغير المناخي:

قال الرئيس التنفيذي لشركة آبل، تيم كوك، إن الذكاء الاصطناعي أداة أساسية لمساعدة الشركات على تقليل بصمتها الكربونية.. جاء ذلك خلال مشاركته في حوار بشأن تغير المناخ خلال منتدى التنمية الصيني.

 وعن الأهداف البيئية لشركته، قال كوك : "إننا نحرز تقدماً كبيراً، ولم نصل بعد، والطريق أمامنا يتطلب المزيد من الابتكار".. وتضخ - شركة آبل - استثمارات وموارد كبيرة في تطوير الذكاء الاصطناعي، خاصة وأن منافسين أكثر شراسة مثل - أوبن أيه آي - قد تفوقوا عليها من خلال برامج مثل تشات جي بي تي.

وقال الرئيس التنفيذي البالغ من العمر 63 عاماً إن الذكاء الاصطناعي "يوفر مجموعة أدوات هائلة لكل شركة ترغب في أن تكون محايدة للكربون أو تخفض انبعاثاتها بمقدار كبير".

وأضاف أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يساعد الشركات على حساب البصمة الكربونية لكل فرد، وتحديد المواد التي من الممكن استعادتها وتوفير استراتيجيات لإعادة التدوير.

الخاتمة

قريباً سيتفوق الذكاء الاصطناعي على القدرة البشرية في العديد من مجالات القيادة ، بفضل وصوله إلى معلومات غير محدودة ، وتمتعه بقوة المعالجة الفائقة ، وقدرات التعلم السريع ، وانعدام القيود العاطفية.

لقد أظهرت نتائج دراسة آراء أكثر من 600 موظف من عدة قطاعات مختلفة، أن الموظفين يثقون في الذكاء الاصطناعي أكثر من ثقتهم برؤسائهم البشر في بعض مجالات القيادة.

لكن على الرغم من قدرة الذكاء الاصطناعي على إتقان العديد من العمليات المعقدة في العمل، فهي لا تعني أنه يمثل تهديداً لدور القادة، فالبشر يرغبون في أن يقودهم بشر آخرون، بغض النظر عن الفوضى والمشكلات التي قد تصاحب القيادة الإنسانية.

وقد وجًد أنه كلما كانت القيادة إنسانية أكثر أصبحت النتائج أفضل بالنسبة للفِرق والمؤسسة والقائد نفسه، في الوقت الحاضر، يجب على القادة الناجحين فهم فوائد الذكاء الاصطناعي والاستفادة منها، وفي الوقت نفسه، يجب عليهم تعزيز صفاتهم الإنسانية الفريدة واستثمارها على نحو أكبر.

***

شاكر عبد موسى / العراق

.....................

المصادر

CNN - الاقتصادية / الصين قائمة أمريكا لمصانع الرقائق الممنوعة من التكنولوجيا تضر سلاسل التوريد/ ترجمة عمر ياسر، 30مارس2024.

- وكالة أنباء الأمارات/ جيسك 2024 يبحث التأثير المتزايد للذكاء الاصطناعي على الأمن السيبراني العالمي/ محمد جاب الله، مصطفى بدر الدين/ 2 أبريل 2024.

-  نشرة الخوارزمية من أم أي تي تكنولوجي ريفيو.

https://mail.google.com

أحياناً تفكر في نفسك.. هل بعض المواد الدراسية في المرحله الجامعية تفيدك علي المستوي الشخصي والعام..؟ في منتصف ثمانينيات القرن المنقضي، كان مقرر علينا مادة (المناخ) واتذكر ماقالة في المحاضرة الأستاذ الدكتور /فاروق عز الدين /عن العواصف ومنها العاصفة الشمسية، وقد استعرض هذة الظاهرة ؛- وقال.. تحدث العواصف الشمسية عندما تطلق الشمس انفجارات قوية من البلازما ذات الطاقة العالية، والتي تسمى الانبعاثات الكتلية الإكليلية باتجاه الأرض، وتحدث العواصف المغناطيسية الأرضية، عندما تصل جزيئات عالية الطاقة من الشمس إلى الأرض وتتفاعل مع المجال المغناطيسي. مما يسبب في انفجار كبير في قرص الشمس إلى إطلاق عاصفة مغناطيسية أرضية في الغلاف الجوي للأرض، وقد استعرض تاريخ العواصف حيث قال:- حدثت أبرز عاصفة شمسية مسجلة في التاريخ في عام/ 1859. والمعروفة باسم (حدث كارينغتون) واستمرت لمدة أسبوع تقريبًا، مما أدى إلى ظهور شفق امتد إلى هاواي وأميركا الوسطى وأثر على مئات الآلاف من الأميال من خطوط التلغراف في ذاك الوقت..،،.

ومنذ عام تقريباً / تنبأ بعض العلماء بالعاصفة، واليوم صحف تعيد نشر تنبؤات "العرافة اللبنانية الشهيرة/"ليلي عبد اللطيف /.. حيث توقعت في 2023 /بحدوث عاصفة شمسية..؟ وقالت مصادر علمية ان العاصفة بدأت يوم الجمعة الماضية، حيث من الممكن أن تتداخل مع شبكات الكهرباء ونظم الاتصالات والملاحة، مع إمكانية استمرار تأثيرات العاصفة خلال نهاية الأسبوع وتأثيرها على المجال المغناطيسي لكوكب الأرض.

وارجع بعض العلماء اليوم /أن ظاهرة الفيضانات في بعض المناطق مثل /شبة الجزيرة العربية والبرازيل سببها العاصفة الشمسية، واكدت بعض المصادر أن النصف الشمالي للكرة الارضية يتعرض لقطع جزئي وضعف في شبكات الانترنت..!!

وقالت بعض المصادر أنه حدث (6 انفجارات) باتجاه الأرض.. وكانت بعض المراكز البحثية انها عاصفة شمسية قوية. والنشاط الشمسي قوي للغاية لدرجة أن الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي، التي تراقب الطقس الفضائي، أصدرت تحذيرًا غير عادي للعاصفة يوم الخميس الماضي، للمرة الأولى منذ 19 عامًا، ثم تم ترقيتها إلى تحذير أكبر يوم الجمعة الماضية.وبدأت الوكالة الأميركية لمراقبة المحيطات والغلاف الجوي، برصد انفجارات على سطح الشمس يوم الأربعاء من الاسبوع الماضي، اتجهت خمسة منها على الأقل في اتجاه الأرض، ووصل أولها إلى الغلاف الجوي للكوكب يوم الجمعة الماضية.

وقال /العالم الأمريكي (مايك بيتوي) رئيس العمليات في مركز التنبؤ بالطقس الفضائي بالوكالة، في مؤتمر صحفي صباح الجمعة الماضية : "ما نتوقعه خلال اليومين المقبلين يجب أن يكون أكثر أهمية مما رأيناه بالتأكيد حتى الآن".

كيف ستؤثر العاصفة على الناس على الأرض..؟

وفقًا (لجو لاما) عالم الفلك في مرصد لويل، من المرجح أن تتأثر الاتصالات التي تعتمد على موجات الراديو عالية التردد. وهذا يعني أنه من غير المحتمل أن يتوقف عمل الهواتف المحمولة أو راديو السيارة، الذي يعتمد على موجات الراديو منخفضة التردد.

مع ذلك، من الممكن أن يحدث انقطاع التيار الكهربائي.

وقال شون دال، خبير الأرصاد الجوية في مركز التنبؤ بالطقس الفضائي التابع للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي: "كان ذلك حدثًا متطرفًا". "ونحن لا نتوقع ذلك."

على عكس التحذير من الأعاصير، فإن الفئة المستهدفة لتحذيرات الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي ليس الجمهور.وقال (روب ستينبرج) عالم الفضاء في مركز التنبؤ بالطقس الفضائي التابع للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي: "بالنسبة لمعظم الناس هنا على كوكب الأرض، لن يضطروا إلى فعل أي شيء".والهدف من التحذيرات هو منح الوكالات والشركات التي تدير هذه البنية التحتية الوقت لوضع تدابير الحماية للتخفيف من أي آثار.وقال ستينبيرج: "إذا سار كل شيء كما ينبغي، فستكون الشبكة مستقرة وسيتمكنون من ممارسة حياتهم اليومية".

قد تطيح بالإنترنت.. وفي السياق نفسه تحذيرات من علماء روس يحذرون من حدوث أضخم توهجات شمسية اليوم وطرح سؤال مهم..؟ ما مدى قوة العاصفة الجيومغناطيسية الحالية..؟

قالت بعض المهتمين بعلم المناخ، بانها ترسل الانفجارات العملاقة على سطح الشمس، المعروفة باسم الانبعاثات الكتلية الإكليلية، تيارات من الجسيمات النشطة إلى الفضاء.وعندما تسبب هذه الجسيمات اضطرابًا في المجال المغناطيسي للأرض، يُعرف ذلك بالعاصفة المغناطيسية الأرضية.

تصنف الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي هذه العواصف على مقياس "G" من 1 إلى 5، حيث تكون G1 طفيفة وG5 شديدة. يمكن أن تتسبب العواصف الأكثر تطرفًا في انقطاع التيار الكهربائي على نطاق واسع وإلحاق أضرار بالبنية التحتية على الأرض.

وقد تواجه الأقمار الصناعية أيضًا مشكلة في توجيه نفسها أو إرسال أو استقبال المعلومات أثناء هذه الأحداث.تم تصنيف العاصفة الحالية على أنها G4، أو "شديدة". وينتج عنها مجموعة من البقع الشمسية - وهي مناطق مظلمة وباردة على سطح الشمس - يبلغ قطرها حوالي 16 أضعاف قطر الأرض. تشتعل الكتلة وتطلق المواد المتفجرة كل ست إلى 12 ساعة، ويحدث النشاط الأخير حوالي الساعة 3 صباحًا بالتوقيت الشرقي من يوم الجمعة الماضية.

وقال:- العالم (برنت جوردون) رئيس فرع خدمات الطقس الفضائي في مركز التنبؤ بالطقس الفضائي: "نتوقع أننا سنتعرض لصدمة تلو الأخرى خلال عطلة نهاية الأسبوع".وينحسر نشاط الشمس ويتدفق في دورة متجددة مدتها 11 عامًا، ويقترب حاليًا هذا النشاط من الحد الأقصى للطاقة الشمسية. وقد لوحظت ثلاث عواصف مغناطيسية أرضية شديدة أخرى حتى الآن في دورة النشاط الحالية، التي بدأت في ديسمبر 2019، ولكن من غير المتوقع أن يتسبب أي منها في تأثيرات قوية بما يكفي على الأرض.

وقال مسؤولو الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي إن مجموعة البقع الشمسية التي تولد العاصفة الحالية هي الأكبر التي شوهدت في هذه الدورة الشمسية. وأضافوا أن النشاط في هذه الدورة فاق التوقعات الأولية.

ومن المتوقع حدوث المزيد من التوهجات والعواصف الشمسية. وفي الأسابيع المقبلة، قد تظهر البقع الشمسية مرة أخرى على الجانب الأيسر من الشمس، لكن يصعب على العلماء التنبؤ بما إذا كان ذلك سيسبب نوبة أخرى من النشاط للشمس.،،، !!

