قراءات نقدية
بتول احمد سليم: الفكر العربيّ الإسلاميّ مؤثراً فاعلاً في "الديوان الشرقي"

للشاعر الألماني غوته
عاش الشاعر الألماني يوهان فولفغانغ غوته أكثر من ثمانين عاماً بين منتصف القرن الثامن عشر. ونهاية الثلث الأول من القرن التاسع عشر، وهي سنوات حفلت بتحولات كبيرة في نواحي الحياة المختلفة، وشهدت حركات أدبية، وفنية، وفكرية نشيطة متتالية.
لم يكن غوته شاعراً وأديبا فحسب ؛ بل كان شديد الشغف بجوانب المعرفة كلها فله إسهامات في الفلسفة، والتاريخ، والعلوم التطبيقية، ونراه يتعلم طائفة من اللغات، ويترجم، وينشئ جسوراً بين بلدان العالم، ويتصور أدباً عالميا كالنهر الكبير تنساب فيه روافد من كل صوب، ويفتن بالشرق، وبالشرق الإسلامي خاصة، فيطالع ترجمات القرآن الكريم ومختارات وافية من الأدب العربي والفارسي ويؤلف بين الشرق والغرب في كثير من أعماله، لاسيما (الديوان الشرقي) الذي أكمله سنة ١٨١٩، ويظهر غوته إعجابه الصادق بالأدب الجاهلي وما تحويه المعلقات من قيم أخلاقية ويتكلم بإعجاب عن أبيات مختلفة لبعض الشعراء الذين وصفوا البيئة الحية وماحولها من سهل وجبل، وماء، وسماء، واهتم ايضاً بقصص الحب العربية، اذا يدور هذا الديوان حول موضوع الحب فذكر جميل بثينة وقال :-
فأنت تجعل منها أجمل المخلوقات، كما قرأنا مراراً عن جميل بثينة
ويحاول غوته أن يتخذ له اسم الشاعر العربي (حاتم الطائي) الذي اشتهر بكرمه. ومن الشعراء العرب الذين يتمنى أن يكون مثله هو (المتنبي) فقيول:- بل أود أن أكون الفردوسي أو المتنبي.
ومما انعكس في الديوان الشرقي: مجموعة من الأمثال العربية التي استقاها من المصادر الشرقية، ونجد أسماء المدن تردد صداها في ديوانه مثل (بغداد التي لا يراها بعيدة عن المحبين) فيقول:
وإذا جاءت ورقة بين الحين والحين تحمل تحية فلا تنزعج
لكن هل بغداد بعيدة كل هذا البعد؟ ألا تريد إذن أن تسمع إلي بعد؟
وذكر الخليج العربي وهامَ في أشعاره، فوقف على الفرات والبحر الأحمر ومر بدمشق.
ويندر أن نجد رجلا غريباً يتكلم بحماسة ومحبة عن النبي محمد صلى اللّٰه عليه وسلم. وأن القرآن يجب أن يعد قانونا إلهياً، لا كتاباً إنسانياً كُتب من أجل التعلم. والإسلام هو والتقوى شيء واحد، فيقول:
إذا كان الإسلام معناه التسليم للّه، فعلى الإسلام نحيا ونموت جميعاً. ويصور النبي عليه الصلاة والسلام بعد موقعة بدر وقد وقف تحت سماء صافية مرصعة بالنجوم يؤبن الشهداء فيقول :
ليبكِ الكفار موتاهم فقد ماتوا الى غير رجعة، أما انتم معشر المؤمنين فلا تبكوا إخواننا ؛لأنهم صعدوا إلى اعلى عليين في جنات النعيم. ويذكر ليلة القدر المقدسة وينبغي أن نحتفل فيها.
وتسحر فكرة الحور العين غوته، فيصوغ حواراً بينه وبين إحدى الحوريات التي سألته (أين جراحك التي تنبئ عن أفعالك المجيدة؟)
ويرى أن مجمل مضامين القرآن الكريم تلخصها الآيات السبع الأولى من سورة البقرة.
ثم يطلب من اللّه العون والهداية بقوله:- (...ولكنك تعرف أيها الرب كيف تهديني سواء السبيل) وهذا صدى لقوله تعالى:- (اهدنا الصراط المستقيم..)
ويتكلم عن النساء الصالحات اللواتي يدخلن الجنة فيذكر منهن (وزوجة محمد - صلى اللّه عليه وآله وسلم - التي هيأت له النجاح والمجد)
ثم فاطمة (عليها السلام) الابنة ذات الروح الطاهرة الملائكية. ويستخرج من القرآن الكريم كنوز التعاليم الاخلاقية فيذكرها قائلاً:
وأول التحية ذو قيمة سنية.- فبادل التحية من يبدأ التحية.
***
م.د. بتول احمد سليم
كلية اللغات/جامعة بغداد