قراءات نقدية

كريم عبد الله: قراءة نقدية أسلوبية في قصيدة "بهجة الروح" لسونيا عبد اللطيف

الأسلوب والصورة الشعرية:

القصيدة تتسم بأسلوب سردي تأملي، حيث تشترك الشاعرة في رحلة بحث عن الذات وسط الظلام والفراغ. الصور الشعرية التي تستخدمها الشاعرة، مثل:

ظلّي يرافقني في ظلمة الطريق

و/ ثلج ديسمبر يكسو الأرض والأشجار

تقدم أجواء حالمة تنبض بالتأمل الذاتي. تزاوج الصورة بين الواقع والخيال في مفردات مثل

الطريق مقفرة وقلبي عامر بالعشق

تبرز الازدواجية بين الظلمة الداخلية والنور الخارجي، مما يُضفي عمقًا شعريًا على النص.

الرمزية:

هناك استخدام واضح للرمزية في القصيدة، حيث يُرمز للظلام بالجهل والخوف، بينما النور يمثل الأمل والتحرر. الرمزية تتجسد في النّجوم تتهافتُ نحوي لترشدني

وهو تعبير عن التوجيه أو الإلهام في لحظات الشك، بالإضافة إلى/

الجرذان تصاب بالهلع

التي تمثل الخوف أو المواقف المزعجة التي يتجنبها الشاعر.

التكرار والدلالات العاطفية:

التكرار في

أمشي، أمشي، أمشي

يعكس شعورًا بالتحرر والرغبة في الهروب من القيود الداخلية والخارجية. هذا التكرار يبني الإحساس بالحركة المستمرة والرغبة في الفرار من الحالة النفسية المتراكمة. كما أن تكرار عبارة

أنا سعيدة

يظهر التناقض بين الغربة الظاهرة والسعادة الداخلية، ما يعزز التوتر العاطفي بين الوجود الشخصي والشعور بالوحدة.

اللغة والمفردات:

مفردات القصيدة غنية بالصور الذاتية مثل

أهمس للقطط

و/الصّراصير

وهي مفردات يومية تدور في فلك الخيال، مما يُضفي على النص طابعًا سحريًا غير تقليدي. اللغة تتنقل بين الملموس واللاملموس، بين مشاهد الطبيعة والوجدان الداخلي، ما يجعلها مليئة بالتناقضات التي تؤثر في القارئ بشكل عاطفي.

البنية والإيقاع:

القصيدة تتبع بنية حرة بدون تقيّد بالقافية أو الوزن التقليدي، مما يتيح حرية في التعبير عن المشاعر والأفكار. هذه البنية المفتوحة تتناغم مع الموضوعات المتنقلة بين الواقع والخيال. الإيقاع يتنوع بين الهدوء والحركة السريعة، مما يعكس التناقضات الداخلية في الذات بين الشعور بالفراغ والرغبة في الانطلاق.

الخلاصة:

قصيدة /بهجة الروح/ لسونيا عبد اللطيف تمزج بين الخيال والواقع، بين السكون والحركة، لتعبّر عن حالة من التفكك الداخلي والتجدد الشخصي. الصور الرمزية والتكرار يعززان من عمق النص، بينما اللغة والموضوعات تخلق جسرًا بين المشاعر الفردية وتفاصيل الحياة اليومية، ما يُضفي على القصيدة طابعًا شعريًا مليئًا بالصور المتناقضة التي تحفز القارئ على التأمل والتساؤل.

***

بقلم: كريم عبدالله - العراق

.........................

بهجة الروح

سأخرج لأتسكّع قليلا هذه الليلة، مللتُ البقاء في السّرير، والمكوث بين جدران الوقت، النّومَ ودّع أحداقي، لذا سأمشي وأحمل معي ظلّي، ليرافقني في ظلمة الطّريق، ويحميني من عيون اللّيل الحالكة، هو لا يُرى في السّواد، لكنْه يَرى.

في هذه الليلة الدّامسة، وفي هذه الآونة، وجدتُ ضالّتي في التّسكّع، الذي لم يتوقّف لحظة عن مُناداتي، سأخرج إذنْ، سأوشوش للصّراصير لكيْ تخفّضَ من أصواتها قليلا حتى لا تزعجَ صغار العصافير النّائمة تحت أجنحة الحلمِ، وأهمسُ للقطط المتسلْلة في الأزقّة بين الشّرايين أن تخفض من حدّة بريق أعينها حتى لا يفزعَ البرقُ فيتخلّى عن لمعانه، وس. أمشي، أمشي، أمشي التّسكّع فعلا يُغريني، وبرغم شعوري بالغربة، أنا سعيدة، فالجرذان تصاب بالهلع حين تشاهد اللّيل يُغازلني، وتصاب بالغيرة حين ترى النّجوم تتهافتُ نحوي لترشدني،..

الطّريق مقفرة وقلبي عامر بالعشق ومأمون. فكيف أخشى الظّلام وثلج ديسمبر يكسو الأرض والأشجار، فيغدو الفضاء من أمامي أبيض، أبيض تحيطه هالة من النور، أو كأسراب حمام تحمل أغصان الزّيتون.

المشهد مثير. ترفعني الأنواء إلى سدرة الأنس حيث يستقبلني ديسمبر بدفئه الوثير.

من أين يأتيني هذا الشعور؟

من بهجة الرّوح أم من سطوة الغرور؟

***

سونيا عبد اللطيف

تونس 14/ 12/ 2024

 

في المثقف اليوم