قضايا
دعاء عبد النبي: المتحف المصري الكبير
مصر منبع الحضارة وذاكرة الوعي الإنساني
ان افتتاح المتحف المصري الكبير يمثل حدثًا يتجاوز حدوده الأثرية ليصبح بيانًا حضاريًا معاصرًا يذكّر العالم بأن مصر ليست مجرد شاهدٍ على التاريخ، بل هي بدايته. بهذا الحدث تُعيد مصر صياغة سرديتها بوصفها منبع الحضارة الإفريقية وأول تعبير عن الوعي الإنساني المنظم. فالمتحف، القائم على مقربة من أهرامات الجيزة، لا يُعد مجرد فضاء لعرض القطع الأثرية، بل جسرًا معرفيًا وروحيًا يصل بين الماضي والحاضر، بين عبقرية الأجداد وإبداع الأجيال المعاصرة. إنه لا يكتفي بعرض آثارٍ من عصور الفراعنة، بل يعرض ذاكرة الإنسانية في أقدم صورها؛ فهو يربط بين الجذور الإفريقية لمصر وبين امتدادها الكوني، ليؤكد أن الوعي بالحضارة بدأ من مصر، وانبثق منها إلى القارة والعالم.
وتُعدّ الحضارة المصرية القديمة من أبرز النماذج التي جسّدت الإنسان بوصفه صانعًا للمعنى والوجود في آنٍ واحد. فمنذ فجر التاريخ، استطاع المصري أن يؤسس لنفسه منظومة فكرية وأخلاقية متكاملة تجمع بين البعد المادي والروحي، وتضع في صميمها تصورًا شاملاً للعالم يقوم على التناغم بين الإنسان والطبيعة والإله. فالمنظومة الفكرية المصرية، التي تمحورت حول مفهوم "ماعت" أي العدالة الكونية والنظام الأخلاقي أسست لوعي إنساني مبكر بالعلاقة بين السلطة والأخلاق، وبين الحقيقة والعدل، وبين الفرد والمجتمع. إن النظر للحضارة المصرية اليوم ليس لاستعادة ماضٍ منتهي، بل لإحياء رؤية إنسانية أصيلة كانت نواة التاريخ الفكري للبشرية، ومرآة مبكرة لتجليات الوعي الإنساني في صورته الكونية الأولى.
أولاً: الحضارة المصرية القديمة: منارة الإنسانية وإرثها العظيم
أن الحضارة المصرية القديمة تُعد واحدة من أقدم وأعظم الحضارات الإنسانية. فقد نشأت على ضفاف نهر النيل منذ أكثر من سبعة آلاف سنة، واستطاعت أن تبني لنفسها نظامًا حضاريًا متكاملًا جمع بين العمق في الفكر الديني والفلسفي، والإبداع في الفنون والعمارة، والدقة في العلوم والمعارف. والعبقرية في التنظيم السياسي والإداري. فمنذ توحيد القطرين حوالي عام 3200 قبل الميلاد، أرسى المصريون القدماء دعائم دولة مركزية قوية، تميزت بالاستقرار السياسي والتنظيم الإداري والازدهار الفكري. لقد شيدوا صرحًا حضاريًا شامخًا، لم يقتصر تأثيره على جيرانهم فقط، بل امتد ليصبح مصدر إلهام للحضارات اللاحقة. هذا الإرث العظيم يدعونا إلى التعمق في تحليل وفهم بصمات هذه الحضارة على مجمل تاريخ البشرية، وكيف كانت مصر، بعبقريتها، منارةً قادت الإنسانية نحو آفاق جديدة من العلم والمعرفة. لقد تركت مصر القديمة بصمات لا تُمحى في مختلف مجالات المعرفة والعلوم، وتشمل أبرز إسهاماتها ما يلي:
البنية الأخلاقية والفكرية للحضارة المصرية
تميّزت الرؤية المصرية القديمة بكونها رؤية شمولية تجمع بين البعد الأخلاقي والميتافيزيقي. وقد تمحورت هذه الرؤية حول مفهوم "ماعت" (Maat)، الذي يجسد فكرة العدالة الكونية والنظام الأخلاقي الذي يحكم الكون والإنسان معًا. "ماعت" ليست مجرد مبدأ ديني، بل نظرية فلسفية مبكرة في الأخلاق والنظام الاجتماعي، إذ تشير النصوص المصرية إلى أن استقرار الدولة والمجتمع مرهون بتحقيق هذا التوازن بين الإنسان والكون. فكلمة ماعت تستخدم للدلالة على أكثر من معنى، فقد استخدمها المصريون للدلالة على الخير أو العدل أو الإصلاح أو الحقيقية، ولعلها كانت تتضمن كل الأفكار الأربعة[1].
أن أول ظهور ناضج إلى حد ما لمفهوم الماعت في المجال الأخلاقي كان مرتبطاً بعصر الأهرامات إلا أن الكلمة نفسها قد انحدرت من الأزمان الغابرة السابقة على ذلك العصر. فمنذ عهد الدولة القديمة عرف المصريون مسألة الحق والباطل وبحثوا في وجوهها، ففي دراما منف التي نعرفها عن نسخة متأخرة من العصر الحديث لكن محتواها يرجع إلى عصر قديم جداً[2]. فقد عدها برستيد أول بحث فلسفي وصل إلينا من العالم القديم، فهي محاولة لتفسير أصل جميع الأشياء بما في ذلك نظام العالم الأخلاقي[3].
الفكر السياسي والاجتماعي
قدّمت مصر القديمة أول نموذج تاريخي للدولة المركزية المنظمة، التي تقوم على شرعية مزدوجة: شرعية دنيوية وأخرى كونية. فالفرعون لم يكن مجرد حاكم سياسي، بل رمزًا للوحدة الكونية بين السماء والأرض. وقد أسهم هذا التصور في إرساء مفاهيم مبكرة عن السلطة المسؤولة والعدالة الاجتماعية، بما جعل التجربة المصرية نموذجًا لتكامل السياسة والأخلاق في التاريخ القديم. ماعت أُطلقت كصفة للحكم الصالح أو الإدارة الصالحة ولكن لا يمكن ترجمتها بكلمة حكم أو إدارة أو قانون، فإن ماعت كانت الصفة الملاءمة لتلك الأشياء عند تطبيقها، فكان لتلك الكلمة نفس المرونة التي كانت لكلمة حق أو عدل أو صدق أو شيء منتظم. فكانت ماعت بمثابة القوة الكونية للانسجام والاستقرار، نزلت منذ خلق العالم كصفة كونية منظمة للظواهر التي تم خلقها. وكان من الضروري أن يعاد تثبيتها عندما يتولى عرش مصر أي ملك – إله، ففي المناظر المنقوشة على جدران المعابد نري الملك يقدم ماعت كل يوم للآلهة الآخرين كدليل ملموس على أنه قائم بوظيفتها الإلهية نيابةً عنهم، كأنما كان هناك شيء لا يتغير أبدي عالمي يحيط بماعت. فإنها العدل بمعناه القانوني في أعمال الإدارة وهي الصلة العادلة الملاءمة لما في هذا العالم من ظواهر بما في ذلك الصلة بين الحاكم والمحكوم[4].
