قراءات نقدية
نايف عبوش: الشاعر فواز الحمفيش.. ظاهرة شعرية إبداعية متوهجة
لا ريب ان الشاعر الفحل فواز الحمفيش، طاقة إبداعية مدهشة، وموهبة فطرية متوهجة، تثير الإعجاب حقا، بما وهبه الله تعالى من مؤهلات الفطنة، وسرعة البديهة، التي تجسدت بومضة التفاعل الإبداعي في اللحظة، التي يمكن تلمسها عنده في سياق نظمه قصائده، باعتبارها تعبيرا شاعريا مرهفا، عن وجدانيات ذاته المتوهجة العاطفة، بكل تفاعلاتها الإنسانية، والزمانية، والمكانية، الشجية منها، والسارة.. اذ يلاحظ أن سمة الوجع تطغى على قصائده، باعتبارها انعكاسا صادقا لمعاناته الذاتية، ولتجليات ظروف النشأة، والحنان إلى الديار والأهل، وألربع، حتى إن توالي الأيام قد أصبح عنده سيان، حيث يقول:
يا هـــذهُ الأيْـــامُ حَسْـبُكِ أنَّـني
سَـيَّـانَ عِنْـدُيَ مُـقْـبِـلٌ و مُـوَدِّعُ..
وهكذا إذن بات فواز الحمفيش لامباليا بتوالي تداعيات الليالي.. فلم يعد يهتم بقدوم جديدها.. ولا يأبه لرحيل حاضرها.. غير أسف على ماضيها.. فقد غدت الليالي عنده بحلوها ومرها.. كلها أخوات.. فلله دره من شاعر فحل.. تعجز المفردات عن وصف جمال إبداع قريضه المدهش.. الموغل في بلاغة التوظيف الموجع للمفردة.. ولو قيض لنا ان نمتلك قدرة ذلك الذي عنده علم من الكتاب.. لعدنا به إلى عصر المعلقات.. كي يعيد لنا ترتيب تسلسل أصحابها من جديد..
واذا ما تم غض النظر عن عطائه في ابداعه المتواصل في نظم الشعر، حيث يفاجئ قراءه كل يوم بجديد.. فإن إبداعه في انتقاء المفردة الأكثر دلالة في التعبير عن مراده منها لأوجاعه.. وقدرته على توظيفها ببلاغة مدهشة في قصائده، تجعل منه شاعرا متميزا.. وناظما بليغا، يتجاوز بموهبته وبلاغته وفصاحته، كل المتداول من الألقاب التي قد تخطر على البال، لتعطيه حقه في الوصف، بما يعبر عن مكانته الحقيقية بين الشعراء الكبار.. ولعل أقرب لقب يمكن إطلاقه عليه بما يقترب من وصفه حاله، معاناة وإبداعا واشجانا.. هو (شاعر الوجع والرثاء الموجع).. ليكون بهكذا وصف.. سليلا طبيعيا، وبكل جدارة للخنساء، ايقونة شاعرة الحزن المعروفة.
وجاءت مجموعته الشعرية الجديدة (ضجيج الصمت)، بطبعتها الأولى للعام٢٠٢٤ الصادرة عن مطبعة نركال بالموصل، والتي تتكون من (١٣٤) صفحة، وتضم (ستين) قصيدة.. بتقديم تفصيلي رائع، من قبل الكاتب اللبناني القدير، الأستاذ عمر شبلي، الذي قال عنه في خاتمة التقديم بان (الشاعر فواز الحمفيش يمتلك صياغة مقتدرة لصيقة بالتراث والقرآن وهذا صانه وحفظه من الانهيارات الثقافية التي تهيمن على كثير من النتاج الشعري الذي تقرأه اليوم)، لتكون إضافة نوعية لتجربته الشعرية الإبداعية الزاخرة.
واذا ما أبحر القارئ في قراءة قصائده العصماء، فلا شك أنه سيجد نفسه لاشعوريا، منشدا لها بحماس، وإعجاب لا يكاد يوصف، لبلاغة مضامينها، وشاعريتها الجياشة الحس الصادق، في نظمها، حيث يلاحظ ميل الشاعر الى التركيز على استخدام المفردة التوجدية في نظمه، بكل تجلياتها المفعمة بكل معاني الحب، والشوق، والصدق، والتي قد تأتي انعكاسا صادقا لفيض حفظه القرآن الكريم، بكل ما تحمله نصوصه من البلاغة، والفصاحة، والمعاني الروحية، والايمانية العميقة، إضافة إلى تداعيات معاناته الذاتية على نظمه، وبالتالي فليس من الغريب أن نلحظ ان تناغمه الوجداني، مع حسه القرآني، قد تمظهر بوضوح في اغلب نصوص قصائده، حيث نجده على سبيل المثال يقول في مقدمة مجموعته:
ان الصلاة على الحبيب محمد
فرض عليك مسافرا ومقيما
*
إذ قال جل الله في عليائه
صلوا عليه و سلموا تسليما
ولعل من الجدير بالذكر، الإشارة الى ان الشاعر الكبير فواز الحمفيش، كان رغم ضغط كل التحديات والمعاناة، قد نجح في أن يجسد ذاته الموجعة، في تجربة شعرية إبداعية متميزة، جديرة بالتناول، والدراسة، والإهتمام.
ومن هنا ندرك كيف جاءت نتاجاته الإبداعية.. نظما وكتابة وتأليفا.. وليدة معاناة مرة.. ليأتي عطاؤه مغمسا بتداعيات تلك التجربة القاسية.. ومعطرا بنفحات الموهبة المتوهجة في نفس الوقت.. ليلامس حس الملتقي، بصدق التعبير، وعفوية العاطفة الجياشة، وليكون بهذا النمط الخاص من النظم، ظاهرة شعرية ابداعية فريدة، تؤهله للاصطفاف بجدارة مع أعلام الصفوة من شعراء العصر.
ولا يفوتني في ختام هذا المقال، من إن أسجل شكري وتقديري وامتناني الخالص، للزميل العزيز الشاعر الكبير فواز الحمفيش، على مبادرته الكريمة، في أهدائي نسخة من مجموعته الشعرية الجديدة ( ضجيج الصمت ) ضحى هذا اليوم الخميس المصادف ٨ / ٨ / ٢٠٢٤، لتبقى بين كتبي، معزوفة صمت، تشدني للتناغم معها بالمطالعة، كلما رنت نغمتها في خاطري.
***
نايف عبوش