قضايا

حاتم حميد محسن: الرعب الكوني والاصول الفلسفية للخيال العلمي

كم هو مخيف الصمت الأبدي لهذا الفضاء اللامتناهي. نحن نعيش الآن في كون مؤلف من بلايين المجرات. وفي أغلب الاحيان، نحن نادرا ما نفكر في هذا الأمر، نواصل حياتنا كما فعل الناس في الماضي. مع ذلك، ربما فكّر أحد منا في ضخامة الكون عندما زار القبة السماوية، او عندما شاهد فيلما وثائقيا، او حتى عندما نظر في ليلة ما الى ضوء اصطناعي قوي جدا لدرجة شعر بالدوار. تلك التجربة هي رعب كوني، إحساس يجعلك تشعر في وقت واحد بكل من الضحالة وبالارتباط في كُل هائل . حالما ندرك ضخامة الكون المترامي الاطراف، واننا بقعة صغيرة جدا فيه، سنحتاج الى تغيير طريقة التفكير بأنفسنا. نحن نحتاج ان نجد معنى وأهمية في كوننا نقطة صغيرة في هذا الكون. وكما سنجادل هنا، ان الخيال العلمي يساعدنا للتوافق مع هذا الرعب الكوني، كما يبيّن ذلك تاريخ الفلسفة. الخيال العلمي كشكل أدبي نشأ أصلاً في التأمل الفلسفي حول الكون ومكاننا فيه.

شهدت القرون الماضية توسعا مطردا في رؤيتنا للكون. من القرن الثامن عشر حتى العشرينات من القرن الماضي، كان العلماء يناقشون ما اذا كانت مجرة درب التبانة هي المجرة الوحيدة ام ان السُدم البعيدة التي لمحوها بالتليسكوبات هي ايضا مجرات تحتوي كل واحدة منها على ملايين النجوم. الفيلسوف كانط كان مؤيدا للنظرية الأخيرة في عمله عام 1755(التاريخ الطبيعي الكوني ونظرية السماوات)، وفي عمله نقد العقل المحض عام 1781 كتب كانط: "هي ليست مجرد فكرة وانما عقيدة قوية اراهن على صحتها واستفيد منها كثيرا في الحياة بان هناك ايضا سكان لعوالم اخرى".

قبل القرن السادس عشر، كان شائعا النظر الى العالم ككرة كثيفة مدمجة من كرات متداخلة بدقة. هناك القمر حول الارض، الكواكب والنجوم تدور في رقصة بطيئة ومهيبة، كل واحد منها ارتبط بمجاله البلوري الخاص به. النجوم تضيء السماء في الليل من مواقعها الثابتة كالجواهر الثمينة لكنها في النهاية جواهر طيّعة. مركزية الارض هذه، المتجسدة بكتاب المجسطي لبطليموس سمحت للقدماء بتوضيح نطاق واسع من الظواهر الفلكية. وكما لاحظ كوبرنيكوس في (حول الثورة في الأفلاك السماوية، 1543)، ان علماء المسلمين في القرون الوسطى مثل محمد بن جابر البتاني و ابو اسحق البطروجي وابن رشد وجدوا ثغرات في فقاعة مركزية الارض، ولن يستغرق الامر وقتا طويلا حتى انفجرت تلك الفقاعة.

اما مركزية الشمس فهي تحمل في طياتها بذور كون هائل، بسبب مشكلة حركة النجم. كنظرية للكون، واجهت مركزية الشمس صعوبة لأنها تنبأت بإختلاف موقع النجم، وهو وهم بصري يبدو فيه الشيء البعيد يتحرك عندما يغير المراقب الموقع. ماذا يوضح الإختلاف في الموقع؟ جادل كوبرنيكوس بان الكون هائل، وان النجوم بعيدة جدا. المؤلفون اللاحقون افترضوا ان كل نجم احتوى على نظامه الشمسي الخاص به، او "عالم". الراهب الدومينكي الايطالي والفيلسوف جيوردانو برونو كان من بين الأوائل الذين أدركوا الدلالات المقلقة لهذه الصورة. عندما اُحرق الراهب على العمود عام 1600، لم يكن ذلك بسبب تبنّيه مركزية الشمس، وانما بسبب الهرطقة. مع ذلك، ادرك برونو الأهمية الفلسفية لمركزية الشمس، متوقعا ان الكون لم يكن هو العالم (نظام شمسي)، وانما الكون كان لامتناهيا، "تلك النجوم المتلألئة والأجسام المضيئة التي تشكل عوالم مأهولة بالسكان ومخلوقات رائعة وآلهة عظيمة. تلك العوالم التي تبدو كذلك، هي عوالم لاتُعد ولا تحصى و لا تختلف كثيرا عن العالم الذي نجد أنفسنا به".

