قضايا

بتول فاروق: من فقه "الحكم" الى فقه الإنسان..

  في مدونة الأحوال الشخصية التي سميت بالجعفرية والتي كتبت على عجالة منقطعة النظير، والتي أقرت في مجلس النواب العراقي في ٢٧/ ٨ / ٢٠٢٥، والتي عدها البعض نصرا للشيعة بعد ستين سنه من الاختطاف الفقهي في الأحوال الشخصية، نجد أنها قد استنسخت الأحكام الفقهية من كتب الرسائل العملية ووضعتها في مدونة لم تُقرأ مطلقا قبل التصويت عليها، فهم افترضوا مادام المرجع " الأعلى" هو من دونها في كتبه، أو بضعة مراجع قدماء كتبوها، فهي أذن صالحة لكل زمان ومكان ولأي فرد من الأفراد، ولأن التعديل للقانون ١٨٨ لسنة ١٩٥٩ وجلب مدونة فقهية،كان بأيادي قانونيين، فهم ربما لم يدركوا الفرق بين الحكم الشرعي الذي هو ظني وبين الحكم القانوني الوضعي الذي يراعي دستور الدولة المقر مجتمعيا عبر انتخابات رسمية موثقة.

الحكم الفقهي موجه للفرد المتدين الذي يريد تطبيق دينه كما يرى هو موضوعه بحسب مدرسته الفقهية، وهوحكم مرن ومتغير، أن تحويل الفتاوى الى قوانين يعني تقديس الاجتهاد البشري وتثبيته، واعتبار رأي الفقيه حكما وضعيا عاما مع أنه حكم ظني بطبيعته يفيد النجاة الأخروية، فهو لم يخصص لبناء عالم إنساني يراعي مصالح البشر الدنيوية بقدر إعطاء المعذرية الأخروية، والنجاة يوم القيامة وإبراء الذمة، هذه الذمة التي شُغلت بالتكليف منذ البلوغ الشرعي.

وهذا يدعونا الى الانتقال من فقه الضبط والتقييد الى فقه المعنى والمصلحة الإنسانية، فالشريعة جاءت لحفظ مصالح الإنسان في دينه وعقله وماله وكرامته، لكن الأحكام حين تتحول الى منظومة إلزام شكلي، تغيب الغاية الأخلاقية للنص،ويتقدم الشكل على المضمون والمعنى، وتمتهن كرامة الإنسان وحريته باسم حماية الحكم الشرعي، وتصادر إنسانية الفرد لصالح فتوى ظنية،ونصل الى نتيجة : فقه بلا روح، وقانون بلا عدالة.

إن الإنتقال الى فقه الإنسان يعني اجتهاد متجدد ينطلق من قيم شرعية قرآنية كبرى كالعدل والكرامة والمساواة، والحق والحرية والفردانية وعدم اتباع الآباء والأجداد وحفظ النظام، وأن يكون الاجتهاد في إطار سياقي يرعي سياقات العصر الحالي وماتجدد فيه من ظهور لذات المرأة واعتبارها ذاتا إنسانية فاعلة في الحياة،أي المطلوب التحول الى فقه يلتفت الى إيجاد ومعرفة المصالح ومراعاة مقاصد وغايات الشريعة التي من أجلها جاءت الشريعة.

أن تحويل الفقه التقليدي إلى قانون هو تحويل للمعرفة الدينية إلى سلطة قسرية تهمل الإنسان.

أن الفتوى متغيرة تبعا لظروف الزمان والمكان، أما القانون فيفترض فيه الثبات النسبي، لذا نقل النص الفقهي الى نص قانوني دستوري يعني إهدار مرونة الشريعة وتعطيل آلية الاجتهاد التي هي روح الفقه.

وهنا يظهر سؤال هل تشريع القوانين هو لحماية العقيدة أم سنَّ ليحمي الإنسان؟ فأن غاب الإنسان في أفق الشريعة أو القانون فلن يبقى لهما من معنى!..

***

د. بتول فاروق الحسون

في المثقف اليوم