الإنجاز العلمي والمعرفي
برعت مصر في كثير من العلوم والفنون على سبيل المثال؛ الهندسة والعمارة، تُعتبر الأهرامات، خاصة أهرامات الجيزة، شاهدًا على العبقرية الهندسية للمصريين القدماء، ولا تزال لغزًا يحير العلماء. كما أبدعوا في بناء المعابد الضخمة بتقنيات متقدمة أثرت على فن العمارة العالمي. الري والزراعة، تطويرهم لنظام متقن للتحكم في مياه النيل والزراعة المعتمدة على فيضانه كان أساس استقرارهم وازدهارهم، ما يمثل نموذجًا مبكرًا لإدارة الموارد. العلوم والرياضيات والطب؛ الطب والجراحة: كشفت البرديات عن معرفة واسعة بـعلم التشريح ووظائف الأعضاء، بما في ذلك القلب، وتميزهم في الجراحة والتحنيط، وهي قفزة نوعية لا يزال سرها يحير العلماء. الرياضيات والفلك، ساهموا في تطوير مفاهيم رياضية متقدمة كـمفهوم الصفر واستخدام الكسور. وفي علم الفلك، كان إنجازهم الأروع هو ابتكار التقويم الشمسي، الذي هو أساس التقويم المستخدم حاليًا. اللغة والكتابة، ابتكروا أحد أقدم أنظمة الكتابة المعروفة، وهي الهيروغليفية؛ التي سمحت بتوثيق تاريخهم وثقافتهم وعلومهم، ووفرت رؤى قيمة لفهم الحضارات القديمة[5]. قدمت مصر القديمة رؤية كونية شاملة، فكانت بذلك أقدم دولة مركزية في التاريخ، دولة متكاملة الأركان من دين وأخلاق وعلوم وفنون وسياسة.
ثانياً: الوحدة الثقافية المشتركة بين مصر وإفريقيا جنوب الصحراء
إن الحديث عن الحضارة المصرية القديمة لا يكتمل دون الربط بينها وبين محيطها الإفريقي، فنهر النيل ليس مجرد شريان حياة لمصر، بل هو جسر للتواصل الثقافي والحضاري مع عمق القارة الإفريقية. لقد تشاركت مصر وإفريقيا في منظومة قيمية وثقافية واحدة، تقوم على احترام الحياة، وقداسة الأرض، وأهمية الجماعة، والارتباط بالبعد الروحي في الوجود. ويمكن أن نلمس هذه الوحدة في الرموز الدينية، والعادات الاجتماعية، والفنون، واللغة، والأخلاق بل وحتى في النظرة إلى الكون والطبيعة. إنّ ما يجمع مصر بإفريقيا ليس مجرد البعد الجغرافي، بل الروح الثقافية المشتركة التي جعلت من القارة مهدًا للحضارة ومصدرًا للقيم الإنسانية الأصيلة. ومن هنا، فإنّ فهم مصر القديمة في بعدها الإفريقي يفتح أفقًا جديدًا لإعادة قراءة التاريخ الإنساني من منظور مصري إفريقي.
الانتماء الإفريقي للحضارة المصرية
تُبرز الأدلة الأثرية والأنثروبولوجية أن مصر القديمة كانت أساساً حضاريًا وثقافيًا طبيعيًا للفضاء الإفريقي. فقد شكّلت حضارات النوبة، وكوش، وبلاد بونت، تفاعلات مستمرة مع وادي النيل، سواء من حيث الرموز الدينية أو الفنون أو النظم الاجتماعية. يقدم الشيخ أنتا ديوب عدة أدلة على وجود وحدة ثقافية مشتركة بين مصر وإفريقيا جنوب الصحراء، متمثله في اللغة والآداب الذي خلفها المصريون لم يكن لديهم سوى كلمة واحدة يدللون بها على أنفسهم سوى كلمة كمت(*)Kmt وهو أقوى لفظاً باقياً من اللغة الفرعونية يعبر عن السواد، هذا اللفظ هو الأصل الذي اشتق منه الجذر المعروف حامي والذي كثر استعماله في المؤلفات الأنثروبولوجية الحديثة، وربما كان الأصل المستمد من التوراة (حام) مشتقاً منه[6].
ومن بين الأدلة التي يوردها ديوب أيضاً دليلاً خاصتً بالألقاب الإلهية؛ حيث إن أسود أو زنجي هو اللقب الإلهي الذي يستعمل بصورة ثابتة في وصف أكبر الآلهة المصرية الخيرة، في حين أن الأرواح الشريرة كانت توصف بأنها دشرت = حمراء؛ وهذا التعبير في عرف الأفارقة يشير إلى الشعوب البيضاء. ومن المؤكد أن ذلك كان يصدق على مصر أيضاً. فكلمة دشرت هي المضاد اللغوي لكلمة كيمت والتي استخدمت كلقب لأوزيريس في حين استخدام دشرت للإشارة إلى ست (إله الشر)[7].
سعى ديوب إلى إظهار الوحدة الثقافية لأفريقيا وقد ذكر ذلك في مقدمة كتابة الوحدة الثقافية لأفريقيا السوداء حيث يقول "لقد حاولت إظهار الوحدة الثقافية العميقة، وشرح جميع السمات الثقافية المشتركة للأفارقة. وقد تطرق بإيجاز إلى مفاهيم الدولة والملكية والأخلاق والفلسفة والدين والفن وبالتالي إلى الأدب وعلم الجمال، وفي كل من هذه المجالات المختلفة حاول عرض القاسم المشترك بين الثقافة المصرية والثقافة الأفريقية [8].
النظام الأمومي Matriarchy: أحد مميزات المهد الجنوبي، يعتبر النظام الأمومي واحداً من أهم مظاهر الوحدة الثقافية المشتركة داخل القارة الأفريقية، وهو إحدى السمات التي اعتمدها ديوب في مناقشته حول الأصول الزنجية للحضارة المصرية القديمة. فقد كان أساس التنظيم الاجتماعي في مصر وفي جميع أنحاء أفريقيا السوداء يقوم على النظام الأمومي، وفي المقابل لم يتمكن أحد أبداً من إثبات وجود مثل هذا النظام في العصر الحجري القديم في حوض البحر الأبيض[9].
إن القارة الأفريقية ذات الطابع التاريخي تم فيها دمج الأم في المجال الروحي والأخلاقي كمركز لتكاثر الأسرة والمجتمع بشكل عام والحفاظ عليها. ففي وقت مبكر من بداية الكون، فقد تم تحديد الثالوث الزراعي السماء والأرض والغطاء النباتي مع ثالوث نصف الإله لأوزوريس وإيزيس وحورس. وكان هذا التمثيل مرتبطاً بملاحظة العملية الطبيعية التي ارتبطت فيها دورة الحياة النباتية بظهور الأم وظهرت الزراعة في الوعي البشري كإلهة خصبة بشكل دوري بفعل السماء. وقد أعتقد ديوب أن الطابع الزراعي والأمومي تم شرحه بإسهاب في أسطورة أوزوريس وإيزيس. لقد تمكن ديوب من رسم سمتين ثقافيتين وحضارتين أساسيتين وهما أنه كان محصوراً في القارة الأفريقية وتميزه بالعائلة الأمومية[10].
