قراءات نقدية
إيلين شيفجيك: حرائق الغابات في اليونان تخيم على أحدث روايات كريستي ليفتري

بقلم: إيلين شيفجيك
ترجمة: صالح الرزوق
***
تقول كريستي ليفتري عبر تطبيق زوم من غرفة نومها في منزلها، وموقعه شمال لندن: "أحيانًا ينتابني إرهاق شديد لدرجة أنني أشعر وكأنني على وشك الانهيار". فقد انفصلت مؤخرًا عن والد ابنتها إيفي، البالغة من العمر 20 شهرًا، وحاليا تحرص على تربيتها ولو بمفردها. في الغرفة طاولة بجانب السرير، تكومت عليها كتب الأطفال، وهي مادة أساسية في قراءات الأم التي دخلت حديثا عالم الأمومة. عدا أنها تريد أن تحبب إيفي بسحر ومتعة القصص بنفس الوقت الذي تكتب فيه قصصها.
"أن أكون بمفردي معظم الوقت مسألة صعبة جدا، لكنني أعشق هذه الحالة. أن أكون أما وكاتبة معا. وأحيانا أصبح متعاطفة ومهووسة نوعا ما بما أكتب. وإذا لم يغمرني هذا الشعور لا أستطيع عمليا أن أكتب".
ليفتري، ابنة لاجئين قبرصيين، تكتب روايات دافئة تتناول بها قضايا عالمية كالحرب والهجرة وأزمة اللاجئين، وتكتشف من خلالها محنة البشرية. وقد بيعت أكثر من مليوني نسخة حول العالم من كتبها الثلاثة السابقة (بما فيها "نحال حلب" الحائزة على جائزة أسبن وورد الأدبية لعام 2020، والتي تتناول حكاية عائلة من اللاجئين خلال الحرب الأهلية السورية، ورواية "الطيور المغردة" التي تتناول بها قصة مدبرات المنزل المهاجرات والعاملات في قبرص)، وترجمت إلى 35 لغة، وفقا لوكالة ماريان غان أوكونور الأدبية والتي تهتم أيضا بشؤون السينما والتلفزيون.
تتناول رواية ليفتري الجديدة، "كتاب النار"، الصادرة لأول مرة في آب عام 2023 عن دار بونييه، موضوع تغير المناخ، وتتابع قصة عائلة يونانية معاصرة - معلمة الموسيقى إيريني؛ وزوجها الرسام تاسو؛ وابنتهما شارا - الذين يعيشون في قرية ضمن غابة قديمة، فقد انقلبت حياتهم رأسا على عقب عندما نشب حريق دمر الغابة والقرية. يلقي القرويون اللوم على مقاول أشعل الحريق أثناء تنظيف الأرض لبناء فندق، لكنه لم يكن المذنب الوحيد، فقد أدت درجات الحرارة المرتفعة لفترات طويلة من الجفاف وحولت الغابة إلى برميل بارود.
تتعامل الكاتبة مع هذه المواقف وتلوم أحد الأشخاص دون أن تنسى وجود أمر أكبر يحدث؟ تتساءل ليفتري: "كيف يجب أن نواجه الأزمات والصدمة الناجمة عنها؟"
شاهدت لفتيري لأول مرة في اليونان عام 2017 حريق غابات لا يمكن التحكم به، وحينها كانت متطوعة في مركز للاجئين في أثينا لإغاثة النساء والأطفال النازحين خلال الحرب الأهلية السورية. تقول عن ذلك: "استيقظت في أحد الأيام صباحا لأجد السماء مليئة بالدخان. كان هناك حريق في بلدة قريبة. وظل الموضوع يطاردني".
قررت ليفتري تأليف "كتاب النار" عام 2021، بعد أن دمر حريق كبير آخر غابة قديمة في جزيرة إيفيا اليونانية، وأودى بحياة أكثر من مئة شخص، وترك آخرين بلا مأوى وأصابهم بالحروق. سافرت إلى اليونان وأمضت هناك ستة أسابيع، وكانت حاملا وفي شهرها الثالث، لتجمع المعلومات من أجل الرواية.
وشمل ذلك زيارة بلدة ماتي، موقع حريق مميت آخر، وقع في عام 2018، حيث أجرت حوارات مع السكان المحليين الذين ما زالوا يعانون من الصدمة، والذين لم يعترف العديد منهم بمسؤولية تغير المناخ.
تقول ليفتري: "أرهقتني إقامتي هناك كثيرا. وفكرت بالرحيل، وانتابني الذعر مما سمعت. في كل مرة أكتب فيها رواية، أشعر بالذنب، لأنني أعود إلى دياري، وأترك المخيم وأنام في بيتي. ينتابني هذا الشعور دائما ويجعلني أخاف من ظروف الحياة. ومع أنني قوية جدا، لكن عندما أكون وحدي، أشعر بضعف أركان الحياة وهشاشتها. وأتأثر بهذا الشعور. وأجد صعوبة في استعادة توازني، لكنني أتذكر حينها ما يعاني منه الآخرون."