***

محمد سعد عبد اللطيف - كاتب وباحث مصري

 

وماذا سيبقى بعد انتهاء عمر الكون المرئي؟

إن السؤال عما كان موجودًا قبل الانفجار الكبير هو أحد الألغاز العظيمة في علم الكونيات والفيزياء النظرية. لا توجد لدينا حاليا إجابة محددة لهذا السؤال، لأن فهمنا الحالي للكون يبدأ مع الانفجار الكبير نفسه.

وفقا لنظرية الانفجار الكبير، فإن الكون كما نعرفه بدأ بالتوسع من حالة الكثافة ودرجة الحرارة القصوى منذ حوالي 13.8 مليار سنة. ومع ذلك، فإن فهمنا الحالي للفيزياء لا يمكن أن يصف بدقة الظروف التي كانت موجودة قبل الانفجار الكبير أو حتى ما إذا كان هذا السؤال منطقيًا في إطار نظرياتنا الحالية.

تحاول بعض النظريات التأملية، مثل نظرية الأوتار أو علم الكون الكمومي، توفير أطر نظرية لفهم ما قد يكون موجودًا قبل الانفجار الكبير. ومع ذلك، تظل هذه الأفكار تخمينية إلى حد كبير في هذا الوقت ولا تزال تتطلب الكثير من البحث والتطوير قبل أن يتم تأكيدها أو دحضها من خلال الملاحظات التجريبية.

هل من الممكن أن يكون هناك كون آخر قبل كوننا، أي قبل الانفجار الكبير؟ نعم، وفقًا لبعض النظريات الكونية التأملية، من الممكن أنه كان هناك كون آخر قبل كوننا، أو حتى أنه كانت هناك دورة أبدية من الأكوان التي تخلف بعضها البعض. هذه الأفكار هي جزء مما يسمى علم الكونيات الدوري أو نظرية الأكوان المتعددة.

في هذه النظريات، يمكن أن يكون الكون الذي نلاحظه اليوم نتيجة لحدث مثل الانكماش الكوني الذي يتبعه التوسع، أو الاصطدام بين الأغشية (الأغشية الكونية) في الفضاء متعدد الأبعاد، أو حتى آليات أخرى أكثر غرابة.

غالبًا ما تعتمد هذه الأفكار على مفاهيم متقدمة من الفيزياء النظرية مثل نظرية الأوتار أو نظرية M إم أو علم الكون الكمومي، لكنها تظل تخمينية في هذا الوقت ولم يتم تأكيدها بالأدلة التجريبية. وفي غياب الأدلة المباشرة، تظل هذه الأفكار مجالات بحث نشطة ومثيرة للجدل في علم الكونيات الحديث.

ما هي ماهية الزمان والمكان أو الزمكان؟ إن طبيعة الزمكان هي موضوع معقد ورائع في الفيزياء، خاصة في سياق النسبية العامة لألبرت أينشتاين. ووفقا لهذه النظرية، فإن المكان والزمان ليسا كيانين مستقلين، بل هما جوانب مترابطة من هيكل يسمى الزمكان رباعي الأبعاد.

يمكن تشويه الزمكان وانحناءه بوجود الكتلة والطاقة، كما وصفها أينشتاين في معادلة آينشتاين الشهيرة E=mc2، والتي تؤسس علاقة أساسية بين الطاقة (E) والكتلة (m) ومربع سرعة الضوء (). هذا الانحناء في الزمكان هو ما يسبب الجاذبية ويفسر حركة الأجرام السماوية، بما في ذلك الطريقة التي ينحني بها الضوء حول الأجسام الضخمة مثل النجوم والثقوب السوداء.

من حيث الكفاف، غالبًا ما يُعتبر الزمكان البنية الأساسية للكون، وهو عبارة عن سلسلة متصلة توجد فيها وتتطور جميع الجسيمات والظواهر. ومع ذلك، تشير بعض النظريات التأملية، مثل نظرية الأوتار أو الجاذبية الكمومية، إلاّ أن الزمكان قد يكون له بنية أكثر أساسية ويتكون من مكونات أكثر أولية.

في نهاية المطاف، فإن الطبيعة الدقيقة للزمكان وقوته هي أسئلة معقدة تظل في قلب أبحاث الفيزياء النظرية، وغالبًا ما يتطلب استكشافها أفكارًا مبتكرة وتقدمًا تكنولوجيًا كبيرًا.

هل الزمكان محدود أم لانهائي؟ إن مسألة ما إذا كان الزمكان محدودًا ومتناهياً أم لانهائيًا هو موضوع أثار الكثير من النقاش والأبحاث في علم الكونيات والفيزياء النظرية.

فوفقًا للنظرية النسبية العامة لألبرت أينشتاين، يمكن أن ينحني الزمكان ويتشوه بسبب وجود الكتلة والطاقة، لكن هذه النظرية لا تحدد ما إذا كان الكون ككل محدودًا أم لانهائيًا.

أظهرت الملاحظات الكونية أن الكون القابل للرصد (أي ذلك الجزء من الكون الذي يمكننا ملاحظته من الأرض بسبب سرعة الضوء المحدودة وعمر الكون) هائل في حجمه، لكن هذا لا يخبرنا ما إذا كان الكون المرئي محدود أو لانهائي، في حين هناك اعتقاد إن الكون الكلي الأكبر لانهائي أو لامتناهي ومطلق ليس له بداية ولا نهاية.

تشير بعض النماذج الكونية إلى أن الكون المطلق لانهائي في مدياته، ويمتد إلى ما لا نهاية في جميع الاتجاهات. وتتصور نماذج أخرى كونًا محدودًا، ربما مع طوبولوجيا معقدة حيث ينحني الزمكان على نفسه بطريقة تخلق هندسة محدودة ولكن بلا حدود.

في هذه المرحلة، ليس لدينا حتى الآن أدلة تجريبية كافية لتحديد ما إذا كان الكون محدودًا أم لانهائيًا. هذا مجال بحث نشط حيث يمكن إجراء ملاحظات جديدة في سياق التقدم النظري وتقديم توضيح في المستقبل.

ما الفرق بين علم الكون الكمومي وعلم الكون النسبي؟

علم الكون الكمومي وعلم الكون النسبي هما فرعان من الفيزياء النظرية التي تتناول دراسة الكون على مستويات مختلفة وباستخدام أطر نظرية مختلفة. وفيما يلي توضيح للاختلافات بين الاثنين:

1. علم الكون النسبي:

 * يعتمد علم الكون النسبي على نظرية النسبية العامة لألبرت أينشتاين، والتي تصف الجاذبية من حيث انحناء الزمكان بسبب وجود الكتلة والطاقة.

 * يتناول هذا المنهج الكون على نطاق واسع وتطور هياكله الكونية مثل المجرات وعناقيد المجرات وتوسع الكون ككل.

 * تساعدنا معادلات النسبية العامة على فهم تاريخ وديناميكيات الكون منذ الانفجار الكبير وحتى يومنا هذا، حيث تصف كيفية تفاعل الزمان والمكان والمادة على نطاق واسع.

2. علم الكون الكمومي:

 * يهدف علم الكون الكمومي إلى دمج مبادئ ميكانيكا الكم مع مبادئ النسبية العامة لفهم العمليات الكونية على نطاقات صغيرة جدًا ، ما دون مجهرية، وفي أوقات قصيرة جدًا، مثل تلك التي حدثت في وقت الانفجار الكبير.

 * في هذه المقاييس المتطرفة، تصبح التقلبات الكمومية في الزمكان والمادة مهمة، مما يتطلب وصفًا كموميًا للكون.

 * يستكشف علم الكون الكمومي أفكارًا مثل طبيعة الكون في اللحظات الأولى من وجوده، وإمكانية وجود أكوان متوازية أو متعددة، بالإضافة إلى ظواهر التضخم الكوني، التي ترتبط بمقاييس طاقة عالية للغاية.

باختصار، يركز علم الكون النسبي على فهم الكون على نطاق واسع باستخدام النسبية العامة، بينما يسعى علم الكون الكمومي إلى فهم العمليات الأساسية للكون على المقاييس الكمومية وعلى مستوى الطاقة العالية، من خلال محاولة دمج ميكانيكا الكم مع النسبية العامة.، لكن المشكلة تكمن في طول وزمن وجدار بلانك،

فهل يمكننا تجاوز مقياس بلانك؟ وفقًا للفيزياء الحالية، تمثل مقاييس بلانك الحدود القصوى لفهمنا الحالي للكون. مقاييس بلانك هي وحدات قياس محددة بناءً على ثوابت أساسية مثل ثابت بلانك، وسرعة الضوء، وثابت الجاذبية. إنها تمثل مقاييس طاقة وطول عالية للغاية حيث تصبح تأثيرات الجاذبية الكمومية مهمة.

ومع ذلك، فإن مقاييس بلانك هذه ليست حدودًا مطلقة في حد ذاتها، ولكنها مؤشرات محتملة على أن نظرياتنا الحالية، مثل النسبية العامة وميكانيكا الكم، قد وصلت إلى حدود صلاحيتها. وبعيدًا عن هذه المقاييس، من المتوقع أن تتدخل نظريات جديدة، مثل نظرية الأوتار أو الجاذبية الكمومية، لوصف فيزياء الكون بطريقة أكثر اكتمالًا وتماسكًا.

حتى الآن، ليس لدينا نظرية متطورة ومقبولة بشكل كامل تصف بشكل مرضي الظواهر عند هذه المقاييس المتطرفة. ولذلك، فإن ما إذا كان بإمكاننا تجاوز مقاييس بلانك يظل سؤالًا مفتوحًا ومجالًا نشطًا للبحث في الفيزياء النظرية. تحاول بعض المقترحات النظرية، مثل الجاذبية الكمومية الحلقية أو نظرية الأوتار، توفير أطر لفهم الفيزياء عند هذه المقاييس المتطرفة، لكنها تظل تأملية ولا تزال تتطلب الكثير من البحث والتطوير.

هل هناك كون مرئي وأكوان غير مرئية

إن مسألة "الكون المرئي" مقابل "الأكوان غير المرئية" هي فكرة يمكن تفسيرها بطرق مختلفة اعتمادًا على السياق.

1. الكون المرئي:

 * يشير الكون المرئي إلى ذلك الجزء من الكون الذي يمكن ملاحظته من موقعنا في الزمكان. يتضمن ذلك أي شيء يمكننا اكتشافه بالأدوات المتاحة، مثل الضوء والموجات الكهرومغناطيسية القادمة من النجوم والمجرات والأجسام الكونية الأخرى.

 * ومع ذلك، فإن الكون المرئي ليس سوى جزء صغير من الكون بأكمله. في الواقع، الكون المرئي محدود بالمسافة التي تمكن الضوء من قطعها منذ الانفجار الكبير، مما يعني أن مناطق معينة من الكون تقع حاليًا خارج أفقنا المرئي.

2. الكون غير المرئي:

 * يمكن استخدام مصطلح "الكون غير المرئي" للإشارة إلى تلك الأجزاء من الكون التي تقع حاليًا خارج أفقنا المرئي. هذه المناطق من الكون غير مرئية بمعنى أننا لا نستطيع اكتشاف الضوء أو الإشارات الأخرى القادمة من هذه المناطق بشكل مباشر بسبب المسافة والزمن الضروري الذي يحتاجه. الضوء للسفر وقطع هذه المسافة.

