قضايا
علاء اللامي: سن البلوغ وتزويج الفتاة بين المرجعين السيستاني والحيدري!
كنت وما أزل أنتقد وأرفض بحدة أي تدخل لرجال الدين والمراجع المذهبيين في الشأن العام، وفي شؤون إدارة وبناء الدولة والمجتمع لأن ذلك ليس تخصصهم بل تخصص الساسة والخبراء، من دون أن يعني ذلك حرمان رجال الدين من حقهم كمواطنين - وليس كزعماء ورموز في مجتمع متنوع ومنقسم طائفيا ومذهبيا وعرقيا- في التعبير عن آرائهم وقناعاتهم السياسية ومشاركتهم، وأكرر؛ كأفراد ومواطنين في العمل السياسي.
وقد كان للمرجع الشيعي علي السيستاني دور مؤثر وسلبي جدا من وجهة نظري في الوضع السياسي في العراق، سواء للتعامل مع الاحتلال والمحتلين الأميركيين سنة 2003 واعتبارهم ضيوفا كما نقل عنه المقربون منه، أو في إقامة نظام الحكم المحاصصاتي الجديد وكتابة الدستور المكوناتي الجديد، أو في دعم هذا النظام وتسويقه للمواطنين وإنقاذه من أزماته ...إلخ.
ولكني اليوم أرى فائدة قصوى من ترويج بعض فتاوى المرجع السيستاني بخصوص مواضيع محددة كتزويج الصغيرات القاصرات والزواج المؤقت والتجارة بالمخدرات. وكنت قد ذكرتُ في مناسبة سابقة أن هناك فتوى للمرجع تحدد سن البلوغ للبنت في التاسعة هلالية (أي ثماني سنوات وثمانية أشهر ميلادية). ولكني علمت مؤخرا أن المرجع السيستاني كان قد تحفظ على زواج الصغيرة وعلى الزواج المؤقت "زواج المتعة" وقال إن هذا النوع من الزيجات الذي كان موجودا في مجتمعاتنا قديما "انحسر في عصرنا" ولهذا حذف جانبا من فتاويه بهذا الخصوص من طبعات كتابه، وأدان الممارسات اللاأخلاقية تحت هذه العناوين من قبل بعض رجال الدين ينسبون أنفسهم إليه وطالب بردع المتاجرة بالجنس وتسجيل عقود شفهية مع فتيات دون السن القانوني.
معلوم أن هناك الكثيرين ممن يحاولون التلطي خلف المرجع السيستاني لتمرير هذا التعديل، ومن أبرزهم الشيخ رشيد الحسيني الذي هدد وتوعد وشتم بأقذع الألفاظ مَن يرفضون تعديل قانون الأحوال الشخصية وشكك بوطنيتهم وأخلاقهم رجالا ونساء. إن هذا السيد - وهو بالمناسبة ليس وكيلا للسيستاني أو ناطقا باسمه كما قال هو شخصيا – يرى أن البنت القاصر هي التي لم تبلغ بعد، ويكون عمرها كما قال أقل من عشر سنوات، أما من هي في سن العشر سنوات فما فوق فليست قاصر/ الرابط 1. أي أن الفرق بينه وبين المرجع السيستاني هو سنة هلالية واحدة. أي أن الحسيني هنا يخالف الفتوى القديمة للسيستاني التي تقول إن سن البلوغ هو تسع سنوات هلالية أي ثماني سنوات وثمانية أشهر ميلادية.
ولكن المرجع السيستاني كان قد تحفظ على تزويج الصغيرات ولم يدرجه في الطبعات اللاحقة من كتابه كما قال في رد مكتبه على البرنامج الوثائقي الذي بثته قناة (بي بي سي) البريطانية حيث ورد حرفيا: "كان زواج الصغار ـــ أي زواج غير البالغة من غير البالغ ـــ أمراً متداولاً في العديد من المجتمعات الشرقية الى وقت قريب، ومن هنا تضمنت الرسالة الفتوائية في طبعاتها السابقة بعض أحكامه، ولكن لوحظ انحساره في الزمن الراهن فتمّ حذف جانب منه من الطبعات الأخيرة".
