قراءات نقدية

نجاة الزباير: احتراق الشاعر بين.. قوافي المجاز

لا أحد يكتب القصيدة من دم الضوء..

ولا ينثر المجاز حين يكون ممتلئًا بالعافية.

إلى قارئ لا أعرفه

يستلقي الشاعر فوق البياض حائراً بين اضطرابه وقرّائه، كأنّه يُسائل الصمتَ، هل يكتبُ خوفَه، أم يعتلي صهوة الريح وبيده مفردات نحيلة تتدثر بالبلاغة؟

تتراشق الكلمات في ذهنه كسهام تخطيء أهدافها، فتتعثّر أحلامه بحبرٍ لا يجف، فكلّ جملةٍ مرآةٌ تفضحُ ما توارى خلف قناع اللغة...

فهذا البياض لا يرحم، لأن عيونا خفية تحدق فيه كأنها تنتظر اعترافاً ما، لكن؛ لا شيء في قلبه سوى نزيفٌ مؤجل، كلّما لامسَ المعنى انكسر. فينام على وسادة الأسئلة، ويخاطب الأرصفة التي علمته الانتظار، وكأن سطوره تمتد من جرحه حتى السماء.

هو لا يكتب ليُطَمْئِنَ أحداً على ضلوعه المحطمة بين الأوزان، بل ليُقنعَ نفسه أنّه لا يزال حياً. وأن الكلمات التي تخرج مذبوحة من لوعته، ليست سوى محاولة فاشلة للبكاء...

يمدّ إصبعه إلى السطر مثل محارب يسقط صريعا وهو يحاول أن يمسك بعروق الغمام، فيرتجف الورق بين يديه كجسدٍ عارٍ في حضرة الحقيقة، فأيّ خيانة هذه التي تجعله يكتب ليهرب، ثمّ يسقط في الفخّ ذاته آلاف المرات؟!

يا قارئي الذي لا أعرف

تولد القصائد حين يصرخ النَّدى من المناطق المُظلمة، ولما يضيق القلبُ على نبضه، و حين تصبح الذكرى خنجرًا لا يفهَمُ إلا الورق.

فالألمُ... هو اليدُ التي تُمسك بالقلم حين ترتجف الأنامل كأوراق الخريف ..

وهو تلك اللحظة التي يتمزق فيها شيء داخلك ، فتبحث عن أي لغة لتُنقذك...

لغة تعانق الجرح وتخرجك سالما من العاصفة.

ولولا الألم، لما بكى البحر في القصائد، فسافرت بين أمواجه سفن الشعراء كي تصطاد دمعه، ولا احترقت المدن في السطور وهي تنتظر الشتاء الطويل كي تنبت أزهار الحرف، وما تهنا بين ألف معنى كي نجد مفتاح الفرح في عالم يغرق في الأحزان.

فيا قارئي الذي لا أعرف

إن الشاعر لا يصطفي الحزن، لكن الحزن يختاره ليكون رسولًا يحمل عشبة الحياة كما الأساطير، ويمشي في الأرض مثقوب القلب، لا ظل له غير ذاكرته، وحين يتعب؛ يركب عربة الليل لعله يلتقي بالغرباء مثله، ليترك أثرًا من نورٍ على الورق.

اسأل شاعرًا حقيقيًا:

كم مرة مات ليكتب بيتًا في الهواء؟

كم ليلة بات فيها يُناجي اللاشيء وينثر الحنين؟

كم خسر؟ ،وكم ندم؟، وكم بكى وهو يصوغ مفردةً واحدة ؟

ستُدرك أن الألم ليس لعنةً تُطل من عيون الحزانى، بل بابٌ سريّ للشعر نحو بهْوٍ خفي يؤدي إلى الخلود.

وحين يضع النهاية لقصيدة ما، يكون قد تعب من كل الشرفات التي يطارد من خلالها السراب، وانهار بين الجمل التي انسكب فيها دمُه مثل المصابيح؛ لكن لا أحد استطاع قراءتها وفهْمها كما يريد.

وحين يتلاشى، لا يبكيه أحد، لكن؛ تبكيه النقطة الأخيرة، وكأن الشعر لا يولد إلا من الرماد.

***

نجاة الزباير

23/06/2025

 

في المثقف اليوم