علوم

توفيق التونچي: الذكاء الصناعي ومهمة المخبرين المنقرضة

قارئي الكريم تعودنا ان نعيش أحلامنا مع الأفلام السينمائية حتى لو كان ذلك يعني ان نسير على سطح القمر او حتى على سطح المريخ. الفن السابع تمكن من أخذنا الى اي مكان على الأرض او السماء ونحن جالسون على مقعد في السينما او  في بيوتنا. المخرج الجيد يتمكن ان يجعلنا نعيش اجواء غابات افريقيا او صحراء العلمين وهو يصور فلمه في احد استوديوهات السينما في هوليود ناهيك باننا نتمكن من مشاهدة كل غريب في عالم المستقبل وهذا الأخير أصبح وعن طريق الذكاء الصناعي متاحا للجميع.

لم اتمكن من ان أتمالك فضولي من عدم تجربة هذا العقل الالكتروني AI الذي يجمع المعلومات من مصادر مختلفة من إنحاء العالم ومن خوادم (server) الكومبيوترات في زمن لا يمكن قياسه بمقياس زمني لصغر الوحدة الزمنية وعلى الاقل في الوقت الحاضر. المعلومات الموجودة حولنا في البرامج تسهل التعرف علينا وعلى شخصيتنا وعائلتنا وبتفاصيل دقيقة وصور ووثائق. جاءني الجواب فورا حين سالته عني وعن سيرتي الذاتية وتأكدت بانه ليس بذلك الذكاء على الأقل ما يخص مكان ميلادي. اذ رغم اني أنهيت دراستي الإعدادية في بغداد (الإعدادية الشرقية) وبهذه المناسبة اقدم شكري لجميع المدرسين والعاملين في هذه الإعدادية التي كانت تسمى اعدادية الملك غازي في العهد الملكي كما احيي جميع طلابها اينما كانوا. الا اني في واقع الامر من مواليد مدينة كركوك. العبرة بان التطورات المتسارعة في عالم المعلوماتية لها فوائدها وطبعا اضرارها كذلك. اذ ان ليس من الضرورة ان تكون جميع المعلومات التي يمكن اخراجها من اجهزة الكومبيوتر تكون صحيحة حتى حين ننظم البرامج كي تزودنا بمعلومات مع مصادرها لان المصدر قد يكون مزورا وغير معتمد علميا وذلك لاننا نعيش في عالم بات التزوير حالة طبيعية واحيانا لا يمكن التفريق بين الأصلي والمزور.

كنت قد اشرت فی مواچ نشرتها بعض إضرار وخطورة استعمالات برامج الكومبيوتر وخاصة للمراهقين والشباب دون مراقبة مستمرة من قبل الوالدين . الشباب بصورة خاصة هم المجموعة الأكثر تاثرا بالمعلومات المزورة ومن السهولة إقناعهم بصحة المعلومات لامر مهم في كون سقفهم المعرفي منخفض ومداركهم لم تنضج وعدم وجود اي مصدر اخر للمعلومة فتراهم يناقشون في امور ليس من اختصاصهم بل يشيرون الى معلومات حصلوا عليها من البرامج من الانترنت ومن الذكاء الصناعي دون ان يكون لديهم الإمكانية لتحليل المعلومة . تراهم كذلك يتأثرون جدا بالأفلام القصيرة التي تبث بالملاين في كل دقيقة معتقدين بان كل ما ورد فيها صحيح.

نشر الأخبار المزيفة أصبح سهلا جدا وحتى هناك العديد من الدول لديها أجهزة خاصة يعمل فيها ما يسمون ب (الهاكر) لبث المعلومات المزورة عن الحوادث السياسية من حروب وانتخابات وأخبار فنانين ومشاهير. المشكلة حين تتراكم المعلومات تصبح كالمرويات التاريخية والأساطير التي يومن بها الناس كما هي الخرافات حيث بعد مرور زمن على المعلومة الخاطئة وبفعل التكرار تصبح حقيقة واقعة لا جدال فيها. التاريخ مليء بحوادث خرافية يؤمن الناس بها اليوم معتقدين انها الحقيقة المطلقة ولا جدال على صحتها. تبقى المعلومة ذو نصل حاد يمكن ان يؤدي الى ماسي وكوارث لهذا من الضروري ان يكون المرء حذرا من التصديق بكل معلومة يقرءاها او يسمعها ويراها على الشبكة العنكبوتية المسماة (الانترنت). لان الذكاء الصناعي قد يأتي في المستقبل القريب يتجاوز عقول البشر ومداركهم وقد يسيطر على العديد من مظاهر الحياة وحتى المصانع وأماكن القرار وامور خطرة كثيرة امنية تخص امن الأمم والشعوب والأمن الاجتماعي العالمي.

لم يعد مهمة ذلك المخبر الذي يضع جريدة تحت إبطه ويقف في مكان مظلم في ضل شجرة يراقب الناس او الضحية اقول ان تلك المهمة قد اصبح في الماضي لان التقنية الجديدة في عالم التواصل الاجتماعي والإعلام (الميديا) قد تجاوز كل الحدود.

لان معرفة مكان وجودك وحركاتك وكل ما تفعل وتقول يمكن رؤيته ومتابعته عن بعد والقادم من تطورات خارج الخيال الإنساني بكل معنى الكلمة

***

د. توفيق رفيق التونچي - الأندلس

2024م

في المثقف اليوم