 * في سياق أكثر تأملية، تطرح بعض النماذج الكونية فكرة الأكوان المتوازية أو المتعددة، والتي يمكن أن توجد في إطار كوني أكبر من كوننا المرئي. عندها لن يكون من الممكن الوصول إلى هذه الأكوان المتوازية أو غير المرئية من خلال ملاحظتنا المباشرة، ولكن يمكن أن يكون لها آثار على بنية وتطور كوننا.

بشكل عام، يعتمد التمييز بين "الكون المرئي" و"الأكوان غير المرئية" على السياق الذي يُستخدم فيه وافتراضات محددة حول طبيعة الكون الذي نعيش فيه.

إن مسألة ما سيبقى بعد نهاية الكون المرئي هي مسألة تخمينية وتتجاوز بكثير حدود فهمنا الحالي للفيزياء وعلم الكونيات. ومع ذلك، فإن بعض السيناريوهات النظرية تتصور احتمالات مختلفة للمستقبل البعيد للكون، على الرغم من أن هذه التكهنات تخضع لقدر كبير من عدم اليقين. فيما يلي بعض وجهات النظر المحتملة:

التوسع اللانهائي: إذا استمر توسع الكون إلى أجل غير مسمى، كما تقترح بعض النماذج الكونية، فإن الكون سيستمر في التوسع، ويصبح أكثر برودة ومخففاً. في مثل هذا السيناريو، ستبتعد المجرات عن بعضها البعض بسرعات أكبر وأكبر، وفي النهاية، ستتشتت المادة إلى حد يصبح فيه أي شكل من أشكال الحياة أو المراقبة مستحيلاً. ومع ذلك، حتى ذلك الحين سيظل الكون موجودًا، ولكن في حالة مختلفة تمامًا عما نعرفه حاليًا.

التجميد الكبير: أحد الاحتمالات التي تمت مناقشتها كثيرًا هو احتمال "التجميد الكبير"، حيث سيستمر الكون في التوسع والتبريد حتى تتوقف جميع الأنشطة الديناميكية الحرارية. في هذا السيناريو، سوف تنطفئ النجوم، وتتبخر الثقوب السوداء، وسيكون أي شكل من أشكال الحياة أو العمليات الديناميكية الحرارية مستحيلاً. سيكون الكون حينها في حالة من التوازن الحراري، تُعرف باسم "الموت الحراري"، ولن يكون هناك أي نشاط يمكن ملاحظته على نطاق واسع.

النظريات البديلة: تشير بعض النظريات البديلة، مثل نظرية الأوتار أو الجاذبية الكمومية الحلقية، إلى احتمالات مختلفة لتطور الكون على المدى الطويل جدًا. يمكن لهذه النظريات أن تسمح بسيناريوهات تظهر فيها أنواع جديدة من الهياكل أو تظهر مراحل جديدة من الكون، مما يوفر نظرة ثاقبة لما قد يوجد بعد نهاية الكون المرئي.

ومن المهم أن نلاحظ أن وجهات النظر هذه كلها مبنية على تكهنات نظرية وليس لدينا حتى الآن أدلة تجريبية أو رصدية لتأكيد أو دحض هذه السيناريوهات. ولذلك فإن فهم التطور النهائي للكون يظل أحد التحديات الكبرى لعلم الكون النظري.

***

Qu’ est ce qu'il y avant le Big Bang

La questi *n de ce qui existait avant le Big Bang est l'un des grands mystères de la c *sm *l *gie et de la physique thé *rique. Actuellement, n *us n'av *ns pas de rép *nse définitive à cette questi *n, car n *tre c *mpréhensi *n actuelle de l'univers c *mmence avec le Big Bang lui-même.

Sel *n la thé *rie du Big Bang, l'univers tel que n *us le c *nnaiss *ns a c *mmencé à se dével *pper à partir d'un état de densité et de température extrêmes il y a envir *n 13,8 milliards d'années. Cependant, n *tre c *mpréhensi *n actuelle de la physique ne peut pas décrire avec précisi *n les c *nditi *ns qui préexistaient au Big Bang  *u même si cette questi *n a un sens dans le cadre de n *s thé *ries actuelles.

Certaines thé *ries spéculatives, telles que la thé *rie des c *rdes  *u la c *sm *l *gie quantique, tentent de f *urnir des cadres thé *riques p *ur c *mprendre ce qui p *urrait av *ir existé avant le Big Bang. Cependant, ces idées restent p *ur l'instant largement spéculatives et nécessitent enc *re beauc *up de recherche et de dével *ppement avant de p *uv *ir être c *nfirmées  *u réfutées par des  *bservati *ns empiriques.

est il p *ssible qu'il y avait un autre univers avant la n *tre d *nc avant le Big Bang

 *ui, sel *n certaines thé *ries c *sm *l *giques spéculatives, il est p *ssible qu'il y ait eu un autre univers avant le nôtre,  *u même qu'il y ait eu un cycle éternel d'univers se succédant les uns aux autres. Ces idées f *nt partie de ce que l' *n appelle la c *sm *l *gie cyclique  *u la thé *rie des univers multiples.

Dans ces thé *ries, l'univers que n *us  *bserv *ns auj *urd'hui p *urrait être le résultat d'un événement tel qu'une c *ntracti *n c *smique suivie d'une expansi *n,  *u d'une c *llisi *n entre membranes (branes) dans un espace multidimensi *nnel,  *u enc *re d'autres mécanismes enc *re plus ex *tiques.

Ces idées s *nt s *uvent basées sur des c *ncepts avancés de la physique thé *rique tels que la thé *rie des c *rdes, la thé *rie M,  *u la c *sm *l *gie quantique, mais elles restent p *ur l'instant spéculatives et ne s *nt pas c *nfirmées par des preuves empiriques. En l'absence de preuves directes, ces idées restent des d *maines de recherche actifs et c *ntr *versés dans la c *sm *l *gie m *derne.

Qu’elle est la subsistance de l’espace-Temps

La nature de l'espace-temps est un sujet c *mplexe et fascinant en physique, n *tamment dans le cadre de la relativité générale d'Albert Einstein. Sel *n cette thé *rie, l'espace et le temps ne s *nt pas des entités indépendantes, mais plutôt des aspects interc *nnectés d'une structure appelée espace-temps à quatre dimensi *ns.

L'espace-temps peut être déf *rmé et c *urbé par la présence de masse et d'énergie, c *mme le décrit la célèbre équati *n d'Einstein, E=mc2, qui établit une relati *n f *ndamentale entre l'énergie (E), la masse (m) et la vitesse de la lumière au carré (c²). Cette c *urbure de l'espace-temps est ce qui cause la gravitati *n et explique le m *uvement des c *rps célestes, y c *mpris la faç *n d *nt la lumière se plie aut *ur des  *bjets massifs tels que les ét *iles et les tr *us n *irs.

En termes de subsistance, l'espace-temps est s *uvent c *nsidéré c *mme une structure f *ndamentale de l'univers, un c *ntinuum dans lequel t *utes les particules et t *us les phén *mènes existent et év *luent. Cependant, certaines thé *ries spéculatives, telles que la thé *rie des c *rdes  *u la gravité quantique, suggèrent que l'espace-temps p *urrait av *ir une structure plus f *ndamentale et être c *mp *sé de c *nstituants plus élémentaires.

En fin de c *mpte, la nature exacte de l'espace-temps et sa subsistance s *nt des questi *ns c *mplexes qui restent au cœur de la recherche en physique thé *rique, et leur expl *rati *n nécessite s *uvent des idées n *vatrices et des avancées techn *l *giques imp *rtantes.

L'espace-temps est il fini  *u infini

La questi *n de sav *ir si l'espace-temps est fini  *u infini est un sujet qui a suscité beauc *up de débats et de recherches en c *sm *l *gie et en physique thé *rique.

Sel *n la relativité générale d'Albert Einstein, l'espace-temps peut être c *urbé et déf *rmé par la présence de masse et d'énergie, mais cette thé *rie ne spécifie pas si l'univers dans s *n ensemble est fini  *u infini.

Des  *bservati *ns c *sm *l *giques  *nt m *ntré que l'univers  *bservable (c'est-à-dire la partie de l'univers que n *us p *uv *ns  *bserver depuis la Terre en rais *n de la vitesse finie de la lumière et de l'âge de l'univers) est immense, mais cela ne n *us dit pas si l'univers dans s *n ensemble est fini  *u infini.

Certains m *dèles c *sm *l *giques suggèrent que l'univers est infini dans s *n étendue, s'étendant indéfiniment dans t *utes les directi *ns. D'autres m *dèles envisagent un univers fini, peut-être avec une t *p *l *gie c *mplexe  *ù l'espace-temps se c *urbe sur lui-même de manière à créer une gé *métrie finie mais sans b *rd.

À ce stade, n *us n'av *ns pas enc *re de preuves empiriques suffisantes p *ur déterminer définitivement si l'univers est fini  *u infini. C'est un d *maine de recherche active  *ù de n *uvelles  *bservati *ns et des avancées thé *riques p *urraient app *rter des éclaircissements dans le futur.

Qu’elle est la différence entre la c *sm *l *gie quantique et la c *sm *l *gie relativiste

La c *sm *l *gie quantique et la c *sm *l *gie relativiste s *nt deux branches de la physique thé *rique qui ab *rdent l'étude de l'univers à des échelles différentes et en utilisant des cadres thé *riques différents. V *ici une explicati *n des différences entre les deux :

1.     C *sm *l *gie Relativiste :

 *     La c *sm *l *gie relativiste rep *se sur la thé *rie de la relativité générale d'Albert Einstein, qui décrit la gravitati *n en termes de c *urbure de l'espace-temps due à la présence de masse et d'énergie.

 *     Cette appr *che c *nsidère l'univers à grande échelle et l'év *luti *n de ses structures c *smiques telles que les galaxies, les amas de galaxies, et l'expansi *n de l'univers dans s *n ensemble.

 *     Les équati *ns de la relativité générale permettent de c *mprendre l'hist *ire et la dynamique de l'univers depuis le Big Bang jusqu'à n *s j *urs, en décrivant c *mment l'espace-temps et la matière interagissent à grande échelle.

2.     C *sm *l *gie Quantique :

 *     La c *sm *l *gie quantique vise à intégrer les principes de la mécanique quantique avec ceux de la relativité générale p *ur c *mprendre les pr *cessus c *sm *l *giques à des échelles très petites et à des m *ments très c *urts, tels que ceux qui  *nt eu lieu au m *ment du Big Bang.

 *     À ces échelles extrêmes, les fluctuati *ns quantiques de l'espace-temps et de la matière deviennent imp *rtantes, nécessitant une descripti *n quantique de l'univers.

 *     La c *sm *l *gie quantique expl *re des idées telles que la nature de l'univers aux t *utes premières instants de s *n existence, la p *ssibilité de l'existence d'univers parallèles  *u multiples, ainsi que les phén *mènes de l'inflati *n c *smique, qui s *nt ass *ciés à des échelles d'énergie extrêmement élevées.

En résumé, la c *sm *l *gie relativiste se c *ncentre sur la c *mpréhensi *n de l'univers à grande échelle en utilisant la relativité générale, tandis que la c *sm *l *gie quantique cherche à c *mprendre les pr *cessus f *ndamentaux de l'univers aux échelles quantiques et au niveau des hautes énergies, en essayant d'intégrer la mécanique quantique avec la relativité générale.