الملكية Kingship: يعتبر مفهوم الملكية من السمات البارزة بصفة عامة بين مصر وبقية أفريقيا السوداء. الملك هو الإله على الأرض، الذي يعكس الخليقة ويديمها، أنه الوسيط بين الله (والده) والإنسانية[11]. وبغض النظر عن المبادئ العامة مثل الطبيعة المقدسة للملك، إلا أن هناك سمة أخرى مشتركة ذات طابع فريد، وهي القتل الطقوسي للملك. حيث كان يجب على الملك الذي يحكم مصر أن يكون في أوج قوته. ويبدو أنه كان يقتل فعلاً في بداية الأمر عندما كانت تضمحل قوته. إلا أنهم قد توصلوا إلى وسيلة أخرى تحول قتل الملك الفعلي وبذلك بقتلة رمزاً: فلم يعد يقتلونه إلا طقوسياً، وذلك عندما يتقدم في السن، وذلك في حفل يستعيد فيه الملك شبابه في نظر الشعب ويصبح صالحاً للقيام بمهامه. وهكذا أصبح (حفل السد) احتفالاً بتجديد شباب الملك، وأصبح موت الملك الطقوسي وتجديد شبابه مترادفين، وكان يتمان في مناسبة واحدة. وكان ذلك يظهر بشكل مختلف في السنغال عما كان عليه في مصر. حيث كان الملك يستطيع أن يتولى الحكم إذا أصيب بجروح أثناء معركة، وكان يقوم بتعيين من يحل محله حتى شفاؤه. إلا أن في مناطق أخرى من أفريقيا كانت تجري الأمور تماماً على غرار مصر، وذلك فيما يتعلق بقتل الملك فعلاً. ومن الشعوب التي تمارس موت الملك الطقوسي في أفريقيا السوداء: اليوربا، والداجومباس، التشامباس، الاينجارا، اليوادى، وكان ذلك التقليد متبعاً أيضاً في مروي القديمة، أي في النوبة واوغاندا – رواندا[12].
الطوطمية Totemism: لقد احتفظت الطوطمية المصرية بحيويتها حتى العصر الروماني، وهو ما يشير إليه بلوتارك. وقد أكدت أبحاث العلماء أمثال مورية، لوريه، أملينو؛ بوضوح وجود نظام طوطمي مصري، وهو ما يدحض ما ذهب إليه أنصار نظرية عبادة الحيوان[13]. وقد يستحيل إنكار أن تحريم بعض الحيوانات والنباتات في مصر يتفق تماماً كما هو الحال في كافة المناطق – وبالأخص في أفريقيا السوداء – حيث توجد الطوطمية بشكل لا يتطرق إليه الشك. وكان الزواج من داخل القبيلة والطوطمية لا يتعارضان، بل يتعايشان معاً. وهكذا نجد في أفريقيا جنوب الصحراء الآن زوجين يحملان نفس الاسم الطوطمي، وكان الزوجين يدركون جيداً أن كلا منهما مشترك بحياته في جوهر طوطمه. وعليه كان يدركان تماماً أنهما مشتركان في نفس الجوهر الحيواني، ونفس الجوهر الحياتي[14].
الختان Circumcision: وفقاً لما ذكره هيرودوت، فإن الختان يرجع إلى أصل أفريقي. فقد ذكر أن الكولخيين والمصريين هم الوحيدون الذين لجأ إلى الختان منذ الأزمنة البعيدة. ويعترف بأن الفينيقيون وسوريو فلسطين تعلموا الختان من المصريين، ولكن السوريين الذين يعيشون على شواطئ الترمودون وجيرانهم الماكرونيين، يقرون بأنهم أخذوا ذلك منذ زمن بعيد من الكولخيين، وهذه الشعوب الوحيدة التي تمارس الختان، ويقال إنهم يحاكون في ذلك المصريين. ووفقاً لما قاله هيرودوت، الذي رأي بعينه المصريين، بأن الختان من أصل مصري وأثيوبي[15].
نشأة الكون Cosmogony: تتقارب مفاهيم نشأة الكون الأفريقية والمصرية حتى أنها تكمل بعضها في كثير من الحالات. ومن اللافت للنظر أنه يتعين الرجوع إلى العالم الأسود لفهم بعض المفاهيم المصرية[16]. لقد كان هناك ثلاثة أنظمة فكرية عظيمة في مصر حاولت شرح أصل الكون، ووفقاً لهذه الأنظمة، لم يتم إنشاء الكون في يوم معين ولكن كان هناك دائماً كل غير مخلوق، دون بداية أو نهاية، دون حدود، وكانت مادته الفوضوية في الأصل مساوية للعدم[17].
التشابه اللغوي: يقول أنتا ديوب "بقدر ما توجد صعوبة في إثبات علاقة القرابة بين اللغة المصرية القديمة واللغات الهندو – اوربية والسامية – بقدر ما يسهل إثبات رابطة الوحدة الوثيقة بين اللغة المصرية القديمة واللغات الزنجية"، "لا تؤدي المقارنة بين اللغات الأفريقية واللغة المصرية القديمة إلى علاقات غامضة يمكن اعتبارها مجرد احتمالات، بل إلى تطابق في قواعد الصرف والنحو على نطاق واسع، حيث لا يمكن اعتبار ذلك مجرد صدفة"[18].
إن لغة الولوف وهي لغة سنغالية يجري الكلام بها في أقصى غربي أفريقيا على المحيط الأطلنطي، تشبه كثيراً اللغة المصرية، مثلها في ذلك مثل اللغة القبطية. وإن الصلة بين اللغة المصرية القديمة ولغات أفريقيا ليست صلة افتراضية، بل هي حقيقة ملموسة يستحيل على العلم الحديث أن يتجاهلها، حيث إن الصلة بينهما هي صلة نسب وقرابة[19]. إن اللغة المصرية القديمة تعبر عن الماضي ببدء الفعل بحرف النون مثل الولوف، وهناك تصريف للأفعال توجد حرفياً في الولوف؛ كما أن أغلب هذا التصريف مماثل لما يوجد في الولوف؛ والضميران المضافان بالمصرية القديمة (إف) و (إس) حرفياً في الولوف، كما ان حروف الإشارة واحدة في اللغتين، والمبني للمجهول تعبر عنه نفس البداية (او) في اللغتين؛ كما يكفي إحلال (اللام) في الولوف محل (النون) في اللغة المصرية القديمة للانتقال من الكلمة المصرية إلى كلمة الولوف بنفس المعنى(*)[20]. وعن الأصول المصرية لبعض الثقافات الأفريقية يمكن أن نورد نموذجين وهما:
اليوربا Yoruba/ حيث توجد شكوك حول صحة أن أصل اليوربا آسيوي، لا يوجد مجال للشك في أنهم كانوا في أفريقيا منذ حقبة قديمة للغاية. وهناك وقائع تدفع إلى الاستنتاج بأنهم لا بد من أن يكونوا قد استقروا لمدة طويلة في هذه البقعة من القارة والمعروفة بمصر القديمة، هذه الوقائع تتمثل في التشابه بين اللغة وتماثلها، تشابه المعتقدات الدينية وتماثلها، تشابه الأفكار والممارسات الدينية أو تماثلها، بقاء عادات واسماء ومواقع وأدوات... فنجد في مجال التماثل في المعتقدات الدينية (فكرة الحياة الأخرى والحساب بعد الموت – تالية الملك – رسوخ الإيمان بالحياة الآخرة – الإيمان بوجود روح حارسة ليست إلا مظهر للكا) فكافة المفاهيم المتعلقة بالكائن في مصر القديمة، مثل الكا، والبا نجدها عند اليوربا كما أن هذه المصطلحات توجد حرفياً في لغتي البول والولوف. كما أن محفل الأرباب المصري مع قرينه اليوربي، يكفي لإثبات وجود اتصال قديم، ومن الشعب اليوربي وأساطيره يمكن معرفة أنهم قد استقروا في موطنهم الحالي منذ زمن قريب نسبياً، بعد هجرة من الشرق إلى الغرب، ولذا يمكننا القول إن المهد المشترك الأول لليوربا والمصريين، حقيقة تاريخية[21].