وبينما استطاعت التلسكوبات ان تبيّن ان المشتري له قمر، هي لم تكن قوية بما يكفي لإثبات وجود كواكب خارج النظام الشمسي او حياة فضائية ذكية. الناس الحديثون الأوائل نظروا الى القمر بتوق شديد – انه قريب جدا لكنه لايمكن الوصول اليه. للتعويض عن هذا، هم اخترعوا قصصا خيالية عن الحياة في القمر. الفلكي جوهان كبلر كتب رواية قصيرة بعنوان (حلم) نُشرت بعد وفاته عام 1634، تصف الساحرة الايسلندية فيولنهيلد وابنها دوراكوتوس الذين يزورون القمر وعالمه الغريب من خلال التواصل مع الشياطين. بعد ذلك مباشرة نُشر كتاب (رجل في القمر عام 1638) لفرنسيس غودون و كتاب (ثلاث روايات تدور أحداثها على القمر، 1657) لكيراندو بيرغارس. كيراندو انتبه كثيرا الى الجوانب العملية للوصول للقمر. القاص وايضا اسمه كيراندو يربط بجسمه زجاجات ندى، وبالنهاية ينجح باستخدام نوع من صاروخ فضائي.

مؤلفو القرن الثامن عشر ايضا أطلقوا العنان لخيالهم. فيليبو مورغن، 1783 تصوّر مختلف المشاهد في مجتمع قمري مثل القرع "الفاكهة الكروية ذات الغطاء الصلب المستخدمة كمساكن للحماية من الحيوانات المفترسة". في هذا العالم الغريب الأطوار، فاكهة عملاقة صالحة للسكن. في الفضاء العميق، الحدود الوحيدة هي حدود خيالنا.

على حافة المعرفة العلمية والأسئلة الفلسفية التي تثيرها، يبرز الحافز للخيال العلمي. البشر حاليا زاروا القمر، لكن لغز العوالم البعيدة لايزال كما هو، مثلما وجود الحياة الغريبة. وبينما اعتقد كانط انه من المحتمل جدا وجود زائر فضائي غريب، لكن وجود حياة فضائية يبقى ملتبسا. العلم ايضا يقدم الكثير من الألغاز الاخرى مثل حدود وامكانات الذكاء الصناعي، الهندسة الوراثية، وغيرها. سنراجع الآن بعض الأمثلة عن الأعمال المبكرة التي هي في تقاطع مع الخيال العلمي والفلسفة لكي نبيّن الاصول الفلسفية لهذا النوع الادبي. وكما سنرى، الخيال العلمي هو بطبيعته فلسفي لأنه يتنبأ بحدود معرفتنا العلمية.

من الأعمال الشهيرة المبكرة للخيال العلمي هي كتاب الفرنسي برنارد بوفييه دي فونتينيل، 1686 بعنوان محادثات حول تعددية العوالم . هذا الكتاب صُمم ليغطي خمسة مساءات، كل مساء يصف حوارا بين فيلسوف مجهول الاسم وأحد اللوردات حينما يمضيان نزهة في حديقتها ينظران الى النجوم ويتأملان المضامين الكلية للصورة الفلكية الجديدة للعالم. نقطة البدء في حديثهما هو تأمل من جانب الفيلسوف بان "كل نجم يمكن ان يكون عالما. انا سوف أقسم بصحة هذا، لكني أعتقد بهذا لأن هذا التفكير يسرّني (ص10). اللورد الذي هو ذكي لكنه جاهل كليا في علم الفلك، يلح على الفيلسوف ليقول أكثر وعندما يبدو حذراً يسأل "هل تعتقد اني غير قادر على تذوق المُتع الفكرية؟" وكما يلاحظ الفيلسوف، "كل الفلسفة هي مرتكزة على شيئين فقط : الفضول وسوء البصر، اذا كان لديك بصر قوي انت ترى بشكل جيد جدا سواء كانت النجوم ام لم تكن أنظمة شمسية، واذا كنت أقل فضولا سوف لن تهتم حول المعرفة"(ص11). مع امتلاكنا لحواس جيدة نحن بإمكاننا النظر الى الأعلى ورؤية شكل هذه الأنظمة الشمسية. لكننا لا نستطيع، لذا نحتاج الى تأمل فلسفي.