Est-ce que  *n peut dépasser les échelles de Planck

Sel *n la physique actuelle, les échelles de Planck représentent les limites les plus extrêmes de n *tre c *mpréhensi *n actuelle de l'univers. Les échelles de Planck s *nt des unités de mesure définies en f *ncti *n de c *nstantes f *ndamentales telles que la c *nstante de Planck, la vitesse de la lumière et la c *nstante gravitati *nnelle. Elles représentent des échelles d'énergie et de l *ngueur extrêmement élevées  *ù les effets de la gravité quantique deviennent imp *rtants.

Cependant, ces échelles de Planck ne s *nt pas des limites abs *lues en s *i, mais plutôt des indicati *ns p *tentielles que n *s thé *ries actuelles, telles que la relativité générale et la mécanique quantique, atteignent leurs limites de validité. Au-delà de ces échelles,  *n s'attend à ce que de n *uvelles thé *ries, telles que la thé *rie des c *rdes  *u la gravité quantique, interviennent p *ur décrire la physique de l'univers de manière plus c *mplète et c *hérente.

À ce j *ur, n *us n'av *ns pas de thé *rie pleinement dével *ppée et acceptée qui décrive de manière satisfaisante les phén *mènes à ces échelles extrêmes. Par c *nséquent, la questi *n de sav *ir si n *us p *uv *ns dépasser les échelles de Planck reste une questi *n  *uverte et un d *maine actif de recherche en physique thé *rique. Certaines pr *p *siti *ns thé *riques, telles que la gravité quantique à b *ucles  *u la thé *rie des c *rdes, tentent de f *urnir des cadres p *ur c *mprendre la physique à ces échelles extrêmes, mais elles restent spéculatives et nécessitent enc *re beauc *up de recherche et de dével *ppement.

y a-t’-il un univers visible et des univers invisibles

La questi *n d'un "univers visible" par  *pp *siti *n à des "univers invisibles" est une n *ti *n qui peut être interprétée de différentes manières sel *n le c *ntexte.

1.     Univers visible :

 *     L'univers visible fait référence à la partie de l'univers  *bservable depuis n *tre p *siti *n dans l'espace-temps. Cela inclut t *ut ce que n *us p *uv *ns détecter avec les instruments disp *nibles, c *mme la lumière et les  *ndes électr *magnétiques pr *venant des ét *iles, des galaxies et d'autres  *bjets c *smiques.

 *     Cependant, l'univers visible ne représente qu'une fracti *n de l'ensemble de l'univers. En effet, l'univers  *bservable est limité par la distance que la lumière a eu le temps de parc *urir depuis le Big Bang, ce qui signifie que certaines régi *ns de l'univers s *nt actuellement au-delà de n *tre h *riz *n  *bservable.

2.     Univers invisible :

 *     L'expressi *n "univers invisible" peut être utilisée p *ur désigner les parties de l'univers qui s *nt actuellement au-delà de n *tre h *riz *n  *bservable. Ces régi *ns de l'univers s *nt invisibles dans le sens  *ù n *us ne p *uv *ns pas détecter directement la lumière  *u d'autres signaux en pr *venance de ces régi *ns en rais *n de la distance et du temps nécessaires p *ur que la lumière parc *ure cette distance.

 *     Dans un c *ntexte plus spéculatif, certains m *dèles c *sm *l *giques avancent l'idée d'univers parallèles  *u multiples, qui p *urraient exister dans un cadre c *sm *l *gique plus vaste que n *tre univers  *bservable. Ces univers parallèles  *u invisibles seraient al *rs inaccessibles à n *tre  *bservati *n directe mais p *urraient av *ir des implicati *ns sur la structure et l'év *luti *n de n *tre pr *pre univers.

Dans l'ensemble, la distincti *n entre un "univers visible" et des "univers invisibles" dépend du c *ntexte dans lequel elle est utilisée et des hyp *thèses spécifiques sur la nature de l'univers dans lequel n *us viv *ns.

La questi *n de ce qui restera après la fin de l'univers visible est spéculative et dépasse largement les limites de n *tre c *mpréhensi *n actuelle de la physique et de la c *sm *l *gie. Cependant, certains scénari *s thé *riques envisagent diverses p *ssibilités p *ur l'avenir l *intain de l'univers, bien que ces spéculati *ns s *ient sujettes à une grande incertitude. V *ici quelques perspectives p *ssibles :

1.     Expansi *n infinie : Si l'expansi *n de l'univers se p *ursuit indéfiniment, c *mme cela est suggéré par certains m *dèles c *sm *l *giques, al *rs l'univers c *ntinuerait à s'étendre, devenant de plus en plus fr *id et dilué. Dans un tel scénari *, les galaxies s'él *igneraient les unes des autres à des vitesses de plus en plus grandes, et finalement, la matière se disperserait à un p *int tel que t *ute f *rme de vie  *u d' *bservati *n deviendrait imp *ssible. Cependant, même dans ce cas, l'univers existerait t *uj *urs, mais dans un état très différent de celui que n *us c *nnaiss *ns actuellement.

2.     Big Freeze : Une p *ssibilité s *uvent év *quée est celle du "Big Freeze" ( *u "Grand Gel"), dans lequel l'univers c *ntinuera de s'étendre et de refr *idir jusqu'à ce que t *ute l'activité therm *dynamique cesse. Dans ce scénari *, les ét *iles s'éteindraient, les tr *us n *irs s'évap *reraient et t *ute f *rme de vie  *u de pr *cessus therm *dynamique serait imp *ssible. L'univers serait al *rs dans un état d'équilibre thermique, c *nnu s *us le n *m de "m *rt thermique", et il n'y aurait plus d'activité  *bservables à grande échelle.

3.     Thé *ries alternatives : Certaines thé *ries alternatives, telles que la thé *rie des c *rdes  *u la gravité quantique à b *ucles, suggèrent des p *ssibilités différentes p *ur l'év *luti *n de l'univers à très l *ng terme. Ces thé *ries p *urraient permettre des scénari *s  *ù de n *uveaux types de structures émergent  *u  *ù de n *uvelles phases de l'univers se manifestent,  *ffrant des perspectives sur ce qui p *urrait exister après la fin de l'univers visible.

Il est imp *rtant de n *ter que ces perspectives s *nt t *utes basées sur des spéculati *ns thé *riques et que n *us ne disp *s *ns pas enc *re de preuves empiriques  *u  *bservati *nnelles p *ur c *nfirmer  *u infirmer ces scénari *s. La c *mpréhensi *n de l'év *luti *n ultime de l'univers reste d *nc l'un des grands défis de la c *sm *l *gie thé *rique.

...............

د. جواد بشارة

المقدمة: الذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence) هو مجال من مجالات العلوم الحاسوبية الذي يعنى بتطوير أجهزة وأنظمة تكنولوجية قادرة على محاكاة قدرات العقل البشري في إتمام المهام واكتساب المعرفة واتخاذ القرارات، ويعد الذكاء الاصطناعي تطبيقاً متقدماً لتقنيات الحوسبة والتعلم الآلي لإنشاء برامج وأنظمة تكنولوجية تتعلم وتتكيف بشكل ذاتي لتحقيق أهداف معينة.

مع انتشار استخدام التكنولوجيا والتقدم السريع في مجال الذكاء الاصطناعي، تبدأ بعض المخاوف في الظهور حول المخاطر المتوقعة التي يمكن أن يثيرها تطور الذكاء الاصطناعي. ومن المهم استكشاف هذه المخاطر والبحث في كيفية التعامل معها والحد منها.

أولاً: جوجل والانتخابات

أعلنت شركة جوجل أنها ستمنع بوت الدردشة "جيميناي" من الإجابة على أسئلة المستخدمين المتعلقة بالانتخابات في الدول التي تُجرى فيها انتخابات خلال الفترة القادمة، وثمة مخاوف بالغة بشأن المعلومات الخاطئة المتعلقة بالانتخابات التي يمكن أن يقدمها الذكاء الاصطناعي مع توجه الناخبين في أكثر من 60 دولة إلى صناديق الاقتراع عام / 2024.

وأشار جوجل إلى هذا الأمر في منشور على مدونتها يوضح كيفية تعاملها مع الانتخابات العامة التي ستُجرى في الهند هذا الربيع، وأكدت الشركة أن هذه القيود ستُطبق في جميع الدول الكبرى خلال الانتخابات المقبلة، وسيتلقى مستخدمي "جيميناي" الذين يطرحون أسئلة متعلقة بالانتخابات الرد التالي: "ما زلت أتعلم كيفية الإجابة على هذا السؤال".

ثانياُ: مخاطر كارثية للذكاء الاصطناعي

حذّر تقرير جديد صدر بتكليف من وزارة الخارجية الأميركية من مخاطر الذكاء الاصطناعي على الأمن القومي ووصفها بالكارثية، مشيراً إلى أن الوقت ينفد أمام الحكومة الفيدرالية الأميركية لتجنب الكارثة.

واستندت نتائج التقرير إلى مقابلات مع أكثر من 200 شخص على مدار أكثر من عام، بما في ذلك كبار المسؤولين التنفيذيين في شركات الذكاء الاصطناعي الرائدة، وباحثون في مجال الأمن السيبراني، وخبراء أسلحة الدمار الشامل، ومسؤولو الأمن القومي في الولايات المتحدة.

ويشير التقرير، الذي أصدرته شركة "غلادستون إيه آي"، هذا ، بشكل قاطع إلى أن أنظمة الذكاء الاصطناعي الأكثر تقدماً قد تشكل تهديداً على الجنس البشري، وفي أسوأ الحالات قد تؤدي إلى انقراضه.

وقال مسؤول بوزارة الخارجية الأميركية لشبكة "سي إن إن" إن إعداد التقرير يأتي في ضوء حرص السلطات الأميركية على تقييم مدى توافق الذكاء الاصطناعي مع حماية المصالح الأميركية في الداخل والخارج، ومع ذلك أكد المسؤول أن التقرير لا يمثل آراء الحكومة الأميركية.

إذا قام القادة العسكريون البشر بتعيين الروبوتات كمسؤول عن أنظمة الأسلحة، فربما تطلق صاروخاً نووياً، تقول تلك التقارير أيضاً: أن الذكاء الاصطناعي غير مضمون في الوقت الحالي لدرجة أننا نخاطر بنتائج كارثية إذا استفادت قوى تهز العالم مثل القوات الجوية للولايات المتحدة من الذكاء الاصطناعي المستقل دون فهم حدود ذلك.

الورقة الجديدة  المطروحة بعنوان "مخاطر التصعيد من النماذج اللغوية في صنع القرار العسكري والدبلوماسي"، لا تزال في مرحلة ما قبل الطباعة وتنتظر مراجعة الأقران، لكن مؤلفيها من معهد جورجيا للتكنولوجيا وجامعة ستانفورد وجامعة نورث إيسترن ومبادرة هوفر لألعاب الحرب ومحاكاة الأزمات، وجدوا أن معظم نماذج الذكاء الاصطناعي ستختار شن ضربة نووية عندما تُمنح لها صلاحية ذلك.