البول Peul/ كما أورد ديوب أن البول قد نشأُ في منطقة أفريقيا الغربية، هم على الأرجح قد قدما من مصر، شأنهم شأن شعوب أفريقيا الغربية، ويمكن دعم ذلك الافتراض بحقيقة رئيسية، وقد تكون أهم حقيقة حتى الآن، وهي تتعلق بتماثل أسمى علم طوطميين يتميز بهما البول، مع تصورين متميزين أيضاً للمعتقدات الميتافيزيقية المصرية، ألا وهما الكا والبا. (الكا) الذي يتحد مع الزيت هو كائن إلهي يعيش في السماء ولا يظهر إلا بعد الموت، وباتحاد الكا والزيت يكونان الكائن المتكامل الذي يبلغ حد الكمال، ويكتسب هذا الكائن صفات جديدة تجعله أحد سكان السماء، وهو يسمى (البا) الروح. والروح با الممثلة بالطائر با ذو الرأس البشري، تعيش في السماء، وبمجرد أن ينضم الملك إلى الكا الخاص به فإنه يصبح با. وبصرف النظر عن مدى صحة هذا التفسير للكا والبا المصريين، إلا أن أهم ما في الأمر هو أن هذين المفهومين يقومان بدور لا يمكن إنكاره في التصور المصري للكائن، غير أن الكا والبا، هما الاسمان الطوطميان النموذجيان الوحيدان عند البول. إن المفاهيم المتعلقة بالميتافيزيقا المصرية قد تنوعت معانيها وفقاً للشعوب التي نقلتها عنها. بينما ظل المعنى المصري لهذه التصورات قائماً في لغة الولوف، إلا أن بعض هذه المفاهيم تحول عند البول إلى أسماء طوطمية ومنها الكا والبا، اللتين تحولا إلى اسمي طوطميين، أي عرقيين تقريباً. إن علاقة لغة البول بلغة الولوف لا تترك مجالاً للشك حول وحدة تلك اللغات الوثيقة[22].
ومن السمات الثقافية المشتركة أيضاً بين مصر وأفريقيا، الآلات الموسيقية التي تستعمل في أفريقيا الغربية الآن هي نفسها الآلات المصرية القديمة، كما أن العادات والشعائر المصرية التي شاعت بين الزنوج في أفريقيا هي باقية بين الزنوج حتى الآن على أصلها المصري، كما أننا نلمس الأصل في العقائد الزنجية وأنظمتهم الاجتماعية في عقائد مصر القديمة[23]. كما جادل ديوب بالدليل الأنثروبولوجيا الفيزيائية، اختبارات جرعة الميلانين، قياسات العظام واختبارات فصائل الدم، تكشف عن أفريقية محددة لمصر، كما قدم أدلة فنية من خلال النحت والرسم المصريين فضح السمات النموذجية للشكل الأفريقي للمصريين القدماء وأوجه تشابههم مع بعض النوبيين. منذ أن تم الاعتراف بأفريقيا على أنها الموطن الأول للبشرية، فإن وجود اختلافات طفيفة وحادة في لون البشرة وهياكل العظام كلها أمور لا تحتاج إلى شرح. وأخيراً، تقع مصر جغرافياً داخل أفريقيا[24].
الأخلاق الإفريقية والأخلاق المصرية القديمة
لم تقتصر الوحدة الثقافي بين مصر وإفريقيا جنوب الصحراء على السمات السابقة فقط بل تطرقت إلى المجال الأخلاقي والاعتقاد الديني. ففي مجال الأخلاق؛ يمكن الحديث عن الأخلاق الإفريقية من خلال منظور "أوبونتو Ubuntu". يشير أوبونتو في الأخلاق الإفريقية إلى "الإنسانية" في العديد من لغات البانتو. إنه يلخص القيم الأساسية للتقارب العلائقي ورعاية حياة القرية التقليدية من خلال مناشدة حقيقة أن الناس "بشر معاً"، وهذا يظُهر فضيلة العلاقات والاحترام والاعتراف بالآخرين حولنا[25]. إذن، فإن أوبونتو هي رؤية كلية للعالم ترى أن إنسانية الإنسان، لا تتحقق إلا ضمن مجموعة بشرية، ومن خلال التزامات الفرد مجموعة من المبادئ المجتمعية والقيم التشاركية الكفيلة بتحقيق الوئام بين البشر، والتناغم بين عناصر الكون الأوسع[26].
هذه الرؤية الإفريقية حاول بعض الباحثون الخوض في البحث عن جذورها الفلسفية، فخلصوا إلى أنها نابعة عن رؤية قديمة بأفريقيا، تعرف ب "ماعت" (Ma’at)، في الحضارة الفرعونية القديمة، وتهدف لتحقيق العدالة الاجتماعية، والوئام والكمال الأخلاقي في عالم تسوده الفضيلة، وقد أصبحت هذه الرؤية فيما بعد اسما في اعتقادهم للإله ماعت ابنة رع، التي يعتقد أنها ربة العدالة والحقيقة في الأساطير الفرعونية، وأنها التي وضعت أسس النظام الأخلاقي. وهنا يرى مولانا كارينجا Maulana Karenga، أن فلسفة أوبونتو امتداد لتلك الرؤية الفرعونية القديمة المتعددة المعاني. "إنها تشمل: الصدق، والعدالة، والوئام، والتوازن والنظام"، وأن هذه المتواليات الأخلاقية تهدف لبناء الفرد والمجتمع بتناغم، وتحقيق الرفاهية في الحياة. يزعم كارينجا أن ماعت مشتقة من مفهوم فيزيائي للاتساق والتوازن وهذا يعني أن فكرة الصواب أو الصحة كانت في قلب فكرة ماعت منذ البداية. وبالتالي، أصبحت ماعت مرتبطة بالحقيقة والصلاح والعدالة والنظام والتوازن والانسجام والمعاملة بالمثل. وفي بعض النواحي، كانت لها السيادة. إن ماعت هو مفهوم شامل لكل أشكال الصلاح، بما في ذلك الخير والفرح، أي كما أطلق عليه الأفارقة، توسع القلب. سواء كان المرء ينظر إلى المفهوم الفلسفي لماعت كمثال معرفي، أو مثال للعدالة، أو مثال ميتافيزيقي، أو ينظر إلى مفهوم ماعت كأساس للحياة البشرية فإن الأمر يتعلق بتعزيز العقلانية والنظام والتوازن والوئام والسلام والعدالة بين البشر[27].
إن التواصل في أفريقيا القديمة كانا من أجل الصالح العام. إذا كان العالم ليظل على حاله، فسوف يحتاج إلى أن يعمل المجتمع لصالح ماعت. ولأن ماعت كانت أساسية للعلاقات الإنسانية الطيبة، فإن الدور الرئيسي للملك كان وضع ماعت في مكانها حتى تتمكن من صد أي هجوم الفوضى. وكطريقة لاحتضان كل أشكال الحياة البشرية، كانت ماعت هي المعاملة بالمثل، والعدالة، والاعتدال، والسعي إلى الكمال. كان على الملك أن يعيش وفقاً لمبدأ ماعت. في الواقع، كانت الوصفة هي "أن يتكلم ماعت، وأن يفعل ماعت، وأن يكون ماعت". وبدون هذا السعي المستمر لكبح الفوضى، اعتقد القدماء أن العالم سوف يتغلب عليه قوى الشر.[28]
وفي نفس الاتجاه يذهب برودريك Broodryk إلى أن الأصول الاجتماعية لأوبونتو كفكرة بدأت في مصر منذ عام 1500 قبل الميلاد. ويشير إلى أن سبع قيم أساسية في ثقافة ماعت هي الحقيقة والعدالة والملاءمة والانسجام والتوازن والمعاملة بالمثل والنظام. وكانت هذه أسس وإرشادات للسلوك الصحيح والأخلاقي. وقد تم نقل معظم هذه القيم والمعتقدات إلى أجزاء أخرى من أفريقيا خلال الحركة الثقافية إلى الأجزاء الجنوبية من القارة[29].