في المساءات اللاحقة، تختبر الشخصيات النظام الشمسي وإمكانية الحياة على القمر والكواكب. بالنهاية، هم يتركون النظام الشمسي ليتأملوا إمكانية الحياة في أنظمة شمسية اخرى. وعندما يستوعب اللورد الدلالات الكاملة لهذه الصورة، يعبّر عن رعب كوني: "هنا كون كبير جدا لدرجة انا اشعر بالضياع، انا لم أعد أعرف أين انا، انا لا شيء. كل نجم سيكون مركزا لدوامة، ربما بحجم دوامتنا؟ ... هل عدد الفضاءات هناك يساوي عدد النجوم الثابتة؟ هذا شيء محيّر ومخيف". مع ذلك، يجيب الفيلسوف، "هذا يجعلني اشعر بالراحة. عندما كانت السماء فقط هذه القبة الزرقاء، مع نجوم مسمّرة فيها، بدا لي الكون صغير وضيق، انا شعرت بالضيق منه . الآن... يبدو لي انا أتنفس بحرية، انا في هواء أكبر". في الصفحات الأخيرة من هذا العمل القصير، يناقش الفيلسوف واللورد مجرة درب التبانة ويدركان انها تتألف من مليارات النجوم. ومثلما القمر يشبه الارض، فان نجوم مجرة درب التبانة كل واحدة تشبه شمسنا كما مبيّن في الصفحة الاولى من الكتاب.

التجارب الخيالية للفيلسوف واللورد تشير الى قوة الخيال العلمي في تعريفنا بالأشياء الغريبة تماما. التأمل في الظاهرة الفلكية يمنحنا إحساسا بالرعب الكوني، ويجعلنا نتضاءل الى مستوى الضحالة. لكن فونتيل يحوّل الرعب الكوني الى عالمية متفائلة: نحن بين العديد من المخلوقات المحتملة التي تسكن كونا عجيبا.

التيلسكوبات لم تكن الاختراع العلمي الوحيد الذي حفز على التأمل الفلسفي والخيال العلمي بسبب قدرتها على إثارة الرعب الكوني. المكروسكوبات، من خلال منحنا احساسا بالضآلة، عملت نفس الشيء تقريبا. في القرن السابع عشر لم تكن لدى الناس امكانية استخدام المكروسكوبات بسهولة كما نحن اليوم وتكبيرها لحجم الاشياء كان متواضعا مقارنة بمستويات اليوم. مع ذلك، منحت الكتب المصورة إحساسا بعالم الاشياء الدقيقة لتبدو ضخمة في تعقيديتها كما لو ان الحشرات الصغيرة في بيئتنا اليومية من براغيث وقمل تشبه الثدييات الضخمة. المحفز كان كتاب روبرت هوك الشهير بعنوان صورة مجهرية، عام 1665 الذي نشرته الجمعية الملكية محتويا على صور كبيرة فاخرة للبراغيث وأشياء الحياة اليومية مثل شفرة الحلاقة وثقب الإبرة.

الرياضي والفيلسوف باسكال نظر في دلالات كل من التلسكوب والمكرسكوب. هو يدعوا لنتصور ان كل ذرة ستؤوي اكوانا لامتناهية، كل واحد مع سماؤه وكواكبه وارضه في نفس النسبة كما في العالم المرئي، ولايزال يجد في الاكوان الاخرى نفس الشيء بدون نهاية وبدون توقف. انها عجائب مذهلة في صغرها كما الاخرى في اتساعها. لانزال يمكننا ان نستعيد شيئا ما من قلق باسكال عندما ننظر الى العالم الكوانتمي، عالم غريب حقا، قاد الفيزيائيين لإفتراض رؤى راديكالية للواقع مثل فرضية العوالم المتعددة او التراكب الكمي. الميكروسكوبات والتيلسكوبات تسبب لنا الدوار.

