علوم

محمد عبد الكريم: الجانب المظلم للهندسة الوراثية

الهندسة الوراثية، والمعروفة أيضا باسم التعديل الوراثي أو التلاعب الجيني، هي مجال جديد نسبيا ومثير للجدل في عالم العلوم والتكنولوجيا. في حين يزعم أنصار الهندسة الوراثية أنها تحمل وعودا هائلة للتقدم في الطب والزراعة وغيرها من المجالات، إلا أن هناك أيضا جانبا مظلما لهذه التكنولوجيا يجب مراعاته بعناية. ستستكشف هذه المقالة بعض المزالق المحتملة والمخاوف الأخلاقية المرتبطة بالهندسة الوراثية، مع أمثلة لتوضيح هذه النقاط.

أحد المخاوف الأساسية المحيطة بالهندسة الوراثية هي فكرة الأطفال المصممين. يشير هذا المفهوم إلى فكرة اختيار الوالدين لصفات وراثية محددة لأطفالهم، مثل لون العين أو الذكاء أو المظهر الجسدي. في حين قد يبدو هذا وكأنه مسعى غير ضار للوهلة الأولى، إلا أنه يثير أسئلة أخلاقية كبيرة حول لعب دور الإله وإمكانية التمييز على أساس التركيب الجيني.

ثمة جانب آخر مزعج للهندسة الوراثية هو خطر العواقب غير المقصودة. عندما يغير العلماء الشفرة الوراثية لكائن حي، فهناك احتمال أن يخلقوا عن غير قصد أمراضا أو طفرات أو تأثيرات ضارة أخرى. على سبيل المثال، في عام 1989، تم إطلاق سلالة معدلة وراثيا من البكتيريا في البيئة في محاولة لتنظيف تسرب النفط. ومع ذلك، انتهى الأمر بالبكتيريا إلى إلحاق الضرر بالكائنات الحية الأخرى في النظام البيئي، مما أدى إلى عواقب غير مقصودة.

وعلاوة على ذلك، تثير الهندسة الوراثية مخاوف بشأن الموافقة والاستقلالية. على سبيل المثال، في حالة المحاصيل المعدلة وراثيا، لا تستطيع النباتات نفسها تقديم الموافقة على تعديلها بهذه الطريقة. وهذا يثير تساؤلات حول الآثار الأخلاقية للتلاعب بالكائنات الحية دون موافقتها أو فهمها للعواقب.

بالإضافة إلى المخاوف الأخلاقية، هناك أيضا مخاطر بيئية محتملة مرتبطة بالهندسة الوراثية. على سبيل المثال، قد تهرب الكائنات المعدلة وراثيا إلى البرية وتعطل النظم البيئية، وتهجر الأنواع الأصلية وتسبب ضررا بيئيا. هناك أيضا مخاوف بشأن الآثار الصحية طويلة الأجل لاستهلاك الكائنات المعدلة وراثيا، حيث لا يزال المدى الكامل لتأثيرها على صحة الإنسان غير مفهوم تماما.

وعلاوة على ذلك، تحمل الهندسة الوراثية مخاوف كبيرة بشأن الخصوصية. مع تقدم التكنولوجيا الوراثية، أصبح من الأسهل الوصول إلى المعلومات الوراثية للأفراد وإساءة استخدامها. على سبيل المثال، قد تستخدم شركات التأمين أو أرباب العمل المعلومات الوراثية للتمييز ضد الأفراد على أساس استعدادهم لظروف وراثية معينة.

وهناك جانب مظلم آخر للهندسة الوراثية يتمثل في إمكانية إساءة استخدامها من قبل الحكومات أو الجهات الفاعلة الخبيثة. على سبيل المثال، هناك مخاوف بشأن تطوير الأسلحة البيولوجية باستخدام مسببات الأمراض المعدلة وراثيا. وهذا يشكل تهديدا خطيرا للأمن العالمي ويسلط الضوء على الخطر المحتمل المتمثل في وقوع الهندسة الوراثية في الأيدي الخطأ.

وعلاوة على ذلك، تثير المصالح التجارية التي تحرك مجال الهندسة الوراثية مخاوف بشأن سيطرة الشركات على الغذاء والدواء. على سبيل المثال، قد تحتكر الشركات الزراعية الكبيرة التي تنتج بذور الكائنات المعدلة وراثيا السوق، مما يؤدي إلى مخاوف بشأن المنافسة العادلة والوصول إلى الموارد الأساسية. وهذا يثير تساؤلات حول أخلاقيات إعطاء الأولوية للربح على الصحة العامة والاستدامة البيئية.

ومن أكثر جوانب الهندسة الوراثية إثارة للقلق مفهوم تحرير الجينات لدى البشر. وفي حين أن هذه التكنولوجيا تحمل وعدا بعلاج الأمراض الوراثية، إلا أن هناك مخاوف أخلاقية كبيرة بشأن إمكانية تصميم الأطفال، والتمييز الجيني، وتغيير الخط الجرثومي البشري. على سبيل المثال، يسلط الجدل الأخير حول ولادة توأمين في الصين تم تعديلهما وراثيا ليصبحا مقاومين لفيروس نقص المناعة البشرية الضوء على المستنقع الأخلاقي المحيط بتعديل الجينات البشرية.

فضلا عن ذلك، تثير الهندسة الوراثية تساؤلات حول عدم المساواة والعدالة الاجتماعية. على سبيل المثال، إذا أصبحت التكنولوجيا الوراثية متاحة فقط للأثرياء، فقد يؤدي ذلك إلى تفاقم التفاوتات القائمة في الصحة والرفاهة. وهذا يثير المخاوف بشأن إمكانية أن تؤدي الهندسة الوراثية إلى إدامة التفاوتات الاجتماعية بدلا من تخفيفها.

في حين أن الهندسة الوراثية تحمل وعدا كبيرا للتقدم في العلوم والتكنولوجيا، إلا أنها أيضا لها جانب مظلم يجب النظر فيه بعناية. إن الآثار الأخلاقية والبيئية والاجتماعية المحتملة للهندسة الوراثية تثير مخاوف جدية بشأن مستقبل هذه التكنولوجيا. ومن الضروري أن نجري مناقشات منفتحة وصادقة حول مخاطر وفوائد الهندسة الوراثية لضمان استخدامها بشكل مسؤول وأخلاقي لصالح المجتمع.

***

محمد عبد الكريم يوسف

 

في المثقف اليوم