وعن العلاقة بين الدين والأخلاق يؤكد إي. بولاجي إيدوو E. Bolaji Idowu على أن "الأخلاق في التقاليد في المجتمع الأفريقي هو في الأساس ثمرة الدين وهو مرهون به. يشير إيدوو إلى أن اليوروبا أيضاً يستمدون أخلاقهم من الله، أولودوماري Oludumare الذي هو "الطاهر" و"الملك الكامل" من صفاته. أولودوماري هو القاضي ومعيار الأخلاق. فهو يحكم على طبيعة الإنسانية. إنه منتشر في كل مكان ويضع عين النسر على أخلاق رعاياه. ولا يمكن لأحد أن يهرب من دينونة الله. إن افتراضات الفلاسفة الأفارقة الذين ينسبون إلى الرأي السائد بأن الأخلاق الأفريقية تعتمد على الدين، ترى أن الأخلاق الأفريقية تأتي من الله والآلهة والأجداد. إنهم ينيرون الناس ليفعلوا ما هو صواب، ويكافئون الخير ويعاقبون الأشرار. هذا يجعل الدين لا غنى عنه في تحديد الأخلاق في أفريقيا[30].
تلك العلاقة الوثيقة بين الدين والأخلاق تم العثورعليها في اثنين من أقدم الأعمال الأدبية في مصر القديمة. أولاً دراما منف " Memphite Drama" أو لاهوت الممفي "Memphite Theology" والثاني كتاب الفيلسوف المصري القديم بتاح حتب. تعاليم بتاح حتب: أقدم كتاب في العالم. الدراما أو اللاهوت الممفي هي وثيقة كتبت بين عامي 3500 و3400 قبل الميلاد، وتعتبر "أقدم مناقشة معروفة حول الصواب والخطأ في تاريخ الإنسان إنها "مناقشة شبه لاهوتية وشبه فلسفية للأصول، أنتجتها هيئة كهنوتية من مفكري المعبد". إنها ممارسة حوارية، "مناقشة فلسفية" بين مختلف الآلهة، حول، من بين قضايا أخرى مترابطة، كائن أسمى يقود "حياة الإنسان وفقاً للتمييز بين الصواب والخطأ". الدراما ممفيس، وبالتالي، يمكن تلخيصها في محاولة لتفسير أصل كل الأشياء، بما في ذلك النظام الأخلاقي للعالم، وإظهار أن أصولها تعود إلى بتاح من ممفيس[31].
إن موقع القلب كموقع للفضائل ليس حكرا على المصريين القدماء، ولكنه موجود أيضا في الأسرة الأفريقية الكبرى. تشير قبيلة بيمبا في زامبيا إلى الإنسان الذي يؤدي عملا على أنه "شخص ذو قلب طيب وكريم"، وبين اللوو في كينيا، يقال إن الشخص الذي لا يتعرض للإهانة بسهولة لديه "قلب طيب" أو "قلب عميق". وعلى العكس من ذلك، يقال إن الشخص الذي يتعرض للإهانة بسهولة ومن المستحيل إرضاؤه هو "قلب سيء". ويقال إن الشخص الذي لا يستطيع الحفاظ على سر لديه "قلب ضيق أو ضعيف أو غير مستقر". لقد أدرك الأفارقة بشكل عام، والمصريون القدماء، بشكل خاص، أن القدرة أو عدم القدرة على كبح أفكارهم (قلوبهم) وكلامهم (لسانهم) لم تكن لها آثار اجتماعية خطيرة فحسب، كما في حالة مفهوم الأفارقة للأسرة، ولكن أيضاً وكذلك الآثار السياسية، من حيث الحكم[32].
هناك نظام أخلاقي بين الناس، يعتقد الأفارقة أن الله أعطى الناس نظاما أخلاقيا حتى يتمكنوا من العيش في سعادة وانسجام مع بعضهم البعض في سعادة وانسجام. من خلال النظام الأخلاقي نشأت العادات والمؤسسات في جميع المجتمعات لحماية حياة الفرد والمجتمع الذي ينتمي إليه. النظام الأخلاقي يساعد الناس على تحديد ومعرفة ما هو خير والشر والصواب والخطأ والصدق والكذب والجمال والقبح وما هي حقوق الناس وواجباتهم. وكل مجتمع قادر على صياغة قيمة لأن هناك نظام اخلاقي في الكون[33].
أوبونتو هي رؤية أفريقية قديمة شاملة للعالم مبنية على قيم الإنسانية المكثفة والرعاية والمشاركة والاحترام والرحمة والقيم المرتبطة بها، مما يضمن حياة مجتمعية في الواقع.[34] على الرغم من أن أصول أوبونتو كمفهوم يعود إلى شعوب البانتو في الجنوب الأفريقي إلا أنها فلسفة مشتركة الآن في معظم أنحاء القارة[35]. وبناءً عليه أخلاق أوبونتو الإفريقية هي رؤية شاملة للكون تعود بجذورها للرؤية المصرية القديمة ماعت.
الاعتقاد بالبعث والخلود
لا تقتصر الوحدة الثقافية على النظام الأخلاق بل امتدت للنظام العقائدي وعلى وجه الخصوص الاعتقاد بالخلود والعالم الأخر؛ ففي الفكر الإفريقي لا يعتقد أن الإنسان يتكوَّن من جسد وروح فقط، بل يتكوَّن من ثلاث مكونات وقد تصل إلى خمسة في بعض الثقافات، وإلى جانب الجسد والنفس هناك إشارة إلى الروح وكذلك الظل وهو ما لا يوجد في الفكر الغربي، وهي رؤية تتفق مع الفكر المصري القديم[36]. في النظرة الأوروبية ينظر إلى الحياة على أنها تتكوَّن من مراحل منفصلة، تبدأ بالحمل وتنتهي بالموت؛ ولذلك فإنَّ الموت يمثل المرحلة النهائية من الحياة، في حين أن النظرة الإفريقيَّة للعالم تفهم الموت باعتباره عملية حياة تنموية متكاملة ومستمرة لا يُمكن فصلها عن الروابط المتشابكة بين الأنطولوجيا المرئية وغير المرئية. لا يتوقف الناس عن الوجود بمجرد موتهم جسديًّا، بل يتجاوزون إلى العالم الروحي ليعيشوا في مجتمع الأموات الأحياء. بالنسبة للأفارقة الموت هو انتقال إلى مرحلة مختلفة من الوجود ويتجاوز الموتى إلى حالة الخلود الجماعي ويتواجد برفقة الأرواح[37].
وهي رؤية تختلف جذريًّا عن الرؤية الغربية والتي تتسم بثنائية العقل والجسد، وكلما ابتعدت الرؤية الإفريقيَّة عن الرؤية الغربية اقتربت من الرؤية المصرية القديمة والتي تعتقد بخمسة أجزاء للبشر كما تعتقد بالخلود وتناسخ الأرواح وأيضًا الاعتقاد بالثواب والعقاب. وبمقارنة معتقدات اليوربا بالمعتقدات المصرية القديمة عن محاكمة الموتى يتضح أوجه التشابة الشديد بينهما وإن كانت اليوربا لم تتوصل لفكرة التحنيط كما كان في مصر القديمة[38].