مكان البشرية في الطبيعة

عندما نفكر بالهائل والضحل، ذلك يقود حتما الى تأمل ذاتي: ما هو مكان البشرية في الطبيعة؟ يبدو ان البشر محشورون بين ما أسماه باسكال "هاويتا اللامحدود والعدم". دعانا باسكال ان "نتأملهما بصمت" بدلا من "اختبارهما بافتراض". لكن اذا كان هناك شيء لا يجيده البشر، فهو ان يتأملوا بصمت. الخيال العلمي يقدم لنا طريقة للخروج من الرعب الكوني. شكل الخيال العلمي يمنحنا قوة تجاه ضخامة الفضاء وحدود العلم. نحن نستطيع ان نرى هذا بوضوح في مقدمة فونتيل للمحادثات. كتب فونتيل بانه اراد المساعدة في تعليم المرأة علم الفلك. لكي يعوّض افتقار النساء السابق للتعليم الرسمي، هو اراد ان يكتب باسلوب أدبي ممتع استعاره من الرواية السايكولوجية La princesse d cleves عام 1678 التي نُسبت الى مدام دي لافايتي. وهكذا، خدم الخيال العلمي كطريقة لنشر العلوم بين النساء. من الصعب تضخيم شعبية كتاب المحادثات حول تعددية العوالم. انه اعيد طبعه وترجمته عدة مرات. في أعقابه تأسس نوع حقيقي من أعمال الخيال العلمي التعليمي بما في ذلك كتاب نيوتنية فرانسسكو الغاروتي للنساء، او حوار حول الضوء واللون عام 1737. في شكل خيالي ممتع، يصبح الرعب الكوني قابلا للفهم وربما نصبح كالفيلسوف – قادرين على التنفس بحرية أكثر وبهواء أكبر.

الخيال العلمي لا يسمح لنا فقط بالتوافق مع الرعب الكوني، هو ايضا يسمح لنا للانخراط النقدي مع العلم واستنتاجاته. لنأخذ مثلا قصة (عالم مشتعل، عام 1666) للكاتبة المسرحية الانجليزية مارغريت كافيندش. هذه القصة تصف يوتوبيا نسوية مثيرة للاهتمام، مجتمع يعيش في انسجام في ظل حكم امبراطورة متنورة. مختلف الحيوانات المجسمة (الرجال الدببة، الرجال القردة، رجال الديدان، رجال السمك، رجال الطيور) يعملون كخبراء علميين للامبراطورة. ينظر رجال الدببة من خلال التلسكوبات والمكروسكوبات في فحوصاتهم للعالم المشتعل. كافيندش (وشخصيتها الرئيسية الامبراطورة) غير معجبين بهذه الأدوات. هي تعتقد انها غير مفيدة معلوماتيا، وتسبب الكثير من الإنقسام. هي تقول للرجال الدببة: "نظاراتكم كاذبة، وبدلا من اكتشاف الحقيقة، هي تضلّل حواسكم، لذا انا انصحكم بتحطيمها وترك الرجال الدببة يعتمدون فقط على عيونهم الطبيعية، ويفحصون الأجرام السماوية بواسطة حركة حواسهم وعقولهم".

الرجال الدببة يؤمنون بان نظاراتهم تعوّض عن محدودية بصر الانسان وعقله، مجادلين ان "الامبراطورة لا تعرف فضيلة تلك المكروسكوبات: لأن هذه لا تخدع أبدا، وانما تصحح وتبلغ الحواس". في هذا هم صدى لروبرت هوك، الذي جادل في مقدمته لـ Micrographia بان المكروسكوبات والتلسكوبات تساعدنا للحفاظ على قدراتنا، التي اعتقد انها تأثرت سلبيا بالسقوط من جنة عدن. عبر انتقاد ذلك الموقف، كافيندش سبقت غيرها من المؤلفين اللاحقين مثل برير دوهم او باس فان فراسون الذين بيّنوا ان قرائتنا للوسائل العلمية ليست واضحة وانما دائما تتطلب تفسيرات من جانب الشخص الذي يستعمل الوسيلة.

