قراءات نقدية

كريم عبد الله: قراءة نقدية تحليلية في قصيدة صفعة موجعة للشاعرة جميلة مزرعاني

صفعة موجعة

هل سبق أن تذوّقت صفعة موجعة من كفوف الهوى على وجنات القلب؟ أكنتَ تدرك حينها أن الحبّ هو القاتل بسياط الهجر وسهام الغدر؟ أما هالك سيول عبراتك النّازفة أمام رهبة الكوابيس تؤرّق أجفان الغفوة في ليل دامس بأفكار النّوارس السّود والغربان المشؤومة وهي تقنص اللّحظات السعيدة لقلبك الذي أصابته صعقة الرحيل كتيّار كهربائي، وأنت ما كنت تدري أنّها تشيّع انتظار وتينك على شاطئ المفاجآت المذهلة فتبقيه كحقل نضر مزهر طالته نيران حريق مباغت أتت عليه فاستحال يبابًا على مرمى مشاعرك المكتنزة بالصّدق والوفاء فإذا هي تزأر زئير أسد في غابة موحشة مقفرة تنزف الوجع على ستائر الليل البهيم؟. أكان يخطر ببالك ذاك الخافق الغرّيد الغارق في أتون الإخلاص يتدحرج في مستنقع غدره يحتسي كأس الخيبة المريرة؟ وفي ضفة أخرى متنصّل يخلع عباءة هواك العابر.وتلك الفراشات التي اختمرت برحيق العشق كيف غزاها سلطان الأفول ينقش على أجنحتها الذّهبيّة نقطًا سودًا تنذر بالنهايات الوخيمة لجرعة حبّ قاطعّ وبلسم فاقد الصّلاحيّة؟.
جميلة مزرعاني - لبنان / الجنوب - ريحانة العرب.
...................
القراءة النقدية:
قصيدة /صفعة موجعة/ للشاعرة اللبنانية جميلة مزرعاني هي نص شعري يعكس تجربة عاطفية مؤلمة ومعقدة، مشحونة بالصور البلاغية الغنية التي تتنقل بين الألم والخذلان والحزن العميق. القصيدة تشتمل على تساؤلات ومخاطبات موجعة، ويصوّر النص العاطفة كأداة قوية للدمار، حيث يتحول الحب في النهاية إلى شعور قاتل يُخلف الخيبة والمرارة.
1. الأسلوب اللغوي والبلاغي
الشاعرة تعتمد على لغة بلاغية غنية ومثيرة، محملة بالصور المكثفة التي تدفع القارئ إلى استكشاف أعماق التجربة العاطفية. تتنوع أساليب الشاعرة بين الاستفهام الإنكاري والتشبيه والاستعارة، مما يخلق لغة شعرية تتسم بالثراء والتكثيف.
الاستفهام الإنكاري: الشاعرة تبدأ القصيدة بأسئلة تعبيرية، مثل /هل سبق أن تذوّقت صفعة موجعة من كفوف الهوى على وجنات القلب؟/، وهي أسئلة ليس المقصود منها الحصول على إجابات، بل طرح المشاعر بطريقة تثير القارئ وتدفعه للتأمل في تجربته الخاصة مع الحب.
الاستعارة والتشبيه: الشاعرة تستخدم العديد من الاستعارات والتشبيهات، مثل /الحبّ هو القاتل بسياط الهجر وسهام الغدر/، حيث تقوم بتشبيه الحب بالسلاح القاتل الذي يضرب بالقسوة ويخلف الألم. كما تقول /فاستحال يبابًا على مرمى مشاعرك المكتنزة بالصّدق والوفاء/، لتصور تحول المشاعر النبيلة إلى يأس وجفاف نتيجة الخيانة.
التضاد: التناقضات بين الحب والموت، الوفاء والخيانة، الأمل والخذلان، تظهر بوضوح في القصيدة وتخلق تأثيرًا قويًا على القارئ. يظهر ذلك في الجملة /أنت ما كنت تدري أنّها تشيّع انتظار وتينك على شاطئ المفاجآت المذهلة/، حيث يتناقض الانتظار بسلامته مع المفاجآت المدمرة.
2. الرمزية في القصيدة
القصيدة مليئة بالرموز التي تضفي على النص عمقًا وجدليًا يتطلب التأمل. الرمزية تساهم في التعبير عن الوجع العاطفي بشكل مكثف وغير مباشر.