أيضًا هناك تشابه في اعتقاد الأفارقة باعتقاد المصرين القدماء حول مكان العالم الآخر فمثلما اعتقد بعض الأفارقة أن العالم الآخر مكانه الأرض واعتقدت اليوربا أن العالم الآخر مكانه السماء كذلك اعتقد المصريين قبلهم. وفقًا للمصريين القدماء كان الملك يتمتع بالجنة السماوية كما هو وارد في متون الأهرام، كما تدل متون الأهرام على أن جنة الشعب على الأرض فتقول النصوص إنَّ الملك الراحل خوطب بالقول التالي "عن مائك مأواه السماء أما الآلاف فمأواهم الأرض"، ويقصد بكلمة ماء هنا النطفة التي يخرج منها نسله وذريته وهؤلاء مصيرهم جنة السماء، أما أفراد الرعية الذين يحكمهم الفرعون فكان مصيرهم الأرض[39]. وهناك بعض الإشارات في المتون الجنائزية توحي بأن جنة عامة الشعب كانت على الأرض فقد كان يظن حتى نهاية الأسرة الخامسة تقريبًا أن مركز هذه الجنة هو حقل القربان الذي يظن أن موقعه كان بلده هليوبوليس عين شمس وهذه البقعة المباركة تعتبر المركز الرئيسي لعبادة الإله رع الذي كان القوم يزعمون إنه أوَّل من حكم الدنيا ناشرًا العدل والمساواة بين الجميع بقانون ماعت الذي سنه، ولكنه تخلى عن الحكم الدنيوي لابنه ورفع نفسه إلى السماوات العلى وكان من جراء ذلك أن رفعا معه حقل قربانه إلى العالم العلوي وأصبح مأواه الأبدي السماء وهناك كان ينعم ابن رع (الملك) بعيشة راضية في حقول قربان والده، أما عامة الشعب فقد ترك لهم حقول القربان التي على الأرض في هليوبوليس. إلا أن هذا الامتياز الخاص بالملك أخذ يشارك فيه في نهاية الدولة القديمة الأسرة المالكة ورجال البلاص بوصفهم أهل حاشيته ثمَّ لم يمض زمنًا طويلًا حتى نهض عامة الشعب عن بكرة أبيهم وقاموا بثورة اجتماعية دينية وطالبوا بالتمتع بالآخرة السماوية، فأصبحت حقًّا مشاعًا لكل أفراد الشعب على السواء؛ أي أخذت المبادئ الديمقراطية الدينية تنتشر غير أن هذا الانقلاب الديني على ما يبدو لم يأتِ فجأة، بل أتى تدريجيًّا[40].
ممَّا سبق يبدو الأثر المصري على المعتقدات الإفريقيَّة وعلى وجه التحديد على شعب اليوربا، وقد ذكر الشيخ أنتا ديوب في كتاب الأصول الزنجية للحضارة المصرية أوجه التشابه بين اللغة المصرية مع لغة اليوربا وكذلك تشابه المعتقدات الدينية والأفكار والممارسات الدينية. يذكر ديوب تماثل المعتقدات الدينية بين عقيدة اليوربا والعقيدة المصرية في فكرة الحياة الأخرى والحساب بعد الموت، وكذلك رسوخ الإيمان بالحياة الآخرة، أيضًا الإيمان بوجود روح حارسه، كما يوضح ديوب أن كافة المفاهيم المتعلقة بالكائن في مصر القديمة مثل الكا، البا، والآخو، والخو، والساهو موجودة عند اليوربا، كما أن تماثل محفل الأرباب المصرية مع اليوربا أصدق دليل لوجود اتصال قديم بين اليوربا والمصريين القدماء[41]. إن الثقافة المصرية تجد طريقها إلى قلب أفريقيا، وما زالت آثار تلك الحضارة باقية بين بعض القبائل، وما زال أهلها يمارسون كثيراً من العادات والشعائر المصرية القديمة حتى اليوم [42].
يتجلّى من خلال تحليل الروابط الثقافية بين مصر وإفريقيا أنّ هناك وحدة عميقة تتجاوز الحدود الزمنية والسياسية، وترتبط بجذورٍ روحية وإنسانية أصيلة. فقد شكّلت إفريقيا، بما فيها مصر، فضاءً حضاريًا واحدًا تفاعلت فيه القيم والمعتقدات والمعارف، مما أسهم في إثراء التراث الإنساني العام. وتؤكد الشواهد الأثرية والفكرية أن العلاقة بين الحضارة المصرية القديمة ومحيطها الإفريقي كانت علاقة جذور وتكامل وليست مجرد جوار. فالتأثير المتبادل في العمارة، مثل تقليد بناء الأهرامات في مروي، وتوغل الحملات المصرية في الجنوب، ثم حكم ملوك كوش لمصر وتأسيس الأسرة الخامسة والعشرين، كل ذلك يبرهن على وحدة مصير وتجربة حضارية نشأت في حوض النيل. إن الاعتراف بهذا البعد المصري لإفريقيا هو إبراز لأصالة الحضارة المصرية كقوة إفريقية رائدة شكلت، مع جيرانها، جزءًا لا يتجزأ من تراث القارة الثقافي والحضاري.
ثالثاً: إسهامات مصر في الحضارة الإنسانية
لقد ترك المصريون وراءهم تراثًا ضخمًا من المعارف في الطب والرياضيات والفلك والهندسة، ما يؤكد أنهم لم يكونوا مجرد بناة للحجر، بل بناة للعقل والمنهج. هذه الإنجازات لم تكن وليدة الصدفة، بل نتاج نظام تعليمي متطور، وإدارة مركزية ركزت على البحث والتطبيق، مما جعل وادي النيل أول جامعة علمية في العالم القديم. لنستعرض الآن أبرز تلك الإسهامات التي شكلت مسار الحياة البشرية.
ففي الرواية اليونانية الكاملة لمصر القديمة، والتي تمجد حضارة كيميت السوداء. ففي كيميت حصل اليونانيون على تعليمهم في كل مجال من مجالات المعرفة التي يمكن تصورها تقريباً. فقد جاء العديد من الفلاسفة اليونانيين إلى كيميت للدراسة [43]. لقد كانت المعارف والقيم في مصر القديمة وقفاً على الكهنة فقط الذين حرصوا على كتمانها وعدم نشرها بين عامة الناس، ووفقاً لشهادة العلماء والفلاسفة الإغريق الذين تتلمذوا على أيدي المصريين، كان المصريون لا يحبون أن يمس علمهم، لذلك وجد سولون وطاليس وأفلاطون وفيثاغورس مصاعب شتى قبل أن يلقنهم المصريون معارفهم[44]. فقد سمح المصريون وبعد قرابة خمسة الاف سنة من الحظر الذي فرضة المصريون للإغريق؛ بدخول مصر بغرض تلقي العلم وذلك عن طريق الغزو الفارسي لمصر ثم عن طريق غزو الإسكندر الأكبر. ومن ثم فقد استثمر اليونانيون القدماء منذ القرن السادس ق. م. وحتى موت أرسطو، أقصى حدا من الفرص التي أتيحت لهم لتعلم كل ما يستطيعون تعلمه من الثقافة المصرية، وتلقى غالبية التلاميذ تعاليمهم من الكهنة المصريين مباشرة[45].
