قراءات نقدية

سهيل الزهاوي: مواويل عشق للشاعرة كريمة الحسيني

دراسة نقدية في تكوين الحب وأبعاد الحنين

شهدت الكتابة الأدبية النسائية عبر العصور تحولًا بارزًا، حيث تجاوزت مرحلة الإقصاء والصمت لتصبح أداة فعّالة تعبّر من خلالها النساء عن رؤاهن وتجاربهن المتعلقة بالقضايا الاجتماعية والسياسية. ومع ذلك لا تزال العديد من الكاتبات، وخاصة في الدول النامية، يواجهن تحديات تعوق مساعيهن لتحقيق التغيير الذي ينشدنه.

تعد الشاعرة التونسية كريمة الحسيني واحدة من أبرز الأمثلة على الكاتبات اللواتي نجحن في إثبات وجودهن ضمن الساحة الإبداعية العربية المعاصرة. إذ تميّزت بحس فني مرهف يجمع بين العاطفة العميقة والوعي الجمالي الراقي، إلى جانب رسالتها الإنسانية الواضحة. ولقبت بـ"شاعرة السلام"، حيث نسجت في كتاباتها عالمًا زاخرًا بحب الوطن، وجمال الطبيعة، ورومانسية الوجود، فكانت رسائلها الأدبية انعكاسًا لقيم إنسانية سامية مستوحاة من جذور أصيلة تعبّر عن روح الإيثار والتفاني.

في ظل واقع معقد مليء بالتحديات والتحولات، اعتمدت الحسيني تنوعًا فنيًا في أسلوبها الشعري، مما أكسب إبداعاتها عمقًا وشمولية تتماشى مع تطلعات العصر. تميّزت أعمالها بالتكثيف الجمالي الذي يجمع بين الحلم والتأمل، متنقلة بسلاسة بين الغزل الرقيق والمعالجة العميقة للهموم الوطنية. كتاباتها تنبض بمشاعر صادقة تجاه وطن يعاني من أزمات متشابكة، لكنها تجد في الحب طاقة دافعة توجّه حروفها نحو التجدد والانفتاح. كل هذا يعتمد على أسلوب لغوي رقيق وإيقاعات متناغمة، تحمل في طياتها عفوية وصدقًا يصلان مباشرة إلى وجدان القارئ. وإيقاعات متناغمة، تحمل في طياتها عفوية وصدقًا يصلان مباشرة إلى وجدان القارئ..

تُعدّ قصيدتها "مواويل عشق" تجسيدًا فنيًا نموذجيًا لهذا المزج بين الذات والكون، وبين العاطفة والفكرة، حيث تقف أمام نصّ شعري يفيض برهافة شعورية تنصهر فيها الحواس مع الذاكرة، ويتحوّل فيه الحب من مجرد تجربة فردية إلى حالة تأملية شمولية. تميز هذا النص بعمق روحي ورمزي يشعر القارئ بتجربة حب فريدة، يتمازج فيها الحنين بالتفاؤل، ويحمل بعدًا صوفيًا يعكس صورة عشق مليئة بالحياة والدفء على الرغم من متانة الزمن وسيطرة الظروف. الحب هنا عفوي وغير مصطنع، لا يمكن تجاهله أو إيقافه حتى في ظل صعوبة الحياة، ولا يحده الزمن.

ينطلق النص من عنوان يوحي بجماليات الغناء الشعبي وخصوصيته الثقافية – "مواويل" – التي تتميز بإيقاعاتها الداخلية المفعمة بالشجن العاطفي العميق. يشكل هذا العنوان العتبة النصية الأولى التي تفتح أفقًا واسعًا لتفسيرات متنوعة. فالمواويل ليست مجرد ألوان غنائية عاطفية، بل فضاء للتعبير عن الحنين والألم بصيغة تلقائية تخاطب الوجدان الجماعي وتعكس التراث الشفهي الحي. أما كلمة "عشق"، فهي مفردة تتجاوز مفهوم الحب السطحي لتلامس مناطق أعمق من الانغماس الكلي والارتباط الروحي، وبذلك فإن اقتران الكلمتين في العنوان يمنح النص بعدًا وجدانيًا وإنسانيًا شاملًا، ينسجم مع الجو العام للقصيدة ويهيّئ القارئ لرحلة في عمق الذات المحبة والطبيعة الملهمة.

***

سهيل الزهاوي

.........................

مواويل عشق للشاعرة: كريمة الحسيني - تونس

أنا لا أرتب الشوق

تقودني مشاعري إليك

كلما اشتد البرد

تأخذني الذكرى

لأنمو بين أناملك

أزهارا برية

ومواويل عشق

وعناقيد عنب لم يدركها الخريف

لنذوب سويا

حبة حبة

قطرة قطرة

دون أن نعير اهتماما للزمن

إن كان سيمنحنا بعض الوقت

لنرسم للحب خاتمة جديدة

وفصولا سعيدة

بلا برد ولا حرب

ولا أعاصير.  

*** 

..............................

ترجمة القصيدة الى النرويجية سهيل الزهاوي

Oversatt av Suhail Al-Zahawi

Kjærlighetsviser

av Khairema Al-Husseini – Tunisia                                                                 

Jeg styrer ikke lengselen

Følelsene mine fører meg til deg

Når kulden tar til

bærer minnene meg

og jeg spirer mellom fingrene dine

som ville blomster

og kjærlighetsviser

og drueklaser urørt av høsten

La oss smelte sammen

korn for korn

dråpe for dråpe

uten å bry oss om tiden

om den bare gir oss et øyeblikk

til å skrive en ny slutt for kjærligheten

og lykkelige årstider

uten kulde

uten krig

uten stormer

في المثقف اليوم