كما تدرس الولايات المتحدة فرض عقوبات على العديد من شركات التكنولوجيا الصينية، بما في ذلك شركة تصنيع الرقائق تشانغشين ميموري تكنولوجيز (ChangXin Memory Technologies)، في محاولة لزيادة تقييد تطوير الصين لأشباه الموصلات المتقدمة.

 ونقلت وكالة بلومبرغ عن أشخاص مطلعين على الأمر قولهم: إن مكتب الصناعة والأمن بوزارة التجارة الأميركية يدرس إضافة شركة "تشانغشين" إلى ما يسمى بقائمة الكيانات التي تقيد الوصول إلى التقنيات الأميركية، إلى جانب خمس شركات صينية أخرى.

كما كثفت إدارة الرئيس الأميركي (جو بايدن) حملتها التي تهدف لمنع وصول التقنيات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي إلى الصين.. وتوجيه هيئة محلفين أميركية الاتهام إلى مهندس برمجيات سابق في شركة جوجل بتهمة سرقة أسرار تجارية تتعلق بالذكاء الاصطناعي من الشركة، لصالح شركتين صينيتين كان يعمل فيهما سراً.

ثالثاُ: الأستنتاجات

تتضمن المخاطر المتوقعة للذكاء الاصطناعي ما يلي:

* فقدان وظائف العمل: يمكن أن يؤدي تبني التكنولوجيا الذكية في المؤسسات والشركات إلى فقدان الكثير من فرص العمل التقليدية وزيادة معدلات البطالة.

* انعدام الخصوصية: يمكن لتقنيات الذكاء الاصطناعي جمع وتحليل كميات هائلة من البيانات الشخصية، مما يمثل تهديداً للخصوصية والأمان السيبراني.

* توجيه الأخطاء الخطيرة: يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي أن ترتكب أخطاء خطيرة إذا لم تكن مبرمجة بشكل صحيح أو إذا تعرضت لهجمات إلكترونية.

* التحكم الذاتي: قد يؤدي تطور الذكاء الاصطناعي إلى فقدان السيطرة على الأنظمة الذكية، مما يمكن أن يؤدي إلى تبعات غير متوقعة.

* التمييز والعنصرية: قد تنعكس تحيزات وتمييزات البشر في برامج الذكاء الاصطناعي، مما يمكن أن يزيد من التفاوت والظلم في المجتمع.

***

شاكر عبد موسى/ العراق

.....................

المصادر

* صحيفة الشرق الأوسط/ تقرير 3 إنجازات مخيفة سيحققها الذكاء الاصطناعي عام/ 2024/ في 1 فبراير شباط 2024. https://aawsat.com.

Skynews*عربية/ الذكاء البشري والاصطناعي منافسة متجددة 2023 -2024.

https://www.skynewsarabia.com/business.

* موقع الخوارزمية من أم أي تي تكنلوجي ريفيو/ نشرة الخوارزمية لتحديثات الذكاء الاصطناعي

https://mail.google.com/mail/u/0/#inbox/FMfcgzGwJvlCnlpJvJXThGPrqRVnzMxK

المقدمة: تعتبر التكنولوجيا وخاصة علم الذكاء الاصطناعي أحد أهم العلوم التي تشهد تطوراً سريعاً في العصر الحديث، وقد أصبح الذكاء الاصطناعي يلعب دوراً حيوياً في حياة البشر وفي مجالات متعددة كالطب، والتجارة، والزراعة، وحتى في الحياة اليومية، لذا، يعد التعَلّم والتعرف على مفاهيم علم الذكاء الاصطناعي خطوة أساسية لفهم كيفية تطور التكنولوجيا في العصر الحديث.

1 - أهمية علم الذكاء الاصطناعي في العصر الحديث:

يعد علم الذكاء الاصطناعي مفتاحاً للتقدم في مجال الروبوتات والأتمتة، حيث تعمل هذه التكنولوجيا على تطوير الروبوتات التي تقوم بأعمال تستلزم التفكير والحوسبة بشكل ذكي مشابه للعقل البشري، وبفضل علم الذكاء الاصطناعي يمكن للأجهزة والبرامج تعلم الأنماط والتفاعل مع البيئة من خلال البيانات التي تجمعها وتحليلها بسرعة فائقة وبدقة عالية.

2 - التطبيقات الحديثة لعلم الذكاء الاصطناعي:

* في مجال الطب: يستخدم علم الذكاء الاصطناعي في تشخيص الأمراض، وفحص الأشعة، وتحديد خطط العلاج الأمثل للمرضى.

* في مجال التجارة: يستخدم علم الذكاء الاصطناعي في التجارة الإلكترونية وتحليل سلوك المستهلكين لتحسين التجربة الشرائية.

* في مجال الزراعة: يمكن استخدام علم الذكاء الاصطناعي لتحسين جودة المحاصيل وزيادة الإنتاجية في الزراعة.

3 - تطور تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي:

يعود تاريخ علم الذكاء الاصطناعي إلى فترة الأربعينيات من القرن الماضي، وقد شهدت هذه التكنولوجيا تطوراً كبيراً خلال السنوات القليلة الماضية، وقد بدأت الشركات الكبرى مثل جوجل وأمازون وفيسبوك في الاستثمار في الذكاء الاصطناعي وتطوير تطبيقات تعتمد على هذه التكنولوجيا الحديث’ .

في عصر الذكاء الاصطناعي، أذ البيانات هي العملة والابتكار هو مفتاح البقاء، تجد الشركات الكبرى نفسها على مفترق طرق؛ إمّا التكيُّف وإمّا المخاطرة بالتخلف عن الركب، وعلى الرغم من الموارد والإمكانات الهائلة التي تتمتّع بها الشركات الكبرى مقارنة بالشركات الناشئة أو الصغيرة، فإن التقدم السريع في نماذج وتقنيات الذكاء الاصطناعي أعاد تشكيل قطاع الأعمال خلال الأعوام الماضية، تاركاً مختلف الشركات في مواجهة تحديات غير مسبوقة تؤدي ببعضها أحياناً إلى التعثر وربما حتى السقوط في النهاية.

أولاً: الإنتاج الواسع في القرن الحالي

هل سمعت من قبل عن مصطلح "مجتمع ما بعد الندرة" (Post-Scarcity Society) إذا كنت مهتماً بعلم الاقتصاد فربما تعرف أنه يشير إلى شكل افتراضي للمجتمع أو للاقتصاد تُنتج فيه غالبية السلع والخدمات والمعلومات الأساسية بوفرة وبصورة شبه مجانية وبحد أدنى من العمل البشري.

بالطبع يرتبط الوصول إلى هذا المستوى بالتقدم التكنولوجي والأنظمة الآلية التي يمكنها تحويل الموارد إلى سلع تامة الصنع.

أحد التأثيرات المتناقضة للذكاء الاصطناعي هو أنه في الوقت الذي تصدر فيه تقارير متلاحقة تحذّر من استيلاء هذه التكنولوجيا على وظائفنا وترجّح تسببها في تفاقم عدم المساواة عالمياً، تجد العديد من "قادة الذكاء الاصطناعي" يتحدثون عن إسهامها المنتظر في الوصول إلى عالم ما بعد الندرة، ويناقشون شكل هذا العالم وكيفية تنظيمه وكأنه أصبح أمراً واقعاً بالفعل.

من فترة قريبة، استضاف المؤسس المشارك لشركة مايكروسوفت، بيل غيتس، الرئيس التنفيذي لشركة أوبن أيه آي، سام ألتمان، في حلقة من بودكاست (Unconfuse Me) الذي يقدمه غيتس. تحدث الطرفان عن الكثير من الأمور التي ينتظر الناس أخبارها، مثل النموذج اللغوي القادم تشات جي بي تي-5 (GPT-5)، لكن أكثر ما يثير الانتباه هو الحديث عن الارتباك الفلسفي للهدف البشري في مجتمع ما بعد الندرة، أي ما الذي يجب أن يركز عليه التعليم في هذا المجتمع، وهل ستكون للجيل الذي لا يعاني الندرة وجهة نظر مختلفة حول تنظيم المجتمع.

هذا الحوار الذي يوحي بأن الوصول إلى هذا المستوى ما هو إلا مسألة وقت فقط ليس وليد اللحظة، بل يتكرر كثيراً بكلمات مختلفة على لسان هذه الفئة من الأشخاص المنخرطين انخراطاً مباشراً في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، وقد عبّر غيتس نفسه مؤخراً عن تفاؤله موضحاً أننا في مرحلة تاريخية تحدث دائماً مع كل تقنية جديدة، إذ يأتي الخوف أولاً ثم نكتشف الفرص لاحقاً.

كما توقع الرئيس التنفيذي لشركة تيسلا، إيلون ماسك، في نوفمبر/تشرين الثاني/ 2023، أننا سنصل إلى نقطة زمنية لن تكون فيها هناك حاجة إلى وظيفة، وأن السبب الوحيد للحصول على وظيفة سيكون تحقيق الرضا الشخصي.

غالباً ما يرتبط القطاع الحكومي في أذهان الكثيرين حول العالم بالإجراءات البيروقراطية البطيئة، فضلاً عن اعتماد التقنيات التي لم تعد متوافقة مع التقدم التقني الذي يشهده عالمنا المعاصر وإن كان ذلك غير منصف في الأحوال جميعها. إلّا أن تسارع مسار التحول الرقمي وتنامي تطور التقنيات الناشئة أسهم في إحداث تغييرات جذرية ونقلات نوعية على مستوى القطاع. وتتمتّع الجهات الحكومية بفرصة استثنائية في الوقت الحالي لتحسين عملياتها وخدماتها على نحو مختلف كُلياً، وذلك عبر اعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي، وتظهر الوقائع تحول العديد منها لتبني هذا النهج التقدمي.

ويعتبر الذكاء الاصطناعي التوليدي (GenAI) من تقنيات الذكاء الاصطناعي المتميزة بقدرتها الاستثنائية على التكيُّف مع الواقع، والتعرّف إلى طبيعة المهام المشابهة لما يقوم به الإنسان. ووفقاً للنتائج التي توصلنا إليها مؤخراً في شركة بوسطن كونسلتينغ جروب، تمتلك هذه التقنية القدرة على توفير 1،75 تريليون دولار بفضل تعزيز الإنتاجية السنوية للجهات الحكومية في مختلف أنحاء العالم بحلول عام /2023، ما يسهم في تحسين جودة الخدمات الحكومية وكفاءتها عبر مختلف المجالات، بدءاً من صنع السياسات وإنجاز العمليات الداخلية وصولاً إلى تعزيز مشاركة المواطنين.

ثانياً: المسائل الهندسية والطبية المعقدة

 1- المسائل الهندسية:

طورت شركة جوجل ديب مايند (Google DeepMind) نظام ذكاء اصطناعي لحل المسائل الهندسية المعقدة، ويمثل هذا النظام خطوة مهمة في مجال تصميم الآلات التي تتمتع بقدرات تفكير أقرب إلى قدرات البشر، كما يقول الخبراء.

كانت الهندسة، والرياضيات عموماً، تمثل تحدياً بالنسبة لباحثي الذكاء الاصطناعي منذ بعض الوقت، يقول المؤلف المشارك في البحث الذي نُشِر مؤخراً في مجلة نيتشر (Nature)، ثانغ وانغ، إن بيانات التدريب في مجال الرياضيات أقل بكثير مما هو متاح لنماذج الذكاء الاصطناعي التي تتعامل مع النصوص، لأن الرياضيات تعتمد على الرموز وتتطلب تحديد المجال الذي تنتمي إليه المسألة.

