قراءات نقدية
كريم عبد الله: بين العيون والنصوص.. رحلة التكوّن في قبلة القدر
قراءة تحليلية في نصّ: قبلكَ – للشاعرة نسرين عيسى محمد – سوريا.
هذا العنوان يسلط الضوء على التوتر العاطفي والتجربة الإنسانية التي تعيشها الشاعرة بين العيون (رمز للحب والمصير) والنصوص (رمز للكتابة والتعبير). كما يعكس رحلة التشكيل والتحوّل التي يخوضها الشخص في هذه القصيدة، من حالة التشتت إلى التماسك بفضل الحضور المُلهم للشخص الآخر.
المقدمة:
في قصيدتها /قبلكَ/ تلامس الشاعرة نسرين عيسى محمد عمق التجربة الإنسانية المعقدة، حيث تجمع بين الأبعاد العاطفية والفكرية في إطار من الشِعر الذي يتسم بالصدق والإحساس العميق. القصيدة، كما يظهر من عنوانها، تفتح لنا نافذة على التكوين النفسي والفكري للشاعرة، مبلورةً رحلةً تبدأ من لحظة الفقد والوحدة إلى لحظة التجدّد والتكامل بعد اللقاء بالشخص الآخر، الذي يمثل الفتح والتحول في عالمها الداخلي.
التمهيد الفني والنفسي:
تبدأ القصيدة بتصوير رمزَي القوة والضعف: /حصن/ و/عيون/. الشاعرة تشير إلى /حصنها/ الذي لم يتمكن أحد من اختراقه، حتى /جاءت عيناك/ لتكون /قدراً/ جديداً في حياتها. هذا التحول الجذري في رؤيتها للعالم يوحي بأن اللقاء بالآخر ليس مجرد حدث عابر بل هو نقطة تحول فاصلة في مسار حياتها، حيث أصبح هذا اللقاء بمثابة الاستنارة التي انتشلتها من /جهالتها/.
العينان كمصدر للقدرة والتحول:
من خلال تصوير العيون كمفتاح لتحرر الشاعرة، تقيم الشاعرة علاقة روحية بين العينين التي هي نافذة الروح، وبين الكلمة التي هي تمثيل للفكر والمشاعر. إذ ترى الشاعرة في عيني الحبيب /قدراً/ يسحبها من عزلتها لتتعلم وتعيد تشكيل نفسها في عالمه. / تتلمذ / هنا ليست مجرد تعبير عن الفهم المعرفي، بل أيضاً استعارة لتطور وتغير النفس.
القصيدة والتكوين الفكري:
/ازرعني بين سطورك لأكون نبراسَ قصائدك/ – في هذه الصورة الشعرية، نجد أن الشاعرة لا تقتصر على كونها موضوعاً للحب أو الإلهام، بل تطمح أن تكون جزءاً لا يتجزأ من العمل الفني للآخر. هذا الاندماج الروحي والعقلي بين الشاعرة و/الآخر/ في القصيدة يعكس رغبتها في أن تصبح شريكةً في إبداعه وتكوينه.
/فقبلكَ قصائدٌ ما روتني/ – هنا تعبير عن البحث الذي يسبق اللقاء، عن النصوص التي لم تقدم لها العزاء أو الفهم الكافي لحياتها. وبمجرد أن يظهر الآخر، تصبح الكلمات التي يطلقها دافعاً لتغيير رؤيتها لذاتِها.
الحلم والانتظار:
يتحول /الحلم/ إلى عنصر أساسي في القصيدة، حيث أن الشاعرة تستمر في شرب /الحلم/ على أمل أن يكون الشخص الآخر بجانبها. /كم من الحلم سأحتسي لتكون بجانبي؟!/ سؤال يحمل بين طياته اليأس والأمل معاً، ويكشف عن البعد المتناقض للعلاقة؛ فهناك التوق المستمر لملاقاة الحبيب، وفي الوقت نفسه، تعبير عن حجم المعاناة التي يسببها الانتظار.
الاحتواء والتكامل:
إن اللحظة التي تنتظرها الشاعرة هي لحظة تكامل بين الذات والآخر: /تعال... ضمّدْ وحدتكَ بوحدتي/. في هذه الكلمات، تصبح الوحدة التي كانت تعيشها الشاعرة جزءاً من الكيان المشترك الذي يبني مع الحبيب. اللقاء ليس مجرد شغف أو حب، بل هو حاجة نفسية وجودية للاتحاد والتكامل، لملء الفراغ الداخلي الذي تعيشه الشاعرة.
النهاية: العودة إلى الذات عبر الآخر:
/امنحني بعض الوقت لأستعيد توازني، أرتّب بعضي المتناثر وأحتويك بكل جوارحي/ – تنتهي القصيدة بتعبير عن ضرورة الوقت لإعادة بناء الذات. الشاعرة هنا تضع نفسها أمام الآخر، ليس فقط ككائن ضعيف منتظر، بل ككائن قوي يطلب أن يُمنح الوقت لاستعادة توازنه النفسي والمعنوي. هي في حاجة إلى إعادة ترتيب ذاتها، ولكن هذه العملية لا تكتمل إلا بحضور الآخر، الذي يمنحها القدرة على التماسك مرة أخرى.
الختام:
في قصيدة /قبلكَ/ تلتقط نسرين عيسى محمد اللحظات الفاصلة بين الفقد والوجد، بين الهدم والبناء، في علاقة عميقة وشاملة مع الآخر. القصيدة تتسم بالصدق العاطفي والنضج الفكري، وتعكس تطور الوعي الشخصي عبر العبور من العزلة إلى الاتحاد والتكامل. الشاعرة لا تجد في الحبيب مجرد مصدر للسعادة أو الإلهام، بل هو الرفيق الذي يمنحها الأدوات لإعادة بناء نفسها وتكاملها.
***
بقلم: د. كريم عبد الله – العراق
...................
قبلكَ......
بقلم: نسرين عيسى محمد
***
ما استطاعَ رجلٌ
أن يحتلَّ حُصني..
حتى جاءت عيناكَ
فكانت قدري..
انتشلني من جهالتي
لأتتلمذَ في محرابكَ
ازرعني بين سطوركَ
لأكون نبراسَ قصائدكَ
فقبلكَ قصائدٌ ما روتني..
ومعكَ
بعضُ عباراتٍ أثملتني..
كم من الحلمِ سأحتسي
لتكون بجانبي..!
تعال.......
ضمّدْ وحدتكَ بوحدتي..
فأنت نشأةُ ولادتي..
بدايةُ تكويني..
وامتدادُ حاضري..
امنحني بعضَ الوقتِ
لأستعيدَ توازني..
أرتِّبَ بعضي المتناثرَ
وأحتويكَ
بكلِّ جوارحي...
***