قراءات نقدية

عباس محمد عمارة: استخدام الكلمات العامية في الهايكو

تُعد اللهجات والكلمات العامية جزءًا أصيلًا من الهوية الثقافية للمجتمعات، حيث تنبع من الحياة اليومية وتعكس طبيعة التواصل الإنساني في أبسط صوره. أما الهايكو، فهو شكل شعري يعتمد على البساطة والتكثيف والتقاط اللحظات العابرة، ما يجعله ميدانًا خصبًا للتجريب اللغوي والتعبير بأساليب جديدة ومبتكرة ومنها استخدام الكلمات العامية.

في هذا السياق، يلجأ بعض شعراء الهايكو إلى إدخال الكلمات العامية ضمن نصوصهم، إما لإضفاء طابع محلي على النص، أو لتعزيز الإحساس بالمشهدية والآنية ، أو حتى لكسر الرتابة التي قد تفرضها الفصحى في بعض السياقات. لكن هذا الاستخدام يطرح أسئلة جوهرية حول تأثيره على جمالية النص، ومدى تقبله خاصة في ظل التحديات التي يفرضها من حيث الترجمة والتلقي.

أسباب استخدام الكلمات العامية في الهايكو

يختار بعض شعراء الهايكو إدخال المفردات العامية في نصوصهم لعدة أسباب، منها:

1-القرب من الواقع والمصداقية

العامية لغة الحياة اليومية، واستخدامها في الهايكو يجعل المشهد أكثر صدقًا وحيوية، مما يعزز تفاعل القارئ مع النص. فهي تحمل روح العفوية والتلقائية التي تتناسب مع طبيعة الهايكو الذي يلتقط لحظات عابرة بدون تكلف.

2- التعبير عن الهوية الثقافية والمحلية

تعكس الكلمات العامية ملامح المجتمع وثقافته وتقاليده، ما يجعل الهايكو وسيلة لحفظ اللهجات المحلية وتوثيقها داخل الأدب. فإدخال العامية يضفي على النص طابعًا محليًا يميز كل شاعر عن الآخر ويخلق ارتباطًا بين النص والبيئة التي نشأ فيها.

3- كسر القوالب التقليدية والتجديد اللغوي

لطالما كان الأدب مجالًا للتجريب والتطوير، واستخدام العامية في الهايكو يعد شكلًا من أشكال كسر القواعد اللغوية الجامدة، وفتح المجال لأساليب جديدة أكثر مرونة وحيوية.

4- إضفاء بصمة خاصة وتميّز الأسلوب

لكل شاعر طريقته الفريدة في تشكيل لغته الشعرية، وعندما يستخدم العامية بذكاء، فإنه يمنح نصوصه طابعًا مميزًا يختلف عن غيره من الشعراء، مما يجعل أسلوبه أكثر تفرّدًا.

5- إيصال رسائل مشفرة ورمزية

في بعض الحالات، تحمل الكلمات العامية دلالات اجتماعية أو سياسية لا يمكن للفصحى التعبير عنها بنفس العمق. قد تكون هذه الدلالات مرتبطة بالصراع الاجتماعي والثقافي والسياسي بين الأفراد والجماعات، أو أنها تعكس جدلية العلاقة بين المركز والهامش، أو بين الريف والمدينة، أو بين الأنا والآخر…إلخ.

6- مرونة اللغة أمام التحولات المجتمعية

اللغة العامية متغيرة باستمرار، حيث تتأثر بالمتغيرات الاجتماعية والتكنولوجية، مما يجعل استخدامها في الهايكو وسيلة للتعبير عن التحولات اللغوية في المجتمع. بعض المفردات العامية تندمج تدريجيًا في اللغة الفصحى، وهذا يخلق ديناميكية لغوية تُغني الشعر وتعكس تطور اللغة مع الزمن.

7- إضفاء تأثير صوتي وإيقاعي خاص

بعض المفردات العامية تمتاز بإيقاع مميز يجعل وقعها على الأذن أكثر جاذبية من نظيراتها الفصحى وبالتالي تكون أكثر استجابة وقبولا من المتلقي.

التحديات والمعوقات

رغم المزايا التي يمنحها استخدام العامية في الهايكو، إلا أن هناك تحديات لا يمكن إغفالها، ومنها:

1-التواصل الثقافي المحدود

يمكن أن تؤدي العامية إلى حصر فهم النصوص في بيئة معينة، مما قد يقلل من فرص تفاعل الجمهور الأوسع مع الهايكو، خاصة أن أحد أبرز سمات هذا الشعر هو عالميته وقدرته على تجاوز الحدود الثقافية.

2- صعوبة الترجمة وفقدان بعض الدلالات

لا يمكن ترجمة بعض المفردات العامية دون فقدان جزء من دلالاتها الأصلية، إذ إن بعض التعابير تحمل إيحاءات أو معانٍ ضمنية لا يوجد لها مقابل مباشر في اللغات الأخرى.

3- احتمالية فقدان البعد الجمالي والبساطة

قد يؤدي الاستخدام المفرط أو العشوائي للعامية إلى إضعاف بنية الهايكو، خاصة إذا لم تكن المفردات المختارة دقيقة أو منسجمة مع روح النص .

4- عدم استقرار بعض المفردات العامية

تتغير المفردات العامية مع الزمن، فبعض الكلمات التي تُستخدم اليوم قد تصبح غير مفهومة بعد فترة، مما يؤثر على استمرارية النصوص ويجعلها مرتبطة بزمن معين .

خاتمة

يُعد استخدام العامية في الهايكو خيارًا إبداعيًا يمنح النصوص طابعًا أكثر حيوية وارتباطًا بالواقع، لكنه يتطلب وعيًا دقيقًا بطبيعة المفردات المستخدمة وسياقها. فعندما تُستخدم العامية بذكاء واعتدال بما يخدم الصور الشعرية يمكن أن تضيف بُعدًا جديدًا للنص ومع ذلك، فإن الإفراط فيها أو استخدامها بشكل غير مدروس قد يؤدي إلى تقليل تأثير النص وقابليته للفهم خارج نطاقه المحلي.

***

عباس محمد عمارة

في المثقف اليوم