يتطلب حل المسائل الرياضية استخدام التفكير المنطقي، وهي مهارة تفتقر إليها معظم نماذج الذكاء الاصطناعي الحالية، يقول وانغ إن هذه الحاجة المُلحة إلى التفكير المنطقي تجعل الرياضيات معياراً مهماً لقياس التقدم في مستوى ذكاء هذه الأنظمة، كما أصبحت هندسة الأوامر مهارة مهمة من المهارات التي يجب أن نكتسبها مع تقدم تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي ومعالجة اللغات الطبيعية.

2- المسائل الطبية:

يقول علماء صينيون إنهم خطوا خطوة كبيرة نحو التنبؤ بخطر إصابة المريض بالخرف قبل عقد ونصف من ظهور الأعراض، وذلك عن طريق تحليل عينة من دمهم، واستخدم العلماء قاعدة بيانات تضم أكثر من 50 ألف شخص لتحديد البروتينات المرتبطة بخطرالإصابة بأنواع مختلفة من الخرف، وبمساعدة الذكاء الاصطناعي، أنشأ الفريق نموذج تنبؤي لتقييم مخاطر المرض.

وقال (يو جينتاي)، مؤلف الدراسة وأستاذ علم الأعصاب في مستشفى هواشان التابع لجامعة فودان، إن استخدام الذكاء الاصطناعي كان "أحد العوامل الرئيسية لنجاح هذا البحث".

وباستخدام الاستراتيجية المبنية على البيانات، حدد العلماء بشكل مبتكر مؤشرات حيوية مهمة في الدم للتنبؤ بالخرف في المستقبل.

ويمثل الروبوت الجراحي المُدَرَّب بمساعدة الذكاء الاصطناعي على خياطة بضع غرز بمفرده خطوة صغيرة نحو بناء أنظمة قادرة على مساعدة الجراحين في تأدية مهام تكرارية كهذه.

يبين مقطع فيديو عرض مؤخراً صوّره باحثين في جامعة كاليفورنيا في مدينة بيركلي روبوتاً ثنائي الأذرع وهو يعمل على خياطة ست غرز في خط واحد لإغلاق جرح بسيط في جلد اصطناعي، حيث يمرر الإبرة عبر النسيج وينقلها من ذراع ربوتيه إلى الأخرى فيما يحافظ على الخيط مشدوداً.

على الرغم من أن الكثير من الأطباء اليوم يحصلون على مساعدة من الروبوتات في عمليات جراحية تتراوح بين ترميم الفتق ومجازات الشريان التاجي، فإن هذه الروبوتات مخصصة لمساعدة الجراحين، لا الحلول محلهم.

***

شاكر عبد موسى / العراق

.......................

المصادر

* تطوير نموذج مقترح قائم على الذكاء الاصطناعي وفاعليته في تنمية مهارات البرمجة لدى طلاب الكلية الجامعية للعلوم والتكنولوجيا بخان يونس/ 2020/ رسالة دكتوراه.

* درجة امتلاك معلمات المرحلة الثانوية بمحافظة الخرج السعودية لمهارات توظيف الذكاء الاصطناعي في التعليم،  دراسات عربية في التربية وعلم النفس، ع 119، 119- 152./ 2020/ دورية علمية.

* تطبيقات الذكاء الاصطناعي مدخل لتطوير التعليم في ظل تحديات جائحة فيروس كورونا (COVID-19)، المجلة الدولية للبحوث في العلوم التربوية، مج3، ع3، 171- 244./ 2020/ دورية علمية.

* نشرة الخوارزمية من أم أي تي تكنولوجي ريفيوhttps://mail.google.com .

بقلم: كارلو روفيلي

ترجمة: د.محمد عبدالحليم غنيم

***

أحد أعظم ألغاز الفيزياء الحديثة هو شيء نختبره حرفيًا في كل لحظة من حياتنا. تصف الفيزياء العالم باستخدام صيغ تخبرنا كيف تتغير الأشياء كدالة للزمن، لكنها لا تشرح ما هو الوقت. يمكننا كتابة صيغ تخبرنا كيف تتغير الأشياء بالنسبة لموقعها، أو كيف تختلف نكهة الريزوتو كدالة لـ "الكمية المتغيرة من الزبدة". ومع ذلك، هناك شيء مختلف مع مرور الوقت. يبدو أن الزمن يتدفق بينما كمية الزبدة أو موقعها في الفضاء لا تتدفق. من أين يأتي الفرق؟

هناك طريقة أخرى لطرح المشكلة وهي طرح السؤال التالي: ما هو الحاضر؟ نقول أن الأشياء الحاضرة فقط هي الموجودة؛ الماضي لم يعد موجودا والمستقبل لم يوجد بعد. لكن في الفيزياء لا يوجد شيء يتوافق مع فكرة "الآن". قارن "الآن" بـ "هنا". "هنا" يعين المكان الذي يوجد فيه المتحدث. بالنسبة لشخصين مختلفين، تشير كلمة "هنا" إلى مكانين مختلفين. وبالتالي فإن كلمة "هنا" هي كلمة يعتمد معناها على المكان الذي يتم نطقها فيه. المصطلح التقني لهذا النوع من الكلام هو "المؤشر". تشير كلمة "الآن" أيضًا إلى اللحظة التي يتم فيها نطق الكلمة ويتم تصنيفها أيضًا على أنها مؤشرة.

لا أحد يحلم بالقول إن الأشياء "هنا" موجودة، في حين أن الأشياء غير الموجودة "هنا" غير موجودة. فلماذا إذن نقول إن الأشياء الموجودة "الآن" موجودة، وأن كل شيء آخر غير موجود؟ هل الحاضر هو شيء موضوعي في العالم، يتدفق، ويجعل الأشياء موجودة الواحدة تلو الأخرى، أم أنه ذاتي فقط، مثل "هنا"؟

قد يبدو هذا وكأنه مشكلة عقلية غامضة، لكن الفيزياء الحديثة حولتها إلى قضية ملحة، حيث أظهرت نظرية أينشتاين في النسبية الخاصة أن فكرة الحاضر هي أيضًا فكرة ذاتية. لقد توصل الفيزيائيون إلى نتيجة مفادها أن فكرة الحاضر المشترك في الكون كله هي تعميم لا يصلح. عندما توفي صديقه العظيم ميشيل بيسو، كتب أينشتاين رسالة مؤثرة إلى أخت ميشيل: "لقد تركت ميشيل هذا العالم الغريب قبلي بقليل". هذا لا يعني شيئا. الناس مثلنا، الذين يؤمنون بالفيزياء، يعرفون أن التمييز بين الماضي والحاضر والمستقبل ليس أكثر من وهم مستمر وعنيد.

وهم أم لا، ما الذي يفسر حقيقة أن الوقت يتدفق بالنسبة لنا؟ مرور الوقت واضح لنا جميعا. أفكارنا وكلامنا موجود في الوقت المناسب. إن بنية لغتنا نفسها تتطلب وقتًا – الشيء “يكون” أو “كان” أو “سيكون”. لقد أكد الفيلسوف الألماني مارتن هايدجر على "السكن في الزمن". هل من الممكن أن يكون تدفق الزمن الذي يعتبره هايدجر بدائيًا غائبًا عن أوصاف العالم؟

يخلص بعض الفلاسفة، وهم أتباع هايدجر الأكثر إخلاصًا بينهم، إلى أن الفيزياء غير قادرة على وصف الجوانب الأساسية للواقع، ويرفضونها باعتبارها شكلاً مضللاً من المعرفة. لكن في كثير من الأحيان في الماضي أدركنا أن حدسنا المباشر هو غير الدقيق. ولو أننا التزمنا بذلك، لظللنا نعتقد أن الأرض مسطحة وأن الشمس تدور حولها. لقد تطور حدسنا على أساس خبرتنا المحدودة. وعندما ننظر إلى الأمام قليلاً، نكتشف أن العالم ليس كما يبدو لنا: الأرض مستديرة، وفي كيب تاون أقدامهم مرفوعة ورؤوسهم إلى الأسفل.

على الرغم من أن تجربتنا مع مرور الوقت قد تبدو حية بالنسبة لنا، إلا أنها لا تعكس بالضرورة جانبًا أساسيًا من الواقع. ولكن إذا لم تكن أساسية، فمن أين تأتي؟

على مستوى ما، أعتقد أن الإجابة تكمن في العلاقة الحميمة بين الوقت والحرارة. هناك فرق يمكن اكتشافه بين الماضي والمستقبل فقط عندما يكون هناك تدفق للحرارة. ترتبط الحرارة بالاحتمالية ــ الحركة الإحصائية لأعداد كبيرة من الجسيمات ــ والاحتمال بدوره يرتبط بحقيقة أن تفاعلاتنا مع بقية العالم لا تسجل التفاصيل الدقيقة للواقع. ينبثق تدفق الزمن من الفيزياء، ولكن ليس في سياق الوصف الدقيق للأشياء كما هي. بل يظهر في سياق الإحصاء والديناميكا الحرارية. قد يحمل هذا مفتاح لغز الزمن. من الناحية الموضوعية، فإن "الحاضر" لا يوجد بالمعنى الموضوعي أكثر من وجود "هنا"، لكن التفاعلات المجهرية داخل العالم تدفع إلى ظهور ظواهر زمنية داخل نظام (على سبيل المثال، أنفسنا) يتفاعل فقط من خلال الوسيط. من عدد لا يحصى من المتغيرات.

إن ذاكرتنا ووعينا مبنيان على هذه الظواهر الإحصائية. بالنسبة لكائن افتراضي فائق الحساسية، لن يكون هناك "تدفق" للزمن؛ سيكون الكون كتلة واحدة من الماضي والحاضر والمستقبل، تمامًا كما وصفها أينشتاين. ولكن بسبب محدودية وعينا، فإننا لا ندرك سوى رؤية غير واضحة للعالم، ونعيش في الزمن. ومن هذا التركيز المحدود نحصل على تصورنا لمرور الوقت.

هل هذا واضح؟ لا، ليس كذلك. لا يزال هناك الكثير الذي يتعين فهمه. يقع الزمن في قلب مجموعة متشابكة من المشاكل التي يثيرها تقاطع الجاذبية وميكانيكا الكم والديناميكا الحرارية. ليس لدينا حتى الآن نظرية قادرة على جمع تلك الأجزاء الأساسية الثلاثة من معرفتنا بالعالم.

هناك دليل صغير نحو الحل، والذي يؤدي أيضًا إلى إجابة أعمق حول طبيعة الوقت، يأتي من عملية حسابية أجراها ستيفن هوكينج. باستخدام ميكانيكا الكم، أثبت هوكينج أن الثقوب السوداء لها درجة حرارة: فهي دائمًا ساخنة، وتنبعث منها حرارة مثل الموقد. لم يرصد أحد هذه الحرارة من قبل لأنها ضعيفة للغاية، لكن حسابات هوكينج مقنعة؛ وقد تكررت بطرق مختلفة، وحقيقة حرارة الثقوب السوداء مقبولة بشكل عام.