ويبدو أن المقصود هنا بـ "الزواج المنحسر مجتمعيا" هو تزويج الطفلة التي يكون عمرها أقل من تسع سنوات أي التي لم تبلغ بعد. ويبقى المطلوب أن ترتقي الفتوى السيستانية إلى التحفظ الواضح الذي عبر عنه بعض المراجع السُّنة العرب العراقيين كالشيخ عبد الستار عبد الجبار إمام جامع أبي حنيفة النعمان والقائل إنَّ "تلك الزيجات - وإنْ كان قد ورد ذكرها في عهد النبوة في سن التاسعة - فهي تخضع للعُرف في تلك الفترات، وهو ما لا ينطبق بالضرورة على وقتنا الحاضر". وينبغي المضي بهذه الفكرة إلى الأمام بشجاعة وتحويل هذا الكلام المتردد إلى دعوة صريحة لإبطال هذه التحديدات لسن الزواج لمن هُنَّ دون الثامنة عشرة وهو متوسط العمر العالمي لغالبية الدول الإسلامية وغير الإسلامية للإناث في عصرنا.
إن المطلوب وطنيا وإنسانيا هو تكريس الاحتكام إلى ما ورد في قانون الأحوال الشخصية 188 العراقي والدفاع عنه والدعوة لتطويره باتجاه تقدمي وعلى يد المتخصصين وليس تعديله باتجاه مذهبي وطائفي واستبداله بمدونات شيعية وأخرى سنية وثالثة مسيحية، واحترام السن المقرر للبلوغ وهو الثامنة عشرة مع منح القاضي حق بعض الاستثناءات المعللة حتى سن 15 فقط للفتيات ومنع زواج مَنْ هُنَّ دون ذلك السن.
* قصة البي بي سي: في شهر تشرين الأول من سنة 2019 كان قناة بي بي سي البريطانية قد بثت تحقيقا استقصائيا /الرابط 2. ووجهت القناة ثلاثة أسئلة إلى مكتب المرجع السيستاني ندرجها أدناه مع الأجوبة عليها:
السؤال الأول: "لدينا تسجيل مصور يثبت أن اثنين من رجال الدين في العراق ممن يصفون أنفسهم بأنهم من أتباع آية الله العظمى السيد السيستاني يخالفان القانون العراقي بتوفير او الاستعداد لتوفير نساء من أجل زواج المتعة وهما يتقاضيان مالاً لقاء هذه (الخدمة) التي تعد متاجرة بالجنس".
وكانت إجابته عليه: إن هذه الممارسات إن كان لها واقع كما ذكرتم فهي مدانة ومستنكرة بكل تأكيد، ومن هو من أتباع المرجعية الدينية حقاً لا يقوم بها، والزواج المؤقت الذي يجوز في مذهب الامامية ـــ وكذلك ما يشبهه من الزواج الدائم المبني على اسقاط الحقوق الزوجية عدا حق المضاجعة ــ لا يسوغ أن يتخذ وسيلة للمتاجرة بالجنس بالطريقة المذكورة التي تمتهن كرامة المرأة وانسانيتها، ولا يتبعها الا ضعاف النفوس الذين لا يتورعون عن استغلال الدين وسيلة للوصول الى اهدافهم غير المشروعة.
السؤال الثاني هو:" 2 ـ لدينا تسجيلات مصورة لرجال دين يقدمون نصائح دينية تفيد شرعية عقد زيجات مع أطفال دون السن القانوني في العراق وهو 15 عاماً. بعض رجال الدين هؤلاء يشيرون الى فتيات صغيرات جداً، كما أنهم يحددون الممارسات الجنسية التي يقولون إنها شرعية"
وأجاب عليه مكتب السيد المرجع بقوله: " هذا مدان أيضاً، ويجري عليه ما تقدم في أعلاه. ونؤكد على ضرورة أن تلاحق السلطات المعنية من يظهر في زيّ رجال الدين ويمارس هذه الافعال ويروّج لممارسات لها تبعات بالغة السوء على المجتمع وموقع الدين في نفوس الناس. ومن هنا يتعين على السلطات المعنية اتخاذ الإجراءات القانونية الرادعة عن هذه التصرفات المشينة أينما كانت".