الهوى والحب كقاتل: الشاعرة تبدأ قصيدتها بمقارنة الحب بالقاتل، وهو استعارة قوية ومؤلمة تعكس فكرة أن الحب، رغم كونه مصدرًا للسعادة، يمكن أن يتحول إلى أداة للدمار. كلمة "سياط الهجر" تضيف طابعًا عنيفًا لهذه الصورة، حيث يصبح الفقد نفسه عقابًا.
الطبيعة كمرآة للوجع: تكثر الصور الرمزية المستوحاة من الطبيعة مثل /النوارس السّود والغربان المشؤومة/، /حقل نضر مزهر طالته نيران حريق مباغت/، و/الفراشات التي اختمرت برحيق العشق/، وهي رموز تشير إلى الجمال الذي تفسده الخيانة والألم. الغربان والنوارس السود هي طيور ترتبط عادة بالموت أو الشؤم، وهي تضيف طابعًا مظلمًا على القصيدة.
النهاية والموت: يتم استخدام الرمزية في صورة /الفراشات/ التي تدور حول الفقد والموت العاطفي، حيث كان يُتوقع للفراشات أن تظل رموزًا للجمال والبراءة، ولكنها تلوثت الآن بـ/نقاط سوداء/ كأنها قد فقدت القدرة على الطيران في سماء الحب.
3. التجربة النفسية والتفاعلات العاطفية
الشاعرة تسلط الضوء على التجربة النفسية العميقة التي يخوضها الفرد عندما يواجه خيانة عاطفية أو فراغًا داخليًا ناتجًا عن فشل الحب. في القصيدة، لا تقتصر العاطفة على مجرد الخيبة أو الألم، بل تتداخل فيها حالة من الصراع النفسي، حيث يجد الشخص نفسه في صراع داخلي مع مشاعره بين الإخلاص والخيانة.
المفاجآت المذهلة: الشاعرة تستخدم هذه العبارة لتصور صدمة الخيانة التي تأتي بشكل مفاجئ وغير متوقع، وهو ما يترك الشخص في حالة من الذهول، في الوقت الذي كان ينتظر فيه شيئًا آخر.
الصراع الداخلي: في عبارة /هل كان يخطر ببالك ذاك الخافق الغرّيد الغارق في أتون الإخلاص/، نلاحظ أن الشاعرة توضح الصراع الداخلي بين الوفاء والإخلاص من جهة، والغدر والخيانة من جهة أخرى، مما يبرز حجم الألم الناتج عن هذا الصراع.
4. الصور العاطفية ومظاهر الحزن
القصيدة تحتوي على العديد من الصور التي تكثف شعور الحزن والفقد. الشاعرة لا تقتصر على وصف الألم بشكل مباشر، بل تلجأ إلى تصويره باستخدام صور مؤلمة، مثل /تدحرج في مستنقع غدره/ أو /كتيّار كهربائي/، لتؤكد على فداحة الخيانة التي تشبه الصدمة الكهربائية التي تجرد الشخص من مشاعره وتدفعه إلى حالة من الارتباك والحيرة.
5. الختام: الحزن كمفهوم مركزي في القصيدة
القصيدة تدور حول مفهوم الحزن العميق الذي يأتي من الخيانة والخذلان في الحب. الشاعرة تخلق مسارًا سرديًا عاطفيًا يعكس التحولات النفسية التي يمر بها الإنسان عند تعرضه لمواقف مؤلمة في حياته العاطفية. الحزن هنا ليس مجرد عاطفة سطحية، بل هو تجربة مركبة تحمل في طياتها صورًا دلالية عميقة تكشف عن تصدعات داخل النفس الإنسانية.
خلاصة
قصيدة /صفعة موجعة/ هي نص شعري غني بالصور الرمزية والبلاغية التي تلامس أعماق المشاعر الإنسانية وتكشف عن تحولات مؤلمة في تجربة الحب. الشاعرة جميلة مزرعاني تنقل للقارئ صورة حية لتجربة عاطفية مليئة بالصراع الداخلي، الألم، والخيانة. هذه القصيدة لا تقتصر على التعبير عن الحزن بل تعكس رؤية نفسية معقدة للإنسان في مواجهة خيبة الأمل العاطفي.
***
بقلم: كريم عبد الله – العراق

في المثقف اليوم