حرارة الثقوب السوداء هي تأثير كمي على جسم ما، الثقب الأسود، وهو ذو طبيعة جاذبية. إن الكميات الفردية للفضاء، والحبيبات الأولية للفضاء، هي التي تسخن سطح الثقوب السوداء. تتضمن هذه الظاهرة الجوانب الثلاثة للمشكلة: ميكانيكا الكم، والنسبية العامة، والعلوم الحرارية. فهو يربط كل شيء بالعمليات الإحصائية وراء التدفق (الظاهر) للوقت. لا يزال أمام الفيزيائيين طريق طويل ليقطعوه لفهم ذلك، ولكن مع التطورات الحديثة مثل اكتشاف موجات الجاذبية الناتجة عن تصادم الثقوب السوداء، فإنهم يقتربون أكثر.

في النهاية، يبدو أن حرارة الثقوب السوداء تشبه حجر رشيد في الفيزياء، مكتوبًا بمزيج من ثلاث لغات - الكم، والجاذبية، والديناميكا الحرارية - في انتظار فك رموزها من أجل الكشف عن الطبيعة الحقيقية للزمن.

***

......................

كارلو روفيلي/ Carlo Rovelli: (من مواليد 3 مايو 1956) هو عالم فيزياء نظرية إيطالي وكاتب عمل في إيطاليا والولايات المتحدة،، ومنذ عام 2000 في فرنسا.  ويشغل مدير مجموعة الجاذبية الكمومية في مركز الفيزياء النظرية في مرسيليا بفرنسا. ويعمل بشكل رئيسي في مجال الجاذبية الكمومية وهو مؤسس نظرية الجاذبية الكمومية الحلقية. وهو مؤلف كتاب الجاذبية الكمومية ذات الحلقة المتغيرة: مقدمة أولية للجاذبية الكمومية ونظرية الرغوة المغزلية (2014) وسبعة دروس موجزة في الفيزياء (2016). أحدث كتبه هو "الواقع ليس كما يبدو" (2016)، ترجمة سايمون كارنيل وإريكا سيغري. وفي عام 2019، أدرجته مجلة فورين بوليسي ضمن قائمة أكثر 100 مفكر عالمي تأثيرًا

 

يقصد بالذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence) (AI)؛ علوم الكمبيوتر الخاصة بإيجاد الحلول المناسبة للمشكلات المعرفية المرتبطة بالذكاء البشري، ومنها التعلم، الإبداع، والتعرف على الصور، وتسعى المؤسسات الحديثة لجمع كمياتٍ كبيرةً من البيانات من مختلف المصادر ومنها؛ أجهزة الأستشعار الذكية، والمحتوى الذي ينشئه الإنسان، وأدوات المراقبة/ الكامرات، وسجلات النظام.

يستهدف الذكاء الاصطناعي؛ إنشاء أنظمة ذاتية التعلم؛ وهي معرفة جديدة تستخلص المعاني من البيانات المجمعة مما يتيح للذكاء الاصطناعي تطبيق تلك المعرفة لحل المشكلات الجديدة بأساليب تحاكي فيه ما يؤديه الأنسان لمختلف الفعاليات ومنها؛ إمكانية الأستجابة بشكل هادف للمحادثات البشرية وإنشاء محتوى جديد من الصور ومقاطع الفيديو وإتخاذ القرارات بناءً على مُدخلات البيانات وفي ذات وقت الادخال، وكذلك إنشاء نصوص كتابية أصلية، كما يمكن لأي مؤسسة دمج إمكانات الذكاء الاصطناعي في تطبيقاتها للمزيد من التطوير والتحسين لمختلف عملياتها وبالتالي تسريع الأبتكار.

تقنيات الذكاء الاصطناعي ومخرجاتها

التقنيات الرئيسية الأحدث تتمثل بشبكات التعلم العميق؛ أي العصبونية (تُعلِّم أجهزة الكمبيوتر كيفية معالجة البيانات بطريقة مستوحاة من الدماغ البشري)؛ وهو نوع من عمليات التعلم الآلي وتسمى (التعلم العميق) الذي يستخدم عُقدًا أو عصبونات مترابطة في بنية مكونة من طبقات ( تشبه الدماغ البشري الذي يحتوي الملايين من الخلايا العصبية التي تعمل معًا لمعالجة المعلومات وتحليلها)، ويُنشئ التعلم العميق نظامًا تكيفيًا تستخدمه أجهزة الكمبيوتر لتتعلم من أخطائها للتحسين المستمر، وبالتالي محاولة الشبكات العصبونية الاصطناعية حل المشكلات المعقدة مثل؛ تلخيص المستندات أو التعرّف على الوجوه بدقة أكبر، وهكذا فأن هذه الشبكات تستخدم خلايا عصبية أصطناعية لمعالجة المعلومات وتحليلها معًا من خلال عمليات حسابية.

أنظمة الذكاء الاصطناعي المولّد/ التوليدي هو أحد أنواع الذكاء الأصطناعي الذي يمكنه إنشاء محتوى جديد وأفكار مبتكرة وتجعل مخرجاتها تبدو وكأنها من عمل الانسان، اذ يمكنها إنشاء محتوى جديد وعناصر جديدة مثل الصور ومقاطع الفيديو والنصوص والصوت من أوامر نصية بسيطة، وبعكس (الذكاء الاصطناعي السابق الذي كان يقتصر على تحليل البيانات)، فإن أنظمة الذكاء المولّد تعزز التعليم العميق ومجموعات البيانات الضخمة لإنتاج مخرجات إبداعية مبتكرة عالية الجودة تشبه ما ينتجه الانسان، ويعد هذا تطورًا كبيرًا لإمكانية إنشاء محتوى وعناصر جديدة حيث يشعر الناس وكأنهم يتبادلون الرسائل النصية مع مدرب شخصي أو طباخ أو كاتب رسائل أو ممثل لأي مهنة أخرى حتى لو كان متخيلاً.

يمكن للذكاء الاصطناعي معالجة المعلومات على نطاق واسع عن طريق مواجهة الأنماط وتحديد المعلومات وتقديم الإجابات، وأستخدامه لحل المشكلات مثل اكتشاف الاحتيال والتشخيص الطبي وتحليلات الأعمال، وزيادة كفاءة الأعمال على عكس مهام العنصر البشري، إضافة الى استمرار العمل على مدار الساعة وطوال أيام الأسبوع بدون أن تنخفض معدلات الأداء، مع إمكانية إتخاذ القرارات الأكثر ذكاءً، وكذلك زيادة الكفاءة التشغيلية من خلال (الأتمتة الذكية / أي تطبيق الآلات للمهام التي كان يؤديها البشر في السابق، والأتمتة الذكية هي عملية استخدام الذكاء الاصطناعي لإتاحة أتمتة البرامج ذاتية التحسين لتتفاعل مع أي نظام رقمي مثلها مثل الأشخاص) وذلك لتحسين إنجاز الأعمال التي يعاني الموظفون في تنفيذها أو يجدونها مملةً وإنجاز الاعمال الأكثر تعقيدًا وإبداعًا، كما أن الذكاء الاصطناعي يقوم بمهام الصيانة التنبؤية للكشف التلقائيً عن الظروف غير الطبيعية في المعدات الصناعية المختلفة الأستخدام، فضلا عن التنبؤ بالقيم المستقبلية لأي بيانات، وبالتالي تقليل العمليات التي تستغرق وقتًا طويلاً، وهذا ما يشير الى الأنتشار غير المسبوق تاريخيا للمعرفة الحسية والفلسفية والعلمية بكل تخصصاتها ولجميع سكان الأرض.

تتكون بنية الذكاء الاصطناعي من أربع طبقات أساسية؛ الأولى طبقة البيانات وتشمل تعلّم الآلة ومعالجة اللغة الطبيعية والتعرف على الصور، والثانية الخوارزمية وأطر تعلّم الآلة، والثالثة تنفيذ نموذج الذكاء وتدريبه، والرابعة التطبيق وهي الجزء الموجه للمستخدمين النهائيين ونحن منهم.[1]

في محتوى (تطبيقات الذكاء الاصطناعي/ التوليدي)؛ ما ورد في وقائع الأمم المتحدة/ وفقا للكاتب جيونغكي الأستاذ المساعد في التصميم الاستراتيجي بكلية بارسونز/ نيويورك في 18 تموز 2023، أذ قام جيونغكي بتوجيه سؤال الى أحد برامج/ تطبيقات الذكاء التوليدي الشهيرة "ChatGPT"، (عن مهام مقر الأمم المتحدة)، وقام البرامج وبسرعة مذهلة لتكرر العمل البشري في ذلك عبر تحليل أكثر من 300 مليار كلمة من؛ الكتب ومصادر الأخبار والمجلات والتقارير ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت، وتمت بسرعة أجابته الأتية؛ (مهام مقر الأمم المتحدة هي؛ تحديد وأرتباطات دبلوماسيي المقر، وتمكنهم من إتخاذ القرارات المستنيرة، والتنقل بمهارة في القضايا الجيوسياسية المعقدة، والتوسط في الصراعات، وتحقيق جميع أهداف التنمية المستدامة على المستوى العالمي).[2]

تطبيقات الذكاء الاصطناعي الأكثر إستخداماً

رافقت نظم الذكاء الاصطناعي وتطورها كل ما مر من تطور لعلوم الكمبيوتر لكون الاولى جزء من الثانية، ومع فجر العام 2023 انتقلت تطبيقات الذكاء نتيجة لتصاعد تطوير برمجياته ودخوله في مفاصل التكنولوجيا الصناعية؛ انتقلت من الاستخدامات المحدودة في محركات البحث ومنها كوكل وبعض المنصات ومنها فيسبوك وانستكرام، الى اداة متاحة للجميع وبفعل تعدد تطبيقات الذكاء في مختلف القطعات.

شهد العام 2023 طفرة في تطبيقات الذكاء الاصطناعي ومنها؛ تطبيقات معالجة الصور والفيديوهات والتصميم، أذ تكمن الأبتكارات الرئيسة في هذه التطبيقات والتي تعتمد على تحليل الصور والفيديوهات بواسطة خوارزميات تعتمد على الذكاء الاصطناعي وبما يمكن هذه التطبيقات من التعرف على الأشكال والوجوه، وحتى تحليل المشاعر المعبر عنها في الصور، كما أن الذكاء الاصطناعي ساهم في تطور تطبيقات (الواقع المعـزز/ وهو إسقاط الأجسام الافتراضيه والمعلومات في بيئة المستخدم الحقيقية، ومنها نظام GPS)، وتحسين تجربة المستخدم في التفاعل مع الوسائط المرئية، وتطبيقات فئة الدردشة، ويتقدم تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي للنصوص برنامج "ChatGPT" والذي تم استخدمه عام 2023 في أكثر من 14.6 مليار زيارة.