السؤال الثالث للقناة يقول: "كتب سماحته في طبعات سابقة من (منهاج الصالحين) أنه لا بأس بما دون الوطء من الاستمتاعات الجنسية من الزوجة غير البالغة. نحن ندرك بأن هذه النصيحة لم تتضمنها الطبعة الأخيرة المتوفرة".
وقد أجاب السيد المرجع بقوله: "كان زواج الصغار ـــ أي زواج غير البالغة من غير البالغ ـــ أمراً متداولاً في العديد من المجتمعات الشرقية الى وقت قريب، ومن هنا تضمنت الرسالة الفتوائية في طبعاتها السابقة بعض أحكامه، ولكن لوحظ انحساره في الزمن الراهن فتمّ حذف جانب منه من الطبعات الأخيرة".
*فتاوى ضد المخدرات والمتاجرين بها: وفي السياق، ومما يحمد للمرجع السيستاني أنه نشر فتوى مهمة حرَّم فيها المخدرات حتى الخفيفة منها كالتنباك كما حرَّم المتاجرة بها وحتى نقلها ومقاطعة من يقوم بذلك، ولكنه أجاز استعمالها لأغراض طبية بأمر المختصين / الرابط 3.
لقد صدرت هذه الفتوى ونشرت قبل خمس سنوات ولكنها كما يبدو لم تنشر وحدث تعتيم إعلامي عليها من قبل الفاسدين والمشتغلين عندهم، ولم يتكلم عنها وكلاء المرجع وخطباء الجمعة ومن حقنا أن نتساءل لماذا هذا التعتيم على هذا الموضوع وبذل الجهود والاحتدام من أجل تعديل "تدمير" قانون الأحوال الشخصية؟
*من جانبه المرجع المحاصَر كمال الحيدري: سن البلوغ الجنسي للفتاة بين 12 و13 عام، ولكن سن الزواج وبناء الأسرة قد لا يكون ممكنا حتى في السابعة عشرة وهناك فقهاء معروفون يجيزون تزويج الطفلة الرضيعة ذات السنتين!
المرجع كمال الحيدري يكشف جميع الأسرار
منذ عدة أشهر، يخضع المرجع العراقي المقيم في مدينة قُم الإيرانية كمال الحيدري للإقامة الإجبارية في منزله. وهو مُقاطَع من قبل الإعلام وممنوع من التواصل وسبق للإعلام الرسمي العراقي أن منع عرض برنامج حواري معه يدعى "المراجعة" قبل ثلاث سنوات، بل وألغي البرنامج كله من القناة التلفزيونية الرسمية بأوامر وضغوط من جهات دينية نافذة. وقد جوبه الحيدري بسبب آرائه التجديدية الجريئة في الشأن الفقهي والديني عموما بحملة مضادة شرسة من الهجاء والتشنيع وتشويه السمعة والاتهامات الباطلة الظالمة والتي بلغت درجة من الإسفاف إنه أتُهِم فيها بأنه برأ يزيد بن معاوية من قتل الحسين وصحبه كما قال ذلك الشيخ ياسين الموسوي، وإنه ينكر عددا من ثوابت المذهب الشيعي الإمامي كعصمة الأئمة وظهور الإمام المهدي وتشبيه نفسه بالإمام علي بن أبي طالب. وهذه كلها اتهامات باطلة رد عليها الحيدري وفندها بأسلوبه التوثيقي واحدة واحدة. وشرح بعضها وخصوصاً عدم معصومية الأئمة بالرجوع إلى القرآن حيث لم تثبت عنده.