ذكر ويل ديورانت في كتابة قصة الحضارة أن المصريين هم أول من وضع دستوراً واضحاً للضمير الفردي والضمير العام، وهم أول من ناد بالعدالة الاجتماعية، وأول من دعا إلى التوحيد في الدين، وأول من كتب في الفلسفة، وهذا الفضل لم يذهب هباءً، فقد انتقلت الحضارة المصرية على أيدي الفينيقيين والسوريين واليهود وأهل كريت واليونان والرومان حتى أضحت من التراث الثقافي للجنس البشري. وإن ما قامت به مصر من الأعمال في فجر التاريخ لا تزال آثاره مخلدة عند كل أمة وفي كل جيل، وبفضل ما بذلته مصر من جهود دامت أطول العهود، لعل مصر بهذا كله تعرض على العالم أعظم ما ظهر على الأرض من حضارات إلى يومنا هذا[46].
أيضاً ذهب جيمس هنري برستيد إلى أن الحضارة المصرية القديمة في كتابه فجر الضمير قدمت أول بحث فلسفي وصل إلينا من العالم القديم، تمثل في وثيقة منف، والتي يمكن تلخيصها بأنها محاولة لتفسير أصل جميع الأشياء بما في ذلك نظام العالم الخلقي، وإن هذه الأصول ترجع إلى بتاح إله منف. كما اعتقد المصريون القدماء بخلود الروح وإنهم عبروا عنها بأنها لا تفني، فلا يوجد شعب بين الشعوب احتلت في نفسه فكرة الحياة بعد الموت هذه المكانة العظيمة التي احتلتها في نفس الشعب المصري القديم فكان المصريين أول أناس بل أول شعب يناقش تلك المشاكل الأخلاقية، مشاكل الخير والشر مطبقة على الحياة ذاتها، ومشاكل الصواب والخطأ مطبقة على السلوك البشري[47].
أيضاً مارتن برنال يقول (وبكل موضوعية وبعيداً عن أي نزعة قومية نؤمن بأن العصر الهيللنستى هو عصر امتزاج الحضارة الإغريقية بحضارات الشرق القديم ولا سيما حضارة مصر. ونؤمن كذلك بأن مصر لعبت الدور الأساسي في بناء هذه الحضارة الجديدة التي جمعت بين الشرق والغرب وصهرت كل المنجزات الحضارية القديمة في بوتقة واحده)[48].
جورج سارتون؛ يقول سارتون (إن تاريخ العلم هو تاريخ للحضارة الإنسانية، يتتبع تطوراتها ويعرض مراحل نموها وازدهارها، كما أن تاريخه أيضاً هو تاريخ العقل البشري، فالصلة وثيقة بين تاريخ العلم من جانب وتاريخ الفن والصناعة والدين والفلسفة من جانب آخر)[49]. وعلى الرغم من أن سارتون في كتابه تاريخ العلم يناقش باستفاضة العلوم المصرية وتأثيرها على العلم اليوناني، وعلى الرغم من أن كتابه هو تأريخ لتاريخ العلم، إلا أن ذلك لم يمنعه من الإشارة لمصر القديمة وأنها قد عرفت مسألة الحق والباطل وكان ذلك آذنا بميلاد فجر الضمير والذي يبلغ من الأهمية مبلغ طلوع فجر العلم. ويعترف سارتون بمكانة المصريين القدماء، وهي بالضرورة مكانة عالية، ونحن مدينون بجزء من ذلك لأنهم أول المرشدين وأول المعلمين[50].
لم يكن الأثر المصري مقتصرا فقط على الجوانب الفلسفية ولم يقتصر على الفكر اليوناني، بل أيضاً، من الناحية التاريخية يمكننا القول إن أصل الديانات السماوية وعلى وجه الخصوص اليهودية والمسيحية، كان للديانة المصرية القديمة لها بالغ الأثر، ف رع ، في تاريخ الفكر الديني، هو الإله الأول، ذاتي التوليد، والذي كان غير مخلوق ليس له أب ولا أم، ومن ناحية أخرى كان ست، أخا أوزوريس، يقوم من بين الأموات لإنقاذ البشرية من المجاعة، كما أن كان أوزوريس هو إله الفداء، وهو الإله قبل المسيح بثلاثة آلاف سنة، يموت ويقوم ليخلص الناس. ومن ثم فإن المسيحية ليست وليدة أوروبية، بل جاءت من تعبير مصري فرعوني[51].
مما تقدم يتّضح من تتبّع الإسهامات المصرية القديمة أن هذه الحضارة لم تكن مجرد مرحلة زمنية في التاريخ الإنساني، بل كانت منعطفًا تأسيسيًا في مسار تطور البشرية. فقد أهدت إلى العالم مفاهيم في الأخلاق والعدالة والتنظيم الاجتماعي، وأسّست للعلوم والفنون والدين، وخلّفت تراثًا فكريًا ما يزال حاضرًا في الوعي الإنساني المعاصر. إنّ مصر القديمة لم تكن فقط مهدًا للتاريخ، بل كانت ضميرًا إنسانيًا مبكرًا عبّر عن وحدة المعرفة والأخلاق والجمال في آنٍ واحد.
خاتمة
إنّ الحضارة المصرية القديمة ليست فصلًا من الماضي، بل هي أحد أعمدة الذاكرة الإنسانية التي ما تزال تنير الحاضر وتوجّه المستقبل. فمن خلال إسهاماتها العلمية والأخلاقية والفكرية، ومن خلال انتمائها العميق إلى الفضاء الإفريقي، جسّدت مصر نموذجًا فريدًا للحضارة التي تجمع بين العقل والروح، بين الإنسان والطبيعة، وبين المحلي والعالمي. وإذا كانت دراسة هذه الحضارة تتيح فهم بدايات التاريخ الإنساني، فإنّ استحضارها اليوم هو دعوة لإعادة التفكير في مفهوم الحضارة نفسه، بوصفه تفاعلًا إنسانيًا شموليًا يتجاوز الانقسامات العرقية والجغرافية، ويؤكد أن إفريقيا بمصرها القديمة وجذورها العميقة كانت ولا تزال منارة للبشرية في سعيها نحو المعرفة والعدالة والجمال.
وفي هذا الإطار، يُمثّل المتحف المصري الكبير اليوم رمزًا لاستمرار الرسالة الحضارية المصرية، ودليلًا على أنّ مصر بتاريخها الإفريقي العميق ما زالت قادرة على مخاطبة الإنسانية بلغة الخلود والإبداع. إن افتتاح المتحف المصري الكبير ليس حدثًا احتفاليًا فحسب، بل هو فعل استعادة للذات المصرية والإفريقية في مواجهة سرديات المركزية الغربية التي طالما حاولت عزل مصر عن محيطها الإفريقي وإضعاف حضورها التاريخي. بهذا المعنى، يغدو المتحف الكبير جسرًا بين الأزمنة، ومركزًا لإعادة قراءة التاريخ من منظور جديد يعيد الاعتبار إلى مصر باعتبارها المنبع الأول للوعي الإنساني والنواة الحضارية لإفريقيا والعالم.
***
دعاء عبد النبي حامد
باحثة دكتوراه تخصص فلسفة إفريقية حديثة ومعاصرة كلية الآداب جامعة القاهرة - مصر
...........................
[1] - توملين. (ب. ت). فلاسفة الشرق (ط 2). ترجمة: سليم، عبد الحميد. دار المعارف. ص 52.
[2] - سارتون، جورج. (1961). تاريخ العلم (ج 1). ترجمة: عدد من العلماء. دار المعارف. ص 129.
