علوم والذكاء الاصطناعي
ايمان دواس: إنترنت الأشياء.. ثورة خفية تُعيد تشكيل العالم

مقدمة: تخيّل أن ثلاجتك تُرسل لك إشعارًا بأن الحليب على وشك النفاد، أو أن سيارتك تحجز موعد صيانتها بنفسها، أو أن منزلك يُطفئ الأنوار تلقائيًا عندما تخرج منه. ما يبدو وكأنه مشهد من أفلام الخيال العلمي، أصبح واقعًا نعيشه اليوم، بفضل ما يُعرف بـ"إنترنت الأشياء" أو Internet of Things (IoT) .
في العصر الرقمي، لم تعد الأجهزة مجرد أدوات جامدة، بل تحوّلت إلى كيانات "ذكية" قادرة على التفاعل، والتحليل، واتخاذ قرارات بسيطة دون تدخل بشري مباشر. إنها ثورة تكنولوجية هادئة، لكنها تُغيّر وجه الحياة الحديثة من جذورها.
ما هو إنترنت الأشياء؟
"إنترنت الأشياء" هو مصطلح يُطلق على شبكة من الأجهزة المتصلة بالإنترنت والقادرة على جمع البيانات وتبادلها وتنفيذ أوامر محددة باستخدام البرمجيات والمستشعرات. هذه "الأشياء" يمكن أن تكون أي جهاز مادي: من الهواتف والأجهزة المنزلية، إلى السيارات، والكاميرات، وحتى آلات المصانع والأجهزة الطبية.
وببساطة، فإن كل شيء يمكن أن يُربط بالإنترنت، من الممكن أن يصبح جزءًا من هذا النظام الذكي، ليؤدي دورًا ضمن شبكة متكاملة من البيانات والتفاعل المستمر.
أمثلة من الواقع: من المنزل إلى المدينة الذكية
تتعدد تطبيقات إنترنت الأشياء لتشمل جميع جوانب الحياة:
1. في المنازل الذكية:
- أجهزة التكييف تُضبط تلقائيًا حسب درجة الحرارة المحيطة.
- الأنظمة الأمنية تُرسل تنبيهات مباشرة إلى الهاتف عند اكتشاف حركة غير معتادة.
- المصابيح تُضاء وتُطفأ بناءً على وجود الأشخاص.
2. في قطاع الصحة:
- أجهزة قابلة للارتداء تراقب نبضات القلب ومستوى النشاط.
- أدوات طبية تُرسل بيانات المريض إلى الطبيب لحظيًا.
- أسرّة استشفائية تتفاعل مع وضع المريض لتقليل التقرحات وتحسين الراحة.
3. في الزراعة الذكية:
- مستشعرات في التربة تقيس الرطوبة وتُحدد الوقت الأمثل للري.
- طائرات بدون طيار تراقب صحة النباتات وتُبلغ المزارع بأي مشكلة.
4. في المدن الذكية:
- أعمدة إنارة تُضاء فقط عند مرور السيارات لتوفير الطاقة.
- حاويات نفايات تُرسل إشعارًا عند امتلائها.
- أنظمة مرور تتفاعل مع الكثافة المرورية لتقليل الازدحام.
الجانب الاقتصادي: فرص بمليارات الدولارات
يتوقع الخبراء أن يصل عدد أجهزة إنترنت الأشياء حول العالم إلى أكثر من 75 مليار جهاز بحلول عام 2025، مقارنة بـ 8.7 مليار جهاز فقط في عام 2020. وهذا النمو يُترجم إلى فرص استثمارية ضخمة، وفتح أسواق جديدة، وخلق وظائف في مجالات البرمجة، والتحليل، والأمن السيبراني، والصيانة الذكية.
وقد بدأت الشركات الكبرى بالفعل في الاستثمار بقوة في هذا القطاع، حيث تسعى إلى تحسين الإنتاجية، وخفض التكاليف، وتقديم تجارب مخصصة للعملاء.
المخاطر والتحديات: الوجه الآخر للتكنولوجيا
رغم المزايا الهائلة، إلا أن إنترنت الأشياء لا يخلو من التحديات والمخاوف، وأهمها:
1. الخصوصية:
مع اتساع نطاق جمع البيانات، تظهر تساؤلات مشروعة حول من يمتلك هذه المعلومات؟ وكيف يتم استخدامها؟ وهل يمكن اختراقها؟
2. الأمن السيبراني:
كل جهاز متصل بالإنترنت هو بوابة محتملة للاختراق. وفي ظل ضعف الحماية لبعض الأجهزة البسيطة، قد يُستغل الأمر في تنفيذ هجمات رقمية واسعة النطاق.
3. التوافق والمعايير:
لا تزال صناعة إنترنت الأشياء تُعاني من غياب المعايير الموحدة، ما يُصعّب من توافق الأجهزة مع بعضها.
4. الاعتماد المفرط على التقنية:
الاعتماد الزائد على الأنظمة الذكية قد يجعل الأفراد والمجتمعات عرضة للشلل في حال تعطل هذه الأنظمة.
العالم العربي وإنترنت الأشياء: خطوات على الطريق
بدأت العديد من الدول العربية في احتضان تقنيات إنترنت الأشياء ضمن استراتيجيات التحول الرقمي. فالمملكة العربية السعودية، ضمن "رؤية 2030"، تعمل على إنشاء مدن ذكية مثل نيوم، التي تقوم بنيتها التحتية على تقنيات متقدمة تشمل إنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي. وفي الإمارات، تُستخدم أنظمة ذكية في البنية التحتية، والمواصلات، وإدارة الطاقة.
لكن رغم هذه الخطوات الإيجابية، لا تزال هناك حاجة لمزيد من الاستثمار في البنية التحتية الرقمية، وبناء القدرات البشرية، وتطوير التشريعات التي تُنظم استخدام هذه التقنية وتحمي الخصوصية والحقوق.
خاتمة: مستقبلنا متصل... فهل نحن مستعدون؟
إن إنترنت الأشياء ليس مجرد تقنية جديدة، بل هو تحول شامل في طريقة تفاعل الإنسان مع الأشياء من حوله. إنه يعِدُنا بعالم أكثر ذكاءً وكفاءة، لكن في المقابل، يفرض علينا مسؤوليات جديدة في التعامل مع البيانات، وتأمين البنية التحتية، وتحديد الحدود الأخلاقية للتكنولوجيا.
في هذا العالم الجديد، لا تكمن القوة في الأجهزة، بل في البيانات التي تجمعها، والطريقة التي يتم بها استخدامها لخدمة الإنسان، لا للسيطرة عليه.
وعليه، فإن نجاح إنترنت الأشياء لا يعتمد فقط على الابتكار التقني، بل على مدى قدرتنا كمجتمعات على إدارة هذه الثورة الرقمية بوعي، وذكاء، وأخلاقيات راسخة.
***
ايمان دواس