ومن باب التعريف بآراء مراجع إسلاميين مجددين وتنويريين سأعرض في هذا المنشور بعض آراء المرجع الحيدري في مسألة سن تزويج الفتاة الذي حدده بعض فقهاء المذهب الجعفري بتسع سنوات أو عشر سنوات هلالية ومسائل أخرى من مشمولاتها. أدرج أدناه خلاصات مما ورد في حديث السيد الحيدري مع الإشارة إلى أنني لا أتبنى العنوان المكتوب مع هذا الفيديو وقد استعضت عنه بعنوان آخر:
* يبدأ الفيديو بلقطات للسيد رشيد الحسني أبرز المدافعين عن تزويج الفتيات في سن العاشرة، محاولاً تمييع موقفه بالتفريق بين مشروعية هذا التزويج "الجائز شرعا" كما يقول، وبين صعوبة أو استحالة تطبيق هذا السن عمليا في عصرنا حيث إنَّ نسبة من يوافقون من الآباء على تزويج بناتهم في العاشرة – كما يعترف هو نفسه - قد تصل إلى صفر بالمائة أو واحد بالمائة.
* ويقول الحيدري: إنَّ بعض المراجع يجيزون زواج الطفلة في السادسة من العمر، بل وإنَّ علماء المسلمين جميعا، سنة وشيعة، يُسمح عندهم "بالدخول في الزوجة" في عمر ما بعد التسعة، أما الزواج - من دون الدخول - فمسموح حتى بالرضيعة. وهذا يعني - بيني وبين الله - أن الزوج يأخذ زوجته الطفلة ذات السنتين من العمر مثلا ويلعب بها لعباً جنسياً وهو عمره ثلاثين سنة. بينكم وما بين الله أي شخص يسمع عن مثل هذه الفتاوى ماذا سيقول عن هذا الدين؟ وهذه في فتاوى المعاصرين وليس القدماء! / الدقيقة 1 و40 ثا.
*وعن وجود هذا النوع من الفتيا في كتبه هو يقول الحيدري إنه كتبها كمادة فقهية لتأكيد أن هذه الفتاوى ليست هي الفقه القرآني. وأوردها في زمن هادئ –وليس في حال القيامة قائمة كما هي الآن -.
* وفي ندوة أخرى يقول السيد الحيدري أن الثابت القرآني لا يقول بالبلوغ فقط بل بالأهلية لإدارة الأسرة وهو أن نستأنس منهم رشدا فالآية تقول: " حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ". والرشد هو الأهلية العقلية والتصرف الرشيد ولها الأولوية على المال والبلوغ لأن الهدف من النكاح هو بناء الأسرة.
* يؤكد الحيدري أن سن البلوغ هو سن التكاليف لأنها متعددة وليس تكليفا واحدا ولكل تكليف ظروفه. ويقول إنَّ الموجود عندنا في فقهنا الشيعي يقول، إذا بلغت الأنثى، ترتب على بلوغها كل شيء، وهذا غير صحيح، ولم يقم أي دليل على هذا.
* ويضيف: ولم يثبت عندي أن البلوغ في العبادات في سن التاسعة أبدا أبدا. وهناك نصوص فقهية تؤكد أن لا صوم إلا بعد أن تأتيها العادة الشهرية وهي تأتي بين 12 و13 من عمر الفتاة". أما سن الزواج فلا يكون في هذه السن بل ربما في سن السادسة عشرة أو السابعة عشرة ولا تستطيع الزواج وإدارة أسرة وتربية أطفال بسبب تعقد الحياة المعاصرة وصعوبتها ومن لا يلتفت إلى هذه العوامل فلينتظر تصاعدا في نسب الطلاق الكبيرة كما هي الحال في العراق وإيران ودول إسلامية أخرى.
***
علاء اللامي
.........................
*روابط للتوثيق:
1-الرابط الأول: السيد رشيد الحسيني: البنت القاصر هي التي لم تبلغ بعد ويكون عمرها أقل من عشر سنوات
https://www.youtube.com/watch?v=5dXKntUJK_g
2-أسئلة مراسلة بي بي سي إلى المرجع السيستاني حول بعض الممارسات وأجوبتها
https://www.bbc.com/arabic/middleeast-50053215
3- رابط: المرجع السيستاني يحرم المخدرات والمتاجرة بها ونقلها ويعتبر الأموال الناتجة عنها أمول سحت حرام:
https://www.sistani.org/arabic/qa/0712/
4- رابط فيديو أحاديث المرجع كمال الحيدري حول سن البلوغ والنكاح:
https://www.youtube.com/watch?v=pXuXodZXVfM