ليفتيري تعيش حياة خاصة منفتحة، ولا تدافع عنها، وتبدي اهتماما أصيلا بسلامة الآخرين، وهذا يرشحها لتكون كاتبة ميدانية مؤثرة مع كثير من التعاطف. تقول ماريان غان أوكونور، وكيلة أعمال ليفتري: "كريستي من أكثر الأشخاص الذين قابلتهم عطفا وعطاء. كما أنها تتمتع بشخصية رقيقة وطباع لطيفة. وتهتم بالعالم وتكتب عنه من قلبها".
ولدت ليفتري عام 1980 في لندن، وكانت طفلة حساسة، تستمتع بالرسم الزيتي وقراءة القصص. استقر والدها في المملكة المتحدة مع أمها، وكان ضابطا في حرب قبرص عام 1974. وتذكر أن منزل طفولتها كان مكانا دافئا، لكن والدها، الذي تقول إنه عانى من اضطراب ما بعد الصدمة ولم يتلق العلاج اللازم، كان عرضة لنوبات من الغضب. وتضيف: " ذلك حتما نتيجة للكتمان فهو لم يتكلم مع أحد عن الصدمة. وأتذكر أنني كنت أسأل نفسي في طفولتي: ما الخطأ الذي ارتكبناه؟ ما زلت أحمل هذا الشعور. أفكر باستمرار أنني اقترفت خطأ. وهكذا تنتقل الصدمة المكبوتة من جيل إلى آخر".
ومع تقدمها في السن، تفرغت ليفتري للكتابة ورأت أنها أداة للتعبير عن الصدمات. وبعد أن عملت لبعض الوقت بصفة محللة نفسية، حصلت عام 2010 على الدكتوراه في الكتابة الإبداعية من جامعة برونيل، وكانت روايتها الأولى "بطيخة وسمكة وإنجيل" عن حرب قبرص، وهي جزء من مشروع أطروحتها.
تقول ليفتري، التي تلجأ شخصياتها غالبا إلى الفن للتغلب على مشاكلهم: "الكتابة تلامس قلبي حقا. أعتقد أننا أحيانا نضطر إلى الخوض في آلامنا لنتغلب عليها".
تقدّر آن سبيير، محررة ليفتري، إمكانيات الكاتبة في إيصال مواضيع مهمة للقارئ بسهولة. وتقول: "كريستي بارعة في تناول الأخبار وتحويلها إلى موضوع شخصي. فهي تساعدك على أن تشعر فعليا بمعاناة شخصياتها. وهذا هو سر القصة الناجحة، ويتوفر ذلك في كل كتبها".
مشروع ليفتري القادم عن كرة القدم النسائية الأوروبية، وستدور الأحداث خلال الحرب العالمية الأولى وفي الوقت الحاضر، وستتابع حياة عدة نساء عبر عدة أجيال. تقول ليفتري عن هذا الموضوع: "في روايتي رواسب من معاناتي مع مع والد ابنتي بعد الولادة. فقد غادرت ذلك المكان وكأنني فقدت استقلاليتي، وكأن كل شيء سقط فوقي. سيتناول هذا الكتاب أحلام النساء، ومدى ما وصلنا إليه، وهل وصلنا إلى ما كنا نخطط له".
مع حلول المساء، تسمع ليفتري صوتا في الطابق السفلي، فتنظر إلى الساعة. المربية على وشك أن تنصرف، ولذلك حان وقت مرافقة ابنتها. قد يذهبان في نزهة مع كلبهما ألفي. (ليفتري، عاشقة للحيوانات، ومهووسة بها تماما). وتأمل أن تعلم روايتها "كتاب النار" الناس كيف يهتمون بالتعامل مع كوكب الأرض وكل كائن حي يعيش عليه. وتقول: "نحن نشعر بالحزن لخسارتنا بيئتنا، وكثيرا ما لا ندرك أن هذا مؤلم ويسبب هذا الحزن". وتضيف: "إذا فقدنا عالمنا، فلن يبقى منا شيء. ربما يحفز هذا الكتاب الناس على التمهل والتأمل. فعندما ندرك ما يحصل حقا، يمكن أن نبدل قراراتنا".
***
....................................
إيلين شيفجيك Elaine Szewczyk كاتبة بولونية من مواليد كراكوف. صدرت روايتها: "أنا والغبي" عن هاشيت في المملكة المتحدة عام 2008. تكتب في الفاينشيل تايمز، وشيكاغو تريبيون، وكيركوس ريفيو وغيرها.
ظهرت نسخة من هذه المقالة في Publisher Weekly بتاريخ 10/02/2023.
الترجمة مع الاستعانة ببرنامج الذكاء الصناعي