عمل كافنديش يذكّرنا بدورآخر للخيال العلمي ذلك اننا نرى من مقدمتها ان هناك في بداية الفترة الحديثة فرصة لتصوّر مختلف العوالم والمجتمعات، وبهذه الطريقة، نتحدى طرقنا الخاصة في الحياة. ليس صدفة ان الخيال العلمي المبكر امتزج مع نوع آخر حديث مبكر وهو اليوتوبيا. نحن نرى اليوتوبيا في نطاق واسع من الفترات، لكنها اصبحت شعبية منذ عصر النهضة فصاعدا، متجسدة برواية تحمل نفس الاسم لتوماس مور(1515). اليوتوبيا استعملت حبكة الرواية كوسيلة للسفر الى أماكن بعيدة لمساعدتنا في تصوّر إمكانات سياسية.

تقريبا كما اليوم، الموقف السياسي للناس في الحداثة المبكرة كان في الغالب جمود سياسي، او اضطراب سياسي لا يبشر بخير، كما في انجلترا في ظل عدم الاستقرار السياسي، تصبح جمهورية ومن ثم تتحول مرة اخرى الى الملكية اثناء حياة كافيندش. في مثل هذا العالم، يصبح تصوّر مختلف التجمعات السياسية في قصص خيالية هو نوع من التحدي. عالم مشتعل لـ مارغريت كافنديش هو مثال واضح لمثل هذه اليوتوبيا: انها تتكهن مجتمعا فيه تقسيم مثالي للعمل العلمي حيث المرأة يمكن ايضا ان تكون خبيرة وحاكم متنور. يوتوبيا اخرى تركز على الخبرة العلمية هي رواية فرنسيس باكون غير المكتملة بعنوان اطلنطا الجديد والتي نُشرت بعد وفاته عام 1626. الخيال العلمي يساعدنا لننخرط خياليا مع اللمحات التي يقدمها العلم. تلك هي لمحات لعالم مختلف – ربما أفضل او أسوا، كما نتصور اليوم في أعمال الخيال العلمي للمجتمعات الحضرية المسيّرة بتكنلوجيا الكومبيوتر cyberpunk .

ماذا يعني الخيال العلمي اليوم لنا وللفلسفة؟

 في عام 1686 أعلن فونتينيل بثقة : "ان فن الطيران وُلد توا، سيتم إتقانه وفي يوم ما سنذهب الى القمر". هذا كان مجرد زعم، نظرا لأن الطيران الميكانيكي كان جنينيا في تلك الفترة. وبفاصل 350 سنة بيننا، يمكننا ان نفكر بعناية في تلك التكهنات للخيال العلمي المبكر. فمن جهة، فونتيل كان صائبا. ما نظر اليه اشخاص مثل كبلر و فونتيل وكيرانو كخيال بعيد أصبح واقعا قبل وقت مضى. ومن جهة اخرى، هناك التفاؤلية اللامحدودة التي تتخلل عمل فونتيل تبدو الآن غريبة لنا. لم نعد نتصور، على سبيل المثال، السيارات الطائرة ( فهي تبدو وكأنها فكرة سيئة جدا) .

ماذا حدث لرؤية فونتيل للتقدم العلمي المترافق مع فضائل التنوير بما في ذلك التعليم للجميع؟ نحن لانزال لدينا تفاؤل تكنلوجي بمواعظ ايلون ماسك وبل غيت حول عجائب التقدم العلمي في محادثاتهما على TED. لكن مع رعب تقلبات المناخ والاوبئة والاسلحة النووية والعنف المسلح، وصعود اللامساواة الى عتبة دورنا، من الصعب استعادة تفاؤل واسع حول العلم وخلق عوالم أفضل. في هذه الصورة القاتمة، من المفيد النظر الى الخلف في ذلك الخيال العلمي. هذا الخيال كُتب في فترة تدفق مجتمعي مكثف، مع عوائق هائلة حتى بالنسبة لمبادرات مساعدة المرأة في التعليم. الخيال العلمي الفلسفي كسر الحدود وساعدنا لتوسيع تصورنا. عندما نشعر بجمود عقلي، يقدم لنا الخيال العلمي على الاقل امكانية للخروج، كما لاحظ الكاتب الامريكي يورشل لي جن Ursula Le Guin، ان كتّاب هذا النوع الادبي هم "واقعيون لواقعية أكبر". هذا واقع احتضن بالكامل إمكانات وقوة تصورنا.

Cosmic horror and the philosophical origins of science fiction, published online by Cambridge university press: 28June 2023

***

حاتم حميد محسن

في المثقف اليوم