في عام 2024 ستستمر تطبيقات الذكاء الاصطناعي في التطور؛ لتتناول جوانب مختلفة من مهامنا الروتينية حيث تعتزم شركة "كوكل" إستبدال موظفيها بالذكاء الاصطناعي في تطبيقات إنشاء المحتوى، سواء كانت مقالات أو منشورات مدونة أو حتى كتابة إبداعية، وعليه سيتمكن المستخدمين أمثالنا من توفير الوقت والجهد باستخدام الذكاء الاصطناعي؛ لصياغة المحتوى الأولي، والذي يمكن بعد ذلك تحسينه وتخصيصه حسب الحاجة، وكذلك تطبيقات معالجة الصور بتحسينها وأتمتة تصنيفها، وكذلك تنفيذ التدابير الأمنية من خلال أنظمة التعرف على الوجه. وستستمر المنافسة المتجددة في العام 2024 بما يتيح للذكاء الاصطناعي التنبوء بمواصفات وشكل هواتفنا في المستقبل، وتشخيص الرعاية الصحية، وأستخدامات المركبات/ السيارات ذاتية القيادة وحركة النقل بواسطتها، وفي مطلع العام 2024 تم اطلاق تطبيق برامج "pangeanis" بانجانيس/ نسبة الى القارة الأم بالاغريقية، مدعوم بالذكاء الاصطناعي ويتضمن منصة مبتكرة على مستوى القارات السبع للتواصل الاجتماعي.

أثناء كتابة هذا المقال أطلقت شركة كوكل إصدارها الأحدث في العشرين من شباط 2024 وهو؛ نموذج مفتوح المصدر للذكاء الاصطناعي ’’كيما/ Gemma AI’’، ويتضمن من 2 – 7 مليارات ’’معلمة/عدد القيم’’ اللازمة لتشكيل الخوارزمية/ وهي سلسلة العمليات الرياضية المستخدمة لتحليل البيانات، وهو بديل عن (الخدمات السحابية؛ التي تدعم التخزين والوصول عبر الإنترنت الى كافة التطبيقات والبيانات)، ونموذج’’ Gemma’’ متاح على كافة المنصات من الهواتف الذكية (الموبايل) الى مراكز البيانات الرئيسة الكبرى، ويتيح هذا الاصدار للمطورين من خارج منتسبيها ونحن منهم؛ إعادة تصميمه مجددا كنماذج خاصة؛ تستهدف توليد المخرجات بناء على المعتمد من نظم وأنواع الذكاء الاصطناعي بهدف؛ التحقق والتنبوء والحصول على القرار المستنير وفقا للبيانات المستخدمة لتوليد المخرجات المستهدفة، وفي احدث تطبيق لشهر شباط2024 ما أصدرته شركةOpen AI   وهو نموذج ’’ Sora/ السماء باليابانية’’ لتحويل النصوص والصور الى فيديو عبر الانترنت.

في سنة 2025 من المتوقع ان يعمل ما يقرب من مليون شخص في مجال الذكاء الاصطناعي مما سيؤدي الى مزيدا من الأبتكار ويحدث نقلة نوعية جديدة في العالم الرقمي.

أخلاقيات الذكاء الاصطناعي

تـتبوأ اليونسكو انطلاقاً من الولاية الفريدة المناطة بها مكانة الصدارة في الجهود الدولية الرامية إلى ضمان تطور العلوم والتكنولوجيا خلال العقود القادمة وفقاً لضوابط أخلاقية متينة، وانطلاقاً من هذه الرؤية وضعت اليونسكو جملة من المعايير العالمية سواء في مجال البحوث الجينية أو تغير المناخ أو البحوث العلمية، لتحقيق الاستفادة القصوى من الاكتشافات العلمية والتقليل من مخاطر تقويضها، وكذلك ضمان تسخيرها لبناء عالم أكثر شمولاً وإستدامةً وسلاماً، وحدّدت اليونسكو أيضاً التحديات الجديدة في عدة مجالات من بينها أخلاقيات تكنولوجيا الشبكات العصبونية والهندسة المناخية.

يواجه تنفيذ الذكاء الاصطناعي وأستخدامه تحديات عديدة منها حوكمة البيانات بالقيود التنظيمية وقوانين الخصوصية، وإدارة جودة البيانات، والصعوبات الفنية للتدريب باستخدام الآلة، والحاجة لإدخال كميات هائلة من البيانات مما يتطلب سعة تخزين كافية. . . ومن مشكلات الذكاء تلاعب أنظمته بالمعلومات وتشويهها مما يخلق شبكة من الخداع والتضليل، ولذلك تقع بعض الدول فريسة لتلاعب الذكاء ومنها تحويل الموارد إلى صراعات يغذيها الذكاء المارق. كذلك توقع فقدان الوظيفة البشرية؛ فقد أكدت السيدة دورين مارتن الأمينة العامة للأتحاد الدولي للأتصالات في مؤتمر القمة العالمي للذكاء في جنيف/ سويسرا 6-7 تموز 2023 (ITU/D.Woldu©)؛ بأن الذكاء الاصطناعي يثير أكثر من أي تقنية أخرى مخاوف فقدان وظيفة البشر، أذ ان تطوره المتسارع .. لا يتيح للأنسان رؤية حدود هذا التطور، وعليه يخشى أن يواجه نفس المصير الذي واجه عمال التصنيع الذين تمت أتمتة وظائفهم من خلال الروبوتات.]3[، وفي 15كانون ثاني2024 أورد البنك الاستثماري كولدمان ساكس’’ان الذكاء سوف يؤدي خلال السنوات القادمة الى أتمتت 63% من مجموع العمال في الولايات المتحدة’’.

تنفيذ الذكاء الاصطناعي يواجه ايضا معضلة تحديد المسؤول عن الجرائم التي ترتكبها الربوتات؛ إذ أن خوارزميات الذكاء قد تم تصميم نماذجها بما يناظر العقل البشري، وعليه فأن تعقيداتها العالية جعلت حتى من (مصمميها أنفسهم غير قادرين على معرفة التنبوء الناتج عنها)، وبذلك فأنها تمثل صندوقا أسودا؛ لكونها قد تتسبب في إنتهاك الخصوصية الشخصية الصعبة الحماية، كما ان بعض تطبيقات الذكاء تؤدي الى إلحاق الضرر بالاخرين من خلال الإنشاء المزيف للصور ومقاطع الفديو، وهذا ما يتطلب من الأن سن تشريعات قانونية عالمية (مثل قانون الذكاء الاصطناعي التابع للاتحاد الأوروبي) لترويض مخرجات الذكاء في المستقبل وبالتالي حماية البشرية منها، في ذات الوقت التي يتم الأعتماد على تلك المخرجات لخدمة البشرية.

هكذا يتضح بأن العديد من التطبيقات والبرامج التعليمية والأدلة الجديدة للأختبار الأولي لتطبيقات الذكاء الاصطناعي (بأستثناء محاولة بعض شركات التكنولوجيا الكبرى)؛ تؤكد إستحالة إحتكارها للمعرفة مهما كانت، وذلك لأن إحتكارها يتعارض تماما مع كل اليات العملاق الجديد المار ذكرها بعكس التطبيقات الرقمية الاخرى السابقة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي، ويعد ذلك إرتقاء لكافة البشر.

أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي لا تتطلب أي خلفية في البرمجة ولا سيما مع التكنولوجيا التي لها مثل هذه الآثار الواسعة الأنتشار، وأنما تتطلب مزيدا من الممارسة المباشرة طبقا للقول المأثور في تعليم التكنولوجيا والذي يؤكد على أهمية التجربة المباشرة؛ فلا أحد يتعلم كيف يلعب كرة القدم في القاعات العلمية الدراسية وانما بالتدريب المباشر في ملاعبها.

لقد شكل الذكاء الاصطناعي فجرا مشرقا للتحول التاريخي للبشرية كحافز جديد للسلام العالمي الدائم والتقدم والتنمية المستدامة، وعلية فإن العالم ماض نحو التغير بوتيرة لم يشهدها منذ أختراع وأنتشار أستخدام أليات الطباعة قبل مايزيد عن600  سنة مضت، وسواء رضينا بذلك أم لا ... فإننا ملزمون بضرورة التعامل مع التطور التكنولوجي المعلوماتي المتسارع عبر إصدار سلسلة من التحديثات ونماذج الذكاء الاصطناعي الجديدة من قبل الشركات العالمية المتنافسة، وينبغي الأستعداد للتحول التكنولوجي العالمي في مجال الذكاء الاصطناعي الذي سيغير أساليب تفاعلنا مع التكنولوجيا عموما ومع بعضنا البعض.

إستراتيجيات الذكاء الاصطناعي العالمية

نظرا لإمكانات الذكاء الاصطناعي في إحداث التحولات المؤثرة في مختلف القطعات الاقتصادية والاجتماعية، تعمل الدول بحكوماتها على تعزيز الأبتكار في مجال الذكاء الاصطناعي، وإنشاء الأطر التنظيمة له، مع دمجه في خطط التنمية المستدامة والامن الوطني والخدمات العامة، ومع ذلك فإن فهم كيفية إعتماد الذكاء الاصطناعي والاستعداد لتطبيقة بفعالية لا زال يشكل تحديًا في العديد من دول العالم لمختلف الاسباب.

تسعى الدول الرائدة في الذكاء لتطوير دمجه في قطاعات رأس المال والبنى التحتية وتطوير الايدي العاملة والاستثمار في تطوير برمجيات الذكاء، وفي الولايات المتحدة هناك تركيز على قطاعات الدفاع والامن والاستثمار فيه بهدف تصدر ريادة الذكاء عالميا، كما تستهدف الصين الريادة ايضا بحلول 2030، وتهدف الهند الى تعزيز قدراتها عبر تطوير تطبيقاته ونشره في الداخل والخارج، اما سنغافورة فقد وضعت خطة لبناء نموذج ذكاء خاص يراعي ثقافات وقيم منطقة جنوب شرق اسيا.

أعتمادا على المؤشر العالمي لجهوزية الدولة للذكاء الاصطناعي وطبقا لبيانات (مؤسسة أكسفورد إنسايتس/ شركة بريطانية متخصصه بالأبحاث الدقيقة لتكنولوجيا العلوم والهندسة)، وبناء على مؤشر الجاهزية الحكومية للذكاء الاصطناعي لسنة 2023 لتصنيف 193 دولة حول العالم وضمن 39 مؤشرًا ذات 10 أبعاد تشكل ثلاثة ركائز أساسية هي؛ القطاع الحكومي وقطاع التكنولوجيا، والبنية التحتية، تم التوصل إلى؛ إنخفاض إصدار إستراتيجيات الذكاء الاصطناعي العالمية بشكل عام، مع بقاء الفجوة الرقمية فيما بين الدول. وتصدرت القائمة العالمية؛ كل من الولايات المتحدة والصين والهند وماليزيا على التولي، أما الأمارت فقد تصدرت قائمة الدول العربية وبالمرتبة 18 عالميا، والسعودية الثانية عربيا وبالمرتبة 29 عالميا، وقطر الثالثه عربيا و 34 عالميا، في حين شغل العراق المرتبة 13 عربيا و 133 عالميا، وحلت جيبوتي بالمرتبة 15 عربيا و 155 عالميا.

***

مجيد ملوك السامرائي - جغـرافـي، كاتـب ومـؤلف وأستاذ جامعي

............................

1. Amazon Web Services (AWS)

https://aws.amazon.com/ar/what-is/artificial-intelligence

2. & 3. https://www.un.org/ar/208258

4. Government AI Readiness Index 2023.

https://oxfordinsights.com/ai-readiness/ai-readiness-index/

الصفحة 1 من 5

في المثقف اليوم