[3] - برستيد، ج. ه. (2001). فجر الضمير. ترجمة: سليم حسن. الهيئة المصرية العامة للكتاب. ص 52.
[4] - ولسون، جون. (ب. ت). الحضارة المصرية. ترجمة: أحمد فخري. مكتبة النهضة المصرية. ص 100.
[5] - أنظر جورج سارتون تاريخ العلم.
*- كيمت تعني الأرض السوداء إشارة على تربة مصر الخصبة.
[6] - أفريك، جين. (1985). تاريخ إفريقيا العام (شيخ أنتا ديوب، أصل المصريين القدماء). ترجمة: مجموعة من الأساتذة. اليونيسكو. م2، ص57.
[7] - المرجع السابق. ص 58: 60.
[8] - Diop, Cheikh Anta. (1989). the Cultural Unity of Black Africa. Karnak House, London. P.1-3.
[9] - Diop, Cheikh Anta. (1974). the African Origin of Civilization Myth or Reality. Translated from French by Mercer Cook, Lawrence Hill Books, Chicago, first edition. P.174.
[10] - Nabudere, Dani Wadada. (2007). Cheikh Anta Diop: The social sciences humanities, physical and natural sciences and transdisciplinarity. International Journal of African Renaissance studies, 2(1). PP. 6-34. P.18.
[11] - Diop, C., 1974, P.334.
[12] - ديوب، الشيخ أنتا. (1995). الأصول الزنجية للحضارة المصرية. (ط1). ترجمة: طوسون، حليم. كتاب العالم الثالث. ص159، 160.
[13] - أفريك، جين. (1985). ص62.
[14] - ديوب، الشيخ أنتا. (1995). ص155: 157.
[15] - Diop, C., 1974, P.167.
[16] - ديوب، الشيخ أنتا. (1995). ص160.
[17] -Diop, Cheikh Anta. (1991). Civilization or Barbarism. Translated by Yaa – Lengi Meema Ngemi, Lawrenc Hail books. P. 310.
[18] - Diop, C., 1974, P. 185,187.
[19] - أفريك، جين. (1985). ص62.
(*) ففي اللغة المصرية (ناد) = يطلب وفي الولوف (لاد) = يطلب مثال اخر في المصرية (بن – بن) = منبع، وفي الولوف (بل – بل) = منبع، في المصرية (تاه) = يخفي او يحمي، وفي الولوف (لاه) = يخفي أو يحمي. وقد اورد الشيخ أنتا ديوب شرح وافي للمقارنة بين اللغة المصرية القديمة ولغة الولوف في كتابة الأصل الافريقية للحضارة اسطورة ام حقيقة ويمكن الاطلاع عليها في النسخة المترجمة بعنوان الاصول الزنجية للحضارة المصرية ترجمة حليم طوسون من ص 179 إلى ص 226.
[20] - ديوب، الشيخ أنتا. (1995). ص178.
[21] - المرجع السابق. ص254-257.
[22] - ديوب، الشيخ أنتا. (1995). ص261-263.
[23] - موسي، سلامة. (2011). مصر أصل الحضارة. القاهرة: سلسلة عالم المعرفة. ص64.
[24] - Muyumba, Francois N. (December 2004). Cheikh Anta Diop: Acritical view of African in the Twenty – First century. The great lakes research journal, vol. 1., P.20.
[25] - Kuhumba, Kevin Shijja. (2019). The Role of Ubuntu Ethics in Promoting Citizenship Values: An Investigation into the Foundations of Social Harmony. AMJRT 1:2. pp. 38-50. P. 39. https://www.researchgate.net/publication/337907092
[26] - بنداري، فاطمة محمود توفيق. (2021). رؤية العدالة في الثقافات الأفريقية نموذج فلسفة الأوبونتو. مجلة الدراسات الإفريقية. العدد 50. ج 2. ص 65، 66.
[27] - Asante, Molefi Kete. (2011). Maat and Human Communication: Supporting Identity, Culture, and History Without Global Domination. Intercultural Communication Studies XX: 1. P. 48, 49.
[28] - Ibid. P. 53, 54.
- [29] Dolamo, Ramathate. (2013). Botho /Ubuntu: The Heart of African Ethics. Scriptura. 112. pp.1-10. P. 2.
[30] - Richmond Osei Amoah & Augustine Kojo Peprah. (2022). The Foundation and Nature of Traditional African Morality: A Review of Selected Literature. E-Journal of Humanities, Arts and Social Sciences (EHASS). Vol. 3 Issue 7. pp 279-285. P. 280.
[31] - Sesanti, Simphiwe. (2023). Ancient Egyptian Ethics’ Origin of the African Renaissance Concept in (African Ethics A Guide to Key Ideas). London, New York: Bloomsbury Academic. First published. P. 212.
[32] - Ibid. P. 219.
[33] - Mbiti. J. S. (1975). Introduction to African Religion. First published, London: Heinemann. Richard Clay (The Chaucer press). P. 36.
[34] - Dolamo, Ramathate. (2013). Botho /Ubuntu: The Heart of African Ethics. Scriptura. 112. pp. 1-10. P. 2.
[35] - Bolden, Richard. (2014). Ubuntu. P. 2. https://www.researchgate.net/publication/259849297
[36] - Takov, Peter. (2022). the conception of "God" in African philosophy and African traditional religion. International Journal of Social and human research. Vol. 5. No.7. pp.2914- 2923. P 2915.
[37] - Baloyi, Lesiba. (2014). The African conception death: A cultural implication n. Papers from the international Association for cross- cultural Psychology Conferences. P. 236. https://scholarworks.gvsu.edu/iaccp
[38] - برستيد، جيمس هنري. (2014). فجر الضمير. ترجمة: حسن، سليم. مؤسسة هنداوي. ص 64.
[39] - حسن، سليم. (2001). مصر القديمة (ج2). مكتبة الأسرة. ص 217.
[40] - حسن، سليم. ص 218: 220/ فرانكفورت، هنري. (1982). ما قبل الفلسفة (ط 3). ترجمة: جبرا إبراهيم جبرا. المؤسسة العربية للدراسات والنشر. ص 128.
[41] - ديوب، شيخ أنتا. (1995). الأصول الزنجية للحضارة المصرية (ط1). ترجمة: طوسون، حليم. القاهرة: دار العالم الثالث. ص 245: 257.
[42] - فخري، أحمد. (2006). مصر الفرعونية. مكتبة الانجلو المصرية. ص353 & موسى، سلامة، ص64.
[43] - Ankomah, Baffour. (2020). The African fact book. Published by the book of African records, first published. P.8.
[44] - Ibid. P.272.
[45] - جيمس، جورج جي. ام. التراث المسروق (الفلسفة اليونانية فلسفة مصرية مسروقة). ترجمة: جلال، شوقي. المجلس الأعلى للثقافة. ص17.
[46] - ديورانت، ول وايريل، قصة الحضارة – نشأة الحضارة، الجزء الأول من المجلد الأول، ترجمة: محمود، زكي نجيب. بيروت: دار الجيل للطباعة والنشر والتوزيع. ص 186.
[47] - حسن، سليم، 2001، ص49-63.
[48] - برنال، مارتن. (2002). اثينا السوداء: الجذور الأفرواسيوية للحضارة الكلاسيكية. ترجمة: العديد من الأساتذة، مراجعة أحمد عتمان. القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة. ص40.
[49] - سارتون، جورج. (1961). ص9
[50] -المرجع السابق، ص130-131.
[51] - Diop, C., 1991, P.312.






